وقد ذكروا العديد من مفردات الأقضية التي صدرت عن علي
«عليه السلام» في اليمن، ومنها:
1 ـ
إن قوماً احتفروا بئراً باليمن، فأصبحوا وقد سقط فيها
أسد، فنظروا إليه، فسقط إنسان بالبئر، فتعلق بآخر، وتعلق الآخر بآخر،
حتى كانوا في البئر أربعة، فقتلهم الأسد، فأهوى إليه رجل برمح فقتله.
فتحاكموا إلى علي «عليه السلام».
فقال:
ربع دية، وثلث دية، ونصف دية، ودية تامة: للأسفل ربع
دية، من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة، وللثاني ثلث دية، لأنه هلك فوقه
إثنان، وللثالث نصف دية، من أجل أنه هلك فوقه واحد، وللأعلى الدية
كاملة.
فإن رضيتم فهو بينكم قضاء، وإن لم ترضوا فلا حق لكم حتى
تأتوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيقضي بينكم.
فلما أتوا رسول الله «صلى الله عليه
وآله» قصوا عليه خبرهم، فقال:
«أنا أقضي بينكم إن شاء الله تعالى».
فقال بعضهم:
يا رسول الله، إن علياً قد قضى بيننا.
قال:
«فيم قضى»؟!
فأخبروه، فقال:
«هو كما قضى به»([1]).
2 ـ
كان علي «عليه السلام» باليمن، فأُتي بامرأة وطأها
ثلاثة نفر في طهر واحد، فسأل اثنين: أتقران لهذا بالولد؟!
فلم يقرَّا.
ثم سأل اثنين:
أتقران لهذا بالولد؟!
فلم يقرَّا.
ثم سأل اثنين، حتى فرغ، يسأل اثنين اثنين غير واحد، فلم
يقرُّوا.
ثم أقرع بينهم، فألزم الولد، الذي خرجت عليه القرعة،
وجعل عليه ثلثي الدية.
فرفُع ذلك للنبي «صلى الله عليه وآله»، فضحك حتى بدت
نواجذه
زاد في نص آخر:
وقال: «القضاء ما قضى».
أو قال:
«لا أعلم فيها إلا ما قضى علي».
أو قال:
«حكمتَ فيه بحكم الله».
أو قال:
«لقد رضي الله عز وجل حكمك فيهم»([2]).
3 ـ
عن أبي جعفر الباقر «عليه السلام»، قال: بعث رسول الله
«صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» إلى اليمن، فانفلت فرس لرجل
من أهل اليمن، فنفح رجلاً برجله فقتله، وأخذه أولياء المقتول، فرفعوه
إلى علي «عليه السلام»، فأقام صاحب الفرس البيّنة أن الفرس انفلت من
داره فنفح الرجل برجله، فأبطل علي «عليه السلام» دم الرجل.
فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى النبي «صلى الله عليه
وآله» يشكون علياً «عليه السلام» فيما حكم عليهم، فقالوا: إن علياً
ظلمنا، وأبطل دم صاحبنا.
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
إن علياً ليس بظلام، ولم يخلق علي للظلم، وإن الولاية
من بعدي لعلي، والحكم حكمه، والقول قوله، لا يرد حكمه وقوله وولايته
إلا كافر، ولا يرضى بحكمه وقوله وولايته إلا مؤمن.
فلما سمع اليمانيون قول رسول الله «صلى الله عليه وآله»
في علي «عليه السلام» قالوا: يا رسول الله، رضينا بقول علي وحكمه.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: هو توبتكم مما
قلتم([3]).
ونقول:
يحسن لفت النظر إلى أمور تضمنتها النصوص الآنفة الذكر،
نذكر منها ما يلي:
أولاً:
ذكرت الروايات الثلاث الأولى المتقدمة أن الذين قضى عليهم أمير
المؤمنين «عليه السلام» لم يرضوا بقضائه..
ولا نرى أن سبب ذلك هو كراهتهم لشخص علي «عليه
السلام».. بل لأن التخاصم عادة يكون بسبب شبهة عرضت لأحد المتخاصمين،
أو كليهما، أوهمته أن الحق له، ودفعته إلى السعي لتحصيل حقه ولو
بالترافع إلى القاضي، فإذا قضى عليه القاضي توهم أنه قصر في تحري الحق،
أو جهل الحكم، أو مال مع الهوى..
وبما أن الناس كانوا في اليمن لا يعرفون الكثير عن علي
«عليه السلام»، وعلمه وتقواه، وتضحياته وعدله، والآيات النازلة في حقه،
وبيان فضله، فلا يلامون إذا ظنوا أنه لم يدقق بما يكفي لإحقاق الحق، أو
لم يكن يعرف الكثير من أسرار القضاء، فأرادوا الإستيثاق من صحة قضائه.
فجاء الرد الحاسم من قبل رسول الله «صلى الله عليه
وآله» وبين لهم:
أولاً:
موقع علي فيهم، وحقيقة علي «عليه السلام» ومنزلته، وأن له فيهم مقام
الولاية، وهو الذي لا يرد حكمه، ولا يشك في قوله..
ثانياً:
لقد قرر «صلى الله عليه وآله» أنه «عليه السلام» ليس بظلام، ليكون هذا
القول هو الضابطة لمن تكون له الولاية على الناس، لأن من يظلم واحداً
منهم، فلا يؤمن أن ينال ظلمه الجميع، إذ لا خصوصية للفرد من هذه الجهة،
ولذلك قال: «صلى الله عليه وآله»: «إن علياً ليس بظلام»، فجاء بصيغة
المبالغة لتدل على نفي الظلم عن كل فرد، والمطلوب من الولي الإنصاف
والعدل، وإيصال الخير للناس، والظلاّم لا يؤمن أن ينال ظلمه هذا الفرد
أو ذاك، فلا يصلح للولاية لأنها نقض للغرض.
ثالثاً:
قوله: إن علياً «عليه السلام» لم يخلق للظلم، أي أن علياً «عليه
السلام» هو صاحب الفطرة السليمة والصافية، والمعافاة من كل سوء، فهي لم
تتعرض لأي تشويه، أو عدوان. وفطرة كهذه لا يصدر منها الظلم، لأن الظلم
لا يلائمها، بل هي تتنافر معه وترفضه..
([1])
راجع: مسند الطيالسي ص18 وأخبار القضاة لوكيع ج1 ص95 والسنن
الكبرى للبيهقي ج8 ص111 وذخائر العقبى ص84 وتذكرة الخواص ص49
والقياس في الشرع الإسلامي ص45 وأعلام الموقعين ج2 ص39 ومجمع
بحار
الأنوار ج2 ص57 وينابيع المودة ص75 وأرجح المطالب ص120 والطرق
الحكمية لابن القيم ص262 عن أحمد، وأبي داود، والنسائي، وابن
ماجة، والحاكم في صحيحه، وإرشاد الفحول ص257 وسبل الهدى
والرشاد ج6 ص239 ومسند أحمد ج1 ص77 و 152 ومشكل الآثار ج3 ص58
وكتاب الديات للشيباني ص65 وتفريع الأحباب ص321 ووسيلة النجاة
للسهالوي ص152 ومرآة المؤمنين ص70 وكنز العمال (ط الهند) ج15
ص103 عن الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأحمد، وابن منيع، وابن جرير
وصححه، وقرة العينين في تفضيل الشيخين ص158 وبذل القوة ص285
وتلخيص التحبير ج4 ص30 عن أحمد، والبزار، والبيهقي، وإحقاق
الحق (الملحقات) ج17 ص493 ـ 497 وج8 ص67 ـ 70 عما تقدم وعن
مصادر أخرى.
([2])
راجع: مسند أحمد ج4 ص373 وسنن النسائي (ط الميمنة بمصر) ج2
ص107 وأخبار القضاة ج1 ص90 و 91 و 93 و 94 ومستدرك الحاكم ج2
ص207 وج3 ص135 وج4 ص96 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع مع
المستدرك) ج4 ص96 وذخائر العقبى ص85 والقياس في الشرع الإسلامي
ص48 وزاد المعاد لابن القيم (ط الأزهرية بمصر) ج7 ص380
والبداية والنهاية ج5 ص107 عن أحمد، وأبي داود، والنسائي،
وينابيع المودة ص211 و 75 وتيسير الوصول ج2 ص281 وأرجح المطالب
ص121 والمعجم الكبير
= =
ج5
ص193 و 194 وفيه: أن علياً «عليه السلام» كتب إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله» يخبره بذلك. ومسند ابن أبي شيبة ج2 ص345
وأخبار الموفقيات ص363 عن مسند الحميدي، ومرآة المؤمنين ص71.
([3])
بحار الأنوار ج21 ص362 وج38 ص102 وج40 ص316 وج101
ص390=
=
والأمالي
للشيخ
الصدوق
ص428
ومستدرك
الوسائل
ج18
ص322
وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص343 وعجائب
أحكام أمير المؤمنين «عليه السلام»
للسيد
محسن الأمين
ص42 وقضاء أمير المؤمنين علي «عليه السلام» ص192 عن الكليني،
والشيخ، وعن الصدوق في أماليه. والكافي ج7 ص353.
|