وفي الآية وعد للنبي «صلى الله عليه وآله» بأن الله
تعالى سوف يعصمه من الناس، ويحفظه منهم، فيرد سؤال: من أي شيء كان «صلى
الله عليه وآله» يخاف، إن بلَّغ ما أمره الله به؟! مع علمنا: بأنه «صلى
الله عليه وآله» لا يبخل بنفسه ولا بأي شيء يعود إليه عن البذل في سبيل
الله تعالى..
ونجيب:
بأن الذي أظهرته النصوص التي تقدمت في فصل سابق تحدثنا
فيه عما جرى في عرفة : أنه «صلى الله عليه وآله» كان يخاف من قومه
الذين كانوا حديثي عهد بجاهلية أن يتهموه فيما يبلغهم إياه بما يبطل
أثر تبليغه، ويوجب فساد دعوته، فهو «صلى الله عليه وآله» كان بصدد
تحصين دعوته عن أن ينالها أولئك المتربصون بها بسوء.
ولعلك تقول:
إذا كان هذا هو ما يخشاه الرسول «صلى الله عليه وآله»، فلا شك في أن
الله يعلمه، فلماذا أمره بالتبليغ مع علمه بعدم إجتماع شرائطه؟!
ونجيب:
أولاً:
إن الله تعالى تارة يأمر نبيه أمراً تنجيزياً فعلياً حاضراً بأمر قد
اجتمعت شرائطه، وارتفعت موانعه.. وتارة يأمره بإبلاغ أمر بنحو يجعل
للنبي «صلى الله عليه وآله» نفسه مهمة توفير بعض الشرائط، وإزالة بعض
الموانع، وتوخي الوقت الأنسب، والأسلوب الأصوب في ذلك، والأمر في موضوع
الإمامة من هذا القبيل، فإنه كان يحتاج إلى الإعداد الصحيح، وتهيئة
النفوس، وتمهيد الوسائل المناسبة له..
ثانياً:
إن قوله تعالى لنبيه وإن لم تفعل، لا يعني أنه «صلى الله عليه وآله» هو
الذي يختار أن لا يفعل، بل معناه: أن هذا الفعل إن لم يصدر منك بسبب
منعهم إياك، كما حصل في عرفات ، ثم في منى ، فإننا سوف نعتبر أننا قد
عدنا معهم إلى نقطة الصفر، وربما تقوم الضرورة بحربهم، كما حوربوا في
بدر وأحد ، والخندق ، والفتح ، وحنين
..
ومما يدل على أن المشكلة هي في الناس الذين يمنعون
النبي «صلى الله عليه وآله» قوله تعالى:
﴿وَاللهُ
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.
وقوله:
﴿إِنَّ
اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
فإن هذه الفقرات قد جاءت لتؤيد وتؤكد صحة فعله «صلى الله عليه وآله»،
وصدق توقعاته، وأن ما فعله كان في محله، وأنه لولا العصمة الإلهية لم
يصح التبليغ، لأنه سيكون بمثابة التفريط بالمهمة، وعدم توخي الظرف
الملائم.
وربما يشير إلى ذلك أيضاً:
أنه عطف بالواو لا بإلفاء في قوله تعالى:
﴿وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ﴾([1])،
إذ لو عطف بإلفاء لأفاد أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي يمتنع
عن الإبلاغ بقرار منه، ووجود الداعي إلى هذا الإمتناع لديه، ولكنه حين
عطف بالواو أفاد أن عدم الفعل سوف يطرأ عليه بسبب مانع وعارض.
([1])
الآية 67 من سورة المائدة.
|