إننا لا ننكر أن يكون علي «عليه السلام» قد قضى وحكم
بين الناس في اليمن، كما أنه علمهم، وفقههم في دينهم، وسعى إلى تزكية
نفوسهم، وبث مكارم الأخلاق فيهم..
ولكن بعض الروايات تزعم:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» أرسل علياً «عليه السلام» إلى اليمن
قاضياً، وحسب بعض الروايات: أنه قال للنبي:
تبعثني إلى قوم وأنا حدث السن، ولا علم لي بالقضاء (أو
بكثير من القضاء)؟!
فوضع يده على صدره وقال:
إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك.
يا علي، إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقض بينهما حتى تسمع
من الآخر الخ..([1]).
ولذلك اعتبر السكتواري:
أن علياً «عليه السلام» أول قاض بعثه رسول الله «صلى الله عليه وآله»
إلى اليمن([2]).
ونقول:
قد يقال:
إن علياً كان باب مدينة علم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وعنده علم
الكتاب بنص القرآن الكريم، فما معنى قوله «عليه السلام»: أنا حدث السن،
ولا علم لي بالقضاء؟!.
ويمكن أن يجاب:
بأنه «عليه السلام» إنما تكلم بلسان غيره، وعبر عما قد
يدور بِخَلَدِ بعضهم، لا سيما وأن القضاء من أي كان لا يرضي من يُقْضى
عليهم.. فيبادرون إلى إدعاء المظلومية، أو ادعاء حصول خطأ في الحكم،
نتيجة التقصير أو القصور لدى الحاكم، أو لغير ذلك من أسباب، قد يجدون
من يصدقهم، أو من يقع في الشبهة نتيجة لذلك.. فأراد «عليه السلام» أن
يتلافى ذلك بهذا السؤال، وبذاك الجواب..
ويشهد لذلك:
أن الجواب الذي سمعه من رسول الله «صلى الله عليه وآله»
لم يتضمن تعليماً لأحكام القضاء، بل هو مجرد دعاء له «عليه السلام»
بالهداية والثبات، ثم أخبره بأن الله تعالى هو الذي يتولى هداية قلبه
«عليه السلام»، وذلك ليدلنا على عظيم منزلته «عليه السلام» عند الله،
لأن هداية القلب لا تكون على سبيل الجبر والقهر لأي كان من الناس، بل
هي منحة إلهية لمن جاهد في الله حق جهاده على قاعدة:
﴿وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾([3])
و
﴿وَالَّذِينَ
اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً﴾([4])
و
﴿وَمَنْ
يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾([5]).
([1])
مسند أحمد ج1 ص83 و 88 و 149 و (ط دار صادر) ج1 ص111 والطبقات
الكبرى لابن سعد (ط دار المعارف بمصر) ج2 ص337 والسنن الكبرى
للبيهقي ج10 ص140 وذخائر المواريث ج3 ص14 وتيسير الوصول (ط نول
كشور) ج2 ص216 وقضاة الأندلس ص23 وخصائص الإمام علي «عليه
السلام» للنسائي (ط التقدم بمصر) ص12 وأخبار القضاة لوكيع ج1
ص85 وفرائد السمطين، ونظم درر السمطين ص127 والشذورات الذهبية
ص119 وطبقات الفقهاء ص16 وشرح
نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص236 ومناقب علي «عليه السلام» لابن المغازلي ص248 والرصف ص313
وجمع الفوائد من جامع الأصول، ومجمع الزوائد ج1 ص259 وفتح
المنعم (مطبوع مع زاد المسلم) ج4 ص217 وبحار الأنوار
ج21 ص360 و 361 وفي هامشه عن: إعلام الورى (ط 1) ص80 و (ط2)
ص137. وراجع: العمدة لابن البطريق ص256 وفتح الباري ج8 ص52
والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص117 وكنز العمال ج13 ص125 والبداية
والنهاية ج5 ص124 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص208 وجواهر
المطالب في مناقب الإمام علي «عليه السلام» ج1 ص205 وشرح إحقاق
الحق (الملحقات) ج7 ص65 وج20 ص565 و 571 وج22 ص176 وج31 ص387.
([2])
محاضرة الأوائل ص62 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص47 عنه.
([3])
الآية 69 من سورة العنكبوت.
([4])
الآية 17 من سورة محمد.
([5])
الآية 11 من سورة التغابن.
|