صفحة : 86-89   

ليلة عرفة تمهيد ليوم عرفة:

رووا: أنه خرج «صلى الله عليه وآله» على الحجيج عشية عرفة، فقال لهم: إن الله قد باهى بكم الملائكة عامة، وغفر لكم عامة، وباهى بعلي خاصة، وغفر له خاصة، إني قائل لكم قولاً غير محاب فيه لقرابتي: إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب علياً «عليه السلام» في حياته وبعد موته([1]).

2 ـ وعن فاطمة «عليها السلام»، قالت: خرج علينا رسول الله «صلى الله عليه وآله» عشية عرفة، فقال: إن الله تبارك وتعالى باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعلي خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، هذا جبرئيل يخبرني: أن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب علياً في حياته وبعد موته.

زاد في نص آخر: «إن الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد مماته»([2]).

ونقول:

يلاحظ هنا ما يلي:

أولاً: إن يوم عرفة قد شهد حدثاً هاماً يرتبط بالنص النبوي على إمامة علي «عليه السلام».. ويأتي هذا الموقف من رسول الله «صلى الله عليه وآله» عشية ليلة في سياق الإعداد لما سيقوم به في اليوم التالي..

ثانياً: إنه «صلى الله عليه وآله» قد ضمن كلامه ما يدل على أنه كان يتوقع اتهامه بمحاباة قرابته، لكي يسقطوا كلامه في حقه عن الإعتبار بالرغم من أن اتهاماً من هذا القبيل يُخرج من يطلقه عن دائرة التقوى، بل عن دائرة الإيمان، لتضمنه اتهام النبي «صلى الله عليه وآله» بالإنقياد إلى الهوى، وتجاوز ما يمليه عليه الوحي الإلهي، ليصبح «صلى الله عليه وآله» خارج دائرة العصمة، ولا يبقى مأموناً على ما أتمنه الله عليه..

ثالثاً: إنه أخبرهم: بأن الله تعالى قد باهى بهم، وغفر لهم عامة، وباهى وغفر لعلي خاصة، وفي هذا النص كلام من عدة جهات، هي:

ألف: إن علياً «عليه السلام» معصوم لا يصدر منه الذنب، إلا إن كان المقصود الذنب الذي هو من قبيل ما ورد في أول سورة الفتح: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً([3]).

حيث ثبت: أن المراد بالذنب: هو ما كان قومه يعدونه ذنباً، وهو مجيئه بهذا الدين. فإنهم غفروا له ذلك، وصاروا يعتبرونه فضلاً وسداداً.. شاهدنا على ذلك: أنه لو كان بالذنب معصية لما كافأه عليه بالفتح المبين، لأن المذنب يعاقب ولا يكافأ.

أو أن المراد: أن الله تعالى غفر لعلي ما يراه «عليه السلام» ذنباً في جنب الله، وإن لم يكن كذلك في الواقع. حيث يرى: أن عبادته لا تليق بمقام الألوهية الأقدس.. ويعتبر نفسه مذنباً ومقصراً في أداء واجبه..

ب: إن المراد بمغفرة ذنوبهم عامة: هو مغفرة ذنوب من تاب منهم وأناب، وعزم على عدم العود للمعاصي. أما المصر على معصية الله، وعلى مخالفة ما يأتي به نبيه الأكرم «صلى الله عليه وآله»، ولا سيما فيما يرتبط بإمامة وصيه من بعده، فلا تشمله المغفرة، لا عموماً ولا خصوصاً.

رابعاً: إنه «صلى الله عليه وآله» قد ربط السعادة كل السعادة بحب علي «عليه السلام» في حياة علي وبعد موته.. ولم يزد على ذلك..

فهنا سؤلان:

أولهما: ما معنى التأكيد على حب علي «عليه السلام» في الحياة وبعد الممات؟!

ونجيب:

لعل السبب في تعميم الحب إلى ما بعد الممات: هو أن حبه في هذه الحالة يكون صادقاً وحقيقياً، وليس حباً مصلحياً، ولا متأثراً بمؤثرات خارجية، بل هو يحبه لأنه يراه مستحقاً للحب..لا لشيء آخر.

الثاني: لقد اقتصر على ذكر الحب، ولم يشر إلى الطاعة والقبول بحكمه وخلافته، لأن الحديث عن السعادة التامة في الدنيا والآخرة، وأي شيء آخر غير الحب قد لا يحققهما معاً، حتى الطاعة والإنقياد، فإن الإنسان قد يطيع الحاكم خوفاً، أو طمعاً، أو حباً بالسلامة، أو لغير ذلك.. أما الحب الحقيقي فهو يدعوه للطاعة في الدنيا، ويجعله أهلاً لشفاعته في الآخرة.

وبعد ما تقدم نقول، ونتوكل على خير مسؤول:


 

([1]) الفصول المئة ج3 ص291 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص168 عن أحمد= = بن حنبل في المسند والفضائل، وبحار الأنوار ج40 ص81 وج39 ص265 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص92 وينابيع المودة ج2 ص487 والتحفة العسجدية ص135 وغاية المرام ج5 ص140 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص254 وج21 ص296.

([2]) المعجم الكبير للطبراني ج22 ص415 والمناقب للخوارزمي ص78 والأمالي للصدوق ص248 ومجمع الزوائد ج9 ص132 ودلائل الإمامة ص74 والأمالي للمفيد ص161 والأربعون حديثاً لمنتجب الدين بن بابويه ص33 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص3 والعمدة لابن البطريق ص200 والصراط المستقيم ج2 ص50 وكتاب الأربعين للشيرازي ص462 وبحار الأنوار ج27 ص74 وج39 ص257 و 274 و 284 وكشف الغمة ج1 ص92 و 105 وج2 ص78 ونهج الإيمان ص452 والفصول المهمة لابن الصباغ ص125 و (ط دار الحديث) ج1 ص585 عن معالم العترة النبوية، وكتاب الأربعين للماحوزي ص243 وبشارة المصطفى ص237.

([3]) الآيتان 1 و 2 من سورة الفتح.

 
   
 
 

موقع الميزان