لعل من أسباب إرجاع أبي بكر عن تبليغ رسالة النبي «صلى
الله عليه وآله»، وآيات سورة براءة لأهل مكة الأمور التالية:
1 ـ
قد يقال: إن من أهداف ذلك بيان أن أبا بكر لا يصلح للنيابة عن النبي
«صلى الله عليه وآله» في أمر الإبلاغ.. ربما لأنه لا يؤدي الأمر
بحرفيته التامة، بل يراعي أموراً تجعله يقدم على التغيير والتبديل،
وربما تكون هذه الأمور مصالح شخصية، تعود إليه.. ككونه لا يريد جرح
مشاعر قومه، ولا إزعاجهم، ولا تصعيب علاقته بهم، أو غير ذلك..
والخلاصة:
النبي «صلى الله عليه وآله» يريد تعريف الناس بأن أبا بكر لا يؤتمن على
إبلاغ الرسالة، التي وكل بإبلاغها.. ولذلك لم يقل النبي «صلى الله عليه
وآله»: أبو بكر لا يقدر على التبليغ، بل قال: لا يبلغ عني إلا أنا أو
رجل مني..
2 ـ
وقد يقال: إن من الأهداف أنه لو قام أبو بكر بهذه المهمة لاستغلها هو
ومؤيدوه فيما بعد، لادعاء مقامات تضر بسير الأمور كما يريده الله، من
حيث إنها تساعده على اغتصاب الخلافة من صاحبها المنصوص عليه من الله
ورسوله، وتثير الشبهة حين يدعي أبو بكر: أن هذه الإستنابة في التبليغ
تشير إلى أهليته للقيام مقام النبي «صلى الله عليه وآله» في حياته «صلى
الله عليه وآله» وبعد وفاته.. وهذا بالذات ما فعلوه، حين زعموا: أنه
«صلى الله عليه وآله» صلى بالناس في مرض الرسول، بأمر منه «صلى الله
عليه وآله»، مع أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد عزله عن تلك الصلاة
رغم مرضه الشديد..
صرحت الرواية المنسوبة إلى الإمام الحسن «عليه السلام»،
ووردت في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري «عليه السلام»، بأن
المطلوب هو تصحيح الصورة التي في أذهان ضعفاء المسلمين عن هذا الرجل
الذي يرشح نفسه لمقام يفقد المؤهلات له ولما هو أقل منه، ويكون ما جرى
بمثابة إشارة لهم على هذه الحقيقة.
تقول الرواية المشار إليها:
إن جبرئيل قال لرسول الله «صلى الله
عليه وآله» عن «براءة»:
«ما أمرك ربك بدفعها إلى علي، ونزعها من أبي بكر سهواً، ولا شكاً، ولا
استدراكاً على نفسه غلطاً، ولكن أراد أن يبين لضعفاء المسلمين: أن
المقام الذي يقومه أخوك علي «عليه السلام» لن يقومه غيره سواك يا محمد،
وإن جلَّت في عيون هؤلاء
الضعفاء من
أمتك
مرتبته، وشرفت عندهم منزلته»([1]).
4 ـ
قول النبي «صلى الله عليه وآله»: لا يؤدي عني إلا أنا،
أو رجل مني.. قد يشير إلى أنه ليس من حق النبي «صلى الله عليه وآله» أن
يولي أحداً شيئاً من مهمات الإمام بعده، مثل تولية أمر التبليغ عن الله
ورسوله غير علي «عليه السلام».. لأن هذا المقام خاص به صلوات الله
وسلامه عليه، لأنه هو الحافظ للشريعة، وأحكامها، والكتاب وآياته، وهو
المرجع للفقهاء والمبلغين، والمهيمن على حركتهم.
([1])
بحار الأنوار ج35 ص297 عن التفسير المنسوب للإمام العسكري ص231
و 232 و (تحقيق مدرسة الإمام المهدي) ص559.
|