صفحة :207-230   

الفصل السادس: حوار.. وعلامات استفهام..

لا تصيب أحداً أعلم منا:

حدثنا علي بن أحمد بن محمد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال:

أتى علي بن أبي طالب «عليه السلام» يهودي، فقال يا أمير المؤمنين: إني أسألك عن أشياء إن أنت أخبرتني بها أسلمت.

قال علي «عليه السلام»: سلني يا يهودي عما بدا لك، فإنك لا تصيب أحداً أعلم منا أهل البيت.

فقال له اليهودي: أخبرني عن قرار هذه الأرض على ما هو.

وعن شبه الولد أعمامه وأخواله.

وعن أي النطفتين يكون الشعر، والدم، واللحم، والعظم، والعصب.

ولم سميت السماء سماء، ولم سميت الدنيا دنيا، ولم سميت الآخرة آخرة، ولم سمي آدم آدم، ولم سميت حواء حواء، ولم سمي الدرهم درهماً، ولم سمي الدينار ديناراً.

ولم قيل للفرس: أجد، ولم قيل للبغل: عد، ولم قيل للحمار: حر؟!

فقال «عليه السلام»: أما قرار هذه الأرض لا([1]) يكون إلا على عاتق ملك، وقدما ذلك الملك على صخرة، والصخرة على قرن ثور، والثور قوائمه على ظهر الحوت في اليم الأسفل، واليم على الظلمة، والظلمة على العقيم، والعقيم على الثرى، وما يعلم تحت الثرى إلا الله عز وجل.

وأما شبه الولد وأعمامه وأخواله.

فإذا سبق نطفة الرجل نطفة المرأة إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أعمامه.

ومن نطفة الرجل يكون العظم والعصب.

وإذا سبق المرأة نطفة الرجل إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أخواله.

ومن نطفتها يكون الشعر، والجلد، واللحم، لأنها صفراء رقيقة.

وسميت السماء سماء، لأنها وسم الماء، يعني معدن الماء.

وإنما سميت الدنيا دنيا، لأنها أدنى من كل شيء.

وسميت الآخرة آخرة، لأن فيها الجزاء والثواب.

وسمي آدم آدم، لأنه خلق من أديم الأرض، وذلك أن الله تعالى بعث جبرائيل «عليه السلام» وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات: طينة بيضاء وطينة حمراء، وطينة غبراء، وطينة سوداء. وذلك من سهلها وحزنها.

ثم أمره أن يأتيه بأربع مياه: ماء عذب، وماء ملح، وماء مر، وماء منتن.

ثم أمره أن يفرغ الماء في الطين، وأدمه الله بيده، فلم يفضل شيء من الطين يحتاج إلى الماء، ولا من الماء شيء يحتاج إلى الطين.

فجعل الماء العذب في حلقه، وجعل الماء المالح في عينيه، وجعل الماء المر في أذنيه، وجعل الماء المنتن في أنفه.

وإنما سميت حواء حواء، لأنها خلقت من الحيوان.

وإنما قيل للفرس: أجد، لأن أول من ركب الخيل قابيل يوم قتل أخاه قابيل، وأنشأ يقول:

     أجـد الـيـوم ومـــا                      تــرك الـنــاس دمـــاً

فقيل للفرس: أجد لذلك.

وإنما قيل للبغل: عد، لأن أول من ركب البغل آدم «عليه السلام»، وذلك لأنه كان له ابن يقال معد، وكان عشوقاً للدواب، وكان يسوق بآدم «عليه السلام»، فإذا تقاعس البغل نادى: يا معد، سقها. فألفت البغلة اسم معد، فترك الناس «ميم» معد، وقالوا: عد.

وإنما قيل للحمار: حر، لأن أول من ركب الحمار حواء، وذلك أنه كان لها حمارة، وكانت تركبها لزيارة قبر ولدها هابيل، فكانت تقول في مسيرها: وا حراه فإذا قالت الكلمات سارت الحمارة، وإذا سكتت تقاعست. فترك الناس ذلك وقالوا حر.

وإنما سمي الدرهم درهماً، لأنه دار همٍّ من جمعه ولم ينفقه في طاعة الله أورثه النار.

وإنما سمي الدينار ديناراً، لأنه دار النار، من جمعه ولم ينفقه في طاعة الله فأورثه النار.

فقال اليهودي: صدقت يا أمير المؤمنين، إنا لنجد جميع ما وصفت في التوراة.

فأسلم على يده، ولازمه حتى قتل يوم صفين([2]).

ونقول:

علينا أن نتوقف عند الأمور التالية:

تعهدات اليهودي:

قد تعهد اليهودي لأمير المؤمنين «عليه السلام»: بأن يسلم إذا أجابه الإمام «عليه السلام» على أسئلته، فدلنا بذلك:

1 ـ على أن ذلك اليهودي باحث عن الحقيقة، وأنه صادق مع نفسه، ولم يكن بصدد إثارة الشبهة، أو التعنت طلباً للدنيا..

2 ـ إن هذا التعهد يشير إلى أن من المعايير التي كان يعتمد عليها الناس في معرفة الحق هو ظهور علم الإمامة والنبوة، أو خصوصياتها المميزة لها عن كل ما عداها.

وقد يتم تلمُّس ذلك من خلال الكشف عن أسرارٍ معرفية لا يعرفها إلا الذين لهم صفة النبوة أو الإمامة.

وقد يستعينون على التعرف عليهم بتعمد السؤال عما يحتاج كشفه إلى الاستفادة من عالم الغيب المحجوب عن سائر الناس. ولو بالدفع إلى الكشف عن نوايا السائلين وتوقعاتهم التي كانت تكمن وراء تلك الأسئلة، فإذا استطاعت تلك الأجوبة أن تفي بذلك، عرفوا أن لا مناص لهم من البخوع والتسليم..

وقد لامست أسئلة اليهودي هنا الغيب، الذي لا يُعلِمه الله تعالى إلا لنبي أو لوصي نبي..

لا تصيب أحداً أعلم منا أهل البيت:

وعن قوله «عليه السلام» لذلك اليهودي: لا تصيب أحداً أعلم منا أهل البيت، نقول:

1 ـ إن أمير المؤمنين «عليه السلام» قبل أن يطرح اليهودي عليه أسئلة قد بادر للإعلان عن أنه لا يوجد أحد أعلم من أهل البيت، ولا بد أن تفهم هذه المبادرة على أنها إدانة للغاصبين لمقامه، كما أنها تحذير لذلك اليهودي ولغيره من التأثر بدعوى أولئك الناس، مهما كانت عريضة، وقوية، ومحمية بهيبة السلطان وبسيف نقمته، وحراب بطشه، فإن ذلك كله لا يغني من الحق شيئاً.. وهذا يمثل تحدياً قوياً لكل من يدعي لنفسه مقاماً علمياً، أياً كانت نحلته ومذهبه.

2 ـ كما أن إطلاق هذه الدعوى لا يمكن إلا أن يكون عن بصيرة، وخبرة بواقع الناس كلهم، من قرب منهم وبعد.. وهذا بحد ذاته يفسح المجال لاختبار واقعية هذا الأمر ميدانياً، وبصورة عملية.. ليصبح معنى الإمامة مرهوناً بنتائج ذلك الاختبار، ودائراً مدارها..

3 ـ إن أسئلة اليهود والنصارى لا بد أن ينظر إليها الباحث من جهتين:

الأولى: تلك الأسئلة التي كان يحملها علماء النصارى الصادقون في بحثهم عن الحق، فكانوا يسألون عن أمور يجدونها في كتبهم، أو عن أسرار وصلت إليهم يداً بيد، من أهل الأسرار منهم، وتصدي الأئمة «عليهم السلام» للإجابة عنهما، من دون أي تحفظ يشير إلى توافق الأديان السماويةً في بياناتها للحقائق.. بالرغم من تفاوت العصور، وامتداد الزمان، وتفاوت المستويات والخلفيات الثقافية في المجتمعات التي نشأت فيها. وهذا يدل على أن الأديان كلها إنما تخرج من مشكاة واحدة..

الثانية: تلك الأسئلة عن أمور مشوهة أو مكذوبة، فكان الأئمة «عليهم السلام» يسجلون عليها تحفظات قوية. ثم يصرحون بكذبها، ويقررون «عليهم السلام» بأن الحق خلافها.

الثالثة: هناك موارد أجاب عنها الأئمة، وأخبروهم عن الأجوبة التي يضمرونها، أو التي يطلبونها، رغم علم الأئمة «عليهم السلام» بأنها أجوبة خاطئة، وأنها جاءت نتيجة للتزوير، فقد كان المطلوب في هذه الموارد نفس كشف الأئمة عما يدور في خلد أولئك السائلين، حتى لو كان باطلاً أو مزوراً.

الوسم معدن الشيء:

ذكرت الرواية المتقدمة: أن السماء سميت سماء، لأنها وسم الماء. يعني: معدن الماء.

الأرض.. والثور والصخرة:

وذكرت الرواية المتقدمة: أن ملكاً يحمل الأرض، وقدماه على صخرة، وهي على قرن ثور إلخ..

ونقول:

علينا أن نفهم هذا الأمر وفق ما يلي:

المدبرات أمراً:

إننا لا ننكر أن يكون الله تعالى قد أوكل للملائكة القيام بمهمات تدبيرية في كثير من شؤون هذا العالم، فهناك: ملك الرياح، وملك القطر.

ومنهم أيضاً: المدبرات أمراً، وهم: ملك الموت، وجبرائيل وميكائيل، وإسرافيل([3]).

والكلام في تفاصيل ذلك، وموارده، وذكر رواياته يطول وليس محله هنا، فلا حاجة إلى الإفاضة فيه..

الحديث عند غير الشيعة:

إن هذا المعنى مروي بكثرةٍ عن مسلمة أهل الكتاب، ومن كان يأخذ عنهم، أو يحتمل في حقه ذلك.. فراجع:

ألف: ما رواه السيوطي في الدر المنثور بعدة طرق عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»([4]).

وراجع ما قاله المسعودي، وابن الأثير، والرازي([5]).

قال العلامة المجلسي «رحمه الله»: «وسائر كلام المؤرخين جار هذا المجرى. ولا جدوى في إيرادها»([6]).

ب: وروي أيضاً ما يدخل في هذا السياق عن: ابن جريح ([7])، وعن ابن عمر([8])، وعن كعب الأحبار([9])، وأبي مالك([10])، وعن ابن عباس([11]).

ج: ما عن كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وابن عباس على ما في رواية أبي الحسن البكري عنهم([12]).

وهناك رواية أخرى للبكري، قال: إنها عن أمير المؤمنين «عليه السلام»([13]).

من هو أبو حسن البكري؟!:

ذكر العلامة المجلسي «رحمه الله»: أن المقصود بالبكري أستاذ الشهيد الثاني.

وذكر الشيخ عبد الرحيم الرباني ـ المعلق على كتاب البحار ـ ما ملخصه: أن البكري رجلان:

أحدهما: علي بن جلال الدين بن محمد البكري الصديق الشامي، المتوفى بالقاهرة سنة 952 هـ. المترجم في شذرات الذهب، ولعله هو أستاذ الشهيد الثاني.

الثاني: أحمد بن عبد الله([14]). أو أحمد بن عبد الله بن محمد([15]).

وقد ترجم ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ. أبا الحسن البكري هذا وقال: كان أشعري المذهب([16]).

وترجمه ابن حجر المتوفى سنة 852 هـ، وعد من كتبه: ضياء الأنوار.

فإذا كان من مشايخ الشهيد الثاني المتوفى سنة 966 هـ. فكيف يمكن أن يكون سابقاً على ابن حجر العسقلاني، وابن تيمية؟!

ووصف السمهودي سيرة البكري: بأنها البطلان والكذب([17]).([18]).

هذا الحديث في روايات الشيعة:

وقد روي هذا المعنى في مصادر الشيعة الإمامية مرسلاً ومسنداً عن الإمام الصادق «عليه السلام»([19]).

وذكر ذلك أيضاً في دعاء مروي مرسلاً عن النبي «صلى الله عليه وآله»([20]).

وذكر الكيدري خبراً تضمن هذه المعاني، وفيه إضافات وزيادات، ولكنه لم يذكر إن كان يروي ذلك عن المعصوم، أو عن غيره([21]).

وفي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري نسب هذه المعاني إلى أمير المؤمنين أيضاً([22]).

ووردت هذه المعاني في الرواية التي تحكي ما قاله النبي «صلى الله عليه وآله» لزينب العطارة([23]).

هل الأرض ثابتة:

وما ذكر عن استقرار الأرض على عاتق ملك، وصخرة، وقرن ثور، وحوت و.. و.. يشير إلى ثبات الأرض، وعدم تحركها، مع أن من الثابت أن للأرض تحركات إحداها حول نفسها، والأخرى حول الشمس. وثالثة في ضمن المنظومة الشمسية، في سباحتها في بعض الاتجاهات، وفقاً لما ورد في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ([24])، وقوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ([25]). وهذا المسير للمنظومة الشمسية يعطي أن العالم في اتساع مستمر، كما أشير إليه في قوله تعالى ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ([26]) والأيد هو القوة.

وهذه الحقيقة هي التي يقول العلماء أنهم اكتشفوها في أواخر القرن العشرين.

كروية الأرض في كلام علي :

ومن المعلوم: أن الأرض كروية تسبح في الفضاء تدور بأكثر من حركة ضمن نظام دقيق. وقد أثبت العلماء هذه الحقيقة بالأدلة والشواهد.

لو كانت الأرض مستقرة على حوت، أو قرن ثور، أو نحو ذلك لما كانت متحركة، لا حول نفسها، ولا حول غيرها..

وذكر المجلسي «رحمه الله» بعض استدلالاتهم وشواهدهم على ذلك، مثل: أن من يسير في البحر يكون أول ما يظهر له رؤوس الجبال الشامخة.

كما أن ظل الأرض على القمر حال الكسوف وحال تبدل أشكاله منذ أن كان هلالاً يشير إلى كرويتها.

وشواهد كثيرة أخرى، فراجع([27]).

وقد وجدنا إشارات، بل تصريحات بهذا الأمر في كلام المعصومين «عليهم السلام»، مثل:

1 ـ ما ورد في خطبة لأمير المؤمنين «عليه السلام»: «..وأنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والإعوجاج، ومنعها من التهافت والانفراج، أرسى أوتادها، وضرب أسدادها..»([28]).

قوله: من غير اشتغال: أي لم يشغله إمساكها عن غيرها. أو أن إمساكها لا يعني أنه على سبيل الاشتغال بها، بل بمجرد إرادته لذلك يوجد المراد.

وقوله: من غير قرار: أي لم يكن هناك شيء تستقر عليه. والدعامة ـ بكسر الدال ـ عماد البيت الذي يقوم عليه..

والتهافت: التساقط قطعة قطعة.

المنع من الانفراج، لأجل التجاذب المقتضي لعدم انتشار الأجزاء.

والأسداد: جمع السد ـ بالضم والفتح ـ وهو الجبل، أو الحاجز بين الشيئين. وضرب الأسداد: إيجادها وإقامتها ونصبها.

2 ـ عن صالح اللفائفي، عن أبي عبد الله «عليه السلام»، قال: «إن الله عز وجل دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى، ثم دحاها من منى إلى عرفات، ثم دحاها من عرفات إلى منى، فالأرض من عرفات، وعرفات من منى، ومنى من الكعبة»([29]).

قال المجلسي «رحمه الله»: «أي دحا السطح الظاهر من الأرض من عرفات إلى منتهاها، ثم ردها من تحت الأرض لحصول الكروية إلى منى. ولم يذكر «عليه السلام» كيفية إتمامه ولظهوره.

أو المعنى: إنه ردها من جهة التحت إلى الجانب الآخر، ثم إلى الكعبة، ثم تمم أطراف الكرة من جهة الفوق إلى منى ليتم كلها([30]).

3 ـ ومما يدل على عدم استقرار الأرض على قرن ثور، أو حوت، أو غير ذلك، أو كونها سابحة في الفضاء ما رواه الإمام الصادق «عليه السلام» عن آبائه عن أمير المؤمنين «عليه السلام»: أن النبي «صلى الله عليه وآله»: علمه دعاء جاء فيه: «نور السماوات والأرضين، وفاطرهما، ومبتدعهما، بغير عمد خلقهما، فاستقرت الأرضون بأوتادها فوق الماء»([31]).

وورد في دعاء وداع شهر رمضان: «وبسط الأرض على الهواء بغير أركان»([32]).

وروى أيضاً عن علي وعن الصادق «عليهما السلام»: بسط الأرض على الهواء بغير أركان([33]).

4 ـ لو كانت الأرض محمولة، على قرن ثور أو حوت، فلماذا يحصل لها الميدان، والتحرك في الفضاء جيئة وذهاباً؟!

ولماذا تحتاج إلى الجبال لتكون أوتاداً لها؟!

قال تعالى: ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً([34]).

وقال: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ([35]).

وفي آية أخرى ﴿أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ([36]).

وروي عنه «عليه السلام»: «ووتد بالصخور ميدان أرضه»([37]).

وفي نص آخر: فخلق الجبال، فأثبتها على ظهرها أوتاداً من أن تميد بما عليها، فذلت الأرض([38]).

وعن ابن عباس: «فدحا الأرض من تحتها، فمادت ثم مادت، فأوتدها الله بالجبال»([39]).

5 ـ بل إن نفس روايات استقرار الأرض على الحوت تدل على أن الأرض سابحة في الفضاء، فراجع ما رواه في الاحتجاج عن الإمام الصادق «عليه السلام»، من أن الأرض على الحوت، والأرض في الماء، والماء في صخرة مجوفة، والصخرة على عاتق ملك، والملك على الثرى، والثرى على الريح، والريح على الهواء، والهواء تمسكه القدرة([40]).

ويدل عليه أيضاً: حديث آخر يذكر جواب النبي «صلى الله عليه وآله» لزينب العطارة([41]).

اختلاف الروايات:

على أن المقارنة بين الروايات تعطي: أن ثمة اختلافات حادة فيما بينها، ولولا أن المقام يطول بذلك، لأوردنا طرفاً منها، وبإمكان القارئ الكريم أن يجمعها من مصادرها، ويقارن بينها.

كما أن هذه الروايات لم تحظ بأسانيد معتبرة تفرض الأخذ بها، بل جاءت متوافقة مع ما يشيعه أهل الكتاب، الذين شارك بعضهم، أو فقل بعض مسلميهم أهل الكتاب في روايتها، ونشرها بين المسلمين بالفعل. ولعل بعض الصحابة ومن جاء بعدهم قد أخذ ذلك عنهم.

ومهما يكن من أمر، فإنه لا ملزم للأخذ بمضمون هذه الأخبار.

وإن احتمل صدور شيء منها عن المعصوم، فلا بد من رد علمه إليهم. إن لم يمكن حملها على الاستعارة التمثيلية، والمجاز.. فإن المجاز في القرآن كثير، كقوله تعالى: ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ([42]).

وقوله: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ([43]).

وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى([44]). وغير ذلك.

أول من ركب البغل:

وذكرت الرواية المتقدمة: أن أول من ركب الخيل هو قابيل بعد قتله أخاه هابيل.

ولكن ثمة روايات أخرى تخالف ذلك، مثل:

1 ـ ما رواه محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن محمد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن عبدوس، عن الإمام الرضا «عليه السلام»: «أول من ركب الخيل إسماعيل، وكانت وحشية لا تركب، فحشرها الله عز وجل على إسماعيل من جبل منى.

وإنما سميت الخيل العراب، لأن أول من ركبها إسماعيل»([45]).

قال المجلسي «رحمه الله»:

«قوله: وإنما سميت الخيل: أي نفائسها وعربيها.

قوله: لأن أول من ركبها إسماعيل: فإنه كان أصل العرب، وأباهم، فنسب الخيل إلى العرب»([46]).

2 ـ روى الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن غير واحد، عن أبان، عن زرارة، عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال: «إن الخيل كانت وحوشاً في بلاد العرب، فصعد إبراهيم وإسماعيل «عليهما السلام» على جبل جياد، ثم صاحا: ألا هلا ألا هلم.

قال: فما بقي فرس إلا أعطاهما بيده، وأمكن من ناصيته»([47]).

3 ـ وفي حديث آخر عن محمد بن مسلم: «أن أول من ركب الخيل إسماعيل»([48]).

4 ـ عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى «عليه السلام» قال: «سألته عن جياد: لم سمي جياداً؟!

قال: لأن الخيل كانت وحوشاً، فاحتاج إليها إبراهيم وإسماعيل، فدعا الله تبارك وتعالى أن يسخرها له، فأمره أن يصعد على أبي قبيس فينادي: ألا هلا، ألا هلم. فأقبلت حتى وقفت بجياد، فنزل إليها فأخذها. فلذلك سمي جياداً»([49]).

5 ـ عن ابن عباس: «كانت الخيل العراب وحوشاً في بلاد العرب»([50]).

6 ـ وقال الدميري: «أول من ركبها (أي الخيل) إسماعيل «عليه السلام»، ولذلك سميت العراب، ثم ذكر نحو ما تقدم عن كيفية ذلك»([51]).

جعل الماء النتن في منخري آدم:

وذكرت الرواية المتقدمة: أن الله تعالى أمر جبرائيل بأن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات ثم أمره بأن يأتيه بأربع مياه: وأنه جعل الماء العذب في حلقه، والمالح في عينيه، والمر في أذنيه، والنتن في أنفه.

غير أننا نقول:

لو صح هذا لكانت الروائح النتنة تخرج من أنف الإنسان، كما يخرج الماء المالح من عينيه، والعذب من فمه..

وفي الرواية التي تحكي أسئلة ابن سلام للنبي «صلى الله عليه وآله»: أن هذا قد ورد على سبيل المثل، ففيها: أن ابن سلام قال: «هل لهم مثل بذلك في الدنيا؟!

قال: نعم يا ابن سلام، أفما تنظر إلى التراب؟! منه أبيض، ومنه أسود، ومنه أحمر، ومنه أصفر، ومنه أشقر، ومنه أغبر، ومنه أزرق. ومنه عذب وخشن، ومنه لين، وكذلك بنو آدم إلخ..»([52]).


([1]) كذا. والصحيح: فلا.

([2]) علل الشرايع (ط سنة1421هـ ق) ج1 ص11 ـ 12 و (ط المكتبة الحيدرية سنة 1385هـ) ج1 ص2 و 3 وبحار الأنوار ج10 ص12 ـ 14 وج11 ص235 وراجع: بحار الأنوار ج75 ص93.

([3]) عيون أخبار الرضا ج1 ص5 و 6 وبحار الأنوار ج65 ص18 والبرهان ج8 ص205 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص254 وتفسير نور الثقلين ج5 ص498 وراجع: الدر المنثور ج6 ص311 وتفسير ابن أبي حاتم ج10 ص3397 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص490.

([4]) الدر المنثور ج1 ص43 وبحار الأنوار ج54 ص204 و 205 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص256 وفتح القدير ج1 ص61 وجامع البيان ج1 ص279 وتفسير ابن أبي حاتم ج1 ص74 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص71 وتاريخ الأمم والملوك ج1 ص35 والكامل في التاريخ ج1 ص19 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج1 ص18 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص118.

([5]) بحار الأنوار ج54 ص312 و 315 وج57 ص70 عن مروج الذهب ج1 ص15 ـ 17 والكامل لابن الأثير ج1 ص16 والتفسير الكبير (مفاتيح الغيب) ج22 ص8.

([6]) بحار الأنوار ج54 ص315.

([7]) الدر المنثور ج6 ص238 وبحار الأنوار ج57 ص91.

([8]) الدر المنثور ج6 ص238 وبحار الأنوار ج57 ص92 والمستدرك للحاكم ج4 ص594 والتخويف من النار لابن رجب الحنبلي ص139 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج6 ص157 وتفسير ابن أبي حاتم ج10 ص3361 وتفسير القرآن العظيم  ج3 ص150.

([9]) الدر المنثور ج6 ص239 وبحار الأنوار ج57 ص93.

([10]) الدر المنثور ج6 ص239 وبحار الأنوار ج57 ص93.

([11]) الدر المنثور ج6 ص250 وبحار الأنوار ج57 ص93 و 127 ورجع: المستدرك للحاكم ج2 ص498 وجامع البيان ج29 ص18 وفتح القدير ج5 ص269 وتاريخ الأمم والملوك ج1 ص34.

([12]) بحار الأنوار ج15 ص30 عن كتاب الأنوار لأبي الحسن البكري.

([13]) بحار الأنوار ج54 ص201 و 202 عن كتاب الأنوار لأبي الحسن البكري.

([14]) كما في رياض العلماء، وكشف الظنون.

([15]) كما في لسان الميزان.

([16]) منهاج السنة.

([17]) وفاء الوفاء ص888.

([18]) راجع: بحار الأنوار ج15 ص26 هامش. وأرجع إلى الذريعة ج2 ص409 و 410 وإلى أعيان الشيعة ج9 ص33 ـ 37.

([19]) الاحتجاج ج2 ص249 و 250 و (ط دار النعمان) ج2 ص100 وبحار الأنوار ج10 ص188 وج57 ص78 و 59 و 127 و 128 و 130وج88 ص148 و 149 وعلل الشرايع ج2 ص241 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص554 و 555 عن أحدهما، ومن لا يحضره الفقيه ص141 و 142 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج1 ص542 و 543 والكافي ج8 ص255.

([20]) البلد الأمين ص411 وبحار الأنوار ج90 ص256 و 257.

([21]) بحار الأنوار ج54 ص29.

([22]) بحار الأنوار ج54 ص87 و 88 والتفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري ص144 و 145.

([23]) التوحيد ص199 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص275 ـ 277 والكافي ج8 ص153 وبحار الأنوار ج57 ص83 ـ 85 ونور البراهين ج2 ص94 وتفسير نور الثقلين ج5 ص364.

([24]) الآية 33 من سورة الأنبياء.

([25]) الآيات 38  ـ 40 من سورة يس.

([26]) الآية 47 من سورة الذاريات.

([27]) راجع: بحار الأنوار ج57 ص95 فما بعدها، وراجع ص104 فما بعدها أيضاً.

([28]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص123 وبحار الأنوار ج54 ص30 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج2 ص170 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص87 ونهج الإيمان ص357 وأعلام الدين في صفات المؤمنين للديلمي ص60.

([29]) الكافي ج4  ص189 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص241 وبحار الأنوار ج54 ص203 وجامع أحاديث الشيعة ج10 ص2 وتفسير نور الثقلين ج5 ص502.

([30]) بحار الأنوار ج54 ص203.

([31]) مهج الدعوات ص152 فما بعدها، وبحار الأنوار ج83 ص332 وج54 ص37 عنه.

([32]) إقبال الأعمال ج1 ص436 وبحار الأنوار ج54 ص173 و 174 ج95 ص181 عنه، ومستدرك سفينة البحار ج1 ص110 وج10 ص573.

([33]) الدروع الواقية ص92 و 183 وبحار الأنوار ج94 ص 142 و 192 عنه.

([34]) الآية 7 من سورة النبأ.

([35]) من الآية 15 من سورة النحل، والآية 10 من سورة لقمان.

([36]) من الآية 31 من سورة الأنبياء.

([37]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص14 والاحتجاج ج1 ص295 وبحار الأنوار ج4 ص247 وج54 ص176 وج74 ص300 وج83 ص106 وشرح نهج = = البلاغة للمعتزلي ج1 ص57 وتفسير نور الثقلين ج5 ص492 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص117 وج3 ص88 ومطالب السؤول ص154 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج9 ص415 وعن عيون الحكمة.

([38]) الكافي ج8 ص149 وبحار الأنوار ج1 ص123 ج54 ص99 وج57 ص198 وتحف العقول ص24 والفصول المهمة للحر العاملي ج3 ص271 والخصال ص58 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص442 وتفسير نور الثقلين ج3 ص43.

([39]) الدر المنثور ج1 ص128 وبحار الأنوار ج54 ص207 وسبل الهدى والرشاد ج1 ص141.

([40]) الاحتجاج  ج2 ص100 وبحار الأنوار ج10 ص188 وج57 ص78 وراجع: تفسير علي بن إبراهيم ص418 والكافي ج8 ص89. 

([41]) تقدمت مصادره.

([42]) الآية 10 من سورة الفتح.

([43]) الآية 64 من سورة المائدة.

([44]) الآية 5 من سورة طه.

([45]) علل الشرايع ج2 ص70 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص393 وبحار الأنوار ج12 ص107 وج61 ص153 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص244 وتفسير نور الثقلين ج3 ص42 وقصص الأنبياء للجزائري ص146.

([46]) بحار الأنوار ج61 ص153.

([47]) المحاسن للبرقي ج2 ص630 والكافي ج5 ص47 وبحار الأنوار ج61 ص155 وج12 ص114 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج11 ص466 و (ط دار الإسلامية) ج8 ص341 وجامع أحاديث الشيعة ج16 ص851 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص245 وتفسير نور الثقلين ج3 ص41 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص286.

([48]) بحار الأنوار ج61 ص154 والأمان من أخطار الأسفار والأزمان ص97 و (ط مؤسسة آل البيت) ص108 والدر المنثور ج3 ص194.

([49]) قرب الإسناد ص105 و (ط مؤسسة آل البيت) ص238 وبحار الأنوار ج61 ص157 عنه، وعن كتاب المسائل. وراجع ج10 ص149 ـ 291 ومسائل علي بن جعفر ص271 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج11 ص468 و (ط دار الإسلامية) ج8 ص343 وجامع أحاديث الشيعة ج16 ص852 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص245.

([50]) علل الشرايع ج1 ص37 و 38 وبحار الأنوار ج12 ص104 وج61 ص154 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج11 ص467 و (ط دار الإسلامية) ج8 ص342 وجامع أحاديث الشيعة ج16 ص851 وقصص الأنبياء للجزائري ص145 وقصص الأنبياء للراوندي ص116.

([51]) حياة الحيوان ج1 ص224 و 225 وبحار الأنوار ج61 ص157.

([52]) بحار الأنوار ج57 ص245.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان