ثم واجههم «صلى الله عليه وآله» بأسئلة تقريرية تفرض
عليه التنبه التام، والوعي لكل كلمة ينطق بها، فالسؤال يتطلب الإجابة،
والإجابة مسؤولية وقرار، والتزام يحتاج منهم إلى استنطاق كل حرف ينطق
به الرسول «صلى الله عليه وآله»، والتعامل معه بجدية تامة وبمسؤولية
بالغة.
وستأتي النتيجة بعد ذلك كله في غاية الوضوح، وذات نتائج
دقيقة وصادقة بالنسبة لبراءة ذمة رسول الله «صلى الله عليه وآله» مما
هو مسؤول عنه، وهو البلاغ التام لما أنزل عليه من ربه..
وبأسلوب التقرير الذي انتهجه معهم، منع أي تأويل، أو
ادعاء لوجوهٍ اجتهادية في المعنى، أو اللجوء إلى التنصل بحجة عدم
السماع، أو عدم الفهم، أو عدم الإلتفات أو غير ذلك مما يمكِّن ذوي
الأغراض من تمييع القضية، أو الإنتقاص من حيويتها، أو من الشعور
بأهميتها وخطورتها..
أما مضمون أسئلته التقريرية، فكان هوالأهم، من حيث أنه
يدفع بوضوح القضية، وسلامة وصحة الإلتزام منهم أمام الله، وأمام
ضمائرهم إلى أقصى مداه، فقد سألهم أولاً ـ بما هم جماعة ـ ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم، ثم سألهم عن أولويته بكل فردٍ منهم من نفسه..
ليدلهم بذلك على أن الأمر يعنيهم بما هم جماعة لها شؤونها العامة..
ويعنيهم أيضاً بما هم أفراد فرداً فرداً، بلحمه ودمه، وبكل وجوده..
ثم سألهم
ثالثاً:
عن حدود سلطتهم على أنفسهم، ويريد أن يسمع إقرارهم له
بأن سلطته وولايته عليهم، وموقعه منهم فوق سلطة وموقعية وولاية حتى
أمهاتهم وآبائهم، وحتى أنفسهم على أنفسهم.
وهذا يؤكد لهم:
أن القرار الذي يريد أن يتخذه يعنيهم في صميم وجودهم،
وينالهم في أخص شؤونهم وحالاتهم.
ولا بد أن يزيد ذلك من اهتمامهم بمعرفة هذا الأمر
الخطير، والتعامل معه بإيجابية متناهية.
ثم إنه «صلى الله عليه وآله» لم يكتف بسؤالهم عن ذلك
لمرة واحدة، بل كرر السؤال عن هذه الأمور الأساسية والحساسة عليهم ثلاث
مرات، على سبيل التعميم أولاً، ثم على سبيل التحديد والتشخيص بفرد
بعينه أخرى، فقد روي أنه «صلى الله عليه وآله» قال: أيها الناس، من
أولى الناس بالمؤمنين.
قالوا:
الله ورسوله أعلم.
قال:
أولى الناس بالمؤمنين أهل بيتي. يقول ذلك ثلاث مرات.
ثم قال في الرابعة، وأخذ بيد علي:
اللهم من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه،
وعاد من عاداه ـ يقولها ثلاث مرات ـ ألا فليبلغ الشاهد الغائب([1]).
وفي نص آخر:
كرر ذلك أربع مرات([2]).
وعن البراء بن عازب
:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» نزل بعد حجته في بعض
الطريق، وأمر بالصلاة جامعة، فأخذ بيد علي، فقال: ألست أولى بالمؤمنين
من أنفسهم؟!
قالوا:
بلى.
قال:
ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟!
قالوا:
بلى.
قال:
فهذا ولي من أنا مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من
عاداه([3]).
وفي نص آخر عن البراء
:
خرجنا مع رسول
الله «صلى الله عليه وآله» حتى نزلنا غدير خم
، بعث
منادياً ينادي.
فلما اجتمعنا قال:
ألست أولى بكم من أنفسكم؟!
قلنا:
بلى يا رسول الله.
قال:
ألست أولى بكم من أمهاتكم؟!
قلنا:
بلى يا رسول الله.
قال:
ألست أولى بكم من آبائكم؟!
قلنا:
بلى يا رسول الله.
قال:
ألست؟! ألست؟! ألست؟!
قلنا:
بلى يا رسول الله.
قال:
>من
كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه<.
فقال عمر
بن الخطاب:
هنيئاً لك يا بن أبي طالب، أصبحت اليوم ولي كل مؤمن([4]).
([1])
الفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص237 ـ 241 وكشف الغمة ج1 ص49 ـ
50 عن الزهري، وينابيع المودة ج1 ص118 ـ 119 وخلاصة عبقات
الأنـوار ج7 = = ص229 وج9 ص109 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6
ص234 و 301 وج21 ص93 والروضة في فضائل أمير المؤمنين ص118 وسعد
السعود لابن طاووس ص71 وبحار الأنوار ج42 ص156 والغدير ج1 ص11
و 33 و 176 وحياة الإمام الحسين «عليه السلام» للقرشي ج1 ص199
وغاية المرام ج1 ص298 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص215 وتنبيه
الغافلين لابن كرامة ص66 وراجع: الإصابة لابن حجر (ط دار الكتب
العلمية) ج1 ص34.
([2])
مشكاة المصابيح ج3 ص360 وتذكرة الخواص ص29 وفضائل الصحابة
لأحمد بن حنبل ج2 ص586 وعن مسند أحمد ج5 ص494 وكفاية الطالب
ص285 وعن ابن عقدة، والغدير ج1 ص11 و 33 وخلاصة عبقات الأنوار
ج1 ص258 ونظرة إلى الغدير
للمروج الخراساني ص54 وكتاب الأربعين للماحوزي ص143 و 144 و
145.
([3])
الطرائف ص149 وكتاب الأربعين للشيرازي ص116 والعمدة لابن
البطريق ص96 و 100 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص236 وبحار الأنوار
ج37 ص159 ومسند أحمد ج4 ص281 وسنن ابن ماجة ج1 ص43 ومناقب
الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج1 ص442 وج2 ص370
وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص80 و 86 و 115 و 122 و 147 و 294 و
301 و 335 وج8 ص117 و 218 و 247 وج9 ص261 والغدير ج1 ص220 و
272 و 274 و 277 و 279 ونظم درر السمطين ص109 وخصائص الوحي
المبين لابن البطريق ص89 وتفسير الثعلبي ج4 ص92 وتاريخ مدينة
دمشق ج42 ص221 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص632 وبشارة المصطفى
ص284 والمناقب للخوارزمي ص155 ونهج الإيمان لابن جبر ص120
وينابيع المودة ج1 ص102 وج2 ص284 وشرح إحقاق الحق (الملحقات)
ج6 ص235 و 238 وج14 ص34 وج20 ص173 و 357 وج21 ص34 و 38 و 39
وج23 ص325 و 554 وج30 ص418 و 419.
([4])
تاريخ مدينة دمشق ج42 ص220 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه
السلام» للكوفي ج2 ص368 و 441 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص29 و
146 وج9 ص93 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج7
ص386 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص361 و 376 والغدير (ط
مركز الغدير) ج1 ص50 ـ 53 و (ط دار الكتاب العربي) ج1 ص19 و 20
متناً وهامشاً عن مصادر كثيرة جداً.
|