وقد تضمن هذا
الحديث أموراً هامة تحسن الإشارة إليها، والدلالة عليها، وهي التالية:
ذكر الحديث:
أن سبب تقديم اليهود لمرحب أمران:
أحدهما:
شجاعته.
والثاني:
يساره.
نعم..
وهذا هو
المتوقع من اليهود الذين لا يفكرون إلا بالمال، وبالدنيا، والذين يسعون
في الأرض فساداً، ويثيرون الفتن بين الناس، وكل همهم هو الهيمنة على
الآخرين، وإذلالهم، وقهرهم، فإن ذلك هو ما ينسجم مع نظرتهم الاستعلائية
إلى كل من هو غير إسرائيلي، لأنهم ـ بزعمهم ـ شعب الله المختار، وقد
خلق الله تعالى غيرهم من أجل خدمتهم، وقد تحدثنا عن بعض ذلك في كتابنا:
سلمان الفارسي في مواجهة التحدي.
إن تقدم مرحب
بينهم لم يكن لأجل عقله، ودينه، ومزاياه الأخلاقية، والإنسانية، بل
لأنهم يحتاجون إلى فروسيته وشجاعته، وقوته، وإلى ماله ودنياه أيضاً.
وبعد، فما أروع كلمة رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
«يا
علي، اكفني مرحباً»،
فإنه تحدث بصيغة المتكلم وحده
«اكفني»،
ربما لكي يشير: إلى أنه
«صلى الله
عليه وآله»
هو المقصود الحقيقي لمرحب، وأن همة اليهود منصرفة إلى النيل من شخص
رسول لله
«صلى الله
عليه وآله»،
وأن لا مشكلة لمرحب مع أحد من الناس إلا معه
«صلى الله
عليه وآله»..
أما سائر من
حضر، فلا يقيم مرحب لهم وزناً، وهو قادر على استيعاب كل حركتهم ضده.
وليشير «صلى الله عليه وآله» أيضاً:
إلى أن الذي يكفيه إياه، ويدفعـه عنه هـو خصوص علي
«عليه
السلام»
دون سواه، وإن كانت الدعـاوى عريضة.
وصرحت الرواية المتقدمة أيضاً:
بأن الناس حين جزعوا وعَجَزوُا عن مقاومة مرحب التجأوا إلى النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
وسألوه أن يخرج إليه علياً
«عليه
السلام»،
مع علمهم بشدة مرضه
«عليه
السلام»،
فإن صحت هذه الرواية، فهي تدل على أنهم كانوا يعرفون طرفاً من جهاده
«عليه
السلام»،
وإقدامه وتضحياته في سبيل الله تعالى. ويعرفون أنه لا يتعرض له أحد إلا
هلك، ولعل طلبهم هذا يشير إلى أنهم كانوا لا يعرفون بأنه «عليه السلام»
مصاب بالرمد..
وهذه الرواية
لا تنافي روايات إرسال غير علي
«عليه
السلام»
بالراية قبله، لجواز أن يكون الناس قد طلبوا من النبي
«صلى الله
عليه وآله»
إرسال علي
«عليه
السلام»
بعد فشل الذين كان قد أرسلهم قبل ذلك..
بل قد يكون
طلبهم هذا قبل إرسال الآخرين أيضاً، لكن النبي الأعظم
«صلى الله
عليه وآله»
آثر أن لا يرسل علياً
«عليه
السلام»
من أول يوم لمصالح رآها..
|