صفحة : 113-118   

سرية ذات السلاسل:

1 ـ ورد في بعض الروايات عن الإمام الصادق «عليه السلام»: أن النبي «صلى الله عليه وآله» وجَّه عمر بن الخطاب في سرية فرجع منهزماً، يجبِّن أصحابه ويجبنونه، فأرسل علياً «عليه السلام» وأمره أن لا يفارقه العين، فأغار عليهم، فنزلت: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً..﴾ إلى آخر السورة([1]).

2 ـ وروي: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لما بعث سرية ذات السلاسل، عقد الراية وسار بها أبو بكر، حتى إذا صار بها بقرب المشركين اتصل بهم خبرهم، فتحرزوا ولم يصل المسلمون إليهم.

فأخذ الراية عمر وخرج مع السرية، فاتصل بهم خبرهم، فتحرزوا، ولم يصل المسلمون إليهم.

فأخذ الراية عمرو بن العاص، فخرج في السرية فانهزموا.

فأخذ الراية علي، وضم إليه أبا بكر، وعمر، وعمرو بن العاص، ومن كان معه في تلك السرية.

وكان المشركون قد أقاموا رقباء على جبالهم، ينظرون إلى كل عسكر يخرج إليهم من المدينة على الجادة، فيأخذون حذرهم واستعدادهم.

فلما خرج علي «عليه السلام» ترك الجادة، وأخذ بالسرية في الأودية بين الجبال.

فلما رأى عمرو بن العاص وقد فعل علي ذلك، علم أنه سيظفر بهم، فحسده، فقال لأبي بكر، وعمر، ووجوه السرية: إن علياً رجل غر، لا خبرة له بهذه المسالك، و نحن أعرف بها منه، وهذا الطريق الذي توجه فيه كثير السباع، وسيلقى الناس من معرتها أشد ما يحاذرونه من العدو، فاسألوه أن يرجع عنه إلى الجادة.

فعرَّفوا أمير المؤمنين «عليه السلام» ذلك، فقال: من كان طائعاً لله ولرسوله منكم فليتبعني، ومن أراد الخلاف على الله ورسوله فلينصرف عني.

وفي نص آخر: فقال لهم أمير المؤمنين «عليه السلام»: الزموا رحالكم، وكفوا عما لا يعنيكم، واسمعوا وأطيعوا، فإني أعلم بما أصنع([2]).

فسكتوا، وساروا معه، فكان يسير بهم بين الجبال في الليل، ويكمن في الأودية بالنهار، وصارت السباع التي فيها كالسنانير، إلى أن كبس المشركين وهم غارون آمنون وقت الصبح، فظفر بالرجال، والذراري، والأموال، فحاز ذلك كله، وشد الرجال في الحبال كالسلاسل، فلذلك سميت غزاة ذات السلاسل.

فلما كانت الصبيحة التي أغار فيها أمير المؤمنين «عليه السلام» على العدو ـ ومن المدينة إلى هناك خمس مراحل ـ خرج النبي «صلى الله عليه وآله» فصلى بالناس الفجر، وقرأ: «والعاديات» في الركعة الأولى، وقال: «هذه سورة أنزلها الله عليَّ في هذا الوقت، يخبرني فيها بإغارة علي على العدو. وجعل حسده (أي حسد الإنسان) لعلي حسداً له، فقال: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ([3]). والكنود: الحسود([4]).

3 ـ وذكر نص آخر: أن أعرابياً أخبر النبي «صلى الله عليه وآله» باجتماع قوم من العرب في وادي الرمل ليبيتوه في المدينة.. فأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» المسلمين..

فانتدب إليهم جماعة من أهل الصفة، فأقرع بينهم، فخرجت القرعة على ثمانين رجلاً، فاستدعى أبا بكر، فقال له: خذ اللواء، وامض إلى بني سليم، فإنهم قريب من الحرة..

فمضى إليهم. وهم ببطن الوادي، والمنحدر إليهم صعب. فخرجوا إليه ـ حين أرادوا الإنحدار ـ فهزموه، وقتلوا من المسلمين جمعاً كثيراً.

فعقد «صلى الله عليه وآله» لعمر بن الخطاب، وبعثه إليهم.. فهزموه أيضاً.

فأرسل إليهم عمرو بن العاص بطلب من عمرو نفسه، فخرجوا إليه، فهزموه، وقتلوا جماعة من أصحابه..

فدعا علياً «عليه السلام»، فعقد له، ثم قال: «أرسلته كراراً غير فرار».

وشيعه إلى مسجد الأحزاب، وأنفذ معه أبا بكر، وعمر، وعمرو بن العاص.

فسار بهم «عليه السلام» نحو العراق متنكباً للطريق، حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه، ثم انحدر بهم على محجة غامضة، حتى استقبل الوادي من فمه..

وكان يسير بالليل، ويكمن بالنهار.

فلما قرب من الوادي أمرهم أن يعكموا الخيل..

فعرف عمرو بن العاص أنه الفتح.

ثم ذكرت الرواية نحو ما تقدم في الرواية السابقة.

ثم قالت: قالوا: وقتل منهم مئة وعشرين رجلاً. وكان رئيس القوم الحارث بن بشر، وسبى منهم مئة وعشرين.

فلما رجع واستقبله النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمون.. قال له: «لولا أني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر بملأ من الناس إلا وأخذوا التراب من تحت قدميك»([5]).

4 ـ وجاء في نص آخر: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أخبر الناس بما أنذر به الإعرابي، وقال لهم: «فمن للوادي»؟!

فقام رجل من المهاجرين، فقال: أنا له يا رسول الله، فناوله اللواء، وضم إليه سبع مائة رجل، فسار إليهم، فسألوه عن شأنه، فأخبرهم، فقالوا: «ارجع إلى صاحبك، فإنَّا في جمع لا تقوم له»، فرجع.

فأرسل مهاجرياً آخر، فمضى، ثم عاد بمثل ما عاد به صاحبه.

فأرسل علياً «عليه السلام» فمضى إلى وادي الرمل، فوافى القوم بسحر، فأقام حتى أصبح، ثم عرض على القوم أن يسلموا أو يضربهم بالسيف، فطلبوا منه أن يرجع كما رجع صاحباه، فأبى، وأخبرهم أنه علي، فاضطربوا لما عرفوه، ثم اجترأوا على مواقعته، فقتل منهم ستة أو سبعة، وانهزموا، وظفر المسلمون بالغنائم، ورجعوا.

فاستقبله المسلمون والنبي، فلما بصر بالنبي «صلى الله عليه وآله» ترجل عن فرسه، وأهوى إلى قدميه يقبلهما.

فقال له «صلى الله عليه وآله»: «اركب، فإن الله تعالى ورسوله عنك راضيان».

فبكى علي «عليه السلام» فرحاً، ونزلت سورة العاديات في هذه المناسبة([6]).

5 ـ وفي حديث ابن عباس: أنه «صلى الله عليه وآله» دعا أبا بكر إلى غزوة ذات السلاسل، فأعطاه الراية فردها..

ثم دعا عمر، فأعطاه الراية فردها.

ثم دعا خالد بن الوليد فأعطاه الراية، فرجع.

فأعطاها علياً «عليه السلام» فانطلق بالعسكر، فنزل في أسفل جبل كان بينه وبين القوم، وقال: اركبوا (لعل الصحيح: اكعموا) دوابكم.

فشكا خالد لأبي بكر وعمر: أنه أنزلهم في واد كثير الحيات، كثير الهام، كثير السباع، فإما يأكلهم مع دوابهم سبع، أو تعقرهم ودوابهم حيات، أو يعلم بهم العدو فيقتلهم..

فراجعوا علياً «عليه السلام» بالأمر، فلم يقبل منهم.

ثم راجعوه مرة أخرى فلم يقبل.

فلما كان السحر أمرهم فطلعوا الجبل، وانحدروا على القوم، فأشرف عليهم، وقال لأصحابه: انزعوا عكمة دوابكم، فشمَّت الخيل ريح الإناث، فصهلت، فسمع القوم صهيل الخيل فهربوا.

فقتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم. فنزلت سورة «والعاديات» على النبي «صلى الله عليه وآله»، ثم جاءته البشارة([7]).


 

([1]) أمالي ابن الشيخ ص259 و 260 وبحار الأنوار ج21 ص75 و 76 عنه، والبرهان (تفسير) ج4 ص498 و 499 ونور الثقلين ج5 ص652 والتفسير الصافي ج5 ص361.

([2]) راجع هذه الفقرة في: بحار الأنوار ج21 ص74 وتفسير القمي ج2 ص439 ونور الثقلين ج5 ص657.

([3]) الآية 6 من سورة العاديات.

([4]) بحار الأنوار ج21 ص76 و 77 والخرائج والجرائح ج1 ص167 و 168 وراجع: إثبات الهداة ج2 ص118.

([5]) الإرشاد للمفيد ج1 ص 164 و 165 وبحار الأنوار ج21 ص77 ـ 79 وراجع ص83 و 84 وتفسير فرات، والبرهان (تفسير) ج4 ص498 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص103 وكشف الغمة ج1 ص203 و 231.

([6]) راجع: الإرشاد للمفيد ج1 ص 114 ـ 117 وبحار الأنوار ج21 ص80 ـ 82 عنه وج36 ص178 و 179 وج41 ص92 و 93 وعن إعلام الورى ص 116 و 117 ومناقب آل أبي طالب ص328 ـ 330 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص100 ـ 103 وشجرة طوبى ج2 ص295 و 296 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص574 ـ 576 وعن كشف الغمة ج1 ص230 ـ 232 وكشف اليقين ص151 و 152 وتأويل الآيات ج2 ص840 و 841.

([7]) بحار الأنوار ج21 ص82 و 83 وج41 ص92 و 93 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص328 و 329 وشجرة طوبى ج2 ص295 وتفسير فرات ص591.

 
   
 
 

موقع الميزان