صفحة : 121-123   

الصحابة يعاقبون النبي صلى الله عليه وآله:

ثم إن ما جرى في منى وعرفات قد أوضح لقريش ، ومن تابعها: أن النبي «صلى الله عليه وآله» مصرٌّ على تنصيب علي «عليه السلام» إماماً وخليفة من بعده.. فضاقت بذلك صدورهم، وأجمعوا أمرهم على مقاطعته ولم يعودوا يطيقون حضور مجلسه، فاعتزلوه وخلا مجلسه منهم.. وابتعدوا عنه.. مع أنهم كانوا دائمي الدخول عليه عادة، وظهر ما أبطنوه على حركاتهم، وفي وجوههم، وعلى تصرفاتهم، وصاروا يعاملونه «صلى الله عليه وآله» بصورة بعيدة حتى عن روح المجاملة الظاهرية.

فواجههم «صلى الله عليه وآله» بهذه الحقيقة، وصارحهم بها، في تلك اللحظات بالذات. ويتضح ذلك من النص التالي:

عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» نزل بخم فتنحى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب، فشق على النبي تأخر الناس، فأمر علياً، فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم متوسداً (يد) علي بن أبي طالب، فحمد الله، وأثنى عليه.. ثم قال:

«أيها الناس، إنه قد كَرِهْتُ تخلفكم عني، حتى خُيِّلَ إلي: أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني»([1]).

وروى ابن حبان بسند صحيح على شرط البخاري ـ كما رواه آخرون بأسانيد بعضها صحيح أيضاً:

أنه حين رجوع رسول الله «صلى الله عليه وآله» من مكة ، حتى إذا بلغ الكديد أو (قديرجعل ناس من أصحابه يستأذنون، فجعل «صلى الله عليه وآله» يأذن لهم.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «ما بال شق الشجرة التي تلي رسول الله أبغض إليكم من الشق الآخر»؟!.

قال: فلم نر من القوم إلا باكياً.

وهو بكاء لا يعبر عن الحقيقة، فإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الصادق المصدق. إذ لا معنى لهذا البكاء، بعد ما سبقه ذلك الجفاء، الذي بلغ في الظهور حداً دعا النبي «صلى الله عليه وآله» إلى مطالبته بالإقلاع عنه.

قال: يقول أبو بكر : «إن الذي يستأذنك بعد هذا لسفيه في نفسي الخ..»([2]).. مع أن المطالب الحقيقي هنا هو أبو بكر بالذات.


([1]) راجع: تاريخ مدينة دمشق ج42 ص226 و 227 ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص25 والعمدة لابن البطريق ص107 وإقبال الأعمال ج2 ص248 والطرائف لابن طاووس ص145 مجمع البيان ج3 ص223 وتفسير العياشي ج1 ص331 وتفسير البرهان   ج1 ص489 وشواهد التنزيل ج1 ص192 وكتاب الأربعين للشيرازي ص115 ومكاتيب الرسول ج1 ص597 وكتاب الأربعين للماحوزي ص143 وبحار الأنوار ج37 ص133 و134 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص89 وج6 ص253 وج30 ص408 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص138 و 231 ج9 ص169 وكشف المهم في طريق خبر غدير خم ص75 و 115 والغدير ج1 ص22 و219 و223 و327 عنه، وعن الثعلبي في تفسيره، كما في ضياء العالمين، وعن مجمع البيان وعن روح المعاني ج2 ص348.

([2]) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج1 ص444 ومسند أحمد ج4 ص16 ومسند الطيالسي ص182 ومجمع الزوائد ج1 ص20 وج10 ص408 وقال: رواه الطبراني، والبزار بأسانيد رجال بعضها عند الطبراني والبزار رجال الصحيح، وكشف الأستار عن مسند البزار ج4 ص206 وقال في هامش (الإحسان): إنه في الطبراني برقم: 4556 و 4559 و 4557 و 4558 و 4560. وراجع: بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص212 والآحاد والمثاني ج5 ص24 وصحيح ابن حبان ج1 ص444 والمعجم الكبير للطبراني ج5 ص50 و 51 وموارد الظمآن للهيثمي ج1 ص103 وكنز العـمال ج10 = = ص477 وتهذيب الكمال للمزي ج9 ص208. وراجع: مسند الحارث ج3 ص103 والمسند الجامع ج12 ص221 وحلية الأولياء ج3 ص93.

 
   
 
 

موقع الميزان