وروي:
أن مما قاله «عليه السلام» لأبي هريرة، وأبي الدرداء ليبلغاه إلى
معاوية:
«إن عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما إمام
هدى حرام الدم، واجب النصرة، لا تحل معصيته، ولا يسع الأمة خذلانه. أو
إمام ضلالة، حلال الدم، لا تحل ولايته ولا نصرته. [فلا يخلو من إحدى
الخصلتين].
والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما
يموت إمامهم أو يقتل ـ ضالاً كان أو مهتدياً، مظلوماً كان أو ظالماً،
حلال الدم أو حرام الدم ـ أن لا يعملوا عملاً، ولا يحدثوا حدثاً، ولا
يقدموا يداً ولا رجلاً، ولا يبدؤوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم
إماماً، عفيفاً، عالماً، ورعاً، عارفاً بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم،
ويحكم بينهم، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه، ويحفظ أطرافه، ويجبي فيئهم،
ويقيم حجتهم، وجمعتهم، ويجبي صداقاتهم.
ثم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلماً [ويحاكمون
قتلته إليه]، ليحكم بينهم بالحق: فإن كان إمامهم قتل مظلوماً حكم
لأوليائه بدمه، وإن كان قتل ظالماً نظر كيف الحكم في ذلك.
هذا أول ما ينبغي أن يفعلوه:
أن يختاروا إماماً يجمع أمرهم ـ إن كانت الخيرة لهم ـ ويتابعوه
ويطيعوه.
وإن كانت الخيرة إلى الله عز وجل، وإلى رسوله، فإن الله
قد كفاهم النظر في ذلك الاختيار، [ورسول الله «صلى الله عليه وآله» قد
رضي لهم إماماً، وأمرهم بطاعته واتباعه].
وقد بايعني الناس بعد قتل عثمان، بايعني المهاجرون
والأنصار، بعد ما تشاوروا في ثلاثة أيام، وهم الذين بايعوا أبا بكر
وعمر وعثمان، وعقدوا إمامتهم، ولي ذلك أهل بدر، والسابقة من المهاجرين
والأنصار، غير أنهم بايعوهم قبلي على غير مشورة من العامة [وإن بيعتي
كانت بمشورة من العامة].
فإن كان الله جل اسمه قد جعل الاختيار إلى الأمة، وهم
الذين يختارون وينظرون لأنفسهم. واختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها خير لهم
من اختيار الله ورسوله لهم، وكان من اختاروا وبايعوه بيعته بيعة هدى،
وكان إماماً، واجباً على الناس طاعته ونصرته، فقد تشاوروا فيَّ
واختاروني بإجماع منهم.
وإن كان الله عز وجل هو الذي [يختار، له الخيرة فقد]
اختارني للأمة، واستخلفني عليهم، وأمرهم بطاعتي ونصرتي في كتابه المنزل
وسنة نبيه «صلى الله عليه وآله»، فذلك أقوى لحجتي، وأوجب لحقي»([1]).
ونقول:
قد بين هذا النص أموراً هامة، لا بد من توفيرها بعد قتل
الخليفة أو موته، وهي ترتبط بجهات ثلاث، وهي التالية:
1 ـ لزوم نصب الحاكم:
لا يجوز الفراغ في سدة الحكم، بل لا بد من المبادرة إلى
ملئها، بل إن هذه المبادرة هي من أوجب الواجبات.. وقاعدة تقديم الأهم
تقضي بذلك.
2 ـ صفات الحاكم:
ذكر «عليه السلام» أن من صفات الإمام ما يلي:
ألف:
العفة، وقد قدمها على العلم، لأن العلم إذا لم تهيمن
العفة عليه، فإنه يصبح أداة لإيذاء الناس، والعدوان على كل ما يعود
إليهم، واستغلالهم، واستعبادهم، وما إلى ذلك.
ب:
العلم، فلا يجوز تولية الجاهل أمور الناس، لأنه يقودهم
بجهله إلى الهلاك، ويوقعهم في المحذور.
ج:
الورع عن المحارم، وعدم الانسياق وراء المغريات
والشهوات.
د:
المعرفة بالقضاء، ليتمكن الناس من حفظ الأنفس والأموال،
وإعادة الحقوق لأصحابها، وتأديب المذنبين بالطريقة الصحيحة المشروعة.
هـ:
أن يكون عارفاً بالسنة، ليستلهم منها سياساته في مختلف
المجالات.
3 ـ مهمات الحاكم:
ثم ذكر مهمات ذلك الحاكم، فكان منها:
ألف:
أن يجمع أمر الناس، ولا يدعهم متفرقين. بل إن بعض الحكام هم الذين
يذكون الخلافات بين الناس لحفظ سلطتهم بزعمهم.
ب:
أن يعمل على توطيد وترسيخ العلاقة والربط والتلاحم بين
الناس.
ج:
أن يأخذ للمظلوم حقه ممن ظلمه.
د:
أن يحفظ أطرافهم.
هـ:
أن يجبي فيأهم.
و:
أن يقيم لهم حجهم، وجمعتهم، ويتولى هو رعايتهم الدينية، ويهتم بأدائهم
لعبادتهم على الوجه الصحيح.
ز:
أن يجبي صدقاتهم..
فإذا قتل الخليفة، ويراد محاكمة قتلته، فذلك يحتم نصب
الخليفة الجامع للشرائط المذكورة آنفاً، لأداء مهمات ذكرت، فإذا توفرت
هذه الشروط، فإنهم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول، ليحكم بينهم بالحق.
فإن كان ذلك الخليفة قتل مظلوماً حكم لأوليائه بدمه.
وإن كان قتل وهو لهم ظالم مستحق للقتل نظر كيف يكون
الحكم في تلك الواقعة. هذا كله إن كانت إليهم الخيرة في اختيار الإمام.
أما إن كانت الخيرة في الإمام إلى الله تعالى، فإن
المطلوب منهم هو مجرد الطاعة للذي اختاره الله تعالى ورسوله «صلى الله
عليه وآله» لهم.
ثم ذكر «عليه السلام»:
أن بيعته قد حصلت على جميع العناصر التي تؤكد شرعيتها، مهما اختلفت
الأنظار في مناشىء الشرعية. فامتازت بذلك على كل بيعة غيرها.
فقد بايعه ليس فقط رجلان، أو بضعة رجال من أهل الحل
والعقد، وليس فقط أهل بدر، أو أهل بيعة الرضوان، أو هما معاً، أو
السابقون من المهاجرين والأنصار، بل بايعه جميع الأنصار، وبايعه أهل
السابقة والفضل من المهاجرين وبايعه أهل الحرمين، وبايعه الذين بايعوا
أبا بكر، والذين بايعوا عمر، والذين بايعوا عثمان.
وقد بايعه هؤلاء، مع الفوارق التالية:
أولاً:
إن البيعة له كانت عن روية وتبصرٍ، وتأمل منهم، استمر
خمسة أيام، ولم تكن مجرد ردة فعل غير مدروسة ولا ناضجة، ولا مسؤولة
بخلاف البيعة لغيره، فإنها لم تكن كذلك..
ثانياً:
إنها كانت على غير رغبة منه «عليه السلام» ولا سعي.. بل
كان لها كارهاً، بخلاف غيره ممن سبقه، فإن رغبته، واندفاعه للبيعة له
كانت ظاهرة، بل بلغ بهم الأمر حد استعمال العنف، فضلاً عن التخويف،
والتهديد، والترغيب، والرشوة، وما إلى ذلك..
ثالثاً:
إن المخالفين للبيعة لغيره كانوا أفاضل الناس، وأهل
الدين والعقل الراجح، وأهل الاستقامة، والعلم والمعرفة، والزاهدين في
الدنيا، ولم يكن حال المخالفين لبيعته كذلك..
رابعاً:
إن البيعة له «عليه السلام» قد روعي فيها أن تكون
الخلافة لمن هو القمة في جامعيته للشرائط المعتبرة في الحاكم.. وقد
أظهرت الوقائع أن البيعات الأخرى لم تكن ـ عموماً ـ موفقة في توفير
الحد الأدنى من تلك الشرائط، فضلاً عن أقصاها..
خامساً:
إن البيعة لغيره اقتصرت على أشخاص أو فئات بعينها، ولم يشارك العامة في
الاختيار والرضا فيها، أما البيعة له فقد توفر لها عنصر المشاركة
لمختلف الفئات والطبقات، في الرأي، وفي الإختيار، والرضا..
وقد سجل «عليه السلام» هذه الملاحظة بصراحة في كلمته
التي نحن بصدد الحديث عنها.
فاجتمع النص الإلهي والنبوي الصريح، مع البيعة في يوم
الغدير، ثم مع البيعة بعد قتل عثمان، مع اختيار العامة ورضاهم، بما
فيهم أهل بدر، وأهل السابقة، إلى غير ذلك مما تقدم..
سادساً:
لقد تحقق الإجماع على البيعة لعلي «عليه السلام»، ولم يتوفر ذلك لأية
بيعة أخرى غيرها.
إنه «عليه السلام» قد بيّن عدم صحة تصدي الناس لعقد
الإمامة، سواء أكانوا من أهل الحل والعقد ـ كما يزعمون ـ أم كانوا من
غيرهم. فإن الأمر لله يجعله حيث يشاء، لأن معنى جعل الاختيار للناس، هو
أن يكون اختيارهم ونظرهم لأنفسهم خير لهم من اختيار الله ورسوله لهم..
وهذا ما لا يمكن لمسلم أن يتفوه به، فضلاً عن أن يرضاه
ويتبناه..
إنه «عليه السلام» بعد أن ذكر ذلك كله، جعله ركيزة
لقياس الأولوية، الذي هو من الظهورات التي يعتمد عليها في مقام
التخاطب، فإذا قال الله للولد عن والديه:
﴿فَلَا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾([2]).
فُهِمَ من ذلك حرمة ضربهما أيضاً، فكيف بقتلهما؟!
والأمر هنا أيضاً كذلك، فإن البيعة لأمير المؤمنين
«عليه السلام»، إذا كانت منصوصة من الله ورسوله، ومجمعاً عليها من
الناس، وقد شارك في الاختيار والرضا جميع الفئات والطبقات، وكانت عن
تأمل وروية وتعقل من الجميع، وشارك فيها السابقون الأولون، وأهل بدر،
والمهاجرون والأنصار وغيرهم ـ نعم، إذا كان الأمر كذلك ـ فطاعته «عليه
السلام» أولى من طاعة من يُبَايَعُ بالطريقة الفاقدة لأكثر أو لجميع
هذه العناصر.
وقال
الشعبي:
لما اعتزل سعد، ومن سميناه أمير المؤمنين «عليه السلام»، وتوقفوا عن
بيعته، حمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أيها الناس، إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان
قبلي، وإنما الخيار للناس قبل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار لهم.
وإن على الإمام الاستقامة وعلى الرعية التسليم. وهذه
بيعة عامة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام، واتّبع غير سبيل أهله.
ولم تكن بيعتكم إياي فلتة، وليس أمري و أمركم واحداً،
وإني أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم. وأيم الله لأنصحن للخصم،
ولأنصفن للمظلوم.
وقد بلغني عن سعد، وابن مسلمة، وأسامة وعبد الله، وحسان
بن ثابت، أمور كرهتها. والحق بيني وبينهم([3]).
ونقول:
1 ـ
إن كلام علي «عليه السلام» هنا يدل على أن اعتزال سعد، وابن عمر، وابن
مسلمة، وحسان بن ثابت، وأسامة لم يكن عن البيعة، بل كان عن امر تفرض
عليهم البيعة القيام به..
إذ هو يقول لهم:
إنكم بعد أن بايعتم لا يحق لكم الاعتزال وعدم القيام بما يجب عليكم
القيام به.. وإنما يحق لكم هذا قبل أن تبايعوا، أما بعد البيعة فلا
خيار لكم.
وهذا يؤيد بل يدل على صحة قول
المفيد وغيره:
إنهم قد بايعوا، ولكنهم رفضوا المسير معه للقتال. وطلب أحدهم سيفاً له
لسان وشفتان يميز بين المؤمن والكافر..
وزعم آخر:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» أوصاه بأن يتخذ سيفاً من خشب، ويجلس في
بيته، ولا يقاتل أحداً.. وما إلى ذلك..
2 ـ
إن امتناعهم عن القتال معه يدل على أنهم يريدونه «عليه السلام»
لأنفسهم، ولا يريدون ببيعتهم له تحقيق رضا الله تعالى من خلال طاعة
أوامره والذب عن دينه وعن عباده..
3 ـ
إنهم حين بايعوه وأوجبوا على أنفسهم طاعته، قد أطلقوا هذه البيعة لتشمل
جميع الموارد، ولم يستثنوا منها القتال ولا غيره.. تماماً كما بايعوا
أبا بكر وعمر، وعثمان من قبل.. فإنهم لم يستثنوا موضوع القتال..
وحين دعاهم أبو بكر وعمر وعثمان إلى المشاركة في الحروب
لم يقولوا لهم: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمرهم باتخاذ سيف من
خشب، والجلوس في بيوتهم.. ولم يطلبوا منهم سيوفاً لها لسان وشفتان
لتخبرهم بالمؤمن فيتركونه، وبالكافر فيقتلونه..
وهذا معنى قوله «عليه السلام»:
«إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي».. فما معنى هذا التمييز
منهم بينه «عليه السلام» وبين من سبقه، فيطيعونهم، ويعصونه. ويطلقون
بيعتهم وطاعتهم لهم.. ثم يشترطونها ويستثنون فيها بعد إطلاقها معه؟!.
4 ـ
ثم ذكر «عليه السلام» قاعدة كلية صحيحة، تنظم العلاقة بين الحاكم
والرعية، ولا بد من مراعاتها بين الحاكم والمحكوم.. وهي: أن على الحاكم
أن يستقيم على جادة الحق، وعلى المحكوم الطاعة والتسليم.
والمفروض:
اعتراف الجميع باستقامته «عليه السلام» على طريق الهدى والحق، بل هم
يقولون: إنه «عليه السلام» أفضل هذه الأمة وأعلمها. وقد أخبرهم نبيهم:
بأنه «عليه السلام» مع الحق ومع القرآن، والحق معه، والقرآن معه..
فهل هناك استقامة أبين وأظهر من هذه الاستقامة، فأين هي
الطاعة منهم.
5 ـ
وقد أقر «عليه السلام» قاعدة هامة مفادها: أن من رغب عن البيعة العامة،
رغب عن دين الإسلام، واتبع غير سبيل أهله..
وذلك لأنه إذا كان المطلوب بالبيعة العامة هو حفظ
الكيان العام، مقدمة لحفظ دين الله تبارك وتعالى، وكان الإخلال بالبيعة
العامة وما يلزم منها يعطي الفرصة لأعداء هذا الدين، ليوردوا عليه
ضربتهم القاصمة، فذلك يعني التخلي منهم عن هذا الدين، والرغبة عنه..
وإذا كان سبيل أهل الإسلام هو أن يؤسسوا وينشئوا الكيان
الذي يحفظ وحدتهم، ويزيد من قوتهم، ويؤكد عزيمتهم. والإلتزام بلوازم
البيعة هو أحد سبل ذلك، فإن التخلف والرغبة عنها اتباع لغير سبيل أهل
الإسلام..
وهذا يؤكد لزوم التدقيق في أية حركة وموقف في هذا
الإتجاه.. وأنه لا مجال للحياد. ولا يوجد خيط رمادي، بل هو إما أبيض أو
أسود.. وتصبح القضية مرددة بين خيارين لا ثالث لهما.
فإما البيعة والإلتزام بما تلزم به وحفظ الدين بها،
واتباع سبيل المؤمنين، والكون في معسكر الإسلام..
وإما الخروج عن هذا الدين، واتباع سبيل غير المؤمنين..
وتصح هنا القاعدة التي تقول:
من لم يكن لنا فهو علينا.. ولا يوجد خيار آخر أبداً، وتبطل مقولة: «لا
لنا ولا علينا».
6 ـ
ثم إنه «عليه السلام» قد استنتج أن موقف سعد، وابن مسلمة، وأسامة،
وحسان، وابن عمر، في دائرة الباطل..
ولأجل ذلك قال:
«والحق بيني وبينهم»، ليشير إلى القاعدة القرآنية التي تقول:
﴿فَمَاذَا
بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾([4])،
وقوله تعالى:
﴿وَإِنَّا
أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾([5])،
وآيات كثيرة أخرى..
فإذا لم يكن هؤلاء في دائرة الحق، فهم وفق النص القرآني
في الدائرة الأخرى، وهي الباطل لا غير..
7 ـ
وقد ظهر: أن قول الشعبي: إنه «عليه السلام» قال كلماته هذه حين بلغه أن
سعداً وابن عمر، ومسلمة، وحساناً وأسامة قد توقفوا عن بيعته، غير دقيق.
بل هو كلام قاله بعد أن توقفوا عن الخروج معه للقتال، بعد بيعتهم له..
ولعل الرواية قد تعرضت لتحريف متعمد، أو ناتج عن سوء
فهم، بسبب الشائعات والشبهات التي كانت تثار ضده «عليه السلام» في أكثر
من اتجاه..
ورووا عن علي «عليه السلام» أنه
قال:
«لو ظننت أن الأمر يبلغ ما بلغ ما دخلت فيه»([6]).
ونقول:
إن هذه الأباطيل لا يمكن ان تخدع أهل الحق، وهم يعلمون
أن الهدف منها هو بلبلة الأفكار، وتسميمها تجاه علي «عليه السلام»،
ونحن نلاحظ هنا ما يلي:
1 ـ
إن هذا النص المزعوم يريد أن يبطل جميع ما صدر عن علي «عليه السلام» من
أخبار عن الغيب، تدل على أنه «عليه السلام» كان عالماً بأدق تفاصيل ما
يجري قبل وقوعه.
2 ـ
إنهم يريدون الإيحاء بأنه «عليه السلام» هو الذي يقرر الدخول في أمر
الخلافة وعدمه، وأنه لم يكن لديه أوامر محددة يعمل بموجبها، ولا كان
يعمل بوصية رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا كان منصوصاً عليه من
الله ورسوله.
3 ـ
إنهم يريدون التسويق لمقولة: أنه «عليه السلام» كان قاصر النظر في
السياسة، ولم يكن يعرف طموحات معاوية، وطلحة والزبير، وعائشة،
وعداواتهم له، وأنهم لا يرضون منه بالحق والعدل، بل هم سوف يواجهونه
بالحرب إن لم يحصلوا على ما يريدون، ولم يستطع أن يحسب الأمور حساباً
دقيقاً يمكنه من استشراف الأحداث قبل وقوعها.
4 ـ
إنه «عليه السلام» قد أقدم على أمر أوجب له الندم، فدل ذلك على أنه لم
يكن مسدداً ولا معصوماً، ولا منزهاً عن الخطأ. فها هو يخطئ في تقدير
الأمور، فيدخل فيها، ثم يكتشف خطأه ويندم..
5 ـ
ويكذب ذلك كله: أن علياً «عليه السلام» قد أخبرهم قبل أن يدخل في
الأمر: بأنهم مقدمون على أمر له وجوه وألوان.. وبأنهم يواجهون فتناً
مقبلة عليهم كقطع الليل المظلم، فما معنى القول هنا: بأنه لم يكن يعلم
بأن الأمور تبلغ ما بلغت؟!
بل هو قد أخبر بما يكون من طلحة والزبير، ومعاوية، ومن
الخوارج بالتفصيل.. وكان «عليه السلام» والناس كلهم يعلمون أن رسول
الله «صلى الله عليه وآله» قد عهد إليه بقتال الناكثين والقاسطين
والمارقين الذين وصفهم بأنهم شر أهل الأرض، ولا يقتلهم إلا خير خلق
الله.
([1])
كتاب سليم بن قيس ج2 ص752 و 753 ومصباح البلاغة (مستـدرك نهـج
= = البلاغة) ج3 ص27 و 28 وبحار الأنوار ج33 ص143 و 144 و 145.
([2])
الآية 23 من سورة الإسراء.
([3])
بحار الأنوار ج32 ص33 والإرشاد للمفيد ص130 في الفصل رقم16 و
(ط دار المفيد سنة 1414هـ) ج1 ص234 ونهج السعادة ج1 ص208 و (ط
مؤسسة الأعلمي) ج1 ص196 وأعيان الشيعة ج1 ص444.
([4])
الآية 32 من سورة يونس.
([5])
الآية 24 من سورة سبأ.
([6])
أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص213.
|