صفحة : 255-270   

الفصل الثاني: المال بنظر علي ..

يعطي من لا يسأله:

عن أبي عبد الله «عليه السلام»، عن أمير المؤمنين «صلوات الله عليه»: بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر المعينعة ـ وفي نسخة أخرى: البقيعة ـ وكان الرجل ممن يرجى [يرجو] نوافله، ويؤمل نائله ورفده، وكان لا يسأل علياً ولا غيره شيئاً.

فقال رجل لأمير المؤمنين «عليه السلام»: والله ما سألك فلان. ولقد كان يجزيه من الخمسة الأوساق وسق واحد.

فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: لا أكثر الله في المؤمنين ضربك! أعطي أنا، وتبخل أنت؟! [لله أنت] إذا لم أعط الذي يرجوني إلا من بعد المسألة، ثم أعطيته من بعد المسألة، فلم أعطه ثمن ما أخذت منه، وذلك لأني عوضته (لعل الصحيح: عرضته) أن يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عند تعبده له، وطلب حوائجه إليه.

فمن فعل هذا بأخيه المسلم، وقد عرف أنه موضع لصلته ومعروفه، فلم يصْدُقِ الله في دعائه له، حيث يتمنى له الجنة بلسانه، ويبخل عليه بالحطام من ماله. وذلك أن العبد قد يقول في دعائه: «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات»، فإذا دعا لهم بالمغفرة فقد طلب لهم الجنة، فما أنصف من فعل هذا بالقول، ولم يحققه بالفعل([1]).

ونقول:

1 ـ لعل الصحيح: «من أوساق تمر البغيبغة»([2])، ونسخة المطبوع من الكافي ومرآة العقول توافق ما قلناه. وهي ضيعة كانت لأمير المؤمنين «عليه السلام» وقد وقفها علي «عليه السلام» بعد سنتين من خلافته([3]). وهي عين كثيرة النخل. وقد بلغ جذاذها في زمنه «عليه السلام» ألف وسق([4]).

2 ـ إن ذلك الرجل المعترض على أمير المؤمنين، لم يفكر في مقدار حاجة ذلك الرجل بصورة موضوعية، وطبيعية، بل هو قد ساق الحديث عما يكفيه انطلاقاً من حالة البخل والشح بالمال.. مع أن المال ليس ماله، ولا علاقة له به، ولكن البخل أصبح حالة من حالاته المهيمنة عليه. فهو لا يطيق العطاء حتى حين يكون المال المعطى لغيره. وهذا أقبح أنواع الشح. وقد ذم القرآن الكريم هذا النوع من الناس، فقال: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ([5]).

3 ـ على أن العطاء لا يقدر بمقدار الحاجات الشخصية لمن يعطى له، بل يقدر بمدى حاجة الإنسان بحسب أحواله وموقعه، وما يتوقعه غيره منه، وما أخذه على نفسه تجاه الآخرين. فقد يحتاج لشخصه مقداراً، ولكنه يحتاج بحسب موقعه ومكانته، وما يتوقع منه عشرة أضعاف ذلك المقدار.

4 ـ إن مما يشير إلى أن ذلك الرجل الذي أعطاه علي «عليه السلام» كان أهلاً لمثل هذا العطاء: أنه كان من أهل الإباء والتعفف، حتى إنه لم يكن يسأل علياً «عليه السلام» ولا غيره شيئاً..

وقد صرح «عليه السلام»: بأنه موضع لصلته ومعروفه، الذي قدره «عليه السلام» بخمسة أوساق..

كما أنه «عليه السلام» قد لفت نظر ذلك المعترض إلى أن عدم إعطاء ذلك المقدار سوف يعرض ذلك الرجل لذل المسألة. وإلى أن يبذل ماء وجهه له أو لغيره..

وقد دل لومه «عليه السلام» لذلك المعترض على أن المقدار الذي اختاره «عليه السلام» هو المقدار المطلوب.. إذ لو كان يمكن الإكتفاء بما هو أقل منه، فلا معنى لهذا اللوم..

5 ـ وقد أوضح «عليه السلام»: أن السجود لله عند التعبد يجعل لذلك الوجه كرامة تمنع من استذلاله بالسؤال والطلب. وهذا يدل على أن من يستحق الإجلال والتكريم والإعظام هم هؤلاء الخاضعون الخاشعون، المتعبدون لله سبحانه..

6 ـ وقد أطلق «عليه السلام» هنا قاعدة لزوم أن يصدق الفعل بالقول.

وأن لا تقتصر هذه الرعاية لمطابقة الأفعال للأقوال على الكلام الذي يتم تداوله مع الآخرين، بل يجب أن تشمل حتى أقواله في أدعيته العامة، مثل قوله: «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات».

7 ـ إنه «عليه السلام» اعتبر أن من لا يراعي اللوازم (ولو كانت بعيدة) حتى لمثل الدعاء بصيغه العامة ـ اعتبر ـ خارجاً عن دائرة الإنصاف والوفاء، واعتبر ذلك نقصاً يشين الإنسان المؤمن، لأن قوله لم يصدق فعله.

فالقضية إذن ليست مجرد عدم الحصول على الفضل والكمال، بل هي تتجاوز ذلك إلى الدخول في دائرة العد التنازلي في مسيرة التراجع والانحطاط عن مراتب الكمال. لأنه لم يصدق الله في دعائه..

ابن الزبير يغلط في ثمانين ألف درهم:

وقال ابن الزبير لعلي «عليه السلام»: إني وجدت في حساب أبي: أن له على أبيك ثمانين ألف درهم.

فقال له: إن أباك صادق، فقضى ذلك.

ثم جاءه فقال: غلطت فيما قلت، إنما كان لوالدك على والدي ما ذكرته لك.

فقال: والدك في حل، والذي قبضته مني هو لك([6]).

ونقول:

بين الزبير وأبي طالب:

إن ما ذكرته الرواية من أن لأبي طالب، والد علي «عليه السلام» على الزبير بن العوام ثمانين ألف درهم، أو العكس، لا مجال لتأكيده، بل هو موضع شك كبير، لما يلي:

أولاً: ما الربط بين الزبير بن العوام وبين أبي طالب شيخ قريش. والزبير لم يكن في مكة من أصحاب الأموال والتجارات فيما نعلم. فكيف يقرض أبا طالب هذا المقدار الهائل، كما أن الزبير لم يكن من أهل الأموال في مكة، ليقرضه أبو طالب هذه المبالغ الطائلة.

ثانياً: هل كان أبو طالب يملك هذه المبالغ الطائلة حقاً، خصوصاً بعد البعثة، حيث كان الزبير صغير السن، فإن عمره حين البعثة كان سبع عشرة سنة فقط ولم يكن ليؤتمن على أموال بهذا المقدار إلا بعد أن يتقدم في السن، ويمارس الأعمال التجارية والمالية بنحو يوجب ثقة الناس به.

ثالثاً: لماذا ترك الزبير المطالبة بديونه طيلة حوالي أربعين عاماً، أو لماذا لم يفكر في سداد ديونه لآل أبي طالب طيلة هذه المدة المديدة، مع أنه كان يملك أموالاً طائلة، وهائلة، كما ألمحنا إليه فيما سبق..

إن أباك صادق:

وبناء على ما تقدم: لا بد من السؤال: إذا كان هذا الأمر مشكوكاً إلى هذا الحد، فلماذا لم يناقش علي «عليه السلام» ابن الزبير فيما يدعيه عليه؟!

أو على الأقل لماذا لم يطالبه بالبينة، والدليل؟! فإن مجرد ادعاء كتابة شيء في حساب شخص لا يعني صحة الكتابة، وعلى تقدير صحتها، فهو لا يعني المكتوب، فلعل.. ولعل.

بل لماذا حكم «عليه السلام» له بصدق أبيه، ورتب الأثر عليه مباشرة، ولم يطلب أن يرى الكتابة التي يدعيها ابن الزبير؟! علماً بأنه إذا كان الزبير صادقاً فليس بالضرورة أن يكون ولده صادقاً أيضاً..

ويمكن أن يجاب:

أولاً: من الجائز أن يكون الزبير ممن يصدق في أمثال هذه الأمور، وإن كانت له شطحات أكبر وأخطر في الأمور الأساسية والمصيرية..

أو أنه يرى: أن الزبير لا يتجرأ على ادعاء أمر من هذا القبيل، لأنه يعلم أن الكذب فيها يجر عليه مصاعب ومتاعب لا قبل له بها..

أو أنه أراد: أن يقرر صدقه باعتقاد ولده، وإن لم يكن صادقاً في الواقع..

أو أراد: أنه صادق فيما كتبه. ولو أن ولده قرأه على حقيقته، ولم يخطئ في قراءته لظهرت الحقيقة له..

ثانياً: لعله «عليه السلام» يريد أن يسد الأبواب أما أوهام الناس وتخيلاتهم الباطلة، فإن من الممكن أن يجد ابن الزبير من يشهد له، ولو زوراً بصحة ما يدعيه، فيرد سؤال لماذا لم يؤد هذا الدين طيلة السنين التي سلفت، وإن لم يتمكن ابن الزبير من إقامة البينة على ما يدعيه، فإن ذلك لا يمنع من أن تراود الخواطر الشيطانية ذهن بعض القاصرين، فيتوهم أن للزبير حقاً عند علي «عليه السلام» لكن تقصيره في إشهاد البينة على حقه أوجب ضياعه منه..

وربما يحاول ابن الزبير نفسه وحزبه معه إثارة هذه الشكوك، وأن يجعلوا منها ذريعة للطعن في علي «عليه السلام» وفي أمانته ودينه..

ولذلك نلاحظ: أنه «عليه السلام» لم ينكر ولم يؤكد، بل أوكل الأمر إلى صدق أبيه، وبادر إلى إعطائه ما يدعيه استنادا إلى نفس دعواه..

لعل للقضية أصلاً:

ونظن: أن لهذه القضية أصلاً، وأن الرواة قد اشتبهوا في تقرير ما جرى، وذلك بأن يكون ابن الزبير قد طالب الإمام الحسن «عليه السلام» أو الإمام الحسين «عليه السلام»، وقال له: إن أباه الزبير قد أقرض أباه علياً «عليه السلام» هذا المبلغ، فأعطاه إياه، ثم عاد فذكر أنه غلط في ذلك، فسوغه «عليه السلام» المال. وأحل أباه منه.

ولا ضير في إحلال الزبير من هذا المال، فإنه لا يقدم ولا يؤخر فيما يقدم عليه وما يواجهه يوم القيامة، لنكثه بيعته، وغدره وخروجه على إمامه وحربه له، وتسببه بقتل المئات أو الألوف من المسلمين..

كلاهما عندي حجران:

وسأله أعرابي شيئاً، فأمر له بألف.

فقال الوكيل: من ذهب أو فضة؟!

فقال: كلاهما عندي حجران، فأعط الأعرابي أنفعهما له([7]).

ونقول:

لاحظ ما يلي:

ليس للمال قيمة ذاتية:

تضمنت قضية الأعرابي: الإشارة إلى أنه «عليه السلام» يرى المال وسيلة لقضاء الحاجات، وليست له عنده قيمة ذاتية إلا بهذا المقدار، لا سيما وأن مال الدنيا يبقى في الدنيا، ولا يبقى منه لمالكه إلا ما انتفع به في قضاء حاجاته، أو في زيادة حسناته، أو ما مكن غيره من الإفادة منه بعده، وجعل ثواب هذا التمكين في ميزان حسناته. كما إذا وقفه على الفقراء، أو على غير ذلك من وجوه البر والخير، بما في ذلك حفظ الدين ونشره، ونحوه مما يكون لغيره نفعه، وله أجره.

وقد أشير إلى هذا المعنى في الحديث المروي عن النبي «صلى الله عليه وآله» له: ليس لك من دنياك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت([8]).

وقوله «عليه السلام»: «هما عندي حجران» يعطي: أن الذهب والفضة ليست لهما أية خصوصية توجب لهما الامتياز عن سائر الأحجار في معنى القيمة الحقيقية، إلا من خلال تحقيق رغبات الإنسان الذاتية، وإشباع شهواته، واستجلاب البهجة والرضا والركون والسكون للدنيا وفي الدنيا.

وليس هذا في حقيقته مما يعطي القيمة، بل قد يكون من موجبات فقدانها، إذا كان يعيق مسيرة الإنسان إلى الأهداف الكبرى، التي رسمها الله تعالى له، ويدعوه إلى أن يخلد إلى الأرض، ويرتبط ويتعلق بها. ويبعده عن الله تعالى، ويحجبه عنه..

إن الإنسان هو الذي يحول الذهب والفضة إلى حجر ومدر، يبني به القصور والدور، وإلى وسائل لنيل الشهوات، والحصول على الملذات، التي يتلذذ الإنسان بزوالها وانقضائها بصورة تدريجية. فالذهب والفضة ينتقل إلى غيرك ليعطيك ما هو أسرع زوالاً عنك.

إنهما حجران لا يزيدان الإنسان كمالاً ولا علماً، ولا فضيلة، ولا غير ذلك إلا إذا أنفقهما، والإنسان هو الذي يحركهما فيما ينفعه وفيما يضره.

نفع الناس هو الأساس:

ثم قدم «عليه السلام» معياراً للقيمة، حين قال: «أعط الأعرابي أنفعهما له»، فالمعيار في قيمة الذهب والفضة عند علي «عليه السلام» هو النفع الذي يحصل منها.. فلا معنى للتعلق بهما والسعي للحصول عليهما، وتكديسهما في الخزائن، والاهتمام بحراستهما، وتضييع الفائدة منهما، ولا ينبغي أن ينفق الإنسان غالي عمره وكثير من جهده، وجليل طاقاته في حفظ هذين الحجرين، بدل أن ينفقهما في زيادة قدراته، ومضاعفة طاقاته، وتوفير وسائل الازدياد والتكامل في جميع جهات حياته. ولماذا يكون عبداً لهما، بدل أن يسخرهما لخدمته، وقضاء حاجاته؟!

أنفعهما له، لماذا؟!:

وقد استفاد «عليه السلام» من صيغة أفعل التفضيل، فقال: «أنفعهما له»، ولم يقل: «أعط الأعرابي ما ينفعه»، ليدل على أن المطلوب له: هو أن يحصل الأعرابي على أعلى درجات النفع، وأن لا يكتفى بسد حاجته مثلاً، فضلاً عن الإكتفاء بمجرد وصول نفعٍ إليه، وإن لم يصل إلى حد سد الحاجة..

من ماله، أم من بيت المال؟!:

وقد يقول قائل: ألا يعد هذا استهتاراً وتفريطاً بأموال المسلمين؟! وألا ينافي هذا مصلحة الأمة، بإعطاء أموالها لواحد من الناس؟!

وما الفرق بين تصرفه هذا، وبين ما يأخذه هو «عليه السلام» على عثمان وغيره من أنه يعطي بيت مال المسلمين إلى أقاربه وأصحابه دون سائر الناس؟!

ونجيب:

أولاً: ليس في النص: أن هذا العطاء كان من بيت مال المسلمين. وليس فيه أن للأعرابي أية صلة بعلي «عليه السلام»، بل قد يستفاد من التعبير بكلمة أعرابي عدم وجود أية صلة بينهما.

بل قد يقال: لعل الأظهر المال الذي أعطاه «عليه السلام» للأعرابي كان ماله هو «عليه السلام»، فإن الكلام كان مع وكيله «عليه السلام». ولو كان من بيت المال، لكان التعبير بكلمة «خازن» أولى.

ثانياً: إذا كان الأمر قد وصل إلى حد أنه ليس في الكوفة إلا رافه، ولم يعد هناك محتاج كما رواه أحمد بن حنبل عن علي «عليه السلام» في كتابه: فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فلماذا نستغرب إعطاء الأعرابي المحتاج مبلغاً كهذا؟!

ثالثاً: من قال: إن إعطاء ذلك الأعرابي معناه: حصر الإنتفاع بهذا المال به، فلعله كان يعول عشرات أو مئات الناس معه، بخلاف الذين أعطاهم عثمان، فإن أموالهم تتكدس، وتتنامى في دائرة ضيقة جداً، لتبلغ مئات الألوف، بل الملايين ليسفيد شخص واحد أو بضعة أشخاص هم خصوص الزوجة والأولاد الذين يرثونه في ملذاتهم المحرمة وغيرها. وقد تقدم نص يشير إلى ذلك..

أنزل الناس منازلهم:

الطالقاني، عن محمد بن قاسم الأنباري، عن محمد بن أبي يعقوب الدينوري، عن أحمد بن أبي المقدام العجلي قال: يروى أن رجلاً جاء إلى علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن لي إليك حاجة.

فقال: اكتبها في الأرض، فإني أرى الضرَّ فيك بيِّناً.

فكتب في الأرض: أنا فقير محتاج.

فقال علي «عليه السلام»: يا قنبر اكسه حلتين.

فأنشأ الرجل يقول:

كسـوتـني حلـة تـبـلى محـسنـهـا                فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا
إن نلت حسن ثنـائي نلت مكرمة                ولـسـت تبـغي بـما قـد نـلـته بدلا
إن الثنـاء ليحـيي ذكـر صـاحـبـه                كالغيث يحيي نداه السهل والجبـلا
لا تـزهـد الدهر في عرف بدأت به              فـكـل عبد سيجـزى بالـذي فعلا

فقال «عليه السلام»: أعطوه مائة دينار.

فقيل: يا أمير المؤمنين لقد أغنيته.

فقال: إني سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: أنزل الناس منازلهم.

ثم قال علي «عليه السلام»: إني لأعجب من أقوام يشترون المماليك بأموالهم ولا يشترون الأحرار بمعروفهم([9]).

ونقول:

1 ـ لم يكس علي «عليه السلام» ذلك الرجل حلتين إلا لأنه رأى الضرَّ فيه بيِّناً، وأخبره أيضاً: أنه فقير محتاج. فالداعي لإعطائه: هو كسب رضا الله برفع ضرِّه، وقضاء حاجته..

2 ـ ليس ثمة ما يدل على أنه «عليه السلام» كان يتوقع من ذلك الرجل المحتاج هذا المديح الذي سجله له، ولكنه حين أنشأ هذا المديح قد أظهر أنه ممن يحفظ المعروف، وأنه من أهل النبل والكرامة.

وهذه خصوصية إنسانية محبوبة لله تعالى، وتهيئ صاحبها لقبول المعاني الإنسانية وما تقضي به الفطرة، والأخلاق الكريمة والفاضلة. وأن يتفاعل ويتأثر بذلك كله.. وهذا يؤهله لعطاء جديد وسخي أيضاً؛ لأنه أظهر لنفسه منزلة لم تكن ظهرت قبل ذلك.

وهذا ما أشار إليه «عليه السلام» بقوله له: أنزل الناس منازلهم، ولذلك أعطاه «عليه السلام» ما أوجب غناه، فقيل له: لقد أغنيته.

3 ـ ولعل أعظم وسام منحه إياه علي «عليه السلام» هو وسام الحرية، فإنها هي التي تؤهل ذلك الرجل إلى التفاعل مع المعروف، والتأثر بالمعاني الإنسانية، والقيم الأخلاقية، ليكون هذا أيضاً بمثابة الدليل بعد الدليل على استحقاق ذلك الرجل لهذا العطاء..

4 ـ وبما فعله «عليه السلام» يكون قد رسم لنا القاعدة، ووضع المنطلقات للعطاء والمنع، وبذل المعروف لأهله. من خلال إعطاء المواصفات لأهل الإستحقاق. ثم ممارسته ذلك بصورة عملية..


([1]) مجمع البحرين ج5 ص5 و 6 وبحار الأنوار ج41 ص36 عن فروع الكافي (الجزء الرابع من الطبعة الحديثة) ص22 و 23.

([2]) من لا يحضره الفقيه ج2 ص71 والكافي ج4 ص22 و 23 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج9 ص454 و 455 و (ط دار الإسلامية) ج6 ص318 وحلية الأبرار ج2 ص417 ومجمع البحرين ج5 ص5 و 6 ونهج السعادة ج8 ص277 و 278 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص424 .

([3]) الإصابة ج7 ص343 وأعيان الشيعة ج1 ص434.

([4]) معجم البلدان ج1 ص55 وج4 ص198 و 199 وراجع: مجمع البحرين ج1 ص222 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص587.

([5]) الآية 37 من سورة النساء.

([6]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص384 وبحار الأنوار ج41 ص32 ومستدرك الوسائل ج13 ص410 وجامع أحاديث الشيعة ج18 ص325 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص412.

([7]) بحار الأنوار ج41 ص32 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص118 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص341 ومستدرك الوسائل ج7 ص268 وحلية الأبرار ج2 ص272.

([8]) الأمالي للطوسي ص519 وبحار الأنوار ج68 ص356 وج70 ص138 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص473 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج10 ص117 ومسند أحمد ج4 ص24 وصحيح مسلم ج8 ص211 وسنن الترمذي ج4 ص4 وج5 ص117 وسنن النسائي ج6 ص238 والمستدرك ج2 ص534 وج3 ص612 وج4 ص323 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص61 ومجمع الزوائد ج3 ص107 ومسند أبي داود ص156 والمصنف للصنعاني ج4 ص31 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص130 والأدب المفرد للبخاري ص204 والآحاد والمثاني ج3 ص152 والسنن الكبرى للنسائي ج4 ص99 و 521.

([9]) الأمالي للصدوق ص164 و 165 و (ط مؤسسة البعثة) ص348 وبحار الأنوار ج41 ص34 و 35 و ج71 ص407 وروضة الواعظين ص357 وجامع أحاديث الشيعة ج14 ص475 ومعجم المحاسن والمساوئ لأبي طالب التجليل التبريزي ص358.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان