بـدايـة:
لأن استكمال جميع البيانات والوقفات في فصل واحد سيرهق
القارئ، فقد آثرنا أن نجعلها في فصلين، فلاحظ المطالب المذكورة بياناً
لبعض ما ورد في الفصل الذي تقدم بعنوان: اليهودي وفضائل الرسول «صلى
الله عليه وآله»، وذلك فيما يلي من صفحات..
وقد ذكر النص المتقدم في الفصل
السابق:
أن الله تعالى
عرض على نبيه
«صلى الله
عليه وآله»،
بأن يعيش ملكاً منعماً، ولا ينقص في الآخرة شيء مما ادخر له. فأومأ
«صلى الله عليه وآله» إلى جبرائيل «عليه السلام»، فأشار إليه جبرائيل:
أن تواضع إلخ..
فيرد سؤال:
هل يعقل أن لا يكون
«صلى الله
عليه وآله»
قادراً على اختيار ما هو أجدر به وأمثل؟!!
وهل يعقل:
أن لا يكون
«صلى
الله عليه وآله»
عارفاً بالأوامر الإلهية للأنبياء السابقين بالزهد بالدنيا، وصرف النظر
عنها وعن زبرجها؟!
وهل كان جبرئيل أعرف منه
«صلى الله
عليه وآله»
بمثل هذه الأمور؟!
وألم يكن «صلى الله عليه وآله» يعلم أن الأنبياء «عليهم
السلام» أسوة وقدوة لقومهم؟! فكيف يتأسى الفقراء بنبيهم؟!
وعلي «عليه السلام» هو الذي يقول:
«أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في
مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش. فما خلقت ليشغلني أكل
الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش
من أعلافها، وتلهو عما يراد بها الخ..([1]).
ويمكن أن يجاب:
أولاً:
إن جبرئيل هو رسول الله إليه «صلى الله عليه وآله». وهو
إنما يخبره عن الله تعالى، فأراد «صلى الله عليه وآله» أن يسأله ليعلم
الناس أن عليهم تحري أوامر الله، وأن يكون الورد والصدر عنها، ولذلك
أراد «صلى الله عليه وآله» هنا أن يختار ما يختاره على أساس التعبد
بأمر الله سبحانه، ولا يريد أن يفعل ما يفعل بالاستناد إلى نفسه، حتى
في مثل هذا الأمر البديهي، والمعلوم ليعرف الناس أن المطلوب هو نيل
ثواب الطاعة لله بأكمل الوجوه وأتمها.
وليكون بذلك أسوة لغيره في تحري طاعة الله في كل شيء،
ليكن هذا التخيير الإلهي يهدف إلى إظهار هذه الخصوصية فيه «صلى الله
عليه وآله»..
ثانياً:
من الذي قال: إنه لم تكن هناك مصلحة للناس في أن يروا
أحد أنبياء الله تعالى، ولا سيما أفضلهم وخاتمهم يعيش متنعماً، وقد
سخرت له خيرات الأرض كما كان الحال بالنسبة لسليمان «عليه السلام»؟!
فعلى النبي «صلى الله عليه وآله» أن يحتمل مثل هذا الأمر. لا سيما مع
سريان قانون البداء حتى على رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ثالثاً:
إنه تعالى لا يريد أن يعطي الشفاعة لرسول الله «صلى
الله عليه وآله» ابتداء، بل يريد أن يظهر أهلية النبي «صلى الله عليه
وآله» لهذا التفضل، بإظهار هذا الزهد بالدنيا، والتواضع لديه، بالإضافة
إلى إظهار مدى حرصه «صلى الله عليه وآله» على رضا الله سبحانه،
وانقياده ومراعاته حتى للاحتمالات في هذا السياق..
وجاء في النص المتقدم في الفصل
السابق:
أنه أسرى بالنبي
«صلى الله
عليه وآله»
من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت
السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثلث ليلة، حتى انتهى إلى ساق
العرش..
وهنا يطرح سؤالان، فإن أجيب عنهما سقطت سائر الأسئلة،
لأنها تتفرع عنهما، والسؤالان هما:
هل المسجد الأقصى في القدس في فلسطين حقاً؟!
وهل المسافة بين مكة وساق العرش مسيرة خمسين ألف عام؟!
ونجيب على السؤال الأول بما يلي:
إننا لا ننكر أن الله تعالى قد أسرى برسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
إلى بيت المقدس فقد أسري بالنبي «صلى الله عليه وآله» وعرج به مئة
وعشرون مرة..
ولكننا نقول:
ألف:
إنه لا دليل على أن هذا هو المقصود بقوله تعالى في سورة الإسراء:
﴿سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ
آَيَاتِنَا﴾([2]).
ب:
تقول بعض الروايات: إن رجلاً سأل الإمام الصادق «عليه
السلام» عن المساجد التي لها الفضل، فقال: المسجد الحرام، ومسجد
الرسول.
قلت:
والمسجد الأقصى؟! جعلت فداك!
فقال:
ذاك في
السماء، إليه أسري برسول الله
«صلى الله
عليه وآله»..
فقلت:
إن الناس يقولون: إنه بيت المقدس.
فقال:
مسجد الكوفة أفضل منه([3]).
ج:
إن بيت المقدس هو بقعة تبلغ مساحتها مئة وخمسة وأربعين
ألف متر، وفيها محاريب الأنبياء، وباب حطة، وغير ذلك، ولم يكن فيها
مسجد قائم في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وإنما بنيت القبة
على الصخرة في زمن الوليد بن عبد الملك، بعد أن كان عبد الملك قد منع
الناس من الحج إلى مكة، وأمرهم بالحج إلى بيت المقدس، وأمرهم بالطواف
حول الصخرة التي هي قبلة اليهود القديمة، وجعل لهم مسعى، ومنى وعرفات،
وحولت القبلة إلى بيت المقدس أيضاً ـ ولا سيما في مساجد العراق، الذي
حكمه الحجاج والقسري، وغيرهما من الطغاة والجبارين..
أما المسجد الآخر، وهو ذو القبة الخضراء، فقد أسسه عمر
بن الخطاب حين زار بيت المقدس لمصالحة أهلها ـ وقد سأل عمر كعب
الأحبار، عن الموضع الذي يضع فيه المحراب.
فقال له كعب:
اجعله خلف الصخرة، حتى تكون القدس كلها بين يديك.
فقال له:
ضاهيت اليهودية يا كعب([4]).
ولم يكن يطلق عليها اسم المسجد الأقصى قبل ذلك، لا في
عهد الرسول ولا في عهد أبي بكر. بل كان يعبر عنها ببيت المقدس.
د:
لعلنا لا نجد إطلاق اسم المسجد الأقصى على هذه البقعة
على لسان أحد من المعصومين، منذ بعثة رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
وإلى حين الغيبة لصغرى وبدء الغيبة الكبرى إلا في بضعة روايات يسيرة
جداً، تحدثنا عنها في كتابنا: «المسجد الأقصى أين»؟!
وقلنا:
إن هذا يضع علامات استفهام كبيرة حول هذا الموضوع، الذي كان هناك موضع
اهتمام شديد، وحرص ظاهر على تكريسه كمسجد يضاهي المسجد الحرام، ومسجد
النبي «صلى الله عليه وآله».
هـ:
غير أننا بغض النظر عما تقدم نقول:
إن بيت المقدس نفسه مكان مقدس، تعدل الصلاة فيه ألف
صلاة([5])،
ولكنه لا يمكن أن يضاهي مسجد الكوفة، فضلاً عن مسجد النبي «صلى الله
عليه وآله»، والمسجد الحرام..
و:
إن الآية
المباركة التي في سورة الإسراء صرحت بالقول: ﴿الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾.
ولا نجد فيما نعرفه من نصوص ما يدل على مباركة المناطق المحيطة ببيت
المقدس، أو ما يدل على خصوصية تميزها على سائر البقاع..
أما إذا كان المسجد الأقصى هو مصلى الملائكة في السماء
الرابعة([6])،
فإن ما حوله يكون مباركاً، لأنه موضع ترتاده الملائكة، وتتواجد فيه
مشغولة بالتسبيح..
ز:
لا توجد آيات إلهية وعجائب ربانية، غير عادية فيما بين
مكة وبيت المقدس. كما أن الإسراء من مكة إلى السماء الرابعة ليس أمراً
عادياً. وسيشاهد النبي «صلى الله عليه وآله» من آيات الله العظيمة في
مسيرة ذاك ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى.
ج:
إذا كان الإسراء إلى المسجد الأقصى في السماء، فإن التعبير بالأقصى
يكون ظاهر الوجه، فإن المراد حينئذ مصلى الملائكة في السماء الرابعة.
أما بيت المقدس:
فأولاً:
لم يكن هناك مسجد فعلاً، ولكن كانت هناك مساحة شاسعة ذات حرمة. ولو
سلم، فلما بيت المقدس أقصى المساجد في عهد رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، لأن وصف الأقصى لا بد أن يكون ظاهر الانطباق بالنسبة لجميع
أفراد البشر في أي زمان ومكان وجهة كانوا. ولم يكن الأمر كذلك لا في
عصر نزول الآية، ولا في سائر الأزمان بعد ذلك إلى يومنا، فهناك مسجد
أهل الكهف الذي ورد ذكره في القرآن: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ
عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾([7]).
وقال تعالى في سياق آخر:
﴿الم
غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ
غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾([8]).
وإن كان المقصود:
أنه «أقصى» بالنسبة لغيره من المساجد بعد اتساع رقعة
الإسلام، فإن المساجد في أيامنا هذه توجد في أقصى بقاع الأرض على
الإطلاق، فلا خصوصية لبيت المقدس.
من أجل ذلك نقول:
قد يكون
المراد بالمسجد الأقصى الوارد في الآية المباركة:
هو
المسجد الذي
في السماء الرابعة،
وهو مصلى الملائكة، ولعل ما سنورده في الفقرة التالية سيزيد الأمر
وضوحاً.
غير أن علينا أن نشير إلى أنه قد كان هناك إسراء آخر
إلى بيت المقدس حيث المسجد الأقصى في فلسطين.
وإن
امكن المناقشة في جميع ما تقدم والقول بأن الرواية التي
اشارت إلى بيت المقدس الذي في السماء ضعيفة السند، فإن احتمال أن يكون
المراد بالرواية هو المسجد الأقصى الذي في القدس يبقى قائماً.
وعلى هذا الأساس يكون ذكر هذا الأمر في القرآن من دلائل
نبوة نبينا
«صلى الله
عليه وآله»،
ومن مظاهر اعجاز القرآن، لأنه يكون قد تحدث مسبقاً عن المسجد الأقصى،
وعن تسميته، وما يكون من بني اسرائيل فيه، ثم ما يكون بينهم وبين
المؤمنين الصالحين، من أجله وحوله.
والإخبار عن هذا الغيب قبل أن يوجد ذلك المسجد، وقبل أن
تطلق عليه التسمية وقبل مئات السنين من دخول اليهود له.. وقبل أن
يخرجهم منه عباد الله الصالحون مرة أو مرتين إن شاء الله تعالى معجزة
ظاهرة، ودلالة باهرة على صحة هذا الدين، على رغم أنف الجاحدين.
وذكرت الرواية المتقدمة في الفصل
السابق:
أنه قد عرج بالنبي
«صلى الله
عليه وآله»
في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام. حتى انتهى إلى ساق العرش..
فإذا أردنا أن نضع ذلك في سياق حسابات عملية، فإن مسيرة
الخمسين ألف عام هي أقل بكثير من مسيرة ساعة ضوئية.. والعلماء يتحدثون
عن وجود نجوم يحتاج ضوؤها ليصل إلينا إلى مئات الألوف، بل إلى ملايين
السنين الضوئية.
وهذه النجوم هي الزينة للسماء الدنيا، انطلاقاً من قوله
تعالى ﴿وَزَيَّنَّا
السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾([9])،
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا
زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾([10]).
وهذا يشير إلى أن حجم السماء الدنيا، وهي القريبة والدانية أعظم بكثير
من مسيرة خمسين ألف سنة بكثير..
فكيف إذا أضيف إلى ذلك قول بعض الروايات عن الإمام
الصادق «عليه السلام»: إن السماء الدنيا في جنب السماء الثانية ليست
إلا كحلقة درع ملقاة في أرض فلاة. وكذلك كل سماء بالنسبة إلى التي
تليها؟!([11]).
فكيف إذا أخذنا بالرواية التي تتحدث عن ملك اسمه
خرقائيل، له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح والجناح خمس مئة عام،
فخطر له خاطر: هل فوق العرش شيء؟! فزاده الله ثمانية عشر ألف جناح
أخرى. ما بين كل جناح وجناح مسيرة خمس مئة عام.
ثم أوحى إليه تعالى:
أيها الملك طر.
فطار عشرين ألف عام لم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش،
ثم ضاعف الله له في الجناح والقوة، وأمره أن يطير، فطار مقدار ثلاثين
ألف عام، لم ينل أيضاً.
فأوحى الله إليه أيها الملك، لو طرت إلى نفخ الصور، مع
أجنحتك وقوتك لم تبلغ إلى ساق عرشي إلخ..([12]).
فهل يمكن بعد هذا وذاك أن تكون المسافة بين مكة وساق
العرش مسيرة خمسين ألف سنة؟! ولا سيما إذا كان المقصود بالمسير هو مسير
الناس العاديين على أقدامهم، أو إبلهم!!
وإذا أردنا حل هذا الإشكال فلا بد من ملاحظة ما يلي:
1 ـ
يمكن أن يقال: إنه «عليه السلام» لم يوضح نوع المسير، الذي قصده،
فللبشر مسيرهم، مشياً، أو على الإبل، أو الخيل، أو في السيارات، أو
الطائرات.
وللجن مسيرهم الذي يمكِّنهم من الإقتراب واستراق السمع
في السماوات، أو يمكِّنهم من التجول في السماوات نفسها.. كما أن فيهم
الأقوياء، وفيهم الضعفاء أيضاً..
وللملائكة مسيرهم الأرقى والأسمى، ويختلف حالهم في
قدراتهم، وفي الوسائل التي يحبوهم الله تعالى بها نتيجة لأعمالهم
الصالحة، أو لغير ذلك.
وقد وجدنا:
بأن للملك خرقائيل ستة وثلاثين ألف جناح بين كل جناح
وجناح مسيرة خمس مئة عام، فلا بد أن تكون سرعة طيرانه متناسبة مع هذه
القدرات.
وفيهم عظماء بلغوا في العظمة إلى الحد الذي استحقوا به
أن يكونوا رسل الله تعالى إلى أشرف مخلوقاته، وهو نبينا الأعظم محمد
«صلى الله
عليه وآله»،
مثل جبرائيل «عليه السلام»..
2 ـ
إن الأيام أيضاً تختلف. فقد قال تعالى: ﴿وَإِنَّ
يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾([13]).
وقال سبحانه: ﴿ثُمَّ
يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا
تَعُدُّونَ﴾([14]).
وقال: ﴿تَعْرُجُ
الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾([15]).
وربما اختلف حال الأيام باختلاف النشأة التي يراد
الحديث عنها، والعالم الذي يقصد منها، فأيام الآخرة ليست كأيام الدنيا،
بل إن أيام الدنيا تختلف بسبب اختلاف عوالمها، فيوم الجن غير يوم
الملك، ويومهما يختلف عن يوم الإنس..
بل إن نفس منازل الآخرة قد تكون سبباً لاختلاف الأيام..
كما أن من الممكن أن تختلف الأيام في إطلاقاتها بالنسبة بالنسبة
لاختلاف طوائف الملائكة، وفئات الجن أو الإنس المخاطبين بها.
3 ـ
من أجل هذا وذاك نقول: ربما يكون المقصود بمسير الخمسين ألف عام هو هذه
المراتب العالية جداً، كمسير الملك خرقائيل، أو مسير جبرائيل الذي هو
أقوى وأسرع، أو البراق الذي هو دابة من الجنة، ولذلك تولى حمل رسول
الله
«صلى الله عليه وآله»
حتى أوصله إلى سدرة المنتهى، وتولى جبرائيل مرافقته.. ثم عادوا في نفس
الليلة.. أو في جزءٍ يسير منها.
فكان الإعجاز الذي حبا الله تعالى به نبيه هو قطع مسيرة
خمسين ألف عام مما يحتاج إليه أعظم مخلوقات الله، وأقواها على المسير
الأسرع ليصل إلى ساق العرش ـ قطعها كلها ـ بلحظات يسيرة، حتى انتهى إلى
سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى. وأين ساق العرش من سدرة المنتهى؟!
4 ـ
ولعل السماء الرابعة، حيث مصلى الملائكة، وهو المسجد الأقصى، هو الذي
يحتاج إلى مسيرة شهر، من أنواع المسير الذي هيأ الله له أهلاً يمارسونه
بقدراتهم الخاصة في نطاق هذه السماوات.
5 ـ
وموضوع المسجد الأقصى، والإسراء والمعراج وكل هذا الذي أشرنا إليه مما
يكون في نطاق السماوات، وخلقها، وسكانها، يحتاج إلى المزيد من البحث
والتدقيق.
وما ذكرناه لا يعدو كونه مجرد أمارات أولية، ولربما إذا
حظيت بمزيد من العناية من قبل العلماء تكتسب المزيد من الوضوح والبهاء،
والجمال والسناء، بسبب ما يضفونه عليها من تقليم وتطعيم، وتصحيح
وتقويم..
1 ـ
وما أروعه من بيان راصد ورافد، فهو راصد لكل الاحتمالات، والأوهام
والشبهات، ليبادئها بما يزيلها، ويقتلعها من جذورها. ورافد للعقول
والأفهام بالعلم الذي يشفي الصدور، ويطفح بالهدى والنور.
فها هو «عليه السلام» يضيف كلمة «بالعلم» إلى الدنو
والتدلي، لتكون البلسم الشافي، والبيان الكافي لتنزيه الله سبحانه عن
أمور كثيرة يتوهمها أهل الباطل: فقد نزهه عن المكان، وعن الجسمية، وعن
الجهة، وعن الحاجة، وعن.. وعن.. فإنه
«صلى الله عليه وآله»
دنا بعلمه إليه سبحانه وتعالى، لا دنوا مكانياً، فإن هذا يفسد
الاعتقاد، ويتضمن الجرأة على رب العباد..
2 ـ
وقد ذهبت أوهام الناس في المراد من التدلي في اتجاهات شتى، حيث ظنوا:
أن جبريل لما وقف برسول الله «صلى الله عليه وآله» عند سدرة المنتهى
فارقه وتقدم «صلى الله عليه وآله»، وتقدم إلى ما هو أبعد من ذلك ـ ظنوا
ـ أنه قد زال من مكانه، وتدلى إلى الأرض([16]).
فجاء قوله «عليه السلام»:
فدنا بالعلم، فدلي له من الجنة رفرف أخضر، كما تقدم في
الفصل السابق.
وقد ورد في رواية أخرى ما يوضح ذلك، فعن محمد بن همام،
عن محمد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن الإمام الكاظم، عن أبيه، عن
جده، عن علي «عليهم السلام»: أنه
«صلى الله
عليه وآله»
قال:
«ثم
صعد بي إلى تحت العرش، فدلي إليَّ رفرف أخضر، ما أحسن وصفه، فرفعني
بإذن ربي فصرت عنده، وانقطع عني أصوات الملائكة ودويهم، وذهبت المخاوف
والروعات، وهدأت نفسي واستبشرت، وجعلت أمتد وأنقبض، ووقع علي السرور
والاستبشار، وظننت أن جميع الخلائق قد ماتوا، ولم أر غيري أحداً من
خلقه.
فتركني ما شاء الله، ثم رد علي روحي، فأفقت. وكان
توفيقاً من ربي أن غمضت عيني، وكل بصري، وغشي عن النظر، فجعلت أبصر
بقلبي كما أبصر بعيني، بل أبعد وأبلغ، وذلك قوله تعالى:
﴿مَا
زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ
الْكُبْرَى﴾.
وإنما كنت أبصر مثل مخيط الإبرة نوراً بيني وبين ربي،
لا تطيقه الأبصار. فناداني ربي فقال: ..
إلى أن قال «صلى الله عليه وآله»:
ثم إن ربي أمرني بأمور وأشياء، وأمرني أن أكتمها، ولم
يأذن لي في إخبار أصحابي بها.
ثم هوي بي إلى الرفرف، فإذا بجبرائيل
«عليه السلام»
فتناولني حتى صرت إلى سدرة المنتهى، فوقف بي تحتها، ثم أدخلني جنة
المأوى إلخ..»([17]).
وذكر النص المتقدم في الفصل السابق
أنه «عليه السلام» قال:
إن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
رأى نور عظمة ربه بفؤاده، ولم يرها بعينه. فكان قاب قوسين بينها وبينه
أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى.
وقد ورد هذا المعنى أيضاً في آخر الرواية المذكورة
آنفاً، ففيها عن الإمام الكاظم «عليه السلام»: أنه
«صلى الله
عليه وآله»
وهو في الجنة: بينا جبرائيل يكلمه إذ علاه نور من نور الله .. فنظرت
إلى مثل مخيط الإبرة مثلما كنت نظرت إليه في المرة الأولى..
إلى أن قال:
«وقد كنت قريباً إليه (أي إلى نور عظمة الله) مثل ما
بين كبد القوس إلى سيته، فذلك قوله تعالى: ﴿فَكَانَ
قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾
من ذلك»([18]).
الإمام الرضا
:
والروايات المخالفة للقرآن:
غير أن ثمة رواية صحيحة السند تذكر:
أن الإمام الرضا «عليه السلام»، وهو حفيد علي ووارثه قد
تعرض لهذا الأمر، فيجدر بنا أن نستفيد من دروسها النافعة، والحقائق
الناصعة، ونستضيء بأنوارها، فقد روى الكليني عن أحمد بن إدريس، عن محمد
بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال:
سألني أبو قرة المحدث:
أن أدخله على أبي الحسن الرضا «عليه السلام»، فاستأذنته
في ذلك، فأذن لي، فدخل عليه، فسأله عن الحلال والحرام، حتى بلغ سؤاله
إلى التوحيد، فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين
نبيين، فقسم الكلام لموسى، ولمحمد الرؤية؟!
فقال أبو الحسن «عليه السلام»:
فمن المبلغ عن
الله إلى الثقلين من الجن والإنس: ﴿لَا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾([19]).
و ﴿وَلَا
يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾([20]).
و ﴿لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾؟!([21]).
أليس محمداً «صلى الله عليه وآله»؟!
قال:
بلى.
قال:
كيف يجيء رجل
إلى الخلق جميعاً، فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله
بأمر الله فيقول:
﴿لَا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾
و ﴿وَلَا
يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾
و ﴿لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾،
ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به علما، وهو على صورة البشر؟!
أما تستحيون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا، أن يكون
يأتي من عند الله بشيء، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر.
قال أبو قرة:
فإنه يقول:
﴿وَلَقَدْ
رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾؟!
فقال أبو الحسن «عليه السلام»:
إن بعد هذه
الآية ما يدل على ما رأى، حيث قال:
﴿مَا
كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾
يقول: ما كذب فؤاده ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى، فقال: ﴿لَقَدْ
رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾،
فآيات الله غير الله.
وقد قال الله عز وجل:
﴿وَلَا
يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾،
فإذا رأته الأبصار، فقد أحاط به العلم، ووقعت المعرفة.
فقال أبو قرة:
فتكذب بالروايات؟!
فقال أبو الحسن «عليه السلام»:
إذا كانت الروايات مكذبة للقرآن كذبتها.
وما أجمع المسلمون عليه:
أنه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله
شيء([22]).
فقد دلتنا هذه الرواية على العديد من الحقائق والضوابط،
التي نذكر منها ما يلي:
1 ـ
إن أبا قرة طلب من صفوان: أن يستأذن له على الإمام «عليه السلام»، فلعل
ذلك لأجل أن يجد لدى الإمام اهتماماً بشأنه، من حيث أنه من أهل العلم،
ورواة الحديث، وليس من طالبي الحاجات، الذين ينصب الاهتمام على تلبية
حاجاتهم، ولا من المتطفلين على بيوت الناس.
2 ـ
إنه «عليه السلام» لم يتعامل مع أبي قرة على أساس حسن الظن به من ناحية
الاعتقاد بالتنزيه الإلهي عن الجسمية، وعن الجهة، والمكان والحاجة، بل
فهم من نفس سؤاله أنه يريد إثبات الرؤية البصرية لله بمعناها المعروف
والمتداول بين أهل الحديث في ذلك الزمان..
3 ـ
إنه «عليه السلام» لم يبادره بالتكذيب المباشر، كما أنه لم يورد له
استدلالاً حاسماً على الطريقة العقلية التجريدية، المتداولة لدى
الفلاسفة والمتكلمين.. بل استدرجه إلى الإعتراف بما يمهد لصدمة
وجدانية، من حيث أنه يعترف بما يثبت صدور المتناقضات من رسول الله
«صلى
الله عليه وآله».
وهذه قاعدة صحيحة ومؤثرة، ولا بد من اعتمادها في
الموازنة بين ما يصدر عن الأنبياء والأوصياء، وسائر العقلاء..
بل هو لم يقل له:
إن الرؤية
مستحيلة،لقوله تعالى: لا تدركه الأبصار، ولقوله: .. إلخ. بل طلب منه أن
يعترف أولاً بأن النبي
«صلى الله
عليه وآله»
هو الذي بلغ هذه الآيات. فلا يمكن أن يبلغهم ما يناقضها، لأن هذا
التناقض يدل على اختلال أساسي في معاييره، وتفكيره، وفي تعقله للأمور،
مع أن من المتسالم عليه أنه معصوم عن ذلك، بل العقلاء كلهم معصومون عن
مثله.
على أن قبول الناس للمتناقضات أيضاً غير معقول، لأنهم
سيرون ذلك إهانة لهم، واستهزاءً بهم، واستخفافاً بعقولهم.
4 ـ
إنه «عليه السلام» قد جسد لمخاطبه مدى خطورة وشناعة وقباحة هذا
الاعتقاد، حين أخبره أن الزنادقة قد عجزوا عن رمي الله بهذا، وبذلك
يكون قد جعل القضية تعني نفس الشخص الذي أثارها، وتمس توازنه العقلي،
وسلامته الفكرية والإيمانية، وصحة اعتقاده..
5 ـ
إنها تدل على حجية السياق القرآني.. وهذه قاعدة أخرى ستكون مفيدة في
الكثير من الموارد، حيث إنه «عليه السلام» قد أحال في معرفة المراد على
الآية الأخرى الآتية بعد آية الرؤية..
6 ـ
كما أن هذه الرواية تدل على حجية ظواهر القرآن، حيث يزعم بعضهم أن وجود
المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ قد أسقط ظواهر القرآن عن الحجية.
ويزعمون أيضاً:
أنه إنما يفهم القرآن من خوطب به، وهم النبي والأئمة «عليهم السلام».
ونحن وإن كنا نسلم بصحة هذه المقولة الأخيرة، ولكننا
نقول:
إن المقصود هو:
فهم محكمه، ومتشابهه، وحقائقه، ودقائقه، وإشاراته، ولطائفه.
أما ظواهره، فهي مفهومة للناس، وهي حجة عليهم.
7 ـ
ودل الخبر أيضاً على حجية الظواهر للمشافهين والغائبين..
8 ـ
ودل على حجية اللوازم العقلية للخطاب.
9 ـ
والأهم من ذلك كله: دلالته على لزوم عرض الحديث على الكتاب، وأن هذا
ليس من فعل الزنادقة كما زعمه بعضهم([23]).
وعلى أنه لا صحة لقولهم:
السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب بقاضٍ على السنة([24]).
10 ـ
ثم أعطى «عليه السلام» قاعدة لتمييز المحكم من المتشابه، والذي لم
يتعرض للنسخ من غيره، وهو إجماع جميع المسلمين على الأخذ والعمل بمضمون
الآية، ولذلك قال «عليه السلام»: إن المسلمين قد أجمعوا على الأخذ
بمضامين الآيات الثلاثة التي استدل «عليه السلام» بها على أبي قرة، وهي
قوله تعالى: ولا يحيطون به علما، وقوله تعالى: لا تدركه الأبصار، وقوله
تعالى: ليس كمثله شيء..
وذكر النص المتقدم في الفصل السابق أن آيات آخر سورة
البقرة قد نزلت حين المعراج، وهي قوله تعالى:
﴿وَإِنْ
تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ
اللهُ﴾.
فقد يقال:
كيف يصح ذلك، والحال: أن الإسراء كان في مكة، وسورة
البقرة نزلت في المدينة؟!
ويجاب:
أولاً:
إن المعراج والإسراء قد حصل مرات كثيرة، وفي بعض
الروايات: أنها تصل إلى مئة وعشرين مرة([25])،
وقد ذكر القرآن مرتين منها:
إحداها:
الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، سواء قلنا: إن المقصود به
هو بيت المقدس، أو قلنا: إنه مصلى الملائكة في السماء الرابعة.
والثانية:
الإسراء الذي بلغ فيه النبي «صلى الله عليه وآله» إلى سدرة المنتهى.
وهي المذكورة في سورة النجم..
فمن الذي قال:
إنه «عليه السلام» قد قصد في كلامه هنا خصوص الإسراء
والمعراج الذي حصل في مكة..
ثانياً:
إن نزول سورة البقرة بعد الهجرة إنما هو النزول الآخر، الذي أريد به
تبليغها للناس. ولكن قد كان للقرآن نزولات أخرى على قلب رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، قبل هذا النزول التدريجي.
فلعل هذا الذي أوحاه إلى عبده، لم يكن لأجل تبليغه
للناس في تلك الفترة.. بل سيكون له نزول تبليغي ثانٍ أو ثالث بعد
الهجرة في ضمن سورة البقرة.
ثالثاً:
صرح النص المتقدم في الفصل السابق: بأن هذه الآية كانت قد عرضت على
الأنبياء من لدن آدم وعلى أممهم، فأبوا أن يقبلوها، إلى أن بعث الله
تعالى محمداً «صلى الله عليه وآله» فقبلها وقبلتها أمته..
فلعل المقصود:
هو أنها كانت قد عرضت على الأنبياء وأممهم، ثم على رسول
الله «صلى الله عليه وآله» وعلى أمته في عالم الذر، أو في غيره من
العوالم، وقبلها النبي «صلى الله عليه وآله» وعرضها على أمته فقبلوها
في ذلك العالم.
فلما ولد النبي
«صلى الله
عليه وآله»
وبعث، وكان المعراج، ـ وكان الله يعلم أنهم لا يطيقونها ـ فلما بلغ إلى
ساق العرش كرر عليه الكلام إلخ.. وجرى ما جرى..
1 ـ
وهنا سؤال يقول: لماذا لم يقبل الأنبياء وأممهم آية:
﴿وَإِنْ
تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ
اللهُ﴾؟!
وقد أجابت الرواية المتقدمة:
بأن الذي منعهم من ذلك هو ثقلها عليهم، وصعوبة الوفاء
بها، ولا سيما فيما يرتبط بالعقوبة على النوايا الفاسدة وإن لم تقترن
بعمل الجوارح.. وقد عاقب الله الأمم السالفة لأجل عدم قبولها ما عرضه
عليها، فوضع الله عليها أموراً ثقيلةً أخرى. وبما أن هذه الأمة قد قبلت
ذلك، فإنه تعالى رفع عنها تلك الأمور الثقيلة كما رفع عنها نفس هذه
الآية رغم قبولها بها، كما سنوضحه.
2 ـ
إن عرض هذه الآية على الأمم السالفة يعطي: أن إلزامهم بها مرهون
بقبولهم لها، فلما لم يقبلوها لم يفرضها عليهم..
3 ـ
وفي مقابل ذلك، فإن قبول رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
وأمته بها وبحمل ثقلها قد جعلهم مستحقين لرفعها عنهم، وأهلاً لتخفيفات
في نواحٍ أخرى كانت هي الأخرى ثقيلة عليهم.
وقد حباهم الله تعالى بهذا التخفيف بالفعل.. ولو أن
الأمم الأخرى قبلت ما قبلته هذه الأمة لكانت قد فازت بالتخفيف الذي
فازت به هذا الأمة، ولكان الله تعالى قد وضعها عنهم أيضاً.
4 ـ
إن الإصر والثقل الذي كان في الأمم السالفة لم يكن إلى حد يمنع من
التكليف. لأنه لم يتجاوز حدود الوسع. فلا مجال للسؤال الذي يقول: كيف
يحمل الله الناس ما لا يطيقون؟! وهو الذي يقول: ﴿لَا
يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾؟!([26]).
وقد جاءت هذه الآية المباركة على سبيل ضرب القاعدة،
وإعطاء الضابطة، وهي لا تختص بأمة دون أمة، ولا بنبي دون نبي. وسيأتي
في هذه الرواية نفسها التي ذكرناها في الفصل السابق أن الله تعالى قال
لنبيه: «وذلك حكمي في جميع الأمم أن لا أكلف خلقاً فوق طاقتهم».
وبعد، فإن ظاهر النص المتقدم في
الفصل السابق:
أن الله سبحانه قد رفع عن أمة محمد المؤاخذة بالنسيان
والخطأ، وكانت الأمم السالفة يعذبون إذا نسوا ما ذكروا به، ويعاقبون
إذا أخطأوا.
ونقول:
إن النسيان والخطأ إن كانا ناشئين عن تقصير، بسبب عدم
الاكتراث، وعدم الاهتمام بحفظ غرض المولى سبحانه وتعالى، فهما مما
يستحق الإنسان العقوبة عليهما، وإن كانا ناشئين عن قصور: بأن يكون
النسيان قد فاجأه ووقع في الخطأ بصورة قاهرة، مع شدة تحفظه واهتمامه
بالبعد عنه، فهما من النسيان والخطأ الناشئين عن القصور، وعدم وجدان
الحيلة والمخرج منه، فهذا مما لا عقوبة عليه..
وهذان الحكمان لا يزالان ثابتين في هذا الأمة كما كانا
كذلك في الأمم السالفة.
غير أن من الممكن جداً أن يكون
المقصود:
هو أن النسيان
عن تقصير في الأمم السالفة، كان يستتبع العقاب الفوري والمباشر، كما
قال «عليه السلام» في الرواية التي نتحدث عنها:
«إذا
نسوا ما ذكروا به، فتحت عليهم أبواب العذاب، وقد رفعت عن أمتك». أي أن
هذه الأمة لا تعذب بالخطأ والنسيان الناشئين عن التقصير مباشرةً، بل
تمهل إلى الآخرة، وتعطى فرصة للتوبة والندم، والإنابة والاستغفار.
أما إذا كان المقصود هو:
أن الأمم السابقة كانت تعاقب على مطلق النسيان والخطأ،
كان من التكليف بغير المقدور، ومن الظلم الذي يقبح صدوره من العادل
الحكيم.
وقلنا:
إن الرواية المتقدمة في الفصل السابق أفادت أن الله سبحانه وتعالى قد
كلف الأمم السابقة ببعض الأمور الشديدة ـ لأنها لم تقبل بحمل الآية
التي عرضها الله سبحانه عليها، في بعض مراتب وجودها، مما يعني: أنها
كانت موجودات عاقلة ومختارة، ويتوجه إليها التكليف الإلهي في كل مرتبة
بما يناسبها.
ولعصيان وطاعة هذا التكليف وقبوله ورفضه آثار وتبعات،
ربما تظهر في المراحل الوجودية اللاحقة..
والآصار التي حملتها تلك الأمم هي مجرد تشديدات في بعض
التكاليف لا تصل إلى حد الحرج، وتبقى في دائرة الطاقة والقدرة، مثل
تحديد أمكنة لهم لأداء صلواتهم، وحمل قرابينهم إلى بلد بعيد، وفرض
الصلاة عليهم في ظلم الليل وأنصاف النهار، ونحو ذلك.
قد يتوهم البعض:
أن قرض النجاسات عن البدن تكليف حرجي، بل هو تكليف بغير المقدور في بعض
مفرداته.
غير أننا نقول:
إننا نلاحظ:
أنه «عليه السلام» لم يقل: إنه كلفهم بقرض أجسادهم التي
لامست النجاسة، بل نسب القرض إلى النجاسة نفسها([27])،
وقرض النجاسة يتحقق بإزالتها بحك قوي، بخزف أو حجر أونحوه، بحيث لا
يبقى لها أثر، ولا يكفي العسل بالماء..
ولو كان المراد:
قرض الأجساد لم يمكن تحقق ذلك، فإن التبول والتغوط،
والجماع يحمل معه ملامسة النجاسة لأجزاء حساسة وأساسية، ولا يمكن
قرضها، فكيف إذا كان المطلوب هو قرضها كلما لا مستها النجاسة، فإن ذلك
من الجسم. يضاف إلى ذلك: أن قرض الأجساد يستدعي إدماء الجسد، فإذا زالت
النجاسة بالقرض ابتلي بنجاسة أخرى بالدم، إلا إذا قيل: إن الدم لم يكن
محكوماً بالنجاسة في شرعهم. قد يودي بحياة أكثر الناس.. أو يدخلهم في
دائرة العصاة، الذين يستحقون نزول العقوبة بهم. فكيف إذا كانت العقوبة
دنيوية ومباشرة، ومن دون إمهال؟!
فالتعبير بالقرض لعله لأجل إظهار إلزامهم بالمبالغة في
حكها لإزالتها، ولو لزم من ذلك بعض المشقة..
أما الإلزام بحمل القربان إلى بيت المقدس، فلعله كان
لبعض الأمم دون بعض، ولعلهم بنو إسرائيل..
وفي النص المتقدم في الفصل السابق وعد إلهي للنبي
«صلى الله
عليه وآله»:
«بأن لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين إلا دينك، أو يؤدون إلى أهل دينك
الجزية».
والروايات التي فسرت قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾،
قد ذكرت: أن المقصود بهذه الآية: هو يوم خروج القائم
«عليه السلام»،
حيث لا يبقى كافر بالله، ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه، حتى لو كان
كافر أو مشرك في بطن صخرة قالت: يا مؤمن، في بطني كافر، فاكسرني واقتله([28]).
وفي روايات أخرى:
لا يبقى كافر إلا أقر بمحمد، أو نحو ذلك([29]).
وفسرت الآية:
بأن ذلك يكون في الرجعة([30]).
وعلى هذا فلا مجال لأخذ الجزية من الكفار في ذلك
الزمان.. فانحصر مفاد هذا الوعد الإلهي في الفترة التي تمتد من وقت
نزول الآية إلى حين ظهور الإمام الحجة «عليه السلام»، فإن لم يكن ذلك
قد حصل في السابق، فلا شيء يمنع من تحققه في اللاحق.
وذكر النص المتقدم:
أنه لما نزل
«صلى الله
عليه وآله»
بالطائف بعثوا إليه بشاة مشوية مطلية بسم، فكلمه الذراع وأخبره بذلك.
والمعروف:
أن ذلك كان في خيبر.
ونقول:
لعل ذلك قد حصل أكثر من مرة.
هذا..
ولا بد أن
يكونوا قد تلطفوا بإيصال الشاة إليه
«صلى الله
عليه وآله»،
بحيث لا يفطن أحد إلى أنها قد أتت من قبلهم. وإلا، فإن من الواضح: أنه
«صلى
الله عليه وآله»
سوف لن يأكل من شاة مطبوخة يرسلها إليه أعداؤه الذين يحاصرهم، فضلاً عن
أنه كان لا يقبل هدية المشرك.
يضاف
إلى ذلك:
أنه «صلى الله عليه وآله» لا يمكن أن يأكل من ذبيحة المشركين، إذ لا بد
من إسلام الذابح، ومن ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة حال الذبح، فضلاً
عن توجيه الذبيحة إلى القبلة، وفري الأوداج، وغير ذلك.
وذكر النص المتقدم:
أن عبد الله بن عتيك قد قطعت يده يوم حنين، وهذه هي نسخة الاحتجاج
الموجودة بين أيدينا.. ولكن فيه: عبد الله بن عبيد، بدل عتيك([31]).
والصحيح:
هو نسخة
المجلسي، ففيه: عبد الله بن عتيك، وكما أنه قد نقل عنها هكذا:
«وبانت
يده يوم ابن أبي الحقيق»([32]).
وقد دلت الرواية المتقدمة في الفصل السابق على أن أحد
الشهداء كان محتبساً على باب الجنة بثلاثة دراهم ليهودي..
وذلك يعني:
1 ـ
أن الشهادة على عظمتها عند الله لا تذهب بحقوق الناس..
2 ـ
إن الحقوق المالية محفوظة لأهلها، حتى لو كانوا من أهل الكتاب، وحتى
اليهود الذين هم والمشركون أشد الناس عداوة للذين آمنوا.
3 ـ
إن رحمة الله تعالى واسعة، ولكنه يريد أن يأخذ الحق لصاحبه من نفس
الشخص المدين له، حتى لو كان شهيداً، وإن كان ما أعده الله تعالى من
ثواب لأجل شهادة الشهيد هو من الكثرة بحيث لا يؤثر إعطاء أصحاب الحقوق
حقوقهم نقص النعيم الذي أعده الله تعالى له..
4 ـ
بما أنه لا نصيب للكفار من ثواب الآخرة، بل لهم فيها الخزي والعذاب.
فإن أمكن تعويضهم عن حقوقهم بما يماثلها في الدنيا، فذاك هو المطلوب..
وإن لم يمكن ذلك بسبب عدم وجود مال للشهيد، وعدم وجود متبرع عنه، أو
بسبب عدم الاطلاع على مديونيته لغيره، فإن الله تعالى هو الذي يتولى
تعويض ذلك اليهودي عن حقه بنعم دنيوية، كشفاء مرض، أو إعطاء جاه، أو
تيسير وجه من وجوه الكسب له، أو ما إلى ذلك.
([1])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص73 و (تحقيق صبحي الصالح ـ ط سنة
1387 هـ ق) ص417 من كتاب له «عليه السلام» إلى عثمان بن حنيف
عامله على البصرة حين بلغه أنه دعي إلى وليمة. وراجع: الأمالي
للصدوق المجلس رقم 90 ومستدرك الوسائل ج16 ص301 وبحار الأنوار
ج33 ص474 وج40 ص341 وجامع أحاديث الشيعة ج23 ص273 وألف حديث في
المؤمن للشيخ هادي النجفي ص24 والإمام علي بن أبي طالب
للهمداني ص617 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج7 ص165 وج8
ص426 ونهج السعادة ج4 ص36 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص286
و 287 والمجالس الفاخرة للسيد شرف الدين ص309 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج8 ص288 عن ربيع الأبرار للزمخشري (مخطوط) ص340.
([2])
من الآية 1 من سورة الإسراء.
([3])
تفسير العياشي ج2 ص279 والبرهان ج2 ص401 و (ط سنة 1429 هـ) ج6
ص24 وكنز الدقائق ج7 ص299 ونور الثقلين ج3 ص97 وبحار الأنوار
ج18 ص385 وج97 ص405 والتفسير الصافي ج3 ص166 وراجع التفسير
الأصفى ص370 ومستدرك الوسائل ج3 ص409 وجامع أحاديث الشيعة ج4
ص539 وتاريخ الكوفة ص24 و 25.
([4])
راجع: الأنس الجليل في أخبار القدس والخليل ج1 ص256 والأموال
لأبي عبيد ص225 والإصابة ج4 ص105 والأسرار المرفوعة ص457
والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص65 و 68
وتفسير القرآن العظيم ج3 ص19 ومسند أحمد ج1 ص38 ومجمع الزوائد
ج4 ص6 وراجع: كنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج5 ص703 وج14 ص148
و 143 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص171 ومعجم ما استعجم ج3 ص827.
([5])
راجع: النهاية للشيخ الطوسي ص108 والجامع للشرايع للحلي ص103
وجواهر الكلام ج14 ص151 والمبسوط للسرخسي ج3 ص132 والمحاسن
للبرقي ج1 ص55 ودعائم الإسلام ج1 ص148 وثواب الأعمال للصدوق
ص30 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص233 وتهذيب الأحكام ج3 ص253 وروضة
الواعظين ص338 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص289 و (ط
دار الإسلامية) ج3 ص551 ومستدرك الوسائل ج3 ص431 وبحار الأنوار
ج80 ص380 وج81 ص15 وج99 ص370 وجامع أحاديث الشيعة ج4 ص562
ومستدرك سفينة البحار ج8 ص440 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي
ج9 ص63 وفلاح السائل لابن طاوس ص91 ومعارج اليقين في أصول
الدين للسبزواري ص179.
([6])
راجع: علل الشرائع ج2 ص406 وعيون أخبار الرضا ج1 ص98 ووسائل
الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج13 ص297 و (ط دار الإسلامية) ج9
ص388 و 414 ومستدرك الوسائل ج9 ص325 وتصحيح اعتقادات الإمامية
للشيخ المفيد ص78 وعوالي اللآلي ج2 ص83 وبحار الأنوار ج5 ص330
وج6 ص97 وج11 ص110 وج36 ص155 وج55 ص8 و 55 ـ 59.
([7])
الآية 21 من سورة الكهف.
([8])
الآيات في أول سورة الروم.
([9])
الآية 1 من سورة فصلت، وراجع الآية 5 من سورة الملك.
([10])
الآية 6 من سورة الصافات.
([11])
الكافي ج8 ص153 و 154 والتوحيد للصدوق ص276 و 277 ونور
البراهين ج2 ص94 ـ 98 وتفسير نور الثقلين ج5 ص364 و 365 وبحار
الأنوار ج57 ص83 و 84 وراجع: ج25 ص385.
([12])
روضة الواعظين ص47 وبحار الأنوار ج55 ص34 عنه، ومستدرك سفينة
البحار ج7 ص162 وتفسير نور الثقلين ج5 ص554 والجامع لأحكام
القرآن ج20 ص13 .
([13])
الآية 47 من سورة الحج.
([14])
الآية 5 من سورة السجدة.
([15])
الآية 4 من سورة المعارج.
([16])
البرهان (ط سنة 1429هـ) ج9 ص155 و (الطبعة الثالثة) المجلد 4
ص250 والاحتجاج ص386 و (ط دار النعمان ـ النجف) ج2 ص157 وبحار
الأنوار ج3 ص313 وتفسير نور الثقلين ج5 ص151.
([17])
تأويل الآيات ج2 ص625 ـ 628 والبرهان (ط سنة 1429هـ) ج9 ص156 و
157 و (الطبعة الثالثة) المجلد 4 ص250 و 251 وبحار الأنوار ج36
ص162 ـ 164.
([18])
تأويل الآيات ج2 ص625 ـ 628 والبرهان (ط سنة 1429هـ) ج9 ص156 و
157 و (الطبعة الثالثة) المجلد 4 ص250 و 251 وراجع: اليقين
لابن طاوس ص298 ـ 301 وبحار الأنوار ج18 ص395 ـ 397 وج37 ص319
ـ 321.
([19])
الآية 103 من سورة الأنعام.
([20])
الآية 110 من سورة طه.
([21])
الآية 11 من سورة الشورى.
([22])
الكافي ج1 ص95 و 96 والبرهان (ط سنة 1429هـ) ج9 ص153 و (الطبعة
الثالثة) المجلد 4 ص248 والتوحيد للصدوق ص110 والفصول المهمة
للحر العاملي ج1 ص178 و 179 وبحار الأنوار ج4 ص36 وج10 ص345
وتفسير نور الثقلين ج3 ص395 ومسند الإمام الرضا ج1 ص15 ونور
البراهين ج1 ص283 ـ 287 وراجع: الاحتجاج للطبرسي ج2 ص186 و
187.
([23])
راجع: عون المعبود (الطبعة الحجرية) ج4 ص329 و (ط دار الكتب
العلمية سنة 1415هـ) ج12 ص232.
([24])
راجع: تأويل مختلف الحديث ص199 و (ط دار الكتب العلمية) ص186
والكفاية في علم الرواية ص14 و (ط دار الكتاب العربي) ص30
وجامع بيان العلم وفضله ج2 ص234 و 233 و (ط دار الكتب
العلمية) ج2 ص191 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص38 و 39 والإصابة
(ط دار الكتب العلمية) ج1 ص35 وسنن الدارمي ج 1 ص 145 ومقالات
الاسلاميين ج2 ص324 وج1 ص251 وعون المعبود ج12 ص356 وميزان
الاعتدال ج1 ص107 ولسان الميزان ج1 ص194 ودلائل النبوة للبيهقي
ج1 ص26 وراجع: المعتصر من المختصر من مشكل الآثار ج2 ص251
ونهاية السؤل للأسنوي ج2 ص 579 و 580 وبحوث مع أهل السنة
والسلفية ص67 و 68 عن بعض ما تقدم.
([25])
راجع: بصائر الدرجات ص99 والخصال ص600 و 601 وبحار الأنوار
ج18 ص387 وج23 ص69 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص149 وتأويل الآيات
ج1 ص275 والإيقاظ من الهجعة ص383 وبيت الأحزان ص19 والصراط
المستقيم ج2 ص40 والمحتضر ص44 و 244 وحلية الأبرار ج1 ص421.
([26])
الآية 62 من سورة المؤمنون.
([27])
راجع الرواية المتقدمة، وراجع أيضاً: إرشاد القلوب ج2 ص222
وبحار الأنوار ج77 ص10 و 150 وج16 ص346 والاحتجاج ج1 ص328
وتفسير نور الثقلين ج1 ص306 وتفسير كنز الدقائق ج1 ص696.
([28])
البرهان (ط سنة 1429هـ) ج4 ص263 وج9 ص289 وتفسير فرات الكوفي
ص481 و 482 وتفسير نور الثقلين ج2 ص211 وكمال الدين وتمام
النعمة ص670 وينابيع المودة ص423 و (ط دار الأسوة) ج3 ص240
وتأويل الآيات ج2 ص688 و 689 وبحار الأنوار ج52 ص324 وج51 ص60
وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج13 ص356 وربما يقال: إن هذه
الروايات تشير إلى ما أصبح من شؤون الحرب، فيما يرتبط ببناء
الإستحكامات، والاستفادة من الكهوف الصخرية لحفظ المقاتلين.
([29])
البرهان (ط سنة 1429هـ) ج4 ص263 وج9 ص290 و 75 وتفسير القمي ج2
ص365 وتفسير العياشي ج2 ص87 وتفسير نور الثقلين ج2 ص212 ومختصر
بصائر الـدرجـات ص17 ومجمع البيـان ج5 ص38 و (ط مؤسسة = =
الأعلمي) ج5 ص45 وبحار الأنوار ج52 ص346 . وراجع: الاحتجاج ج2
ص11 وبحار الأنوار ج44 ص21 وج52 ص280.
([30])
البرهان (ط سنة 1429هـ) ج4 ص263 وج9 ص290 وتفسير العياشي ج2
ص87 ومختصر بصائر الدرجات ص17 وبحار الأنوار ج52 ص346 وج53 ص34
و 64 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص84 والإيقاظ من الهجعة بالبرهان
على الرجعة للحر العاملي ص271.
([31])
راجع: الإحتجاج ج1 ص531 و (ط دار النعمان) ج1 ص333.
([32])
راجع: بحار الأنوار ج17 ص294.
|