صفحة : 144-146   

الخطبة برواية الطبري :

وعن زيد بن أرقم : أنه «صلى الله عليه وآله» خطب في يوم الغدير خطبة بالغة، ثم قال: إن الله تعالى أنزل إليَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ([1])، وقد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد، وأُعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي، ووصيي، وخليفتي، والإمام بعدي.

فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربي، لعلمي بقلة المتقين، وكثرة المؤذين لي، واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي، وشدة إقبالي عليه، حتى سموني أذناً، فقال تعالى: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ([2]). ولو شئت أن أسميهم وأدل عليهم لفعلت، ولكني بسترهم قد تكرمت.

فلم يرض الله إلا بتبليغي فيه. فاعلموا معاشر الناس ذلك، فإن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه، جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه، اسمعوا وأطيعوا، فإن الله مولاكم، وعلي إمامكم.

ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى القيامة، لا حلال إلا ما أحله الله ورسوله وهم، ولا حرام إلا ما حرم الله ورسوله وهم.

فما من علم إلا وقد أحصاه الله فيَّ، ونقلته إليه؛ فلا تضلوا عنه، ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، لن يتوب الله على أحد أنكره، ولن يغفر له، حتماً على الله أن يفعل ذلك، أن يعذبه عذاباً نكراً أبد الآبدين.

فهو أفضل الناس بعدي، ما نزل الرزق، وبقي الخلق، ملعون من خالفه، قولي عن جبرئيل عن الله، فلتنظر نفس ما قدمت لغد.

إفهموا محكم القرآن، ولا تتبعوا متشابهه، ولن يفسر ذلك لكم إلا من أنا آخذ بيده، وشائل بعضده، ومُعْلِمُكم: أن من كنت مولاه فهذا (فعلي) مولاه، وموالاته من الله عز وجل أنزلها عليَّ.

ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.

ثم رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبي «صلى الله عليه وآله» وقال:

معاشر الناس! هذا أخي، ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على من آمن بي، وعلى تفسير كتاب ربي.

وفي رواية: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن من أنكره، وأغضب على من جحد حقه.

اللهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في علي: ﴿ألْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ([3]) بإمامته، فمن لم يأتم به، وبمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة، فأولئك حبطت أعمالهم، وفي النار هم خالدون.

إن إبليس أخرج آدم «عليه السلام» من الجنة، مع كونه صفوة الله، بالحسد([4])، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم، وتزل أقدامكم.

في علي نزلت سورة ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْر([5]).

معاشر الناس! آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ([6]). النور من الله فيَّ، ثم في عليٍّ، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي .

معاشر الناس! سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون، وإن الله وأنا بريئان منهم، إنهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار. وسيجعلونها ملكاً اغتصاباً، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان و ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ([7])»([8]).


 

([1]) الآية 67 من سورة المائدة.

([2]) الآية 67 من سورة المائدة.

([3]) الآية 3 من سورة المائدة.

([4]) لنا كتاب مستقل حول هذا الموضوع أسميناه «براءة آدم» راجع ذلك.

([5]) الآيتان 1 و 2 من سورة العصر.

([6]) الآية 47 من سورة النساء.

([7]) الآية 35 من سورة الرحمن.

([8]) الغدير للعلامة الأميني ج1 ص215 و 216 عن ضياء العالمين للفتوني عن كتاب = = الولاية للطبري. وراجع: كتاب الإحتجاج ج1 ص133 ـ 162 والتحصين لابن طاووس ص579 ـ 590 ونهج الإيمان لابن جبر ص91 ـ 112 والعدد القوية للحلي ص169 ـ 183 والصافي (تفسير) ج2 ص56 ـ 67 وفيها زيادات هامة، وبحار الأنوار ج37 ص201 ـ 219 وروضة الواعظين ص100 ـ 113 وغاية المرام ج1 ص402 ـ 419 وراجع: الصراط المستقيم ج1 ص301 ـ 304.

 
   
 
 

موقع الميزان