صفحة : 148-153   

المباهلة بأعز الناس:

زعم بعضهم: أن آية المباهلة قد دلت على لزوم إحضار كل فريق أعز شيء عنده، وأحب الخلق إليه في المباهلة، والأعز والأحب هو الأبناء، والنساء، والأنفس (الأهل والخاصة).

ثم تقدم بعض آخر خطوة أخرى فزعم: أن إشراك أهل البيت في المباهلة أسلوب اتبعه النبي «صلى الله عليه وآله» للتأثير النفسي على الطرف الآخر، ليوحي لهم بثقته بما يدَّعيه.

ونقول:

1 ـ إن قوله هذا الأخير يؤدي إلى إبعاد قضية المباهلة عن مستوى الجدية، لتصبح مجرد مناورة، تهدف إلى التأثر النفسي على الطرف الآخر..

2 ـ إن هذه المباهلة لم تكن إقتراحاً نبوياً، بل هي تدبير إلهي، يكون دور النبي «صلى الله عليه وآله» فيه هو الإبلاغ والإجراء للأمر الصادر من الله تعالى.

3 ـ إن الإختيار الإلهي لهؤلاء الصفوة، يدل على أن لهم قيمة كبرى عند الله تعالى، فليست القضية مجرد حب شخص النبي «صلى الله عليه وآله» لابنته أو لصهره، أو لابن بنته.

4 ـ إن ما يراد إثباته بالمباهلة هو بشرية عيسى «عليه السلام».. والآية تدل على أن نفس المشاركين في المباهلة هم الذين يدعون بشرية عيسى، ويتحملون مسؤولية الكذب والصدق في دعواهم هذه، ولأجل ذلك قال: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ([1])..

وهذا معناه: أن الحسنين «عليهما السلام» قد بلغا في الفهم، والعلم والفضل، ووضوح الرؤية والإختيار حداً يجعلون أنفسهم أمام الله ضمانة على صدقهم في هذا الأمر..

فعليٌّ، وفاطمة، والحسنان «عليهم السلام» شركاء في الدعوى، وفي الدعوة إلى المباهلة لإثباتها. وهذا من أفضل المناقب التي خص الله بها أهل بيت نبيه([2]).

وتقدم قول الزمخشري: «وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء».

وقال الطبرسي وغيره: «قال ابن أبي علان ـ وهو أحد أئمة المعتزلة ـ: هذا يدل على أن الحسن والحسين كانا مكلفين في تلك الحال، لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين.

وقال أصحابنا: إن صغر السن ونقصانها عن حد البلوغ لا ينافي كمال العقل، وإنما جعل بلوغ الحلم حداً لتعلق الأحكام الشرعية»([3]).

على أن من الثابت عندنا: أنه يجوز أن يخرق الله العادات للأئمة، ويخصهم بما لا يشاركهم فيه غيرهم، فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك السن، لم يمنع ذلك من كونهم أكمل البشر عقلاً.. إبانة لهم عمن سواهم، ودلالة على مكانهم من الله تعالى، واختصاصهم.

ويؤيده من الأخبار قول النبي «صلى الله عليه وآله»: «ابناي هذان إمامان، قاما، أو قعدا»([4]).

ونكتفي هنا بهذا المقدار، وبقية الكلام حول حديث المباهلة أوردناه في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» أواخر الجزء الثامن والعشرين، وأوائل الجزء التاسع والعشرين، وإنما ذكرنا هنا خصوص ما يرتبط بأمير المؤمنين «عليه السلام».

 

([1]) الآية 61 من سورة آل عمران.

([2]) راجع: تفيسر الميزان ج3 ص224 ودلائل الصدق ج2 ص84 والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص270.

([3]) ومن الواضح: أنه قد لوحظ في ذلك عامة الناس وغالبهم.

([4]) مجمع البيان ج2 ص452 و 453 و 311 وغنية النزوع للحلبي ص299 والسرائر لابن إدريس ج3 ص157 وجامع الخلاف والوفاق للقمي ص404 والإرشاد للمفيد ج2 ص30 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص303 والمسائل الجارودية للمفيد ص35 والنكت في مقدمات الأصول للمفيد ص48 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص141 و 368 وبحار الأنوار ج16 ص307 وجوامع الجامع للطبرسي ج3 ص70 وإعلام الورى ج1 ص407. وكلام ابن أبي علان موجود في التبيان أيضاً ج2 ص485، وفي بحار الأنوار للمجلسي بحث حول إيمان علي «عليه السلام»، وهو لم يبلغ الحلم.

 
   
 
 

موقع الميزان