صفحة :211-263   

1- الفصل السادس:  مناشدات علي لأهل الشورى

2- بـدايـة:

مما لا شك فيه أن علياً «عليه السلام» قد احتج على أهل الشورى، وناشدهم الإقرار بأمور يعرفونها، من شأنها أن تثبت حقه، وتقوم بها الحجة عليهم وعلى كل أحد، وذلك ليصون هذا الحق من الشبهات التي قد يطلقها حوله ذوو العصبيات والأهواء..

ولكن نقل هذه المناشدات قد اختلف وتفاوت من حيث التطويل والإختصار، والتفصيل والإقتصار على المضامين العامة..

وحيث إن إيراد جميع تلك النصوص سوف يؤدي إلى التطويل الممل والمخل، فقد آثرنا أن نقتصر منها هنا على ثلاثة نصوص في البداية، ثم نذكر طائفة من الفقرات المتناثرة في سائر الروايات، مما لم تتضمنه الرواية التي نختارها..

ولا نستطيع أن نضمن عدم تكرار بعض المضامين، لأننا لم نر ضرورة للتدقيق في المقارنة..

كما أننا لا ندَّعي أننا استقصينا جميع الروايات، فإننا لم نر حاجة إلى ذلك..

3- النصوص التي اخترناها:

4- 1 ـ النص الأول:

قال ابن عساكر: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن بندار، أنبأنا أبو الحسن العتيقي، أنبأنا أبو الحسن الدارقطني، أنبأنا أحمد بن محمد بن سعيد، أنبأنا يحيى بن زكريا بن شيبان، أنبأنا يعقوب بن معبد، حدثني مثنى أبو عبد الله، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي: عن عاصم بن ضمرة، وهبيرة. وعن العلاء بن صالح، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي، وعن عمرو بن واثلة قالوا: قال علي بن أبي طالب يوم الشورى:

والله لأحتجن عليهم بما لا يستطيع قرشيهم، ولا عربيهم، ولا عجميهم رده، ولا يقول خلافه.

ثم قال لعثمان بن عفان، ولعبد الرحمن بن عوف، والزبير، ولطلحة، وسعد، وهم أصحاب الشورى، وكلهم من قريش، وقد كان قدم طلحة:

أنشدكم بالله، الذي لا إله ألا هو، أفيكم أحد وحد الله قبلي؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: أنشدكم بالله، هل فيكم أحد صلى لله قبلي، وصلى القبلتين.

قالوا: اللهم لا.

قال: أنشدكم بالله، أفيكم أحد أخو رسول الله «صلى الله عليه وآله» غيري، إذ آخى بين المؤمنين، فآخى بيني وبين نفسه، وجعلني منه بمنزلة هارون من موسى إلا أني لست بنبي؟!

قالوا: لا.

قال: أنشدكم بالله، أفيكم مطهر غيري، إذ سد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أبوابكم وفتح بابي، وكنت معه في مساكنه ومسجده، فقام إليه عمه فقال: يا رسول الله، غلقت أبوابنا وفتحت باب علي.

قال: نعم، الله أمر بفتح بابه وسد أبوابكم.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد أحب إلى الله وإلى رسوله مني، إذ دفع الراية إلي يوم خيبر، فقال: لأعطين الراية إلى من يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله؟!

ويوم الطائر إذ يقول: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي، فجئت، فقال: اللهم وإلى رسولك، اللهم وإلى رسولك، غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري حتى رفع الله ذلك الحكم؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم من قتل مشركي قريش والعرب في الله وفي رسوله غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد دعا رسول الله «صلى الله عليه وآله» له في العلم، وأن يكون أذنه الواعية مثل ما دعا لي؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الرحم، ومن جعله رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه، وأبناءه أبناءه، ونساءه نساءه غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان يأخذ الخمس مع النبي «صلى الله عليه وآله» قبل أن يؤمن أحد من قرابته غيري، وغير فاطمة؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم اليوم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله» سيدة نساء عالمها؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد له ابنان مثل ابني الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ما خلا النبيين غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد له أخ كأخي جعفر الطيار في الجنة، المزين بالجناحين مع الملائكة غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد له عم مثل عمي أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء حمزة غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد ولي غمض رسول الله «صلى الله عليه وآله» مع الملائكة غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد ولي غسل النبي «صلى الله عليه وآله» مع الملائكة، يقلبونه لي كيف أشاء غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان آخر عهده برسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى وضعه في حفرته غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد قضى عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعده ديونه ومواعيده غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: وقد قال الله عز وجل: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}»([1]).

5- 2 ـ النص الثاني:

قال ابن عساكر أيضاً: أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنبأنا أبو بكر محمد بن المظفر، أنبأنا أبو الحسن العتيقي، أنبأنا يوسف بن أحمد، أنبأنا أبو جعفر العقيلي، أنبأنا محمد بن أحمد الوراميني، أنبأنا يحيى بن المغيرة الرازي، أنبأنا زافر، عن رجل، عن الحرث بن محمد، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني.

قال أبو الطفيل: كنت واقفاً على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت علياً يقول:

بايع الناس لأبي بكر وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق منه، فسمعت، وأطعت، مخافة أن يرجع الناس كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف.

ثم بايع الناس عمر، وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق منه، فسمعت وأطعت، مخافة أن يرجع الناس كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف.

ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان؟! إذاً أسمع وأطيع!!

وإن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم، لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه لي!! كلنا فيه شرع سواء!! وأيم الله لو أشاء أن أتكلم، ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم، ولا المعاهد منهم، ولا المشرك أن يرد خصلة منها، لفعلت.

ثم قال: نشدتكم بالله، أيها النفر جميعاً، أفيكم أحد آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله» غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

ثم قال: نشدتكم بالله أيها النفر جميعاً، أفيكم أحد له عم مثل عمي حمزة، أسد الله وأسد رسوله، وسيد الشهداء؟!

قالوا: اللهم لا.

فقال: أفيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر، ذو الجناحين، الموشى بالجوهر، يطير بهما في الجنة حيث يشاء؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم أحد له مثل سبطي الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم أحد له مثل زوجي فاطمة بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم أحد كان أقتل لمشركي قريش عند كل شديدة تنزل برسول الله مني؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم أحد كان أعظم غناء عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين اضطجعت على فراشه، ووقيته بنفسي، وبذلت له مهجة دمي؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير فاطمة؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: أكان فيكم أحد مطهر في كتاب الله غيري، حين سد النبي «صلى الله عليه وآله» أبواب المهاجرين وفتح بابي، فقام إليه عماه حمزة والعباس فقالا: يا رسول الله، سددت أبوابنا وفتحت باب علي؟!

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ما أنا فتحت بابه، ولا سددت أبوابكم، بل الله فتح بابه، وسد أبوابكم؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم أحد تمم الله نوره من السماء غيري، حين قال: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ..}؟!([2]).

قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم أحد ناجاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثنتي عشرة مرة غيري، حين قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}؟!([3]).

قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم أحد تولى غمض رسول الله «صلى الله عليه وآله» غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: أفيكم أحد آخر عهد برسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى وضعه في حفرته غيري؟!

قالوا: اللهم لا([4]).

قال أبو جعفر العقيلي: هكذا حدثنا محمد بن أحمد، عن يحيى بن المغيرة، عن زافر، عن رجل، عن الحارث بن محمد، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة. فيه رجلان مجهولان: رجل لم يسمه زافر، والثاني: الحارث بن محمد.

قال: وحدثني جعفر بن محمد، حدثنا محمد بن حميد الرازي، حدثنا زافر، حدثنا الحارث بن محمد، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن علي قال: فذكر نحوه.

وقال أبو جعفر العقيلي: وهذا من عمل ابن حميد. أسقط الرجل، وأراد أن يجود الحديث، والصواب: ما قاله يحيى بن المغيرة ـ ويحيى بن المغيرة ثقة ـ: وهذا الحديث لا أصل له عن علي.

وفي هذا الحديث ما يدل على أنه موضوع وهو قوله: «وصلى القبلتين». وكل أصحاب الشورى قد صلى القبلتين.

وقوله: «أفيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة» وقد كان لعثمان مثل ما له من هذه الفضيلة وزيادة([5]).

6- 3 ـ النص الثالث:

قال الشيخ الصدوق «رحمه الله»: أبي وابن الوليد معاً، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين، عن أبي الجارود، وهشيم بن أبي ساسان، وأبي طارق السراج، عن عامر بن واثلة، قال:

كنت في البيت يوم الشورى، فسمعت علياً «عليه السلام» وهو يقول: استخلف الناس أبا بكر وأنا والله أحق بالأمر وأولى به منه.

واستخلف أبو بكر عمر وأنا والله أحق بالامر، وأولى به منه، إلا أن عمر جعلني مع خمسة أنا سادسهم لا يعرف لهم علي فضل!! ولو أشاء لاحتججت عليهم بما لا يستطيع ـ عربيهم ولا عجميهم، المعاهد منهم والمشرك ـ تغيير ذلك.

ثم قال: نشدتكم بالله أيها النفر! هل فيكم أحد وحد الله قبلي؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، غيري؟!.

(زاد في نص قوله: ولو كان بعدي لكنته يا علي؟! غيري).

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد ساق رسول الله «صلى الله عليه وآله» لرب العالمين هدياً فأشركه فيه، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» بطير يأكل منه، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجئته، فقال: اللهم وإلى رسولك.. وإلى رسولك، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حين رجع عمر يجبن أصحابه ويجبنونه، قد رد راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» منهزماً، فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لأعطين الراية غداً رجلاً ليس بفرار، يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله،ٌ لا يرجع حتى يفتح الله عليه، فلما أصبح قال: ادعوا لي علياً.

فقالوا: يا رسول الله «صلى الله عليه وآله»! هو رَمِدُ ما يطرف.

فقال: جيئوني به، فلما قمت بين يديه تفل في عيني وقال: اللهم اذهب عنه الحر والبرد.

فاذهب الله عني الحر والبرد إلى ساعتي هذه، وأخذت الراية فهزم الله المشركين واظفرني بهم، غيري؟!.

(وفي نص آخر: فقتلت مقاتليهم ـ وفيهم مرحب ـ وسبيت ذراريهم).

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر المزين بالجناحين في الجنة يحل فيها حيث يشاء، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد له عم مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله، وسيد الشهداء، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين ابني رسول الله «صلى الله عليه وآله» وسيدي شباب أهل الجنة، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وبضعة منه، وسيدة نساء أهل الجنة، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: من فارقك فارقني ومن فارقني فارق الله، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي، طاعته كطاعتي، ومعصيته كمعصيتي، يغشاهم بالسيف، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ما من مسلم وصل إلى قلبه حبي إلا كفر الله عنه ذنوبه، ومن وصل حبي إلى قلبه فقد وصل حبك إلى قلبه، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت الخليفة في الأهل والولد والمسلمين في كل غيبة. عدوك عدوي، وعدوي عدو الله، ووليك وليي، ووليي ولي الله، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: يا علي! من أحبك ووالاك سبقت له الرحمة، ومن أبغضك وعاداك سبقت له اللعنة.

فقالت عائشة: يا رسول الله «صلى الله عليه وآله»! ادع الله لي ولأبي، لا يكون (لا نكون. ظ.) ممن يبغضه ويعاديه.

فقال «صلى الله عليه وآله»: اسكتي، إن كنت أنت وأبوك ممن يتولاه ويحبه، فقد سبقت لكما الرحمة، وإن كنتما ممن يبغضه ويعاديه فقد سبقت لكما اللعنة، ولقد خبثت أنت. وأبوك أول من يظلمه، وأنت أول من يقاتله، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» مثل ما قال لي: يا علي! أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة، ومنزلك مواجه منزلي، كما يتواجه الاخوان في الخلد؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: يا علي! إن الله خصك بأمر وأعطاكه، ليس من الأعمال شيء أحب إليه ولا أفضل منه عنده، الزهد في الدنيا، فليس تنال منها شيئاً ولا تنال منك، وهي زينة الأبرار عند الله عز وجل يوم القيامة، فطوبى لمن أحبك وصدق عليك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد بعثه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليجئ بالماء كما بعثني، فذهبت حتى حملت القربة على ظهري ومشيت بها، فاستقبلتني ريح فردتني حتى أجلستني.

ثم قمت فاستقبلتني ريح فردتني ثم أجلستني.

ثم قمت؛ فجئت إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال لي: ما حبسك؟!

فقصصت عليه القصة.

فقال: قد جائني جبرئيل فأخبرني، أما الريح الأولى، فجبرئيل كان في ألف من الملائكة يسلمون عليك، وأما الثانية فميكائيل جاء في ألف من الملائكة يسلمون عليك، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم من قال له جبرئيل: يا محمد «صلى الله عليه وآله»! أترى هذه المواساة من علي «عليه السلام»،

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إنه مني وأنا منه.

فقال جبرئيل: وأنا منكما، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد كان يكتب لرسول الله «صلى الله عليه وآله» كما جعلت أكتب فأغفى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأنا أرى أنه يملي علي، فلما انتبه قال له:

يا علي! من أملى عليك من هاهنا إلى هاهنا.

فقلت: أنت يا رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فقال: لا، ولكن جبرئيل أملا عليك، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» كما قال لي: لولا أن لا يبقى أحد إلا قبض من أثرك قبضة يطلب بها البركة لعقبه من بعده لقلت فيك قولاً لا يبقى أحد إلا قبض من أثرك قبضة؟!.

فقالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: احفظ الباب فإن زواراً من الملائكة يزوروني، فلا تأذن لأحد منهم، فجاء عمر فرددته ثلاث مرات، وأخبرته أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» محتجب وعنده زوار من الملائكة، وعدتهم كذا وكذا، ثم أذنت له فدخل.

فقال: يا رسول الله! إني جئت غير مرة كل ذلك يردني علي، ويقول: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» محتجب، وعنده زوار من الملائكة، وعدتهم كذا وكذا، فكيف علم بالعدة؟! أعاينهم؟!.

فقال: لا، يا علي! قد صدق، كيف علمت بعدتهم؟!

فقلت: اختلفت علي التحيات وسمعت الأصوات فأحصيت العدد.

قال: صدقت، فإن فيك سنة من أخي عيسى، فخرج عمر وهو يقول: ضربه لابن مريم مثلاً، فأنزل الله عز وجل: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}([6]) ـ قال يضجون ـ {وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ}([7]) غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» كما قال لي: إن طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار علي «عليه السلام»، ليس من مؤمن إلا وفي منزله غصن من أغصانها، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: تقاتل على سنتي، وتبرئ ذمتي، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: تقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد جاء إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ورأسه في حجر جبرئيل «عليه السلام» فقال لي: ادن، دونك رأس ابن عمك فأنت أولى به مني، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد وضع رسول الله «صلى الله عليه وآله» رأسه في حجره حتى غابت الشمس (أو كادت)، ولم يصل العصر، فلما انتبه رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: يا علي! صليت؟!

قلت: لا.

فدعا رسول الله «صلى الله عليه وآله» فردت الشمس بيضاء نقية، فصليت ثم انحدرت، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أمر الله عز وجل رسوله «صلى الله عليه وآله» أن يبعث ببراءة، فبعث بها مع أبي بكر، فأتاه جبرئيل، فقال: يا محمد! إنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك.

فبعثني رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأخذتها من أبي بكر، فمضيت بها، وأديتها عن رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فأثبت الله على لسان رسوله: أني منه، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت إمام من أطاعني، ونور أوليائي، والكلمة التي ألزمتها المتقين، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: من سره أن يحيا حياتي، ويموت موتي، ويسكن جنتي التي وعدني ربي جنات عدن، قضيب غرسه الله بيده، ثم قال له: كن، فكان، فليوال علي بن أبي طالب «عليه السلام» وذريته من بعده، فهم الأئمة، وهم الأوصياء أعطاهم الله علمي وفهمي، لا يدخلونكم في باب ضلال، ولا يخرجونكم من باب هدى، لا تعلموهم فهم أعلم منكم، يزول الحق معهم أينما زالوا، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: قضى فانقضى، إنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق (وفي رواية: إلا كافر)، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» مثل ما قال لي: أهل ولايتك يخرجون يوم القيامة من قبورهم على نوق بيض، شراك نعالهم نور يتلألأ، قد سهلت عليهم الموارد، وفرجت عنهم الشدائد، وأعطوا الأمان، وانقطعت عنهم الأحزان، حتى ينطلق بهم إلى ظل عرش الرحمن، توضع بين أيديهم مائدة يأكلون منها حتى يفرغ من الحساب، يخاف الناس ولا يخافون، ويحزن الناس ولا يحزنون، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حين جاء أبو بكر يخطب فاطمة «عليها السلام»، فأبى أن يزوجه، وجاء عمر يخطبها، فأبى أن يزوجه، فخطبت إليه فزوجني.

فجاء أبو بكر وعمر فقالا: أبيت أن تزوجنا وزوجته؟!.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ما منعتكما وزوجته، بل الله منعكما وزوجه، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل سمعتم رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فأي سبب أفضل من سببي؟! وأي نسب أفضل من نسبي؟! إن أبي وأبا رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأخوان، وإن الحسن والحسين ابني رسول الله «صلى الله عليه وآله» وسيدي شباب أهل الجنة ابناي، وفاطمة بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله» زوجتي سيدة نساء أهل الجنة، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن الله خلق الخلق ففرقهم فرقتين، فجعلني في خير الفرقتين، ثم جعلهم شعوباً فجعلني في خير شعبة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خير بيت، ثم اختار من أهل بيتي: أنا وعلياً وجعفراً، فجعلني خيرهم، فكنت نائماً بين ابني أبي طالب «عليه السلام» فجاء جبرئيل ومعه ملك فقال: يا جبرئيل! إلى أي هؤلاء أرسلت؟!

فقال: إلى هذا، ثم أخذ بيدي فأجلسني، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد سد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أبواب المسلمين كلهم ولم يسد بابي، فجاءه العباس وحمزة وقالا: أخرجتنا وأسكنته؟!

فقال لهما: ما أنا أخرجتكم وأسكنته بل الله أخرجكم وأسكنه، إن الله عز وجل أوحى إلى أخي موسى «عليه السلام» أن اتخذ مسجداً طهوراً وأسكنه أنت وهارون وابنا هارون، وإن الله عز وجل أوحى إلي أن اتخذ مسجداً طهوراً، واسكنه أنت وعلي، وابنا علي، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: الحق مع علي وعلي مع الحق، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد وقى رسول الله «صلى الله عليه وآله» حيث جاء المشركون يريدون قتله، فاضطجعت في مضجعه، وذهب رسول الله «صلى الله عليه وآله» نحو الغار، وهم يرون أني أنا هو، فقالوا: أين ابن عمك؟!

فقلت: لا أدري، فضربوني حتى كادوا يقتلونني؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» كما قال لي: إن الله أمرني بولاية علي، فولايته ولايتي، وولايتي ولاية ربي، عهد عهده إلي ربي وأمرني أن أبلغكموه، فهل سمعتم؟!

قالوا: نعم، قد سمعناه.

قال: أما إن فيكم من يقول: قد سمعت، وهو يحمل الناس على كتفيه ويعاديه.

قالوا: يا رسول الله! أخبرنا بهم.

قال: أما إن ربي قد أخبرني بهم، وأمرني بالاعراض عنهم لأمر قد سبق، وإنما يكتفي أحدكم بما يجد لعلي في قلبه؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قتل من بني عبد الدار تسعة مبارزة غيري، كلهم يأخذ اللواء، ثم جاء صواب الحبشي مولاهم وهو يقول: والله لا أقتل بسادتي إلا محمداً، قد أزبد شدقاه، واحمرتا عيناه، فاتقيتموه وحدتم عنه، وخرجت إليه.

فلما أقبل كأنه قبة مبنية، فاختلفت أنا وهو ضربتين، فقطعته بنصفين، وبقيت رجلاه وعجزه وفخذاه قائمة على الأرض، ينظر إليه المسلمون، ويضحكون منه؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قتل من مشركي قريش مثل قتلي؟!.

قالوا: اللهم لا..

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد جاء عمرو بن عبد ود ينادي: هل من مبارز، فكعتم عنه كلكم، فقمت أنا، فقال لي رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إلى أين تذهب؟!

فقلت: أقوم إلى هذا الفاسق.

فقال: إنه عمرو بن عبد ود.

فقلت: يا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، إن كان هو عمرو بن عبد ود فأنا علي بن أبي طالب.

فأعاد علي «صلى الله عليه وآله» الكلام، وأعدت عليه، فقال: امض على اسم الله.

فلما قربت منه قال: من الرجل؟!

قلت: علي بن أبي طالب.

قال: كفؤ كريم، ارجع يا ابن أخي، فقد كان لأبيك معي صحبة ومحادثة، فأنا أكره قتلك.

فقلت له: يا عمرو! إنك قد عاهدت الله أن لا يخيرك أحد ثلاث خصال إلا اخترت إحداهن.

فقال: اعرض علي.

قلت: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقر بما جاء من عند الله.

قال: هات غير هذه.

قلت: ترجع من حيث جئت.

قال: والله لا تحدث نساء قريش بهذا أني رجعت عنك.

فقلت: فأنزل فأقاتلك.

قال: أما هذه فنعم، فنزل، فاختلف أنا وهو ضربتين، فأصاب الحجفة وأصاب السيف رأسي، وضربته ضربة فانكشف رجليه، فقتله الله على يدي، ففيكم أحد فعل هذا؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد حين جاء مرحب وهو يقول:

أنـا الـذي سمـتـني أمي مـرحـب                شـاك السـلاح بـطـل مــجــرب
أطـعـن أحـيـانــاً وحـيـنـاً أضـرب

فخرجت إليه، فضربني وضربته، و على رأسه نقير من جبل حجر لم يكن تصلح على رأسه بيضة من عظم رأسه، ففلقت النقير، ووصل السيف إلى رأسه فقتلته، ففيكم أحد فعل هذا؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهير على رسوله «صلى الله عليه وآله»: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([8])، فأخذ رسول الله «صلى الله عليه وآله» كساء خيبرياً، فضمني فيه وفاطمة والحسن والحسين، ثم قال: يا رب! هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا؟!.

(أضاف في نص آخر قوله: ثم قال: اللهم أنا وأهل بيتي إليك لا إلى الجنة).

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم، بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنا سيد ولد آدم، وأنت يا علي سيد العرب؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» في المسجد إذ نظر إلى شيء ينزل من السماء فبادره ولحقه أصحابه، فانتهى إلى سودان أربعة يحملون سريراً، فقال لهم: ضعوا، فوضعوا.

فقال: اكشفوا عنه، فكشفوا، فإذا أسود مطوق بالحديد، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: من هذا؟!.

قالوا: غلام الرياحين، كان قد أبق عنهم خبثاً وفسقاً، فأمرونا أن ندفنه في حديده كما هو.

فنظرت إليه، فقلت: يا رسول الله! ما رآني قط إلا قال: أنا والله أحبك، والله ما أحبك إلا مؤمن، ولا أبغضك إلا كافر.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: يا علي! لقد أثابه الله بذا، هذا سبعون قبيلاً من الملائكة ـ كل قبيل على ألف قبيل ـ قد نزلوا يصلون عليه، ففك رسول الله «صلى الله عليه وآله» حديدته وصلى عليه ودفنه؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» مثل ما قال لي: أذن لي البارحة في الدعاء، فما سألت ربي شيئاً إلا أعطانيه، وما سألت لنفسي شيئاً إلا سألت لك مثله وأعطانيه. فقلت: الحمد لله؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل علمتم أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعث خالد بن الوليد إلى بني خزيمة، ففعل ما فعل، فصعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» المنبر فقال: إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.. ثلاث مرات، ثم قال: اذهب يا علي، فذهبت فوديتهم، ثم ناشدتهم بالله هل بقي شيء؟!

فقالوا: إذ نشدتنا بالله فميلغة كلابنا، وعقال بعيرنا، فأعطيتهم لهما، وبقي معي ذهب كثير فأعطيتهم إياه، وقلت: هذا لذمة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولما تعلمون ولما لا تعلمون، ولروعات النساء والصبيان، ثم جئت إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأخبرته، قال: والله ما يسرني يا علي أن لي بما صنعت حمر النعم؟!.

قالوا: اللهم نعم.

قال: نشدتكم بالله، هل سمعتم رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: يا علي! عرضت علي أمتي البارحة فمر بي أصحاب الرايات، فاستغفرت لك ولشيعتك؟!.

فقالوا: اللهم نعم.

قال: نشدتكم بالله، هل سمعتم رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: يا أبا بكر! اذهب فاضرب عنق ذلك الرجل الذي تجده في موضع.. كذا وكذا.

فرجع، فقال: قتلته؟!

قال: لا، وجدته يصلي.

قال: يا عمر! اذهب فاقتله.

فرجع قال له: قتلته؟!

قال: لا، وجدته يصلي.

فقال: آمركما بقتله، فتقولان وجدناه يصلي؟!

فقال: يا علي! اذهب فاقتله، فلما مضيت قال: إن أدركه قتله.

فرجعت فقلت: يا رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم أجد أحداً.

فقال: صدقت، أما إنك لو وجدته لقتلته؟!.

فقالوا: اللهم نعم.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» كما قال لي: إن وليك في الجنة، وعدوك في النار؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم بالله، هل علمتم أن عائشة قالت لرسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن إبراهيم ليس منك، وإنه ابن فلان القبطي.

قال: يا علي! اذهب فاقتله.

فقلت: يا رسول الله «صلى الله عليه وآله»! إذا بعثتني أكون كالمسمار المحمى في الوبر، أو أتثبت؟!

قال: لا، بل تثبت.

فذهبت فلما نظر إلي استند إلى حائط فطرح نفسه فيه، فطرحت نفسي على أثره، فصعد على نخل فصعدت خلفه، فلما رآني قد صعدت رمى بإزاره، فإذا ليس له شيء مما يكون للرجال.

فجئت فأخبرت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال: الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت؟!.

فقالوا: اللهم نعم.

فقال: اللهم اشهد([9]).

7- 4 ـ زيادات في رواية الطبرسي:

وورد في رواية الطبرسي زيادة على ما تقدم بصورة متفرقة ما يلي:

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم من بايع البيعتين ـ بيعة الفتح وبيعة الرضوان ـ غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد عرف الناسخ من المنسوخ، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد عاين جبرئيل «عليه السلام» في مثال دحية الكلبي، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أخو رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الحضر ورفيقه في السفر، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم من سماه الله في عشر آيات من القرآن مؤمنا، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد ناول رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبضة من تراب، فرمى به في وجوه الكفار فانهزموا، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد اشتاقت الجنة إلى رؤيته، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد شهد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد غسل رسول الله «صلى الله عليه وآله» وكفنه، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد ورث سلاح رسول الله «صلى الله عليه وآله» ورايته وخاتمه، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد نودي باسمه يوم بدر:

لا ســيـف إلا ذو الــفــقـــــار            ولا فـــــتــــى إلا عــــــــــلي

غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد يخصف نعل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: اللهم علي أحب الخلق إلي، وأقولهم بالحق، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد استقى مائة دلو بمائة تمرة، وجاء بالتمر فأطعمه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ وهو جائع ـ غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد سلم عليه جبرئيل، وميكائيل، وإسرافيل في ثلاثة آلاف من الملائكة يوم بدر، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد مشى مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» فمر على حديقة، فقلت: ما أحسن هذه الحديقة؟

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: وحديقتك في الجنة أحسن من هذه.. حتى مررت على ثلاث حدائق، كل ذلك يقول رسول الله: حديقتك في الجنة أحسن من هذه، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أول طالع يطلع عليكم من هذا الباب ـ يا أنس! ـ فإنه أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وخير الوصيين، وأولى الناس بالناس.

فقال أنس: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار، فكنت أنا الطالع.

فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» لانس: ما أنت يا أنس بأول رجل أحب قومه، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([10])، غيري؟!

قالوا: لا.

قال: نشدتك بالله هل فيكم أحد أنزل الله فيه وفي ولده: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} إلى آخر السورة، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد علمه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ألف كلمة، كل كلمة مفتاح الف كلمة، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد ناجاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم الطائف، فقال أبو بكر وعمر: ناجيت علياً دوننا؟!

فقال لهم «صلى الله عليه وآله»: ما أنا ناجيته، بل الله أمرني بذلك، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت أقرب الخلق مني يوم القيامة، يدخل بشفاعتك الجنة أكثر الخلق من ربيعة ومضر، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: يا علي! أنت تكسى حين أكسى، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت خير البشر بعد النبيين، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت الفاروق، تفرق بين الحق والباطل، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت أفضل الخلائق عملاً يوم القيامة بعد النبيين، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» الطعام وهو في الغار، ويخبره الأخبار، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لا سر دونك، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت أخي، ووزيري، وصاحبي من أهلي، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت أقدمهم سلما، وأفضلهم علما، وأكثرهم حلما، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد عرض عليه النبي «صلى الله عليه وآله» الاسلام.

فقال له: أنظرني حتى ألقى والدي.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: فإنها أمانة عندك.

فقلت: وإن كانت أمانة عندي فقد أسلمت، غيري؟!.

قالوا: لا.

(وفي نص آخر: هل فيكم رجل ناجى رسول الله «صلى الله عليه وآله» عشر مرات، يقدم بين يدي نجواه صدقة غيري؟!

قالوا: لا).

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: قاتل الله من قاتلك، وعادى الله من عاداك، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد صلى قبل الناس بسبع سنين وأشهر، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنا يوم القيامة آخذ بحجزة ربي ـ والحجزة النور ـ وأنت آخذ بحجزتي، وأهل بيتي آخذون بحجزتك، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت كنفسي، وحبك حبي، وبغضك بغضي، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: اللهم اجعله لي عوناً وعضداً وناصراً، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: المال يعسوب الظلمة، وأنت يعسوب المؤمنين، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت أقومهم بأمر الله، وأوفاهم بعهد الله، وأعلمهم بالقضية، وأقسمهم بالسوية، وأعظمهم عند الله مزية، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: فضلك على هذه الأمة كفضل الشمس على القمر، وكفضل القمر على النجوم، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: الناس من أشجار شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد رضي الله عنه في آيتين من القرآن، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: موعدك موعدي، وموعد شيعتك الحوض إذا خافت الأمم ووضعت الموازين، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: اللهم إني أحبه فأحبه، اللهم إني أستودعكه، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت تحاج الناس فتحجهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والقسم بالسوية، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أخذ رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم بدر بيده فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطه ويقول: ألا إن هذا ابن عمي ووزيري، فوازروه وناصحوه وصدقوه، فإنه وليكم، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أنزلت فيه هذه الآية: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([11])، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد كان جبرئيل أحد ضيفانه، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أعطاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» حنوطاً من حنوط الجنة، ثم قال: أقسمه أثلاثاً: ثلثاً لي تحنطني به، وثلثاً لابنتي، وثلثاً لك، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد كان إذا دخل على رسول الله «صلى الله عليه وآله» حياه وأدناه، وتهلل له وجهه، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنا أفتخر بك يوم القيامة إذا افتخرت الأنبياء بأوصيائها، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أدى الله عن أمانتك، أدى الله عن ذمتك، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد فتح حصن خيبر، وسبا بنت مرحب، فأداها إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت قسيم النار، تخرج منها من زكا، وتذر فيها كل كافر، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ترد علي الحوض أنت وشيعتك رواء مرويين، مبيضة وجوههم، ويرد علي عدوك ظماء مظمئين، مفحمين، مسودة وجوههم، غيري؟!.

قالوا: لا.

ثم قال لهم أمير المؤمنين «صلوات الله عليه وآله ورضوانه»: أما إذا أقررتم على أنفسكم، واستبان لكم ذلك من قول نبيكم «صلى الله عليه وآله»، فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وأنهاكم عن سخطه، ولا تعصوا أمره. وردوا الحق إلى أهله، واتبعوا سنة نبيكم، فإنكم إذا خالفتم خالفتم الله، فادفعوها إلى من هو أهلها وهي له([12]).

8- 5 ـ زيادات رواية ابن شاذان:

وفي رواية الروضة لابن شاذان وردت الفقرات التالية بصورة متفرقة:

أم هل فيكم أحد أعظم عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» مكاناً مني؟!

أم هل فيكم أحد من كان يأخذ ثلاثة أسهم: سهم القرابة وسهم الخاصة وسهم الهجرة، غيري؟!.

أم هل فيكم أحد جاء إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» باثنتي عشر تمرة، غيري؟!.

أم هل فيكم أحد أخذ رسول الله «صلى الله عليه وآله» بيده يوم غدير خم وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وليبلغ الحاضر الغائب؟! فهل كان في أحد، غيري؟!.

أم هل فيكم من أمر الله عز وجل بمودته في القرآن حيث يقول: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}([13])، هل قال من قبل لاحد، غيري؟!.

أم هل فيكم من قاتل وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، غيري؟!.

أم هل فيكم من سماه الله عز وجل: وليه، غيري؟!([14]).

9- 6 ـ زيادات في رواية الديلمي:

وجاء في رواية الديلمي فقرات أخرى، هي:

قال: فهل فيكم أحد أمر بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}([15]) سواي؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد نصر أبوه رسول الله «صلى الله عليه وآله» وكفله، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم من سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف من الملائكة، وفيهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ليلة القليب، لما جئت بالماء إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إني قاتلت على تنزيل القرآن، وستقاتل أنت ـ يا علي ـ على تأويله، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد بعث الله عز وجل إليه بالتعزية، حيث قبض رسول الله «صلى الله عليه وآله» وفاطمة «عليها السلام» تبكيه، إذ سمعنا حساً على الباب وقائلاً يقول ـ نسمع حسه ولا نرى شخصه وهو يقول ـ: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته..

ربكم عز وجل يقرئكم السلام ويقول لكم: إن في الله خلفاً من كل مصيبة، وعزاء من كل هالك، ودركاً من كل فوت، فتعزوا بعزاء الله، واعلموا أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأنا في البيت وفاطمة، والحسن، والحسين، أربعة لا خامس لنا سوى رسول الله «صلى الله عليه وآله» مسجى بيننا، غيرنا؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل تعلمون أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وإنكم لن تضلوا ما اتبعتموهما واستمسكتم بهما؟!

قالوا: نعم.

قال: فهل أحد ذكره الله عز وجل بما ذكرني إذ قال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ}([16])، غيري؟!.

قال: فهل سبقني منكم أحد إلى الله ورسوله؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد كان صاحب رسول الله «صلى الله عليه وآله» في المواطن كلها، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد اشتاقت الملائكة إلى رؤيته، فاستأذنت الله تعالى في زيارته، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد استخلفه رسول الله «صلى الله عليه وآله» في أهله (وماله)، وجعل أمر (طلاق) أزواجه إليه من بعده، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد حمله رسول الله «صلى الله عليه وآله» على كتفه حتى كسر الأصنام التي كانت على الكعبة، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد اضطجع هو ورسول الله «صلى الله عليه وآله» في لحاف واحد إذ كفلني، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد كان أول داخل على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وآخر خارج من عنده، ولا يحجب عنه، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم من نزلت فيه وفي زوجته وولديه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}([17]).. إلى سائر ما اقتص الله تعالى من ذكرنا في هذه السورة، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ}([18])، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد أنزل الله تعالى فيه: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ}([19]) إلى آخر ما اقتص الله تعالى من خبر المؤمنين، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد أنزل الله فيه وفي زوجته وولديه آية المباهلة، وجعل الله عز وجل نفسه نفس رسول الله «صلى الله عليه وآله»، غيري؟!.

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد سقى رسول الله «صلى الله عليه وآله» من المهراس لما اشتد ظمأه، وأحجم عن ذلك أصحابه، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: اللهم إني أقول كما قال عبدك موسى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي}([20]) إلى آخر دعوة موسى «عليه السلام» إلا النبوة، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن من شيعتك رجلاً يدخل في شفاعته الجنة مثل ربيعة ومضر، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت وشيعتك هم الفائزون، تردون يوم القيامة رواء مرويين، ويرد عدوكم ظماء مقمحين، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: من أحب هذه الشعرات فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله تعالى، ومن أبغضها وآذاها فقد أبغضني وآذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى، ومن آذى الله تعالى لعنه الله وأعد له جهنم وساءت مصيرا.

فقال أصحابه: وما شعراتك هذه يا رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

قال: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الأعظم، الذي يفرق بين الحق والباطل، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالجحفة بالشجيرات من خم: من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاك فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله تعالى، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» بينه وبين زوجته؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد جلس بين رسول الله «صلى الله عليه وآله» وزوجته، فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لا ستر دونك يا علي، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد احتمل باب خيبر يوم فتحت حصنها، ثم مشى به ساعة (مئة ذراع)، ثم ألقاه، فعالجه بعد ذلك أربعون رجلاً فلم يقلوه من الأرض، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت معي في قصري، ومنزلك تجاه منزلي في الجنة، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت أولى الناس بأمتي من بعدي، والى الله من والاك، وعادى الله من عاداك، وقاتل الله من قاتلك بعدي، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد صلى مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» سبع سنين وأشهراً قبل الناس، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إنك عن يمين العرش يا علي يوم القيامة يكسوك الله عز وجل بردين: أحدهما أحمر، والآخر أخضر، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد أطعمه رسول الله «صلى الله عليه وآله» من فاكهة الجنة لما هبط بها جبرئيل «عليه السلام» وقال: لا ينبغي أن يأكله في الدنيا إلا نبي، أو وصي نبي، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت أقومهم بأمر الله، وأوفاهم بعهد الله، وأعلمهم بالقضية، وأقسمهم بالسوية، وأرأفهم بالرعية، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنت قسيم النار، تخرج منها من آمن وأقر، وتدع فيها من كفر، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد قال للعين وقد غاضت: انفجري! فانفجرت، فشرب منها القوم، وأقبل رسول الله «صلى الله عليه وآله» والمسلمون معه فشرب وشربوا، وشربت خيلهم، وملأوا رواياهم، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: فهل فيكم أحد أعطاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» حنوطاً من حنوط الجنة، قال: اقسم هذا أثلاثاً: ثلثاً لي حنطني به، وثلثاً لابنتي، وثلثاً لك، غيري؟!.

قالوا: لا.

قال: .. فما زال يناشدهم ويذكر لهم ما أكرمه الله تعالى، وأنعم عليه به، حتى قام قائم الظهيرة، ودنت الصلاة، ثم أقبل عليهم وقال:

أما إذا أقررتم على أنفسكم، وبان لكم من سببي الذي ذكرت، فعليكم بتقوى الله وحده، وأنهاكم عن سخط الله، فلا تعرضوا له ولا تضيعوا أمري، وردوا الحق إلى أهله، واتبعوا سنة نبيكم «صلى الله عليه وآله» وسنتي من بعده، فإنكم إن خالفتموني خالفتم نبيكم، فقد سمع ذلك منه جميعكم، وسلموها إلى من هو لها أهل وهي له أهل.

أما والله، ما أنا بالراغب في دنياكم، ولا قلت ما قلت لكم افتخاراً ولا تزكية لنفسي، ولكن حدثت بنعمة ربي، وأخذت عليكم بالحجة..

ونهض إلى الصلاة، قال:

فتوامر القوم فيما بينهم وتشاوروا، فقالوا: قد فضل الله علي بن أبي طالب بما ذكر لكم، ولكنه رجل لا يفضل أحداً على أحد، ويجعلكم ومواليكم سواء، وإن وليتموه إياها ساوى بين أسودكم وأبيضكم، ووضع السيف على عاتقه، ولكن ولوها عثمان، فهو أقدمكم ميلاداً، وألينكم عريكة، وأجدر أن يتبع مسرتكم، والله رؤوف رحيم([21]).


([1]) الآية 111 من سورة الأنبياء. راجع: تاريخ مدينة دمشق ج42 ص431 ونهج السعادة ج1 ص127 وينابيع المودة ج2 ص344 وكتاب الولاية لابن عقدة = = ص176 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج15 ص683 و 687 وج21 ص604 وراجع: الأمالي للطوسي ص333 و 667 وبشارة المصطفى ص243.

([2]) الآية 26 من سورة الإسراء.

([3]) الآية 12 من سورة المجادلة.

([4]) تاريخ مدينة دمشق ج42 ص433 ـ 435 وكنز العمال ج5 ص724 والطرائف لابن طاووس ص411 والصراط المستقيم ج2 ص64 وكتاب الأربعين للشيرازي ص220 وكتاب الأربعين للماحوزي ص432 وضعفاء العقيلي ج1 ص211 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص378 ولسان الميزان ج2 ص156 والمناقب للخوارزمي ص313 وبناء المقالة الفاطمية ص410 وغاية المرام ج5 ص77 وج6 ص5 وسفينة النجاة للتنكابني ص361 وشرح إحقاق الحق (الأصل) ج5 ص31 وج15 ص684.

([5]) تاريخ مدينة دمشق ج42 ص435 ـ 436.

([6]) الآية 57 من سورة الزخرف.

([7]) الآيات 58 ـ 60 من سورة الزخرف.

([8]) الآية 33 من سورة الأحزاب.

([9]) الخصال للصدوق ص553 ـ 563 وبحار الأنوار ج31 ص315 ـ 329 وغاية المرام ج3 ص196.

([10]) الآية 55 من سورة المائدة.

([11]) الآية 9 من سورة الحشر.

([12]) الإحتجاج للطبرسي ج1 ص192 ـ 210 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص215 ـ 231 وبحار الأنوار ج31 ص330 ـ 344 والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص718.

([13]) الآية 23 من سورة الشورى.

([14]) الروضة في فضائل أمير المؤمنين ص117 ـ 119 وبحار الأنوار ج31 ص360 ـ 363.

([15]) الآية 59 من سورة النساء.

([16]) الآيتان 10 و 11 من سورة الواقعة.

([17]) الآية 8 من سورة هل أتى.

([18]) الآية 19 من سورة التوبة.

([19]) الآية 18 من سورة السجدة.

([20]) الآيات 25 ـ 31 من سورة طه.

([21]) بحار الأنوار ج31 ص372 ـ 383 عن إرشاد القلوب ج2 ص51 ـ 57 وراجع: الأمالي للطوسي ص545 وحلية الأبرار ج2 ص323.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان