صفحة :218 -219   

الإعلان بالشهادتين:

وقد شهد «صلى الله عليه وآله» لله بالوحدانية، ولنفسه بالعبودية لله وبالرسولية، لينال ثواب الجهر بالشهادة، وليتلذذ بهذه العبارة، ولتكون موطئة لإقرار ذلك الحشد العظيم بمثل ذلك، وتسهيلاً لذلك عليهم، ورفعاً لاستهجانهم، وإبعاداً لأي احتمال قد يراود ذهن بعضهم حول مستوى ثقته «صلى الله عليه وآله» بصدق إيمانهم، وحقيقة إسلامهم..

كل ذلك لأنه يريد أن يأخذ منهم عهداً، ويريد أن يغلظ عليهم فيه، ليكون ذلك أدعى لإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم، وأقوى وأشد في تعظيم أمر النكث وتهجينه، واستقباح صدوره منهم، إن لم يكن تديناً، وخوفاً من العقوبة الأخروية، فالتزاماً بالإعتبارات التي يلزمون أنفسهم بها في الحياة الدنيا.

ولصاحب الحق أن يضيق الخناق على الباطل، وأن يؤكد وضوح الحق بكل وسيلة مشروعة، (أي لا تتضمن تمرداً على أمر الله تعالى)، فهو نظير ما فعله من إثارة معاني الغيرة، والحياء في الناس، لأجل ضبط حركة النساء في محيط الرجال، الذي استفاد منه أمير المؤمنين في قوله: أما تستحيون، ولا تغارون؟! نساؤكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج ([1]).

وهكذا فعل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإنه ذكرهم بأصل التوحيد، فشهدوا لله تعالى بالوحدانية، وبأصل النبوة، فشهدوا له «صلى الله عليه وآله» بأنه رسول من الله إليهم، مما يعني أن ما يأتيهم به هو من عند الله؟!

وذكَّرهم بالنار التي يعاقب بها المتمردون على الله، المخالفون لرسوله، وبالجنة التي يثاب بها المطيعون لهما، وبأن الموت حق، والبعث والحساب حق، فلماذا يتعلقون بالدنيا، ويفسدون آخرتهم من أجلها؟!

ثم ذكَّرهم بالإمامة، وبما يحفظ من الهداية والضلال، وبميزان الأعمال من خلال التأكيد على حديث الثقلين.

كل ذلك توطئة لنصب أمير المؤمنين «عليه الصلاة السلام» ولياً وهادياً، ومرجعاً وإماماً.


 

([1]) الكافي ج5 ص537 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج20 ص236 و (ط دار الإسلامية) ج14 ص174 ومشكاة الأنوار ص417 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص271 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج8 ص243 ومسند أحمد ج1 ص133 والشرح الكبير لابن قدامة ج8 ص144 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج3 ص780.

 
   
 
 

موقع الميزان