وجاء في حديث احتجاج المأمون
على
الفقهاء، قول المأمون
لإسحاق
بن إبراهيم
: يا إسحاق،
هل تروي حديث الولاية؟!
قلت:
نعم يا أمير المؤمنين.
قال:
إروه.
ففعلت.
قال:
يا إسحاق،
أرأيت هذا الحديث، هل أوجب على أبي بكر
وعمر
ما لم
يوجب لهما عليه؟!
قلت:
إن الناس
ذكروا: أن الحديث إنما كان بسبب زيد بن حارثة
، لشيء
جرى بينه وبين علي، وأنكر ولاء علي، فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
قال:
في أي موضع قال هذا؟! أليس بعد منصرفه من حجة الوداع؟!
قلت:
أجل.
قال:
فإن قتل زيد
بن حارثة
قبل الغدير!
كيف رضيت لنفسك بهذا؟!
أخبرني لو رأيت ابناً لك قد أتت
عليه خمس عشرة سنة يقول:
مولاي مولى ابن عمي أيها الناس؟! فاعلموا ذلك. أكنت
منكراً ذلك عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟!
فقلت:
اللهم نعم.
قال:
يا إسحاق
،
أفتنزه ابنك عما لا تنزه عنه رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!
ويحكم لا تجعلوا فقهاءكم أربابكم، إن الله جل ذكره قال
في كتابه: ﴿اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ﴾([1]).
ولم يصلُّوا لهم، ولا صاموا، ولا زعموا أنهم أرباب، ولكن أمروهم
فأطاعوا أمرهم([2]).
والظاهر:
أن إشكال
المأمون
هذا قد آتى
ثماره، حيث جاء المصلحون بعد ذلك ليقولوا: إن هذه الحادثة قد جرت بين
أسامة
بن زيد
بن
حارثة
وبين علي..
وقد كان أسامة
حياً
آنئذٍ، وأن الذي قتل في مؤتة هو أبوه.. فذكروا: أن أسامة
قال
لعلي «عليه السلام»: لست مولاي، إنما مولاي رسول الله.
فقال «صلى الله عليه وآله»:
«من كنت مولاه فعلي مولاه»([3]).
ومن الواضح:
أن إشكال المأمون
باستشهاد زيد
في مؤتة يدل
على أن إقحام اسم أسامة
قد جاء
متأخراً بهدف حل هذا الإشكال.
لكن لو سلمنا باستبدال زيد بأسامة، فإن إشكال المأمون
بعدم
معقولية أن يقول الرجل: مولاي مولى ابن عمي.. يبقى على حاله..
يضاف إلى ذلك:
أنه لو صحت رواياتهم، فلا معنى لأن يوقف النبي «صلى
الله عليه وآله» عشرات الآلاف من البشر في حر الرمضاء.
ولا معنى لأخذ البيعة له من سائر من في الصحراء على
مفترق الطرق.. فإن الأمر لا يعنييهم من جهة.. والولاء بهذا المعنى لا
تطلب فيه البيعة، بل لا معنى لها فيه..
ولا معنى لقول عمر
:
أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة..
ولا معنى لأن يحتاج إلى العصمة من الناس..
ولا معنى لإكمال الدين وإتمام النعمة، ولا معنى.. ولا
معنى.. لو كان الأمر ينحصر بهذا الخلاف البسيط بين أسامة
وبين
علي «عليه السلام»!!
([1])
الآية 31 من سورة التوبة.
([2])
قاموس الرجال ج12 ص155 والغدير ج1 ص211 ـ 212 والإمام علي
«عليه السلام» في آراء الخلفاء للشيخ مهدي فقيه إيماني ص182 ـ
197 وفي هامشه عن: العقد الفريد ج5 ص92 ـ 101 و (ط أخرى) ج5
ص56 ـ 61 و (ط أخرى) ج3 ص42 وعيون أخبار الرضا للصدوق ج2 ص185
ـ 200 باختلاف يسير.
([3])
تحفة الأحوذي ج10 ص148 والنهاية في غريب الحديث ج5 ص228 وعن
السيرة الحلبية ج3 ص277 وفيض القدير شرح الجامع الصغير ج6 ص282
ومعاني القرآن للنحاس ج6 ص411 وكتاب الأربعين للماحوزي ص164
وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص42 والغدير ج1 ص383 ودليل النص بخبر
الغدير ص54
ولسان العرب
ج15
ص410 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص244 و 291 وكنز الفوائد
ص232.
|