زعموا:
أن أهل فدك لما سمعوا ما جرى في فتح حصن الناعم في خيبر انصاعوا للصلح،
رغم أنهم كانوا قد ترددوا في بادئ الأمر، فارسلوا إلى النبي جماعة
منهم، فبعد القيل والقال صالحوه على أن لهم نصف أرضها، وللنبي النصف
الآخر، فلما أجلاهم عمر، هم وأهل خيبر إلى الشام اشترى منهم حصتهم بمال
من بيت المال([1]).
وفي نص آخر:
لما سمعوا ما فعل المسلمون بأهل خيبر، بعثوا إلى رسول الله يسألونه أن
يسيرهم أيضاً، ويتركوا الأموال، ففعل([2]).
وهذا هو قول
ابن اسحاق.
ونقول:
أولاً:
لا صحة لما زعموه، من أن النبي «صلى الله عليه وآله» صالحهم على نصف
أرضهم، ثم اشترى عمر منهم النصف الآخر..
وقد تحدثنا عن
ذلك في الجزء الثامن عشر من كتابنا الصحيح من سيرة النبي «صلى الله
عليه وآله».. ونكتفي هنا بالإشارة إلى التناقض الذي وقع فيه هؤلاء.
فقد ذكر النص الذي أشار إلى ذلك:
أنهم عرضوا أن يجليهم، فإذا كان أوان جذاذها، جاؤا فجذوها، فأبى رسول
الله «صلى الله عليه وآله» أن يقبل ذلك ..
وقال لهم محيصة بن مسعود:
ما لكم منعة ولا حصون، ولا رجال، ولو بعث إليكم رسول الله «صلى الله
عليه وآله» مائة رجل لساقوكم إليه، فوقع الصلح بينهم بأن لهم نصف الأرض
بتربتها([3]).
فما معنى أن
يصالحهم على نصف الأرض بتربتها بعد أن رضوا بالجلاء؟! فمن يرضى
بالجلاء، هل يعطى نصف الأرض؟! ألا يعد ذلك سفهاً وتضييعاً؟!
كما أنه لا
معنى لأن يطلبوا الجلاء، ثم أن يأتوا أوان الجذاذ، فيجذوا النخل، فإن
من يجلو عن الأرض لا يبقى له علاقة بها، ولا يسمح له بالإحتفاظ بغلتها
ومحاصيلها وشجرها.
فظهر:
أن هذا النص ظاهر التناقض، بديهي السقوط..
يضاف إلى ذلك:
ما سيأتي من التصريح: بأن الصلح وقع على حقن دمائهم وحسب([4]).
ونحن هنا لا
نريد التحقيق الشامل في موضوع فدك، ولكننا نود أن نشير إلى بعض ما
يرتبط منها بسيرة أمير المؤمنين «عليه السلام» فنقول:
([1])
تاريخ الخميس ج2 ص58 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص760
واللمعة البيضاء ص297 و 300 وراجع: السقيفة وفدك للجوهري ص99
وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص210 و 211 وتاريخ المدينة لابن
شبة ج1 ص194 وفتوح البلدان ج1 ص33 والكامل في التاريخ ج2 ص225.
([2])
تاريخ الخميس ج2 ص58 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص421 وبحار
الأنوار ج21 ص6 والدرر لابن عبد البر ص201 ومجمع البيان ج9
ص203 وتفسير البغوي ج4 ص197 وتاريخ خليفة بن خياط ص50 وتاريخ
الأمم والملوك ج2 ص302 والكامل في التاريخ ج2 ص221 والسيرة
النبوية لابن هشام ج3 ص800 واللمعة البيضاء ص297 ومعجم ما
استعجم ج2 ص523.
([3])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص138 والسيرة الحلبية ج3 ص50 وراجع:
المغازي للواقدي ج2 ص707.
([4])
بحار الأنوار ج21 ص22 و 23 و 32 وإعلام الورى ج1 ص209 ومكاتيب
الرسول ج1 ص291 والطبقات الكبرى لا بن سعد ج2 ص110.
|