علي عليه السلام يفتح خيبر وحده

   

صفحة : 67-71   

علي عليه السلام يفتح خيبر وحده:

تؤكد النصوص المتقدمة على أن علياً «عليه السلام» هو الذي فتح خيبر دون سواه، فقد ذكرت: أنه لما خرج أهل الحصن، بقيادة الحارث أخي مرحب، هاجموا أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» «فانكشف المسلمون، وثبت علي»([1]).

ويقول علي «عليه السلام» مخاطباً يهودياً سأله عن علامات الأوصياء:

«إنَّا وردنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» مدينة أصحابك خيبر، على رجال من اليهود وفرسانها، من قريش وغيرها، فتلقونا بأمثال الجبال، من الخيل، والرجال، والسلاح، وهم في أمنع دار، وأكثر عدد، كل ينادي، ويدعو، ويبادر إلى القتال، فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه.

حتى إذا احمرت الحدق، ودعيت إلى النزال، وأهمت كل امرئ نفسه، والتفت بعض أصحابي إلى بعض، وكل يقول: يا أبا الحسن، انهض.

فأنهضني رسـول الله «صلى الله عليه وآله» إلى دارهم، فلم يبرز إلي منهم أحد إلا قتلته، ولا يثبت لي فارس إلا طحنته، ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته حتى أدخلتهم جوف مدينتهم، مسدداً عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي، حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي، أقتل من يظهر فيها من رجالها، وأسبي من أجد من نسائها، حتى افتتحتها وحدي، ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده»([2]).

وهذا صريح في: أن الذين كانوا مع علي «عليه السلام» قد هربوا عنه، وبقي «عليه السلام» وحده، وبالتالي يكون «عليه السلام» قد أخذ المدينة وحده.

ثم إن في هذا النص الذي ذكرناه إشارات عديدة، منها:

1 ـ قد يقال: إنه «عليه السلام» ذكر: أن اليهود لم يكونوا وحدهم في خيبر، بل كان معهم فرسان، من قريش، ومن غيرها. وقد بقوا يحاربون معهم إلى النهاية.. مع أن اليهود لم يكن معهم أحد من قريش..

ويجاب:

أولاً: لعل بعض فرسان قريش التحقوا بهم لمساعدتهم..

ثانياً: لعل كلمة: من قريش ومن غيرها، أريد بها توضيح المراد من الذين وردوا على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقد كان فيهم من قريش وغيرها، وكلهم سمع عن فرسان اليهود، وأخذتهم الرهبة منهم.

2 ـ أن أعداد مقاتلي خيبر كانت كبيرة جداً، حتى إنه «عليه السلام» يصفهم بأمثال الجبال من الرجال، والخيل، والسلاح، وبأنهم قد قاتلوا المسلمين بأكثر عدد، وأمنع دار..

3 ـ أن رغبة اليهود ومن معهم في الحرب كانت جامحة وقوية بصورة غير عادية..

4 ـ يظهر من كلامه «عليه السلام»: أن عدد القتلى من المسلمين لم يكن قليلاً، حيث قال: فلم يبرز من أصحابي أحد إلا قتلوه.

5 ـ أن المسلمين تضايقوا إلى حدّ أن كلاً منهم قد أهمته نفسه.

6 ـ أنهم كانوا يرون: أن أحداً سواه «عليه السلام» لا يستطيع كشف هذه الغمة عنهم، فكانوا يحثونه على مباشرة الحرب، رغم ما هو فيه من رمد في العين، وصداع في الرأس.

7 ـ أنه «عليه السلام» قد طحن ذلك العدو طحناً، حتى أدخلهم إلى جوف حصنهم.

8 ـ أنه «عليه السلام» قد اقتلع باب حصنهم، ودخل وحده، ولم يشاركه المسلمون في ذلك، فإن كانوا قد شاركوه فإنما كان ذلك بعد سكون رياح الحرب.. وانحسار كل خطر.

9 ـ والأهم من ذلك: تأكيده «عليه السلام» على أنه هو الذي فتح خيبر، وأن أحداً غير الله تعالى لم يعنه على ذلك.

فلا يصح قولهم: «وقام الناس مع علي حتى أخذ المدينة».

لأن الناس بعد أن قاموا معه انهزموا أمام اليهود من أهل الحصن.

ولكن حين هاجمهم علي «عليه السلام»، وأخذ باباً كان عند الحصن، ثم قتل «عليه السلام» مرحباً وسائر الفرسان، انهزم اليهود إلى داخل حصنهم، فاقتلع «عليه السلام» بابه، وهاجمهم، فثاب إليه المسلمون، وحمل «عليه السلام» باب الحصن بيده، وصار المسلمون يصعدون عليه، ويمرون إلى الحصن، فلما حصل له ما أراد ألقاه خلف ظهره ثمانين شبراً..

فلم يساعده المسلمون في الفتح، كما تحاول بعض الروايات أن تدَّعيه، بل الحقيقة، كل الحقيقة هي: أن علياً «عليه السلام» قد فتح الحصن وحده، ومن دون مساعدة أحد.

ولأجل ذلك: نسب النبي «صلى الله عليه وآله» الفتح إلى علي «عليه السلام» كما تقدم. فقال: لا يرجع حتى يفتح الله على يديه.

كما أن نفس روايات الفتح فيها تصريحات عديدة بأنه «عليه السلام» هو الذي أخذ المدينة، ولا تشير طائفة منها إلى مشاركة أحد له في ذلك، فراجع النصوص في مصادرها تجد صحة ذلك.

بل هو «عليه السلام» قد فتح الحصن قبل أن يلحق آخر الناس بأولهم، كما صرحت به بعض الروايات([3]).

وفي نص آخر: عن عبد الله بن عمر، قال: «فلا والله ما تتامت الخيل حتى فتحها الله عليه»([4]).

وتقدم: أنهم قالوا في الحديث الوارد في تفسير قوله تعالى: ﴿..وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً([5]): «أجمعوا على أنه فتح خيبر، وكان ذلك بيد علي بن أبي طالب بإجماع منهم».

وهذا، وسواه يجعلنا نعتقد: أن ذلك من الواضحات، فلا حاجة إلى تكثير النصوص والمصادر.


 

([1]) راجع: إمتاع الأسماع ج1 ص310 و 333 والسيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737 والمغازي للواقدي ج2 ص653 و 654 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص125 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص386 وأعيان الشيعة ج1 ص271 و 403.

([2]) بحار الأنوار ج21 ص27 وج38 ص171 والخصال ج2 ص16 و (ط مركز = = النشر الإسلامي) ص369 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص127 والإختصاص للمفيد ص168 وحلية الأبرار ج2 ص364.

([3]) الإصابة ج2 ص502 و (ط دار الكتب العلمية) ج4 ص466 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص521 وكنز العمال ج10 ص463 وبحار الأنوار ج21 ص22 وإعلام الورى ج1 ص207 ومسند أحمد ج5 ص358 ومجمع الزوائد ج6 ص150 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص110 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص300 والمستدرك للحاكم ج3 ص437 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص55 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص411 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص422 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج2 ص509.

([4]) مجمع الزوائد ج9 ص123 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص406.

([5]) الآية 18 من سورة الفتح.

 
   
 
 

موقع الميزان