صفحة : 157-159  

علي عليه السلام في اليمن:

قال محمد بن عمر، وابن سعد، واللفظ للأول: بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً إلى اليمن في شهر رمضان، وأمره أن يعسكر بقناة، فعسكر بها حتى تتامّ أصحابه. فعقد له رسول الله «صلى الله عليه وآله» لواءً، وأخذ عمامته فلفها مثنية مربعة، فجعلها في رأس الرمح، ثم دفعها إليه. وعممه بيده عمامة ثلاثة أكوار، وجعل له ذراعاً بين يديه، وشبراً من ورائه، وقال له: «امض ولا تلتفت».

فقال علي «عليه السلام»: يا رسول الله، ما أصنع؟!

قال: «إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك، وادعهم إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فإن قالوا: نعم، فمرهم بالصلاة، فإن أجابوا، فمرهم بالزكاة، فإن أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك. والله، لَأَن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت».

فخرج علي «عليه السلام» في ثلاثمائة فارس، فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد. فلما انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد من مذحج فرق أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم وسبايا، نساءً وأطفالاً، ونعماً وشاءً، وغير ذلك.

فجعل علي «عليه السلام» على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي، فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقى لهم جمعاً. ثم لقي جمعهم، فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا، ورموا أصحابه بالنبل والحجارة.

فلما رأى أنهم لا يريدون إلا القتال صف أصحابه، ودفع اللواء إلى مسعود بن سنان السلمي، فتقدم به، فبرز رجل من مذحج يدعو إلى البراز، فبرز إليه الأسود بن خزاعي، فقتله الأسود، وأخذ سلبه.

ثم حمل عليهم علي «عليه السلام» وأصحابه، فقتل منهم عشرين رجلاً، فتفرقوا وانهزموا، وتركوا لواءهم قائماً، وكفَّ علي «عليه السلام» عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإسلام، فأسرعوا وأجابوا.

وتقدم نفر من رؤسائهم، فبايعوه على الإسلام وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا. وهذه صدقاتنا، فخذ منها حق الله تعالى.

وجمع علي «عليه السلام» ما أصاب من تلك الغنائم، فجزأها خمسة أجزاء، فكتب في سهم منها لله، ثم أقرع عليها، فخرج أول السهمان سهم الخمس، وقسم علي «عليه السلام» على أصحابه بقية المغنم. ولم ينفل أحداً من الناس شيئاً.

وكان من كان قبله يعطون خيلهم الخاص دون غيرهم من الخمس، ثم يخبرون رسول الله «صلى الله عليه وآله» بذلك فلا يردُّه عليهم، فطلبوا ذلك من علي «عليه السلام»، فأبى، وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» يرى فيه رأيه([1]).

وأقام فيهم يقرئهم القرآن، ويعلمهم الشرائع، وكتب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» كتاباً مع عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يخبره الخبر.

فأتى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يوافيه الموسم، فانصرف عبد الله بن عمرو بن عوف إلى علي «عليه السلام» بذلك، فانصرف علي «عليه السلام» راجعاً.

فلما كان بالفتق تعجل إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» يخبره الخبر، وخلَّف على أصحابه والخمس أبا رافع، فوافى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بمكة قد قدمها للحج.

وكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن، أحمال معكومة، ونعم وشاء مما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم. فسأل أصحاب علي «عليه السلام» أبا رافع أن يكسوهم ثياباً يحرمون فيها، فكساهم منها ثوبين ثوبين.

فلما كانوا بالسدرة داخلين خرج علي «عليه السلام» ليتلقَّاهم ليقدم بهم، فرأى على أصحابه الثياب، فقال لأبي رافع: ما هذا؟!

فقال: «كلموني، ففرِقْت من شكايتهم، وظننت أن هذا ليسهل عليك، وقد كان مَنْ قبلك يفعل هذا بهم».

فقال: «قد رأيت امتناعي من ذلك، ثم أعطيتهم؟! وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلَّفت، فتعطيهم»؟!.

فنزع علي «عليه السلام» الحلل منهم.

فلما قدموا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» شكوه، فدعا علياً «عليه السلام»، فقال: «ما لأصحابك يشكونك»؟!

قال: ما أشكيتهم، قسمت عليهم ما غنموا، وحبست الخمس حتى يقدم عليك، فترى فيه رأيك.

فسكت رسول الله «صلى الله عليه وآله»([2]).

ونقول:

إن هذا النص قد تضمن أموراً عديدة يحسن الوقوف عندها، وهي التالية:


 

([1]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص238 والسيرة الحلبيـة ج3 ص206 والطبقـات = = الكبرى لابن سعد ج2 ق1 ص122 وشرح المواهب اللدنية ج5 ص177 عن ابن سعد، وراجع: إمتاع الأسماع ج2 ص96 و 97 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج21 ص627.

([2]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص239 وراجع: إمتاع الأسماع ج2 ص97 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج21 ص628.

 
   
 
 

موقع الميزان