2-
علي
يشير في أمر نهاوند:
قال في نهج البلاغة:
«ومن كلام له «عليه السلام» لعمر بن الخطاب، وقد
استشاره في غزو الفرس بنفسه»:
«إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة،
وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعدّه وأمدّه. حتى بلغ ما بلغ،
وطلع حيثما طلع.
ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده.
ومكان القيم بالأمر مكان النظام من
الخرز،
يجمعه ويضمه، فإذا انقطع النظام تفرق الخرز، وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره
أبداً..
والعرب اليوم، وإن كانوا قليلاً، فهم كثيرون بالإسلام،
عزيزون بالإجتماع، فكن قطباً، واستدر الرحى بالعرب، وأَصْلِهم دونك نار
الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها
وأقطارها. حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك.
إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً
يقولوا:
هذا أصل العرب، فإذا قطعتموه (اقتطعموه) استرحتم، فيكـون ذلك أشـد
لكَلَبهم عليـك، وطمعهم فيك.
وأما ما ذكرت من عددهم، فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى
بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة»([1]).
وهذا النص مذكور في سائر المصادر مع بعض اختلاف، وتقديم
وتأخير.
ونحن نذكر هنا تفصيل القصة حسب نص ابن أعثم والطبري،
فنقول:
ذكر ابن أعثم رسالة عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب،
التي يخبره فيها بأمر الفرس، وتجمعهم عليهم من كل حدب وصوب، وقال: «قد
تعاهدوا، وتعاقدوا، وتحالفوا، وتكاتبوا، وتواصلوا، وتواثقوا على أنهم
يخرجوننا من أرضنا، ويأتونكم من بعدنا»..
إلى أن قال:
«فإني أخبرك يا أمير المؤمنين أنهم قد قتلوا كل من كان
منا في مدنهم، وقد تقاربوا مما كنا فتحناه من أرضهم، وقد عزموا أن
يقصدوا المدائن، ويصيروا منها إلى الكوفة.
وقد ـ والله ـ هالنا ذلك، وما أتانا من أمرهم وخبرهم،
وكتبت هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين ليكون هو الذي يرشدنا، وعلى الأمور
يدلنا».
إلى أن قال:
«فلما ورد الكتاب على عمر بن الخطاب، وقرأه وفهم ما فيه، وقعت عليه
الرعدة، والنفضة حتى سمع المسلمون أطيط أضراسه.
ثم قام عن موضعه حتى دخل المسجد،
وجعل ينادي:
أين المهاجرون والأنصار؟!
ألا فاجتمعوا رحمكم الله، وأعينوني أعانكم الله.
قال:
فأقبل إليه الناس من كل جانب، حتى إذا علم أن الناس قد اجتمعوا
وتكاملوا في المسجد، وثب إلى منبر رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
فاستوى عليه قائماً، وإنه ليرعد من شدة غضبه على الفرس، فحمد الله عز
وجل، وأثنى عليه، وصلى على نبيه محمد «صلى الله عليه وآله»، ثم قال:
أيها الناس! هذا يوم غم وحزن، فاستمعوا ما ورد علي من
العراق.
فقالوا:
وما ذاك يا أمير المؤمنين؟
فقال:
إن الفرس أمم مختلفة أسماؤها، وملوكها، وأهواؤها. وقد نفخهم الشيطان
نفخة، فتحزبوا علينا، وقتلوا من في أرضهم من رجالنا.
وهذا كتاب عمار بن ياسر من الكوفة يخبرني بأنهم قد
اجتمعوا بأرض نهاوند في خمسين ومائة ألف. وقد سربوا عسكرهم إلى حلوان،
وخانقين وجلولاء، وليست لهم همة إلا المدائن والكوفة، ولئن وصلوا إلى
ذلك فإنها بلية على الاسلام، وثلمة لا تسد أبدا، وهذا يوم له ما بعده
من الأيام.
فالله الله يا معشر المسلمين! أشيروا علي رحمكم الله،
فإني قد رأيت رأياً، غير أني أحب أن لا أقدم عليه إلا بمشورة منكم،
لأنكم شركائي في المحبوب والمكروه.
قال:
وكان أول من وثب على عمر بن الخطاب، وتكلم طلحة بن عبيد الله فقال: يا
أمير المؤمنين! إنك بحمد الله رجل قد حنكته الدهور، وأحكمته الأمور،
وراضته التجارب في جميع المقانب، فلم ينكشف لك رأي إلا عن رضى، وأنت
مبارك الامر ميمون النقيبة، فنفذنا ننفذ، واحملنا نركب، وادعنا نجب.
قال:
ثم وثب الزبير بن العوام فقال: يا أمير المؤمنين! إن الله تبارك وتعالى
قد جعلك عزا للدين، وكهفا للمسلمين، فليس منا أحد له مثل فضائلك، ولا
مثل مناقبك، إلا من كان من قبلك، فمد الله في عمرك لامة نبيك محمد «صلى
الله عليه وآله»!
وبعد، فأنت بالمشورة أبصر من كل من في المسجد، فاعمل
برأيك، فرأيك أفضل، ومرنا بأمرك فها نحن بين يديك.
فقال عمر:
أريد غير هذين الرأيين.
قال:
فوثب عبد الرحمن بن عوف الزهري فقال: يا أمير المؤمنين! إن كل متكلم
يتكلم برأيه، ورأيك أفضل من رأينا، لما قد فضلك الله عز وجل علينا،
وأجرى على يديك من موعود ربنا، فاعمل برأيك واعتمد على خالقك، وتوكل
على رازقك. وسر إلى أعداء الله بنفسك. ونحن معك، فإن الله عز وجل ناصرك
بعزه وسلطانه، كما عودك من فضله وإحسانه.
فقال عمر:
أريد غير هذا الرأي.
فتكلم عثمان بن عفان، فقال:
يا أمير المؤمنين! إنك قد علمت وعلمنا أنا كنا بأجمعنا على شفا حفرة من
النار فأنقذنا الله منها بنبيه محمد «صلى الله عليه وآله»، وقد اختارك
لنا خليفة نبينا محمد «صلى الله عليه وآله» وقد رضيك الأخيار، وخافك
الكفار، ونفر عنك الأشرار.
وأنا أشير عليك أن تسير أنت بنفسك إلى هؤلاء الفجار،
بجميع من معك من المهاجرين والأنصار، فتحصد شوكتهم، وتستأصل جرثومتهم.
فقال عمر:
وكيف أسير أنا بنفسي إلى عدوي، وليس بالمدينة خيل ولا رجل، فإنما هم
متفرقون في جميع الأمصار.
فقال عثمان:
صدقت يا أمير المؤمنين! ولكني أرى أن تكتب إلى أهل الشام، فيقبلوا عليك
من شامهم، وإلى أهل اليمن فيقبلوا إليك من يمنهم، ثم تسير بأهل
الحرمين: مكة والمدينة إلى أهل المصرين: البصرة والكوفة، فتكون في جمع
كثير، وجيش كبير، فتلقى عدوك بالحد والحديد، والخيل والجنود.
قال:
فقال عمر: هذا أيضا رأي ليس يأخذ بالقلب، أريد غير هذا الرأي.
قال:
فسكت الناس.
والتفت عمر إلى علي «عليه السلام»
فقال:
يا أبا الحسن! لم لا تشير بشيء كما أشار غيرك؟!
قال:
فقال علي «عليه السلام»: يا أمير المؤمنين! إنك قد علمت أن الله تبارك
وتعالى بعث نبيه محمدا «صلى الله عليه وآله»، وليس معه ثان، ولا له في
الأرض من ناصر، ولا له من عدوه مانع، ثم لطف تبارك وتعالى بحوله وقوته
وطوله، فجعل له أعوانا أعز بهم دينه، وشد أزره، وشيد بهم أمره، وقصم
بهم كل جبار عنيد، وشيطان مريد. وأرى موازريه وناصريه من الفتوح
والظهور على الأعداء ما دام به سرورهم، وقرت به أعينهم.
وقد تكفل الله تبارك وتعالى لأهل هذا الدين بالنصر،
والظفر، والاعزاز. والذي نصرهم مع نبيهم وهم قليلون، هو الذي ينصرهم
اليوم إذ هم كثيرون.
وبعد، فإنك أفضل أصحابك رأيا، وأيمنهم نقيبة، وقد
حمَّلك الله عز وجل أمر رعيتك، فهو الذي يوفقك للصواب، ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فأبشر بنصر الله عز وجل الذي
وعدك، وكن على ثقة من ربك، فإنه لا يخلف الميعاد.
وبعد فقد رأيت قوما أشاروا عليك بمشورة بعد مشورة فلم
تقبل ذلك منهم، ولم يأخذ بقلبك شيء مما أشاروا به عليك، لان كل مشير
إنما يشير بما يدركه عقله.
وعلمك يا أمير المؤمنين، إن كتبت إلى الشام أن
يُقْبِلوا إليك من شامهم لم تأمن من أن يأتي هرقل في جميع النصرانية،
فيغير على بلادهم، ويهدم مساجدهم، ويقتل رجالهم، ويأخذ أموالهم، ويسبي
نساءهم وذريتهم.
وإن كتبت إلى أهل اليمن أن يقبلوا من يمنهم، أغارت
الحبشة أيضا على ديارهم ونسائهم، وأموالهم، وأولادهم.
وإن سرت بنفسك مع أهل مكة والمدينة إلى أهل البصرة
والكوفة، ثم قصدت بهم قصد عدوك، انتقضت عليك الأرض من أقطارها
وأطرافها، حتى إنك تريد بأن يكون من خلفته وراءك أهم إليك مما تريد أن
تقصده. ولا يكون للمسلمين كانفة تكنفهم، ولا كهف يلجؤون إليه، وليس
بعدك مرجع ولا موئل، إذ كنت أنت الغاية والمفزع والملجأ.
فأقم بالمدينة ولا تبرحها، فإنه أهيب لك في عدوك، وأرعب
لقلوبهم، فإنك متى غزوت الأعاجم بنفسك يقول بعضهم لبعض: إن ملك العرب
قد غزانا بنفسه، لقلة أتباعه وأنصاره، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وعلى
المسلمين، فأقم بمكانك الذي أنت فيه، وابعث من يكفيك هذا الامر
والسلام.
قال:
فقال عمر: يا أبا الحسن! فما الحيلة في ذلك، وقد اجتمعت الأعاجم عن
بكرة أبيها بنهاوند في خمسين ومائة ألف، يريدون استئصال المسلمين؟!
قال:
فقال له علي بن أبي طالب «عليه السلام»: الحيلة أن تبعث إليهم رجلا
مجربا، قد عرفته بالبأس والشدة، فإنك أبصر بجندك، وأعرف برجالك، واستعن
بالله، وتوكل عليه، واستنصره للمسلمين، فإن استنصاره لهم خير من فئة
عظيمة تمدهم بها، فإن أظفر الله المسلمين فذلك الذي تحب وتريد، وإن يكن
الأخرى ـ وأعوذ بالله من ذلك ـ أن تكون ردءا للمسلمين وكهفا يلجؤون
إليه، وفئة ينحازون إليها.
قال:
فقال له عمر: نعم ما قلت يا أبا الحسن! ولكني أحببت أن يكون أهل البصرة
وأهل الكوفة هم الذين يتولون حرب هؤلاء الأعاجم، فإنهم قد ذاقوا حربهم،
وجربوهم، ومارسوهم في غير موطن.
فقال له علي «عليه السلام»:
إن أحببت ذلك فاكتب إلى أهل البصرة أن يفترقوا على ثلاث فرق:
فرقة تقيم في ديارهم، فيكونوا حرسا لهم، يدفعون عن
حريمهم.
والفرقة الثانية يقيمون في المساجد، يعمرونها بالاذان
والصلاة، لكيلا يعطل الصلاة، ويأخذون الجزية من أهل العهد، لكيلا
ينتقضوا عليك.
والفرقة الثالثة يسيرون إلى إخوانهم من أهل الكوفة.
ويصنع أهل الكوفة أيضا كصنع أهل البصرة.
ثم يجتمعون ويسيرون إلى عدوهم، فإن الله عز وجل ناصرهم
عليهم، ومظفرهم بهم، فثق بالله ولا تيأس من روح الله، إنه لا ييأس من
روح الله، إلا القوم الكافرون.
قال:
فلما سمع عمر مقالة علي «عليه السلام»، ومشورته أقبل على الناس وقال:
ويحكم! عجزتم كلكم عن آخركم أن تقولوا كما قال أبو
الحسن، والله! لقد كان رأيه رأيي الذي رأيته في نفسي.
ثم أقبل عليه عمر بن الخطاب فقال:
يا أبا الحسن! فأشر علي الآن برجل ترتضيه ويرتضيه المسلمون أجعله
أميرا، وأستكفيه من هؤلاء الفرس.
فقال علي «عليه السلام»:
قد أصبته.
قال عمر:
ومن هو؟!
قال:
النعمان بن مقرَّن المزني.
فقال عمر وجميع المسلمين:
أصبت يا أبا الحسن! وما لها من سواه([2]).
ثم ذكر أن عمر كتب إلى النعمان بن مقرن المزني يوليه
ذلك وفق ما أشار علي «عليه السلام» به عليه.
وذكر الطبري أن عمر قال للصحابة:
أفمن الرأي أن أسير فيمن قبلي، ومن قدرت عليه، حتى أنزل
منزلا واسطا بين هذين المصرين، فأستنفرهم، ثم أكون لهم ردءاً حتى يفتح
الله عليهم، ويقضى ما أحب، فإن فتح الله عليهم أن أضربهم عليهم في
بلادهم، وليتنازعوا ملكهم؟!.
فقام عثمان بن عفان وطلحة بن عبد الله (عبيد الله)،
والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي من أصحاب
رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
فتكلموا كلاماً، فقالوا: لا نرى ذلك. ولكن لا يغيبن عنهم رأيك وأثرك.
وقالوا:
بإزائهم وجوه العرب، وفرسانهم وأعلامهم. ومن قد فض جموعهم، وقتل
ملوكهم، وباشر من حروبهم ما هو أعظم من هذه. وإنما استأذنوك ولم
يستصرخوك، فأذن لهم، واندب إليهم، وادع لهم.
وكان الذي ينتقد له الرأي إذا عرض عليه العباس رضي الله
عنه.
(كتب إلي السري) عن شعيب، عن سيف، عن حمزة عن أبي حمزة،
عن أبي طعمة، قال:
فقام علي بن أبي طالب «عليه السلام»
فقال:
أصاب القوم يا أمير المؤمنين الرأي، وفهموا ما كُتِب به إليك، وإن هذا
الامر لم يكن نصره ولا خذلانه لكثرة ولا قلة، وإنما هو دينه الذي أظهر،
وجنده الذي أعز، وأيده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ، فنحن على موعود من
الله، والله منجز وعده، وناصر جنده. ومكانك منهم مكان النظام من الخرز،
يجمعه ويمسكه، فإن انحل تفرق ما فيه وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا..
والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثير عزيز بالاسلام،
فأقم، واكتب إلى أهل الكوفة، فهم أعلام العرب ورؤساؤهم، ومن لم يحفل
بمن هو أجمع وأحد وأجد من هؤلاء، فليأتهم الثلثان، وليقم الثلث.
واكتب إلى أهل البصرة أن يمدوهم ببعض من عندهم.
فسر عمر بحسن رأيهم، وأعجبه ذلك منهم، وقام سعد فقال:
يا أمير المؤمنين، خفض عليك فإنهم إنما جمعوا لنقمة.
(كتب إلي السري) عن شعيب، عن سيف، عن أبي بكر الهذلي
قال: لما أخبرهم عمر الخبر، واستشارهم وقال: أوجزوا في القول، ولا
تطيلوا، فتفشغ بكم الأمور. واعلموا أن هذا يوم له ما بعده من الأيام،
تكلموا.
فقام طلحة ابن عبيد الله. (فأعرب عن انقياده لما يقرره
عمر، وأن عمر هو صاحب الرأي).
فعاد عمر فقال:
إن هذا يوم له ما بعده من الأيام، فتكلموا، فقام عثمان ابن عفان فتشهد
وقال: أرى يا أمير المؤمنين أن تكتب إلى أهل الشام فيسيروا من شامهم،
وتكتب إلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم، ثم تسير أنت بأهل هذين الحرمين
إلى المصرين الكوفة والبصرة، فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين، فإنك
إذا سرت بمن معك وعندك، قل في نفسك ما قد تكاثر من عدد القوم، وكنت أعز
عزا، وأكثر.
يا أمير المؤمنين، إنك لا تستبقي من نفسك بعد العرب
باقية، ولا تمتنع من الدنيا بعزيز، ولا تلوذ منها بحريز. إن هذا اليوم
له ما بعده من الأيام، فاشهده برأيك وأعوانك، ولا تغب عنه. ثم جلس.
(وفي
الأخبار الطوال:
فقال المسلمون من كل ناحية: صدق عثمان.
فقال عمر لعلي «عليه السلام»:
ما تقول؟! ما تقول أنت يا أبا الحسن؟!
فقال:
إنك إن الخ..)([3]).
وعند الطبري في نص آخر:
فعاد عمر فقال: إن هذا يوم له ما بعده من الأيام،
فتكلموا.
فقام علي بن أبي طالب فقال:
أما بعد يا أمير المؤمنين، فإنك إن أشخصت أهل الشأم من شأمهم، سارت
الروم إلى ذراريهم وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى
ذراريهم.
(زاد
في نص آخر قوله:
وإن أشخصت من بهذين الحرمين، انتقضت العرب عليك من أطرافها حتى يكون)([4])
وإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك الأرض من أطرافها وأقطارها، حتى
يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات.
أقرر هؤلاء في أمصارهم، واكتب إلى أهل البصرة،
فليتفرقوا فيها ثلاث فرق، فلتقم فرقة لهم في حرمهم وذراريهم (حرساً
لهم).
ولتقم فرقة في أهل عهدهم لئلا ينتقضوا عليهم.
ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم.
إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً
قالوا:
هذا أمير العرب، وأصل العرب، فكان ذلك أشد لكلبهم، وألبتهم على نفسك
(وأمدهم من لم يكن يمدهم)([5]).
وأما ما ذكرت من مسير القوم، فإن الله هو أكره لمسيرهم
منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره.
وأما ما ذكرت من عددهم، (في نص آخر: وأما ذكرك كثرة
العجم، ورهبتك من جموعهم)، فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، ولكنا
كنا نقاتل بالنصر.
(وفي
الأخبار الطوال:
اكتب إلى أهل الشام أن يقيم منهم بشامهم الثلثان ويشخص الثلث، وكذلك
إلى عمان، وكذلك سائر الأمصار والكور)([6]).
فقال عمر:
أجل والله، لئن شخصت من البلدة لتنتقضن علي الأرض من أطرافها وأكنافها،
ولئن نظرت إليَّ الأعاجم لا يفارقُنّ العرصة، وليمدنهم من لم يمدهم.
وليقولُنّ: هذا أصل العرب. فإذا اقتطعتموه اقتطعتم أصل العرب([7]).
وفي نص آخر، قال عمر:
أجل، هذا الرأي، وقد كنت أحب أن أتابع عليه([8]).
زاد المفيد قوله:
وجعل يكرر قول أمير المؤمنين وينسقه إعجاباً به، واختياراً له([9]).
ونقول:
إن لنا مع ما تقدم العديد من الوقفات، وهي التالية:
لقد بدا عمر بن الخطاب في هذا المقام مرعوباً خائفاً
متهالكاً مرتعداً، يكاد يموت ويتلاشى من نفحة، يطلقها عليه طفل يلعب. ـ
وإن كان محبوه ـ يحاولون تلطيف العبارات ـ بإستبدال الكلمات ببنات
حالتها فيعبرون أحياناً بكلمة غضب... وما هو ذاك، إنما الضعف المتناهي،
الذي لا بد أن يكون قد ترك أسوأ الآثار على معنويات الناس..
فهل أن يكون هذا هو حاكم المسلمين؟! وهل هذا هو عمر
الذي نعرفه يضرب هذا بدرَّته، ويبادر ذاك بما يوجب إذلاله لمجرد أنه
رآه يلبس ثوباً جديداً، ويطلب من النبي مرات ومرات أن يأذن له بقتل هذا
أو ذاك حين يرى نفسه محمياً ومحصناً، أم أنه شديد في المواضع التي يكون
فيها آمناً.. يحيط المسلمون به، ويمنعون من التعدي عليه، ومن الوصول
إليه. إما إذا دعيت بنزال، ويكون لا بد من الدخول في القتال.. فالفرار
يكون هو الخيار.. على القاعدة:
أسـد عـليّ،
وفي الحـروب نعـامــة نكـراء، تنـفر من صفـير الصافــر
ونحن إن كنا لا نستغرب أن يبالغ الناس في الثناء وكيل
المديح لزعمائهم ولكننا نتوقع أن يبقى ذلك في حدود التصويرات الشاعرية،
والتعابير الأدبية الفضفاضة..
ولا نتوقع ـ ولا سيما ممن يرون لأنفسهم مقاماً رفيعاً
أن يتعمدوا تزوير الحقائق، وخداع الناس..
فإن هذا من شأنه أن يحط من مقام القائل، ويصغره في أعين
الناس.
فلاحظ مدائح طلحة والزبير، وعبد
الرحمان بن عوف لعمر.. حين استشار الناس في المسير إلى حرب الفرس.. فإن
ما ذكروه له من مناقب لا يمكن التسويق له بين الناس،
ونكتفي بذكر فقرتين:
احدهما:
تنسب إلى علي
«عليه
السلام»، وهي تلك التي تزعم أن الله هو الذي إختار لهم عمر للخلافة، مع
أن الذي اختاره هو أبو بكر، ووافقه حزبه ومؤيدوه وفرضوه على أمير
المؤمنين وسائر بني هاشم. وغيرهم من الكبار والخيار وسائر المسلمين وعلي
«عليه السلام» لا يتكلم بما لا واقع له ويلحق بهذه
الفقرة تلك الكلمات التي تقول: إنه أيمن أصحابه نقيبة، وأفضلهم رايا..
إلخ.
الثانية:
تلك الفقرة التي تقول: ان الأخيار من الصحابة قد رضوه خليفة، ولم يكن
الأمر كذلك، بل هو فُرض عليهم من قِبل أبي بكر.
رأينا:
أن النصوص المتقدمة تزعم: أن علياً «عليه السلام» خاطب عمر بـ: «أمير
المؤمنين» عدة مرات.
ونحن نشك في صحة ذلك:
عن أمير المؤمنين «عليه السلام»، وقد أشرنا إلى هذا الأمر في موضع آخر
من هذا الكتاب، فلا حاجة إلى الإعادة.
ذكر المعتزلي:
أنهم اختلفوا في هذا الكلام، هل قيل لعمر ذلك في القادسية، كما ذهب
إليه المدائني. وذلك في السنة الرابعة عشرة؟! أم في غزاة نهاوند، كما
ذكره الطبري؟!([10]).
ويبدو لنا:
أن المدائني لم يقل ذلك، وإنما قال: إن علياً «عليه السلام» أشار على
عمر بأن لا يخرج في القادسية. وسكت عن بيان الموضع الذي قيل فيه هذا
الكلام.
والحقيقة هي:
أن عمر قد استشار المسلمين في كل من القادسية ونهاوند، فأشار «عليه
السلام» على عمر بعدم الخروج في كل منهما.
لكن هذا الكلام قد قيل في مشورة نهاوند، كما صرح به
الطبري، وابن أبي الحديد، وأبو حنيفة الدينوري، وابن أعثم الكوفي..
وقد لا حظنا أن ثمة إصراراً عن المشيرين على عمر
بالمسير لحرب الفرس، رغم أنهم رأوه يرتعد خوفاً ورعباً، بسبب كثرة
حشودهم، وخطورة الصدام معهم.. فهل يمكن أن يعبر موقفهم هذا عن رغبة
جامحة بالتخلص منه، لأنه شديد الوطأ عليهم. وهو يحكمهم بالسيف والسوط
ويريدون أن ينالوا بعض ما حجبه عنهم، وكان عدد منهم يطمح إلى الفوز
بنفس المقام الذي هو فيه، فأنه لا يرونه أكفأ منهم. وإن ذلك الثناء
عليه، والمديح له لم يكن إلا للتوطئة لما يريدون الوصول إليه.. وربما
لو أمكنهم أن ينقلبوا عليه لفعلوا ذلك، تماماً كما جرى لهم مع عثمان.
ونحن إذا تأملنا بواقع هؤلاء الذين شاركوا في انقلاب
السقيفة فسنرى أن ما كان يجمعهم هو مناوأتهم لعلي، والأمل بالوصول إلى
هذا المنصب أو الإنتفاع منه بالمقدار الممكن.
وأما قول علي «عليه السلام» لعمر:
فكن قطباً، واستدر الرحى بالعرب، واصلهم دونك نار الحرب الخ.. فقد أراد
به حكاية ما في خاطر عمر، وإظهار ما يجول في نفسه..
وقد نطق به علي «عليه السلام»، لعلمه بأن عمر كان يريد
أن يجريه على لسان غيره، فكأنه قال له: إني أعرف ما في نفسك، فإنك لست
ذلك الرجل الذي يستطيع أن يقود جيشه بنفسه إلى الحرب، ولعلك إن خرجت
معهم ستكون عبئاً عليهم، وربما تكون سبباً لهزيمتهم، لا سيما وان حزنك
ورعبك منهم وهم في بلادهم قد ظهرت آثاره بهذا الحد الذي رأيناه، فكيف
إذا أصبح عندهم وفي متناول أيديهم وأسيافهم.
فالأولى هو أن تصليهم نار الحرب دونك.
أما رأي أولئك الذين أشاروا على عمر بالخروج إلى الحرب،
فلعله كان أسوأ ما سمعه، ولعله أوجب زيادة غمه واشتداد حزنه.
وبمراجعة النص المتقدم يظهر للعيان:
أن علياً «عليه السلام» قد رد رأي عثمان، وفنده بصورة أظهرت مدى فساده،
وأن عمر لو عمل بمشور ة عثمان، لوقع الإسلام والمسلمون في شرٍّ عظيم،
وخطر جسيم.
وقد لوحظ ما يلي:
1 ـ
أن عثمان ركز على أن مسير عمر إلى العجم في هذا اليوم المفصلي،
والتاريخي، يكسبه عزاً وشهرةً ومقاماً في المستقبل..
ولكنه نسي
أن مسيره يحمل معه احتمالات من شأنها لو حصلت أن تقوض كل عزة، وأن تحيل
الشهرة بالنصر إلى الشهرة بالهزيمة، وربما إلى الشهرة بما هو أضر وأشر،
وأدهى وأمر.
2 ـ
إن عثمان قد اعتبر الكثرة هي سبب النصر، فلو أن عمر أخذ برأيه لتكرر ما
جرى في حنين، حيث ظن المسلمون أنهم لن يغلبوا، وقال أبو بكر: لن نُغلب
اليوم من قلة، فلما التقوا لم يلبثوا أن انهزموا. ولولا سيف علي «عليه
السلام» لكانت الكارثة، ولقتل النبي «صلى الله عليه وآله».
وقد أنزل الله تعالى بذلك قرآنا يتلى إلى يوم القيامة:
{وَيَوْمَ
حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ
شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ
وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى
رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ}([11])..
ولكن مشورة علي «عليه السلام» الصائبة على عمر بن
الخطاب هنا قد أعادت الأمور إلى نصابها.
ومنطق علي «عليه السلام» هو منطق القرآن القائم على
أساس: {كَمْ
مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ}([12]).
لقد تشابهت الأحداث هنا مع ما سبق، فقد تقدم ما يشبه
هذه القصة حين استشارهم عمر في أمر القادسية، فخرج عمر بالناس إلى صرار،
واستخلف علياً «عليه السلام» على المدينة حسب زعمهم.
ثم استشار الناس، فأشاروا عليه بالمسير إلى حرب الفرس،
فأظهر لهم موافقته، ثم استشار ذوي الرأي، فأشاروا عليه بالبقاء، وإرسال
شخص آخر، ثم يمده هو بالرجال..
وربما يكون السبب في تكرر الحدث هو
أن عمر ظن أن الظروف قد اختلفت، وأنه لا بد من البحث عن آلية جديدة
ليواجه بها الخطر الآتي من جهة الشرق. فوجد هذه الآلية فيما قدمه «عليه
السلام» من حلول صحيحة ودقيقة..
إن رواياتهم حول حرب القادسية تظهر:
أن المشيرين على عمر بعدم المسير بنفسه إلى حرب الأعداء كثيرون، مع أن
من البديهيات التاريخية: أن الذي أشار بذلك هو علي «عليه السلام»..
ولذلك نقول:
أولاً:
هل يريدون إظهار أن علياً «عليه السلام» لا يمتاز على من سواه في إطلاق
هذه المشورة؟!
ثانياً:
إنه إذا كان الأمر بهذا الوضوح لذوي الرأي، فلماذا لم يظهر هذا الرأي
لعمر بن الخطاب نفسه، ولم يبادر للأخذ به بمجرد طرحه عليه، ولماذا بقي
متوقفاً فيه حتى مع كثرة المشيرين به عليه قبل أن يتكلم علي «عليه
السلام»؟! لا سيما وهم الذين يبالغون في حنكة عمر السياسية والإدارية؟!
إلا إن كان المقصود هو استدراج الناس للجهر بآرائهم..
وقد نسبت الرواية عند ابن أعثم، وعند الطبري، وغيره
الكثير من الكلام لعلي «عليه السلام»، وطلحة والزبير، وابن عوف وعثمان
في تمجيد رأي عمر في حصافته وصحته، وعمقه، وصوابيته.
ثالثاً:
إذا كان هذا الأمر قد حصل في حرب القادسية، فلماذا لم يخطر هذا الرأي
على بال أحد منهم؟!
ولنفترض:
أنهم قد استفادوا في قصة المسير إلى نهاوند من مشورة علي «عليه السلام»
يوم القادسية. فأشاروا بنفس الرأي لتشابه الأمور بنظرهم في الموردين..
فيجاب:
بالنقض عليهم بعمر بن الخطاب نفسه، فإن الأمر إن كان بهذا الوضوح لم
يكن معنى لعودة عمر للإستشارة في هذه المرة أيضاً؟! ألم يكن الرأي
الصواب قد ظهر لكل أحد من المرة الأولى؟!..
إلا
إن كان هؤلاء يقولون:
إن عمر أراد باستشارته هذه أن يجد العذر في التخلف، دون أن يظن به أحد
أنه يتحاشى الحضور في ساحات الحرب والقتال؟!
والظاهر:
أن المشيرين عليه كانوا يشيرون عليه بالمسير، فتوقف عن الأخذ برأيهم،
حتى سمع مشورة علي «عليه السلام» بالمكوث فتلقفها بلهفة، حيث وافقت
هواه.
وقد لفت نظرنا هنا حديثه «عليه السلام» عن القيّم بأمور
المسلمين من نواح مختلفة..
إحداها:
أنه «عليه السلام» لم يقل لعمر: أنت القيّم بأمور المسلمين.. بل هو
تحدث عن الموضوع بنحو القضية الحقيقية، التي يراد منها إثبات الحكم أو
المحمول لطبيعي الموضوع، بغض النظر عن الواقع الخارجي والعملي، إن كان
يوجد موضوع أو لا يوجد، ولذلك قال: «ومكان القيم بالأمر مكان النظام من
الخرز، يجمعه ويضمه إلخ..».
وهذا يدل على أنه «عليه السلام» كان يخشى على الأمة أن
يتداعى نظامها، بسبب كثرة المنافقين والمتربصين..
الثانية:
إنه «عليه السلام» لم يصرح بكلمة «خلافة» أو «إمامة» كما لم يشر إلى
المسلمين، ولا إلى الدين، ربما لكي لا يفهم أحد أن لهذا الحاكم الفعلي
أدنى قيمومة على الناس، أو أي دور قد انجزه فعلاً في حفظ الدين.
الثالثة:
إنه لم يقل: ومكان الحاكم، أو الخليفة، أو الملك أو السلطان، حتى لا
يفهم منه أنه تقرير لإضافة هذه المناصب إلى شخص بعينه أيضاً. فيفهم منه
الإقرار له بمقام ديني، (كمقام الإمامة أو الخلافة للرسول) أو دنيوي
يفهم منه الأهلية للسلطان، والملك، والحاكمية.
بل جاء بتعبير توصيفي غائم، لا يعطي لأحد حقاً في
خلافة، ولا في ملك، ولا في ولاية على أحد، ولا في قيمومة على أي كان من
الناس..
إنه «عليه السلام» تحدث عن قيم بالأمر، لا عن قيِّمٍ
على الناس، والقيم بالأمر يستبطن الحديث عن عبءٍ يفترض فيه أن يحمله
ويقوم به، سواء أكان تعرضه لحمله مشروعاً، أو على سبيل الإدعاء
والإستئثار، والمزاحمة لصاحب الحق.
وغني عن البيان أن أمير المؤمنين «عليه السلام»، قد حدد
مقومات النصر الإلهي لأهل الإيمان بمعنى أن يصبح التدخل الإلهي لتحقيق
النصر أمراً حتمياً بأمور ثلاثة:
الأول:
وجود العنصر البشري، ليقابل عنصراً بشرياً آخر.
الثاني:
الإلتزام بالإسلام، ولم يقل: بالدين، لكي لا يفهم أن الإلتزام بأي دين
يمكن أن يكون له نفس هذا المستوى من التأثير.
الثالث:
عنصر الإجتماع والتناصر والتعاضد، ووحدة النظرة والهدف، والسعي، وعدم
التفرق والتشتت والتمزق. والقائد هو العنصر الأهم في جمع الناس،
وتوجيههم، وتبلور عنصر القوة فيهم، فإنه كنظام الخرز، حسبما أوضحه
«عليه السلام».
لقد جعل علي أمير المؤمنين «عليه السلام» المانع الأعظم
أمام مسير عمر بن الخطاب لحرب الفرس هو الأمور التالية:
الأول:
انه بنظر الناس هو الناظم والجامع للناس.
الثاني:
أن العدو إذا عرف بوجود عمر، فسيزيده ذلك حرصاً على حسم الحرب لصالحه،
من خلال سعيه لتسديد ضرباته لإسقاط هذا الناظم، وقد يستفيد من اساليب
مختلفة، أخرى غير ما يجري في ساحات القتال..
الثالث:
أن خروجه في هذا الوجه سوف يفسح المجال لانتقاض الداخل عليه، وسيؤدي
إلى انفراط النظام، حتى لو لم يتمكن العدو نفسه من القيام بهذا الأمر..
وبذلك يكون الخطر مضاعفاً، وغير قابل للمعالجة، ولا يصح
تعريض الإسلام والمسلمين لمثله، في جميع الأحوال..
الرابع:
وهو السبب الأهم الذي لم يكن مجال للتصريح به، هو: أن حضور عمر قد يكون
سبباً في وقوع الهزيمة على المسلمين. فقد انهزم في أحد، وفي حنين، وفي
قريظة.
تقدم تصريح أمير المؤمنين «عليه
السلام»:
بأنه إن ذهب عمر من هذه الأرض ـ يعني المدينة ـ انتقضت العرب عليه من
أطرافها وأقطارها.. حتى يكون ما يدع وراءه من العورات أهم إليه من حرب
الفرس.
والسؤال هو:
لماذا ينتقض عليه العرب يا ترى؟! أليس عكس ذلك هو الأولى والأجدر بهم؟!
وقد يمكن لنا أن نجيب بما يلي:
إن العرب كانوا حديثي عهد بهذا الدين، ولم يكن الكثيرون
منهم يعرفون منه وعنه إلا أقل القليل، وهم لم يعيشوه بعد في بُعدِه
الروحي والأخلاقي. ولم تتعمق مفردات الإيمان في قلوبهم وعقولهم، ولم
يتمازج مع نفوسهم، ومشاعرهم، وأرواحهم. ولم يذوقوا حلاوته في معانيه
وقيمه الإنسانية، ولا وعوا ولا ألفوا الكثير من أحكامه وتعاليمه.. وإن
كانوا قد مارسوا بعض العبادات بصورة ظاهرية ومحدودة فترة وجيزة، خلال
سنوات يسيرة..
كما أنهم لم يكونوا قد استفادوا منه دنيوياً إلا القليل
الذي لم يكن كافياً لإثارة اهتمامهم به، وبحفظه وصيانته من العوادي
والأخطار..
بل لعل بعض الممارسات الخاطئة والسياسات العنيفة التي
عانوا منها بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، قد أضرت بمستوى
تعلقهم به، وحرصهم عليه. وجعلتهم يميلون للتخلص منه، ومن الحكام الذين
يحكمون بإسمه..
وربما يشجع العرب على ذلك:
أنهم عاشوا أكثر حياتهم بلا قيود، ولا حدود، ولا ضوابط، أو روابط،
فلماذا لا يعودون إلى سابق عهدهم، فإن الحنين إلى حياة الإنفلات من أي
قيد، والتنكر لكل نظام لم يغادر قلوبهم بعد..
يضاف إلى ذلك:
أن التمرد الذي جرى بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وسياساتهم في
الأموال والمناصب قد فتح شهية الكثيرين من طلاب اللبانات إلى تحيّن
الفرص للانقضاض على ما يعتبرونه فريسة لهم.
وفي رواية سيف:
أن عمر هو الذي اقترح إرسال النعمان بن مقرِّن المزني إلى حرب الفرس في
نهاوند([13]).
لكن ابن أعثم يصرح:
بأن علياً «عليه السلام» هو المشير عليه بالنعمان بن مقرِّن، وقد تقدم
ذلك([14]).
وربما يقال:
إن رواية سيف قد حذفت المقطع الذي أشار فيه علي بتولية النعمان، واكتفت
بالمقطع الذي يذكر أن عمر استشار المسلمين في ذلك، فلا مانع من أن يكون
استشار علياً «عليه السلام»، فأشار عليه، ثم استشار المسلمين، فلما لم
يشيروا عليه برجل بعينه أعلن لهم إسم النعمان ناسباً اقتراحه إلى
نفسه..
وإن كنا نظن أن سيفاً قد حرف الرواية، ليبعد الأمر عن
علي «عليه السلام»..
أما ادِّعاء وجود مشورتين عامتين، لأجل تصحيح كلام سيف،
فلا يؤيده سياق رواية ابن أعثم.
وبعد..
فقد يتساءل البعض عن موقع شيعة علي «عليه السلام»، وأثرهم في الفتوحات،
ونسارع هنا إلى القول: بأن من يتتبع الروايات يمكن أن يفهم: أن الذين
أخرجوا جيش المسلمين في القادسية من الحرج الذي يواجههم، هم عظماء شيعة
علي «عليه السلام».
فقد كان داعية ورائد جيش القادسية سلمان الفارسي «رحمه
الله»([15])،
وكان هاشم بن عتبة (المرقال) على جند العراق، فإنهم بعد أن انتهوا من
فتح دمشق ضربوا نحو سعد، «وأصحاب هاشم عشرة آلاف إلا من أصيب منهم،
فأتموهم بأناس ممن لم يكونوا منهم، ومنهم قيس والأشتر»([16]).
وكان هاشم المرقال على مقدمة سعد بن أبي وقاص([17])،
بل إن شدة الحرج التي كان فيها المسلمون في حروب الفرس قد ألجأتهم إلى
طلب المعونة، فأعانوهم بعشرة آلاف مقاتل كانوا يقاتلون في بلاد الشام،
ويحققون أعظم الإنجازات، وألحقوهم بجيش المسلمين في بلاد فارس. وشاركوا
في فتوح القادسية ونهاوند..
وكان حذيفة في نهاوند هو القائد الأول الذي جاء النصر
على يديه([18])،
ولا يجهل أحد مكانة حذيفة عند علي «عليه السلام».
ولعل من المفيد الإشارة أيضاً إلى ما يلي:
1 ـ
لعله «عليه السلام» يشير هنا بقوله «أمدّه» إلى إمداد الله تعالى
المسلمين بالملائكة، في بعض المواطن.
قال تعالى:
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ
المَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ}
الآيات([19]).
وقال:
{إِذْ تَقُولُ
لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ
بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ، بَلَى إِنْ
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا
يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ
مُسَوِّمِينَ}([20]).
2 ـ
إنه «عليه السلام» يقرر: أن الإعداد أيضاً كان من الله تبارك وتعالى،
ولعل المقصود هو أن هذا الجند إنما استفاد قوة، وعزماً وتصميماً بما
هيأه الله له من هداية، ورعاية، وتربية استفادوها من رسول الله «صلى
الله عليه وآله» مباشرة، أو من صحبه الذين نقلوا لهم سيرته وسنته
وكلامه..
وكذلك بما هيأه الله لهم من فوائد وعوائد، بسبب رعايتهم
أحكام دينه، والتزامهم وأدائهم ـ ولو بصورة جزئية ـ فروض عبادته.
وقد يكون فيهم بعض أهل الصلاح والتقوى، الذين ببركتهم
يرزقهم الله الثبات والقوة، والعزيمة في ميادين القتال والجهاد..
3 ـ
على أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد دعا الله تبارك وتعالى في بدر
وقال: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد، وإن شئت أن لا تعبد لا
تعبد». فإذا كانت الحرب مصيرية، فإن علياً «عليه السلام»، وهو الإمام
الحق لا يمكن أن لا يطلب من الله حفظ أهل الإيمان..
وهو يعلم أن الله سبحانه قد أنزل السكينة على المسلمين
في زمن رسول الله وربط على قلوبهم.
4 ـ
وإذا كان هذا الجند هو جند الله، فيفترض فيه أن يسير وفق ما رسمه الله
تعالى، فلا عدوان إلا على الظالمين، ولابد أن يراعي حدوده، ويلتزم
بشرائعه وأحكامه في كل جهات تعامله..
5 ـ
ثم بيّن «عليه السلام»: أن هذا النصر قرار إلهي، وتدبير رباني، من حيث
أنه تعالى وعد بأن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، وقد حسم
هذا الأمر حين قال: نحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر
جنده.
6 ـ
إن كونهم جند الله يعطي: أن ما يحصل لهم من نصر ليس بفضل هذا وذاك، بل
هو بفضل الله تعالى وحده، فلا معنى لسرقة النصر وتجييره إلى فئة
بعينها، ولا من العدل نسبة الفتوح إلى آراء الولاة، وحسن تدبير
العاملين فيها، كما تفعله قريش، فقد قال «عليه السلام» في كلام آخر له
عن قريش:
«ثم فتح الله عليها الفتوح، فأثرت بعد الفاقة، وتموّلت
بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا، وثبت في
قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا. وقالت: لولا أنه حق لما كان
كذا.
ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبير
الأمراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم، وخمول آخرين إلخ..»([21]).
ويرد هنا سؤال:
وهو أن من الواضح:
أن الكثير من الممارسات التي حصلت في الفتوحات لم يكن مرضية من الناحية
الشرعية، والإنسانية.. فهل يتحمل علي «عليه السلام» مسؤوليتها؟!
فإن المفروض:
أن علياً «عليه السلام» وشيعته كانت لهم اليد الطولى في الفتوحات، إن
لم نقل إن إنجاز ما هو أساسي منها قد تم على أيديهم، وتدبيرهم،
ومشاركتهم القوية والعميقة فيه..
ونجيب:
إن هناك فرقاً كبيراً بين انجاز الفتح الكبير الذي اريد
به تحصين أهل الإسلام من عدوان تلك الدولة القوية والخطرة على كل
وجودهم.. فكان لا بد لحفظ الإسلام وأهله من ضرب تلك القوة التي يمكن أن
تتركهم وشأنهم، مع حالة الحرب التي تفرض نفسها على المحيط كله.
أما الممارسات الخاطئة فهي اما حدثت في حروب صغيرة كان
يخوضها آخرون هنا وهناك.. أو أنها حصلت في دائرة الممارسات التي ظهرت
بعد حصول الفتح، وأمسك الآخرون من أدوات الحكم بمقاليد الأمور.. ولم
يعد لعلي «عليه السلام» وشيعته أي دور.. وربما يكون شطر من هذه
الممارسات الخاطئة، قد حصل من عناصر غير منضبطة ولا مسؤولة. أو حصل
بعضها أثناء الفتح، من قبل الذين لا يلتزمون بنظام، ولا يطيعون اوامر
قادتهم، تماماً كما فعله خالد بن الوليد ببني جذيمة..
وذكر عثمان في كلامه لعمر:
أن أبا بكر قد اختار لهم عمر بن الخطاب، ورضيه خيار
الصحابة.. مع أن بعض هؤلاء الذين يتزلفون لعمر، ويثنون عليه، لم يرتض
هذا الإختيار، واعترض على أبي بكر فيه..
إلا أن الذي يظهر لنا هو:
أن عثمان كان يعرّض بعلي «عليه السلام»، غامزاً من قناته، ومحرضاً عمر
عليه، معتبراً إياه من غير الخيار من الصحابة، لأنه هو الذي لم يزل
يعلن عدم رضاه بما جرى ويجري، ويعتبره مخالفاً لما قرره الله ورسوله..
وليت شعري إذا كان علي «عليه السلام» من غير الخيار من
الصحابة، فمن هم الخيار منهم عند عثمان يا ترى؟!
هل هم الشجرة الملعونة في القرآن أم هم ابن عامر وابن
كريز ومروان وابن عقبة واضرابهم..
ولعل سياسات عثمان في أيام خلافته
تدلنا على:
أن خيار الصحابة عندهم هم: مروان، والوليد بن عتبة، وعبد الله بن سعد
بن أبي سرح، والحكم بن أبي العاص، وعبد الله بن عامر بن كريز، وأضرابهم..
ممن لعنهم الله ورسوله، وأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بقتلهم أو
بنفيهم.
والغريب في الأمر أن عمر نفسه قد فند مشورة عثمان ـ حسب
نص ابن أعثم ـ حيث بين له: أنه ليس في المدينة خيل ولا رجال يمكن أن
تواجه مئة وخمسين ألف مقاتل..
فحول عثمان مسار المشورة لتصبح باتجاه استدعاء أهل
الشام واليمن، ومكة والمدينة، والكوفة والبصرة، وافراغ البلاد من
الرجال ليواجهوا الفرس..
ولكن ذلك لم يقنع عمر أيضاً، وبقي على تردده.
ثم جاءت مشورة علي «عليه السلام» لتوضح فساد هذا الرأي،
وبوار هذا المنطق كما أوضحناه.
1 ـ
أما ما نقله النص الذي أورده ابن أعثم وقد تضمن مدحاً وثناء من علي
«عليه السلام» على عمر في مشورته، فلا نطمئن إلى صحة نسبته له «عليه
السلام»، ولا نجد له مبرراً لا سيما قوله: «وقد حملك الله أمر رعيتك»،
فإن علياً «عليه السلام» لم يزل يردد في حياته كلها إلى أن استشهد: أن
الخلافة حق له، وقد اغتصب منه ظلماً وعدواناً.. فكيف يقول هنا: إن الله
تعالى حمل عمر أمر الرعية؟!
إلا أن يكون المقصود:
أنه بعد أن أخذ هذا الأمر من صاحبه الشرعي قهراً؛ فإنه يتحمل أمام الله
مسؤولية حفظ الرعية، وحفظ الدين. وأن الله سبحانه سوف يطالبه لو ضيعها
بأمرين:
الأول:
اغتصابه أمراً ليس له..
والثاني:
بتضييعه الرعية، وإيرادها المهالك..
2 ـ
إنه «عليه السلام» قد اعتبر عمر أفضل أصحابه رأياً، وأيمنهم نقيبة،
وهذا يخالف ما نعهده من رأي علي «عليه السلام» في عمر وقد يقال: إنه
«عليه السلام» إنما قايس عمر بأصحاب عمر، لا بأصحابه وشيعته هو «عليه
السلام»، ولا بغيرهم من الصحابة، فضلاً عن أن يقايسه بسائر الناس.
لذلك قال:
أفضل أصحابك، ولم يقل: أفضل الصحابة، أو أفضلنا.
بل قد يقال:
إن
المقصود هو خصوص هذا الرأي الذي هو مورد المحاورة حيث أظهرت حالة عمر
أنه يبحث عمن يشير عليه بالبقاء لا بالشخوص.. فإنه لم يرق له إيكال
الأمر إليه، ولم يرق له الرأي الذي يأمره بالمسير بنفسه، فلم يبق إلا
الرأي الذي يقضي بالبقاء، وإشخاص غيره.
هذا..
كله على فرض صحة نسبة هذه الكلمات إلى علي «عليه السلام»، ونحن لا نرى
صحتها، بل نعتقد: أنها من المدسوس عليه «صلوات الله وسلامه عليه»، وهو
ما لا مجال لقبوله، فإن مراجعة كلامه «عليه السلام» في وصف عمر في
المناسبات المختلفة، تدل على أنه يرى فيه خلاف ذلك، فراجع الخطبة
الشقشقية، وكثير غيرها تجد صحة ما قلناه..
وقد ذكرنا:
أن هذا الرأي الذي أشار به «عليه السلام» على عمر، وإن كان صواباً في
نفسه، ولكن منطلق عمر في جنوحه إليه كان يختلف عن منطلقات غيره..
فقد بيّن علي «عليه السلام» مبررات تبنيه لهذا الرأي
بما لا مزيد عليه. لكن عمر لم يفصح عنها، وربما كان محرجاً جداً في
إفصاحه عنها لو طولب به.
على أن ما ظهر من حاله لكل أحد، من اضطراب، ورعدة،
ونفضة، إلى حد سماع المسلمين أطيط أضراسه، ومناداته في المسجد
للمسلمين، وطلبه المعونة منهم. ثم رعدته على المنبر، يدل دلالة واضحة
على أن سبب هذه الرعدة والنفضة والإضطراب هو الخوف، وليس الغضب ولذلك
تراه يقول لعلي «عليه السلام»: «فما الحيلة في ذلك، وقد اجتمعت الأعاجم
على بكرة أبيها بنهاوند في خمسين ومائة ألف، يريدون استئصال
المسلمين»؟!.
ثم ورد في سياق كلام أمير المؤمنين «عليه السلام» في
مشورته، التصريح بخوف عمر من الفرس.. ولم يستدرك عمر عليه في ذلك.
ولعل دعوى الغضب قد جاءت لتخفف من وقع هذه الظاهرة التي
ألمّت بعمر، ولتحفظ بعض ماء الوجه لمن عرف عنه الخوف بل الفرار من
مواقع القتال، وتحاشي ساحات الحرب والنزال..
وقد جاء قول عمر:
عن مشاورة علي «عليه السلام»: لقد كان رأيه رأييي ليعبر عن حقيقة ما
كان يسعى إليه عمر، بدافع من الخوف والرعب الذي كان يعيشه.
قد ذكر النص المنقول عن ابن أعثم:
أن طلحة والزبير قد أوكلا الأمر إلى عمر بن الخطاب، ليتخذ القرار الذي
يرتئيه، وليس عندهما إلا السمع والطاعة.
واما ابن عوف، فأشار بالمسير إلى حرب الفرس.
وقد ظهر التزلف لعمر في كلام الجميع.
لكن الطبري يذكر نصاً آخر يقول:
إن طلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، ورجالاً من أهل الرأي من أصحاب
رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكذلك علي «عليه السلام» قد أشاروا
على عمر بعدم الشخوص إلى العراق لحرب الفرس. فسرّ عمر بحسن رأيهم،
وأعجبه ذلك منهم..
وذكر الطبري أيضاً نصاً يقول:
إن طلحة أشار بقبول كل ما يقرره عمر، وعثمان أشار عليه بالشخوص، وعلي
«عليه السلام» أشار عليه بعدمه..
مع أن روايتي الطبري تنتهيان إلى سيف فما يظهر من سياق
الكلام.
ونحن
نقول:
في كل واد أثر من ثعلبة، فإننا ما زلنا نتوقع مثل هذا التلاعب الظاهر
في روايات هذا الرجل المتهم بالوضع، والتزييف، والتحريف.
غير أن من الواضح:
أن سائر المصادر تقريباً تشير إلى علي «عليه السلام» على أنه هو المشير
بعدم الشخوص. فلا وقع ولا اعتبار بروايات سيف، ولا قيمة لرأي من تبعه
من دون تمحيص.
إلا أن يكون هؤلاء قد أدركوا خطأهم بعد سماعهم لقول علي
«عليه السلام»، وعرفوا أن عمر يريد الأخذ برأي علي «عليه السلام»،
فعادوا إلى ما يرغب به عمر، وعبروا عن قبولهم به وتأييدهم له، لا سيما
وأن بعضهم يرشح نفسه للخلافة، ويسعى لإرضاء عمر لكي لا يستبعده من
دائرة الإختيار..
فاختزل سيف الكلام، بهدف التحوير والتزوير..
هذا، وبالرغم من أننا لم نر للعباس أثراً في هذه
الحوادث، لا في الإستشارة في أمر القادسية، ولا في المسير إلى الروم،
وبلاد الشام، ولا في المسير إلى نهاوند.. فإننا نلاحظ: أن رواية الطبري
عن نهاوند قد دست اسم العباس «رحمه الله»، بعنوان «ناقدٍ» للرأي عند
عمر، وهو منصب لم نجده في تاريخ الإسلام لأحد من الناس إلا للعباس في
خصوص هذا المورد، مع أن سياق الحديث، لا يفهم منه أنه «رحمه الله» قد
نبس ببنت شفة هنا، بل كان الكلام محصوراً بين عمر، وطلحة والزبير، وابن
عوف وعثمان وعلي «عليه السلام».
وكأن ثمة من يرغب في أن يخفف من أهمية مشورة علي «عليه
السلام»، ولو بأن يضعها موضع الريب الموجب لعرضها على ناقد الآراء،
الذي يراد اعطاؤه بعض الوهج، لكي يخفت ولو قليلاً نور الإمامة
والولاية، والتعتيم على نور رأي علي «عليه السلام».
([1])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص29 ـ 30 وبحار الأنوار ج40 ص193
وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص95 والميزان ج15 ص160 وتفسير
الآلوسي ج18 ص207.
([2])
الفتوح لابن أعثم ج2 ص34 ـ 40 و (ط دار الأضواء) ج2 ص290 ـ
295.
([3])
الأخبار الطوال ص134.
([4])
الإرشاد للمفيد ج1 ص209.
([5])
الإرشاد للمفيد ج1 ص209 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص406 وبحار
الأنوار ج40 ص255 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3
ص163.
([6])
الأخبار الطوال ص135 ونهج السعادة ج1 ص109.
([7])
تاريخ الأمم والملوك ج4 ص123 ـ 126 وراجع: شرح نهج البلاغة
للمعتزلي ج9 ص96 وبحار الأنوار ج40 ص253 والإرشاد للمفيد ج1
ص207 ـ 210.
وكلامه «عليه السلام»: في نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص29.
([8])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص101 والإرشاد ج1 ص210 وبحار
الأنوار ج40 ص255 والكامل في التاريخ ج3 ص8.
([9])
الإرشاد للمفيد ج1 ص210 وبحار الأنوار ج40 ص255.
([10])
راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص96.
([11])
الآيتان 25 و 26 من سورة التوبة.
([12])
الآية 249 من سورة البقرة
([13])
تاريخ الأمم والملوك ج4 ص126 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص180.
([14])
الفتوح لابن أعثم ج1 ص39 ـ 40 و (ط دار الأضواء) ج2 ص295.
([15])
تاريخ الأمم والملوك ج3 ص389 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص9.
والكامل في التاريخ ج2 ص514.
([16])
تاريخ الأمم والملوك ج3 ص397 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص628
وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص131.
([17])
راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص440 و 441 ولا بأس بمراجعة ص543
و 552 والمجلد الرابع (ج7 و 8) ص8 و 10 و 26 و 66 و (ط مؤسسة
الأعلمي) ج3 ص16.
([18])
راجع: الإستيعاب ج4 ص1506 وأسد الغـابـة ج5 ص31 وتهذيب الكمال
ج29 ص460 وراجع ج5 ص506 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص101
وكنز العمال ج5 ص711 ـ 713 وإمتاع الأسماع ج9 ص322 وتاريخ
الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص204 و 218 والكامل في
التاريخ ج3 ص14 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص226 والوافي
بالوفيات ج27 ص85 وتاريخ خليفة بن خياط ص106 و 107 والأخبار
الطوال ص136 و 137 والأمالي للطوسي ص715 وبحار الأنوار ج32 ص69
وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج12 ص287 وج44 ص395 ومعجم البلدان ج5
ص49 و 313 و 314 وفتوح البلدان ج2 ص375 والبداية والنهاية ج7
ص126 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص116 و 117.
([19])
الآية 9 من سورة الأنفال.
([20])
الآيتان 124 و 125 من سورة آل عمران.
([21])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج20 ص298 و 299 والدرجات الرفيعة ص37
والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص728.
|