وبعد ذلك الموجز الذي قدمناه لا بد أن نشير إلى بعض
العوامل والظروف التي ساعدت على انتصار الإسلام وانتشاره، في منطقة
لها تلك الصفات والمميزات المشار إليها في البحث السابق.
وبعض تلك العوامل يرجع إلى شخصية الرسول
>صلى
الله عليه وآله<،
وبعضها يرجع إلى الرسالة نفسها، وبعضها يعود إلى أمور أخرى، خارجة
عن هذا وذاك،
ويمكن أن نلخص ما نريد الإشارة إليه في الأمور
التالية:
1 ـ
منطلق الدعوة: مكة:
أ ـ
إنه يلاحظ
أن الإسلام قد انطلق من أقدس بلدٍ لدى الإنسان العربي، بل ولدى
غيره أيضاً، وهو المكان الذي تهوي إليه ثمار الأفئدة من كل مكان،
وهو ملتقى لكل العواطف، ومحل آمال الناس، وغاية
رجائهم.
ب ـ
يقول
البوطي: >البقعة
الجغرافية للجزيرة العربية ترشحها للقيام بعبء مثل هذه الدعوة؛
بسبب أنها تقع ـ كما قلنا ـ في نقطة الوسط بين الأمم المختلفة التي
من حولها،
وهذا مما يجعل إشعاعات الدعوة الإسلامية تنتشر بين جميع الشعوب
والدول المحيطة بها في سهولة ويسر<([1]).
وطبيعي:
أن هذا الدين لو كان ظهر في بلاد كسرى؛ فإن أتباع
قيصر لا يتبعونه، وكذلك العكس؛ وذلك بسبب المنافسة القائمة بين
الإمبراطوريتين والحواجز النفسية الحاكمة والمهيمنة على الأمتين.
ج ـ
لقد بدأ >صلى
الله عليه وآله<
دعوته في مكان بعيد عن نفوذ الدولتين العظيمتين:
الرومان، والفرس، وغيرهما من الدول ذات القوة.
إذن، فلا قوة قاهرة تستطيع أن تضرب الضربة الحاسمة،
وتقضي على دعوته في مهدها؛ وذلك لأن المحيط الذي بدأ فيه دعوته،
والحجاز عموماً، كانت تسيطر عليه الروح القبلية، ويطغى عليه التعصب
القبلي،
والقوى فيه متكافئة تقريباً، وكانت القبائل
المتعددة كثيرة ـ فبطون قريش وحدها كانت عشرة أو تزيد ـ يرقب بعضها
بعضاً، ويخشى بعضها بأس بعض.
هذا كله، عدا عن أنها كانت
تعرف:
أنها إذا أرادت أن تنتهك حرمة الحرم، ويحارب بعضها
بعضاً؛ فإن مكانتها واحترامها ـ وبالتالي مصالحها الحيوية سوف
تتعرض لدى سائر العرب لنكسة قاسية، إن لم تكن قاضية.
أ ـ
لقد كان صاحب هذه الدعوة: محمد >صلى
الله عليه وآله<
من
قريش، أعظم قبـائل
العرب خطراً، وقـوة،
ونفوذاً، والتي كـان
ينظر إليهـا
ـ
كل
أحد
ـ
بعين الإجلال والإكبار، وبالأخص هو من البيت
الهاشمي منها، الذي كان يمتاز بالنزاهة والطهر، وله السيادة
والزعامة، والسؤدد في مكة، وله الشرف الرفيع الذي لا يدانيه ولا
ينازعه فيه أحد.
فمحمد
>صلى
الله عليه وآله<
إذن ليس بحاجة إلى الشرف والزعامة ليجعل من ادّعاء النبوة وسيلة
للوصول إليها، والحصول عليها،
وقد كان واضحاً ـ لو قيست الأمور بالمقاييس العادية
ـ أن دعواه تلك لسوف تجر عليه الكثير من المتاعب والمصائب، ويكون
بذلك قد فرط بكل ما لديه من رصيد اجتماعي في هذا المجال، فاستمراره
في دعوته مع وضوح أخطارها له يعتبر أمراً غير منطقي، لو كان ما
يدعيه لا واقعية له.
كما أن كل أحد يكون على استعداد لقبول الدعوة من
بني إسماعيل، الذين هم مهبط الوحي، ومعدن الطهر،
وسيأتي إن شاء الله تعالى في مباحث عرض الرسول
>صلى
الله عليه وآله<
دعوته على القبائل،
أنه لما عرض دعوته على بني عامر بن صعصعة، ورفضوا
إلا أن يجعل الأمر فيهم بعده، ورفض هو، وعادوا إلى بلادهم، وتحدثوا
بما كان لشيخ لهم، وضع ذلك الشيخ يده على رأسه، ثم قال:
يا بني عامر، هل لها من تلاف؟ هل لذناباها من مطلب؟
والذي نفس فلان بيده، ما تقوّلها إسماعيلي قط، وإنها لحق؛ فأين
رأيكم كان عنكم؟([2]).
ب ـ
تلك الخصائص والمميزات في الرسول >صلى
الله عليه وآله<
نفسه، والتي أشار إليها جعفر بن أبي طالب بقوله:
>بعث
الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته وعفافه<.
حتى لقد لقب ب
(الصادق
الأمين)
فقد كان
لذلك أثر كبير في ظهور دعوته، وانتصار وانتشار رسالته،
وقد كان تحليه >صلى
الله عليه وآله<
بهذه المواصفات ضرورياً، لأن فقدانها موجب لريبهم، كما قال تعالى:
{إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}([3]).
هذا كله، بالإضافة إلى ما قد تمدّحه الله عليه من
خلقه العظيم، فقال:
{وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ}([4]).
ومع ذلك فإننا نود أن نخص
بالذكر هنا ما يلي:
1 ـ
إننا نجد
البعض يسلم استناداً إلى شهادة الرسول
>صلى
الله عليه وآله<
نفسه، فقد ورد أن رجلاً دخل على جمل؛ فأناخه في المسجد، وعقله، ثم
قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي >صلى
الله عليه وآله<
متكئ بين ظهرانيهم.
فقلنا:
هذا الرجل الأبيض المتكئ.
فقال له الرجل:
ابن عبد المطلب؟
فقال له
>صلى الله عليه وآله<:
قد أجبتك.
فقال الرجل:
إني سائلك فمشدد عليك في المسألة؛ فلا تجد علي في
نفسك.
فقال:
سل عما بدا لك.
فقال:
أسالك بربك ورب من قبلك، أالله أرسلك إلى الناس
كلهم؟
فقال:
اللهم نعم.
فقال:
أنشدك بالله، أالله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في
اليوم والليلة؟.
قال:
اللهم نعم.
قال:
أنشدك الله..
إلى أن قال:
فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي
من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة الخ..([5]).
فإن عدم قدرة ضمام على تمييزه
>صلى
الله عليه وآله<
عن أصحابه، لخير دليل على خلق النبي العظيم، وعلى
أن الإسلام لا يعترف بتلك الفوارق المصطنعة بين الحاكم ورعيته، ولا
يعتبر أن الحكم يعطي للحاكم امتيازاً، وإنما هو مسؤولية.
كما أن إسلام ضمام استناداً إلى شهادة النبي
>صلى
الله عليه وآله<
نفسه ليعتبر الذروة في الثقة به >صلى
الله عليه وآله<،
وتأثير هذه الثقة في قبول دعوته، وانتشار رسالته.
2 ـ
هذا مع ما كانت تعرفه قريش فيه، من وفور العقل، وحسن التدبير،
وأصالة الرأي ـ وقد تقدمت قضية رفع الحجر الأسود إلى موضعه عند
بناء البيت، وحلّه >صلى
الله عليه وآله<
المشكلة التي كانت تواجههم.
ثم ما ظهر له من الآيات والبراهين، حين ولادته،
وبعدها، وكونه ابن الذبيحين، الأمر الذي جعل له قدسية خاصة في نفوس
الناس.
نعم، إن كل ذلك قد وضع قريشاً، وسائر الناس أمام
الأمر الواقع، فكان كل من يحاول تكذيبه
>صلى
الله عليه وآله<
يجد نفسه أمام صراع داخلي، ووجداني؛ لأن وجدانه
وضميره كان يقول له:
أنت الكاذب الحقيقي، وهو الصادق الأمين، وهو محل
الثقة المطلقة، وأنت مظنة الخيانة، وهو صاحب الرأي والتدبير،
والعقل الكبير، وأنت القاصر المقصر في ذلك،
وهكذا الحال في سائر صفاته الغر، وأخلاقه الفضلى.
3 ـ
وقد عزز ذلك وقوَّاه:
أن كل أحد كان يعرف أميته >صلى
الله عليه وآله<([6])،
وأنه لم يتلق العلم والمعرفة من أحد،
وها هو لا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يدعي
المعرفة بجزءٍ مما جاء به، فضلاً عن بيئته المتناهية في الجهل
والضياع، فلم يكن ثمة مجال للارتياب في صدقه، وصحة دعوته، إلا من
مكابر، لا يرى إلا نفسه، ولا يفكر إلا فيها.
وحتى لـو
كـان
قـارئـاً،
فماذا عساه يجد في كتب السابقين، وهل يمكن أن يقـاس ذلـك
بما جـاء به >صلى
الله عليه وآله<
مـن
المعارف العالية، والتشريعات المعجزة، بلسان القرآن، الذي يعجز
الجن والإنس عن أن يأتوا بسورة من مثله؟!
4 ـ
ثم هو لم يسجد لصنم قط، فلا يستطيع أحد أن يعترض
عليه بأنك أنت كنت بالأمس تسجد للأصنام، وتعبد الأوثان؛ فلماذا
تكفر بها اليوم؟!. فإن كانت عبادتها تخالف العقل والفطرة، فأين كان
عنك عقلك، ولماذا شذت بك فطرتك؟!.
5 ـ
ثم يأتي بعد ذلك أسلوب دعوته المتطور، على وفق
الحكمة، وعلى حسب مقتضيات الأحوال، وفي حدود الأهداف الرسالية،
التي لا بد من التقيد بها، وفي حدودها.
6 ـ
ثم هناك إصراره، وصبره، وتحمله لكل المشاق والآلام، ورفضه لكل
المساومات، حتى إنهم لو وضعوا الشمس في يمينه، والقمر في شماله على
أن يترك هذا الأمر، ما تركه،
بل
هو لا يقبل منهم أن يسلموا شرط أن يعطيهم فرصةً زمنية للتزود من
عبادة أوثانهم، مما أوضح لهم: أن المسألة
تتجاوز حدود اختياره، وأن رب السماء هو الذي يرعى هذا الأمر،
ويريده منهم.
ويأتي بعد ذلك كله،
دور الحالة الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك، حيث كان الناس
يعيشون حياة الشقاء والبلاء، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، كما دلت
عليه كلمات الإمام أمير المؤمنين >عليه
السلام<
المتقدمة في أوائل هذا الجزء عن الحالة الإجتماعية
عند العرب ـ وهي لا تختلف كثيراً عما عند غيرهم ـ ونضيف إلى ذلـك
هنا:
ما
قاله جعفر >رحمه
الله<
لملك الحبشة، حينما ذهب عمرو بن العاص ليخدعه عنهم:
>كنا
قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش،
ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف<([7]).
فهذه الحالة الاجتماعية القاسية التي كانت تهيمن
على الأمة، وذلك الضياع الذي يسيطر عليها قد هيأ الإنسان الجاهلي
نفسياً لقبول الحق، والتفاعل معه، وجعله يتطلع للدعوة التي يجد
فيها الحق والخير، ويعرف أنها تستطيع أن تخفف من شقائه وآلامه،
وتنقذه من واقعه المزري والمهين ذاك.
وقد عبر جعفر بن أبي طالب
>عليه
السلام<
عن ذلك، لملك الحبشة، بعد عبارته المتقدمة، فقال:
>فكنا
على ذلك حتى بعث الله
إلينا
رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته، وعفافه فدعانا إلى الله؛
لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه، من
الحجارة والأوثان،
وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار،
والكف عن المحارم والدماء،
ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة
الخ..<([8]).
وقد عبر أهل المدينة على لسان أسعد بن زرارة عن
أملهم في أن يحل
>صلى
الله عليه وآله<
بدعوته تلك مشاكلهم المستعصية، حيث يذكر المؤرخون:
أن الأوس والخزرج ما كانوا يضعون السلاح في ليل ولا
نهار([9])،
فمن الطبيعي إذن أن يشتاقوا إلى الخروج من وضع كهذا إذ نعمتان
مجهولتان: الصحة والأمان.
وسيأتي الحديث عن ذلك حين الكلام على دخول الإسلام
إلى المدينة.
هذا، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الاندفاع نحو
الإسلام، إنما كان ظاهراً وقوياً في جملة الضعفاء والعبيد،
والفقراء،
أما أولئك المستغلون والمستكبرون وأصحاب الأموال، والأطماع، من
أمثال:
أبي جهل، وأبي سفيان؛ فقد كانوا هم الذين يهتمون
بالقضاء على الدعوة، ومنعها من الانتشار، وإن المطالع لتاريخ
الإسلام في مكة ليجد الكثير الكثير من الشواهد التي تؤيد ما ذكرناه
هنا،
مع تأكيدنا على أن ذلك لا يختص بما جرى بالنسبة لنبينا
>صلى
الله عليه وآله<
بل
هو ينسحب على غيره من الأنبياء السابقين،
وقد عبر القرآن عن هؤلاء المخالفين من الطبقة الأرستقراطية ب
>الملأ<
في أكثر من مورد، وأكثر من مناسبة.
ومما ساعد على انتشار الإسلام وانتصاره نوع المعجزة
التي جاء بها
>صلى
الله عليه وآله<
فإن
هذا القرآن قد حيَّر
العرب، ليس فقط بما يتضمنه من قوانين عامة وشاملة، ومن معان
وإخبارات غيبية، ومن قصص فيها العبر والعظات، رأى فيها غير
المسلمين تصحيحاً دقيقاً لما جاء منها في كتبهم، وغير ذلك من علوم
ومعارف،
وإنما قهرهم وبهرهم فيما كانوا يعتبرون أنفسهم، ويعتبرهم العالم
بأسره قمة فيه، إكمالاً للحجة، وحتى لا يبقى مجال لأي خيار؛ لأن
خروجه >صلى
الله عليه وآله<
في بيئة كهذه، بحجة كهذه، لا بد أن يجعلهم يذعنون
وينقادون للحق، وإلا فلسوف يراهم كل أحد، ويرون أنفسهم أيضاً
معاندين للحق، ومناصرين للباطل.
نعم، لقد بهرهم هذا القرآن وحيَّرهم،
ولم يترك لهم مجالاً للخيار فإما الجحود على علم
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا
أَنفُسُهُمْ}([10])،
وإما الإيمان والتسليم.
وإذا كنا نعلم:
أن من مميزات العربي، وبحكم حياته وطبيعته:
أنه كان يعيش حياة الحرية بكل ما لهذه الكلمة من
معنى، ولم تلوث فكره وعقله الأفكار والشبهات والآراء المصطنعة ـ
كما كان الحال بالنسبة لسائر الأمم، كالرومان والفرس وغيرهما،
الذين كانوا يحاولون فلسفة أديانهم البعيدة عن الفطرة، والمنافرة
لها، وإظهارها بمظاهر معقولة ومقبولة ـ.
إذا كنا نعلم ونرى ذلك، فإن
هذا القرآن قد جاء منسجماً مع فطرة العربي، ومتلائماً مع طبعه
وسجيته، ومع صفاء نفسه وقريحته، تماماً كما كانت الدعوة نفسها
منسجمة مع فطرته وروحه، ويستجيب لها عقله، وضميره ووجدانه، لأنه
كان يعيش على الفطرة، والإسلام دين الفطرة:
{فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}([11]).
ولذلك نراه سرعان ما صار يبذل ماله، وولده، ودمه في
سبيل هذه الدعوة، ويقتل حتى أباه وأخاه من أجلها،
ولسوف نتحدث إن شاء الله تعالى عن سر إعجاز القرآن
فيما يأتي من فصول.
وأيضاً، فان بشائر أهل الكتاب بقرب ظهور نبي في
المنطقة العربية، قد سهل هو الآخرقبول دعوته، وانتشار رسالته.
فقد جاء في التوراة المتداولة:
>وهذه
هي البركة، التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته،
فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من ساعير، وتلألأ من جبل فاران<([12]).
فالمجيء من سيناء كناية عن تكليم الله لموسى
>عليه
السلام<
في
سيناء، وساعير هي جبال فلسطين، وهو إشارة لعيسى
>عليه
السلام<.
وفاران اسم قديم لأرض مكة([13])،
التي لم يظهر فيها إلا نبينا الأعظم محمد
>صلى
الله عليه وآله<،
الذي أنزل عليه القرآن.
والنبي محمد
>صلى
الله عليه وآله<
هو
من نسل إبراهيم >عليه
السلام<،
الذي جعلها أرض غربته، تقول التوراة:
>وأعطى
لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان، ملكاً أبدياً<([14]).
فالمقصود بأرض غربة إبراهيم خصوص مكة، لأنها هي
التي
أسكن
أهله فيها.
وأرض كنعان وإن كانت هي بلاد الشام ولكن المقصود
فيها هنا عموم بلاد العرب، بضرب من التجوز، لأن إبراهيم لم يهاجر
إلى الشام، ولا أسكن أهله فيها([15]).
وجاء في الإنجيل قوله:
>وهذه
شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين؛ ليسألوه: من
أنت؟
فاعترف، ولم ينكر، وأقر:
إني لست أنا المسيح.
فسألوه:
إذن ماذا؟ إيليا؟
فقال:
لست أنا،
النبي أنت؟
فأجاب:
لا<([16]).
فالمراد بإيليا ليس إلياساً ـ كما ربما يدعى ـ وذلك
لأنه قد كان قبل عيسى بقرون، فلا بد أن يكون المقصود به رجلاً يأتي
بعد عيسى. وكذلك الحال بالنسبة إلى النبي الذي سألوه عنه.
ومن المعلوم أنه لم يأت بعد عيسى غير نبينا محمد
>صلى
الله عليه وآله<،
وأوصيائه >عليهم
السلام<
فلعل المقصود بالنبي هو محمد >صلى
الله عليه وآله<
وبإيليا وصيه علي
>عليه
السلام<.
هذا،
وبشارات العهدين به >صلى
الله عليه وآله<
كثيرة جداً، فمن أرادها فليراجع الكتب المعدة لذلك([17])
مع الأخذ بعين الاعتبار:
أن التوراة والإنجيل الموجودين فعلاً قد نالتهما يد
التحريف والتزوير، كما يظهر لمن راجع كتاب: الهدى إلى دين المصطفى،
والرحلة المدرسية، للمرحوم البلاغي وإظهار الحق لرحمة الله الهندي،
وغير ذلك.
ويكفي أن نذكر هنا:
أن القرآن
قد قرر: أن أهل الكتاب
{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً
مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}([18]).
وقال تعالى:
{الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي
يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ
يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}([19]).
ولو أن أهل الكتاب كان يمكنهم إثبات خلاف هذا النص
القرآني، لبادروا إليه، ولما عرَّضوا
أنفسهم للحروب والبلايا في سعيهم الدائب لإطفاء نور الله، هم
ومشركو مكة، الذين كانوا يتعاونون معهم تعاوناً وثيقاً.
بل إن أهل الكتاب أنفسهم كانوا يتوعدون العرب،
ويقولون لهم:
>ليخرجنَّ
نبي، فيكسرنَّ
أصنامكم، فلما خرج رسول الله كفروا به<([20]).
ويقول مغلطاي:
>إنه
لما شاع قبل ولادته: أن نبياً اسمه محمد، هذا إبان ظهوره، سمى
جماعة أبناءهم محمداً، رجاء أن يكون هو، منهم محمد بن سفيان بن
مجاشع
الخ..
ثم عد جماعة من المسمين بهذا الاسم<([21]).
ولما دعا رسول الإسلام بعض المدنيين ـ قبل الهجرة ـ
إلى الإسلام، قال بعضهم لبعض:
يا قوم، إن هذا الذي كانت اليهود يدعوننا به، أن
يخرج في آخر الزمان، وكانت اليهود إذا كان بينهم شيء، قالوا:
>إننا
ننتظر نبياً يبعث الآن يقتلكم قتل عاد وثمود، فنتبعه، ونظهر عليكم
معه إلخ..<([22]).
وبعد، فإن النصارى لم يتوغلوا في قلب الجزيرة
العربية، بل كانوا يسكنون على أطرافها: الحيرة، وبلاد الشام، وكانت
بعض القبائل العربية تدين بالنصرانية، دون أن يلتزموا بطقوسها
الدينية إلا بصورة ضعيفة كما سنرى.
أما اليهود، فقد كانوا أولاً هم حكام يثرب، بعد أن
قدموها من بلاد فلسطين، فراراً من الاضطهاد الذي حاق بهم، ثم قدمها
الأوس والخزرج القحطانيون من اليمن، وتغلبوا عليها، وحصروا اليهود
ـ وهم ثلاث قبائل: بنو النضير، وقينقاع، وقريظة ـ في مناطق معينة
في المدينة وأطرافها، وكانوا يسكنون فدكاً وتيماء أيضاً.
ويذكر هيكل:
أنه كان يحظر على اليهود والنصارى سكنى مكة، إلا أن
يكون أجيراً، لا يتحدث بشيء من أمر دينه ومن أمر كتابه،
ثم يستثني في موضع آخر: العبيد منهم([23]).
ولكننا نجد:
أنه كان
يسكنها المتنصرة من العرب كورقة بن نوفل وأضرابه، وعلى كل حال، فإن
هذا الأمر لا يهمنا تحقيقه كثيراً.
أهل
الكتاب وهيمنتهم العلمية على العرب:
وما يهمنا هنا:
هو الإشارة إلى أن العرب كانوا ينظرون إلى أهل
الكتاب نظر التلميذ إلى معلمه، ويعتبرونهم مصدر الثقافة والمعرفة
لهم، حتى إننا لنجد في التاريخ:
أن العربي كان إذا أراد الإسلام يستشير حبراً، أو
راهباً في ذلك،
بل نجد قبيلة بكاملها تذهب إلى يهود فدك وتسألهم عن
رسول الله >صلى
الله عليه وآله<،
بعد أن عرض دعوته عليهم([24]).
كما ويعرض الإسلام على كندة؛ فيأبونه؛ فيستدل بعضهم
على صدق هذا النبي بأن اليهود قد قالوا:
إنه سوف يظهر نبي من الحرم قد أظل زمانه([25]).
وإسلام أهل المدينة كان في مبدئه مستنداً إلى نظير
هذه الحجة، كما أشرنا، وسنشير إليه إن شاء الله تعالى([26]).
وعن ابن عباس، قال:
>كان
هذا الحي من الأنصار ـ وهم أهل وثن ـ مع هذا الحي من اليهود، وهم
أهل كتاب، فكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم،
وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم<([27]).
وقد أسلم وفد أهل الحيرة، وكعب بن عدي، فلما توفي
>صلى
الله عليه وآله<
ارتابوا؛ فثبت كعب على الإسلام، قال: ثم خرجت أريد
المدينة، فمررت براهب كنا لا نقطع أمراً دونه([28])،
إلى آخر كلامه، الذي ذكر فيه حصول اليقين له، بسبب كلام الراهب.
وليلاحظ بدقة قوله:
>كنا
لا نقطع أمراً دونه<!
وأيضاً، فقد تقدم في الفصل الأول من هذا الجزء
وسيأتي([29]):
أن أبا سفيان قد سأل كعب بن
الأشرف عن:
أن
أي الدينين أرضى لله تعالى، دينه أم دين محمد؟!
وقالت قريش لبعض يهود بني
النضير، وهم:
سلام بن أبي الحقيق وحييّ بن أخطب وكنانة بن
الربيع، حين ذهبوا إلى مكة ليحرضوا الأحزاب على حرب المسلمين، قالت
لهم قريش:
>يا
معشر اليهود، إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه
نحن ومحمد؛ أفديننا خير أم دينه؟
قالوا:
بل دينكم
خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه.
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم، ونشطوا لما دعوهم إليه
الخ..<([30]).
ونحن وإن كنا نعلم أن زعماء قريش كانوا يعلمون
الحق، ولكنهم كانوا يكتمونه عناداً واستكباراً لقوله تعالى:
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا
أَنفُسُهُمْ}([31]).
ولكن الذي يلفت نظرنا:
هو هذا الاستغلال لنفوذ اليهود، وهيمنتهم العلمية،
واعتبارهم مصدراً للمعارف الدينية.
وبالمناسبة فإن التاريخ يعيد نفسه، فإن نظرة
المسلمين إلى الأوروبيين
الآن تشبه تماماً ما كانت عليه في الجاهلية.
وأخيراً، فقد قال الحلبي وابن
هشام:
>لا
يخفى: أن كفار قريش بعثوا النضر بن الحرث، وعقبة بن أبي معيط، إلى
أحبار اليهود بالمدينة،
وقالوا لهما:
إسألاهم
عن محمد، وصفا لهم صفته، وأخبراهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الأول<([32])
ثم ذكر ما
جرى بينهم وبين اليهود، ثم ما جرى لهم مع النبي
>صلى
الله عليه وآله<
في مكة.
والخلاصة:
أن
إخبارات أهل الكتاب تلك قد غرست في ذهن العربي أن نبياً سوف يخرج
من منطقته، مما سهل عليه قبول دعوته
>صلى
الله عليه وآله<،
والإذعان للحق الذي جاء به؛ لأن الناس ـ باستثناء أصحاب المطامح
والأهواء، والطواغيت منهم ـ لصفاء وسلامة طباعهم، وكونهم أقرب إلى
الفطرة، وعدم تلوث فكرهم بالشبهات والفلسفات المعقدة كانوا يتقبلون
الحق، ويذعنون له،
وقبليتهم وعاداتهم إنما كانت تمنع فقط من انقياد بعضهم لبعض، بسبب
غلظتهم، وانفتهم، وبعد هممهم،
ولكن لم يكن ذلك يمنعهم من قبول الحق، والإذعان
لإرادة السماء([33]).
لقد كان العرب يعانون من فراغ عقائدي هائل، عبَّر
عنه أمير المؤمنين >عليه
السلام<
بقوله المتقدم: >بعثه،
والناس ضلال في حيرة، وحاطبون في فتنة، حيارى في زلزال من الأمر،
وبلاء من الجهل<.
ويكفي أن نذكر:
أنهم حتى عبادتهم للأصنام قد كانت ملونة باللون
القبلي، فلكل قبيلة بل لكل بيت وثن، وطريقة.
وكثيراً ما كانت دوافعهم إلى عبادة تلك الأصنام
عاطفية، بعيدة عن أساليب التبرير العقلي، والمنطقي، فارتباط العربي
بهذا الصنم إنما هو لأن هذا الصنم مرتبط بتاريخ أبيه أو جده،
فالعربي يعتز بنسبه بحسب طبعه، وبما ينسب إليه، قال تعالى حكاية
لذلك عنهم: {بَلْ قَالُوا إِنَّا
وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم
مُّهْتَدُونَ}([34]).
ومما يدل على أن عبادتهم
للأصنام لم تكن عن تعقل وقناعة:
هو أن الذين كانوا يرجعون إلى فطرتهم، وإلى عقولهم
سرعان ما يدركون منافرتها للفطرة، ولأحكام العقل السليم، ويرغبون
بالخروج من هذا الجو، ولذلك نجد المؤرخين يذكرون:
أن عبد المطلب قد رفض عبادة الأوثان.
كما ويذكرون:
أن ورقة بن نوفل، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو
بن نفيل، وعبيد الله بن جحش قد تبرموا من عبادة الأوثان، وعبروا عن
ضعف ثقتهم فيها، فاجتمعوا وتشاوروا فتنصر الأولان، وبقي الآخران في
حيرتهما وشكهما([35]).
ب
ـ
الفراغ السياسي:
إن أرض العرب القاحلة، والجو الحار الذي تتميز به،
وحياتهم المتنقلة من مكان إلى مكان، وقدرتهم على تحمل المشاق،
قد
جعل السيطرة عليهم شبه مستحيلة حسبما قدمنا،
بل
جعلهم بحسب طبيعة ظروفهم الحياتية قادرين على توجيه الضربات
القاصمة لكلِّ
دخيل، وجعله في رعب دائم، وخوف مستمر، الأمر الذي
أسهم بشكل فعال في إبعاد أطماع المستعمرين عن منطقتهم، مع قناعة
المستعمر بأنه سوف لا يجني الكثير من النفع في مقابل الكثير من
الضرر الذي سوف يتعرض له، ولا سيما مع علمه بأن حب الانطلاق في
البادية بلا رقيب ولا حسيب مغروس في دم العربي، وفي روحه، وفي
أعماق أعماقه، ولا يتنازل عن ذلك بأي ثمن كان.
فكل ذلك قد جعل المنطقة في فراغ سياسي محسوس، بل إن
شمالي الجزيرة العربية لم يتعرض لأي حكم أجنبي أصلاً..
نعم،
قد
تعرض جنوبها وهو اليمن لسلطة الأحباش
لفترة قصيرة([36]).
وهذا الفراغ السياسي قد جعلها بعيدة عن نفوذ
الأديان الكبرى بشكل فعال، ولو بفرض من السلطة الحاكمة، كالنصرانية
والزرادشتية، وحتى عن التأثر باليهودية التي كانت تعيش بينهم
ومعهم، فبقيت المنطقة بعيدة عن الشبهات والأفكار الغريبة والدخيلة،
وإن كان قد تسرب إليها بعض اليهود فراراً من الرومان، ولكن لم يكن
لهم أي نشاط ديني، أو لعله كان، ولكنه لم يثمر، إذ لم يكن ثمة سلطة
تدعمه سياسياً وإعلامياً، ولذلك فقد أشرنا إلى أنهم يذكرون أن
نصارى تغلب ما كانوا يتمسكون من النصرانية إلا بشرب الخمر([37])
بل إن جميع نصارى العرب كانوا كذلك([38]).
وما ذلك إلا لأن النصرانية بعيدة عن عقل وفطرة
الإنسان، ولا تستطيع أن تتصل بروحه ووجدانه لتفرض هيمنتها على
أفعاله، وسلوكه.
أما الإسلام،
دين الفطرة،
الذي استطاع بفترة وجيزة أن يصنع أمثال أبي ذر، وعمار، وسلمان، فـإنـه
يتصل أولاً بعقل الإنسان، ثم بروحه ووجدانه، حتى يحوله إلى إنسان
إلهي بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وقد استطاع أن يجعل من هؤلاء
المتوحشين إلى الأمس القريب، والذين لا يلتزمون بنظام، ولا يحكمهم
قانون أكثر الأمم اتباعاً للنظم، وأشدها إيماناً وإخلاصاً للقانون
الإلهي.
كما ويلاحظ:
أن من رباهم النبي
>صلى
الله عليه وآله<
والأئمة
>عليهم
السلام<
في فترات وجيزة جداً،
مع محدودية إمكاناتهم لم تستطع الحكومات الأخرى،
حتى التي تنسب نفسها إلى الإسلام أن تأتي بأمثالهم، رغم توفر كل
الإمكانات لها، الأمر الذي يشير بوضوح إلى الدور الكبير الذي يضطلع
به القائد والحاكم الحق في تربية المجتمع، وفي تزكيته.
قال المعتزلي:
>والغالب
على أهل الحجاز الجفاء والعجرفية، وخشونة الطبع. ومن سكن المدن
منهم، كأهل مكة، والمدينة، والطائف؛ فطباعهم قريبة من طباع أهل
البادية بالمجاورة.
ولم يكن فيهم من قبل حكيم ولا فيلسوف، ولا صاحب نظر
وجدل، ولا موقع شبهة، ولا مبتدع نحلة
الخ..<([39]).
وخلاصة الأمر:
أن صفاء نفوس عرب الحجاز وعدم تلوثها بالأفكار،
والانحرافات والشبهات الغريبة عن الفطرة، بالإضافة إلى الفراغ
العقائدي، وعدم معقولية شركهم، وعبادتهم للأوثان، ثم الحالة
الاجتماعية السيئة التي كانوا يعانون منها،
كل ذلك قد أسهم إسهاماً كبيراً في نشر الدعوة الإسلامية وقبولها.
ولذلك ترى أن كثيراً منهم كانوا يسلمون بمجرد
سماعهم كلامه
>صلى
الله عليه وآله<،
واطلاعهم على أصول دعوته وأهدافها، أو بمجرد أن يتلو عليهم القرآن.
وإذا ما رأينا ساداتهم وكبراءهم ـ عموماً ـ كانوا
يجحدون بهذه الدعوة الحقة، فليس ذلك لأنهم لم يجدوا فيها ما
يقنعهم، بل لأنهم وجدوها تضر بمصالحهم الدنيوية، وتصدهم عن مطامعهم
اللاإنسانية؛ فهم مصداق لقوله تعالى:
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}([40]).
ولذلك نلاحظ:
أن الناس مـا كانوا يتطلبون الاستدلال على التعاليم
والأفكار الدينية كثيراً في أول الأمر؛ لأن صفاء نفوسهم، وسلامة
فطرتهم، وعدم إرباكها وإرهاقها بالأفكار، والفلسفات، والشبهات كان
كافياً لإدراك حقانية الدعوة، وسلامة أفكارها. وكانت الآيات إنما
تحاول إرجاعهم إلى الفطرة وتدعوهم إلى التفكير، والتعقل.
ولكن بعد أن دخلت الفلسفات والأفكار الغريبة،
والشبهات المغرضة، إلى فكر وعقل هذا الإنسان، وحجبت فطرته، وأربكت
تفكيره وأرهقت عقله، صار الناس يحتاجون أكثر فأكثر إلى الأدلة،
ويتطلبونها من الأئمة
>عليهم
السلام<،
بحسب نسبة تلوث فطرتهم بالشبهات والأفكار الغريبة.
وكانت بدائية العرب، وحياتهم الصعبة التي يعانون
منها، قد جعلتهم أكثر اقداماً على التضحية في سبيل الدعوة التي
يؤمنون بها عن قناعة وجدانية راسخة، ويتفاعلون معها تفاعلاً روحياً
خالصاً.
وذلك لأنهم لم ينعموا بحياة النعيم والرفاهية، التي
لا تعب فيها ولا نصب، ولا آلام؛ ليصبح لهم تعلق شديد بالحياة، وحب،
بل وعشق لها، فإن من الملاحظ: أنه كلما كانت الحياة رخية ناعمة
مرفهة، كلما ازداد تعلق الإنسان بها، وحبه لها،
وكلما كان العكس، سهل عليه تركها، والتخلي عنها.
كما أن الدعوة التي سوف يتعرض أفرادها لمختلف أنواع
الضغوط النفسية، والاقتصادية، والاجتماعية وأقساها، بحاجة ماسة إلى
جماعة قادرين على مواجهة تلك الضغوط، وتحمل تلك الآلام، والصبر على
التعذيب، والجوع والاضطهاد، بمختلف أنواعه.
وقد كان العرب ـ عموماً ـ كذلك؛ لأنهم قد عانوا من
مشاق الحياة والطبيعة ما عانوا،
وأصبحت الآلام والمتاعب والمصاعب هي الصفة المميزة لحياتهم بل هي
خبزهم اليومي وغير ذلك هو الاستثناء،
فهم أقدر من غيرهم على تحمل ما ينتظر أتباع هذه
الدعوة؛ لأن المنعمين لا يستطيعون عادة تحمل المشاق، ومواجهة
الصعوبات فإن الشجرة البرية أصلب عوداً، وأبطأ خموداً؛ ولذلك نجد:
أن بعض المسلمين كانوا يودون لو يجعلون امتيازاً
لأحدهم، وهو ابن عمير لأنه كان منعما قبل أن يسلم، وحينما أسلم
تعرض للمشاق والآلام، فذلك جعلهم يشعرون بأنه قد تحمل من المصاعب
والآلام ما يوجب الرثاء والرحمة له؛ وما ذلك إلا
انطلاقاً
من الناحية التي أشرنا إليها آنفاً.
وبعد، فإن مما ساعد على ذلك أيضاً، وجود بقايا
الحنيفية ـ دين إبراهيم كالحج وآدابه ـ في الجزيرة العربية، وفي
مكة بالذات؛ لأن العرب، وهم أولاد إسماعيل، قد توارثوا عنه الدين
الحق وكانوا يعتزون بذلك، وقد قال الله تعالى لهم:
{مِّلَّةَ أَبِيكُمْ
إِبْرَاهِيمَ..}([41]).
ولكنهم على مر السنين بدؤوا يخلطون هذا الحق بكثير
من الباطل، شأن سائر الأمم، عندما يغشاها الجهل، وتستبد بها
الأهواء، والانحرافات.
ثم تسرب إليهم الشرك، وعبادة الأوثان، حسبما قدمنا،
ثم الكثير من الأمور الباطلة، والأخلاق الذميمة، والفواحش، حتى
أصبحوا في الجاهلية العمياء، وحتى أدى بهم الأمر إلى الحالة التي
وصفها لنا أمير المؤمنين
>عليه
السلام<
فيما تقدم، غير أن بقية منهم ـ وإن كانت قليلة جداً ـ قد بقيت
متمسكة بعقيدة التوحيد، وترفض عبادة الأوثان، وتعبد الله على حسب
ما تراه مناسباً، وقريباً إلى تعاليم دين إبراهيم، مع التزام بعضهم
الآخر بدقة بدين الحنيفية، ومن هؤلاء عبد المطلب، وأضرابه، من
رجالات بني هاشم الأبرار.
وكان من بقايا الحنيفية تعظيم البيت، والطواف به،
والوقوف بعرفة، والتلبية([42])
وهدي البدن، وإن كانوا يطبقون ذلك مشوهاً وممسوخاً، ويقحمون فيه ما
ليس منه، وكانت هذه المعالم تضعف رويداً رويداً مع الزمن، حتى لم
يبق منها إلا الأسماء، والرسوم الشوهاء.
وقد روي عن الإمام الصادق
>عليه السلام< ما مفاده:
إن
العرب كانوا أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس؛ فإن العرب يغتسلون
من الجنابة، والاغتسال من خالص شرايع الحنيفية،
وهم أيضاً يختتنون، وهو من سنن الأنبياء، كما أنهم يغسلون موتاهم،
ويكفنونهم، ويوارونهم في القبور، ويلحدونهم، ويحرمون نكاح البنات
والأخوات، وكانوا يحجون إلى البيت ويعظمونه، ويقولون: بيت ربنا،
ويقرون بالتوراة والإنجيل، ويسألون أهل الكتب، ويأخذون منهم،
وكانت العرب في كل الأسباب أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس([43]).
إذن، فقد كان ثمة ذكريات بعيدة في ضمير ووجدان
الإنسان العربي، تربطه بالحنيفية السهلة السمحاء، دين آبائه
وأجداده ـ وهو الذي يعتز بالأنساب وصفائها، بحكم ما يتعرض له من
الغزو والسبي الموجب للتهمة أحياناً ـ وإذا كان النبي
>صلى
الله عليه وآله<
قد بعث ليتمها؛ فمن الطبيعي أن يكون لهذه الذكريات
أثر في نظرة كثير من الناس إليه، وإلى ما جاء به بإيجابية وواقعية.
ولقد كان لبعض الخصائص، والأخلاق، والعادات
العربية، أثر كبير في نشر دعوة الرسول
>صلى
الله عليه وآله<،
التي هي دعوة الحق والخير وشمولها،
وإن كان الإسلام الذي استفاد من تلك الخصائص والعادات والأخلاق قد
حاول إلى جانب ذلك تركيزها من حيث المنطلقات والأهداف على أسس
صحيحة ومقبولة،
وأما إن كانت مرفوضة إسلامياً، فإنه ـ وإن كانت قد
أفادته تلقائياً، ومن دون أن يتطلب هو ذلك ـ كان يحاول القضاء
عليها، واستئصالها بالحكمة والموعظة الحسنة، كلما سنحت له الفرصة،
وواتاه الظرف.
فمثلاً:
لقد استفاد الإسلام كثيراً من شجاعة العربي،
واستهانته بالصعاب، في الدفاع عن الإسلام.
وأيضاً، فقد كان للتعصب القبلي بعض الفوائد الهامة،
حتى ليذكرون أنه بعد الهجرة إلى المدينة؛ كان الأوس والخزرج:
>يتصاولان
مع رسول الله >صلى
الله عليه وآله<
تصاول الفحلين، لا تصنع الأوس شيئاً فيه عن رسول الله
>صلى
الله عليه وآله<
غناء إلا قالت الخزرج: والله، لا يذهبون بهذه فضلاً علينا عند رسول
الله >صلى
الله عليه وآله<
في
الإسلام؛ فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها،
قال: وإذا فعلت الخزرج شيئاً قالت الأوس مثل ذلك<([44]).
وأما قبل الهجرة في مكة، فقد كان للقبلية أثر كبير
في منع قريش وغيرها مدة طويلة من المضايقات لكثير ممن اعتنقوا
الإسلام، ثم من محاولة الاعتداء على حياته
>صلى
الله عليه وآله<،
أو على حياة أكثر المسلمين آنذاك، وإن كانت تواجههم بالمضايقات
أحياناً، وأحياناً بالتعذيب القاسي، إن لم يكن لهم عشيرة يرهب
جانبها، حتى أذن الله تعالى لهم بالهجرة إلى المدينة.
ولذلك نلاحظ:
أن أبا
طالب >رحمه
الله<
قد
استفاد كثيراً من العامل القبلي، حتى إن بني هاشم مسلمهم وكافرهم
قد قبلوا بمحاصرة قريش لهم،
وكانوا معه في شعب أبي طالب كما سيأتي.
وتجد في شعر أبي طالب الكثير من التأكيد على عامل
القرابة بين بني هاشم وطوائف من قريش،
الأمر الذي كان له أثر كبير في حفظ حياته
>صلى
الله عليه وآله<
من كيد أعدائه كما قلنا.
بل إننا نجد المشركين حتى في عدائهم له
>صلى
الله عليه وآله<،
وحتى حينما تآمروا عليه ليقتلوه ـ وكان ذلك هو سبب هجرته
>صلى
الله عليه وآله<
ـ قد أخذوا بعين الاعتبار العلاقات القبلية، وردّات الفعل التي سوف
تنجم عنها فاختاروا عشرة أشخاص، من كل قبيلة رجلاً، ليضربوا رسول
الله >صلى
الله عليه وآله<
بسيوفهم في آن واحد وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
وفي المدينة أيضاً كان ثمة أثر كبير لكرم ضيافة
العربي، ولوفائه بالعهد والذمار، ولحسن الجوار، ولحريته، وحميته،
وأنفته وعزته، واعتداده بنفسه، وقوة إرادته، وللشجاعة، والإقدام،
وحتى لصفات القوة والغلظة، التي ولدتها فيهم حياة الغزو والحرب،
وجعلتهم قادرين على التخلي عن العواطف في سبيل دينهم وعقيدتهـم،
حتى لقد كـانـوا
يقتلون أبناءهم، وآباءهم، وإخوانهم.
يجب أن لا ننسى الدور الذي اضطلع به الرجل العظيم،
أبو طالب شيخ الأبطح
>عليه
السلام<،
الذي وفر للنبي >صلى
الله عليه وآله<
حمايته المطلقة من كل أعدائه ومناوئيه.
11ـ
أموال
خديجة عليها السلام:
ثم هنالك العامل الاقتصادي الذي وفرته له زوجته أم
المؤمنين خديجة صلوات الله وسلامه عليها، والتي كانت تمتلك ـ حسبما
يرى البعض ـ عصب الاقتصاد في الجزيرة العربية كلها.
وقد أنفقت كل تلك الأموال على المسلمين، في الظروف
الحرجة التي واجهوها، إبان اضطهاد قريش وحصارها الاقتصادي لهم.
ومما يدل على أن النبي
>صلى
الله عليه وآله<
كان يتولى الإنفاق على المسلمين، من أموال خديجة
وأبي طالب([45])
قول أسماء بنت عميس لعمر([46])
حين عيّرها بأنه سبقها بالهجرة، وإنها حبشية حجرية
ـ على ما نقل عن صحيح مسلم وغيره ـ قالت له:
>كنتم
مـع
النبي >صلى
الله عليه وآلـه<
يطعم جـائـعـكـم،
ويـعـظ
جاهلكم<([47]).
وأخيراً،
فيجب أن
لا ننسى دور وصي وأخي النبي >صلى
الله عليه وآله<،
أمير المؤمنين >عليه
السلام<،
حسبما سيظهر إن شاء الله ـ ولو بنحو محدود ـ في مطاوي هذه السيرة
العطرة.
نعم،
لقد كان لكل ذلك دور هام في حفظ الدعوة، وانتصارها،
وانتشارها، كما لا يخفى على الناقد البصير، والمتتبع الخبير.
وثمة أسباب أخرى قد ساعدت على ظهور الإسلام،
وانتشاره، وانتصاره، يمكن استجلاء بعضها من مطاوي التاريخ
الإسلامي.
ونحن نكتفي هنا بهذا القدر؛ لنوفر الفرصة لعرض حياة
النبي الأعظم
>صلى
الله عليه وآله<
بعد البعثة، وبشكل موجز وواضح قدر الإمكان.
إن كل ما ذكرناه آنفاً لا يعني:
أن ظهور
الإسلام، وانتشاره في الجزيرة العربية قد كان أمراً طبيعياً، بحيث
إنه لو توفرت هذه العوامل لأي دعوة أخرى، فإنها تستطيع أن تحقق نفس
النتائج التي حققها الإسلام،
بل
الأمر على العكس من ذلك تماماً، فإن
ظهور الإسلام، وانتصاره في هذه المنطقة هو بذاته معجزة له، ودليل
على حقانية الإسلام؛ وذلك لأن اليهودية قد كانت موجودة، وكانت هذه
الظروف أيضاً موجودة، ولكنها لم تستطع أن تؤثر أثراً يذكر في عقلية
العربي، ولا في سلوكه، وتصرفاته([48]).
وكذلك الحال بالنسبة للنصرانية، التي كانت تهتم في
تنصير كل من تقدر على تنصيره،
ثم هناك الزرادشتية وغيرها من الأديان.
وهذا معناه:
أن
لنفس المبدأ، والرسالة، والقائد دوراً هاماً جداً، بل والدور الأول
والأساس في عملية التغيير وفي النجاح وفي استمراره،
وبدون ذلك، فإن كل نجاح ـ لو كان ـ فلسوف يكون
محدوداً جداً، ولظروف معينة، ولسوف ينتهي بمجرد انتهاء تلك الظروف.
وقد رأينا الإسلام رغم ما عاناه من مصائب وبلايا
حتى على أيدي أبنائه،
كان ولا يزال يزداد قوة وفعالية على مر الزمن، وفي
مختلف الظروف والأحوال، ولم يؤثر فقدان تلك الظروف والعوامل، ولا
تحولها وتقلبها لا في الإسلام، ولا في فعاليته، إن لم نقل: إنه قد
زاد في ذلك بشكل ظاهر.
والذي يفسر لنا هذه الظاهرة، هو ما ذكرناه آنفاً من
أن الإسلام يستطيع أن يستوعب طاقات الإنسان، ويحولها ويطورها في
مصلحة الرسالة والحق،
كما إنه يستطيع أن يتلاءم مع الظروف المختلفة، فهو
يملك لكل داء دواء، ولكل مشكلة حلاً، ولكل ظرف ما يناسبه، على عكس
غيره من الدعوات الجامدة، والمحدودة.
ولذلك، فإن الإسلام عندما نجح في الجزيرة العربية،
وإن كان قد استفاد من بعض الظروف، وحوّل وطوّر الأوضاع السائدة في
صالحه، إلا أنه كان في نفس الوقت لا يجد في المنطقة التي ظهر فيها
الكثير من المميزات الهامة التي من شأنها أن تساعده في مهمته،
ولولاها فإن
أي دعوة أخرى لا تستطيع أن تنجح،
ولكن فقدها لم يؤثر على الإسلام، كما أن امتلاك
أعدائه لها لم يؤثر عليه أيضاً.
وهذا أحد أسرار عظمة الإسلام وسموِّه.
وفقنا الله للعمل في سبيله، والاهتداء بهديه، إنه
ولي قدير.
([2])
سيتأتي مصادره في الجزء
الرابع من هذا الكتاب، في فصل: حتى بيعة العقبة.
([3])
الآية 84 من سورة العنكبوت.
([4])
الآية 4 من سورة القلم، وثمة احتمال آخر في الآية الشريفة.
راجع مقالاً لنا بعنوان: فلسفة الأخلاق في الإسلام في كتابنا:
دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.
([5])
البخاري هامش فتح الباري ج1 ص139 ـ 141، وليراجع فتح الباري
نفسه أيضاً، للاطلاع على العديد من المصادر، والبداية والنهاية
ج5 ص60 عن ابن إسحاق وتاريخ الأمم والملوك، للطبري ج2 ص384.
([6])
لنا بحث حول المراد من كونه >صلى
الله عليه وآله<
أمياً.. وأن المراد أنه أمي بحسب معرفة الناس به، ولكنه كان
قارئاً وكاتباً بالإعجاز الذي فاجأهم وبهرهم، راجع: مختصر مفيد
ج1 ص10.
([7])
راجع تاريخ الخميس ج1 ص290 وقاموس الرجال ج2 ص371 والبداية
والنهاية ج3 ص73 و74.
([8])
تاريخ الخميس ج1 ص290 وراجع: البداية والنهاية ج3 ص73 و74.
([9])
البحار ج19 ص8 و 9 و 10 وإعلام الورى ص55.
([10])
الآية 14 من سورة النمل.
([11])
الآية 30 من سورة الروم.
([12])
سفر التثنية، الإصحاح 33 الفقرة 1.
([13])
معجم البلدان للحموي ج4 ص225.
([14])
سفر التكوين الإصحاح 17 الفقرة 8.
([15])
كما يفهم من مراجعة تاريخ حياته في كتب التاريخ؛ فراجع على
سبيل المثال كتاب: قصص الأنبياء لطبارة.
([16])
إنجيل يوحنا الإصحاح الأول، الفقرة 19 ـ 21.
([17])
راجع كتاب: أنيس الأعلام
(فارسي)، والرحلة المدرسية والهدى إلى دين المصطفى، ورسول
الإسلام في الكتب السماوية، وغير ذلك.
([18])
الآية 146 من سورة البقرة.
([19])
الآية 157 من سورة الأعراف.
([21])
راجع: سيرة مغلطاي ص7.
([22])
الثقات، لابن حبان ج1 ص90.
([23])
راجع: حياة محمد، لمحمد حسنين هيكل ص65 و 66.
([24])
راجع: البداية والنهاية ج3 ص145، ودلائل النبوة لأبي نعيم
ص102.
([25])
دلائل النبوة لأبي نعيم ص103.
([26])
سيأتي ذلك في الجزء الرابع في فصل: حتى بيعة العقبة حين الكلام
حول دخول الإسلام إلى المدينة.
([27])
الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص109 عن أبي داود وقال:
وانظر تفسير ابن كثير ج1 ص261.
([28])
الإصابة ج3 ص298 عن البغوي، وابن شاهين، وابن السكن، وابن يونس
في تاريخ مصر، وأبي نعيم.
([29])
سيأتي ذلك في فصل: غدر اليهود، والاغتيالات عن البداية
والنهاية ج4 ص6 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص11.
([30])
سيرة ابن هشام ص225 ـ 226. وستأتي بقية المصادر في غزوة
الخندق.
([31])
الآية 14 من سورة النمل.
([32])
السيرة الحلبية ج1 ص310، وسيرة ابن هشام ج1 ص321.
([33])
راجع: البيان والتبيين للجاحظ ج3 ص127.
([34])
الآية 22 من سورة الزخرف.
([35])
راجع: البداية والنهاية ج2
ص237 ـ 238 وحياة محمد لهيكل ص89، وغير ذلك.
([36])
راجع: مختصر تاريخ العرب، للسيد أمير علي ص8.
([37])
المصنف للصنعاني ج6 ص72 وج
7 ص186 والسنن الكبرى ج9 ص284.
([38])
المصنف للصنعاني ج6 ص72 و73 وج7 ص186 والسنن الكبرى ج9 ص217.
([39])
شرح النهج للمعتزلي ج7 ص51.
([40])
الآية 14 من سورة النمل.
([41])
الآية 78 من سورة الحج.
([42])
ذكر اليعقوبي في تاريخه (ط صادر) ج1 ص254 ـ 257 تلبيات كل
قبيلة، وأعطى نبذة عن شعائرهم في مكة، فمن أراد فليراجع.
([43])
راجع: الاحتجاج، للطبرسي ج2 ص91 ـ 92 والبحار ط مؤسسة الوفاء
ج78 ص8.
([44])
تاريخ الطبري ط الاستقامة ج2 ص184 د وراجع الكامل لابن الأثير
ط صادر ج2 ص146.
([45])
البحار ج19 ص16 وأموال خديجة أمرها أشهر من أن يذكر فراجع
أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص81 ـ 82 والبحار ج19 ص61 و 62.
([46])
ستأتي مصادر ذلك في فصل: هجرة الرسول الأعظم
>صلى
الله عليه وآله<،
حين الكلام حول ثروة أبي بكر.
([47])
قاموس الرجال ج10 ص380 وحياة الصحابة ج1 ص361 والبداية
والنهاية ج4 ص205 وصحيح مسلم ج7 ص172 وفتح الباري ج7 ص372
وصحيح البخاري (ط سنة 1309 ه ) ج3 ص35 وكنز العمال ج22 ص206
عن أبي نعيم، والطيالسي، ومسند أحمد ج4 ص395 والأوائل ج1 ص314.
([48])
وإن كان دين اليهود مقصوراً عليهم ولا يتعداهم إلى غيرهم من
الأممم.