وقد ذكرت الروايات المتقدمة، وسواها:
أنه «عليه
السلام»،
قد بيت المشركين وكبسهم، وهم غارون فظفر بهم..
ونعتقد:
أن ذلك قد كان بعد الاحتجاج عليهم كما دلت عليه رواية القمي الآتية،
التي ذكرت: أنه
«صلى الله
عليه وآله»
أمر أبا بكر
«أن
إذا رآهم أن يعرض عليهم الإسلام، فإن تابعوا وإلا واقعهم».
كما أنه سيأتي:
أنه «صلى الله عليه وآله» ما كان يقاتل قوماً حتى يدعوهم، ويحتج عليهم.
وعلى كل حال، فإنه إن أمكن إثبات أن هؤلاء القوم قد حاولوا مهاجمة
المسلمين مرتين: فأرسل إليهم النبي «صلى الله عليه وآله» من احتج عليهم
وهاجموه وهزموه مرة بعد أخرى، ثم أرسل إليهم علياً «عليه السلام»،
فاحتج عليهم وقتل منهم.. ثم نكثوا مرة أخرى، فجرى لهم كما جرى في المرة
الأولى.. فبيَّتهم علي «عليه السلام» وهاجمهم. فإن أمكن إثبات ذلك أو
اعتماده فلا إشكال. وإن لم يكن إثبات ذلك، أو اعتماده، فإننا نقول:
إن علياً
«عليه السلام»، بعد أن فرض المعركة على أعدائه، في الموقع والمكان،
والوقت والزمان الذي أحب، لم يعد يمكنهم التخلي عن مواقعهم إلى أي موقع
آخر، لأن ذلك معناه: الإستيلاء على كل ما لديهم، وعلى منازلهم
وأموالهم، بل وسبي نسائهم وأطفالهم أيضاً..
فإذا أبوا
الاستجابة لأي منطق، ورفضوا الانصياع لأي خيار مقبول أو معقول،
واختاروا طريق البغي والعدوان، فلا مانع من أن يكبسهم وهم غارون في أي
وقت شاء..
وليس في هذا
العمل أية مخالفة للشرايع، أو الأخلاق. بل هو العمل الحكيم الذي يؤيده
الخلق الإنساني، ويرضاه الشرع، وتقره الضمائر.. لأنه ليس من حق العدو
المحارب، والمعتدي والظالم أن يعتبر نفسه في مأمن، في الوقت الذي يعطي
لنفسه الحق بالغدر بالآخرين، ويسمح لنفسه في تبييتهم، والفتك فيهم،
ظلماً وعتواً، وبغياً وعلواً..
بل إن أخذ ذلك الظالم على حين غرة يعد إحساناً لكلا الفريقين
المتحاربين، لأن من شأنه أن يقلل من عدد القتلى في صفوف هؤلاء، وأولئك
لأنه يسقط قدرتهم على المقاومة. وينتهي الأمر بالاستسلام.
وإذا استسلموا
لأهل الدين.. فإن
معاملتهم
لابد
أن تخضع لأحكام الشرع، ووفق ما تفرضه الأخلاق الفاضلة، وتقضي به
العقول، ولن يكون متأثراً بالأهواء، والنزوات والميول..
|