صفحة : 61-62   

ما قلعته بقوة جسمانية:

ورووا أيضاً: أن علياً «عليه السلام» قال: ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية، ولكن بقوة إلهية([1]).

وفي نص آخر: أن عمر سأل علياً «عليه السلام» قال: يا أبا الحسن، لقد اقتلعت منيعاً، وأنت ثلاثة أيام خميصاً، فهل قلعتها بقوة بشرية؟!

فقال «عليه السلام»: ما قلعتها بقوة بشرية، ولكن قلعتها بقوة إلهية، ونفس بلقاء ربها مطمئنة رضية([2]).

وجاء في رسالته «عليه السلام» لسهل بن حنيف قوله: «والله، ما قلعت باب خيبر، ورميت به خلف ظهري أربعين ذراعاً بقوة جسدية، ولا حركة غذائية، لكنني أيدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضيئة، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء الخ..»([3]).

ونقول:

1 ـ إن أمير المؤمنين «عليه السلام» عرف نفسه فعرف ربه، عرف في نفسه الضعف، فعرف أن القوة من الله، وعرف في نفسه الحاجة، فعرف الله تعالى بالغنى، وعرف نفسه بأنها مخلوقة، فعرف ربه بالخالقية، وهكذا.. فاستمد كل كمالاته منه تعالى.

ولأجل ذلك نلاحظ: أنه حين قلع باب خيبر، وجعله ترساً، أو جعله جسراً، يعبر عليه الناس.. كان أشد تذكراً لله تعالى، ورؤية لنعمه، وإحساساً بكرمه، وألطافه، وأعمق شعوراً بفضله عليه، فجاء اعترافه بهذه الحقيقة التي يراها رأي العين بمثابة الشكر والتعظيم له تعالى، وليعلمنا أن على الإنسان أن لا يغتر بنفسه، وأن يستكين ويخضع أمام عظمة ربه تبارك وتعالى..

2 ـ إن قوله هذا «عليه السلام» يهدف إلى إبعاد شبح الغلو فيه، بتقويض مبررات هذا الغلو، لأن مبرر الغلو هو توهم أن يكون «عليه السلام» قد قلع الباب بقوته الجسدية.. وهذا درس آخر للناس، يتضمن أن عليهم أن لا يأخذوا الأمور على ظواهرها، بل لا بد من التدبر والتفكر، ووضع كل شيء في موضعه. ولا غرو فإنه «عليه السلام» كان يهتم بالحفاظ على صفاء الإيمان، ونقاء العقيدة من أية شائبة أو عائبة..

3 ـ إنه «عليه السلام» أوضح: أن الإطمئنان بلقاء الله تعالى، يهون على النفس الإنسانية الإقدام على كل أمر تعرف أن فيه رضا الله تعالى.. أما من أخلد إلى الأرض، فإنه لن يحقق شيئاً، ولن يقدم على شيء ذي بال. بل هو سوف يعيش الضعف والهروب، والفشل الذريع، والخيبة القاتلة، والخزي في الدنيا، والخسران في الآخرة..


 

([1]) المواقف للإيجي ج3 ص628 و 638 وتاريخ الخميس ج2 ص51 عن شرح المواقف، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج20 ص316 والطرائف لابن طاووس ص519 وشرح مئة كلمة لأمير المؤمنين لابن ميثم ص257 وكتاب الأربعين للشـيرازي ص430 وبحـار الأنـوار ج55 ص47 وج70 ص76 وج84   = = ص32 وج99 ص138 ومناقب أهل البيت «عليه السلام» للشيرواني ص222 والدر النظيم ص271 وكشف اليقين ص141.

([2]) بحار الأنوار ج21 ص40 عن مشارق أنوار اليقين.

([3]) الأمالي للصدوق ص307 و (ط مؤسسة البعثة) ص604 وبحار الأنوار ج21 ص26 ونهج السعادة ج5 ص21.

 
   
 
 

موقع الميزان