صفحة : 209-235   

بـدايـة:

بقي علينا: أن نشير إلى بعض المؤاخذات التي سجلناها على النص الثالث والأخير، لما زُعِمَ أنه خطبة ألقاها أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام على أصحابه في الكوفة. وقد ذكر فيها «عليه السلام» طائفة من الملاحم التي تسبق ظهور حجة الله عليه آلاف التحية والسلام في آخر الزمان.

وهي الخطبة التي أطلقوا عليها اسم «خطبة البيان».

وقبل أن ندخل في تسجيل المؤاخذات المشار إليها، نودّ أن نشير إلى أن بعض الفقرات لما كانت مشتركة بين هذا النص الثالث والأخير، وبين النصَّين اللذين سبقاه، فإن من الطبيعي أن لا نتعرض لكثير من هذه الفقرات مكتفين بما سجلناه عليها فيما سبق..

وبالنسبة لما نريد الإلماح إليه حول هذا النص نقول: إننا نكتفي بالإلماح إلى ما يلي:

نظرة في سند هذا النص:

يقول الراوي في مطلع هذا النص: «وقد ثبت عنه([1]) علماء الطريقة، ومشايخ الحقيقة، بالنقل الصحيح، والكشف الصريح: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قام على منبر الكوفة الخ..» ([2]).

فنلاحظ على هذه الفقرة:

أولاً: إنه يظهر أن الراوي لها هو من أهل السنة، الذين يختارون عبارة «كرم الله وجهه» في ثنائهم على أمير المؤمنين «عليه السلام».

ثانياً: إن هذه الفقرة قد صرحت بأن سند هذه الخطبة: هو النقل الصحيح، والكشف الصريح. ولكن هذا الصحيح، وذلك الصريح إنما ثبت لخصوص علماء الطريقة، ومشايخ الحقيقة، ولكنه لم يثبت ذلك أيضاً عند العلماء والباحثين، أو نقاد الحديث والمحدثين.

ثالثاً: لا ندري أيضاً كيف ثبتت هذه الخطبة بالكشف، الذي هو وسيلة غير عادية، ولماذا لم تثبت سائر أحكام الإسلام، وحقائق الدين ومعارفه وتعاليمه بطريقة الكشف الصريح أيضاً.. وهكذا الحال بالنسبة إلى القرآن، والسنة المطهرة، وحوادث التاريخ.

ويبدو: أن واضع هذا النص للخطبة كان من الصوفية، كما يشير إليه هذا السند، وتشير إليه أيضاً العبارة التي وردت في نهاية الخطبة، وهي قوله: «والصلاة على قطب الأقطاب، ورسول ملك([3]) الوهاب، وعلى آله المنتجبين الأطياب، ما أشرقت شموس الغيوب، من غياهب القلوب»([4]).

كذب الوقاتون:

تقول الرواية:

«فيظهر عند ذلك صاحب الراية المحمدية، والدولة الأحمدية، القائم بالسيف الحال، الصادق في المقال، يمهّد الأرض، ويحيي السنة والفرض. سيكون ذلك بعد ألف ومئة، وأربع وثمانين سنة من سني الفترة بعد الهجرة»([5]).

ونقول:

حسبنا في تكذيب هذه المزعمة: أن نذكّر القارئ بالروايات التي تؤكد على تكذيب الوقاتين، وردّ مزاعمهم في ذلك، فنقول: تبعاً لما روي عن الأئمة الأطهار «عليهم السلام»:

«كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون»([6]).

الفارسية هي الملاذ:

ومن جملة فقرات هذه الخطبة قوله: «أنا كيوان الكيهان»([7]).

فنلاحظ: أن السبل قد ضاقت على هذا الخطيب، فلم يجد في اللغة العربية ما يسعفه فالتجأ إلى الفارسية، فوجد فيها بغيته، وحقق أمنيته.

واستفاد من كلمتين فارسيتين:

إحداهما: «كيوان».

والأخرى: «كيهان».

النصبُ والعداء للرافضة:

ويقول النص المزعوم، وهو يعدد الحوادث والبلايا:

«وضيعت الأرض، وحكم الرفض»([8]).

فهذه الفقرة تدل دلالة واضحة على أن واضع الرواية رجل ناصبي، يبغض شيعة أهل البيت «عليهم السلام»، ويرى:

أن حكم مذهب الرفض والرافضة، وشيوعه وقوته، من المصائب والبلايا التي تسبق ظهور مهدي آل محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين.

مع أن الرفض، والتشيّع لأهل البيت «عليهم السلام» هو الإسلام الصافي، والسليم عن أي تحريف أو تزييف، لأنه هو إسلام النبي وعلي، والأئمة الأطهار من ولده، ولأنه مأخوذ من القرآن، والعترة، وهما الثقلان اللذان لا يضل من تمسك بهما، والعترة هم سفن النجاة، والعروة الوثقى، والحجة على أهل الدنيا، كما ورد في الروايات الصحيحة والصريحة.

الغفلة الظاهرة:

يقول النص:

«أنا ليث بني غالب، أنا علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه»([9]).

فإن صلاة الخطيب على نفسه غفلة ظاهرة، وذهول معيب، كما هو ظاهر للعيان، وصلاة النساخ عليه هنا خلاف ظاهر السياق.

حتى الراوي أصبح سجاعاً:

وبعد.. فإننا إذا رجعنا إلى عبارات راوي الخطبة، فسنجد: أنها هي الأخرى مسجعة ومنمقة، على نسق الخطبة نفسها، وهي لا تختلف في اقتضاب جملها، ومراعاة قوافيها، وكيفيات تراكيبها عن فقرات الخطبة إلا في شيء واحد، وهو أنها قد جاءت أجمل تركيباً، وأسهل فهماً، وأصح استعمالاً.

ولعل مردّ ذلك إلى أنها لم تتضمن تلك المعاني المتكلّفة، واللا مألوفة.

فراجع وصف الراوي لحالات أمير المؤمنين، وحالات الناس معه إبّان إلقائه لهذه الخطبة المزعومة، لتتأكد من صحة ما ذكرناه([10]).

من هو أبو العباس؟!:

وقد ورد في هذا النص أيضاً العبارة التالية:

«يا أبا العباس، أنت إمام الناس»([11]).

ولم نستطع أن نعرف من هو أبو العباس هذا، فهل هو أبو العباس السفاح ـ كما ربما يحتمله البعض ـ وهو احتمال لا يتناسب مع سياق الكلام، ولاسيما بعد أن ذكر ظهور المهدي «عجل الله فرجه»، وانتهى الأمر. والسفاح هو أول خليفة في دولة بني العباس.

وما قيمة السفاح في التاريخ الإسلامي ليرد الإخبار بإمامته على لسانه «عليه السلام»؟!.

الغلو والارتفاع:

ومن العبارات التي تفوح منها رائحة الغلو والارتفاع، بحيث يصعب تأويلها إلا على وجه بعيد، أو لا يمكن تأويلها، نذكر ما يلي:

ألف: قوله:

لقـد حـزت عـلـم الأولين وإنـني                 ضـنـين بـعـلـم الآخـريـن كتـوم
وكاشف أسرار الغيـوب بأسرهـا                وعنـدي حـديـث حادث وقديـم
وإنـي لـقــيُّــوم عـلى كـل قـيِّـمٍ                   محـيـط بـكــل الـعالمـين علـيم
([12])

ب: «أنا علانية المعبود»([13]).

ج: «أنا جانب الطور» وفي النص الأول للخطبة: «أنا صاحب الطور»([14]).

د: «أنا الأول، أنا الآخر، أنا الباطن، أنا الظاهر»([15]). إن لم نأخذ بالتفسير الذي روي عن الإمام الباقر «عليه السلام»، وسنذكره في فصل آخر من هذه الفصول.

هـ: «أنا شديد القوى»([16]).

حيث يظهر: أنه إشارة إلى قوله تعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى([17]). مع أن المقصود به جبرائيل «عليه السلام».

و: «أنا العاديات والقارعة»([18]). إلا إن قصد به معنى مجازياً غير متداول.

ز: «أنا جوهر القدم»([19]).

ح: وقال عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» [وقد يكون ذلك من كلام الراوي]:

والصلاة على الاسم الأعظم، والنور الأقدم، محمد وآله([20]).

فكيف يكون «صلى الله عليه وآله» هو الاسم الأعظم لله سبحانه، إلا على سبيل الحلول، والعياذ بالله.. إلا إن قلنا: إنه يقصد به ما يقترب من المعنى الذي ورد في بعض الروايات عن الأئمة «عليهم السلام»: نحن أسماء الله الحسنى، أي أنهم تجليات تلك الأسماء، حيث يظهر فيهم قدرة وعظمته وعلمه و.. و.. الخ..

وكيف يكون هو النور الأقدم، حيث يلزم منه تعدد القدماء، كما هو معلوم؟!

إلا إن قلنا: إن القِدم نسبي إضافي، وليس حقيقياً.

ط: «أنا بيت المعمور»([21]).

وحدة الوجود، أم عقيدة الحلول:

وهذا النص للخطبة ـ كسابقيه ـ قد تضمن ما يشير إما إلى الاعتقاد بوحدة الوجود، أو إلى الالتزام بعقيدة الحلول التي لا شك في خطلها وفسادها..

ومن الأمثلة المختارة نذكر هنا قوله:

«أنا ثعبان الكليم»([22]).

«أنا مؤاخي يوشع وموسى، أنا ميمون، وصي عيسى، أنا ذر ملاح الفرس»([23]).

«أنا شيث البراهمة، أنا سعد العياقمة»([24]).

«أنا شبير الترك، أنا شملاص الشرك، أنا جنبنتا [أجيثا خ ل] الزنج، أنا جرجس الفرنج، انا عقد الإيمان، أنا زبركم الغيلان، أنا برسم الروس، أنا لوس السدوس، أنا سلمة المطاء، أنا دودين الخطا، أنا بدر البروج، أنا شنشار الكروج، أنا خاتم الأعاجم، أنا روثيان التراجم، أنا أوريا الزبور»([25]).

«أنا بطرس الروم، أنا سيدس الأشموم، أنا حقيق الأرمن»([26]).

«أنا مهدي الأوان، أنا عيسى الزمان»([27]).

«أنا مزن السحائب».

«أنا البرق اللموع، أنا السقف المرفوع، أنا الشعرى والزبرقان، أنا قمر السرطان، أنا أسد النثرة، أنا سعد الزهرة، أنا مشتري الكواكب، أنا زحل الثواقب».

«أنا عقود الكرمين».

«أنا جناح البراق».

«أنا يافث الكشف».

«أنا آصف هود، أنا نخلة الجليل، أنا خلّة الخليل، أنا مبعوث بني إسرائيل».

«أنا هيولى النجوم».

«أنا جانب الطور، أنا باطن الصور».

«أنا بيت المعمور».

«أنا هلال الشهر، أنا لؤلؤ الأصداف، أنا جبل قاف»([28]).

من هو وصي عيسى؟!:

وتقدم: أنه يقول: «أنا ميمون وصي عيسى»([29]) مع أن وصي عيسى هو شمعون الصفا، وليس ميمون.. إلا أن يكون هناك تصحيف لتقارب رسم الحروف بين شمعون وميمون.

أنا الشعرى والزبرقان:

وذكر في هذا النص: أنه «عليه السلام» هو «الزبرقان» نفسه، مع أنه يقول في النصين المتقدمين: أنه شعر الزبرقان.. فأيهما هو الصحيح؟!

ملاحظات ثلاث:

ونلاحظ هنا: الأمور الثلاثة التالية:

إنه يمكن أن يُستَظهَر هنا: أن واضع هذه الفقرات وسواها مما هو على نسقها من القائلين بالحلول، إذ يصعب تأويل كثير من فقراتها بصورة معقولة ومقبولة، بسوى ذلك.

إنه يمكن أن يكون ممن يقول بوحدة الوجود، أو بها، وبعقيدة الحلول معاً.

«إن عدداً من الفقرات لا يرجع إلى معنى محصل، ومثلها غيرها مما لم نذكره. فراجع الخطبة.

فهل الغلاة هم وراء هذه الادّعاءات، أم غيرهم ممن يهدفون إلى تخريب الدين، ومحو آثاره؟!.

كلمات لم نجدها في اللغة:

وثمة كلمات لم نجد لها أصلاً في اللغة، وهي كثيرة جداً، وذلك نظير كلمة:

«الجابث» في قوله: «يابن الجبان الجابث»([30]).

«واغلنطس» في قوله: «واغلنطس بضلالة الأوثان ماهرها»([31]).

وفي النص الأول للخطبة: «اغتلطمس»([32]) أيضاً كسابقه.

وفي النص الثاني للخطبة: «واعلنكس بضلالة دعاة الصلبان ظاهرها»([33]).

«تجهرم» في قوله: «تجهرم السالخ»([34]).

 

«كرثم» في قوله: «كرثم القميص»([35]).

«قدقد» في قوله: «قدقد الديجور»([36]).

«خدخد» في قوله: «خدخد البلوغ»([37]) فإن الخدخد دويبة. وليس المقصود: أن البلوغ سوف يصير مثل دويبة الخدخد.

«الإلحاذ» في قوله: «ثقل الإلحاذ، وعز النفاذ»([38]).

كلمات تحتاج إلى [أل]:

هناك كلمات تحتاج إلى [أل] التعريف، إذ بدونها يعدّ الاستعمال خطأ:

ونذكر منها:

ألف: قوله: «أنا علم الشامخ»([39]).

والصحيح: العلم.

ب: قوله: «أنا بيت المعمور»([40]).

والصحيح: البيت.

كلمات في غنى عن [أل]:

ومن الكلمات التي لا تحتاج إلى [أل]، وقد وردت في الخطبة محلاةً بها، نذكر:

ألف: قوله: «وساهم الزحل»([41]).

والصحيح: زحل.

ب: قوله: «أنا كيوان الكيهان»([42]).

وكلمة كيهان هي اسم نجم في اللغة الفارسية، وهي بدون [أل].

تراكيب لا تستقيم:

وكما مرّ معنا في النصين السابقين فإن في هذا النص أيضاً تراكيب عديدة لا تستقيم، وكمثال على ذلك نذكر قوله:

ألف: «أنا رجال الأعراف»([43]).

وقد تقدم نظيره في النصين السابقين.

ب: قوله: «أنا ورثة الأنبياء»([44]).

وقد تقدم أيضاً. وقوله:

ج: «وأرغم معاطس الغواة وكافرها، حتى أصبحت دعوته بالحق بأول ظاهر يرها ومجيبه بقبول الصدق شاعرها»([45]). مع ملاحظة الخطأ في الإعراب في قوله: «يرها» إذ لا معنى لإيرادها مجزومة.

حيث لا تَناسُبَ بين كلمة: «معاطس» التي وردت بصيغة الجمع، وبين كلمة: «كافرها» التي ليست كذلك.

أضف إلى ذلك: أن إرجاع الضمير المؤنث إلى الغواة لم نعلم له وجهاً ظاهراً.

د: قوله: «وقال له: ثكلتك الثواكل، ونزلت بك النوازل، يابن الجبان الخبائث، والمكذب الناكث»([46]).

فإنه لا معنى لوصف الجبان المفرد بكلمة «الخبائث» التي هي جمع.

وفي بعض النسخ عبر عوضاً عنها بكلمة: «الجابث»([47]) ولم نجدها أيضاً في كتب اللغة.

ونحتمل أن يكون الصحيح هو: «الحانث» فصحّفه الرواة والنساخ، وتصحيفاتهم كثيرة.

هـ: قوله: «يفرقون الجلسان، ويلحون الأويسان»([48]).

فكلمة الجلسان ليس مثنى جالس، ولا جليس، وكذا بالنسبة إلى الأويسان وإلا لوجب أن يكونا منصوبين بالياء.

والظاهر: أن المقصود هو جمع الجالس، ولكن جُمِعَ على طريقة العوام، ثم جاءت السجعة، واللغة العامية أيضاً ففعلت بكلمة أويس نفس ما فعلته في قرينتها.

إذ لو كان الأمر ليس كذلك، فإننا لا نجد اشتقاقاً يتناسب مع أيٍّ من المعاني التي يمكن أن تنسجم مع ما أسند إليهما من فعل، فراجع.

المعاني غير المعقولة:

أما التراكيب التي لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الانسجام، ولا يتصور لها معنى يحسن السكوت عليه، فهي كثيرة جداً، إن لم نقل: إنها تمثل نسبة عالية جداً من مجموع النصوص الثلاثة للخطبة المزعومة، ونحن نذكر من ذلك على سبيل المثال:

قوله: «أنا قطب الديجور»([49]).

فإن الديجور هو الظلام أوالتراب. فهل للظلام أو التراب قطب؟ ولماذا لم يكن «عليه السلام» قطباً للنور عوضاً عن الديجور؟

«أنا ألفة الإيلاف»([50]).

قد تقدم: أن الظاهر هو إشارة إلى قوله تعالى: ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾، وذكرنا هناك بعض ما له مساس بالموضوع، وأن الإيلاف هو نفسه الألفة، ولا ألفة له مستقلة عنه تسمّى بعلي بن أبي طالب، إلا أن يكون المقصود: أنه «عليه السلام» هو الذي ألهمهم ووضع فيهم هذه الألفة لهاتين الرحلتين: رحلة الشتاء، ورحلة الصيف، وهذا ـ والعياذ بالله ـ غلو ظاهر، وخروج عن الجادة.

«ومولج الحنادس ومنورها»([51]).

لم تذكر هذه العبارة: أن الحنادس في أيّ شيء أولجت.

قوله: «وفجر نعماء الشبهات فجور فاجرها»([52]).

لم نعرف كيف يمكن أن يكون للشبهات نعماء، وكيف يمكن للفجور أن يفجر هذه النعماء، ولم نعرف أيضاً، كيف يتم هذا التفجير، فهل يكون بالديناميت، أو بالقنابل اليدوية، أو بالقنابل الموقوتة، أو هو من قبيل تفجير حصاة الكلية بواسطة أشعة الليزر، أو بأي نحو آخر!!.

قوله: «وقسم أكام الأحكام بزخرف الشقائق ماكرها»([53]).

فهل للأحكام أكام؟!

وكيف تقسم هذه الأكام بواسطة زخرف الشقائق؟! وكيف؟! وكيف؟!

«فيكدحون الجزاير، ويقدحون العشاير»([54]).

وقد تقدم في النصوص السابقة بعض الكلام على هذه الفقرة، فلا نعيد.

«وسدست الهجرة»([55]).

فهل المقصود: أن الهجرة تصبح ذات أضلاع ستة، فيهاجر الناس ست مرات؟! ولماذا كان العدد ستاً؟! لا سبعاً، ولا خمساً!.

وهذا نظير قوله: «وسدس السرطان، وربع الزبرقان، وثلث الحمل»([56]).

فإنها هي الأخرى لم يعلم لها معنى ظاهر.

8 ـ قوله: «أنا أمين السحاب»([57]).

لا ندري إن كان السحاب يحتاج إلى أمين!! وهل السحاب إله؟! أم هو أمة من الأمم؟! أو هو ملك من الملوك، ليقال: إنه أمين الأمة، أو أمين الملك، أو أمين الله؟!

أم أن المقصود: أنه يعطي الأمان للسحاب الخائف!! لا ندري، ولعل غيرنا ممن هو أكثر اطلاعاً على ترّهات هؤلاء الوضاعين، يدري!!

«ويهجمون الشقاق»([58]).

فإن كان المقصود: أن هجومهم ناشئ عن خلافهم وشقاقهم، فمن الواضح: أن التعبير عن هذا المعنى يحتاج إلى صياغة العبارة بطريقة أخرى..

أم المقصود: أنهم يهاجمون الشقاق، أو يهجمون على الشقاق، والأمر في هذا أيضاً كسابقه، أي أن صياغة العبارة لا تؤدي هذا المعنى..

أم أن المقصود: أنهم يجعلون الشقاق هو المهاجم. فالعبارة أيضاً غير قادرة على أداء هذا المعنى..

المهم أننا لم نستطع فهم المراد. ومَنْ فَهِمَه فليتفضل بإعلامنا به لنستفيد منه. ونكون له من الشاكرين.

10ـ «أنا جون الشوامس»([59]).

قد تحدثنا عن هذه الفقرة فيما سبق فلا نعيد.

11ـ قوله: «أنا بنيان البنيان» أو «أنا تبيان البيان»([60]).

إننا لم نفهم كيف يكون بنياناً للبيان، أو تبياناً للبيان.

فهل البنيان يحتاج إلى بنيان آخر يقيمه؟! أم أن البيان يحتاج إلى تبيان آخر ليظهره؟!

12ـ قوله: «خافت الإعجاز»([61]).

فهل الإعجاز يتكلم تارة جهراً، وتارة إخفاتاً؟ وإذا كان كذلك، فلماذا لا يجهر بكلامه، وبصوته، فهل ثمة أحد يخافه ويخشاه؟!.

13ـ قوله: «يا منصور، تقدم إلى بناء الصور»([62]).

فهل الصور يُبْنى أم يصنع. ومن هو المخاطب هنا.

إنني أظن أن الصور بالسين، لا بالصاد. لكن واضع هذه الفقرات، كما أنه لم يكن يمتلك معرفة كافية باللغة العربية، كذلك هو لم يكن يُحسن الكتابة أيضاً، إلا أن يكون الكاتب هو غير الواضع.

وقد كان ثمة من يملي عليه، فسمع السين صاداً، فكتب كما سمع.

14ـ قوله: «أنا نصرة الأنصار»([63]).

والنصرة معنى ينتج عن جهد يبذله أشخاص في سبيل حفظ شخص بعينه، أو مساعدته على بلوغ أهدافه، فهل كان علي «عليه السلام» هو حاصل الجهد الذي بذله الأنصار لحماية نبيهم من عدوه؟! أو لإيصاله إلى أهدافه؟! وكيف أصبح علي «عليه السلام» هو هذه النصرة التي صنعها الأنصار؟!

لا أدري كيف يمكن تصور ذلك، وتعقله؟!

15ـ قوله: «ودهشت الهواجس»([64]).

فهل الهواجس تدهش، أم أن الذي يدهش هو العقل؟!.

16ـ قوله: «ونجت المقلاة، وشنشنت الفلاة»([65]).

فهل المقلاة تصبح في خطر، ثم تنجو منه؟! وهل للفلاة مضغة أو قطعة من لحم ليقال لها شنشنة؟ وما معنى هذا الاشتقاق من هذه الكلمة؟ فهل المراد بـ: «شنشنت»: أنها صار لها مضغة من لحم، أو صار لها سجية وخُلُق، بعد أن لم يكن لها ذلك؟!.

17ـ قوله: «أنا محجة القال»([66]).

القالي هو الهاجر والكاره، أو الذي يقلي اللحم، وقلى فلاناً: ضرب رأسه. وعلى جميع التقادير فإنه ليس له محجة. أي: طريق، أو فقل: هو ليس بحاجة إلى محجة، كما أنه لا مجال لكون القائل محجة له، ولا للافتخار بذلك، حتى لو كان كذلك.

وعلى كل حال، فإن هذا النحو من التعبير غير المفهوم، أو الذي لا يرجع إلى معنى ذي قيمة يعد بالعشرات، بل بالمئات في النصوص الثلاثة للخطبة فلا محيص عن الاكتفاء بهذا القدر، لأن الغرض هو الإيجاز والإشارة، لا الاستقصاء والغزارة.

الهذيان لماذا؟!:

ونختار من الكلام غير المفهوم والذي هو أشبه بالهذيان: العبارات التالية:

«وشط الشطاط، وشط النشاط، وهاط الهباط، ومط القلاط».

«ولمظ اللامظ، وعظ الشاظظ».

«ورد الفاظظ».

«وبصق الزاهق».

«دهشت الهواجس».

«وقاود الأود، ودهش العدد، وأوحش المقند».

«وصلت الدفاع».

«وثقل الإلحاذ، وعز النفاذ».

«ونجت المقلاة، وشنشنت الفلاة، وعجعجت الولاة».

«وأتحف الأدام».

«وأهجم الرايث».

«وخافت الإعجاز».

«وسعد الفارض».

«وتجهرم السالخ».

«ونجم القرض».

«وعرت الدهانة».

«وأقحد العيص، وزاغ القبيص، وكرثم القميص، وكثكث المحيص».

«وقهقر الجريح».

«واخرنطم الفحيح، وكفكف اليروغ، وخدخد البلوغ، ونصف المرتوع، وتكتك الملوع، وفدفد الموعور، وقدقد الديجور، وأفرد المأثور، ونكب الماتور، وعبس العبوس، وكسكس الهموس».

«وحرثم الأنيق، واحتجب الطريق، وثور الفريق، ودار الرايد، وزاد الزايد، وماد المائد، وقاد القايد، وجد الحد، وكد الكد، وسد السد، وعرض العارض، وفرض الفارض، وسار الرابض».

«وسبع الهكال».

«أنا محجة القال»([67]).

«فيكدحون الجزاير، ويقدحون العشاير».

«أنا صدر الترجم».

«وسدس السرطان، وربع الزبرقان، وثلث الحمل، وساهم الزحل، وتنبه الثول، وعنقبت النبل».

«وضال الضل، وغال الغل، وفضل الفضل، وثال المثل، وشت الشتات، وتصوح النبات، وسمت السمات».

«ويهجمون الشقاق».

«يفرقون الجلسان، ويلجون الأويسان».

«أنا جون الشوامس، أنا فلك اللجج».

«أنا أمين السحاب»([68]).

«يا منصور، تقدم إلى بناء الصور»([69]).

«وعطل العساعس»([70]).

«وكملت الفترة، وسدست الهجرة،  [أو سدئت]» ([71]).

«ومطود الجبال، وقافرها»([72]).

«أنا ظهير الإظهار»([73]).

«أنا بنيان البنيان، [أو تبيان البيان]([74]).

«أنا سرير الصراح»([75]).

«أنا سرّ الحروف، أنا نور الظروف»([76]).

«أنا نصرة الأنصار»([77]).

غيض من فيض:

كان ما ذكرناه من وجوه الإيراد على بعض فقرات خطبة البيان غيضاً من فيض، وقطرة من بحر، مما يمكن الإيراد به على هذه الفقرات، وسواها من المئات، بل الألوف، مما حفلت بها نصوصها الثلاثة.

وكان لابد لنا من كبح جماح القلم، ومنعه عن الاسترسال في هذا المجال، من أجل الاهتمام بمجالات لربما تكون أهم، ونفعها أعم، والله ولينا، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الاحتمالات المعقولة في خطبة البيان:

وكنتيجة لما تقدم نقول:

إننا أمام احتمالين:

أحدهما: أن يكون البعض قد اطّلع على بعض علامات الظهور، ولاسيما ما روي من طرق الشيعة وغيرهم، فنسجها من عند نفسه على هذا النحو البديع، وضمنها ـ على طريقته الخاصة ـ ما راق له من تلك العلامات، التي ليس لها في الأغلب سند يعتمد عليه.

ثم نسب ذلك إلى علي أمير المؤمنين «عليه السلام»، ليكون لها وقع في القلوب، ومكانة في النفوس. وقد يكون قد جرّب ذلك مرتين أو ثلاثاً، كما رأينا في نصوصها المختلفة.

والثاني: أن يكون للخطبة أصل أصيل، ثم تلاعبت بها الأهواء، وحرّفها المحرفون، وزيد عليها ونقص منها، وحرفت إلى حدّ جعلها تفقد معظم معالمها الأصيلة، وخرجت عن الانسجام والبلاغة لتصبح على درجة من الركاكة والسقوط، مشحونة بالأباطيل، والأضاليل، وحتى أصبح من أبرز مميزاتها الخروج عن أبسط قواعد اللغة، والنحو، والاشتقاق، وعن أصول الخطاب بصورة كلية.

وقد يكون لبعض الغلاة، والباطنية، والصوفية، وربما اليهود أيضاً اليد الطولى في هذا البلاء، الذي حاق بها، حيث وجد هؤلاء وأولئك فيها مرتعاً خصباً، ومادة صالحة لإشاعة أضاليلهم وأباطيلهم..

ولكن الشيء الذي لاشك فيه هو: أن أولئك المتلاعبين والوضّاعين لم يكن لهم حظ وافر من العلم، ولا من المعرفة باللغة، وقواعدها، واشتقاقاتها فكانت لهم الفضيحة الردية، والنكبة والبلية. وذلك هو صنع الله بهم، وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون..


([1]) الظاهر أن الصحيح هو: عند. كما في بشارة الإسلام وينابيع المودة.

([2]) إلزام الناصب ص209 وينابيع المودة ص404 وبشارة الإسلام ص77 و 78.

([3]) كذا في المصدر.

([4]) إلزام الناصب ص211.

([5]) إلزام الناصب ص211.

([6]) راجع على سبيل المثال: الغيبة للطوسي رحمه الله ص262 والغيبة للنعماني ص288 و 294 وبشارة الإٍسلام ص282 و 286 عنهما وعن الكافي وإلزام الناصب ص78 والكافي ج1 ص300 و 301 ومنتخب الأثر ص463 ومكيال المكارم ج2 ص331 و 334.

([7]) إلزام الناصب ص210.

([8]) إلزام الناصب ص209.

([9]) إلزام الناصب ص211.

([10]) راجع: ينابيع المودة ص405 و 406 وبشارة الإسلام ص78 و 79 وإلزام الناصب ص210 و 211.

([11]) ينابيع المودة ص407 وبشارة الإسلام ص80 وإلزام الناصب ص211.

([12]) بشارة الإسلام ص211 وينابيع المودة ص407 وإلزام الناصب ص211.

([13]) إلزام الناصب ص210 وتوجد هذه الفقرة في النصوص الأخرى لهذه الخطبة.

([14]) إلزام الناصب ص194 و 210.

([15]) إلزام الناصب ص 204 و 210.

([16]) ينابيع المودة ص405 وبشارة الإسلام ص78 وإلزام الناصب ص210.

([17]) سورة النجم، الآية 5.

([18]) إلزام الناصب ص210.

([19]) إلزام الناصب ص210 و (ط سنة 1404 هـ) ج2 ص216 و 236 أي في الخطبة الثانية والثالثة.

([20]) ينابيع المودة ص406 وبشارة الإسلام ص79 وإلزام الناصب ص211 وفيه: النور الأقوم.

([21]) إلزام الناصب ص210.

([22]) ينابيع المودة ص405 وبشارة الإسلام ص78 وإلزام الناصب ص210.

([23]) إلزام الناصب ص210 و (ط سنة 1404 هـ) ج2 ص237.

([24]) إلزام الناصب ص211.

([25]) إلزام الناصب ص210.

([26]) إلزام الناصب ص211.

([27]) ينابيع المودة ص406 وبشارة الإسلام ص79 وإلزام الناصب ص211.

([28]) جميع الفقرات المتقدمة موجودة في إلزام الناصب ص210 وقسم منها موجود في بشارة الإسلام ص78 و 79 وفي ينابيع المودة ص405 و 406 فراجع.

([29]) إلزام الناصب (ط حجرية) ص210.

([30]) إلزام الناصب ص210.

([31]) إلزام الناصب ص209.

([32]) إلزام الناصب ص193.

([33]) إلزام الناصب ص204.

([34]) إلزام الناصب ص209.

([35]) إلزام الناصب ص209.

([36]) إلزام الناصب ص209.

([37]) إلزام الناصب ص209.

([38]) بشارة الإسلام ص71 وإلزام الناصب ص209 وراجع ص 194.

([39]) ينابيع المودة ص406.

([40]) إلزام الناصب ص210.

([41]) إلزام الناصب ص210.

([42]) إلزام الناصب ص210.

([43]) بشارة الإسلام ص78 وينابيع المودة ص405 وإلزام الناصب ص204 و  205 و 210.

([44]) ينابيع المودة ص405 وبشارة الإسلام ص78.

([45]) ينابيع المودة ص405 وإلزام الناصب ص209.

([46]) بشارة الإسلام ص78 وينابيع المودة ص405.

([47]) إلزام الناصب ص210.

([48]) إلزام الناصب ص210.

([49]) ينابيع المودة ص405 وبشارة الإسلام ص78 وإلزام الناصب ص210 وص204.

([50]) إلزام الناصب ص210.

([51]) ينابيع المودة ص404 وإلزام الناصب ص209.

([52]) إلزام الناصب ص209.

([53]) إلزام الناصب ص209.

([54]) إلزام الناصب ص210.

([55]) إلزام الناصب ص210 وراجع: بشارة الإسلام ص78 وينابيع المودة ص405.

([56]) إلزام الناصب ص210.

([57]) إلزام الناصب ص210.

([58]) إلزام الناصب ص210.

([59]) إلزام الناصب ص210.

([60]) بشارة الإسلام ص79 وينابيع المودة ص206 والفقرة الثانية في إلزام الناصب ص210.

([61]) إلزام الناصب ص210.

([62]) إلزام الناصب ص209.

([63]) ينابيع المودة ص406 وبشارة الإسلام ص79 وإلزام الناصب ص210.

([64]) إلزام الناصب ص209.

([65]) إلزام الناصب ص209.

([66]) إلزام الناصب ص209.

([67]) راجع: إلزام الناصب ص209 فإن الفقرات المتقدمة متناثرة في الصفحة المشار إليها.

([68]) إلزام الناصب ص210  في جميع الفقرات المتقدمة.

([69]) إلزام الناصب ص211.

([70]) إلزام الناصب ص209 وينابيع المودة ص405.

([71]) بشارة الإسلام ص78 وينابيع المودة ص405 وإلزام الناصب ص210.

([72]) ينابيع المودة ص404 وإلزام الناصب ص209 وفيه: «موطّد».

([73]) بشارة الإسلام ص78 وإلزام الناصب ص210 وينابيع المودة ص406.

([74]) بشارة الإسلام ص79 وينابيع المودة ص406 وذكر الفقرة الثانية إلزام الناصب ص210.

([75]) ينابيع المودة ص405 وبشارة الإسلام ص78 وإلزام الناصب ص210.

([76]) ينابيع المودة ص406 وبشارة الإسلام ص78 و 79 وإلزام الناصب ص210.

([77]) ينابيع المودة ص406 وبشارة الإسلام ص79 وإلزام الناصب ص210.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان