وقد صرحت الروايات المتقدمة:
بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر علياً «عليه
السلام» بأن يضع قضاء الجاهلية تحت قدميه.. أي أنه «صلى الله عليه
وآله» يعلن أن خالداً قد قضى في بني جذيمة بحكم الجاهلية..
وذلك يكذب ما زعمه خالد:
من أنه قد نفذ أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»
فيهم.. حسبما تقدم. كما كذَّبه قبل ذلك حين أعلن ثلاث مرات براءته مما
صنع خالد.
وهو يكذِّب أيضاً رواية محبي خالد:
التي تزعم أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان راضياً من
خالد، ولم يعترض على فعله، ولم تسقط منزلته عنده.. فإن النبي الأعظم
والأكرم «صلى الله عليه وآله» لا يمكن أن يرضى بما يكون من قضاء
الجاهلية، ولا يمكن أن يرضى بما يعلن أنه بريء إلى الله منه..
وفي المقابل نجد علياً «عليه السلام» كما يصرح به
الإمام الباقر «عليه السلام»: لما انتهى إلى بني جذيمة «حكم فيهم بحكم
الله».
وهذا صريح:
بأن جميع ما فعله علي «عليه السلام» إنما هو إجراء لحكم
الله تعالى، وليس مجرد تبرعات منه «عليه السلام»، تستند إلى الاستحسان،
أو إلى تفاعل أو اندفاع عاطفي آني، أو رغبة أذكتها العصبية للقربى، أو
محبة أكدتها علاقة المودة والإلف بينه وبين ابن عمه نبي الله «صلى الله
عليه وآله»..
بل ما فعله كان ـ كما قلنا ـ إجراء وتنفيذاً لحكم الله
تبارك وتعالى، من دون تأثر بهوى، أو ميل مع عصبية أو انسياقاً مع
عاطفة..
ويؤكد هذا المعنى:
أن المال الذي حمله «عليه السلام» معه إليهم، سواء أكان
مُلْكاً شخصياً للنبي «صلى الله عليه وآله»، أو كان من بيت مال
المسلمين، لا يجوز له الإسراف والتبذير فيه، فضلاً عن تمزيقه وبعثرته
وفق ما يقود إليه الهوى، وما يرجحه الذوق والاستنساب، وتدعو إليه
العاطفة والإنفعالات الشخصية.
|