عمر في خدمة جبرئيل

   

صفحة : 324-327  

عمر في خدمة جبرئيل :

عن عمر بن الخطاب، قال: نصب رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً علماً، فقال: «من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، اللهم أنت شهيدي عليهم».

قال عمر بن الخطاب: وكان في جنبي شاب حسن الوجه، طيب الريح، قال لي: يا عمر ، لقد عقد رسول الله عقداً لا يحله إلا منافق (زاد في مودة القربى، قوله: فاحذر أن لا تحله). (لعل الصحيح: أن تحله، أو فاحذر.. لا تحله).

قال عمر : فقلت: يا رسول الله، إنك حيث قلت في علي كان في جنبي شاب حسن الوجه، طيب الريح قال لي: يا عمر لقد عقد رسول الله «صلى الله عليه وآله» عقداً لا يحله إلا منافق

فأخذ رسول الله «صلى الله عليه وآله» بيدي، فقال: يا عمر ، إنه ليس من ولد آدم، لكنه جبرائيل ، أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي([1]).

ونقول:

إننا نلاحظ ما يلي:

قول النبي «صلى الله عليه وآله»: اللهم أنت شهيدي عليهم.. كأنه إشارة إلى أن هذا الحدث سوف يتعرض للإنكار من قبل جماعة من الناس، أو على الأقل لتحريف دلالته، والتلاعب بمقاصده ومراميه، المساوق لإنكاره. وسيعرض الأمر يوم القيامة للحساب والمطالبة، فيحتاج «صلى الله عليه وآله» إلى الشهادة له بأنه قد ابلغهم مقاصده، واضحة لا لبس فيها.

2 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» حين أراد أن يخبر عمر بحقيقة ذلك الشاب الحسن الوجه، الطيب الريح أخذ بيد عمر ، لكي تتشارك المشاعر في وعي وحفظ ما سيلقيه إليه.. فإن تحريك الحواس الظاهرية باللمس، ونبرات الصوت، وبتعابير الوجه، يجعل المشاعر أكثر تحفزاً لمتابعة ما يجري بانتباه أشد، ويهيء الذاكرة لاختزان ذلك كله بصورة أعمق وأدق.

3 ـ إن جمال ذلك الشاب قد لفت نظر عمر ، حيث لم يعهد في نظرائه وأقرانه جمالاً أو طيب ريح يستحق الذكر، إلا ما كان من ذلك في بني هاشم .

ثم جاءت كلمة ذلك الشاب متوافقة مع مظهره في التأثير على عمر إلى حد دعاه إلى استيضاح الحال من النبي «صلى الله عليه وآله» مباشرة.

ولعله كان يرمي إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو أن يسجل شكواه منه، علّه يسمع من النبي «صلى الله عليه وآله» استنكاراً لكلام ذلك الشاب وإدانة له، لكي يرتاح عمر ، وتهدأ خواطره، ويزول بلباله.. ولكن عمر فوجئ بما أخبره به رسول الله، وهو أن ذلك الشاب هو جبرئيل ..

ولنا أن نتصور كم كان عمر يحلم في أن يروي للناس أنه قد رأى جبرائيل ، مباهياً بذلك ومفاخراً.. ولكن ما يصده عن ذلك كان أعظم وأخطر، فإن حديث جبرائيل  قد نص على نفاق من يحل العقدة التي عقدها رسول الله «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام».

وهل يمكن أن يرضى أولئك الذين ساروا في هذا الإتجاه بما قاله جبرئيل عنهم؟!

وإذا كان جبرئيل قد قال ذلك، فكيف يمكن بعد هذا ادعاء أن هذا التصرف كان من ابتكارات رسول الله «صلى الله عليه وآله» حباً بصهره وابن عمه؟


 

([1]) مودة القربى ص18 لشهاب الدين الهمداني، المودة الخامسة، وينابيع المودة ج2 ص284 والغدير ج1 ص57 وراجع: خلاصة عبقات الأنوار ج7 ص187 وج9 ص273 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص252 وج21 ص65 والإمام علي «عليه السلام» في آراء الخلفاء ص73 عن الكوكب الدري للكشفي ص131 المنقبة رقم154.

 
   
 
 

موقع الميزان