وبعد أن عقدت
قريش في الحديبية مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» عهداً تضمن دخول
خزاعة في عقد وعهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» نقضت قريش العهد،
وأوقعت ببني نفاثة الخزاعيين، ثم بعثت أبا سفيان إلى المدينة، فطلب أن
يشد العهد، ويزيد في المدة، وهو يظن أن خبر بني نفاثة لم يصل إلى النبي
«صلى الله عليه وآله»..
فسأله النبي
«صلى الله عليه وآله» إن كان قد حدث حدث اقتضى هذا الطلب.
فقال:
معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغير ولا نبدل.
فقال «صلى الله عليه وآله»:
فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغير ولا نبدل.
فطلب أبو
سفيان من أبي بكر أن يجير بين الناس، ويشفع له عند رسول الله «صلى الله
عليه وآله»، وطلب ذلك ايضاً من عمر، ومن عثمان، وسعد بن عبادة، وعلي
«عليه السلام» وأشراف المهاجرين، والأنصار وكان يسمع منهم رفضاً لطلبه
أكيداً وشديداً.
فتوسل
بالزهراء «عليها السلام»، ثم بالسبطين، الحسن والحسين «عليهما السلام»،
ربما بهدف الإستفادة من الأثر العاطفي بزعمه، ولكن قد خاب فأله، فقد
كان الجواب هو الجواب يقول النص: فأتى علياً «عليه السلام»، فقال: يا
علي، إنك أمس القوم بي رحماً، وإني جئت في حاجة، فلا أرجع كما جئت
خائباً، فاشفع لي إلى محمد.
فقال:
ويحك يا أبا سفيان، والله، لقد عزم رسول الله «صلى الله عليه وآله» على
أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه..
إلى أن يقول
النص:
فلما أيس مما عندهم، دخل على فاطمة الزهراء
«عليها
السلام»
والحسن
«عليه
السلام»
غلام يدب بين يديها، فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تجيري بين الناس؟!
فقالت:
إنما أنا امرأة، وأبت عليه([1]).
(وفي نص آخر: قالت: إنما أنا امرأة.
قال:
قد أجارت أختك
ـ يعني: زينب ـ أبا العاص بن الربيع، وأجاز ذلك محمد.
قالت:
إنما ذاك إلى رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
الخ..)([2]).
فقال:
مري ابنك هذا ـ أي الحسن بن علي
«عليهما
السلام»
ـ فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب الى آخر الدهر.
قالت:
والله ما بلغ ابني ذلك، أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله
«صلى الله عليه وآله»([3]).
(وفي
نص آخر:
ما يدري ابناي ما يجيران من قريش)([4]).
(زاد في الحلبية قوله:
«قال:
فكلمي علياً..
فقالت:
أنت تكلمه.
فكلم
علياً «عليه السلام»،
فقال:
يا أبا سفيان، إنه ليس أحد من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»
يفتئت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» بجوار»)([5]).
فقال لعلي «عليه السلام»:
يا أبا الحسن! إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني.
قال:
والله ما أعلم شيئاً يغني عنك شيئاً، ولكنك سيد بني كنانة.
قال:
صدقت، وأنا كذلك.
قال:
فقم، فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك.
قال:
أوترى ذلك مغنياً عني شيئاً؟!
قال:
لا والله، ولكن لا أجد لك غير ذلك.
فقام أبو سفيان في المسجد، فقال:
أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس، ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد.
ثم دخل على رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال:
يا محمد، إني قد أجرت بين الناس.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
«أنت
تقول ذلك يا أبا حنظلة»!
ثم ركب بعيره وانطلق([6]).
وكان قد احتبس
وطالت غيبته، وكانت قريش قد اتهمته حين أبطأ أشد التهمة، قالوا: والله
إنَّا نراه قد صبأ، واتبع محمداً سرَّاً، وكتم إسلامه.
فلما دخل على هند امرأته ليلاً، قالت:
لقد احتبست حتى اتهمك قومك، فإن كنت مع الإقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل.
ثم دنا منها،
فجلس مجلس الرجل من امرأته.
فقالت:
ما صنعت؟!
فأخبرها الخبر، وقال:
لم أجد إلا ما قال لي علي.
فضربت
برجلها في صدره وقالت:
قبحت من رسول قوم، فما جئت بخير([7]).
فلما أصبح أبو
سفيان حلق رأسه عند إساف ونائلة، وذبح لهما، وجعل يمسح بالدم رؤوسهما
(كذا) ويقول: لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي، إبراء
لقريش مما اتهموه به.
فلما رأته قريش، قاموا إليه، فقالوا:
ما وراءك؟! هل جئت بكتاب من محمد، أو زيادة في مدة ما نأمن به أن
يغزونا محمد؟!
فقال:
والله، لقد أبى علي.
وفي لفظ:
لقد كلمته،
فوالله ما رد علي شيئاً، وكلمت أبا بكر فلم أجد فيه خيراً، ثم جئت ابن
الخطاب فوجدته أدنى العدو (وفي رواية أعدى العدو) وقد كلمت علية
أصحابه، فما قدرت على شيء منهم، إلا أنهم يرمونني بكلمة واحدة، وما
رأيت قوماً أطوع لملك عليهم منهم له.
إلا أن علياً لما ضاقت بي الأمور قال:
أنت سيد بني كنانة، فأَجِرْ بين الناس، فناديت بالجوار.
(وعند الحلبي: ثم جئت علياً
فوجدته ألين القوم. وقد أشار علي بشيء صنعته، فوالله، لا أدري أيغني
عني شيئاً أم لا)([8]).
فقال محمد:
«أنت
تقول ذلك يا أبا حنظلة»!
لم يزدني.
قالوا:
رضيت بغير رضى، وجئت بما لا يغني عنا ولا عنك شيئاً، ولعمرو الله ما
جوارك بجائز، وإن إخفارك عليهم لهين، ما زاد علي من أن لعب بك تلعباً.
قال:
والله ما وجدت غير ذلك([9]).
ونقول:
إن لنا مع هذا
النص وقفات عديدة، نقتصر منها على ما يلي:
([1])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار
المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص794 والبداية والنهاية (ط
دار إحياء التراث العربي) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278
والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص533 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي
ج17 ص263.
([2])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار
المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص794 وراجع:
بحار الأنوار ج21
ص102 و 126 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص468
وإعلام الورى ج1 ص217 والمصنف للصنعاني ج5 ص375 وشرح نهج
البلاغة للمعتزلي ج17 ص363.
([3])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 وراجع: تفسير البغوي ج4 ص537 وتاريخ
الأمم والملوك ج2 ص326 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص524 والبداية
والنهاية ج4 ص320 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص856 وعيون
الأثر ج2 ص183 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص530 وبحار الأنوار ج21 ص126 وإعلام الورى ج1 ص218.
([4])
السيرة الحلبية ج3 ص73 والمغازي للواقدي ج2 ص793 وتاريخ الأمم
والملوك ج2 ص326 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث
العربي) ج4 ص320 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص277 والسيرة النبويـة
لابن كثـير
ج3 ص530 والسيرة
= =
النبوية
لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص856 وعيون الأثر ج2
ص184 وراجع: الإرشاد ج1 ص133 وبحار
الأنوار ج22 ص77 والعبر وديوان
المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 وزاد المعاد ج1 ص1147.
([5])
السيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار المعرفة) ج3 ص8 والسيرة
النبوية لابن كثير ج3 ص533 والبداية والنهاية (ط دار إحياء
التراث العربي) ج4 ص321.
([6])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار
المعرفة) ص3 وبحار الأنوار
ج21 ص126 و 127 وج22 ص77 وإعلام الورى ج1 ص218 والمغازي
للواقدي ج2 ص794 و 795 وتاريخ الخميس ج2 ص78 ومناقب آل أبي
طالب ج1 ص177 والأنوار العلوية للنقدي ص200.
([7])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار
المعرفة) ج3 ص9 والمغازي للواقدي ج2 ص795 وشرح نهج البلاغة
للمعتزلي ج17 ص264 وإمتاع الأسماع ج1 ص351.
([8])
السيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص3 وتاريخ الخميس ج2
ص78= = وراجع: الإرشاد ج1 ص133 وبحار
الأنوار ج22 ص77 والثقات لابن حبان ج2 ص40 وتاريخ الأمم
والملوك ج2 ص327 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث
العربي) ج4 ص320 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص277 والسيرة النبوية
لابن كثير ج3 ص531 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد
علي صبيح) ج4 ص857 و (ط دار المعرفة) ج4 ص27 وعيون الأثر ج2
ص184 وزاد المعاد (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص1147.
([9])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 و 208 والسيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط
دار المعرفة) ص3 وراجع: الإرشاد ج1 ص134 ونور الثقلين ج5 ص692
وتفسير الميزان ج20 ص380 والثقات ج2 ص40 ومجمع البيان ج10 ص555
و (ط مؤسسة الأعلمي) ص469 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص178 وتاريخ
الأمم والملوك ج2 ص327 وبحار
الأنوار ج21 ص126 و 127 وج22 ص78 وإعلام الورى ج1 ص218
والمغازي للواقدي ج2 ص795 وتاريخ الخميس ج2 ص78 والبدايـة
والنهايـة (ط دار إحياء التراث العربي) = = ج4 ص322 و (ط مكتبة
المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص534 والعبر
وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق3 ص42 والسيرة النبوية لابن هشام (ط
مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص857 وعيون الأثر ج2 ص184.
|