الفصل السادس: علي والمنجمون..

   

صفحة : 321-356  

 

الفصل السادس: علي والمنجمون..

المنجم كالكاهن، والكاهن كالساحر:

قال الشريف الرضي «رحمه الله»:

قال له [أي لعلي «عليه السلام»] بعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج: إن سرت يا أمير المؤمنين في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم.

فقال له «عليه السلام»: أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر؟!

فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه.

وينبغي في قولك، العامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه، لأنك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن فيها الضر.

ثم أقبل على الناس فقال:

أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر، فإنها تدعو الكهانة والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر. والساحر كالكافر. والكافر في النار. سيروا على اسم الله.

زاد في نص آخر: فخرج في الساعة التي نهاه عنها، فظفر وظهر([1]).

وفيه: أنه «عليه السلام» قال لذلك المنجم: «أما والله إن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبداً ما بقيت، ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان..

إلى أن قال: أما إنه ما كان لمحمد منجم، ولا لنا بعده، حتى فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر.

أيها الناس، توكلوا على الله، وثقوا به، فإنه يكفي ممن سواه»([2]).

ونقول:

لا نريد أن نرهق القارئ ببيانات حول الكهانة، والسحر والتنجيم، فإن لذلك موضعاً آخر، ونكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي:

قيمة علم النجوم:

لا بأس بالنظر فيما يلي:

1 ـ لقد أرشد القرآن الكريم إلى دور النجوم في هداية الناس إلى الجهات المختلفة، ليتمكنوا من التحرك نحو مقاصدهم، بأمان واطمئنان، وعلى أساس الوضوح والثقة والثبات قال تعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ([3]).

وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ..([4]).

2 ـ أرشد القرآن أيضاً إلى أهمية مواقع النجوم في المنظومة الكونية العامة. حتى إنه لشدة حساسيتها أقسم بها بلسان إظهار أهميتها، فقال تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ([5]).

3 ـ إنه تعالى ذكر أيضاً: أن النجوم مسخرات بأمره، كسائر الكواكب، فقال: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ([6]).

وذكر: أنها تخضع وتسجد لله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ([7]).

وقد وصف أيضاً بعض النجوم بـ «الثاقب»، فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ([8]).

وفي الحديث أيضاً: إشارات كثيرة إلى النجوم، وبعض ما يرتبط بها، ولسنا بصدد تتبع ذلك..

5 ـ إن علم النجوم الذي يريد أن يربط حركة الإنسان في الحياة ربطاً حدسياً وتكوينياً بمعارف عن النجوم، حصل على أكثرها أيضاً عن طريق الحدس والتخمين. إن هذا العلم ليس بعلم، بل هو جهل وتجهيل، وتخييل وتأهيل، من دون حجة ودليل، لأنه لا يملك أية مبررات لهذا الربط الذي يقترحه ويدعيه، لأن الربط الصحيح يحتاج إلى وقوف على أسرار الخلق والتكوين، ولا يستطيع أحد أن يدعي لنفسه ذلك.. بعد النبي والأئمة الأطهار «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» إلا كاذب.

يضاف إلى هذا وذاك: أن التسويق لهذه النظرية الإعتباطية أو تلك يؤثر على حياة الناس وعلى حركتهم، وتطلعاتهم، وخططهم، ويجعلهم عرضةً لألاعيب شياطين الأنس فيهم.. بالإضافة إلى شياطين الجن.

كما أنه يحدث لديهم خللاً رئيساً، وحساساً وأساسياً في المضمون الإعتقادي لهم بالله، ويؤثر على علاقتهم به تعالى. إلى حد الشعور بالإستغناء عنه، والاستئسار للجبرية التكوينية التي أراد لها أولئك الشياطين أن تهيمن على العقول والمشاعر، وعلى حركة الناس في الحياة.

ثم هو يعطي أولئك المتحذلقين الفرصة لادعاء التحكم بالأقدار، والإشراف على الغيب، وامتلاك مفاتيح السعادة والشقاء، والسلامة والبلاء، والمرض والشفاء، والموت والحياة.

ويفسح لهم المجال للتدخل في كل كبيرة وصغيرة، والتحكم بقرار الناس، حتى يصبحوا دمى في أيديهم، وهذا ما لا يرضاه الله تعالى لعباده، ولا يريد أن يرى له أي أثر في بلاده..

وقد كذب القرآن هؤلاء حين قال: ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ([9])، وكذبهم أيضاً بأوامره وزواجره، التي لم تقيد بزمان، ولا أرشدت إلى وقت بعينه، ولا أشارت إلى مراعاة حالات النجوم في منازلها أو في حركتها، أو في غير ذلك..

وقد أرشد القرآن الناس إلى أن الله تعالى هو الذي يقرر ويقدر، وينفع ويضر، ويعطي ويمنع، ولم يقيد شيئاً من ذلك، ولا أياً مما يقدره، ويقضيه، ويفعله ويمضيه بشيء مما يدعيه المنجمون للنجوم أو لغيرها.

فالمنجم كالكاهن، يبني أحكامه على الحدس والتخمين، وقد يروق للكاهن أن يقلب الحقائق، ويخدع الناس بأباطيله وألاعيبه، ويفسد حياة الناس، حتى يكون كالساحر، في تمويهه، وخداعه، وفي التدخل في حياة الناس لإفسادها.

كما أن الساحر والكاهن والمنجم ينتهيان إلى انتهاك الحرمات الإلهية، ويفسدون اعتقاد الناس بربهم، ويقطعون علاقتهم به تعالى.. ويقدمون أنفسهم لهم على أنهم هم الذين ينفعون ويضرون، ويدفعون الناس إلى الاعتقاد بالتعطيل الإلهي والكفر بصفاته الربوبية، وتشويشها، وتشويهها..

النجوم علامات لا مؤثرات:

قال المحقق التستري «رحمه الله»:

أقول: المستفاد من كلامه «عليه السلام» وكلام المعصومين من عترته: أن النجوم علامات لا مؤثرات بالذات، ويدفع أثرهما بالتضرع إلى مبدعها، ومسخرها، ومدبرها، والتوسل إليه بالصدقات والقربات، ففي خبر ابن سبط عن الصادق «عليه السلام» قال: كان بيني وبين رجل قسمة أرض، وكان الرجل صاحب نجوم وكان يتوخى ساعة السعود، فيخرج فيها وأخرج أنا في ساعة النحوس.

فاقتسمنا، فخرج لي خير القسمين.

فضرب الرجل يده اليمنى على اليسرى، ثم قال: ما رأيت كاليوم قط.

قلت: وما ذاك؟!

قال: إني صاحب نجوم، أخرجتك في ساعة النحوس، وخرجت أنا في ساعة السعود، ثم قسمنا، فخرج لك خير القسمين.

فقلت: ألا أحدثك بحديث حدثني به أبي.

قال: قال الرسول: «من سره أن يدفع الله عنه نحس يومه، فليفتتح يومه بصدقة يذهب الله بها عنه نحس يومه، ومن أحب أن يذهب الله عنه نحس ليلته، فليفتتح ليلته بصدقة، يدفع عنه نحس ليلته. وإني افتتحت خروجي بصدقة فهذا خير لك من علم النجوم»([10]).

قلت: ومن جرى عليه تقدير من الله تعالى لا ينفعه أخبار المنجم له بذلك ولا يدفع تدبيره ولا يغنى عنه من الله شيئاً، فقد عرَّف المنجمون فرعون أن مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون سبب هلاكه، فذبح الأنبياء [لعل الصحيح: الأبناء]، واستحيا النساء، لدفع ذلك، فأرغم الله أنفه حتى رباه بنفسه. وكذلك نمرود.

وكذلك أراد الحسن بن سهل دفع البلاء عن أخيه الفضل بالنجوم، فقال ياسر الخادم: لما عزم المأمون على الخروج من خراسان إلى بغداد، خرج معه الفضل بن سهل ذو الرياستين، وخرجنا مع أبي الحسن الرضا، فورد على الفضل بن سهل كتاب من أخيه الحسن ونحن في بعض المنازل: إني نظرت في تحويل السنة، فوجدت فيه أنك تذوق في شهر كذا وكذا يوم الأربعاء حر الحديد وحر النار.

وأرى أن تدخل أنت، وأمير المؤمنين، والرضا الحمام في هذا اليوم، وتحتجم، وتصب على بدنك الدم ليزول عنك نحسه.

فكتب الفضل إلى المأمون بذلك، وسأله أن يسأل أبا الحسن «عليه السلام» فيه

فأجابه: لست بداخل الحمام غداً.

فأعاد عليه الرقعة مرتين.

فكتب إليه أبو الحسن: لست بداخل الحمام غداً، فإني رأيت رسول الله في هذه الليلة، فقال لي: يا علي، لا تدخل الحمام غداً، فلا أرى لك يا أمير المؤمنين ولا للفضل أن تدخل الحمام غداً.

فكتب إليه المأمون: صدقت يا أبا الحسن، وصدق رسول الله، لست بداخل الحمام غداً، والفضل أعلم.

قال ياسر: فلما أمسينا وغابت الشمس قال لنا الرضا: قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة، فلم نزل نقول ذلك.

فلما صلى الرضا «عليه السلام» الصبح قال لي: اصعد السطح، فاستمع هل تجد شيئاً.

فلما صعدت سمعت صيحة، وكثرت وزادت، فلم نشعر بشيء، فإذا نحن بالمأمون قد دخل الباب الذي كان من داره إلى دار الرضا، وهو يقول:

يا سيدي، آجرك الله في الفضل، فإنه دخل الحمام، ودخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه.

وأخذ ممن دخل عليه ثلاثة نفر، أحدهم: ابن خالة الفضل بن ذي القلمين([11]).

علم الأنبياء والأوصياء:

عن يونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: جعلت فداك، أخبرني عن علم النجوم ما هو؟!

فقال: هو علم من علم الأنبياء.

قال: فقلت: كان علي بن أبي طالب يعلمه؟!

فقال: كان أعلم الناس به([12]).

 الإمام الكاظم وعلم النجوم:

روي: أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر «عليه السلام» ، فأحضره، فلما حضر عنده قال: إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم، وإن معرفتكم بها معرفة جيدة، وفقهاء العامة يقولون:

إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: إذا ذكرني أصحابي فاسكتوا، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا، وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا.

وأمير المؤمنين «عليه السلام» كان أعلم الخلائق بعلم النجوم. وأولاده وذريته الذين يقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها.

فقال له الكاظم «صلوات الله عليه»: هذا حديث ضعيف، وإسناده مطعون فيه. والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم، ولولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عز وجل والأنبياء «عليهم السلام» كانوا عالمين بها. وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن «صلوات الله عليه»: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ([13])

وقال في موضع آخر: ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ([14])، فلو لم يكن عالماً بعلم النجوم ما نظر فيها، وما قال: إني سقيم.

وإدريس «عليه السلام» كان أعلم أهل زمانه بالنجوم.

والله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ([15]).

وقال في موضع: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً([16]) يعني بذلك: اثني عشر برجاً، وسبعة سيارات.

والذي يظهر بالليل والنهار بأمر الله عز وجل، وبعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم. وهو علم الأنبياء والأوصياء، وورثة الأنبياء الذين قال عز وجل: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ([17]) ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره.

فقال له هارون: بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهره عند الجهال وعوام الناس، حتى لا يشنعوا عليك. وانفس عن العوام به. وغط هذا العلم، وأرجع إلى حرم جدك.

ثم قال له هارون: وقد بقي مسألة أخرى بالله عليك أخبرني بها.

قال له: سل.

فقال: بحق القبر والمنبر، وبحق قرابتك من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أخبرني أنت تموت قبلي؟! أو أنا أموت قبلك؟! لأنك تعرف هذا من علم النجوم.

فقال له موسى: آمني حتى أخبرك!

فقال: لك الأمان.

فقال: أنا أموت قبلك، وما كذبت ولا أكذب. ووفاتي قريب الخ..([18]).

ونقول:

دلت هذه الرواية على ما يلي:

ما يريده هارون:

1 ـ كأن هارون المبغض لآل علي «عليه السلام» يريد أن يدعي أن ما يصدر عن أهل البيت «عليهم السلام» هو مجرد تكهنات، وتنجيم، وليس علماً من ذي علم.. ولكنه نسب ذلك إلى الناس لأجل التعمية، وإبعاد التهمة.

2 ـ إن هارون أثار ما يوجب التهمة والريب بصحة ما يصدر عن المنجمين، لأنهم لا سبيل لهم إلى إثباته حين نقل عن فقهاء العامة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» الرواية، التي تأمر بالسكوت عند ذكر النجوم. حيث يحتمل أن يراد به السكوت الإتهامي، لأجل الصدق والكذب فيه.

3 ـ إن هذا الجو الذي أثاره هارون دعا الإمام «عليه السلام» للتصدي لإثبات صحة علم النجوم الذي يمتلكه الأنبياء وأوصياؤهم. مستظهراً بالعديد من الآيات المادحة للنجوم، مسهباً في الاستدلال على ذلك.

وهذا يدل على أن الرشيد كان بصدد تلمس مبرر لاتهام أهل البيت «عليهم السلام»، بما يراه منقصةً وخطلاً.

4 ـ إن هارون قد صرح للإمام بأن علياً «عليه السلام» كان أعلم الخلائق بعلم النجوم، وكأنه يريد أن يتهمه في إخباراته عن الغيوب بأنها مجرد تخرصات تستند إلى التنجيم، حيث لا يمكنه الجهر بأنها نوع من الكهانة، أو السحر.

وهارون يعلم: أن علياً «عليه السلام» هو الأساس والمحور في دعوة أهل البيت، وهو المنشأ لكل ما قيل ويقال في أمر الإمام والإمامة، فالتشكيك والطعن فيه يغنيه عن التوسل بأي شيء آخر.

علم النجوم للأنبياء وأوصيائهم:

1 ـ ومن جهة أخرى: إنه «عليه السلام» بين لهارون الرشيد أمراً بالغ الحساسية والخطورة بالنسبة إليه حين ذكر له: أن هذا العلم هو من مختصات الأنبياء وأوصيائهم وورثة الأنبياء..

وهذا ما صرحت به رواية يونس عن الإمام الصادق أيضاً.

2 ـ ثم ترقى في البيان ليصرح بأنه «عليه السلام» وأهل البيت يعرفون هذا العلم، لكي يستنتج هارون وغيره: أنه «عليه السلام» وأهل بيته، وعلى رأسهم أمير المؤمنين هم ورثة الأنبياء، وهم الأئمة والأوصياء.

فما يدعيه هارون، والعباسيون وأي كان من الناس غيرهم ما هو إلا ادعاء زائف، وباطل وافتئات، وعدوان، يستبطن التدليس على الناس والخداع لهم..

هارون للإمام: لا تظهر هذا العلم:

1 ـ وهنا وجدنا هارون يقسم على الإمام «عليه السلام» بالله أن لا يظهر هذا العلم لأنه يعرف عواقب إظهاره للناس. فإنه سينتهي بتعلق الناس بأهل البيت، وانصرافهم عمن عداهم. ولن يرضى هارون وبنو أبيه بذلك أبداً.

2 ـ إنه حاول أن يغلف هذا الطلب بما يوهم أنه صادر عن حسن نية، وسلامة طوية، وأن الهدف هو الحفاظ على سمعة الإمام وكرامته، حيث أراد حفظه من التشنيع والطعن والتهمة.

لا يبقي هارون الإمام عنده:

إنه أمر الإمام «عليه السلام» بأن يعود إلى حرم جده وهو المدينة، لأنه يريد أن يبعده عن محيط العلم والعلماء، لأنهم سيدركون قيمة ما يملكه «عليه السلام» من علوم، وأن يعزله عن السياسة والسياسيين، وعن مركز القرار والنشاط في المجال العام. لأنه لا يريد لكنوز علمه أن تظهر، وعظيم فضله أن يتجلى.

هارون يريد أن يموت الإمام قبله:

وقد طلب هارون من الإمام «عليه السلام» أن يخبره عن وقت موته. ربما لأنه أراد أن يطمئن إلى عدم وصول أمر الخلافة إلى الإمام «عليه السلام» من بعده، فكشف عن أنه يعتقد: بأن الأئمة يعرفون علم المنايا.

ولكن هارون قد نسب معرفة الإمام هذه إلى علم النجوم لا إلى الغيب الذي اختصه الله تعالى بعلمه، ووصل إليه عن الرسول «صلى الله عليه وآله» بوسائل خاصة، لا تتيسر لسائر الناس.

11 ـ إن هذا القسم والطلب من قبل هارون يدل على أن مناوئي أهل البيت «عليهم السلام» كانوا على قناعة تامة بما لدى أهل البيت من علوم اختصهم الله بها، ولكنهم كانوا يكابرون في هذا الأمر، لأن الإعتراف به يجعلهم في مأزق.

12 ـ إن إخباره «عليه السلام» بموته قبل هارون لا يتصادم مع الآية الكريمة التي تقول: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ([19]) فإن المقصود بالآية: أن النفوس لا تملك الدراية بذلك، لا ذاتاً، ولا فيما تملكه من وسائل، إلا إذا أخبرها الله تعالى به. أو أتاح لها وسيلة من الوسائل التي تمكنها من معرفة ذلك.

وإخبارات الأنبياء والأئمة عن موتهم، وأزمنته، وأمكنته كثيرة تدل على أنه تعالى قد عرَّفهم ذلك، أو أتاح لهم وسائل تمكنهم من هذه المعرفة، وهو بنفسه قرينة على أن المقصود ما قلناه.

 الدهقان المنجم:

بالإسناد إلى الشيخ السعيد محمد بن جرير الطبري، عن الحسين بن عبد الله الجرمي، ومحمد بن هارون التلعكبري، عن محمد بن أحمد بن محروم، عن أحمد بن القاسم، عن يحيى بن عبد الرحمن، عن علي بن صالح بن حي الكوفي، عن زياد بن المنذر، عن قيس بن سعد، قال: كنت كثيراً أساير أمير المؤمنين «عليه السلام» إذا سار إلى وجه من الوجوه، فلما قصد أهل النهروان وصرنا بالمدائن، وكنت يومئذ مسائراً له، إذ خرج إليه قوم من أهل المدائن من دهاقينهم، معهم براذين قد جاؤوا بها هدية إليه، فقبلها، وكان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن يدعى: (سرسفيل). وكانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى وترجع إلى قوله فيما سلف، فلما بصر بأمير المؤمنين «عليه السلام» قال له: يا أمير المؤمنين، لترجع عما قصدت!

قال: ولم ذاك يا دهقان؟!

قال: يا أمير المؤمنين! تناحست النجوم الطوامع، فنحس أصحاب السعود، وسعد أصحاب النحوس، ولزم الحكيم في مثل هذا اليوم الإستخفاء والجلوس، وإن يومك هذا يوم مميت، قد اقترن فيه كوكبان قتالان، وشرف فيه بهرام في برج الميزان، واتقدت من برجك النيران، وليس الحرب لك بمكان.

فتبسم أمير المؤمنين «عليه السلام» ثم قال: أيها الدهقان المنبئ بالإخبار، والمحذر من الأقدار، ما نزل البارحة في آخر الميزان؟! وأي نجم حل في السرطان؟!

قال: سأنظر ذلك، واستخرج من كمه أسطرلاباً وتقويماً.

قال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: أنت مسير الجاريات؟!

قال: لا.

قال: فأنت تقضي على الثابتات؟!

قال: لا.

قال: فأخبرني عن طول الأسد وتباعده من المطالع والمراجع، وما الزهرة من التوابع والجوامع؟!

قال: لا علم لي بذلك.

قال: فما بين السراري إلى الدراري؟! وما بين الساعات إلى المعجرات؟! وكم قدر شعاع المبدرات؟! وكم تحصل الفجر في الغدوات؟!

قال: لا علم لي بذلك.

قال: فهل علمت يا دهقان: أن الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت بالصين، وانقلب برج ماجين، و احترق دور بالزنج، وطفح جب سرانديب، وتهدم حصن الأندلس، وهاج نمل الشيح، وانهزم مراق الهندي، وفقد ديان اليهود بإيلة، وهدم بطريق الروم برومية، وعمي راهب عمورية، وسقطت شرفات القسطنطنية، أفعالم أنت بهذه الحوادث وما الذي أحدثها، شرقيها أو غربيها من الفلك؟!

قال: لا علم لي بذلك.

قال: وبأي الكواكب تقضي في أعلى القطب؟!

وبأيها تنحس من تنحس؟!

قال: لا علم لي بذلك.

قال: فهل علمت أنه سعد اليوم اثنان وسبعون عالماً، في كل عالم سبعون عالماً، منهم في البر، ومنهم في البحر، وبعض في الجبال، وبعض في الغياض، وبعض في العمران، وما الذي أسعدهم؟!

قال: لا علم لي بذلك.

قال: يا دهقان، أظنك حكمت على اقتران المشتري وزحل لما استنارا لك في الغسق، وظهر تلألؤ شعاع المريخ وتشريقه في السحر، وقد سار فاتصل جرمه بجرم تربيع القمر، وذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلهم يولدون اليوم والليلة، ويموت مثلهم ـ وأشار بيده إلى جاسوس في عسكره لمعاوية، فقال ـ : ويموت هذا، فإنه منهم.

فلما قال ذلك، ظن الرجل أنه قال خذوه، فأخذه شيء بقلبه، وتكسرت نفسه في صدره، فمات لوقته.

فقال «عليه السلام»: يا دهقان، ألم أرك غير التقدير في غاية التصوير؟!

قال: بلى يا أمير المؤمنين.

قال: يا دهقان! أنا مخبرك أني وصحبي هؤلاء لا شرقيون ولا غربيون، إنما نحن ناشئة القطب، وما زعمت أن البارحة انقدح من برجي النيران، فقد كان يجب أن تحكم معه لي، لأن نوره وضياءه عندي، فلهبه ذاهب عني يا دهقان هذه قضية عيص، فأحسبها وولدها إن كنت عالماً بالأكوار والأدوار.

قال: لو علمت ذلك، لعلمت أنك تحصي عقود القصب في هذه الأجمة، ومضى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فهزم أهل النهروان وقتلهم، وعاد بالغنيمة والظفر.

فقال الدهقان: ليس هذا العلم بما في أيدي أهل زماننا، هذا علم مادته من السماء.

أقول: وروى السيد الخبر أيضاً عن الأصبغ بن نباتة، قال: لما رحل أمير المؤمنين «عليه السلام» من (نهربين) أتينا النهروان وقد قطع جسرها، وسمرت سفنها، فنزل «صلى الله عليه وآله» وقد سرح الجيش إلى جسر بوران ومعه رجل من أصحابه، وقد شك في قتال الخوارج، فإذا برجل يركض، فلما رأى أمير المؤمنين «عليه السلام» قال: البشرى يا أمير المؤمنين!

قال له: وما بشراك؟!

قال: لما بلغ الخوارج نزولك البارحة نهر بين ولوا هاربين.

قال علي «عليه السلام»: أنت رأيتهم حين ولوا؟!

قال: نعم.

قال علي «عليه السلام»: كلا، والله لا عبروا النهروان ولا تجاوزوا الأنثلات ولا النخيلات حتى يقتلهم الله على يدي، عهد معهود، وقدر مقدور، ولا يقتلون منا عشرة، ولا ينجو منهم عشرة.

إذا أقبل عليه رجل من الفرس يقتدى برأيه في حساب النجوم لمعرفته بالطوامع والمراجع، وتقويم القطب في الفلك، ومعرفته بالحساب والضرب، والجبر والمقابلة، وتاريخ السنداباد وغير ذلك، وهو الدهقان.

فلما بصر بأمير المؤمنين «عليه السلام:» نزل عن فرسه وسلم عليه، فقال له: أيها الأمير! لتعرجن عما قصدت إليه، وكان اسم الدهقان (سرسفيل سوار)، وكان دهقاناً من دهاقين المدائن.

فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: ولم يا سرسفيل سوار؟!

قال: تناحست النجوم الطالعات، وتباعدت النجوم الناحسات، ولزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء والقعود، ويومك هذا مميت يقلب فيه رجمان، وانكشفت فيه الميزان، واقتدح من برجك النيران، وليس الحرب لك بمكان.

قال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: أخبرني يا دهقان عن قصة الميزان، وفي أي مجرى كان برج السرطان؟!

قال: سأنظر لك في ذلك، ثم ضرب يده إلى كمه، فأخرج منها زيجاً واصطرلاباً.

فتبسم أمير المؤمنين «عليه السلام»، ثم قال له: يا دهقان! أنت مسير الثابتات؟!

قال: لا.

قال: فأنت تقضي على الحادثات؟!

قال: لا.

قال له: يا دهقان! فما ساعة الأسد من الفلك؟! وما له من المطالع والمراجع؟! وما الزهرة من التوابع والجوامع؟!

قال: لا علم لي أيها الأمير.

قال: فعلى أي الكواكب تقضي على القطب؟! وما هي الساعات المتحركات؟! وكم قدر الساعات المدبرات؟! وكم تحصل المقدرات؟!

قال: لا علم لي بذلك.

قال له: يا دهقان! إن صح لك علمك [علمت] أن البارحة انقلب بيت في الصين، وانقلب بيتانسين [بيت انسين]، واحترقت دور الزنج، وانحطم منار الهند، وطفح جب سرانديب، وهلك ملك إفريقية، وانقض حصن أندلس، وهاج نمل الشيح، وفقد ديان اليهود، وجذم شطرنج الرومي بأرمنية، وعتاعب عمورية، وسقطت شرفات القسطنطنية، وهاجت سباع البحر واثبة على أهلها، ورجعت رجال النوبة المراجيح، والتفت الزرق مع الفيلة، وطار الوحش إلى العلقين، وهاجت الحيتان في الأخضرين، و اضطربت الوحوش بالأنقلين، أفأنت عليم بهذه الحوادث وما أحدثها من الفلك شرقية أو غربية؟! ومن أي برج سعد صاحب النحس؟! وأي برج انتحس صاحب السعد؟!

قال الدهقان: لا علم لي بذلك .

قال: فهل دلك علمك أن اليوم فيه سعد سبعون عالماً، في كل عالم سبعون ألف عالم، منهم في البحر، ومنهم في البر، ومنهم في الجبال، ومنهم في السهل والغياض والخراب والعمران؟! فأبن لنا ما الذي من الفلك أسعدهم؟!

قال الدهقان: لا علم لي بذلك.

قال له: يا دهقان! أظنك حكمت على اقتران المشتري بزحل حين لاحا لك في الغسق قد شارفها واتصل جرمه بجرم القمر، وذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلهم مولدون في يوم واحد، ومائة ألف من البشر كلهم يموتون الليلة وغداً، [وفي الرواية السابقة: يموت مثلهم. أي مثلهم في العدد، وهو ألف ألف] وهذا منهم. وأومأ بيده إلى سعد ابن مسعود الحارثي وكان في عسكره جاسوساً للخوارج.

فظن أن علياً «عليه السلام» يقول: خذوا هذا، فقبض على فؤاده فمات في وقته.

فقال علي «عليه السلام»: لم أرك عين التوفيق، أنا وأصحابي هؤلاء لا شرقيون ولا غربيون، إنما نحن ناشئة القطب، و أعلام الفلك، وأما ما زعمت: أن البارحة اقتدح من برجي النيران، فقد يجب عليك أن تحكم به لي، لأن ضياءه ونوره عندي، ولهبه وحريقه ذاهب عني، فهذه قضية عميقة، فأحسبها إن كنت حاسباً، واعرفها إن كنت عارفاً بالأكوار والأدوار، ولو علمت ذلك لعلمت عدد كل قصبة في هذه الأجمة وكانت عن يمينه أجمة قصب.

فتشهد الدهقان وقال: يا مولاي! الذي فهم إبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً «عليهم السلام» مفهمهم مفهمكما يا أمير المؤمنين، فهو والله المشار إليه ، ولا أثر بعد عين ، مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك الإمام والوصي المفترض الطاعة([20]).

توضيح المحقق المجلسي :

قال العلامة المحقق المجلسي «رحمه الله»: «أكثر السؤالات المذكورة في الرواية، على تقدير صحتها وضبطها، مبنية على اصطلاحات معرفتها مختصة بهم «عليهم السلام»، أوردها «عليه السلام» لبيان عجزه([21])، وجهله، وعدم إحاطة علمه بما لابد منه في هذا العلم.

«وكم تحصل الفجر في الغدوات» يحتمل أن يكون المراد به: زمان ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإن ذلك يختلف في الفصول.

«وطفح جب سرنديب» أي امتلأ وارتفع، ومنه «سكران طافح». والشيح: نبت معروف، ويحتمل أن يكون المراد هنا: الوادي الذي هو منبته، والمعمودية([22]) ماء للنصارى يغمسون فيه أولادهم.

«وما الذي أحدثها«عليه السلام» أي بزعمك «شرقيها» أي الكواكب.

«لم أرك غِيَر التقدير» ـ بكسر الغين وفتح الياء ـ أي التغيرات الناشئة من تقديرات الله تعالى، وفي بعض النسخ «عين التقدير» أي أصله.

«هذه قضية عيص» بالإضافة أي أصل.

في القاموس: العيص ـ بالكسر ـ: الأصل.

وفي بعض النسخ «عويصة» أي صعبة شديدة.

«وولدها» بصيغة الأمر، وتشديد اللام، أي استنتج منها، والعمورية ـ مشددة الميم ـ: بلد بالروم.

ولعل المراد بالعب الماء العظيم، وبعتوه طغيانه وكثرته، والمراجيح: الحلماء.

والزرق كسكر طائر صياد، ذكره الفيروزآبادي.

وفي حياة الحيوان: طائر يصاد به بين الباز والباشق، وقيل: هو الباز الأبيض «انتهى». والفيلة ـ بكسر الفاء، وفتح الفاء ـ جمع الفيل. «فهو والله» أي مفهمك الله «المشار إليه» بالدلائل والآيات «ولا أثر بعد عين» أي لا أطلب الآثار والدلائل والاخبار على حقيتك بعد ما عاينت.

أقول: وكان في الخبرين فيما عندنا من النسخ تصحيفات كثيرة تركناها كما وجدنا([23]).

بطلان فرضية بطليموس:

قال المعلق على بحار الأنوار ما يلي:

«قال بعض علماء العصر ما حاصله: إن هذا الكلام يدل على بطلان الفرضية البطلميوسية، حيث إن الظاهر منه إمكان اقتراب الكواكب بعضها من بعض، واتصال جرم المريخ بتربيع القمر وهو مستحيل على تلك الفرضية، لأن كل واحد من الكواكب بناء عليها مركوز في ثخن فلك من الأفلاك لا يتحرك من مكانه ولا يتغير وضعه إلا بتبع فلكه، والأفلاك كرات متداخلة كطبقات البصل لا يتغير شيء منها عن مكانه.

وفلك القمر هو الفلك الأول، وفلك المريخ هو الفلك الخامس وبينهما ثلاثة أفلاك، فيستحيل اقتراب أحدهما من الآخر.

وأما على مباني الهيئة الجديدة فالأرض أحد السيارات، وأقرب الكواكب منها هو المريخ، والقمر يدور حول الأرض، ومدار الجميع على الشكل البيضي المستطيل.

ومدار الأرض في داخل مدار المريخ.

وعلى هذا يمكن للمريخ أن يقترب من القمر في بعض الأوضاع بحيث يتوهم اتصالهما من شدة قربهما، وعند ذلك يكون المريخ في غاية التلألؤ، لكونه في أقرب نقطة من الأرض ومن الشمس أيضاً، ومن هنا يظهر سر جملة أخرى من كلامه «عليه السلام» وهي هذه: «وظهر تلألؤ شعاع المريخ وتشريقه في السحر»..»([24]).

توضيحات المحقق التستري:

قال العلامة المحقق التستري، تعقيباً على الرواية المتقدمة ما يلي:

قلت: قوله «عليه السلام» في الخبر: «وما الزهرة من التوابع والجوامع»، ذكر في الهيئة والإسلام له شرحاً، فقد اشتهر بين المتأخرين إطلاق التوابع على الأقمار، من جهة أنها تابعة في السير للكرات السيارة، وفي المولد أيضاً على ما يقولون، كمتابعة السيارات للشموس، وقد يصفون الشموس بالجوامع نظراً إلى أنها هي الجامعة بنظامها شمل السيارات والمحافظة بجذبها بناتها عن الشتات.

ويعتقدون توسط عنوان السيارات بين عنوان الأقمار التابعة، وبين عنوان الشموس الجامعة، وإن السيارات بنات الجوامع، وأمهات التوابع، ومجذوبات لتلك وجاذبات لهذه.

وهكذا في أكثر الجهات ترتبط السيارات مع الجوامع والتوابع، ويتوسط بينهما في السير والجذب، وفي التكوين، وفي الحجم، وفي غير ذلك.

قال: وعلى هذا يتضح معنى قوله: وما الزهرة إلخ..

أي وما نسبة عنوان سيارة الزهرة من عنوانيهما

قال: ولو كان سرسفيل عالماً بالهيئة العصرية لقال: نسبة عنوانها هي التوسط بين التوابع والجوامع. أي أن نسبة الأقمار إلى السيارات كنسبة السيارات إلى الشموس كما فصلناه.

وبناء على هذا يكون المقصود من ذكر الزهرة مطلق السيارات وكلها إنما خص الزهرة بالذكر، لكونها أظهر أفراد السيارات لدى الحواس، وأعرفها بين الناس.

وقال أيضاً: قوله «عليه السلام»: البارحة سعد سبعون ألف عالم..

إلى قوله «عليه السلام»: والليلة يموت مثلهم هذا الإحصاء القريب من الإحصاءات الأخيرة في عصرنا، على ما قاله الفاضل جرجي زيدان([25]) من صفحة 668 من أهل سنة (1315) أنه يموت على وجه أرضنا كل ليلة تسعون ألفاً إلخ..([26]).

ونقول:

إن المتتبع لما ذكرته الرواية التي نحن بصدد الحديث عنها من أمور جرت بين الأئمة وبين أصحابهم وغيرهم ـ وهي كثير ـ يلاحظ: أن الأئمة كانوا مهتمين بإقناع الناس بأن في هذا العلم أسراراً لا يهتدون إليها، وأن ما بأيديهم وما يعلمونه منه ما هو إلا أقل القليل، وأن فيه ما هو حق ولكنه قليل نفع، وفيه ما هو باطل وفيه ضرر لا يقدم عليه إلا أرعن أو سفيه. وهذا ما فهمه العلماء، فراجع.

فلاحظ بالإضافة إلى ما قدمناه ما جرى بين هشام الخفاف والإمام الصادق «عليه السلام»([27]).

وأسئلة الإمام الرضا «عليه السلام» لذي القلمين: الحسن بن سهل([28]).

وأسئلة الإمام الصادق «عليه السلام» لبياع السابري([29]).

وأسئلة سعد المولى اليماني للإمام الصادق «عليه السلام»([30]).

وما جرى بين الطبيب الهندي والإمام الصادق «عليه السلام» في رسالة الإهليلجة([31]).

وما جرى بين الإمام الصادق «عليه السلام» وصاحب علم النجوم في قسمة الأرض([32]).


([1]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ص128 و 129 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج11 ص373 و (ط الإسلامية) ج8 ص271 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص139 و 140 والإحتجاج ج1 ص357 وفرج المهموم ص57 والفصول المهمة للحر العاملي ج2 ص238 وج3 ص341 وبحار الأنوار ج33 ص362 وج55 ص258 وجامع أحاديث الشيعة ج17 ص236 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج1 ص213 وج5 ص64 وج11 ص265 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص199 وتفسير نور الثقلين ج4 ص408 والجامع لأحكام القرآن ج19 ص29.

([2]) بحار الأنوار ج33 ص346 وج55 ص224 و 258 و 264 وج41 ص336 ومستند الشيعة للنراقي ج14 ص120 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص553 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص270 وأعيان الشيعة ج1 ص523.

([3]) الآية 16 من سورة النحل.

([4]) الآية 97 من سورة الأنعام.

([5]) الآية 75 من سورة الواقعة.

([6]) الآية 54 من سورة الأعراف، وراجع الآية 12 من سورة النحل.

([7]) الآية 18 من سورة الحج.

([8]) الآيتان 3 و 4 من سورة الطارق.

([9]) الآية 39 من سورة الرعد.

([10]) الكافي ج4 ص6 و 7 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج9 ص392  و (ط دار الإسلامية) ج6 ص273 وبحار الأنوار ج47 ص52 وج55 ص273 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص407 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج6 ص67 وج11 ص278 وتفسير نور الثقلين ج4 ص409.

([11]) راجع: بحار الأنوار ج49 ص168 والكافي ج1 ص490 و 491 وعيون أخبار الرضا ج2 ص163 و 164 ومناقب آل أبي طالب ج4 ص346 و 347 وروضة الواعظين ص272 و 273 وكشف الغمة ج3 ص69 و 70 وإعلام الورى ص323 و 324 وأعيان الشيعة ج4 ق2 ص110 و 140 ومعادن الحكمة ص183 وشرح ديوان أبي فراس ص198 و 199 والإرشاد للمفيد (ط النجف) ص314. وراجع: قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص140 و 141 وفرج المهموم ص134 و 135.

([12]) فرج المهموم ص2 و 24 وبحـار الأنـوار ج55 ص235 والحـديقـة الهلاليـة = = للشيخ البهائي ص143 وجواهر الكلام ج22 ص100 وكتاب المكاسب للشيخ الأنصاري ج1 ص228.

([13]) الآية 75 من سورة الأنعام.

([14]) الآيتان 88 و 89 من سورة الصافات.

([15]) الآية 76 من سورة الواقعة.

([16]) الآيات 1 ـ 5 من سورة النازعات.

([17]) الآية 16 من سورة النحل.

([18]) بحار الأنوار ج48 ص145 و 146 وج55 ص352 و 353 ومستدرك الوسائل ج13 ص102 ـ 104 وجامع أحاديث الشيعة ج17 ص229 و 230 وفرج المهموم ص107 ـ 109 عن نزهة الكرام، وبستان العوام، تأليف محمد بن الحسين بن الحسن الرازي.

([19]) الآية 34 من سورة لقمان.

([20]) راجع الحديثين في: بحـار الأنـوار ج55 ص229 ـ 234 وص221 وراجـع = = ج40 ص167 وج41 ص336 عن الإحتجاج وغيره، وفرج المهموم ص102 ـ 107 ودلائل الإمامة ص57 ـ 61 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص137 و 138 ومشارق أنوار اليقين، ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص211 ـ 214.

([21]) الضمير راجع إلى الدهقان.

([22])  في الرواية المتقدمة «عتاعب عمورية»، ولعل الرواية قد اختلفت أو أن الكلمات صحفت..

وفي توضيحات المجلسي مواضع  كثيرة يظهر فيها هذا الإختلاف.

([23]) راجع: بحار الأنوار ج55 ص234 و 235.

([24]) راجع بحار الأنوار ج55 هامش ص231.

([25]) قد يقال: إن كلام جرجي زيدان لا قيمة له، لأنه لا يقدم أموراً واقعية. كما أن المقصود بالعالم في الرواية ليس هو الشخص العادي.. بل المراد بالعالم: الجماعة الكبيرة والكثيرة من الناس.. ولو كان المراد الشخص، فلا بد أن يتصف بصفة العلم لا مجرد كونه فرداً من البشر.

([26]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص138 و 139.

([27]) الكافي ج8 ص351 و 352  وبحار الأنوار ج47 ص224 وج55 ص243 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج17 ص141 و 142 و (ط دار الإسلامية) ج12 ص102 وجامع أحاديث الشيعة ج17 ص225 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج11 ص261 وتفسير نور الثقلين ج4 ص409.

([28]) فرج المهموم ص94 وبحار الأنوار ج55 ص245 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص555.

([29]) فرج المهموم ص97 و 98 وبحار الأنوار ج55 ص250 ومستدرك الوسائل ج13 ص101 وجامع أحاديث الشيعة ج17 ص227 و 228.

([30]) الخصال ص489 والإحتجاج للطبرسي ج2 ص100 ومناقب آل أبي طالب (المطبعة الحيدرية) ج3 ص379 ومدينة المعاجز ج6 ص66 وبحار الأنوار ج55 ص219 و 269 وج26 ص112 وج47 ص218 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص550 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج11 ص262.

([31]) بحار الأنوار ج3 ص152 فما بعد.

([32]) الكافي ج4 ص6 و 7 وبحار الأنوار ج47 ص52 وج55 ص273 و 274 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج9 ص392 و (ط دار الإسلامية) ج6 ص273 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص407 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج6 ص67 وج11 ص278 وتفسير نور الثقلين ج4 ص409.

 
 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان