الفصل الثالث: محاولة نفي عمار..

   

صفحة 5-38   

1- الفصل الثالث: محاولة نفي عمار..

2- هل ضرب عمار مرة أخرى؟!:

ذكر الثقفي في تاريخه، عن سالم بن أبي الجعد ، قال: خطب عثمان الناس، فقال: والله لأوثرن بني أمية ، ولو كان بيدي مفاتيح الجنة لأدخلنهم إياها، ولكني سأعطيهم من هذا المال على رغم أنف من رغم.

فقال عمار بن ياسر : أنفي والله ترغم من ذلك.

قال عثمان : فأرغم الله أنفك.

فقال عمار : وأنف أبي بكر وعمر رغم.

قال: وإنك لهناك يا بن سمية .. ثم نزل إليه فوطئه، فاستخرج من تحته وقد غشي عليه، وفتقه([1]).

وبالإسناد من طريق أبي مخنف  قال: كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجوهر، فأخذ منه عثمان ، ما حلى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك، وكلموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه، فخطب فقال: لنأخذن حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أنوف أقوام.

فقال له علي: إذاً تمنع من ذلك، ويحال بينك وبينه.

وقال عمار بن ياسر  : أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك.

فقال عثمان : أعلي يا ابن المتكاء تجترئ؟ خذوه.

فأخذ، ودخل عثمان ودعا به فضربه حتى غشي عليه، ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة زوج رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلى وقال: الحمد لله، ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله.

وقام هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي ـ وكان عمار حليفاً لبني مخزوم ـ فقال: يا عثمان  ، أما علي فاتقيته وبني أبيه، وأما نحن فاجترأت علينا، وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف، أما والله لئن مات لأقتلن به رجلاً من بني أمية عظيم السرة.

فقال عثمان : وإنك لهاهنا يا ابن القسرية؟

قال: فإنهما قسريتان. وكانت أمه وجدته قسريتين من بجيلة .

فشتمه عثمان ، وأمر به فأخرج، فأتى أم سلمة فإذا هي قد غضبت لعمار  وبلغ عائشة ما صنع بعمار ، فغضبت وأخرجت شعرا من شعر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وثوباً من ثيابه، ونعلاً من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم، وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد.

فغضب عثمان غضباً شديداً حتى ما درى ما يقول، فالتج المسجد (أي ارتفعت الأصوات) وقال الناس: سبحان الله، سبحان الله.

وكان عمرو بن العاص واجداً على عثمان  ، لعزله إياه عن مصر ، وتوليته إياها عبد الله بن سعد بن أبي سرح  ، فجعل يكثر التعجب والتسبيح.

وبلغ عثمان  مصير هشام بن الوليد  ، ومن مشى معه من بني مخزوم  إلى أم سلمة ، وغضبها لعمار، فأرسل إليها: ما هذا الجمع؟

فأرسلت إليه: دع ذا عنك يا عثمان ! ولا تحمل الناس في أمرك على ما يكرهون([2]).

ونقول:

أولاً: صحيح أن ثمة روايات عديدة تضمنت أن عثمان  قد ضرب عمارا  حتى أصابه الفتق، ولكنها قد اختلفت فيما بينها في تحديد سبب ذلك..

ويبدو أن عثمان قد ضرب عمارا  أكثر من مرة، لكن بالنسبة للفتق الذي أصابه، يحتمل أمران:

أحدهما: أن يكون قد أصابه الفتق أكثر من مرة..

الثاني: أن يكون قد ضرب عماراً أكثر من مرة، وأصيب عمار  بالفتق مرة واحدة، لكن لم يستطع الرواة تحديد المناسبة التي حصل فيها ذلك بدقة فاختلفت أقوالهم فيه..

ثانياً: إننا لا نجد مبرراً لهذا الخطاب الناري العثماني إلا إرادة قمع إرادات الناس، والتحدي لأولئك الناصحين أو المنتقدين له..

وإلا، فإن بني أمية  لا يستحقون هذا الإيثار من عثمان  ، إن لم نقل إنهم يستحقون الحرمان.. فإن الصالحين فيهم كانوا أقل منهم في غيرهم من الفئات والقبائل..

ثالثاً: إن عماراً  قد عرض لعثمان  بأن ما يفعله مخالف لسيرة أبي بكر  وعمر ، وقد اشترط عليه ابن عوف حين خصه بالخلافة: أن يعمل بسيرة الشيخين وسنتهما..

وهذا كلام صحيح، فلما يغضب منه عثمان XE "عثمان" ؟! فإن التعريض بهذا الأمر لا يستوجب هذا الغضب العثماني الهائل.. بل هو تحذير له من أن يتخذ ذلك مناوئوه ذريعة للإقدام على خلعه، بحجة أنه خالف الشرط الذي أخذ عليه عند تخصيصه بالخلافة..

3- لماذا لم يدافع علي عن عمار؟!:

إن عثمان قد تصرف بطريقة لا تسمح بتدخل علي «عليه السلام» لمنع عثمان من ضرب عمار ، فإن عثمان أمرهم بأخذ عمار ، فأخذ وانقطع الإتصال به، ثم دخل عثمان XE "عثمان"  البيت ودعا به، واعتدى عليه بالضرب.. فتم الأمر بسرعة، وبالخفاء، ولم يفسح المجال لإنقاذه إلا بطريقة من شأنها إثارة معركة قد تؤدي إلى سقوط قتلى لم يكن من المصلحة أن يسقطوا في هذا الوقت على الأقل.

4- عثمان يحاول نفي عمار بن ياسر :

وذكر ابن أعثم والبلاذري  وغيرهما ـ والنص لابن أعثم  ـ: أنه لما مات أبو ذر XE "أبو ذر"  بالربذة  بلغ ذلك عثمان ، فقال: رحم الله أبا ذر !

فقال عمار بن ياسر : فرحم الله أبا ذر  من كل قلوبنا!

قال: فغضب عثمان ثم قال: يا كذا وكذا (يا عاض أير أبيه، كما ذكره البلاذري ) أتظن أني ندمت على تسييره إلى ربذة  ؟

قال عمار : لا والله ما أرى ذلك!

قال عثمان : ادفعوا في قفاه، وأنت فالحق بالمكان الذي كان فيه أبو ذر  ولا تبرحه أبدا ما بقيت وأنا حي.

فقال عمار : والله إن جوار السباع لاحب إلي من جوارك، ثم قام عمار  فخرج من عنده.

قال: وعزم عثمان  على نفي عمار ، (فلما تهيأ للخروج) أقبلت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب «عليه السلام» فقالوا: إنه يا أبا الحسن قد علمت بأنا أخوال أبيك أبي طالب، وهذا عثمان بن عفان قد أمر بتسيير عمار بن ياسر ، وقد أحببنا أن نلقاه فنكلمه في ذلك، ونسأله أن يكف عنه، ولا يؤذينا فيه، فقد وثب عليه مرة ففعل به ما فعل، وهذه ثانية، ونخاف أن يخرج معه إلى أمر يندم ونندم نحن عليه.

فقال: أفعل ذلك، فلا تعجلوا، فوالله! لو لم تأتوني في هذا لكان ذلك من الحق الذي لا يسعني تركه، ولا عذر لي فيه.

قال: ثم أقبل علي «عليه السلام» حتى دخل على عثمان فسلم وجلس فقال: اتق الله أيها الرجل، وكف عن عماروغير عمار من الصحابة، فإنك قد سيرت رجلا من صلحاء المسلمين، وخيار المهاجرين الأولين حتى هلك في تسييرك إياه غريبا، ثم إنك الآن تريد أن تنفي نظيره من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»!

فقال عثمان : لانت أحق بالمسير منه، فو الله ما أفسد علي عمارا وغيره سواك!

فقال علي «عليه السلام»: والله يا عثمان ! ما أنت بقادر على ذلك، ولا إليه بواصل، فرم ذلك إن شئت.

وأما قولك: إني أفسدهم عليك، فوالله ما يفسدهم عليك إلا نفسك، لأنهم يرون ما ينكروه (كذا)، فلا يسعهم إلا تغيير ما يرون.

قال: ثم وثب علي «عليه السلام» فخرج.

(زاد ابن أعثم قوله): واستقبله الناس فقالوا له: ما صنعت يا أبا الحسن؟

فقال: صنعت!! إنه قال لي كذا وكذا، وقلت له كذا.

فقالوا له: أحسنت والله وأصبت يا أبا الحسن!

فو الله لئن كان هذا شأن عثمان ورأيه فينا، كلما غضب على رجل منا نفاه إلى بلد غير بلده، فلا يموت أحد منا إلا غريبا في غير أهل ولا عشيرة، وإلى من يوصي الرجل عند موته، وبمن يستعين فيما ينوبه؟!

والله! لئن نموت في رحالنا خير لنا من حياة الأبد بالمكان الذي مات فيه أبو ذر  «رحمه الله تعالى».

قال: ثم أقبل علي «عليه السلام» على عمار بن ياسر   فقال له: اجلس في بيتك، ولا تبرح منه. فإن الله تبارك وتعالى مانعك من عثمان XE "عثمان"  وغير عثمان، وهؤلاء المسلمون معك.

فقالت بنو مخزوم : والله يا أبا الحسن! لئن نصرتنا وكنت معنا لا وصل إلينا عثمان بشيء نكرهه أبدا.

وبلغ ذلك عثمان  ، فكف عن عمار ، وندم على ما كان منه([3]).

ونقول:

إن لنا مع النص المتقدم وقفات، نذكر منها ما يلي:

5- الألفاظ الفاحشة:

أولاً: إن التفوه بالألفاظ الفاحشة محظور من الناحية الشرعية، وكان من صفات رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً([4]). فالمفروض بمن يجعل نفسه في موقع خلافة رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يكون كذلك أيضاً..

ثانياً: وعدا ذلك، فإن هذا الأمر مما لا يليق صدوره من الخليفة، والقدوة والمربي، بل هو لا يليق بأي إنسان يحترم نفسه، ولذلك فنحن لا نرى صحة نسبة شيء من ذلك إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، أو إلى خلفائه من الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين..

ثالثاً: روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قوله: من يحقر عمارا يحقره الله، ومن يسب عماراً  يسبه الله، ومن ينتقص عماراً ينتقصه الله، ومن يعاد عماراً  يعاده الله([5]).

6- حتى نبرات الصوت:

1 ـ لقد غضب عثمان لمجرد أن عمار بن ياسر  كرر نفس كلماته، وصادق عليها بقوة، فقال: فرحم الله أبا ذر من كل قلوبنا..

فما الذي أزعج عثمان  من ذلك؟

هل أزعجه تصريح عمار  بالترحم على أبي ذر ؟!

أم أزعجته إضافة كلمة: «من كل قلوبنا»، فاعتبر ذلك تعريضاً به، بأنه لا يترحم عليه من كل قلبه، بل هو يتظاهر بذلك ليغطي على ما صنعه به؟! فهو كالذي يقتل القتيل ثم يمشي في جنازته؟

أم أن الذي أزعجه هو نبرات صوت عمار  المشيرة إلى أن موت أبي ذر  غريباً قد كان بسبب عثمان نفسه..

كل ذلك محتمل.. وكله ليس في صالح عثمان  ..

2 ـ إن نبرات صوت عمار  قد دفعت عثمان  إلى أن يفضح نفسه، ويري الناس أنه ليس نادماً عل ما فرط منه في حق أبي ذر  ، وذلك يدل على أن ترحمه عليه ما كان إلا لذر الرماد بالعيون، بالإعلان عن تخلصه من إحدى المشكلات التي كانت تواجهه، وتقض مضجعه..

7- ما الذي جناه عمار ؟!:

1 ـ إن استعراض ما جرى يعطي: أن كلام عمار  مع عثمان  لم يتضمن أي شيء من التصعيد، أو التحدي، بل اقتصر على مجرد إظهار الموافقة على كلام عثمان   ، أو إعادته وترديده..

فعثمان قد قال أولاً: رحم الله أبا ذر  ..

فكرر عمار   كلامه قائلاً: فرحم الله أبا ذر  من كل قلوبنا..

ثم قال عثمان  بعد أن شتم عمار : أتظن أني ندمت على تسييره إلى ربذة؟..

فقال عمار : لا والله ما أرى ذلك.. وهو جواب يتضمن الموافقة على ما يرمي إليه، فلماذا يشتمه على ترديده لكلامه.. ثم يأمرهم بأن يدفعوا في قفاه، ثم يعلن قرار نفيه إلى نفس الموضع الذي نفى إليه أبا ذر  ، ووافته المنية فيه؟!

2 ـ وقد يبدو أن رد فعل عمار  على قرار عثمان  بنفيه كان قاسياً في ظاهره، ولكنه أيضاً كان عين الواقع والحقيقة، حين قال له: جوار السباع أحب إلى من جوارك.. فعثمان  يبطش بكل من تناله يده، ولا يراعي حرمات الناس، وهو يفعل ذلك مع علمه بأنه محظور عليه شرعاً، ومنافر للفطرة الإنسانية.. أما السباع، فإنها حين تبطش بفريستها، تنسجم بذلك مع فطرتها، وذلك هو مقتضى طبعها..

فجوار السباع يحتم التحرز منها، من دون أن يكون هناك أي عذاب روحي، أو جرح للمشاعر فيما عدا ما ينتاب الإنسان من خوف منها، فإذا أمكن للإنسان أن يتحرز منها زال خوفه، وعادت حياته إلى طبيعتها.. ولتصبح من ثم حياة رضية وهادئة وهانئة..

بخلاف جواز من يفعل ما يخالف فطرته، وما يناقض ما يحكم به عقله، وضد ما يرتضيه وجدانه وضميره.

وهذا بالذات هو ما يريد عمار XE "عمار بن ياسر"  أن يقوله لنا، ولم نضف إليه شيئاً من عند أنفسنا.

8- تهديد هشام بن الوليد لا قيمة له:

بالنسبة لتهديد هشام بن الوليد بن المغيرة  وبني مخزوم  بقتل شيخ عظيم من بني أمية  نقول:

أولاً: ربما يقال: إن هذا التهديد لم يكن لأجل الإنتصار للحق وللمظلوم، بل هو للإلتزام العشائري، أو لأجل الحلف، أي أن بني المغيرة غضبوا لعمار XE "عمار بن ياسر"  لكونه حليفهم، كما أن بني مخزوم  لم ينتصروا لعمار   إلا لأنه من قبيلتهم..

ثانياً: إن عثمان  لم يكترث بتهديدات هشام بن الوليد  ، بل هو قد تحداه بقوله: لست هناك.. ربما لأنه أدرك أن قومه الأمويين XE "الأمويون:جماعات"  هم الأقوى، وأنه خليفة يملك السلاح والرجال، ويستطيع أن يحشد ما شاء من ذلك.

9- بنو مخزوم  أخوال أبي طالب:

وقد صرحت النصوص بأن بني مخزوم  قبيلة عمار بن ياسر لجأوا إلى علي ليحل المشكلة، وقد تقربوا إليه بخؤولتهم لأبيه أبي طالب، وما ذلك إلا لعلمهم بما يراه «عليه السلام» لأبي طالب من حق عليه، حتى إنه لا يرد سائلاً يتوسل إليه به..

10- إستجابة علي عملاً بالواجب:

ولكن علياً قد صرح لبني مخزوم  بأنه مصمم على حسم هذه القضية، لا لأجل أن بني مخزوم  طلبوا منه ذلك، ويريد أن يلبي طلبهم استجلاباً لرضاهم، ولا لأجل علاقته الشخصية بأبي طالب ، من حيث أنه أبوه، بل لأن ذلك من الحق الذي لا يسعه تركه، ولا عذر له فيه، على حد تعبيره.. فهو لم يتحرك إستجابة لمشاعره القبلية.. ولا تلبية لرغبة شخصية في أن يكون له فضل ومنَّة على بني مخزوم  ..

بل تحرك امتثالاً منه للواجب الإلهي، والتكليف الشرعي..

وهذا يعطي للناس درساً في العمل الرسالي، والطاعة لله تعالى، بروح صافية، ونية صالحة، وبدافع خالص من أية شائبة غير إلهية..

11- الحق مع عمار:

وقد يقول قائل: ما الذي يمنع من أن يكون عمار  هو المتعدي على عثمان  ؟!

ونجيب: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» أخبرنا بخلاف ذلك.

فأولاً: قد رووا: أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود  ، فقال: أرأيت إذا نزلت فتنة، كيف أصنع؟!

فقال: عليك بكتاب الله..

قال: أرأيت: إن جاء قوم كلهم يدعون إلى كتاب الله؟!

فقال: سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية  مع الحق([6])..

ثانياً: أخرج ابن عبد البر  من طريق حذيفة  : عليكم بابن سمية  ، فإنه لن يفارق الحق حتى يموت([7]).

أو قال: فإنه يدور مع الحق حيث دار([8]).

ثالثاً: روى ابن سعد  رفوعاً: أن عماراً مع الحق، والحق معه، يدور عمار  مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار([9]).

وفي نص آخر: يزول مع الحق حيث زال([10]).

رابعاً: عن عائشة  وابن مسعود  مرفوعاً: عمار  ما عرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما، أو نحو ذلك([11]).

فالأحاديث المتقدمة كلها تدين عثمان  ، وتبين أن الحق مع عمار  رضوان الله تعالى عليه وليس معه..

كما أنها تريد أن تهيء أسباب الهداية للناس العاديين الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يروا علياً «عليه السلام» ولا عرفوه عن قرب، ولم يسمعوا ما قاله النبي «صلى الله عليه وآله» في حقه، فإذا واجهوا الحملات التي تهدف إلى تشويه سمعته، والذهاب بحقه، ولم يعرف الناس إلى أين يذهبون، واشتبهت الأمور عليهم، فإن هذه الأحاديث تجعل لهم مرجعاً يمكنهم من خلاله معرفة المحق من غيره، وتحدد لهم المحق والمظلوم وتميزه عن المبطل والمعتدي.. فيما يرتبط بالخلاف الذي يراه بين علي «عليه السلام» وبين مناوئيه..

خامساً: لقد أكد ذلك «صلى الله عليه وآله»، وزاده إيضاحاً، وبين حين قال للناس: إن ضرب عمار والتعدي عليه يوازي العدوان على النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه..

وذلك في قضية حدثت لعمار مع عثمان  بالذات، وجاءت الشكوى إلى رسول الله، فقال «صلى الله عليه وآله» محذراً من التعدي على عمار XE "عمار بن ياسر" : «ما لهم ولعمار، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار؟ إن عماراً  جلدة ما بين عيني وأنفي، فإذا بلغ ذلك الرجل فلم يستبق فاجتنبوه..»([12]).

سادساً: عن خالد بن الوليد  عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: من عادى عماراً  عاداه الله، ومن أبغض عماراً XE "عمار بن ياسر"  أبغضه الله([13]).

وفي لفظ آخر: من حقر عماراً  يحقره الله([14])، أو نحو ذلك..

وهذه الأحاديث تبين حال من يعتدي على عمار  , ومن يشتمه ويبغضه..

12- التنكيل بخصوص الأخيار والكبار:

وهناك مفارقة لافتة في سياسات عثمان  . وهو أننا لم نجده عبس في وجه أي من عماله الذين كانوا أساس بلائه، فضلاً عن أن يعاقب أحداً منهم بالضرب، أو الحبس، أو القتل، أو العزل، جزاء على ما اقترفوه من جرائم.

ولكننا نجده يفعل بأبي ذر  وعمار ، وكعب بن عبيدة ، وابن مسعود وحتى علياً «عليه السلام»، وسواهم الأفاعيل، ويوسعهم ضرباً، ونفياً، واتهاماً، وشتماً، وأذى، وما إلى ذلك.. فما هذه المفارقة، ولماذا كانت، وكيف نفسرها، وهل يمكن اعتبارها صدفة؟!

13- كف عن عمار وغير عمار:

ثم إن علياً «عليه السلام»: لم يخص كلامه بعمار ، بل طلب من عثمان الكف عنه وعن غيره.. ومعنى هذا:

1 ـ إن عثمان XE "عثمان"  كان هو المبادر إلى التحرش بصحابة رسول الله «صلى الله عليه وآله».. كما أظهره النص المتقدم نفسه، فقد رأيناه يصب الزيت على النار. بل كان هو الذي يقتدح زنادها مرة بعد أخرى.. وكأنه يسعى للتخلص من رموز الصحابة وكبارهم وخيارهم، وأصحاب الكلمة المؤثرة فيهم بهذه الطريقة.. ليرتاح باله ممن يخشى صراحتهم، ويخاف من غيرتهم على دينهم، وعلى مصالح أمتهم.

وربما كان يريد إلى إضعاف أمير المؤمنين «عليه السلام» بالتنكيل بأكابر أصحابه، وبكل من يرى رأيه أو يميل إليه، كما جرى بالنسبة لصلحاء الكوفة XE "صلحاء الكوفة" ، أيضاً..

2 ـ قد أظهر الناس خشيتهم من أن تؤدي الطريقة التي اتبعها عثمان إلى نفي جميع الصحابة.. وهذا يدل على اتساع دائرة الإعتراض على عثمان XE "عثمان"  حتى شملت جميع الصحابة (أو على الأقل جميع أهل الشأن وأصحاب الكلمة المؤثرة منهم).

وهذا يفسر لنا قول علي «عليه السلام» له: كف عن عمار ، وغير عمار..

3 ـ إن إشارة علي «عليه السلام» إلى أبي ذر ، وعمار ، وغيرهما إنما تهدف إلى تحذير عثمان  من التمادي في هذه السياسة التي كانت في غير صالحه، وتعطي لمناوئيه الحجة عليه، وتمنحهم وسيلة إقناع مؤثرة أخرى.. أي أنه «عليه السلام» لم يرد تأنيب عثمان ، بل أراد لفت نظره إلى خطورة هذه السياسة على ثبات حكمه.

ولكن عثمان كان في عالم آخر، كما ظهر من ردة فعله تجاه علي «عليه السلام»، الذي لا يدخر وسعاً في نصحه، وفي إصلاح شأنه..

14- من الذي أفسد عماراً على عثمان ؟!:

1 ـ إن الإسلام حين جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليفاً شرعياً، يجب على جميع الناس القيام به، فيكون قد حتم عليهم، تثقيف أنفسهم بالأحكام وغيرها ليتمكنوا من معرفة الحق، وتمييزه عن الباطل..

كما أنه فرض عليهم أن يتحلوا بالشعور بالمسؤولية، وتربية المشاعر التي من شأنها رفع مستوى التعلق بالدين، وأحكامه، وتؤثر في تنامي الرغبة بالإلتزام بشرائعه، ثم إيجاد حساسية تجاه الباطل تؤدي إلى النفور منه، وتدعو إلى رفضه، والتأذي برؤية أي مظهر من مظاهره، مهما كان، ومن أي كان..

ولأجل ذلك نلاحظ: أنه كلما زاد وعي الإنسان، المسلم وازدادت معرفته بدينه، وتنامى تعلقه به، وحرصه على الإلتزام به.. كلما زاد حرصه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

وقد ربى النبي «صلى الله عليه وآله» هذا الوجدان الإنساني، ورعى هذه الروح، وطهرها وصفاها لدى ثلة من أصحابه، الذين كانوا يلتفون غالباً حول أمير المؤمنين «عليه السلام»، ولهم علاقة حميمة به، ومحبة وولاء له..

ثم ربى علي «عليه السلام» ثلة أخرى بعد وفاة رسول «صلى الله عليه وآله» كانت هي الأخرى على درجة عالية من المعرفة والوعي، وفي مستوى رفيع من الصفاء والطهر الروحي، ولديها الكثير من الحماس والإندفاع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً..

وهذا بالذات هو ما عناه «عليه السلام» في قوله لعثمان : «فوالله، ما يفسدهم عليك إلا نفسك، لأنهم يرون ما ينكروه (كذا)، فلا يسعهم إلا تغيير ما يرون»..

2 ـ وفي مقابل هؤلاء نجد من يريد أن يتخذ من الدين ذريعة للحصول على الدنيا وحطامها، ومن يحاول أن يستغل الواقع الراهن لمآربه، وطموحاته الشخصية، على قاعدة كلمة حق يراد بها باطل..

ولذلك فلا عجب أن يتصدى الأخيار من صحابة النبي «صلى الله عليه وآله»، وعلى رأسهم علي «عليه السلام» للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإنكار على من يوجب الإسلام الإنكار عليه.. وأن يحاول الطامحون والطامعون أن يستغلوا الأمور لصالحهم.. ويحرفوها عن مسارها الصحيح، حتى لو أدى ذلك إلى محق دين الله، وإذلال عباده الصالحين، وأوليائه المقربين.

3 ـ ولأن الأخيار من الصحابة، ومن أصحاب أمير المؤمنين ـ وكلهم كان ينقاد لما جاء عن الله ورسوله في علي «عليه السلام» ـ كانوا هم المتحمسين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد كان عثمان بسبب ذلك ـ إذا أردنا أن نغض النظر عن سائر الدلائل والشواهد ـ يتهم علياً «عليه السلام» بأنه كان هو الذي يدفعهم لتوجيه النقد إليه، والإعتراض على تصرفاته وتصرفات عماله..

مع أنهم إنما كانوا يعملون بواجبهم، ويلبون نداء الله تعالى لهم..

ويمكن أن يكون هذا هو سبب اتهام عثمان لعلي «عليه السلام» بأنه هو الذي أفسد عماراً وسواه عليه.

أما إذا أردنا أن نتخلى عن هذا الإحتمال، وعن احتمال أن يكون الدافع هو شدة البغض لعلي والحسد وسواه ـ فإننا استناداً إلى ما نشهده من تصلب عثمان في مواقفه، وفي الإحتفاظ بعماله، وعدم مؤاخذة أي منهم على أفاعيله، ثم غضبه من أي نقد يوجه إليه وإليهم، وبطشه بناصحيه، وبالآمرين له بالمعروف، والمعترضين على السياسات الخاطئة وسواها ـ إننا استناداً إلى ذلك كله ـ لا محيص لنا عن اعتبار عثمان غير مهتم بشيء سوى حفظ السلطة، التي انتهى بها الأمر إلى هذا الحال، وحفظ كل رموزها، مهما كان الثمن لذلك.. ولم يكن يريد تغيير أي شيء مما هو قائم.. سوى قمع المعترضين عليه، وإخماد كل صوت، والقضاء على كل تحرك..

15- انحسار الظل الطويل:

تقدم: أن عثمان قال لعلي أمير المؤمنين «عليه السلام»: لأنت أحق بالمسير منه (أي من عمار ). ولكنه سمع من علي «عليه السلام» جواباً هزه من الأعماق، فقد قال «عليه السلام» له:

«ما أنت بقادر على ذلك، ولا إليه بواصل، فرم ذلك إن شئت إلخ..».

أي أن عثمان ربما تخيل أنه يملك قدرات تمكنه من ارتكاب هذه الجريمة ـ جريمة إبعاد علي «عليه السلام» ـ وكأني به قد أشبه ذلك الذي رأى ظله طويلاً في آخر ساعات النهار، فظن أن قامته بطول ذلك الظل، فوقف بإزاء النخلة يريد أن يساميها في طولها!!

2 ـ وقد أسقط في يد عثمان  بمجرد سماعه جواب علي «عليه السلام»، ولم يستطع أن يسجل أي تحفظ، أو أية ملاحظة، مهما كانت على كلامه «عليه السلام»، وانحسر ذلك الظل الطويل، وعادت الأمور إلى طبيعتها، وندم من كان يجب أن لا يورط نفسه في مثل هذا المأزق..

3 ـ واللافت هنا: أن علياً «عليه السلام» قد حشر عثمان XE "عثمان"  في الزواية، ولم يترك له مجالاً إلا للإقدام، أو الإنسحاب، فاختار هذا الثاني منهما، فلم يقل حتى كلمة: بل أنا قادر على ذلك لكنني اعفو، أو أغض النظر، أو نحو ذلك..

16- إجلس في بيتك، والمسلمون معك:

وقد أصدر علي «عليه السلام» الأمر لعمار  عدم تنفيذ أمر عثمان  بالمسير إلى الربذة  ، ويلاحظ:

1 ـ إنه «عليه السلام» لم يكن قد فعل ذلك «عليه السلام» حين نفى عثمان  أبا ذر  لى الشام  ، ثم إلى الربذة  أيضاً، ولعل ذلك يعود إلى أن الأمور لم تكن قد نضجت بعد، فإن تفاقم الأمور على عثمان  وولاته، واتساع دائرة الإعتراض عليه وعليهم، وعلى أقاربه، وصيرورة عامة الناس ضده وضدهم. مكن علياً «عليه السلام»  من الوقوف في وجهه في قضية عمار  «رحمه الله»، ولم تكن الأمور هكذا عند نفي أبي ذر ، بل لعله لو حاول «عليه السلام» في تلك الفترة الوقوف في وجه الحكام في شأنه لتعرض سائر المؤمنين للخطر والضرر.. وكان ما جرى لأبي ذر  قد أسهم في جلاء الأمور للناس، وأصبحت البقية الباقية من أهل الإيمان أكثر حصانة، واكثر قوة بفضل ثبات وصبر أبي ذر  «رحمه الله»، وبسبب نشاطه الإعلامي الهادف إلى توعية الناس بشأن بني أمية ، وتعريفهم بما قاله النبي «صلى الله عليه وآله» فيهم، ثم نشره لفضائل علي وأهل البيت «عليهم السلام»، وتعريفهم بمظلوميتهم، وما ارتكب في حقهم، وما يجري عليهم.

وقد يتمكن الأمويون وانصارهم من إدخال الشبهة على الناس في أن يكون علي «عليه السلام» قد تجنى على عثمان  ، وربما يتمكنون من تصوير أبي ذر  على أنه قد تجاوز الحدود المسموح بها في نصح أولي الأمر.. وقد يفترون على أبي ذر  أموراً تبرر لهم نفيه إلى الشام  ، ثم على الربذة ..

ولكن بعد أن طال الزمن، وبلغ السيل الزبى، والحزام الطبيين وأسفر الصبح لذي عينين، فإن الناس سيرون أن هذا الإقدام من علي «عليه السلام» هو الصواب الذي لا بد منه، ولا محيص عنه.

2 ـ إن الذي يمنع عثمان  من ارتكاب ما عزم عليه في حق عمار   لم يكن هو مراعاة حكم الله فيه.. فقد نبهه علي والمسلمون إلى ذلك، مرات ومرات، كانت دائماً تنتهي بالفشل، وبتعقيد الأمور، والإقدام على خطوات أخطر من سابقاتها..

بل الرادع لمن يمسك بأزمة الحكم هو الخوف من الناس.. ولذلك قال علي «عليه السلام» لعمار : إن الله تبارك وتعالى مانعك من عثمان  وغير عثمان  ، وهؤلاء المسلمون معك. أي أن الله يمنعه، حين يرى أولئك الذين يقصدونه، بالأذى أن الناس معه..

وهذا بالذات ما عبر عنه بنو مخزوم  ، حين أقسموا بالله له قائلين: يا أبا الحسن، لئن نصرتنا، وكنت معنا، لا وصل إلينا عثمان XE "عثمان"  بشيء نكرهه أبداً.

وبلغ ذلك عثمان ، فكف عن عمار  ، وندم على ما كان منه.

ثم جاءت وساطة زيد بن ثابت  ، وما جرى للمغيرة بن الأخنس  لتؤكد ذلك أيضاً.. فلاحظ ما يلي:

17- يا ابن اللعين الأبتر:

وذكروا: أن عثمان بعد أن واجهه علي «عليه السلام» بما قدمناه في أمر عمار «جعل لا يدخل عليه أحد من وجوه المسلمين إلا شكا إليه علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فقال له زيد بن ثابتزيد بن ثابت :  يا أمير المؤمنين!

أفلا أمشي إليه فأخبره بموجدتك عليه؟!

فقال عثمان  : بلى، إن شئت ذلك.

قال: فأقبل زيد بن ثابت ومعه المغيرة بن الأخنس  بن شريق الثقفي حتى دخلوا على علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فسلموا وجلسوا، وبدأ زيد بن ثابت بالكلام، فقال: أما بعد يا أبا الحسن!

فإن لك سلفاً صالحاً في الإسلام، وأنت من رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالمكان الذي لا يعدله أحد، فأنت للخير كله أهل ومعدن، وأمير المؤمنين أصلحه الله عثمان بن عفان ، ابن عمك، وولي أمر هذه الأمة، وله عليك حقان، حق القرابة وحق الولاية، وقد شكاك إلينا، وذكر أنك تعترض عليه في أمره، وقد مشينا إليك نصحاً لك، وكراهة أن يقع بينك وبين ابن عمك أمر نكرهه، وتكرهه لكم صلحاء المسلمين.

فقال علي «عليه السلام»: والله ما أريد الاعتراض عليه في أمر من الأمور إلا أن يأتي منكراً، فلا يسعنا أن نقول فيه إلا بالحق، ولكن والله لأكفن عنه ما وسعني الكف.

قال: فتكلم المغيرة بن الأخنس فقال: والله! لتكفن عنه شئت أو أبيت، وهو والله أقدر عليك، منك عليه، وإنما بعثنا إليك لنكون له شهوداً عليك، وليعذر فيما بينك وبينه، فيكون له عليك الحجة بعد هذا اليوم.

قال: فغضب علي «عليه السلام» من كلام المغيرة  ثم قال: يا بن المغيرة الأبتر، والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع، يا بن العبد الآبق!

أنت تكفني عنه، فوالله ما أعز الله من أنت ناصره!

أخرج. أبعد الله نواءك، واجهد بلاءك. ثم اجهد بعدها جهدك، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت.

قال: فسكت المغيرة  لا يقول شيئاً. وتكلم زيد بن ثابت  فقال: لا والله يا أبا الحسن!

ما جئناك لنكون عليك شهوداً، ولكننا مشينا إليك، التماساً للأجر في أن يصلح الله تبارك وتعالى بينك وبين ابن عمك، وأن يجمع كلمتكم على أحسن الأحوال.

قال: فدعا له علي «عليه السلام» ولقومه بخير.

ثم قام زيد بن ثابت  والمغيرة بن الأخنس إلى عثمان   ، فأخبراه بما كان من الكلام([15]).

وقد وقعت مشاجرة بين علي «عليه السلام» وبين عثمان ، فقال المغيرة بن أخنس بن شريق  لعثمان: أنا أكفيكه.

فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: يا ابن اللعين الأبتر، والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع، يا ابن العبد الآبق، أنت تكفيني؟! فوالله ما أعز الله من أنت ناصره، ولا قام من أنت منهضه.

أخرج عنا، أبعد الله نواك، ثم أبلغ جهدك، فلا أبقى الله عليك، ولا على أصحابك، إن أبقيت علي([16]).

ونقول:

1 ـ قال ابن ميثم  : «هذه المشاجرة كانت في زمن ثوران الفتنة على عثمان في خلافته، وكان الناس يستسفرونه «عليه السلام» إليه»([17]).

غير أننا نقول: إن الصحيح هو أن ذلك قد حصل بعد ضرب عمار  مباشرة كما أظهرته الرواية الأخرى..

2 ـ إن ضم أصحاب الأخنس  إليه في كلام علي «عليه السلام»، الذي أظهر احتقاره له ولهم، يدلنا على أنه «عليه السلام» كان يعلم أن الأخنس إنما يصول بغيره..

فأراد أن يفهمه ويفهمهم أنه لا يقيم لهم وزناً إذا جدَّ الجد، ودُعِيَتْ نزال.

3 ـ لا ندري ماذا قصد «عليه السلام» بوصفه الأخنس بن شريق  بالأبتر، فقد يقول بعضهم: إنه يقصد أن ذريته غير صالحة، فهو بمثابة الأبتر، وقد يكون ذلك أشد عليه من انقطاع نسله.. كما أن من لا عقب له خير منه..

وقد يجاب عن هذا: إن الأخنس  كان من كبار المنافقين، ومن المؤلفة قلوبهم، الذين أعطاهم النبي «صلى الله عليه وآله» مئة من الإبل من غنائم حنين XE "حنين:غزوات" ([18]).

وليس ثمة ما يثبت أنه قد صلح بعد ذلك، وكان قد مات في آخر خلافة عمر ، ولم يكن أبناؤه يرون في انتسابهم إليه أية حزازة، أو منقصة.

كما أن أولاده إذا كانوا غير صالحين، فلا يرون أن ما هم فيه من انحراف من موجبات الطعن بهم.

ويجاب عن هذا: بأن نفس وصف الأخنس بالأبتر إنما يؤذي أبناءه، بما يشتمل عليه من التحقير والإهانة، أو فضح أمرهم بين الناس، من حيث إنهم يظهرون الإسلام، ويبطنون النفاق.

أو لأنه بوصفه بالأبتر يكون مهيناً له، من حيث إنه يستحق هذه العقوبة، ومهيناً لأبنائه من حيث تضمنه لتحقيرهم وإظهار نفاقهم.

أو يقال: إنه «عليه السلام» كان قد قصد الإخبار عن الغيب بانقطاع ذرية الأخنس  هذا، ولو بعد حين، وقد قتل المغيرة ابن الأخنس مع عثمان بعد ذلك، وقتل أخوه الحكم بن الأخنس XE "الحكم بن الأخنس"  قبل ذلك في يوم أحد على يد علي أمير المؤمنين «عليه السلام».

3 ـ وأما قوله «عليه السلام»: «والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع» قد يكون للإشارة إلى ما ذكره البعض: من وجود طعن في نسب ثقيف  "  قبيلة الأخنس   ([19]).

وقد يكون المقصود: أنها لا أصل لها ولا فرع في المجد، والشرف، والمكرمات، بل هي شجرة تكاد تعد في الأموات من هذه الجهة..

18- رواية المعتزلي :

قال المعتزلي : >واعلم أن هذا الكلام لم يكن بحضرة عثمان ، ولكن عوانة روى عن إسماعيل ابن أبي خالد ، عن الشعبي XE "الشعبي" ، أن عثمان  لما كثرت شكايته من علي «عليه السلام»، أقبل لا يدخل إليه من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» أحد إلا شكى إليه علياً.

فقال له زيد بن ثابت الأنصاري ـ وكان من شيعته وخاصته: أفلا أمشى إليه فأخبره بموجدتك فيما يأتي إليك!

قال: بلى.

فأتاه زيد ومعه المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي ـ وعداده في بنى زهرة  ، وأمه عمة عثمان بن عفان   ـ في جماعة، فدخلوا عليه، فحمد زيد   الله وأثنى عليه، ثم قال:

أما بعد.. فإن الله قدم لك سلفاً صالحاً في الاسلام، وجعلك من الرسول بالمكان الذي أنت به، فأنت للخير كل الخير أهل، وأمير المؤمنين عثمان XE "عثمان"  ابن عمك، ووالي هذه الأمة، فله عليك حقان: حق الولاية، وحق القرابة. وقد شكا إلينا أن عليا يعرض لي، ويرد أمري علي. وقد مشينا إليك نصيحة لك، وكراهية أن يقع بينك وبين ابن عمك أمر نكرهه لكما.

قال: فحمد علي «عليه السلام» الله، وأثنى عليه وصلى على رسوله. ثم قال:

أما بعد.. فوالله ما أحب الاعتراض، ولا الرد عليه، إلا أن يأبى حقا لله، لا يسعني أن أقول فيه إلا بالحق، ووالله لأكفن عنه ما وسعني الكف.

فقال المغيرة بن الأخنس  ، وكان رجلاً وقاحا، وكان من شيعة عثمان  وخلصائه: إنك والله لَتَكُفَّنَّ عنه أو لَتُكَفَّنَّ، فإنه أقدر عليك منك عليه!

وإنما أرسل هؤلاء القوم من المسلمين إعزازاً، لتكون له الحجة عندهم عليك.

فقال له علي «عليه السلام»: يا بن اللعين الأبتر، والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع، أنت تَكُفُّني!

فوالله ما أعز الله امرأً أنت ناصره، اخرج، أبعد الله نواك، ثم اجهد جهدك، فلا أبقى الله عليك ولا على أصحابك إن أبقيتم.

فقال له زيد : إنا والله ما جئناك لنكون عليك شهودا، ولا ليكون ممشانا إليك حجة، ولكن مشينا فيما بينكما التماس الأجر أن يصلح الله ذات بينكما، ويجمع كلمتكما.

ثم دعا له ولعثمان  ، وقام فقاموا معه([20]).

ونقول:

تضمنت هذه الرواية أموراً، نكتفي منها بالإشارة إلى ما يلي:

إن شكايات عثمان  من علي «عليه السلام» قد كثرت، حتى إن أحداً من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يدخل عليه إلا شكاه إليه..

ولكن مراجعة الأحداث التي جرت تظهر:

أولاً: إن تدخلات علي «عليه السلام» كانت كلها لإصلاح الأمور، ولو تم ذلك لكان لصالح عثمان ، ولدفع الناس عنه، ويكفي أن نذكر هنا نصين يدلان على ذلك، هما:

1 ـ قول علي «عليه السلام» لابن عباس : «والله، لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثماً»([21]).

2 ـ قول مروان بن الحكم  : «ما كان أحد أدفع عن عثمان  من علي.

فقيل له: ما لكم تسبونه على المنابر؟!

قال: إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك»([22]).

ثانياً: إنه «عليه السلام» كان يتدخل لرد التعديات على الحق، أي حين لا بد من الأمر بالمعروف، والجهر بكلمة الحق لرد المنكر..

 


([1]) بحار الأنوار ج31 ص 279 و 280 والغدير ج9 ص18 عن العقد الفريد ج2 ص272 وتقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي ص273.

([2]) راجع: أنساب الأشراف ج5 ص48 وراجع ص88 وبحار الأنوار ج31 ص193 والغدير ج8 ص285 وج9 ص15  وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج3 ص49 والدرجات الرفيعة ص262 والشافي في الإمامة ج4 ص289 وسفينة النجاة للتنكابني ص246.

([3]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص162 ـ 164 و (ط دار الأضواء) ج2 ص378 والغدير ج8 ص294 و 372 وج9 ص18 وراجع: نهج السعادة ج1 ص173 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج1 ص161 وأنساب الأشراف ج5 ص54 وعن تاريخ اليعقوبي ج2 ص150 والأمالي للشيخ المفيد ص72 وحياة الإمام الحسين «عليه السلام» للقرشي ج1 ص366.

([4]) راجع: الشمائل المحمدية ص187 والتواضع والخمـول لابن أبي الدنيـا ص223 = = وكتاب الصمت وآداب اللسان ص177 والعهود المحمدية ص462 و 666 و 832 ومسند أحمد ج2 ص161 و 189 و 193 وج2 ص328 و 448 وج6 ص174 و 236 و 246 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص166 و 218 وج7 ص81 و 82 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج7 ص78 وسنن الترمذي ج3 ص249 والسنن الكبرى للبيهقي ج10 ص192 وشرح مسلم للنووي ج16 ص152 وفتح الباري ج6 ص419 وعمدة القاري ج16 ص111 ومسند أبي داود ص214 و 297 و 305 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص88 و 89 والكرم والجود للبرجلاني ص32 و 33 ومسند ابن راهويه ج3 ص920 والأدب المفرد للبخاري ص67 وحديث خيثمة ص186 وصحيح ابن حبان ج14 ص354 ورياض الصالحين ص323 ونظم درر السمطين ص58 و 59 وكنز العمال ج7 ص162 و 220 و 222 وتفسير البغوي ج2 ص224 وج4 ص376 والدر المنثور ج2 ص74 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص365 و 377 و 414 والكامل لابن عدي ج4 ص56 وتاريخ بغداد ج6 ص156 وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص268 و 269 و 372 و 380 و 381 و 382 وج16 ص286 وج54 ص118 وميزان الإعتدال ج2 ص304 وتاريخ المدينة لابن شبة ج2 ص607 و 637 وذكر أخبار إصبهان ج2 ص212 والبداية والنهاية ج6 ص41 وإمتاع الأسماع ج2 ص200 و 201 وعيون الأثر ج2 ص423 وسبل الهدى والرشاد ج1 ص482 وج9 ص70 وج10 ص435 وج11 ص147.

([5]) راجع: غوالي اللآلي ج1 ص113 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص23 ومجمع الزوائد ج9 ص294 وفضائل الصحابة للنسائي ص50 والمعجم الكبير للطبراني ج4 ص113 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص74 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص400 والغدير ج1 ص331 وج9 ص27 و 28 وكنز العمال ج6 ص185 وج7 ص71 ـ 75 و (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص726 وج13 ص534 ومسند أحمد ج4 ص90 والمستدرك للحاكم ج3 ص390 ـ 391 وتاريخ بغداد ج1 ص163 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1138 وأسد الغابة ج4 ص45 والبداية والنهاية ج7 ص311 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص345 والإصابة ج2 ص512 و (ط دار الكتب العلمية) ج4 ص474 وتفسير الثعلبي ج3 ص335 وأسباب نزول الآيات ص106 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص530 وتهذيب الكمال ج25 ص366 و 652 وطرح التثريب ج1 ص88.

([6]) تاريخ مدينة دمشق ج43 ص403 و 406 وسير أعلام النبلاء ج1 ص415 وج3 ص575 والبداية والنهاية ج7 ص270 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج6 ص239 وج7 ص300 وإمتاع الأسماع ج12 ص202 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج3 ص98  والغدير ج9 ص25 وج1 ص330 وج10 ص312 عن الطبراني، والبيهقي والحاكم، ومناقب أهل البيت للشيرواني ص380 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص54 ومجمع الزوائد ج7 ص243 والمعجم الكبير للطبراني ج10 ص96 وكنز العمال ج11 ص721 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص262 وغاية المرام ج6 ص127 وراجع: والإكمال في أسماء الرجال ص203.

([7]) الإستيعاب ج2 ص436 و (ط دار الجيل) ج3 ص1139 والغدير ج9 ص25 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج10 ص105 والدرجات الرفيعة ص257 وحليف مخزوم (عمار بن ياسر) لصدر الدين شرف الدين ص75.

([8]) الإستيعاب ج2 ص436 و (ط دار الجيل) ج3 ص1139 والغدير ج9 ص25 و 259 وج10 ص87 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج10 ص105. وراجع: علل الشرائع ج1 ص223 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج2 ص351 = = وكتاب الأربعين للشيرازي ص261 وبحار الأنوار ج30 ص372 وج44 ص35  والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص101 والإستغاثة للكوفي ج1 ص54.

([9]) الغدير ج1 ص331 وج9 ص25 وج10 ص312 والطبقات الكبرى (ط ليدن) ج3 ص187 و ( ط دار صادر) ج3 ص262 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص61 ونهج السعادة ج2 ص239 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج13 ص539 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص476 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص101 وحليف مخزوم (عمار بن ياسر) ص245.

([10]) الغدير ج9 ص24 وج10 ص312 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج10 ص105 والجامع الصغير ج2 ص178 وكنز العمال ج6 ص183 و (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص720 عن ابن عساكر، وفيض القدير ج4 ص473 والدرجات الرفيعة ص257 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص393 و 408.

([11]) سنن ابن ماجة ج1 ص66 و (ط دار الفكر) ج1 ص52 ومسند أحمد ج1 ص389 وج6 ص113 والغـديـر ج9 ص25 و 26 و 259 و 325 وعن  = = مصابيح السنة ج2 ص288 والجامع لأحكام القرآن ج10 ص181 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص274 وكنز العمال ج6 ص184 و (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص721 و 722 والإصابة ج9 ص512 والأعلام للزركلي ج5 ص36 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص298 وغاية المرام ج6 ص127 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج31 ص360 وأسد الغابة ج4 ص45 وفتح الباري ج7 ص72 وتحفة الأحوذي ج10 ص213 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص523 والمستدرك للحاكم ج3 ص388 وسنن الترمذي ج5 ص332 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص23  والجامع الصغير ج2 ص178 و 495 وفيض القدير ج2 ص73 وج4 ص473 وج5 ص567 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص404 و 405 و 407 وسير أعلام النبلاء ج1 ص416 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص262 و 265 والمراجعات ص319  وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص575.

([12]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص142 و (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج2 ص345 وتاريخ الخميس ج1 ص345 والأعلاق النفيسة، ووفاء الوفاء ج1 ص329 والسيرة الحلبية ج2 ص72 وحياة الإمام الحسين للقرشي ج1 ص365 وحليف مخزوم (عمار بن ياسر) ص81 وراجع: خلاصة عبقات الأنوار ج3 ص40 و 50 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص44 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص336 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص423 عن العقد الفريد (ط الشرقية بمصر) ج2 ص204 وقد ذكره في الغدير ج9 ص21 و 22 و 27 وج10 ص312 عن مصادر كثيرة جداً، لكنه أخذ منه بعض فقراته، فلا بد من مراجعة تلك المصادر الكثيرة لمن أراد المزيد من التحقيق.

([13]) فضائل الصحابة للنسائي ص49 والمستدرك ج3 ص390 ومسند أحمد ج4 ص89 ومجمع الزوائد ج9 ص293 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص523 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص73 وصحيح ابن حبان ج15 ص556 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج3 ص52 وكنز العمال ج11 ص722 وج13 ص532 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص398 وأسد الغابة ج4 ص45 وسير أعلام النبلاء ج1 ص415 والإصابة ج4 ص474 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص574 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج31 ص361 والغدير ج9 ص27 وراجع: بحار الأنوار ج31 ص196 و 203 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص381 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص22 والدرجات الرفيعة ص257 والشافي في الإمامة ج4 ص293.

([14]) مسند أحمد ج4 ص89 والمستدرك للحاكم ج3 ص390 و 391 والمعجم الكبير للطبراني ج4 ص113 وكنز العمال ج13 ص533 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج43 ص359 والغدير ج1 ص331 وج9 ص27 وج10 ص312.

([15]) الفتوح لابن أعثم (ط الهند) ج2 ص165 و 166 و (ط دار الأضواء) ج2 ص380 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج8 ص303.

([16]) نهج البلاغة الخطبة رقم 135 والفتوح لابن أعثم ج2 ص379 ونهج السعادة ج1 ص175.

([17]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج3 ص163.

([18]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج8 ص301.

([19]) بحار الأنوار (ط كمياني) ج8 ص372 و (ط تبريز) ص350 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج8 ص303 و 304 وعن الفتوح لابن أعثم ج2 ص390.

([20]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج8 ص302 و 303.

([21]) نهج البلاغة الخطبة رقم 240 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص398.

([22]) الغدير ج7 ص147 عن الصواعق المحرقة ص33 و (ط أخرى) ص55 عن الدارقطني.

 

   
 
 

العودة إلى موقع الميزان