صفحة 5-28   

1ـ أبو سفيان

2ـ خالد بن سعيد بن العاص

 حماس أبي سفيان:

وذكروا: أن أبا سفيان قال لعلي «عليه السلام»: ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش؟!([1]) والله: لئن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً.

فقال علي «عليه السلام»: يا أبا سفيان، طالما عاديت الإسلام وأهله، فلم تضره بذاك شيئاً، إنا وجدنا أبا بكر لذاك أهلاً([2]).

وفي نص آخر: لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر أقبل أبو سفيان وهو يقول: والله، إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم. يا آل عبد مناف، فيم أبو بكر من أموركم؟! أين المستضعفان؟! أين الأذلان: علي والعباس؟!

وقال: أبا حسن، أبسط يدك حتى أبايعك.

فأبى علي «عليه السلام» عليه.

فجعل يتمثل بشعر المتلمس:

ولـن يـقـيـمَ على خسفٍ يُراد بـهِ                إلا الأذلان عــيرُ الحــيّ والـوتـدُ
هذا على الخسفِ معكوسٌ برمتـهِ              وذا يـشـجُ فـلا يـبـكـي لـه أحـدُ

قال: فزجره علي «عليه السلام»، وقال: إنك ـ والله ـ ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك ـ والله ـ طالما بغيت للإسلام شراً، لا حاجة لنا في نصيحتك([3]).

وجعل أبو سفيان يطوف في أزقة المدينة ويقول:

بني هاشم لا تُطمعوا الناس فيكمُ               ولا سـيـما تـيـم ابن مـرة أو عديّ
فـمـا الأمـر إلا فـيـكمُ وإليـكـمُ            ولـيـس لهـا إلا أبـو حـسن عــليّ

فقال عمر لأبي بكر: إن هذا قدم، وهو فاعل شراً. وقد كان «صلى الله عليه وآله» يستألفه على الإسلام، فدع له ما بيده من الصدقة.

ففعل. فرضي أبو سفيان، وبايعه([4]).

ونقول:

إننا نكتفي هنا بالإشارة إلى الأمور التالية:

الأمر في أقل حي من قريش:

إن أول ما يطالعنا في النصوص المتقدمة: وصف أبي سفيان لقوم أبي بكر بأنهم أقل حي من قريش..

ويبدو لنا: أن يد السياسة والعصبيات المذهبية قد تلاعبت في هذا النص، فقد ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» أن أبا سفيان قال كما رواه الحاكم وغيره:

«ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة، وأذلها ذلة، يعني أبا بكر»([5]).

فحذف هؤلاء كلمة «وأذلها ذلة» ليوهموا الناس أن المقصود هو الحديث عن القلة والكثرة العددية..

ومما يؤيد القول بأن قوم أبي بكر كانوا بهذه المثابة، قول عوف بن عطية:

وأمـــا الألأمـان بـنـــو  عــدي           وتـيـم حـين تـزدحـم الأمـــــور
فـلا تـشـهـد بهـم فـتـيان  حرب          ولـكن ادن مـن حـلـب وعــيــر
إذا رهـنـوا رمـــاحـهــم بـزبـدٍ           فـإن رمـاح تـيــم لا تـضـيــر
([6])

حماس أبي سفيان لماذا؟!:

وقد أظهرت هذه الحادثة أبا سفيان في صورة المتحمس لبني هاشم ضد تيم وعدي.. فيثور سؤال أمام المرء عن سبب هذا الحماس، هل هو تقوى أبي سفيان؟!

أم هو أنفته من أن يتحكم أقل قريش قلة، وأذلهم ذلة بالمسلمين، وهو منهم؟!

أم أنه أراد إشعال نار الفتنة؟!

أم هو حبه المفاجئ لعلي «عليه السلام» وبني هاشم؟! أم ماذا؟!

ثم يستوقفنا أيضاً: أنه برغم الجواب القاسي الذي سمعه من علي «عليه السلام» فإنه لم يرتدع، بل واصل حملته، وجعل يدور في أزقة المدينة، وينشد الأشعار في تحريض بني هاشم على بني تيم وعدي.

ثم يأتي السؤال الأكبر والأخطر، وهو: أنه بمجرد أن تركوا له ما في يده من أموال بيت المال رضي، وبايع أبا بكر..

ولسنا بحاجة إلى القول: بأن علياً «عليه السلام» كان أخبر بأبي سفيان من كل أحد، وكانت نظرته «عليه السلام» هي الصائبة لكبد الحقيقة، كما دلت عليه نهايات تحرك أبي سفيان، الذي كان يسعى للفتنة، حيث تختلّ الأمور، وتنفتح له الأبواب لتحقيق ما يرمي إليه، بتوريط من يبغضهم ويعاديهم في عداء مستحكم مع من كانوا أنصار بني هاشم عليه، وعلى غيره من المشركين. فلعله يدرك بذلك بعض ثأره، فإن من ليس يؤمن لا يعرف إلا نفسه، وتحسبهم جميعاً، وقلوبهم شتى.

كما أنه يكون هو الفريق الذي يخطب وده جميع الفرقاء، ويقدم له كل منهم الوعود والإمتيازات، لينصره على الفريق الآخر..

فأبو سفيان يبقى هو الرابح، ويكون هو بيضة القبان. ويصبح قادراً على التلاعب بالأمور حسب هواه.

الفشل الذريع لأبي سفيان:

وقد أفشل علي «عليه السلام» خطة أبي سفيان، التي كانت تهدف إلى إثارة فتنة هائلة وعظيمة، وذات نتائج مدمرة فلجأ إلى الرضا بفتات ألقاه إليه الفريق الحاكم..

غير أن القضية بالنسبة إلى أبي سفيان وأمثاله من أهل الدنيا كانت أكثر من فتات، فهو يرى أنه حصل في حركته هذه على نتائج يعتبرها في غاية الأهمية.. فإن هذا الفتات الذي حصل عليه قد أعطاه وأعطى غيره من الطامعين، والطامحين إشارة قوية إلى النهج الذي سيسير عليه الحكام معهم في المستقبل.. ودلهم ذلك على أن الحكم سوف لا يتوقف كثيراً ولا يتقيد بحدود وقيود الشريعة، وأن الميزان في ذلك هو مصلحتهم، وحفظ ما بيدهم، وأن بإمكان أبي سفيان وغيره أن يتعاملوا معهم وفق هذه القاعدة.

ولذا فلا مانع من إعطاء الصدقات التي جعلها الله للفقراء والمساكين لمن يؤيدهم في ملكهم وسلطانهم.. مهما كانت حاله في الغنى، وفي الإستهتار بأحكام الشرع والدين، وفي غير ذلك من أحوال..

وهذا الأمر بالذات هو ما يأخذونه على علي «عليه السلام»، ومن معه من بني هاشم وغيرهم، وينعون عليهم عدم قبولهم به، ويدينون صلابتهم في محاربة هذا النهج، ومن يلتزم به..

والشاهد على ذلك: أن علياً «عليه السلام» لم يرض بإعطاء أشراف ورؤساء القبائل شيئاً من المال، لكي يؤيدوه ضد خصومه، وليتفادى حرب الجمل، قائلاً: «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور»([7])، فكانت حرب الجمل.

مفارقة في موقف عمر!!:

واللافت هنا: أن الذي أشار على أبي بكر بإعطاء أموال بيت المال إلى أبي سفيان هو عمر بن الخطاب نفسه، مع أن عمر بن الخطاب هو الذي ألغى ومزق كتاب أبي بكر الذي كتبه لبعض المؤلفة قلوبهم، وقال: «أعز الله الإسلام، وأغنى عنكم، فإن أسلمتم، وإلا فالسيف بيننا وبينكم.

فرجعوا إلى أبي بكر، فقالوا له: أنت الخليفة، أم هو؟!

فقال: بل هو إن شاء الله. وأمضى ما فعله عمر([8]).

وروى الطبري عن حبان بن أبي جبلة، قال: قال عمر وقد أتاه عيينة بن حصن: {ألحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ}([9]). أي ليس اليوم مؤلفة([10]).

وجدنا أبا بكر أهلاً للخلافة:

وقد زعمت الرواية المتقدمة: أن علياً «عليه السلام» قال لأبي سفيان: «إنا وجدنا أبا بكر لذاك (أي للخلافة) أهلاً».

غير أننا نقول: إن ذلك غير صحيح، لما يلي:

1 ـ إن علياً «عليه السلام» كان يرى: أن أبا بكر غاصب لهذا الأمر، مخالف لأمر الله ورسوله فيه. بل هو ناكث لبيعته له «عليه السلام» يوم الغدير..

والخطبة الشقشقية لعلي «عليه السلام»، وعشرات غيرها يدل على هذا الأمر دلالة صريحة..

2 ـ صرحت المصادر، ومنها صحيح البخاري: بأن علياً «عليه السلام» لم يبايع أبا بكر إلّا بعد أن مضت ستة أشهر من وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»([11])، وحديث أبي سفيان هذا قد كان قبل هذا التاريخ..

بل تقدم أن علياً «عليه السلام» لم يبايعهم طائعاً أبداً..

3 ـ إن علياً «عليه السلام» لم يشارك في اختيار أبي بكر، بل اختاره عمر وأبو عبيدة، كما أن سعد بن عبادة وفريقاً كبيراً من الأنصار، وكذلك بنو هاشم وكثير غيرهم لم يروه أهلاً، ولم يبايعه كثير منهم إلا بالإكراه، وقد ذكرنا ذلك في كتابنا هذا، وغيره..

وبذلك كله يظهر: أن الصحيح هنا هو ذلك النص الذي لم يذكر هذه الفقرة، وإنما أضافها في هذه الرواية التي نحن بصدد مناقشتها نصحاء أبي بكر ومحبوه..

خالد بن سعيد يتربص ببيعته:

وذكروا أيضاً: أن خالد بن سعيد بن العاص لما قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» تربص ببيعته شهرين. يقول: قد أمَّرني رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم لم يعزلني حتى قبضه الله.

وقد لقي علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وعثمان بن عفان. فقال: يا بني عبد مناف، لقد طبتم نفساً عن أمركم يليه غيركم؟!

فأما أبو بكر فلم يحفلها (يحقدها) عليه. وأما عمر فاضطغنها عليه..

ثم بعث أبو بكر الجنود إلى الشام. وكان أول من استعمل على ربع منها خالد بن سعيد، فأخذ عمر يقول: أتؤمره وقد صنع ما صنع، وقال ما قال؟!

فلم يزل بأبي بكر حتى عزله، وأمَّر يزيد بن أبي سفيان([12]).

وفي نص آخر: أن خالد بن سعيد قدم من اليمن بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» بشهر، وعليه جبة ديباج، فلقي عمر وعلياً «عليه السلام»، فصاح عمر بمن يليه: مزقوا عليه جبته. أيلبس الحرير وهو في رجالنا في السلم مهجور؟! فمزقوا جبته.

فقال خالد: يا أبا الحسن، يا بني عبد مناف، أغلبتم عليها؟!

فقال علي «عليه السلام»: أمغالبة ترى، أم خلافة؟!

قال: لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم يا بني عبد مناف.

وقال عمر لخالد: فض الله فاك. والله، لا يزال كاذب يخوض فيما قلت، ثم لا يضر إلا نفسه.

فأبلغ عمر أبا بكر مقالته.

فلما عقد أبو بكر الألوية لقتال أهل الردة عقد له فيمن عقد. فنهاه عنه عمر، وقال: إنه لمخذول، وإنه لضعيف التروئة. ولقد كذب كذبة لا يفارق الأرض مدلٍ بها، وخائض فيها، فلا يستنصر به.

فلم يحتمل أبو بكر عليه، وجعله ردءاً بتيماء. أطاع عمر في بعض أمره، وعصاه في بعض([13]).

وفي نص ثالث: ان عمر بن الخطاب لم يزل يكلم أبا بكر في خالد بن الوليد، وفي خالد بن سعيد. فأبى أن يطيعه في خالد بن الوليد، وقال: لا أشيم سيفاً سله الله على الكفار، وأطاعه في خالد بن سعيد، بعد ما فعل فعلته([14]).

وقالوا: «لعل المقصود بفعلته هو: مواجهة جيش الروم التي انتهت بانكساره، بسبب خطة وضعها أحد قوادهم، كما ذكره الطبري وغيره»([15]).

لكننا نقول:

ربما يكون الأصح هو أن المقصود بها موقفه المتقدم من بيعة أبي بكر، بعد عودته من اليمن..

وقد قال أبو بكر بعد أن خرج خالد من عنده: «كان عمر وعلي أعلم مني بخالد، ولو أطعتهما فيه اختشيته، واتقيته»([16]).

ونقول:

هذه رواية سيف بن عمر المتهم بالدس والكذب..

ويستوقفنا فيها أمور، نذكر منها:

ألف: استعملني النبي ثم لم يعزلني:

ماذا يقصد خالد بن سعيد بقوله: استعملني رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثم لم يعزلني؟!

هل يريد بذلك تقرير رضا رسول الله «صلى الله عليه وآله» عنه، ليصبح قوله مقبولاً لدى الناس، لأنه كان يتوقع الطعن فيه وفي آرائه بمجرد إعلانه معارضته لما جرى؟!

أم يقصد: أنه أحق بالخلافة من أولئك الذين عزلهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد أن نصبهم، وظهر عجزهم، وعدم أهليتهم، في خيبر، وفي ذات السلاسل وغيرها؟!..

أم أنه يريد أن يقرر لنفسه الحق في أن يكون من أهل الشورى، الذي يحتاج إلى رأيهم ومواقفهم في إمضاء الأمور الخطيرة والكبيرة.. فهو يعتبر أن ما أمضوه في غيبته، ومن دون مشورته لاغياً وغير ذي قيمة؟!

أم أنه يريد تأكيد وثاقته، وأمانته بالإستناد إلى فعل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، تمهيداً للجهر بأن صاحب الحق الحقيقي هو علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وأن على الناس أن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يكافحوا بالوسائل المشروعة. لإعادة الحق إلى أهله، ووضع الأمور في نصابها؟!..

ربما يكون هذا الإحتمال الأخير هو الأقرب والأصوب بملاحظة، موقفه اللاحق، حين كان مع الإثني عشر الذين اعترضوا على أبي بكر ـ كما سيأتي عن قريب إن شاء الله..

ب: متى رجع خالد بن سعيد؟!:

وقد صرحت الرواية المتقدمة: بأن خالد بن سعيد قد رجع من اليمن بعد شهر أو شهرين، فوجد أن أبا بكر هو المتحكم والحاكم.. وربما يكون خبر ما جرى قد بلغه قبل وصوله، فأعلن اعتراضه على النحو الذي مرّ ذكره..

ويؤيد ذلك أن رواية أخرى ستأتي في فصل: «إحتجاجات ومناشدات»، تذكر احتجاج اثني عشر رجلاً من أعلام المهاجرين في المسجد النبوي الشريف كان خالد بن سعيد أول المحتجين على أبي بكر من بين هؤلاء..

وصرحت بأن: هذا الإحتجاج حصل بعد جمع علي «عليه السلام» للقرآن، وبعد أن دار علي «عليه السلام» بفاطمة والحسنين «عليهم السلام» على أعيان المهاجرين والأنصار يطالبهم بنصرته..

كما أنها صرحت: بأن أولئك الاثني عشر كانوا غائبين حين البيعة لأبي بكر([17]).

وإن كنا نعتقد: أن منهم من كان حاضراً.

ولعل مقصود الراوي: هو أن أكثرهم كان غائباً..

ج: بنو عبد مناف.. وبنو تيم:

وقد لوحظ في الرواية: أن خالد بن سعيد، وجه كلامه إلى علي وعثمان على حد سواء، معتمداً على الحس القبلي من خلال الموازنة بين بني عبد مناف وبني تيم.

ومن الواضح:

1 ـ إن هذا المنطق مرفوض ومدان بنظر الإسلام..

2 ـ إن هذا المنطق ليس فقط لا يحرك علياً «عليه السلام»، وإنما هو يثيره لمعارضته وإدانته.

3 ـ إنه يعطي بني أمية، الذين يمثلهم عثمان ـ حيث كان الخطاب موجهاً إليه وإلى علي «عليه السلام» الحق في الخلافة والإمامة. وهذا مخالف للنصوص القرآنية والنبوية حول إمامة علي «عليه السلام»، ولم يزل علي «عليه السلام» وبنو هاشم يأبون ما عدا ذلك ويرفضونه، ويقيمون الأدلة، ويحشدون الشواهد من القرآن الكريم، ومن كلام سيد المرسلين على خلافه..

4 ـ إن الروايات الأخرى تؤكد على أن خالداً كان يسعى لإثبات أن الحق لخصوص أمير المؤمنين «عليه السلام»، بالإستناد إلى ما عاينه وسمعه من رسول الله «صلى الله عليه وآله». وهو ينفي أي حق فيه لسواه، سواء أكان من بني عبد مناف أو من غيرهم.

5 ـ إن ذلك كله يشير إلى أن موازنته بين بني عبد مناف وبين تيم كانت لبيان أمر واقعي، وهو: أن بني عبد مناف هم أهل الفضل والسؤدد والكرامة، والإلتزام بالقيم والمبادئ، فلا يعقل صرف الأمر عنهم إلى أناس ليسوا بهذه المثابة.. وهو يتوقع مؤازرة بني ابيه الأمويين للحق الثابت.

ولكن بما أن الكلام قد جاء بطريقة توحي بالمنطق القبلي، كان لا بد من اعتراض علي «عليه السلام» لوضع الأمور في نصابها، وبعيداً عن الحدة.. فجاء بصيغة سؤال يكفي للتخلص من مفاعيله توضيح المراد من كلمة غلبكم التي وردت على لسان خالد..

د: أبو بكر لم يحفلها على خالد:

    قول الرواية: إن أبا بكر لم يحفلها (أو لم يحقدها) على خالد بن سعيد، لم يظهر وجهه..

أولاً: لأنه لا ينسجم مع ما ذكرته الرواية التي بعدها، فهي تقول:

إن أبا بكر أطاع عمر في بعض الأمر، وعصاه في بعضه؛ حيث صرف خالداً عن وجهه، وجعله في تيماء، ليكون ـ حسب زعمهم ـ ردءاً..

ثانياً: إن تولية أبي بكر لخالد بن سعيد، يراد من خلالها تأليف بني أمية، وكسر الحزازاة التي يجدونها في نفوسهم، بعد أن أصبح تيمي أميراً عليهم. وهو ما لم يكونوا يتوقعونه في أيام نفوذ كلمتهم، وظهور أمرهم في الجاهلية..

ثالثاً: إن عزل خالد بعد نصبه، سيزيد من تعقيد الأمور في هذا الإتجاه، فأبقاه أبو بكر في ظاهر الأمر، ولكنه أفرغه من محتواه حين جعله في تيماء، فارغاً من أي فائدة، فاقداً لدوره الذي يتوقع من مثله..

    ثم أرضى سائر الأمويين بتأميره يزيد بن أبي سفيان مكانه..

وكل ذلك يظهر حنكة أبي بكر، وتعمقه في سياساته وخططه بطابعها الخاص.

هـ: خالد.. وجبَّة الديباج:

    وقد زعمت رواية سيف: أن خالداً حين قدم من اليمن بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» كان يلبس جبة ديباج.. وأن عمر أمر بتمزيقها عليه. فمُزِّقت. ونحن نكاد لا نصدّق ذلك..

فأولاً: إن خالداً لم يكن ليلبس الحرير، بعد ما علم من نهي رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن لبسه.. ولو فعل ذلك، فلا بد أن يتوقع اعتراض المسلمين عليه في ذلك.. فما الذي يدعوه لوضع نفسه موضع المؤاخذة والمهانة؟!

ثانياً: إن عمر لم يكن هو الحاكم، ولم يكن حكم أبي بكر قد ثبت واستقر بعد، لا سيما مع وجود المعترضين والمعارضين له، والخوف من ازديادهم وتكثرهم.. ولم يكن ليحتمل أحد من عمر أن يتطفل عليه في أمثال هذه الأمور، بل هو سوف يثأر لنفسه، ويبادر إلى رد الإهانة بمثلها.

ثالثاً: هل كان الناس يأتمرون بأمر عمر آنئذٍ، حتى إذا صاح بمن يليه من الناس، وأمرهم بالإعتداء على أحد القادة بادروا إلى تنفيذ أمره، ومزقوا عليه جبته؟! إلا إن كانوا يخشون من أن يستعين مرة أخرى ببني أسلم وسواهم من الأعراب الذين كانوا حول المدينة، وكانوا قد استعانوا بهم في إقامة وتثبيت خلافة أبي بكر. وكانوا جيشاً جراراً ربما يصل عدده إلى الألوف. ولعل قسماً منهم كان لا يزال في المدينة..

و: لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم:

ثم إنه بالرغم من أن علياً «عليه السلام» يوجه سؤاله الإنكاري إلى خالد، فيقول: أمغالبة ترى، أم خلافة؟!.. فإن الرواية تقول:

إن خالداً لم يتراجع عن مفهوم المغالبة، بل أكده بقوله: لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم. مع أنه يعلم أن علياً «عليه السلام» لا يتفاعل مع هذا المنطق، بل هو لا يرضى بإثارة الأمور على هذا النحو..

يضاف إلى ذلك: أن الرواية الآتية في فصل: «احتجاجات ومناشدات»، والتي تضمنت احتجاج الإثني عشر صحابياً على أبي بكر تبين: أن خالداً كان يرى أن المعيار في أمر الخلافة هو نص النبي «صلى الله عليه وآله» على أمير المؤمنين «عليه السلام»، وتقريره أن الحق له دون سواه..

ز: السكوت المحير:

وبعد.. فإن الرواية تذكر: أن عمر بن الخطاب يقول لخالد بن سعيد: «فض الله فاك، والله لا يزال كاذب يخوض فيما قلت، ثم لا يضر إلا نفسه».

ولم تذكر شيئاً عن جواب خالد على هذا الكلام البالغ في جرأته وقسوته.. مع أن طبيعة الأمر تقتضي أن يجيبه خالد ولو برد كلامه عليه في أدنى الفروض..

فما الذي منع خالداً من الجواب؟! هل هو الخوف من عمر؟! وهذا ما لا نتوقعه من أمثال خالد..

أم الخوف من تهديده المبطن بأن الحكم سوف لا ينفعه بنافعة أو خاف من التهديد بأن يكون الحكم كله ضدّه، وسوف يتعرض لأضرار بالغة تلحقه كشخص؟!

ولكن هل يمكن أن نصدق أن من يبادر إلى المعارضة بهذه الشدة والحدة، لا يتوقع أي ضرر ربما يلحق به نتيجة لمعارضته؟! أم ماذا؟!

أم أنه رأى أنه يقصد بذلك غيره، ممن لا يعنيه أمره؟!

ح: كذبة خالد:

تذكر الرواية الآنفة الذكر: أن عمر بن الخطاب وصف خالد بن سعيد بأنه يكذب كذبة، لا يفارق الأرض مدل بها، وخائض فيها. فلا يستنصر به.

ونقول:

أولاً: ليس في كلام خالد ما يصح وصفه بالكذب، بل مجرد كلام تحريضي، قائم على قواعد المفاضلة العشائرية، بين بني عبد مناف، وبين قبيلة تيم، وهي قبيلة أبي بكر..

ثانياً: قول عمر عن كذبة خالد: «لا يفارق الأرض مدل بها، وخائض فيها» لم نفهم له معنى. فإن كلمة خالد ليست هي السبب في إثارة موضوع غاصبية أبي بكر للخلافة من صاحبها الشرعي، بل هو موضوع مثار من اللحظة الأولى.

وقد ارتكبت من أجله الجرائم، وواجه الناس فيه الأهوال، ولحقهم الكثير من الهضم والظلم، سواء بالنسبة لعلي «عليه السلام» نفسه، أو بالنسبة للسيدة الزهراء «عليها السلام»، فضلاً عن آخرين تعرضوا لكثير من الأذى في هذا السبيل..

فإذا كان تداول هذا الموضوع والخوض فيه، وعدم مفارقة الأرض لخائضٍ فيه ليس بسبب موقف خالد بن سعيد، فلماذا يحمِّله عمر بن الخطاب مسسؤولية ذلك؟!

ثالثاً: إذا كان خالد قد كذب هذه الكذبة الكبيرة، فمن المصلحة أن يستنصر به أبو بكر، لتكون نصرته لأبي بكر من أدلة تكذيبه لنفسه، ويكون ذلك أقوى لحجة أبي بكر، وأولى من استبعاد خالد، وإقصائه عن موقعه..

ط: فعلة خالد بن سعيد:

وقد حاولت روايات سيف: أن تضعف من موقف خالد، بادعاء أنه ارتكب خطأً في مواجهاته مع جيش الروم، ومني بهزيمة نتيجة لذلك.

والذي يثير الإنتباه هنا: أن هذا الذي ينسب إلى خالد بن سعيد هو برواية سيف بن عمر، وهو متهم فيما ينقله، فقد أظهرت الوقائع أنه يسعى للطعن في الفئة التي لم تبادر إلى تأييد خلافة أبي بكر وعمر، أو من ظهر منهم تردد في ذلك.. وهذا المورد ليس بعيداً عن هذه الأجواء، إذا أخذ موقف خالد بن سعيد بنظر الإعتبار..

عمرو وطلحة وعلي :

لما رجع عمرو بن العاص من البحرين، أخبرهم: أن العساكر معسكرة من دبا إلى حيث انتهى إليهم، فتفرقوا، وتحلقوا حلقاً. وأقبل عمر يريد التسليم على عمرو، فمرّ بحلقة، وهم في شيء من الذي سمعوا من عمرو، وفي تلك الحلقة: عثمان، وعلي، وطلحة والزبير، وعبد الرحمان، وسعد، فلما دنا عمر منهم سكتوا، فقال: فيم أنتم؟!

    فلم يجيبوه، فقال: ما أعلمني بالذي خلوتم عليه، فغضب طلحة، وقال: تالله يا بن الخطاب، لتخبرنا بالغيب!

    قال: لا يعلم الغيب إلا الله. ولكن أظن قلتم: ما أخوفنا على قريش من العرب، وأخلقهم ألا يقروا بهذا الأمر.

    قالوا: صدقت.

    قال: فلا تخافوا هذه المنزلة. أنا ـ والله ـ منكم على العرب أخوف مني من العرب عليكم. والله، لو تدخلون معاشر قريش جحراً لدخَلْتُه في آثاركم، فاتقوا الله فيهم.

ومضى إلى عمرو، فسلم عليه، ثم انصرف إلى أبي بكر([18]).

ونقول:

    إننا نرتاب كثيراً في صحة بعض مضامين هذه الرواية، وذلك لما يلي:

أولاً: لماذا يبالغ عمرو بن العاص في إظهار حجم العساكر التي تتهيأ لمهاجمة المدينة؟!

هل يريد بذلك خدمة أبي بكر من خلال تخويف الفريق الآخر بهذه العساكر، لكي يسلِّموا لأبي بكر، ويرضوا باغتصابه لأمر الخلافة، الذي جعله الله تعالى لأمير المؤمنين «عليه السلام»؟!

    أم أنه يريد أن يحرك أبا بكر ليبادر للتفاوض معه، ويقدم له الإمتيازات، ليكون معه وإلى جانبه ضد خصومه؟!

ثانياً: إننا لم نر أثراً يذكر لهذه العساكر، فأين ذهبت؟! وماذا صنعت؟! وهل وصلت إلى المدينة أم لم تصل؟. ومن هم قادتها؟! وكيف تعامل أبو بكر معهم ومعها؟!

ثالثاً: ما هذه المصادفة التي جمعت أهل الشورى في جلسة واحدة، ثم جاءت بعمر بن الخطاب ليصول عليهم، ويقرعهم بمر القول، ويحذرهم، ويعرِّض بهم باتهامهم في تقواهم لله تبارك وتعالى؟!..

رابعاً: إن هذا الذي ذكره عمر للمتحدثين، من أنهم قد تداولوه في حديثهم ليس من الأسرار التي يُتكتّم عليها من عمر.. فلماذا يسكتون حين مر بهم عمر؟! وما الذي يمنعهم من إخباره بمضمونه؟!

أم أن عمر قد سمع ذلك منهم، ثم تظاهر بعدم السماع، ليؤكد لهم عبقريته في استخراج ما في ضمائرهم؟!

    أم أن الهدف هو إظهار قوة عمر وجرأته حتى على هؤلاء الجماعة الكبار، حتى لو كان علي «عليه السلام» بينهم؟!..

خامساً: كيف اتفق هؤلاء الستة على هذا القول، الذي تكتموا عليه أمام عمر، مع أن أكثرهم كان إلى جانب عمر ومن حزبه، ومن أنصار أبي بكر، ولا سيما عثمان، وعبد الرحمان بن عوف، وكذلك سعد بن أبي وقاص، ثم طلحة..

    كما أن الزبير كان قد أنهى معارضته لهم، ور          ضي بالبيعة لأبي بكر منذ اليوم الأول، وانتهى الأمر.

سادساً: إذا صح كلام عمر لهم حول تبعية العرب لقريش، وأن قريشاً هي التي يخشى على العرب منها، وليس العكس.. فلماذا كان الأمر على عكس ما قاله عمر؟!

ولماذا ارتدت العرب بعد وفاة الرسول؟!

ولماذا منعوا «الزكاة» عن أبي بكر؟!

ولماذا احتاج أبو بكر إلى حربهم؟! حتى إنهم ليدَّعون: أنه خرج بنفسه لمحاربة معارضيه من العرب، مع أنه قرشي..

سابعاً: إن هذا النص يريد أن يتوصل إلى اتهام علي «عليه السلام» بالخيانة، وبقلة الدين، وبأنه طامح وطامع، وبأنه يريد أن يورد الناس الهلكات بسبب أطماعه هذه..

    لأن سائر أهل الجلسة كانوا موافقين لعمر وأبي بكر فيما فعلاه من اغتصاب الخلافة من أهلها، وفي غير ذلك من أمور..


([1]) ستأتي مصادر هذه الرواية.

([2]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص209 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص449 والمستدرك للحاكم ج3 ص78 وكنز العمال ج5 ص657 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص465. وراجع: الكامل في التاريخ ج2 ص325 و 326 والصوارم المهرقة ص281 والغدير ج3 ص254.

([3]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص209 وراجع ص210 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص449 والكامل في التاريخ ج2 ص325 و 326 والغدير ج3 ص253 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج3 ص54.

([4]) الغدير ج3 ص254 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج3 ص57 وعن العقـد الفريـد ج3 ص271 و (ط أخرى) ج2= = ص249 والإرشاد للشيخ المفيد ج1 ص190 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص248 وبحار الأنوار ج22 ص520 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص44 ودلائل الصدق ج2 ص39 وقاموس الرجال ج5 ص117.

([5]) راجع: المصنف للصنعاني ج5 ص451 ومستدرك الحاكم ج3 ص78 عن ابن عساكر، وأبي أحمد الدهقان. وراجع: النزاع والتخاصم ص19 وكنز العمال ج5 ص383 و 385.

([6]) طبقات الشعراء لابن سلام ص38.

([7]) راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص6 وتحف العقول ص185 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص107 ومستدرك الوسائل ج11 ص91 و 93 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج2 ص199 و 201 والغارات للثقفي ج1 ص75 وج2 ص827 والأمالي للمفيد ص176 والأمالي للطوسي ص194 ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج1 ص365 وحلية الأبرار ج2 ص283 و 355 و 357 وبحار الأنوار ج32 ص48 وج34 ص208       وج40 ص321 وج41 ص108 و 122 وج72 ص358 وج75 ص96 وج93 ص165 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص203 وج8 ص109 والإمامة والسياسة لابن قتيبة (تحقيق الزيني) ج1 ص132.

([8]) راجع: مختصر القدوري في الفقه الحنفي ج1 ص164 وبدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني ج2 ص45 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص43 وتفسير السمرقندي ج2 ص68 وتفسير الآلوسي ج10 ص122 وغاية المرام ج6 ص255 والفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد شرف الدين ص88 وكنز العمال ج1 ص315 وفقه السنة لسيد سابق ج1 ص390.

([9]) الآية 29 من سورة الكهف.

([10]) جامع البيان للطبري (ط دار الكتب العلمية سنة 1412 هـ) ج6 ص400 و (ط دار الفكر سنة 1415هـ) ج10 ص209 ونصب الراية للزيلعي ج2 ص476 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج1 ص265 وتفسير الثعلبي ج5 ص60.

([11]) صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص82 وصحيح مسلم ج5 ص154 وشرح أصول الكافي ج7 ص218 والصوارم المهرقة ص71 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص413 وشرح مسلم للنووي ج12 ص77 وفتح الباري ج7 ص378 وعمدة القاري ج17 ص258 وصحيح ابن حبان ج14 ص573 ونصب الراية للزيلعي ج2 ص360 والبداية والنهاية ج5 ص307 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص568 والإكمال في أسماء الرجال ص168.

([12]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص387 و388 و(ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص586 والمستدرك للحاكم ج3 ص249 وأعيان الشيعة ج6 ص291 وراجع: تاريخ = = مدينة دمشق ج16 ص78 والوافي بالوفيات للصفدي ج17 ص167 والإستيعاب ج3 ص976 وغاية المرام ج6 ص130.

([13]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص388 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص586 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص78 وأعيان الشيعة ج6 ص292.

([14]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص391 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص589 والطبقات الكبرى لابن سعد ج7 ص396 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص240 وأسد الغابة ج4 ص295 والإصابة ج5 ص561 والغدير ج7 ص155 و 158 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص5 والعثمانية للجاحظ ص86 و 248 وفتوح البلدان ج1 ص116 والكامل في التاريخ ج2 ص359 والوافي بالوفيات للصفدي ج13 ص162 والبداية والنهاية ج6 ص354 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص74 وإمتاع الأسماع ج14 ص239.

([15]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص391 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص589.

([16]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص392 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص590.

([17]) الإحتجاج للطبرسي ج1 ص190.

([18]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص258 و 259 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص448 والكامل في التاريخ ج2 ص353 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص211.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان