وقد وجدنا:
أنه
«صلى الله عليه وآله»
اكتفى بتبديل القائد، وأما الجيش نفسه، فأبقاه على ما هو عليه، ولم
يستبدل منه حتى رجلاً واحداً، وقد كانت الهزيمة من نصيب هذا الجيش
مرتين متواليتين، مع نفس العدو، ومع تقارب الزمان، وفي نفس المكان، وفي
نفس الظروف، وبنفس الأسلوب، وبعين الكلمات التي استخدمت، ونفس الخطاب
والجواب..
وكان النصر
حليفاً لهذا الجيش نفسه، مع ذلك العدو بالذات، وفي نفس الحالات، وفي
الزمان والمكان عينه، رغم أن القائدين الأولين قد سارا بهذا الجيش
سيراً رفيقاً، أو مقتصداً، يحببهم بقائدهم.
أما الأمير
الثالث، فقد أعنف بهم في السير، حتى خافوا أن ينقطعوا من التعب، وأن
تحفى دوابهم.. ولا بد أن يثقل أمر هذا القائد عليهم، الذي فعل بهم ذلك،
وأن تتجافى عنه قلوبهم، ولا يندفعون في محبته، وفي طاعته بالمقدار الذي
يحظى به اللذان سبقاه..
ولكن النتائج
جاءت معاكسة تماماً، فقد تحقق النصر، وكان نصيبهم معه الفتح والعز
والكرامة، وكانت الهزيمة والمذلة، والمعصية لله في عرشه ولرسوله مع
ذينك الأولين.
وهذا مثل
للبشر جميعاً، يحمل لهم العبرة، والعظة، ويدعوهم للتأمل العميق، والفكر
الدقيق، حملته لنا كلمته
«صلى الله
عليه وآله»
لعلي «عليه
السلام»
عن جبرئيل:
«فأخبرني:
أن الله يفتح عليه، وعلى أصحابه»..
فقد نسب الفتح
إلى الله، الذي حبا به علياً
«عليه
السلام»
وأصحابه معاً، مع أن الإنسان العادي قد يتوقع تخصيص الفتح بعلي دون
أصحابه، الذين هزموا مع القائدين اللذين سبقاه..
ولكن الله
ورسوله يريدان لنا أن ندرك حقيقة أن القيادة الصالحة، هي التي تصنع
المواقف، وتغير من أحوال الرعية، وتؤثر في توجهاتها ومواقفها، وتعطيها
صلابة في الدين، وورعاً في يقين، وتحملها على الصراط المستقيم، ولو لم
تصدر لها أمراً، أو تفرض عليها قراراً، أو تبتز منها موقفاً.
وهي التي تثير
حميتها وإباءها، وتمنحها نفحة الشجاعة والإقدام، أو التخاذل والإحجام..
وقد ظهر ذلك
في هذه الغزوة بصورة جلية وواضحة، فقد ساقهم موقف أمير المؤمنين «عليه
السلام» إلى مواقع العزة والكرامة والإباء، وأعطاهم نفحة من نفحات
الشجاعة، والشعور بالكرامة. ففتح الله عليه وعليهم، وفق ما قاله الرسول
الأكرم والأعظم «صلى الله عليه وآله»..
|