وهناك من أنكر أصل الواقعة، وأصر على أن أبا بكر
هو المبلغ
لآيات سورة براءة، ومن هؤلاء عباد بن سليمان
،
والقوشجي
، وأضرابهما([1]).
واستدل بعضهم على ذلك:
بأن عزل أبي بكر
عن
تبليغ سورة براءة قبل الوصول إلى موضعها، يلزم منه نسخ الفعل قبل حضور
وقت العمل، وهو غير جائز([2]).
ونجيب:
أولاً:
إن إنكار أصل الواقعة استناداً إلى ما ذكر لا يلتفت إليه، اجتهاد في
مقابل النص، إذ قد تضافرت الأخبار، واشتهرت الواقعة حتى أصبحت أوضح من
الشمس، وأبين من الأمس، كما اعترف به القاضي عبد الجبار
([3]).
ثانياً:
هذا المورد ليس من موارد النسخ، لأنه ليس حكماً شرعياً كلياً، لكي
يتعلق به النسخ.. وإنما هو أمر مرتبط بشخص بعينه هو أبو بكر
، كانت
هناك مصلحة بإعطائه كتاباً، وأمره بأن يبلغ مقالاً لأهل الموسم، فإذا
حمل الكتاب، وبلغ به مكاناً بعينه انتهت تلك المصلحة وتبلورت مصلحة
أخرى تتمثل بأخذ الكتاب منه، وإعطائه لعلي «عليه السلام» ليقرأه هو على
أهل الموسم..
ولعل هذه المصلحة في ذلك كله هي إظهار فضل علي «عليه
السلام»، وعدم أهلية أبي بكر
لما
يطلبه ويسعى من أجله..
ثالثاً:
جوز جمهور الأشاعرة
،
وكثير من علماء الأصول النسخ قبل حضور وقت العمل([4]).
رابعاً:
إذا دلت الأخبار المتواترة على وقوع النسخ قبل حضور وقت العمل، وأجمع
نقلة الأخبار على حصوله، كان ذلك دليلاً على جوازه، وبه يعلم أن ما
يتشبث به القائل بالمنع، هو مجرد شبهة لا تصلح للوقوف عندها.
([1])
المغني للقاضي عبد الجبار ج2 ص350 وبحار الأنوار ج30 ص315 و
318 وراجع: منار الهدى ص187 عن القوشجي، وشرح نهج البلاغة
للمعتزلي ج17 ص200.
([2])
المغني لعبد الجبار ج20 ص350 وبحار الأنوار ج30 ص315 و318.
([3])
بحار الأنوار ج30 ص315 و318.
([4])
هداية المسترشدين ج1 ص590 وبداية الوصول ج4 ص256 وعناية الأصول
ج2 ص334.
|