صفحة : 23-26   

من سمى علياً بحيدرة؟!:

تقدم: أن علياً «عليه السلام» قال في مواجهة مرحب:

أنـا الـذي سمتني أمـي حـيــدَرَة         كـلـيـث غـابـات كــريه المنـظَرَة

وقال ثابت بن قاسم: في تسمية علي «عليه السلام» بحيدرة، ثلاثة أقوال:

أحدها: أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد، والأسد هو الحيدرة.

الثاني: أن أمه فاطمة بنت أسد «رضي الله عنها» حين ولدته كان أبوه غائباً، فسمته باسم أبيها. فقدم أبوه فسماه علياً.

الثالث: أنه كان لقب في صغره بحيدرة، لأن «الحيدرة» الممتلئ لحماً مع عظم بطن. وكذلك كان علي([1]).

وذكر ذلك الحلبي أيضاً، ولكنه لم يشر إلى أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد، فراجع([2]).

ثم قال: «ويقال: إن ذلك كان كشفاً من علي كرم الله وجهه، بحيث إن الله أطلع علياً على رؤيا كان مرحب قد رآها في تلك الليلة في المنام: أن أسداً افترسه، فذكَّره علي كرم الله وجهه بذلك، ليخيفه، ويضعف نفسه»([3]).

ونقول:

أولاً: لو صح قولهم: إن لكلمة حيدرة عدة معان، فلماذا يختارون منها ما يوهم الناس بأمور غير محببة؟! كقولهم: الحيدرة: الممتلئ لحماً مع عظم بطن، وكذلك كان علي «عليه السلام». أي أنه لقب بـ «الحيدرة» لعظم بطنه..

مع أنهم يقولون: إن أمه هي التي سمته بذلك حين ولدته، فهل كان عظيم البطن من حين ولادته؟!

وإذا كان قد صرح هو نفسه: بأن أمه قد سمته بحيدرة، وكان ذلك منذ ولادته، فما معنى قولهم: لُقِّب بذلك منذ صغره؟!

فإن اللقب غير الاسم.. والاسم يوضع للمولود من حين يولد، ولحوق اللقب في الصغر قد يتأخر لعدَّة سنوات.

ثانياً: ما معنى قولهم: كان لُقِّب في صغره بـ «الحيدرة»؟ ألا ينافي هذا قول علي «عليه السلام» نفسه:

أنـا الـذي سمتني أمـي حـيـدرة         كـلـيـث غـابـات كــريه  المنـظرة

ثالثاً: لماذا لا يذكرون ما قاله ابن الأعرابي: الحيدرة في الأسد مثل الملك في الناس، وما قاله أبو العباس: يعني لغلظ عنقه، وقوة ساعديه؟!

رابعاً: ذكر ابن بري: أن أم علي لم تسم علياً «عليه السلام» حيدرة، بل سمته أسداً([4]).

لكنه «عليه السلام» لم يتمكن من ذكر الأسد لأجل القافية، فعبر بمعناه وهو: «حيدرة»، فرد عليه ابن منظور بقوله:

«وهذا العذر من ابن بري لا يتم له، إلا إن كان الرجز أكثر من هذه الأبيات، ولم يكن أيضاً ابتدأ بقوله: «أنا الذي سمتني أمي حيدرة»، وإلا فإذا كان هذا البيت ابتداء الرجز، وكان كثيراً أو قليلاً، كان «عليه السلام» مخيراً في إطلاق القوافي على أي حرف شاء، مما يستقيم الوزن له به.

كقوله: «أنا الذي سمتني أمي الأسد»، أو «أسداً»، وله في هذه القافية مجال واسع، فنطقه بهذا الاسم على هذه القافية من غير قافية تقدمت، يجب اتباعها، ولا ضرورة صرفته إليها، مما يدل على أنه سمي حيدرة»([5]).


 

([1]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص163 وقال: «وذكره الشيخ كمال الدين الدميري في شرح المنهاج» وراجع: حياة الحيوان (ط المكتبة الشرفية بالقاهرة) ج1 ص237 ولسان العرب (ط سنة 1416 هـ) ج3 ص84 و 85 ومجمع البحرين ج3 ص261 وتاريخ الخميس ج2 ص50 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص12.

([2]) السيرة الحلبية ج3 ص38 و (ط دار المعرفة) ج2 ص739.

([3]) السيرة الحلبية ج3 ص38 و (ط دار المعرفة) ج2 ص739.

([4]) لسان العرب (ط سنة 1416 هـ.) ج3 ص84 و (نشر أدب الحوزة) ج4 ص174 وخـزانـة الأدب للبغـدادي ج6 ص64 والإمـام علي بن أبي طالب = = «عليه السلام» للهمداني ص612. وراجع: شرح مسلم للنووي ج12 ص185 والفايق في غريب الحديث ج1 ص232 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص127 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص17 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص738 وينابيع المودة ج2 ص144 وغريب الحديث ج1 ص350 والصحاح للجوهري ج2 ص625 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص354.

([5]) لسان العرب (ط سنة 1416 هـ.) ج3 ص84 و 85 و (نشر أدب الحوزة سنة 1405هـ) ج4 ص174 والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص612.

 
   
 
 

موقع الميزان