صفحة :217-280   

1- الفصل الثاني: هكـذا حـدث الإنقـلاب

2- علي محور الإهتمامات:

وقد لوحظ: أن الناس حتى أبو قحافة كانوا يتعجبون من وصول الخلافة إلى أبي بكر، مع وجود علي «عليه السلام»، وسائر بني هاشم، ولذلك سأل الرسول الذي أتاه بالخبر: ما منعهم من علي؟!

قال الرسول: هو حدث السن، وقد أكثر في قريش وغيرها، وأبو بكر أسن منه.

فقال أبو قحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسن، فأنا أحق من أبي بكر، لقد ظلموا علياً حقه، ولقد بايع له النبي، وأمرنا ببيعته([1]).

    كما أن الكثيرين من الأصحاب كانوا يصرون على أن الحق لعلي. وقد كثرت استدلالاتهم لهذا الأمر، كما أن أسامة بن زيد كان لا يتوقع استبعاد علي «عليه السلام»، وقد استدل على أبي بكر بحديث الغدير..

بل هو بمجرد وصوله من سفره الى المدينة انطلق الى علي «عليه السلام» ليستفهم منه عن حقيقة ما جرى.

وقد لاحظنا: أنه لم يستسغ أن يكون علي «عليه السلام» قد بايعهم طائعاً، فسأله عن طبيعة بيعته، فأجابه «عليه السلام» بأنه قد بايع مكرهاً.

وهذه الوقائع تشير إلى أن أسامة قد غادر المدينة ـ بعد أن تخلف عنه أناس من الصحابة قبل وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله».. ولا يصح قولهم: إنه بعد البيعة لأبي بكر سيره أبو بكر إلى الوجه الذي كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمره بالمسير إليه..

3- الذين كانوا في بيت فاطمة ÷:

وقد يتخيل المراجع للنصوص أنها تختلف وتتناقض في ذكرها من كان في بيت الزهراء، حين هاجمه عمر ومن معه.

فقد ورد في النصوص: أن الذين كانوا في بيت فاطمة الزهراء «عليها السلام» حين جاء عمر بالحطب ليحرق، الباب عليهم، وقد أحرقه بالفعل، هم:

ألف: علي وفاطمة، والحسنان «عليهم السلام» فقط.

قال الشهرستاني، نقلاً عن النظَّام: «إن عمر ضرب فاطمة يوم البيعة، حتى ألقت الجنين من بطنها. وكان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها. وما كان في الدار غير علي، وفاطمة والحسن والحسين»([2]).

ب: لكن نصاً آخر يقول: كان غَضِبَ علي والزبير، فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح، فجاء عمر في عصابة، فأخذوا سيفيهما، فضربوا بهما الحجر الخ..([3]).

ج: ونص ثالث يذكر: أنه كان علي وناس من بني هاشم([4]).

د: ورابع يقول: إن سعد بن أبي وقاص والمقداد كانا معهم([5]).

هـ: وذكر نص خامس: الزبير والمقداد في جماعة من الناس([6]).

و: ونص سادس يقول: كان علي والزبير يدخلون على بيت فاطمة بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ويشاورونها، ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب جاء إليها وقال لها:

ما من أحد من الخلق أحب إليّ من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك الخ..

ثم تذكر الرواية: أنها أمرت علياً والزبير بأن ينصرفوا، ولا يرجعوا إليها.

فانصرفوا عنها، ولم يرجعوا حتى بايعوا أبا بكر([7]).

ز: لكن نصاً آخر يقول: أقبل ـ يعني عمر بن الخطاب ـ في جمع كثير إلى منزل علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فطالبه بالخروج، فأبى، فدعا عمر بالحطب([8]).

    وعن المقدام، عن أبيه نص يؤيد هذا المعنى([9]).

ح: يذكر نص آخر: علياً، والزبير، والمقداد([10]).

ط: قال ابن عبد ربه: أما علي والعباس، فقعدا في بيت فاطمة «عليها السلام»، فقال أبو بكر لعمر بن الخطاب: إن أبيا فقاتلهما([11]).

4- ملاحظات ووقفات مع ما تقدم:

ولنا مع النصوص المتقدمة وقفات، ولنا عليها ملاحظات، نلخصها ضمن النقاط التالية:

1 ً ـ ما ذكر في النص المتقدم في الفقرة (و) يشعر: بأن للسيدة الزهراء «عليها السلام» بيتاً غير البيت الذي يكون علي «عليه السلام» فيه، حتى لقد زعموا: أنها قالت لعلي «عليه السلام» والزبير: لا ترجعوا إليَّ.

فانصرفوا عنها، ولم يرجعوا إليها..

على أن هذا النص قد تضمن إهانة منها لسيد الوصيين، لأن ظاهره أنها طردته من بيتها، وشرطت عليه أن لا يرجع.

فهل صحيح أنها «عليها السلام» تطرد زوجها، وتمنعه من الدخول إلى بيتها؟!

وهل هذا يتوافق مع أدب الزهراء الرفيع مع سيد الخلق بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟! وهل في خلقها السامي ما يشير إلى أن هذا يصدر منها؟!

2 ً ـ هل يمكن أن نصدق أن عمر بن الخطاب الذي يعتدي على الزهراء «عليها السلام»، ويسقط جنينها، ولا يهتم لإحراقها هي وزوجها وأولادها، ويقول لسيد الخلق: إن النبي ليهجر، أو نحو ذلك. هل يمكن أن نصدق أن تكون الزهراء وأبوها أحب الخلق إليه؟!

3 ً ـ ما معنى قولهم المتقدم في الفقرة (ب): إن علياً والزبير غضبا، ودخلا بيت الزهراء، ومعهما السلاح؟!

هل كان الناس لا يجعلون السلاح في بيوتهم، بل يأتون به من خارج تلك البيوت؟!

وهل هناك أحد من الناس لم يكن لديه سلاح في بيته؟!

أم المقصود من هذا التعبير إظهار عدوانية علي «عليه السلام»، وسلامة نوايا خصومه. وصحة معالجات أبطال السقيفة، حيث نجحوا في وأد فتنة كاد علي يثيرها بزعمهم؟!!

4 ً ـ ولكن لو صح هذا، فكيف يمكن تفسير، ما تضافرت به الروايات من تصريحات علي «عليه السلام»: أنه كان موصى بعدم المواجهة.. حتى إن زوجته وهي سيدة نساء العالمين تُضرب ويسقط جنينها، وينتهي الأمر باستشهادها، ويحرق بابه، ويهدد بالقتل، ثم لا تصدر منه أية ردة فعل تدل على رغبته باستعمال السيف، لدفع المهاجمين عن نفسه، وعن زوجته، وأولاده وبيته؟!

5 ً ـ متى عهدنا علياً «عليه السلام» عاجزاً عن اتخاذ الرأي الصواب، ومتى وجدنا الزهراء «عليها السلام» في موضع المستشار للزبير، ولغيره في المواجهة مع هذا الفريق أو ذاك؟!

6 ً ـ إن بيت الزهراء «عليها السلام» لم يكن بالذي يتسع لبني هاشم، ولغيرهم من سائر المعترضين، الذين ذكرت الروايات: أنهم كانوا في بيت الزهراء، فقد ذكرت أن فيه بالإضافة إلى بني هاشم، بمن فيهم العباس، وعتبة بن أبي لهب: سلمان، وأبو ذر، والمقداد، والزبير، وعمار، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة. فهل كانت تلك الحجرة وهي التي لم تتسع لدفن النبي «صلى الله عليه وآله»، وأبي بكر وعمر، تستوعب كل هذا الحشد، بالإضافة إلى الزهراء، وأبنائها، وبناتها، وخادمتها؟!

أضف إلى ذلك: أن الجماعة التي دخلت على جميع هؤلاء كانت كثيرة، وقد سمي منهم: عمر، وخالد، وعبد الرحمن بن عوف، وثابت بن قيس، وزياد بن لبيد، ومحمد بن مسلمة، وزيد بن ثابت، وسلمة بن سالم بن وقش، وسلمة بن أسلم، وأسيد بن حضير.

ومن المهاجمين أيضاً: معاذ، وقنفذ، والمغيرة بن شعية، وأبو بكر، وزيد بن أسلم، وسالم مولى أبي حذيفة.

فكيف اتسعت تلك الحجرة، وجميع بيت علي لهذا الجمع كله. بعد إضافة أهل البيت، والهاشميين، وغيرهم ممن كان معهم إليهم؟!

7 ً ـ إن ذلك كله يجعلنا نطمئن إلى أن الهجومات على بيت فاطمة قد تعددت، وكان المستهدف في بعضها علياً وحده، ثم استُهدف هو والزبير، وربما بعض آخر كان حاضراً.

وقد يظهر من بعضها: اختلاف أوقات هذه الهجومات، ومناسباتها. وقد يكون بعضها لحظة الفراغ من دفن النبي، وبعضها في اليوم التالي، وبعضها بعد أيام، ولعل بعضها كان بعد استشهاد الزهراء «عليها السلام» أيضاً.

فإن تحديد هذه الهجومات.. وأسبابها وأوقاتها وما جرى فيها، وما كان لها من نتائج يحتاج إلى بحث مستقل.

5- الهجوم على بيت الزهراء :

وفي رواية: أنه بعد أن بايع الناس أبا بكر، ما خلا علياً وأهل بيته، ونفراً معهم.

وفي نص آخر: بايع الناس ولم يبق غير الأربعة معه.

وكان أبو بكر أرأف الرجلين وأرفقهما، وأدهاهما، وأبعدهما غوراً. والآخر أفظهما، وأغلظهما، وأخشنهما، وأجفاهما([12]).

فقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي «عليه السلام» فليبايع، فإنا لسنا في شيء حتى يبايع، ولو قد بايع أمناه وغائلته.

فأرسل إليه أبو بكر رسولاً (هو قنفذ): أن أجب خليفة رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فأتاه الرسول فأخبره بذلك.

فقال علي «عليه السلام»: ما أسرع ما كذبتم على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله: أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري.

فذهب الرسول فأخبره بما قاله.

فقال له عمر: اذهب فقل: أجب أمير المؤمنين أبا بكر.

فأتاه، فأخبره بذلك.

فقال علي «عليه السلام»: سبحان الله، والله، ما طال العهد بالنبي مني، وإنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، وقد أمره رسول الله «صلى الله عليه وآله» سابع سبعة، فسلموا علي بإمرة المؤمنين، فاستفهَمَهُ هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أمن الله ورسوله؟!

فقال لهما رسول الله «صلى الله عليه وآله»: نعم، ذلك حقاً من الله ورسوله بأنه أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.

قال: فانطلق الرسول إلى أبي بكر، فأخبره بما قال، فكفوا عنه يومئذ.

(قال:) فلما كان الليل حمل (علي بن أبي طالب «عليه السلام») فاطمة «عليها السلام» على حمار، ثم دعاهم إلى نصرته، فما استجاب له رجل غيرنا، أربعة، فإنَّا حلقنا رؤسنا، وبذلنا نفوسنا ونصرتنا.

وكان عليّ بن أبي طالب «عليه السلام» لمّا رأى خذلان الناس له، وترْكهم نصرته، واجتماع كلمة الناس مع أبي بكر، وطاعتهم له، وتعظيمهم له، جلس في بيته([13]).

وفي نص آخر: أنه لما رجع الرسول في المرة الأولى، وثب عمر غضبان فقال: والله، إني لعارف بسخفه، وضعف رأيه، وأنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله، فخلني آتيك برأسه.

فقال له أبو بكر: اجلس، فأبى.

فأقسم عليه، فجلس.

فوثب عمر غضبان، فنادى خالد بن الوليد وقنفذاً، فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي، وفاطمة «عليهما السلام» قاعدة خلف الباب، قد عصبت رأسها، ونحل جسمها في وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: يا ابن أبي طالب، افتح الباب.

فقالت فاطمة «عليها السلام»: يا عمر، أما تتقي الله عز وجل؟! تدخل عليَّ بيتي، وتهجم على داري؟!

فابى أن ينصرف([14]).

ثم دعا بالنار، فأضرمها بالباب، ثم دفعه، فدخل، فاستقبلته فاطمة «عليها السلام» وصاحت: «يا أبتاه يا رسول الله»!

فرفع عمر السيف وهو في غمده، فوجأ به جنبها، فصرخت: «يا أبتاه»!

فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: «يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر».

فوثب علي «عليه السلام» فأخذ بتلابيبه، ثم نتره، فصرعه، ووجأ أنفه ورقبته، وهمَّ بقتله، فذكر قول رسول الله «صلى الله عليه وآله» وما أوصاه به، فقال: «والذي كرم محمداً بالنبوة ـ يا ابن صهاك ـ لولا كتاب من الله سبق، وعهد عهده إلي رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لعلمت أنك لا تدخل بيتي».

فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، وثار علي «عليه السلام» إلى سيفه إلخ..([15]).

وفي نص ثالث: أن عمر قال لأبي بكر: أرسل إليه قنفذاً ـ وكان عبداً فظاً غليظاً جافياً، من الطلقاء، أحد بني تيم ـ فأرسله، وأرسل معه أعواناً.

فانطلق فاستأذن، فأبى علي «عليه السلام» أن يأذن له.

فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر، وهما في المسجد والناس حولهما، فقالوا: لم يأذن لنا.

فقال عمر: هو إن أذن لكم وإلا، فادخلوا عليه بغير إذنه.

(قال:) فانطلقوا، فاستأذنوا، فقالت فاطمة «عليها السلام»: أُحرِّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذني.

فرجعوا وثبت قنفذ، فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا، فحرَّجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها.

فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء.

ثم أمر أناساً حوله (ومنهم خالد بن الوليد وقنفذ) فحملوا حطباً وحمل معهم، فجعلوه حول منزله، وفيه علي وفاطمة وابناهما «عليهم السلام»، ثم نادى عمر بأعلى صوته حتى أسمع علياً «عليه السلام» (وفاطمة «عليها السلام»): والله، لتخرجن، ولتبايعن خليفة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أو لأضرمن عليك بيتك ناراً.

ثم رجع فقعد عند أبي بكر، وهو يخاف أن يخرج عليه علي (أمير المؤمنين«عليه السلام») بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته.

ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلا فاقتحم عليه، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم بالنار.

(قال:) فانطلق قنفذ، فاقتحم الدار هو وأصحابه بغير إذن.

فبادر علي إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه.

فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه، فضبطوه، وألقوا في عنقه حبلاً أسود، وحالت فاطمة «عليها السلام» بين زوجها وبينهم عند باب البيت. فضربها قنقذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها.

فأرسل أبو بكر إلى قنفذ: اضربها، فألجأها إلى عضادة (باب) بيتها.

فدفعها، فكسر ضلعاً من جنبها، وألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».

ثم انطلقوا بعلي «عليه السلام» ملبباً بعتل (بحبل) حتى انتهوا به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، ومعه خالد بن الوليد المخزومي، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم، والمغيرة بن شعبة، وأسيد بن حصين (الصحيح: حضير) وبشير بن سعد، وسائر الناس قعود حول أبي بكر ومعهم السلاح.

(ودخل علي «عليه السلام») وهو يقول: أما والله لو وقع سيفي بيدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلي، هذا جزاء مني. وبالله، لا ألوم نفسي في جهد، ولو كنت في أربعين رجلاً لفرقت جماعتكم، فلعن الله قوماً بايعوني ثم خذلوني.

(قال:) فانتهره عمر بن الخطاب، فقال له: بايع.

فقال: وإن لم أفعل؟!

قال: إذاً نقتلك ذلاً وصغاراً.

قال: إذن، تقتلون عبد الله وأخا رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فقال أبو بكر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا نقرّ لك به([16]).

قال «عليه السلام»: أتجحدون أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» آخى بين نفسه وبيني؟!

فأعادوا عليه ذلك ثلاث مرات.

ثم أقبل (عليهم) علي «عليه السلام»، فقال:

يا معاشر المهاجرين والأنصار!! أنشدكم بالله، أسمعتم رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: يوم غدير خم كذا وكذا([17])، وفي غزاة تبوك كذا وكذا، فلم يدع شيئاً قاله فيه «صلى الله عليه وآله» علانية للعامة إلا ذكره؟!

فقالوا: اللهم نعم.

فلما خاف أبو بكر أن ينصروه ويمنعوه، بادرهم فقال: كل ما قلته قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول بعد هذا:

إنَّا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا، واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة.

فقال علي «عليه السلام»: أما أحد من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» شهد هذا معك؟!

فقال عمر: صدق خليفة رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد سمعنا منه هذا كما قال.

وقال أبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل: صدق قد سمعنا ذلك من رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فقال علي «عليه السلام»: لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي (قد) تعاقدتم عليها في الكعبة: إن قتل الله محمداً أو أماته أن تزووا هذا الأمر عنا أهل البيت.

فقال أبو بكر: وما علمك بذلك؟! اطلعناك عليها؟!

قال علي «عليه السلام»: يا زبير، ويا سلمان، وأنت يا مقداد، أذكركم بالله وبالإسلام أسمعتم رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول ذلك لي: إن فلاناً وفلاناً ـ حتى عدَّ هؤلاء الخمسة ـ قد كتبوا بينهم كتاباً، وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا؟!

قالوا: اللهم نعم، قد سمعناه يقول ذلك لك.

فقلتَ له: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، فما تأمرني أن أفعل إذا كان ذلك؟!

فقال لك: إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم، وإن لم تجد أعواناً فبايعهم، واحقن دمك.

فقال علي «عليه السلام»: أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله ولله [حق جهاده]، أما والله لا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة([18]).

6- إكراه علي على البيعة:

ثم نادى قبل أن يبايع: (وأشار إلى قبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقال): يا {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي}([19]).

ثم مدوا يده وهو يقبضها حتى وضعوها فوق يد أبي بكر، وقالوا: بايع، بايع. وصيح في المسجد: بايع بايع، أبو الحسن!!!.

ثم قيل للزبير: بايع الآن.

فأبى، فوثب عليه عمر، وخالد بن الوليد، والمغيرة بن شعبة في أناس، فانتزعوا سيفه من يده، فضربوا به الأرض حتى كسر.

فقال الزبير ـ وعمر على صدره ـ: يا بن صهاك، أما والله، لو أن سيفي في يدي لحدت عني، ثم بايع.

قال سلمان: ثم أخذوني فوجؤوا عنقي حتى تركوها مثل السلعة، ثم فتلوا يدي، فبايعت مكرهاً.

ثم بايع أبو ذر، والمقداد مكرهين.

وما من الأمة أحد بايع مكرهاً غير علي وأربعتنا([20]).

ولعلك تقول: إن قول سلمان: لم يبايع أحد مكرهاً غير علي وأربعتنا، لا يتلائم مع سائر النصوص التي تحدثت عن إكراه آخرين، حيث كانوا يذهبون إلى بيوتهم ويخرجونهم منها ويجبرونهم إلى البيعة.. وكانوا يضربون الناس في المسجد ويدفعونهم إلى البيعة قهراً.

ونجيب:

أن درجات الإكراه تتفاوت. فهناك المجئ بهم مكبلين، وهناك فتل الأيدي، وهناك مجرد التهديد بالقتل.

وهناك من رأى ما يجري لغيره، فآثر أن لا يعرض نفسه للإهانة. فلعل سلمان كان يتحدث عن الدرجة الأعلى من الإكراه دون ما عداها.

7-                          فاطمه ÷ تهددهم بالدعاء عليهم:

وروي عن الصادق «عليه السلام» أنه قال:

لما استُخرج أمير المؤمنين «عليه السلام» من منزله خرجت فاطمة «صلوات الله عليها» خلفه، فما بقيت امرأة هاشمية([21]) إلا خرجت معها حتى انتهت قريباً من القبر، فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي، فوالذي بعث محمداً أبي «صلى الله عليه وآله» بالحق (نبياً) إن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري، ولأضعن قميص رسول الله «صلى الله عليه وآله» على رأسي، ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح (نبي الله) بأكرم على الله من أبي، ولا الناقة بأكرم مني، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي.

قال سلمان «رضي الله عنه»: كنت قريباً منها، فرأيت ـ والله ـ أساس حيطان مسجد رسول الله «صلى الله عليه وآله» تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ. فدنوت منها، فقلت: يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة (للعالمين)، فلا تكوني (أنت) نقمة.

فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا([22]).

ورواية العياشي: «فخرجت فاطمة «عليها السلام» فقالت: يا أبا بكر، أتريد أن ترملني من زوجي، والله لئن لم تكف لأنثرن شعري، ولأشقن جيبي، ولآتين قبر أبي، ولأصيحن إلى ربي..

فأدركها سلمان «رضي الله عنه» فقال: يا بنت محمد «صلى الله عليه وآله»، إن الله بعث أباك رحمة، فارجعي.

فقالت: يا سلمان، يريدون قتل علي، وما على علي صبر، فدعني حتى آتي قبر أبي، فأنشر شعري، وأشق جيبي، وأصيح إلى ربي.

فقال سلمان: إني أخاف أن يخسف بالمدينة، وعلي بعثني إليك يأمرك أن ترجعي إلى بيتك، وتنصرفي.

فقالت «عليها السلام»: إذاً أرجع، وأصبر، وأسمع له وأطيع([23]).

وفي نص آخر عن الإمام الباقر «عليه السلام»، قال: «لما مرّ أمير المؤمنين «عليه السلام» ـ وفي رقبته حبل آل زريق ـ ضرب أبو ذر بيده على الأخرى، ثم قال: ليت السيوف قد عادت بأيدينا ثانية».

وقال المقداد: لو شاء لدعا عليه ربه عز وجل.

وقال سلمان: مولانا أعلم بما هو فيه([24]).

ونقول:

إن لنا مع ما تقدم وقفات عديدة، هي التالية:

8-                          الناس اختاروا أبا بكر:

يقول أبو بكر: «إن الله بعث محمداً «صلى الله عليه وآله» نبياً، وللمؤمنين ولياً، فمنّ الله تعالى بمقامه بين أظهرنا، حتى اختار له الله ما عنده، فخلى على الناس أمرهم، ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متفقين، غير مختلفين، فاختاروني عليهم والياً، ولأمورهم راعياً»([25]).

 

ونقول:

1 ـ كيف يكون الناس قد اختاروا أبا بكر والياً عليهم، وعلي وجميع بني هاشم لم يبايعوه، وكذلك سعد بن عبادة، وأبو ذر، وسلمان وعمار، والمقداد، والزبير، وخالد بن سعيد، وقيس بن سعد.. وأبي بن كعب وبنو هاشم، وكثير أمثالهم؟!.. وقد أرادوا أن يقتلوا سعداً، وعلياً أمير المؤمنين «عليه السلام»، وقتلوا المحسن، وضربوا الزهراء «عليها السلام»، وأحرقوا بابها، وهجموا على بيتها، إلى غير ذلك من أمور؟!

هذا، بالإضافة إلى قتلهم مالك بن نويرة وأصحابه..

فمن كان كذلك هل يكون الناس هم الذين اختاروه؟!

2 ـ كيف يزعم أبو بكر أنه «صلى الله عليه وآله» خلى على الناس امرهم ليختاروا لأنفسهم؟!. وهو نفسه الذي يعلن حين موته عن ندمه على ثلاث، لو أنه سأل عنهن رسول الله«صلى الله عليه وآله»، وذكر منها سؤاله لمن يكون الأمر من بعده.. وقد تقدمت هذه الرواية.. يضاف إلى ذلك أنه هو نفسه قد بايع علياً يوم الغدير ويقرأ في كتاب الله آية التصدق بالخاتم وآيات الغدير وغيرها.. وقد سمع حديث المنزلة وغيره من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فكيف يقول هنا إنه ترك الناس يختاروا لأنفسهم.

3 ـ إنه يصرح هنا بأنه يريد من الناس أن يختار لأنفسهم في مصلحتهم متفقين غير مختلفين، مع أن اختيار أبي بكر قد صاحبه اختلاف بالغ الحدة والشدة، خطر في نتائجه وآثاره إلى حد أن الشهرستاني اعتبره أعظم خلاف بين الأمة ـ خلاف الإمامة ـ، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة.

9-                          لسنا في شيء حتى يبايع علي ×:

وكم كان عمر بن الخطاب صريحاً وعارفاً بمكامن القوة والضعف حين قال: «لسنا في شيء حتى يبايع علي».

فإن المطلوب من علي «عليه السلام» هو البيعة، ولا يكفي سكوته.. فليس هو كسعد بن عبادة؛ لأنه «عليه السلام» يملك شهادات صريحة من الله تعالى ورسوله بأنه وحده الذي يملك المواصفات التي يحتاج إليها هذا المقام بأرفع، وأجل وأجلى حالاتها..

كما أن لديه وثيقة معترف بها، حتى لدى أهل الجاهلية، وهي بيعة الناس له يوم الغدير، بما فيهم أبو بكر وعمر، وسائر الساعين في سلب هذا الأمر منه وعنه..

بالإضافة إلى نصوص نبوية وقرآنية كثيرة لهج بها الخاص والعام وسارت بها الركبان، ولا يمكن إنكار صراحتها: بأن هذا الحق له، وأن التعدي عليه خروج عن طاعة الله ورسوله..

فلا بد إذن من حمل علي «عليه السلام»، على الإقرار، والإعتراف، والتنازل الصريح، الذي تكون بيعته لهم الدليل الواضح عليه، ولا شيء سوى البيعة..

ولذلك يقول عمر: «لسنا في شيء حتى يبايع علي».

وقد أصاب عمر بذلك كبد الحقيقة.

أما سعد، فليس له شيء من ذلك يمكنه أن يصول به، بل هو لا يختلف عن أبي بكر في كونه مدعياً ما ليس له.. ساعياً لغصب حق غيره، واستئثاره به لنفسه.

ولكن الفرق هو: أن سعداً فشل وخاب، ونجح أبو بكر وحزبه في مسعاهم؛ لأنه ومن معه كانوا أكثر جرأة، وأبعد همة، كما ظهر من الأحداث التي صنعوها بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» في سياق الاستيلاء على حق علي «عليه السلام» في هذا الأمر. ومخالفة سعد تنتهي بمجرد استتباب الأمور لمنافسيه، وسيكون أي تحرك له بعد ذلك مستهجناً، ومرفوضاً..

أما تحرك علي «عليه السلام»، فإنه يبقى على حيويته وفاعليته؛ لأنه يستند إلى الحق الثابت الذي لا يبطله مرور الأزمات، يزيد في التراكمات والسلبيات على كاهل غاصبه، ويزيد من تعريته أمام أهل الحق والدين. ويكرس الإنطباع السلبي الذي لا يرضى أحد به لنفسه.

10-                أجب خليفة رسول الله :

لقد كان بإمكان أبي بكر أن يرسل إلى علي «عليه السلام» من يقول له: أجب أبا بكر.. وحينئذٍ، فالمتوقع هو: أن لا يستجيب علي «عليه السلام» لهذه الدعوة، لأن من الطبيعي أن يطلب أي إنسان من صديقه، أو من قريبه أو من أي إنسان يعرفه أن يلقاه.. وللمدعو أن يعتذر بالإنشغال ببعض الأمور، أو أن يلبي الدعوة..

إلا إذا تضمنت الدعوة نوعاً من الإساءة للمدعو، بملاحظة مقامه الإجتماعي، أو موقعه النسبي أو غيره، حيث لا يقبل من أبي بكر ولا من غيره أن يدعو نبيه أو إمامه للحضور عنده، وعلي إمام..

ولكن أبا بكر قد تعمد استخدام التعبير الأكثر حساسية، حيث قال: قل له: أجب خليفة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ليفرضه على الطرف الآخر كأمر واقع، ولينتزع منه إقراراً ضمنياً به..

وكلنا يعلم ما جرى في الحديبية، حيث رفض سهيل بن عمر أن يكتب في الوثيقة توصيف النبي «صلى الله عليه وآله» بـ: «رسول الله»، استناداً إلى أنه لا يعترف له بذلك..

كما أن معاوية وحزبه لم يرضوا في قضية التحكيم أن يوصف علي «عليه السلام» بـ: «أمير المؤمنين»، رغم بيعة المسلمين، وأهل الحل والعقد له، بل رغم تنصيبه في غدير خم، وتسميته بـ: «أمير المؤمنين» من قبل الله ورسوله..

وقد كتب النبي «صلى الله عليه وآله» لملوك الروم وفارس بعنوان: «عظيم الروم، وفارس» ولم يصفهما بملك الروم، أو بملك فارس.. لكي لا يسجل عليه أنه قد أقر بملكية هذا أو ذاك، على ما تحت يده.

وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ}([26]) ولم يقل: دياركم، لكي لا يعتبر ذلك إقراراً لهم بملكية تلك الديار..

والإمام الحسن «عليه السلام» يقول في وثيقته التي كتبها بينه وبين معاوية: أنه سلم «الأمر» لمعاوية، ولم يقل: الخلافة، أو الإمامة، أو الملك، أو السلطان، أو نحو ذلك، لكي لا يقال: إن الخلافة أو الإمامة أصبحت حقاً لمعاوية..

فلماذا إذن، يصر أبو بكر على أن يصف نفسه بوصف الخلافة للرسول «صلى الله عليه وآله» في خطابه للخليفة الشرعي، والمالك الحقيقي لهذا اللقب، الذي يسعى هو بنفس عمله هذا إلى انتزاع هذا المقام، وهذا اللقب بالذات منه، وينزعه عنه؟!..

أليس لأجل انتزاع اعتراف ضمني منه «عليه السلام» به، يستطيع أن يجعله مادة لتسويق نفسه في هذا المجال؟!

11-                ما أسرع ما كذبتم على رسول الله :

وحول جواب علي «عليه السلام»: «ما أسرع ما كذبتم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» نقول:

إنه لا يتضمن أية قسوة أو خروج عن المألوف، وإن كان قد يتوهم البعض ذلك فيه.

فإن هذا الجواب لم يزد على أن قرر واقعاً، كان يجب عليه أن ينقله كما هو ليبرِّئ ذمته من واجب توفير مفردات هداية الأمة، وإزاحة كل ما يوقعها في الريب والشبهة. وقد بيّن «عليه السلام»: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يستخلف غيره.

كما أنه يشير في قوله: «ما أسرع» إلى مدى جرأة هؤلاء القوم على المخالفة الصريحة في الأمور الواضحة..

والتصريح منه «عليه السلام» بتكذيبهم، إنما جاء ليواجه به هذه الجرأة بالذات، حيث إنها توحي لمن لا يعرف الأمور بثقتهم بصوابية موقفهم ـ فجاءت هذه الصراحة منه «عليه السلام» موازيةً في وضوحها لجرأتهم.

ثم أكّد «عليه السلام» خصوصية تزيد في إظهار قبح ما أقدموا عليه، حيث ذكر أن خلافته هي من الله ورسوله.. أما خلافتهم فلا أساس لها، بل هي على خلاف ما أراده الله تعالى ورسوله، وذلك يزيد من ضعف موقفهم أمام الناس، ويضعف من قدرتهم على تبرير ما أقدموا عليه.

12-                الهروب إلى الأمام:

وقد جاء الرد سريعاً من عمر بن الخطاب، ولكنه على طريقة الهروب إلى الأمام، فأعاد الرسول إلى علي «عليه السلام» ليقول له: أجب أمير المؤمنين.

وهو لقب خاص بعلي «عليه السلام» منحه الله تعالى ورسوله «صلى الله عليه وآله» إياه. وكأن عمر يريد بإصراره هذا أن يلملم ما أريق من ماء الوجه، ولكن بطريقة إظهار المزيد من الثقة والإصرار على الموقف، فلعلّ علياً «عليه السلام» يتراجع بداعي اليأس؛ ولعل هذا الإصرار يفيد في تأكيد ما يسعون إلى تأكيده.

فجاءه الجواب من علي «عليه السلام» بإظهار الحقائق، وتبيان ما هو أوضح دلالة على أن الموقع الذي اغتصبوه إنما هو له.. وذلك حين بيّن أن لقب «أمير المؤمنين» هو له. من الله ورسوله أيضاً..

وزاد على ذلك: أَنْ بَيَّنَ أن أبا بكر وعمر بالذات قد استفهما من رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن مصدر هذا اللقب، (فكأنهما يريدان الإيحاء بأن هذا التصرف منه «صلى الله عليه وآله»، قد يكون لعلاقته الشخصية بعلي «عليه السلام»).

فأكد له النبي «صلى الله عليه وآله» أنه من الله تعالى..

وذلك يزيد من ظهور جرأة أبي بكر وعمر على اختلاس هذا اللقب الإلهي من صاحبه.

وقد زاد الطين بَلة: تصريح النبي «صلى الله عليه وآله» لهما بأنه «عليه السلام» سيد المسلمين، وصاحب لواء الغر المحجلين.. مما يعني: أنه له السيادة والقيادة في الدنيا وفي الآخرة. فاجتمع له المجد بطرفيه المادي والمعنوي.

13-                الإغارة على لقب «أمير المؤمنين»:

وقد دلّت الرواية: على أن لقب «أمير المؤمنين» قد اختلس منه «عليه السلام» في الأيام الأولى لوفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وهذا يكذب ما يزعمونه: من أن ابن الخطاب كان يكتب إلى عماله: من خليفة أبي بكر.. حتى جاءه لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقالا لعمرو بن العاص: استأذن لنا على أمير المؤمنين.

فقال لهما عمرو: أنتما والله أصبتما اسمه، نحن المؤمنون وهو أميرنا.

فدخل عمرو، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.

فقال عمر: ما بدا لك في هذا الاسم؟! يعلم الله، لتخرجن مما قلت أو لأفعلن!!

قال: إن لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم قدما، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، وقالا لي: استأذن لنا يا عمرو على أمير المؤمنين. فهما والله أصابا اسمك، أنت الأمير ونحن المؤمنون.

قال: فجرى الكتاب من يومئذٍ([27]).

ثم يروون رواية أخرى تخالف هذه، فتقول: إن الذي سمى عمر بأمير المؤمنين هو المغيرة بن شعبة..

فقد ذكر الزبير بن بكار: أن عمر قال لما ولي: كان أبو بكر يقال له: خليفة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فكيف يقال لي: خليفة، خليفة، يطول هذا.

فقال المغيرة بن شعبة: أنت أميرنا ونحن المؤمنون. فأنت أمير المؤمنين.

قال: فذاك إذن([28]).

ويناقض هذا وذاك نص ثالث يقول: إن عمر أول من دُعي بأمير المؤمنين، وهو الذي سمى نفسه، فعن الضحاك أنه قال: لما مات رسول الله «صلى الله عليه وآله» قالوا لأبي بكر: خليفة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما مات أبو بكر قالوا لعمر: خليفة خليفة رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فقال عمر: إن هذا لكثير، فإذا مت أنا فقام رجل مقامي قلتم: خليفة خليفة، خليفة رسول الله. أنتم المؤمنون، وأنا أميركم.

فهو سمى نفسه([29]).

ويبقى السؤال: من الذي سمي أولاً بأمير المؤمنين..

هل هو علي «عليه السلام» ، كما هو الحق، أم هو أبو بكر، حين أرسل إلى علي «عليه السلام» ليبايع؟!

أم هو عمر بن الخطاب الذي يقولون: إنه أول من أطلق عليه هذا الاسم؟!

وعلى هذا الثاني يبقى سؤال آخر، وهو: من الذي سمى عمر بأمير المؤمنين؟! هل هو لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فأبلغه إياه عمرو بن العاص؟!

أم هو المغيرة بن شعبة؟!

أم هو عمر نفسه؟!

ويبقى أيضاً سؤال ثالث وهو: أن دعوى التطويل أو الطول تبقى بلا مبرر، فإن رواية لبيد وعدي بن حاتم ذكرت: أن الناس كانوا يخاطبون عمر بـ: «يا خليفة أبي بكر»، وليس في هذه طول ولا تطويل، فمن يأتي بعد عمر يقال له: يا خليفة عمر، وهكذا.

والحقيقة هي: ما قدمناه، من أن لقب أمير المؤمنين خاص بعلي بن أبي طالب «عليه السلام»، خصه به الله سبحانه ورسوله «صلى الله عليه وآله».. وقد سلم عليه المسلمون بهذا اللقب في يوم الغدير. والروايات الدالة على هذا الاختصاص تعد بالمئات، جمع منها السيد ابن طاووس في كتابه: «اليقين» ثلاث مئة حديث وتسعة أحاديث، وألحق بها في كتابه «التحصين» حوالي ثلاثين حديثاً، كلها تذكر ذلك أيضاً..

ولكن المناوئين استأثروا لأنفسهم بهذا اللقب، وحاولوا أن يسلبوه إياه.. إمعاناً منهم في تكريس أمر الخلافة لأنفسهم..

14-                يريدون قتل علي ×:

ولم يكن عمر هازلاً حين قال لأبي بكر: خلني آتيك برأسه، فإنهم كانوا يدبرون لقتله «عليه السلام»، وقد اعتبر عمر: أن الفرصة قد واتته لاتهام علي بأنه يريد تفريق جماعة المسلمين، وإثارة الفتنة، والافساد في الأرض..

ووجد أنه قادر على تنفيذ ما يريد، بعد أن تمكن من جمع الآلاف من الناس من بني أسلم وغيرهم من قبائل الأعراب التي كانت حول المدينة ووصفهم الله تعالى بأنهم مردوا على النفاق، حيث ساعدوه على إخماد أصوات المعارضين للبيعة لأبي بكر، كما أوضحناه في كتاب: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»، وقد كتب معاوية لمحمد بن أبي بكر يقول إن أباه وفاروقه: «همَّا به الهموم، وأرادا به العظيم..». أي بعلي «عليه السلام».

وقد أظهرت الوقائع عملياً: أن أبا بكر كان موافقاً على قتل علي في مثل هذه الأجواء..

15-                بطش السلطة:

ويبدو: أن السلطة كانت ترى: أن عنفها ضد علي «عليه السلام»، وضد الزهراء، وهما أقدس خلق الله تبارك وتعالى، يفيدها، لأنه يتضمن تحذير الناس من أي تحرك، باتجاه تأييد علي «عليه السلام»، أو في أي اتجاه كان.

فإن السلطة إذا كانت تتعامل مع الزهراء وعلي «عليهما السلام» على هذا النحو وبهذه القسوة، فإن تعاملها مع غيرهما لا بد أن يكون أعنف وأقسى، ولن تكون له حدود، ولن تمنعه سدود..

فلا عجب إذن إذا كان: أسلوب التعامل مع علي «عليه السلام» استفزازياً وصارخاً، ربما لأنهم كانوا يلتمسون من خلاله السبيل لإلحاق بالغ الضرر به إن أمكنهم، ثم يزعمون: أنه هو الذي تمرد وشق عصا الطاعة، فاستحق ما نزل به.

وقد استشهد الإمام الحسين «عليه السلام»، ثم ادَّعوا: أنه قتل بسيف جده.

16-                خلني آتيك برأسه:

وقد استوقفنا كثيراً ما جاء، من أن عمر قال عن علي «عليه السلام»: «إنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله، فخلني آتيك برأسه».

فأقسم عليه أبو بكر فجلس..

فإن لهذا النص دلالات عدة:

فأولاً: قول عمر: خلني آتيك برأسه يذكرنا بالعديد من مثل هذه المواقف له في زمن رسول الله «صلى الله عليه وآله».. فلطالما استأذن النبي في قتل الناس. فراجع قصته مع:

1 ـ الحكم بن كيسان([30]).

2 ـ ومع أبي سفيان، حين فتح مكة([31]).

3 ـ ومع عبد الله بن أبي([32]).

4 ـ ومع ذي الخويصرة([33]).

5 ـ ومع حاطب بن أبي بلتعة([34]).

6 ـ ومع ذي الثدية([35]). وقيل: باتحاده مع ذي الخويصرة. وقيل: لا.

7 ـ ومع شيبة بن عثمان([36]).

8 ـ ومع رجل من بني سليم([37]).

9 ـ ومع سهيل بن عمرو في الحديبية، حيث طلب نزع ثنيته حتى يدلع لسانه([38]).

10 ـ ومع عبد الله بن أبي ربيعة([39]).

11 ـ ومع أبي حذيفة بن عتبة([40]).

و.. و..

وهو هنا يطلب من أبي بكر قتل أمير المؤمنين «عليه السلام» بنفس الصيغة، وعين الأسلوب.

إنه يريد أن يقتل الرجل الذي قام عمود هذا الدين بسيفه، وأعز بجهاده أهل الإيمان.. وبذل نفسه وأهله وماله، وكل وجوده من أجل حفظ الإسلام وأهله، ودفع غائلة مشركي العرب عنه وعنهم، وكسر شوكتهم، ورد عادية اليهود، وغيرهم من الأمم، حتى ظهرت آيات الإسلام، ونشرت راياته.

إن هؤلاء يريدون أن يقتلوا من روى غرسها بدمه، وبعرقه، وحاط شجرتها بروحه، ومهجته، ورعاها وحماها، وحمى كل مسلم بكل وجوده، يريدون قتله من أجل الإستيلاء على هذه الشجرة، والتفيؤ بظلالها، والإستئثار بثمارها..

ثانياً: ما هذه الشجاعة من عمر التي جعلته هنا يقدم على قتل علي «عليه السلام» الذي يمثِّل الإيمان كله.. ولكنه يحجم عن عمرو بن عبد ود الذي يمثلِّ الكفر كله في الخندق، ويتركه ليقتله علي «عليه السلام»، ويريح المسلمين منه..

ويا ليت هذه الشجاعة ظهرت حين هرب عمر من مرحب، فبرز علي «عليه السلام» إليه فقتله، وقلع باب خيبر.. ويا ليتها برزت أيضاً في أحد، وقريظة، وذات السلاسل، وحنين، وسائر المواقف..

فما هذه الجرأة على أولياء الله هنا، والنكول، والفرار من أعداء الله هناك؟!

إن هذه الجرأة جاءته من رؤيته آلاف المناصرين له من بني أسلم ومن غيرهم، ومن معرفته بأن علياً «عليه السلام» موصى بعدم القتال، وأنه لا ناصر له.

ثالثاً: إن هذه الرواية تقول: إنه قال لأبي بكر: خلني آتيك برأسه.. ولكن رواية أخرى تقدمت أيضاً ـ تقول:

إنه بعد أن تهدد علياً «عليه السلام» بحرق داره عليه «رجع فقعد عند أبي بكر، وهو يخاف أن يخرج إليه علي «عليه السلام» بسيفه، لما عرف من بأسه وشدته».

بل لقد ذكروا: أن علياً «عليه السلام» قد أخذ بتلابيب عمر في بعض هذه المواقف، فاسترخى في يده.

كما أنه لما دخل عمر بيت الزهراء «عليها السلام» همّ علي «عليه السلام» بقتله، مع أن السيف لم يكن في يد علي «عليه السلام»، فأرسل عمر يستغيث، فلما جاءه المدد ثار علي إلى سيفه..

ألا يدل ذلك كله على أن عمر كان يجس نبض علي «عليه السلام» ليعرف إن كان سوف يتقيد بوصية الرسول «صلى الله عليه وآله»، أم لا. كما أنه يتظاهر بالشجاعة في موقفه هذا، لأنه كان يعرف أن أبا بكر سوف يهدئه، ويأمره بالجلوس؟!

رابعاً: إن غضب عمر في هذا المقام ليس له ما يبرره، لأن علياً «عليه السلام» لم يحمل سيفه، ولا تهدد أحداً بالقتل، ولا أعلن أنه يريد أن يفرض رأيه وموقفه بالقوة، وإنما اكتفى بذكر حجته ودليله من قول رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فكان يكفي من عمر أن يقارع حجته بمثلها، أو أن يبطل حجة علي «عليه السلام» وينتهي الأمر من أسهل طريق. ويحسم بذلك النزاع مع علي وأهل البيت «عليهم السلام»، ولا يجدون من يعينهم على أمر يعرف الناس أنه لا أساس له..

ولكن الحقيقة هي: أن عمر لم يكن يملك شيئاً يبطل به حجة علي «عليه السلام»، ولم يكن له ولا لغيره سبيل للتخلص من مأزقهم معه إلا إبعاد أذهان الناس عن أجواء الإحتجاج، والدفع بهم نحو أجواء التشنُّج والتحدي، والعصبية؛ لأن البقاء في أجواء العقل والمنطق، يجعل صفقتهم خاسرة بائرة.. وإلى الأبد..

17-                قتل علي × خيار مرّ:

وقد يدور بخلد البعض: أن هؤلاء القوم لا يمكن أن يقدموا على قتل علي «عليه السلام»، لأن هذه مجازفة لا يمكنهم تحملها. ولا سيما إذا كان قتله بصورة معلنة وظاهرة، خصوصاً إذا كانوا يريدون أن يحكموا الأمة باسم الدين والإسلام.

ونقول لهم:

إننا لا نمانع في أن يكون همهم هو الوصول إلى مبتغاهم بأقل قدر من الضرر والخسائر.. ولكن إذا ظهر لهم: أن علياً «عليه السلام» لن يسكت ولن يستكين حتى يضيِّع ما رأوا أنهم قد كسبوه في سعيهم ذاك، فإن الصراع معه سوف يصبح صراع حياة أو موت، وسوف تسقط جميع الموانع التي تحجزهم عن ارتكاب هذا الأمر العظيم. بحجة أنه هو الذي أثار الفتنة، على الأقل.

وقد قدموا شواهد على ذلك بضربهم الزهراء «عليها السلام» بنحوٍ أدى إلى إسقاط جنينها، واستشهادها. وحاولوا إحراق بيتها على من فيه، وفيه علي «عليه السلام» نفسه، فضلاً عن فاطمة والحسن والحسين «عليهم السلام».

وقد اجترؤا قبل ذلك على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ووصفوه بالهجر، فما الذي يمنعهم من قتل علي «عليه السلام»، غيلةً أو جهاراً، ثم القيام بحملة إعلامية تصوره مرتداً، وصاحب فتنة، ومفسداً في الأرض، وما إلى ذلك..

وهم يعرفون: أن لهم أنصاراً كثيرين في هذا الأمر، ولا سيما من قريش، وأتباعها وأكثر الناس الذين تأخروا في إعلان إسلامهم إلى ما بعد فتح مكة..

وقد جمعوا من بني أسلم وغيرهم ألوفاً، لكي يساعدوهم في الوصول إلى الخلافة، وأصبح بإمكانهم تحريك هذه القوات في أي اتجاه.. وأعظم عقبة تواجههم هي علي «عليه السلام»، وما يخشونه من تحركه.

18-                إحالة لا بد منها:

هذا.. وقد ذكرنا في كتابنا: مأساة الزهراء «عليها السلام»، وكتاب: خلفيات كتاب مأساة الزهراء «عليها السلام»، وكتاب: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»: أن الهجوم على بيت الزهراء «عليها السلام» قد تكرر، وأن محاولات جلب أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى البيعة قد تعددت..

بل إن ملاحظة ما ذكرناه هنا من نصوص تفيد ذلك أيضاً، وتدل على: أن محاولات بذلت، حين عودتهم بعد السقيفة مباشرة.

ثم في اليوم التالي، حين جلس أبو بكر للبيعة.

ثم لما جلس علي «عليه السلام» في المسجد، ومعه بعض بني هاشم وغيرهم..

ثم بعد أن طاف علي «عليه السلام» وزوجته وابناه على أعيان المهاجرين والأنصار في بيوتهم، فلم يجيبوه جلس في بيته، فأرسل إليه أبو بكر وعمر قنفذاً، وجرى ما جرى.

ثم بعد أن اعتزل، واعتل عليهم بأنه آلى على نفسه على أن يجمع القرآن.. فجمعه في ثلاثة أيام، أو في ستة أشهر..

هذا بالإضافة إلى مهاجمتهم للزهراء «عليها السلام» أيضاً في قضية فدك.. ثم مطالبتهم علياً «عليه السلام» بالبيعة بعد استشهاد الزهراء «عليها السلام»..

وبما أن ملاحقة التفاصيل والجزئيات في هذا الموضوع تحتاج إلى جهد كبير، وتأليف مستقل.. فقد آثرنا الإكتفاء بما ذكرناه في هذا الكتاب وفي مؤلفاتنا المشار إليها آنفاً، فراجع.

1 ـ كتاب مأساة الزهراء «عليها السلام».

2 ـ خلفيات كتاب مأساة الزهراء «عليها السلام».

3 ـ كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله».

4 ـ بعض ما ورد في كتابنا: مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة حول الدين والعقيدة).

وحرصنا أن يكون ما نذكره هنا هو من اللمحات التي لم يرد أكثرها في تلك الكتب، مما وجدنا أن ثمة حاجة للإشارة إليه، والتنبيه عليه.

وهكذا كان.

ونعتذر للقارئ الكريم عن أي تقصير أو إهمال، أو غفلة، أو اختزال، أو إبهام أو إجمال.

19-                عمر هو الأعنف:

وبعد.. فإننا حين نقرأ الأحداث السابقة، وسواها نجد: أن أبا بكر يحاول أن يخاطب الزهراء وعلياً «عليهما السلام» بالعبارات اللينة والرقيقة، ولكنه لا يفرط في مطلوبه؛ ولا يتنازل عن قراراته، ولا يتراجع ولو بمقدار شعرة..

وحتى حين يخيل إلينا شيء من ذلك، كما ربما يوحيه ما كتبه للسيدة الزهراء «عليها السلام» حول فدك، حيث قد يتوهم أنه قد رق وتراجع، فإننا نجد عمر بن الخطاب يظهر فجأة في الصورة، ويتخذ موقف الحازم والحاكم، والمعترض، بل الناقض لقرار خليفته، ومن يفترض أنه رئيسه، فيتمرد ـ بحسب الظاهر!! ـ عليه إلى حد أن يمزق كتابه، وربما يوجه له بعض كلمات التقريع، التي قد تصل إلى حد الإهانة على مواقفه اللينة..

ثم يبادر إلى ضرب سيدة نساء العالمين «عليها السلام» التي يخاطبها أبو بكر بأعذب الكلمات، ويظهر لها أنها أحب إليه حتى من ابنته عائشة، ومن الناس كلهم..

نعم.. يضربها عمر، ويتفل في كتاب أبي بكر لها بفدك، ويمزقه.. ولا يوجه إليه أبو بكر ولو كلمة واحدة، بل هو حتى لا يتجهم وجهه، ولا يظهر عليه أي انزعاج، أو تضايق.. ولو أنه تعرض لعائشة بأدنى كلمة إهانة، هل أبو بكر سيتخذ نفس الموقف؟!!

حتماً.. لا.. وألف لا.. ولكن تقاسم المواقف فرض أن يكون عمر، هو المغتاظ دائماً، والأعنف، والغضبان، والمهدد حتى لوصي الأوصياء ولأبناء رسول الله، ولسيدة نساء العالمين «عليهم السلام»، بالقتل وبالإحراق.. والمبادر للتعدي، والضرب، والرفس، و.. و.. إلخ..

وأن يكون أبو بكر موافقاً، ومرتاحاً، ومدافعاً، ومؤيداً لعمر في كل ما يفعل.. وحين كتب لعيينة بن حصن يقطعه بعض الأراضي طلب إليه أن يذهب إلى عمر ليوقع عليه، فذهب إليه بالكتاب، فمزقه، ورفض أن يكون للمؤلفة قلوبهم نصيب بعد اليوم، فقد أغنى الله عنهم..

فرجع عيينة إلى أبي بكر وأخبره وقال له: أنت الخليفة أم هو؟!

فقال: بل هو إن شاء الله تعالى.. وأمضى ما فعله عمر([41]).

فإن إرسال أبي عيينة بالكتاب لكي يوقع عليه عمر لا مجال لتبريره، إلا إذا فرضنا: أنه كان بين الرجلين إتفاق على كيفية التعاطي مع هذه الأمور التي يحرج فيها أبو بكر..

فإن هذا هو الإتفاق والإنسجام التام بين الرجلين، لإنجاز هذا الأمر الخطير والكبير.

وبدون ذلك، فهل لنا أن نقول: إن هذا تناقض؟! أو أن أبا بكر كان يخاف من عمر؟!

إن جميع الأجواء والقرائن واللمحات، وكذلك الوقائع. تؤيد هذا الخيار الأول.. ونجد في كلام أبي بكر ما يدل عليه دلالة صريحة؛ فهو يقول في تفسير غلظة عمر:

«ذاك لأنه يراني رقيقاً، ولو قد أفضى الأمر إليه لترك كثيراً مما هو عليه، وقد رمقته إذا أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنت له أراني الشدة عليه»([42]).

20-                بابها بابي:

وفي متابعاتنا لهجومهم على بيت علي والزهراء «عليهما السلام» يستوقفنا ما روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» من أنه قال: «فاطمة بابها بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه، فقد هتك حجاب الله»([43]).

فإن مفاد هذا الحديث هو أن إحراق باب فاطمة «عليها السلام» يوازي إحراق باب بيت رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فكيف تجرّأ القوم على جمع الحطب، وإضرام النار في ذلك الباب يا ترى؟!

21-                لا بد من الإستئذان:

وقد أمر الله تبارك وتعالى، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» بالإستئذان على الناس في بيوتهم، فقال:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}([44]).

فلماذا يأمر عمر قنفذاً بأن يدخل بيت علي والزهراء «عليهما السلام» بغير إذن؟!..

هل إن بيعة بضعة رجال لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة تعطيه الحق في مخالفة هذا الحكم الشرعي الذي صدع به القرآن؟!.

وما هو الملزم لهذا أو لذاك بهذه البيعة؟! وما هو الملزم لغير المبايعين بلزوم المبادرة إلى البيعة التي يطلبونها منهم، إذا كان الله ورسوله لم يأمرا بها..

وإن كان الله ورسوله قد أمرا بها، فقد كان يكفي إظهار هذا الأمر، وإطلاع علي «عليه السلام» عليه، لينقاد هو والمسلمون له؟!

22-                لماذا التهديد والإحراق؟!:

ولا بد من توجيه نفس هذه الأسئلة لمعرفة المبرر للإحراق، والضرب، والتهديد، وغيره؟!.

وتتأكد هذه المؤاخذة إذا علمنا: أن صاحب الحق الشرعي الذي نصبه الله ورسوله للناس إماماً لم يبادر إلى ضرب، ولا إلى إحراق، أو إكراه الذين لم يبايعوه. ولا هاجمهم في بيوتهم، مع أن لديه حجة من الله يعرفها الناس كلهم، بل لديه بيعة في أعناقهم بذلوها له طائعين بأمر وبرعاية رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم هم ينكثونها بامتناعهم عن بيعته.. وبنصرتهم لغيره وبيعتهم لذلك الغير، والحال أن له «عليه السلا» بيعة في أعناقهم.

ولم يكن شيء من هذا القبيل في موضوع البيعة لأبي بكر، فكيف إذا كان نفس أبي بكر متعدياً وغاصباً لحق نفس هذا الذي جاء ليهاجمه، ويحرق بابه، ويضرب زوجته، ليبتزه حقه هذا بالذات؟!..

23-                متى ضربها قنفذ؟!:

وقد أظهرت الرواية المتقدمة: أن هجوم قنفذ على بيت علي «عليه السلام» كان بعد أن اعتزلهم علي «عليه السلام» في بيته، بعد خذلان المهاجرين والأنصار له..

وأن الزهراء «عليها السلام» إنما تدخلت شخصياً حين أخذوا علياً «عليه السلام» قهراً وجبراً، فحالت بينهم وبينه عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها.

ويبدو من هذا النص: أن أبا بكر كان قريباً جداً من قنفذ، وأنه كان يرى ما يجري عند باب البيت، وقد عاين ضرب قنفذ للزهراء «عليها السلام»، ولذلك ذكرت الرواية: أنه بعد أن ضربها قنفذ على عضدها أرسل أبو بكر إليه يقول:

«اضربها.. فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها، فكسر ضلعاً من جنبها، إلخ..».

إلى أن قال: «ثم انطلقوا بعلي ملبباً إلخ..».

وهذا يشير إلى صحة ما ذكره الإمام «عليه السلام» من أنهم أرادوا إحراق بيته، وأبو بكر على المنبر يبايع له، ولم يمنع من ذلك، ولم يدفعه([45])..

24-                عمر لا يغرم قنفذاً..

قال سليم: «انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان، وأبي ذر، والمقداد، ومحمد بن أبي بكر، وعمر بن أبي سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، فقال العباس لعلي «عليه السلام»: ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذاً كما غرم جميع عماله؟!

    فنظر علي إلى من حوله، ثم اغرورقت عيناه، ثم قال: «شكر له ضربة ضربها فاطمة «عليها السلام» بالسوط، فماتت وفي عضدها أثره كالدملج»([46]).

ونقول:

يلاحظ: أنه «عليه السلام» يحاذر من أن يكون بين السامعين من لا يؤمن منه إن سمع قوله أن يبلغه من سوف يتهمه بالتحريض على من فعل بالزهراء ذلك، وسوف يسعى لإشاعة أجواء مسمومة ضد علي «عليه السلام» قد تصل إلى اتهامه بايقاظ الفتنة، وما إلى ذلك..

2 ـ إن سياسة هؤلاء الناس، القاضية بمكافأة الذين ارتكبوا بحق الزهراء «عليها السلام» ذلك الجرم العظيم، وتوليتهم جلائل الأعمال، وعدم محاسبتهم على ما يرتكبونه في حق الإسلام وأهله، تدل على أن ما يذكر في بعض الروايات من ندمهم على ما صدر منهم، ومن محاولتهم استرضاءها «عليها السلام» قبل استشهادها يدخل في دائرة العمل الإعلامي، والسعي لامتصاص الآثار السلبية، وتصحيح الإنطباع الذي تركه ما فعلوه بها «عليها السلام».

وذلك يدلنا: على صوابية موقفها «عليها السلام» منهما حين جاءا لاسترضائها، وصوابية الإجراء الذي اتخذته بمنعهما من حضور جنازتها، والمشاركة في الصلاة عليها.

25-                لو وقع سيفي بيدي:

وفي الرواية المتقدمة بعض الإبهام أيضاً، فقد ذكرت أولاً:

«أنهم لما دخلوا الدار بغير إذن، بادر علي «عليه السلام» إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه، فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه، فقبضوه».

وهذا لا ينسجم مع قوله بعد ذلك، حين أدخل على أبي بكر:

«أما والله، لو وقع سيفي بيدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلى هذا مني. وبالله لا ألوم نفسي في جهد إلخ..».

فإن هذا يفيد: أن سيفه لم يقع في يده!!

والنص الآخر يفيد: أن سيفاً مّا وقع في يده!!

ولا مجال لتوهم: أن يكون المقصود هو وقوع سيفه الخاص به في يده، وهو ذو الفقار؛ إذ لا فرق فيما يقصد إليه في صولته عليهم بين سيفه وغيره، بل المهم وقوع أي سلاح في يده..

إلا أن يقال: إن العبارة الأولى جاءت قاصرة، فالمقصود من قوله: «فتناول بعض سيوفهم»: أنه ضرب يده إليه ليأخذه فلم تصل، أو أنها وصلت إلى حد ملامسة السيف، دون أن يتمكن من قبضته.

26-                أما أخو رسوله فلا:

ونحن لا نستطيع أن نكتم استغرابنا من كلمات أبي بكر الهينة واللينة إذا قيست بكلمات عمر القاسية، فقد قال أبو بكر لعلي ـ والظاهر أنها محاولة أخرى له لحمله على البيعة ـ: مهلاً يا أبا الحسن، ما نشدد عليك ولا نكرهك([47]).

ولكنه هنا يكرهه، ويأمر بضرب الزهراء «عليها السلام»، ولا يعترض على عمر في قرار قتله، بل هو يؤيده ويدعم رأيه حين أيد المبرر للقتل، وهو إنكار أن يكون أخاً لرسول الله، لكي لا تكون أخوته له «صلى الله عليه وآله» من موجبات المنع من القتل.

27-                حديث الغدير، وحديث أبي بكر:

تقدم: أنه «عليه السلام» استدل على مناوئيه بحديث الغدير، وبما قاله «صلى الله عليه وآله» في غزاة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ولم يدع شيئاً قاله النبي «صلى الله عليه وآله» فيه علانية للعامة إلا ذكره([48])..

ونحن ننظر إلى هذا الموضوع من ناحيتين:

أولاهما: أن هذا يشير إلى عدم صحة ما يذكره البعض: من أنه «عليه السلام» لم يستدل على مناوئيه بحديث الغدير.

ويلاحظ هنا التصريح: بأنه «عليه السلام» لم يدع شيئاً قاله النبي «صلى الله عليه وآله» فيه علانية للعامة إلا ذكره، لأنه يريد أن يضعهم أمام خيارين: إما الإقرار بما يريد، وهو المطلوب. وإما الإنكار وهو سوف يفضحهم، ويظهر عدم إنصافهم، وعدم التزامهم بالحدود التي يطلب من كل أحد الإلتزام بها..

وسواء أقروا أو أنكروا، فإن الناس، سوف يتذكرون ما سمعوه من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولسوف يترك ذلك أثره في نفوسهم.. حتى وإن لم يظهروا ذلك فعلاً لسبب أو لآخر.. وهذا ـ على الأقل ـ سوف يساعدهم على مراجعة حساباتهم، بل وعلى العودة إليه في المستقبل ـ وقد حصل ذلك بالفعل من قبل الكثيرين.

وهناك أمر آخر، لا بد من الوقوف عنده، ألا وهو تذكيرهم بما جرى يوم الغدير، الذي سيعيد للناس ذكريات البيعة التي له «عليه السلام» في أعناقهم جميعاً، بما فيهم هؤلاء الذين يناوؤونه، ويواجهونه بالأذى، والإكراه لاستلاب حقه.

وسوف يرى الجميع: أن فعلهم هذا نقض لتلك البيعة، وتراجع عن العهود التي قطعوها على أنفسهم أمام الله ورسوله..

ثانيتهما: إن أبا بكر لم يجد مناصاً إلا التسليم والإقرار بصحة جميع ما احتج به أمير المؤمنين «عليه السلام».

ولكنه يقابل كل هذا الذي سمعه الناس ووعوه ورأوه من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بحديث يدعيه لم يعرفه علي، ولا غيره، وإنما عرفه أشخاص شاركوا في توطيد الأمر لأبي بكر، إلى حد التصدي لضرب سيدة نساء العالمين، والهجوم على بيتها، ومحاولة إحراقه بما فيه، وفيه خير أهل الأرض: فاطمة الزهراء والحسن، والحسين، وعلي بن أبي طالب «عليهم السلام».

وبذلك أصبح هؤلاء المدَّعون المشاركون في الغصب والتعدي، هم الشهود على دعوى أبي بكر.

غير أننا نسجل هنا ما يلي:

أولاً: إن علياً «عليه السلام» اعتبر هذا الحديث المنقول عن الرسول الكريم «صلى الله عليه وآله» من الباطل، الذي يراد صرف الأمر عن أهله من خلاله..

وقد قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «علي مع الحق، والحق مع علي»([49]).

ثانياً: إن حديث أبي بكر عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد سقط عن الإعتبار تلقائياً، بل وبنفس إقرار أبي بكر أيضاً، لأنه ينسب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» التناقض والسفه، والعياذ بالله تعالى.

وتوضيح ذلك:

أن أبا بكر قد صدق علياً «عليه السلام» فيما قال، ولم يذكر أي شيء يدفع به صحة قوله..

فإذا صح ما نقله أبو بكر، فإن جميع أقوال رسول الله «صلى الله عليه وآله» في تبوك، وفي سائر المواقع، وكذلك موقفه في يوم الغدير، وأخذه البيعة لعلي «عليه السلام» من الناس، بما فيهم أبو بكـر ومناصروه ـ إن ذلك ـ يصبح سفهاً وبلا معنى. بل هو تناقض في التصرف لا يمكن القبول به، ولا السكوت عنه في أفعال الأنبياء..

بل إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» لا ينطق عن الهوى، ولا يصدر عنه إلا ما أمره الله تعالى به، فإن الأمر يصبح أكثر إشكالاً، وأعظم خطراً أو ضرراً على الدين، حيث لا بد من نسبة هذا الأمر ـ والعياذ بالله ـ إلى الذات الإلهية، وهذا كفر صراح.

ثالثاً: هل اختار الله لنبيه موسى وهارون الدنيا أم الآخرة؟! فإذا كان قد اختار لهما الآخرة دون الدنيا، فلماذا جعل لموسى وزيراً من أهله: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي}؟!([50]).

وقد قال النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى».

رابعاً: لنفترض: أن النبي «صلى الله عليه وآله» بعد أن نصب علياً «عليه السلام» إماماً وخليفة له، وبايعه الناس في يوم الغدير، وأكد على إمامته وخلافته من بعده في مواقف كثيرة. ـ لنفترض ـ أنه تبدل رأيه.. (وإن كان هذا غير معقول كما ذكرنا آنفاً، ولكن فرض المحال ليس بمحال).. أليس من المفروض فيه أن يبلِّغ هذا الأمر إلى صاحب العلاقة قبل كل أحد، حتى لا تثور النزاعات بينه وبين الآخرين؟!

خامساً: قد لا يكون خافياً على القارئ الكريم: أن الشهادة لأبي بكر بما رواه لم تتعد أصحاب الصحيفة التي أشار إليها علي «عليه السلام» أنهم كتبوها في مكة وهم نفسهم الذين شاركوا في الهجوم على بيت الزهراء «عليها السلام»، ولم نجد أحداً من الناس يسعفهم في شهادتهم هذه.

28-                لا بيعة لمكره:

وبعد.. فقد تضمنت النصوص المتقدمة: أنهم مدوا يده «عليه السلام»، وهو يقبضها، حتى وضعوها فوق يد أبي بكر، وقالوا: بايع بايع، أبو الحسن.

وغني عن القول: إنه لا بيعة لمكره. ولا أثر لها.. فكيف إذا هدد بالقتل وهوجم بيته، وضُربت زوجته، وقتل ولده. وأحرق داره، وهتكت حرمته وأخذ وأُتي به ملبباً، حتى لقد عيره معاوية بأنه جيء به للبيعة، يقاد كما يقاد الجمل المخشوش، كما ورد في نهج البلاغة وغيره؟!

وحسْب المنصف أن يلقي نظرة على كلمات علي ومواقفه طيلة حياته، ثم على مواقف وكلمات وُلْدِه من بعده، ليجد عشرات بل مئات النصوص الدالة على أنه يرى الخلفاء غاصبين لحقه، معتدين عليه في أمر الخلافة، فما هي قيمة هذه البيعة، وأي بيعة هذا حالها، ومآلها، لو كان ثمة من بيعة؟!

29-                هل تكشف الزهراء ÷ رأسها؟!:

وتقدم تهديد الزهراء «عليها السلام» لهم بأن تنشر شعرها، وتضع قميص رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وتدعو عليهم.. لتردعهم بذلك عن قتل علي «عليه السلام»، وهذا يعني ما يلي:

1 ـ إن هذا التهديد لا يعني أنها سوف تفعل ذلك وتكشف رأسها أمام الناس. بل هي تفعل ذلك حين الدعاء، ولا يجب أن يكون ذلك بمحضر الرجال.

فإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» دفن في بيتها، فإذا دخلت إلى موضع دفنه وصارت في بيتها، كانت وحدها، وأصبحت مستورة عن الناظرين، فتكشف شعرها في هذه الحال.

ولو كان عند قبر النبي «صلى الله عليه وآله» أجانب، فبإمكانها أن تأمرهم بالخروج.

2 ـ ومن جهة أخرى، فإن كشف الرأس، ووضع القميص، وشق الجيب، إنما هو من مظاهر الفقر والحاجة، والإلتجاء المطلق إليه تعالى، بعد اليأس عن إيجاد رادع لهم عن غير هذا الطريق..

وهم إن كانوا يعلمون مكانة الزهراء «عليها السلام» عند الله تبارك وتعالى، وأن الله سوف يستجيب دعاءها، فلا بد أن يتراجعوا، ويرتدعوا عن قتله «عليه السلام». وإن كانوا لا يرون لدعائها هذا الأثر، فإن من يعرف لها ذلك سوف يبادر إلى مواجهتهم والسعي لردعهم خوفاً من نزول العذاب على الجميع..

30-                إذن.. أرجع واصبر:

والذي يحسن التوقف ملياً عنده: أنها حين أخبرها سلمان المحمدي «رحمه الله»، بأن علياً «عليه السلام» يأمرها بالرجوع قالت: «إذن أرجع، وأصبر، وأسمع، وأطيع».

فإن علينا أن نفهم ذلك، وفق ما يلي:

أولاً: إن الزهراء «عليها السلام»، وهي في أقسى حالات الإنفعال، خوفاً على حياة أكرم وأفضل رجل خلقه الله بعد رسول الله، وسيد الخلق أجمعين، تبادر إلى التخلي عن كل هذه المشاعر، وعن كل ما كانت تفكر به، طاعة وانقياداً، وامتثالاً لأمر جاء معاكساً لما تفرضه تلك الحالة العاطفية المتوهجة..

وهي تطيع من دون أن تطرح أي سؤال بعد هذا عن مصير زوجها، وأحب الخلق إلى الله وإليها: هل زال الخطر عنه؟! أم أنه استسلم ورضي بما جرى ويجري عليه، طاعة منه لله، ورضا بقضائه؟!..

وثانياً: إن طاعتها هذه لم تكن لمجرد كونه زوجاً، بل لكونه إماماً قبل وبعد كل شيء..

وقد قلنا أكثر من مرة: إنه قد يكون هناك نساء يَنْقَدْنَ لأزواجهن في كثير من الشؤون، ولكن حين يصل الأمر إلى الإعتقاد، فإن التمويه فيه مهما بلغ لا بد أن ينكشف بالمخالطة والعشرة، إلا إذا كانت الزوجة محدودة الذكاء، خاملة الذهن، فإنها قد تخدع حتى بزوجها..

أما إذا كانت الزوجة في قمة الكمال الإنساني عقلاً، وعلماً، ومعرفة، ودقة، وحدة ذكاء، وتملك قرارها، وحريتها، وصدقها مع نفسها، وتتصف بكل صفات الكمال والجمال النفسي والأخلاقي إلخ.. فإن التمويه عليها غير ممكن على الإطلاق.

فإذا رأيناها قد آمنت بزوجها إيماناً عميقاً، وصادقاً، وطاغياً على كل وجودها، فإن ذلك يدل على واقعية ما تراه وتعتقد به، ويكون موقفها منه شاهد صدق على حقيقة ما يراه لنفسه، وما يطلب من الناس أن يعترفوا له به..

فكيف إذا كان الله في القرآن الكريم والرسول العظيم «صلى الله عليه وآله» لم يتركا مناسبة إلا واستفادا منها لتأكيد ذلك وترسيخه في عقول الناس، وفي نفوسهم، وفي وجدانهم، واعتباره جزءاً، بل محوراً لإيمانهم، واعتقادهم، وسلوكهم، وحياتهم كلها.

 


 

([1]) الإحتجاج ج1 ص226 و 227 و (ط دار النعمان) ج1 ص115 وبحار الأنوار ج29 ص95 وج28 ص329 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص222 وعن مناهج المهج للكيدري (مخطوط)، وكتاب الأربعين للشيرازي ص282 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص309 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص422 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص477.

([2]) الملل والنحل (ط دار المعرفة) ج1 ص57 و 58 وعنه في بحار الأنوار ج28 (هامش) ص271 و 317 وسفينة البحار ج8 ص279 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص92 وبيت الأحزان ص123 والكنى والألقاب ج3 ترجمة الشهرستاني. وعوالم العلوم ج11 ص416 وبهج الصباغة ج5 ص15 والوافي بالوفيات ج6 ص17 وقـاموس الرجـال للتستري ج12 ص326 وإحقـاق الحق (الأصل) ص208 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص123.

([3]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص47 وج2 ص50 وكتاب الأربعين للشيرازي ص154 والسقيفة وفدك للجوهري ص72 وغاية المرام ج5 ص340 وراجع: بحار الأنوار ج28 ص321 والمسترشد ص379 بالإضافة إلى مصادر تقدمت في فقرة «كسر سيف الزبير».

([4]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص56 والسقيفة وفدك للجوهري ص53 وبحار الأنوار ج28 ص315 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص403 والدرجات الرفيعة ص196 وبناء المقالة الفاطمية لابن طاووس ص401 وغاية المرام ج5 ص324 وتشييد المطاعن ج1 ص421. وكتاب الأربعين للشيرازي ص151 وحلية الأبرار ج2 هامش ص321.

([5]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص56 وكتاب الأربعين للشيرازي ص151 و 156 وبحار الأنوار ج28 ص315 و 322 وغاية المرام ج5 ص324 وراجع: ج6 ص48 والسقيفة وفدك للجوهري ص73 وتشييد المطاعن ج1 ص436 وبيت الأحزان ص112 والنص والإجتهاد هامش ص21.

([6]) راجع: بحار الأنوار ج28 ص313 وتشييد المطاعن ج1 ص436 عن المعتزلي ج2 ص45.

([7]) راجع: تشييد المطاعن ج1 ص436 و 437 و 438 و 439 و 440 عن: جمع الجوامع، وإزالة الخفاء، وغير ذلك، وشرح النووي لصحيح مسلم، والإكتفاء.

وراجـع: المصنـف لابن أبي شيبـة ج14 ص567 و 568 و (ط دار الفكر سنـة     = = 1409هـ) ج8 ص572 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص45 وبحار الأنوار ج28 ص313. وراجع: منتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج2 ص1174 عن ابن أبي شيبة، وراجع: الشافي للمرتضى ج4 ص110 والمغني للقاضي عبد الجبار ج20 ق1 ص335. وقرة العين لولي الله الدهلوي (ط بيشاور) ص78 والشافي لابن حمزة ج4 ص174 ونهاية الإرب ج19 ص40 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج2 ص253 و 254 و 255 والوافي بالوفيات ج17 ص311 وإفحام الأعداء والخصوم ص72 وكنز العمال ج5 ص651.

([8]) الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص19 و (تحقيق الشيري) ج1 ص30 وتشييد المطاعن ج1 ص440 و 441 عنه. وراجع: المسترشد ص377 و 378 وراجع: بحار الأنوار ج8 ص356 و 411 عن الشافي للسيد المرتضى، ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص404 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج25 ص544 وج33 ص360 وتلخيص الشافي ج2 ص144 و 145 وأعلام النساء ج4 ص114 والغدير ج5 ص372 وبيت الأحزان ص82 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص405 والوضاعون وأحاديثهم ص494 والكنى والألقاب ج1 ص386 ومصباح الهداية في إثبات الولاية للبهبهاني ص217.

([9]) راجع: الإختصاص للمفيد ص185 وبحار الأنوار ج28 ص227 عن العياشي، ومرآة العقول ج5 ص320 وتفسير العياشي ج2 ص66 ومجمع النورين للمرندي ص76.

([10]) بحار الأنوار ج28 ص231 و 322 وتفسير العياشي ج2 ص307 والبرهان ج2 ص434 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص49 وغاية المرام ج5 ص334.

([11]) بحار الأنوار ج28 ص339 وتشييد المطاعن ص435 عن العقد الفريد ج2 ص250 عن كشف الحق ص271 وتاريخ أبي الفداء ج1 ص156 والطرائف ص239 ونهج الحق للعلامة الحلي ص271 وإحقاق الحق (الأصل) للتستري ص228 وفلك النجاة في الإمامة والصلاة لعلي محمد فتح الدين الحنفي ص120 عن رسالة الزهراء ص142.

([12]) الإحتجاج ج1 ص207 و (ط دار النعمان) ج1 ص108 وكتاب سليم ج2 ص581 ـ 583 و (ط أخرى) ص149 وبحار الأنوار ج28 ص268 وغاية المرام ج5 ص334 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص482 وبيت الأحزان ص10 والأسرار الفاطمية ص114.

([13]) الإحتجاج ج1 ص208 و (ط دار النعمان) ج1 ص108 وكتاب سليم بن قيس ج2 ص583 ـ 584 و (ط أخرى) ص149 ـ 151 والإمامة والسياسة ج1 ص12 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص114 وبحار الأنوار ج28 ص268 والأنوار العلوية ص286 ومجمع النورين ص97 وغاية المرام ج5 ص317 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص482 وبيت الأحزان ص109.

([14]) كتاب سليم ج2 ص585 و 586 و (ط أخرى) ص385 ـ 387 وبحار الأنوار ج28 ص297 ـ 299 وج43 ص197 و121 وراجع: المسترشد ص377 و378 و379 والعوالم ج11 ص400 ـ 404 واللمعة البيضاء ص870 وبيت الأحزان ص114.

([15]) كتاب سليم ج2 ص585 ـ 586 و (ط أخرى) ص148 ـ 151 و 385 ـ 387 وبحار الأنوار ج28 ص269 و 299 وج43 ص198 واللمعة البيضاء ص870 والأنوار العلوية ص287 ومجمع النورين ص82 و 98 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص483 وبيت الأحزان ص110 و 115.

([16]) الإحتجاج ج1 ص209 ـ 213 و (ط دار النعمان) ج1 ص108 ـ 110 وكتاب = = سليم ج2 ص586 ـ 589 و (ط أخرى) ص148 ـ 150 وبحار الأنوار ج28 ص268 وغاية المرام ج5 ص317 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص482 والأنوار العلوية ص286 ومجمع النورين ص97 وبيت الأحزان ص109 والأسرار الفاطمية ص115 وراجع: المسترشد ص380.

([17]) في بعض النسخ: أسمعتم رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟!

وفي غزوة: يا علي!! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟! قال: ولم يدع شيئاً..

([18]) الإحتجاج ج1 ص209 ـ 215 و (ط دار النعمان) ج1 ص104 و 110 وكتاب سليم ج2 ص586 ـ 591 و (ط أخرى) ص150 ـ 155 وبحار الأنوار ج28 ص274 ومجمع النورين للمرندي ص99 وراجع: الإمامة والسياسة ج1 ص12.

([19]) الآية 150 من سورة الأعراف.

([20]) الإحتجاج ج1 ص215 و 216 و (ط دار النعمان) ج1 ص111 وكتاب سليم ج2 ص593 و 594 و (ط أخرى) ص158 وبحار الأنوار ج28 ص276 ـ 277 ومجمع النورين ص100.

([21]) لعل المقصود النساء والحاضرات عندها آنئذٍ.. ولعل نساء الهاشميات كن قد احتشدن في ناحية المسجد لتوقعهن أحداثاً قاسية في تلك اللحظات، فلما رأينها خرجت التحقن بها.

([22]) خاتمة المستدرك ج3 ص288 والإحتجاج ج1 ص222 و223 و(ط دار النعمان) ج1 ص113 و114 وقريب منه نقله اليعقوبي في تاريخه ج2 ص126 والمسترشد ص381 و 382. وراجع: الهداية الكبرى ص407 والإختصاص ص186 وبحار الأنوار ج28 ص228 و206 وج30 ص294 وج43 ص47 وتفسير العياشي = = ج2 ص67 والأنوار العلوية ص292 ومجمع النورين ص84 و110 وغاية المرام ج5 ص338 و339 وبيت الأحزان ص111 والأسرار الفاطمية ص265 و353 و62 و117.

([23]) تفسير العياشي ج2 ص67 وبحار الأنوار ج28 ص227 و228 ومجمع النورين ص76 والأسرار الفاطمية ص62 وبيت الأحزان للمحدث القمي ص86 و87 و(ط دار الحكمة ـ قم سنة 1412هـ) ص110 و 111 وفاطمة الزهراء «عليها السلام» بهجة قلب المصطفى ج1 ص67 عنه.

([24]) راجع: إختيار معرفة الرجال ج1 ص37 وبحار الأنوار ج28 ص237 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص580 وأعيان الشيعة ج7 ص285 ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج9 ص196.

([25]) الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص21 و (تحقيق الشيري) ج1 ص32 والغدير ج5 ص359 و 373 والوضاعون وأحاديثهم ص471 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص125 وكتاب سليم بن قيس ص140 وكتاب الأربعين للشيرازي ص147 وبحار الأنوار ج28 ص292 والسقيفة وفدك للجوهري ص50 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص220.

([26]) الآية 5 من سورة الإسراء.

([27]) الإستيعاب (بهامش الاصابة) ج2 ص466 و (ط دار الجيل) ج3 ص1151 وكتاب الأربعين للشيرازي ص91 ومجمع الزوائد ج9 ص61 والآحاد والمثاني ج1 ص97 والمستدرك للحاكم ج3 ص82 وكنز العمال ج12 ص577 والمعجم الكبير للطبراني ج1 ص64 والتمهيد ج10 ص77 والسيرة الحلبية ج3 ص139 واليقين لابن طاووس ص30 والغدير ج8 ص86.

([28]) الإستيعاب (مطبوع مع الاصابة) ج2 ص465 و (ط دار الجيل) ج3 ص1150 وتاريخ مدينة دمشق ج44 ص9 والوافي بالوفيات ج22 ص285. وراجع: = = قاموس الرجال للتستري ج10 ص195 عن أدب كاتب الصولي، وتاريخ المدينة لابن شبة ج2 ص677 و 678 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص150 ووفيات الأعيان لابن خلكان ج6 ص105.

([29]) تاريخ المدينة لابن شبة ج2 ص663 و (ط دار الفكر) ج2 ص678 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج1 ص192 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص208 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص277 وراجع: اليقين لابن طاووس ص29 والغدير ج8 ص86 وكنز العمال ج12 ص576 وأسد الغابة ج4 ص71 والكامل في التاريخ ج3 ص59 ووفيات الأعيان لابن خلكان ج6 ص105 والبداية والنهاية ج7 ص154.

([30]) حياة الصحابة ج1 ص41 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص137 وراجع مغازي الواقدي سرية نخلة.

([31]) حياة الصحابة ج1 ص154 والمجموع للنووي ج19 ص438 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص178 وبحار الأنوار ج21 ص103 و 128 والغدير ج10 ص84 ومستدرك سفينة البحـار ج8 ص108 وعـون المعبود ج8 ص180 وشرح معاني الآثار ج3 ص322 والدرر لابن عبد البر ص216 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص269 وكنز العمال ج10 ص508 ومجمع البيان ج10 ص471 ونور الثقلين ج5 ص694 والميزان ج20 ص381 والثقات ج2 ص45 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص449 و 451 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص331 وأعيان الشيعة ج1 ص275 وإعلام الورى ج1 ص220 والكامل في التاريخ ج2 ص244 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص539 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص43 وإمتاع الأسماع ج1 ص360 وتفسير البغوي ج4 ص538 ومجمع الزوائد ج6 ص166 عن الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

([32]) المصنف لعبد الرزاق ج9 ص469، وحياة الصحابة ج1 ص484 عن البخاري، ومسلم، وأحمد، والبيهقي، والبداية والنهاية ج4 ص370، وتفسير القرآن العظيم ج4 ص372 عن ابن أبي حاتم، وفي فتح الباري ج8 ص458: هو مرسل جيد، وصحيح البخاري (ط سنة 1309) ج3 ص132 والجامع الصحيح ج5 ص415 والسيرة الحلبية ج2 ص287 وأشار إلى ذلك في تاريخ الإسلام للذهبي (المغازى) ص219 والسيرة النبويـة لدحـلان ج1 ص271 = = وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص418 وسبل الهدي والرشاد ج4 ص292 وفتح الباري ج8 ص498 وجامع البيان ج28 ص76 وتفسير البغوي ج4 ص349 والدرجات الرفيعة ص448 وأعيان الشيعة ج7 ص90.

([33]) صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج8 ص52 وفتح الباري ج6 ص455 ج8 ص252 وحياة الصحابة ج2 ص601، والبداية والنهاية ج4 ص362 عن الصحيحين، ومناقب الخوارزمي ص182 والعمدة لابن البطريق ص460 وعمدة القاري ج24 ص88 وتحفة الأحوذي ج8 ص398 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص160 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص741 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص435 والتمهيد لابن عبد البر ج23 ص331.

([34]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 و 211 وتفسير الرازي ج29 ص297 وج32 ص154 والسيرة الحلبية ج3 ص75 و 76 و (ط دار المعرفة) ص12 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص798 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وراجع: كتاب الأم للشافعي ج4 ص264 والمجموع للنووي ج19 ص341 ونيل الأوطار للشوكاني ج8 ص154 و 156 والإيضاح لشاذان ص507 وشرح الأخبار ج2 ص301 والبحار ج21 ص95 ومواقف الشيعة ج2 ص255 وكتاب المسند للشافعي ص316 ومسند أحمد ج1 ص80 وصحيح البخاري ج4 ص19 وج5 ص89 وج6 ص60 وصحيح مسلم ج7 ص168 وسنن أبي داود ج1 ص597 وسنن = = الترمذي ج5 ص83 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص146 وعمدة القاري ج14 ص254 وج17 ص247 ومسند الحميدي ج1 ص28 والسنن الكبرى ج6 ص487 ومسنـد أبي يعـلى ج1 ص316 و 321 وصحيح ابن حبـان ج14  ص425 ومعرفة السنن والآثار ج7 ص102 والدرر لابن عبد البر ص214 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص266 وتخريج الأحاديث ج3 ص448 وكنز العمال ج10 ص522 وج14 ص69 ومجمع البيان ج9 ص446 ونور الثقلين ج5 ص301 والميزان ج19 ص236 وأحكام القرآن لمحمد بن إدريس الشافعي ج2 ص48 وجامع البيان ج28 ص75 و 77 وتفسير الثعلبي ج9 ص292 وأسباب نزول الآيات ص283 وتفسير البغوي ج4 ص328 و 329 وتفسير النسفي ج4 ص236 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص224 والمحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز لابن عطية الأندلسي ج5 ص293 وزاد المسير ج8 ص3 وتفسير القرطبي ج18 ص50 والتسهيل لعلوم التنزيل للغرناطي الكلبي ج4 ص112 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص369 و 370 والدر المنثور ج6 ص203 وفتح القدير ج5 ص211 وتفسير الآلوسي ج28 ص66 والثقات لابن حبان ج2 ص42 وأسد الغابة ج1 ص361 ومناقب علي بن أبي طالب «عليه السلام» للأصفهاني ص154 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والكامل في التاريخ ج2 ص242 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص526 و 527 والوافي بالوفيات ج11 ص210 والبداية والنهاية لابن كثير ج3 ص398 وج4 ص325 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص538.

([35]) المصنف لعبد الرزاق ج10 ص155، ومجمع الزوائد ج6 ص226 عن أبي يعلى. وقد روي هذا الحديث من وجوه كما في مجمع الزوائد.

([36]) الرياض النضرة المجلد الأول جزء 2 ص353.

([37]) المعجم الصغير ج2 ص64 وبحار الأنوار ج62 ص234 ومجمع الزوائد ج8 ص292 والمعجم الأوسط ج6 ص127 وجزء ترجمة الطبراني لابن منده ص14 وإمتاع الأسماع ج5 ص243.

([38]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص476 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص481 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص70 وج10 ص97 والسيرة الحلبية ج2 ص455 والإصابة ج2 ص93 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص484 ونصب الراية ج3 ص224 وكنز العمال ج5 ص408 وج13 ص432 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص162 والبداية والنهاية لابن كثير ج3 ص378 وإمتاع الأسماع ج1 ص115 وج12 ص175 وعيون الأثر ج1 ص351 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص172 عن الواقدي، والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج2 ص109 و 110.

([39]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص177 والشافي في الإمامة ج4 ص146 وغاية المرام ج6 ص112.

([40]) تاريخ الأمم والملوك ج2 ص151 والمستدرك للحاكم ج3 ص223 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص183 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص340 وإكليل المنهج للكرباسي ص557 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص120 والبداية والنهاية ج3 ص348 وأعيان الشيعة ج1 ص114 وعيون الأثر ج1 ص339 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص436 والثقات لابن حبان ج1 ص169.

([41]) راجع: الجوهرة النيرة ج1 ص128 والدر المنثور ج4 ص224 وتفسير المنار ج10 ص496 وتاريخ مدينة دمشق ج9 ص195 وراجع ص196 وتفسير الآلوسي ج10 ص122 وكنز العمال ج3 ص914 وراجع ج12 ص546 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص375 حوادث سنة 11 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص58 و 59 والإصابة ترجمة عيينة بن حصن. وراجع: المبسوط للسرخسي ج3 ص9.

([42]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص164 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص618 وبحار الأنوار ج30 ص520 والكامل في التاريخ ج2 ص425 ومجمع النورين للمرندي ص198 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص320 والثقات لابن حبان ج2 ص192.

([43]) بحار الأنوار ج22 ص477 ومجمع النورين ص351 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص390.

([44]) الآيتان 27 و 28 من سورة النور.

([45]) راجع: الأمالي للمفيد.

([46]) كتاب سليم بن قيس (تحقيق محمد باقر الأنصاري) ص675 وراجع ص674 و (ط أخرى) ص224 وبحار الأنوار ج30 ص303 وبيت الأحزان ص115 و 125 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني ج3 ص14 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج8 ص429 ومجمع النورين للمرندي ص115 والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص711 والأنوار العلوية ص320.

([47]) بحار الأنوار ج28 ص185 والإحتجاج (ط دار النعمان) ج1 ص96.

([48]) راجع: الإحتجاج ج1 ص183 و(ط دار النعمان) ج1 ص197 و216 والخصال ص554 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص203 وشرح الأخبار ج2 ص186 والأمالي للطوسي ص333 و 555 وحلية الأبرار ج2 ص308 ومدينة المعاجز ج3 ص26 وبحار الأنوار ج31 ص316 و 351 و368 و 414 = = ومستدرك سفينة البحار ج10 ص55 ونهج السعادة ج1 ص128 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص432 وكتاب الولاية لابن عقدة ص164 و 167 و 169 و 174 و 176 ونهج الحق للعلامة الحلي ص393 وغاية المرام ج1 ص322 وج2 ص72 و 83 و 124 و 129 وج5 ص85 وج6 ص13 و 16.

([49]) كشف الغمة ج2 ص35 وج1 ص141 ـ 146 و158 وتاريخ بغداد ج14 ص322 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص449 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص73 و (تحقيق الشيري) ج1 ص98 والمستدرك للحاكم ج3 ص119 و 124 وتلخيصه للذهبي بهامشه، وراجع: نزل الأبرار ص56 وعن كنوز الحقائق ص65 وكنز العمال ج6 ص157. وراجع: شرح الأخبار ج2 ص60 والفصول المختارة ص97 و 135 و 211 و 224 و 339 والتعجب للكراجكي ص61 و 62 و 129 و 144 والإحتجاج (ط دار النعمان) ج1 ص97 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص260 و 261 وج3 ص50 والمسائل العكبرية للمفيد ص56 والأمالي للصدوق ص150 و 496 وكفاية الأثر ص20 و 117 و 181 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج1 ص422 و 493 والعقد النضيد لابن الحسن القمي ص132 والصراط المستقيم ج1 ص274 و330 وج2 ص107 و282 وج3 ص81 و108 و112 والجمل لابن شدقم ص11 وكتاب الأربعين للشيرازي ص94 و96 و175 و237 و287 و310 و513 و570 والفصول المهمة للحر العاملي ج1 ص450 ومدينة المعاجز ج2 ص391 وبحار الأنوار ج10 ص432 و 445 و 451 وج28 ص190 و 368 وج29 ص343 و 352 وج33 ص332 و 376 وج36 ص111 و 287 و 325 و 346 وج38 ص28 و 29 و 32 و 33 و 34 و 39 و 95 و 143 و 188 و 358 وج40 ص26 وكتاب الأربعين ص83 و 84 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص174 والسقيفة = = للمظفر ص63 والغدير ج3 ص176 و 177 و 178 وج8 ص189 وج10 ص48 و 278 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص337 وج8 ص189 والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص47 و 48 و 165 ومسند الإمام الرضا «عليه السلام» للعطاردي ج1 ص121 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليه السلام» للنجفي ج3 ص14 وج8 ص538 ونهج السعادة ج7 ص32 ومجمع الزوائد ج7 ص234 و235 والمعيار والموازنة للإسكافي ص35 و 119 و 321 و 322 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص297 وج18 ص72 وتفسير الإمام العسكري «عليه السلام» ص630 والميزان ج12 ص110 والإكمال في أسماء الرجال ص156 ومستدركات علم رجال الحديث ج8 ص291 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص157 و 245 و فضائـل أمـير المؤمنين «عليه السلام» لابن عقدة ص168 والإستغاثة ج1 ص9 وج2 ص63 و 64 والجمل للمفيد ص36 و 231 وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص46 و 86 وبشارة المصطفى ص44 و إعلام الورى ج1 ص316 والدر النظيم ص441 ونهج الإيمان ص187 و 188 و 189 و 190 و 578 و 579 وينابيع المودة لذوي القربى ج1 ص173 واللمعة البيضاء ص781 والكنى والألقاب ج1 ص347 ومجمع النورين ص73.

([50]) الآيتان 29 و 30 من سورة طه.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان