صفحة : 99-102   

لم تحبس الشمس إلا ليوشع:

وزعم أبو هريرة: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: لم تحبس الشمس على أحد إلا ليوشع، أو نحو ذلك. وقد تمسك البعض بهذا الحديث لإنكار حديث رد الشمس([1]).

ويرد عليه:

أولاً: إن أبا هريرة لا يؤتمن فيما يرويه على علي «عليه السلام»، كيف وقد ضرب على صلعته في باب مسجد الكوفة، ثم روى لهم حديث: من أحدث في المدينة أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله. ثم شهد بالله أن علياً «عليه السلام» قد أحدث في المدينة([2]).

مكذباً بذلك آية التطهير، وجميع أقوال النبي «صلى الله عليه وآله» في حق علي «عليه السلام»، مثل أن علياً مع الحق والحق مع علي، ونحو ذلك..

ومن جهة أخرى، فقد روي عن علي «عليه السلام» قوله: ألا إن أكذب الناس، أو أكذب الأحياء على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أبو هريرة([3]).

وقد وضع معاوية قوماً من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة في علي «عليه السلام»، تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يرغب فيه، فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة([4]).

ثانياً: لو صح هذا الحديث، فلعل أبا هريرة قد دلس فيه، ورواه عن شخص آخر. ويكون قول النبي «صلى الله عليه وآله»: لم تحبس الشمس إلا ليوشع، قد صدر عنه قبل رد الشمس لعلي «عليه السلام» في خيبر وفي بدر..

ثالثاً: إن هذا الحديث لو صح: فإنما ينفي حبس الشمس لغير يوشع، ولا ينفي ردها..

رابعاً: حديث أبي هريرة مردود عليه، فقد روي حبس الشمس لرسول الله «صلى الله عليه وآله» صبيحة الإسراء، وفي الخندق([5]).

خامساً: قد حبست الشمس، وردَّت لغير رسول الله «صلى الله عليه وآله» أيضاً، فقد روي: أنها حبست لداود «عليه السلام».

وردت لسليمان «عليه السلام».

وحبست لموسى «عليه السلام».

وحبست في أيام حزقيل.

وزعموا: أنها حبست لأبي بكر.

وزعموا: أنها حبست للحضرمي([6]).

سادساً: ورد عن الشافعي وغيره: ما أوتي نبي معجزة إلا أوتي نبينا «صلى الله عليه وآله» نظيرها أو أبلغ منها([7]).

سابعاً: قال الشافعي: إن الشمس إذا كانت قد حبست ليوشع ليالي قتال الجبارين، فلا بد أن يقع نظير ذلك في هذه الأمة أيضاً([8]). فيدل ذلك على أن ما ثبت ليوشع، وهو وصي موسى، ولحزقيل، وداود، وسليمان، وموسى «عليه السلام» لا بد أن يثبت لوصي محمد في هذه الأمة، ولنبينا محمد نفسه «صلى الله عليه وآله».. وذلك للأخبار الواردة عن النبي «صلى الله عليه وآله» في أنه سيجري في أمته ما جرى في الأمم السابقة([9]).

ثامناً: إن كلام أبي هريرة ليس صريحاً في نفي ردها لعلي «عليه السلام». إذ لعل المراد: أن الله تعالى لم يردها قبل علي «عليها السلام» لغير يوشع.. ويقصد بالغير: من عدا الأنبياء طبعاً. أو يكون المقصود لم يحبسها لأحد من الأوصياء لغير يوشع وصي موسى «عليهما السلام»، وعلي «عليه السلام» وصي محمد «صلى الله عليه وآله»..


 

([1]) السيرة الحلبية ج1 ص285 وراجع الحديث في: مشكل الآثار ج2 ص10 وج4 ص389 وعن المعتصر من المختصر، وتذكرة الخواص ص51 ونزل الأبرار ص78 وميزان الإعتدال ج3 ص170 والضعفاء الكبير للعقيلي ج3 ص328 وكنز العمال ج11 ص524 وفتح الباري ج6 ص154 والبداية والنهاية ج6 ص79 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج1 ص376 وج6 ص87 و 313 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص202 ونسيم الرياض ج3 ص10 و 11 وبهامشه شرح الشفاء للقاري ج3 ص11 و 13 والجامع الصغير حديث رقم (7889) ومسند أحمد (ط دار الحديث في القاهرة) ج8 ص275 و (ط دار صادر) ج2 ص325 والمواهب اللدنية ج2 ص210 وفيض القدير ج5 ص562 وتاريخ بغداد ج7 ص37 وقصص الأنبياء لابن كثير ج2 ص208 وسبل الهدى والرشاد ج9 ص439.

([2]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج4 ص67 وأضواء على السنة المحمدية لمحمود أبي رية ص218 وشيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبي رية ص237 والغارات للثقفي ج2 ص659 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص255 والنص والإجتهاد ص514 وكتاب الأربعين للشيرازي ص295 ونهاية الدراية للسيد حسن الصدر ص22 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص529 ونهج السعادة ج8 ص486 والكنى والألقاب ج1 ص179 وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص43.

([3]) الإيضاح لابن شاذان ص496 والغارات للثقفي ج2 ص660 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص68 وكتاب الأربعين للشيرازي ص296 وبحار الأنوار ج33 ص215 وج34 ص287 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص525 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص247 وشجرة طوبى ج1 ص97 وأضواء على السنة المحمدية ص204 وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص160 و 186 و 188 وشيخ المضيرة أبو هريرة ص135 عن سير أعلام النبلاء ج2 ص435 وراجع: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص16.

([4]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص63 و 64 وكتاب الأربعين للشيرازي ص294 وبحار الأنوار ج30 ص401 وج33 ص215 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص528 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص554 وشيخ المضيرة أبو هريرة ص199 و 236 وصلح الحسن للسيد شرف الدين ص326.

([5]) راجع: عمدة القاري ج15 ص42 و43 وراجع: فتح الباري ج6 ص155 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص202 والسيرة الحلبية ج1 ص383 ونسيم الرياض ج3 ص11 و12 و13 وبهامشه شرح الشفاء للقاري ج3 ص13 وفيض القدير ج5 ص440 وبحار الأنوار ج17 ص359 والمواهب اللدنية ج2 ص210 و211.

([6]) راجع كتابنا: رد الشمس لعلي «عليه السلام» ص63 ـ 65 للإطلاع على بعض تفاصيل ذلك، وعلى بعض مصادره.

([7]) عمدة القاري ج15 ص144 راجع: رسائل في حديث رد الشمس للشيخ المحمودي ص108 وتفسير البغوي ج1 ص236 وتفسير البحر المحيط ج2 ص283.

([8]) نسيم الرياض ج3 ص12 واللآلي المصنوعة ج1 ص341 ورسائل في حديث رد الشمس للمحمودي ص108 وعن الصواعق المحرقة ص197.

([9]) راجع: المستدرك للحاكم ج1 ص129 ومجمع الزوائد ج7 ص260 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص636 والمعجم الكبير ج17 ص13 ومسند الشاميين ج2 ص100 وكنز العمال ج11 ص170 و230.

 
   
 
 

موقع الميزان