وقد يقال:
إنه «صلى الله عليه وآله» ـ بالإضافة إلى ما تقدم ـ خاف أن يضعف أبو
بكر أمام المشركين، خوفاً من أن يغتالوه، أو أن يؤذوه. وهو لا يثق
بنصرة أهل مكة له، لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام.
وقد أشار المعتزلي إلى ذلك، فقال:
لعل السبب في ذلك، أن علياً «عليه السلام»، من بني عبد
مناف، وهم جمرة قريش في مكة، وعلي «عليه السلام» أيضاً شجاع لا يقام
له، وقد حصل في صدور قريش منه الهيبة الشديدة، والمهابة العظيمة، فإذا
حصل مثل هذا البطل وحوله من بني عمه من هم أهل العزة، والقوة، والحمية،
كان أدعى إلى نجاته من قريش، وسلامة نفسه الخ..([1]).
ونجيب:
بأن علماءنا([2])
ناقشوا في ذلك، فقالوا:
لو كان الغرض من استبدال أبي بكر بعلي «عليه السلام» هو
سلامة من أرسله رسول الله «صلى الله عليه وآله» من الأذى كان الأحرى أن
يرسل «صلى الله عليه وآله» العباس، أو عقيلاً، أو غيرهما ممن لم يكن
لدى قريش حقد عليهم، لأنهم لم يشاركوا في قتل آبائهم، وإخوانهم.
وحديث الخوف من شجاعة علي «عليه السلام» لا ينفع هنا،
فإن قريشاً كانت تجترئ على علي «عليه السلام»، وتسعى لقتله في الحروب،
وإن كانت تُمنى دائماً بالخزي والخيبة، فهل تكف عنه إذا وجدته وحده في
مكة بالذات، وكان معها ألوف من أهل الشرك؟!
على أنهم قد زعموا:
أن أبا بكر ذهب إلى مكة أميراً على الحاج([3])،
فلماذا لم يخف من قريش ومن المشركين أن يغتالوه، إذا كان قد خاف من
القتل، بسبب حمله لرسالة النبي «صلى الله عليه وآله» إليهم؟!.
([1])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص200 وبحار الأنوار ج30 ص423.
([2])
راجع: بحار الأنوار ج30 ص423.
([3])
فتح العزيز ج7 ص31 وبحار الأنوار ج30 ص418 وعمدة القاري ج18
ص260 وتحفة الأحوذي ج8 ص387 وجامع البيان للطبري ج10 ص77
والتفسير الكبير للرازي ج15 ص219 والمعارف لابن قتيبة ص165.
|