صفحة : 138-143   

ماذا جرى يوم الغدير ؟!:

قال العلامة الأميني «رحمه الله»:

«فلما قضى مناسكه، وانصرف راجعاً إلى المدينة ، ومعه من كان من الجموع المذكورات، وصل إلى غدير خم من الجحفة ، التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين ، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة، نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ([1]). وأمره أن يقيم علياً علماً للناس، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية، وفرض الطاعة على كل أحد.

وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة ، فأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سمرات خمس متقاربات، دوحات عظام، أن لا ينزل تحتهن أحد، حتى إذا أخذ القوم منازلهم، فَقُمَّ ما تحتهن.

حتى إذا نودي بالصلاة ـ صلاة الظهر ـ عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض رداءه على رأسه، وبعضه تحت قدميه، من شدة الرمضاء، وظلّل لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بثوب على شجرة سمرة من الشمس.

فلما انصرف «صلى الله عليه وآله» من صلاته، قام خطيباً وسط القوم([2]) على أقتاب الإبل، وأسمع الجميع رافعاً عقيرته([3])، فقال:

«الحمد لله، ونستعينه، ونؤمن به، ونتوكل عليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد.. أيها الناس، قد نبأني اللطيف الخبير: أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟!

قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً.

قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، و أن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟!

قالوا: بلى نشهد بذلك.

قال: اللهم اشهد.

ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟!

قالوا: نعم.

قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبُصرى ([4])، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين([5]).

فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟!

قال: الثقل الأكبر كتاب الله، طرف بيد الله عز وجل، وطرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تَقَدَّموهما فتهلكوا، ولا تُقَصِّروا عنهما فتهلكوا.

ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟!

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات ـ وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة أربع مرات ـ ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب.

ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ الآية([6])»([7]).

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي.

ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

وممن هنأه في مقدم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر ، كلٌّ يقول: بَخٍ بَخٍ لك يا بن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولايَ ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

وقال ابن عباس : وجبت والله في أعناق القوم([8]).


 

([1]) الآية 67 من سورة المائدة.

([2]) راجع: الغدير ج1 ص210 ـ 223 وقد صرح بنزول الآية في هذه المناسبة كثيرون، فراجع ما عن المصادر التالية: ابن جرير الطبري في كتاب الولاية في طرق حديث الغدير كما في ضياء العالمـين، والـدر المنثـور ج2 ص298 وفتح = = القدير ج2 ص57 و 60 عن ابن أبي حاتم، وكنز العمال ج11 ص603 وعن أبي بكر الشيرازي وابن مردويه، وكشف الغمة للأربلي ص324 و 325 وعن تفسير الثعلبي، والعمدة لابن البطريق ص100 والطرائف لابن طاووس ج1 ص152 و 121 ومجمع البيان ج3 ص344 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص29 وأبي نعيم في كتابه ما نزل من القرآن في علي «عليه السلام» ص86 وخصائص الوحي المبين ص53 وأسباب النزول ص135 وشواهد التنزيل ج1 ص255 وتاريخ مدينة دمشق ج12 ص237 والتفسير الكبير للرازي ج12 ص49 ومفتاح النجا في مناقب آل العبا ص34 ومودة القربى (المودة الخامسة) وفرائد السمطين ج1 ص158 والفصول المهمة لابن الصباغ ص42 وعمدة القاري ج18 ص206 وغرائب القرآن للنيسابوري ج6 ص170 وشرح ديوان أمير المؤمنين للميبذي ص406 وعن أبي الشيخ، وابن أبي حاتم، وعبد بن حميد، وابن مردويه، وثمار القلوب للثعالبي ص636 وراجع: روح المعاني ج6 ص192 وينابيع المودة ج1 ص119 وراجع: تفسير المنار ج6 ص463 وبحار الأنوار ج37 ص115 ونور الثقلين ج1 ص657 وإعلام الورى ج1 ص261 وقصص الأنبياء XE "الأنبياء:جماعات"  للراوندي ص353 وكشف اليقين ص240 وتفسير القمي ج1 ص173 والصافي (تفسير) ج2 ص69.

([3]) راجع: الغدير ج1 ص10 وراجع: بحار الأنوار ج37 ص166 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص544.

([4]) صنعاء: عاصمة اليمن اليوم. وبُصرى: قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.

([5]) الثقل، بفتح المثلثة والمثناة: كل شيء خطير نفيس.

([6]) الآية 3 من سورة المائدة.

([7]) وقد روي نزول الآية في يوم الغدير في المصادر التالية: الغدير ج1 ص11 و 230 ـ 237 و 296 وروى ذلك الطبري في كتاب الولاية في طرق حديث الغدير XE "غدير خم:أماكن" ، كما في ضياء العالمين. وتفسير القرآن العظيم ج2 ص14 عن ابن مردويه، والـدر = = المنثور ج2 ص259 وتاريخ مدينة دمشق ج12 ص237 والإتقان ج1 ص31 وكشف الغمة ج1 ص330 وعن مفتاح النجا، وعن الفرقة الناجية وما نزل من القرآن في علي «عليه السلام» لأبي نعيم ص56 وكتاب سليم بن قيس XE "سليم بن قيس"  ج2 ص828 وتاريخ بغداد ج8 ص290 ومناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص18 والعمدة لابن البطريق ص106 وشواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص201 والمناقب للخوارزمي ص135 و156 وفرائد السمطين ج1 ص74 و72 وعن النطنزي في كتابه الخصائص العلوية، وتوضيح الدلائل للصالحاني، وتذكرة الخواص ص30 والبداية والنهاية ج5 ص210. وراجع: بحار الأنوار ج21 ص390 وج37 ص134 و 166 وخلاصة عبقات الأنوار ج8 ص301 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص544 وإعلام الورى ج1 ص261 ـ 363 قصص الأنبياء XE "الأنبياء:جماعات"  للراوندي ص353 ـ 354 وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص20 وكشف اليقين ص253.

([8]) الغدير ج1 ص10 و 11. وراجع: العمدة لابن البطريق ص104 ـ 106 وبحار = = الأنوار ج37 ص184 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص132 وج8 ص122 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج2 ص255 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص341 و 342 عن ابن المغازلي.

 
   
 
 

موقع الميزان