وقد صرحت بعض الروايات:
بأن حصن
القموص ليس هو آخر الحصون التي فتحها الرسول
«صلى
الله عليه وآله»،
وعلي «عليه
السلام».
بل هناك قلعة أخرى فتحت بعده، يقول النص:
«ولما
فتح علي حصن خيبر الأعلى بقيت لهم قلعة فيها جميع أموالهم، ومأكولهم.
ولم يكن عليها حرب بوجه من الوجوه.
فنزل رسول
الله
«صلى الله عليه وآله»
محاصراً لمن فيها، فصار
إليه يهودي منهم،
فقال: يا محمد،
تؤمنني على نفسي،
وأهلي،
ومالي،
وولدي،
حتى أدلك على فتح القلعة؟!
فقال له النبي «صلى الله عليه وآله»:
أنت آمن، فما
دلالتك؟!
قال:
تأمر أن يحفر
هذا الموضع؛
فإنهم يصيرون إلى ماء أهل القلعة،
فيخرج ويبقون بلا ماء،
ويسلمون إليك القلعة طوعاً.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
أو يحدث الله
غير هذا وقد أمناك..
فلما كان من
الغد ركب رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
بغلته،
وقال للمسلمين: اتبعوني.
وسار نحو
القلعة، فأقبلت السهام والحجارة نحوه،
وهي تمر عن يمنته ويسرته،
فلا تصيبه ولا أحداً
من المسلمين شيء
منها حتى وصل رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
إلى باب القلعة.
فأشار بيده إلى حائطها، فانخفض الحائط حتى صار مع
الأرض،
وقال للناس: ادخلوا القلعة من رأس الحائط بغير كلفة»([1]).
ونقول:
تستوقفنا هنا
أمور عديدة، نكتفي منها بما يلي:
1 ـ
إن هذه
الرواية إذا صحت، فإنها تكون حجة على اليهود، تفرض عليهم التخلي عن
اللجاج والعناد، وتوجب عليهم قبول الحق.. وتكون أيضاً آية للمسلمين،
تقوي من ثباتهم، وتربط على قلوبهم. وتعرفهم بأن الله سبحانه يرعى نبيه
«صلى
الله عليه وآله»،
ويحفظه، ويسهل له العسير، وأن انتصاره ليس متوقفاً على أحد منهم، ولا
منوطاً بهم.
فإذا فروا،
فإن فرارهم يحرمهم من الخيرات والبركات، ويوجب لهم المذلة في الدنيا،
والخسران في الآخرة..
2 ـ
إنه
«صلى
الله عليه وآله»
لم يعمل بمشورة اليهودي، واستعاض عنها بإظهار هذا الأمر الخارق للعادة،
ليسهل على الناس تحصيل القناعة بهذا الدين، والدخول في زمرة أهل
الإيمان، والتخلي عن الإستكبار والجحود..
3 ـ
إنه «صلى الله
عليه وآله» رغم عدم عمله بمشورة ذلك اليهودي، لكنه لم يلغ الأمان الذي
أعطاه إياه، بل هو قد صرح بأنه ملتزم به، وحافظ له..
4 ـ
نحتمل جداً أن
تكون هذه القضية هي الرواية الصحيحة التي أوردناها في كتابنا: الصحيح
من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»، أبواب غزوة خيبر، وفيها:
أن بعض اليهود دل النبي «صلى الله عليه وآله» على دبول (أي جدول، أو
نفق) لليهود تحت الأرض، وأنهم سوف يخرجون منه..
وربما تكون أيضاً هي الأصل للرواية الأخرى التي
تزعم:
أن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
قد سمم لهم المياه التي يشربون منها. وقد عبرنا عن شكنا بصحة هذه
الرواية أيضاً.
وللرواية الثالثة التي تقول:
إنه
«صلى
الله عليه وآله»
رمى حصن النزار بكف من تراب فساخ، ولم يبق له أي أثر. وذلك بعد قتال
وحصار..
([1])
الخرائج والجرائح ج1 ص164 و 165 وبحار الأنوار ج21 ص30 و 31
عنه.
|