حـــتــى الـبـعــثــة

   

صفحة :223-282   

حـــتــى الـبـعــثــة


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حضور النبي صلى الله عليه وآله حرب الفجار:

ويذكر المؤرخون: أن حرباً قد هاجت بين قيس من جهة، وقريش وكنانة من جهة أخرى، في الأشهر الحرم ـ وهي أشهر الحج، ورجب معها ـ ولذلك سُميت حرب الفجار.

ويقال: إنه >صلى الله عليه وآله< قد حضر بعض أيامها، وشارك فيها فعلاً، بنحو من المشاركة.

ولكننا بدورنا لا نستطيع أن نؤكد صحة ذلك، بل ونشك كثيراً فيه وذلك لأمور:

الأول: لقد وقعت حرب الفجار في الأشهر الحرم، في رجب، ولا نرى مبرراً لأن ينتهك أبو طالب ومعه الرسول >صلى الله عليه وآله< حرمة الأشهر الحرم، كما يظهر لمن راجع سيرتهما وحياتهما، ومدى تقيدهما بمثل هذه الأمور؛ فإنهما كانا مسلمين([1])، بل لقد كان أبو طالب مستودعاً للوصايا([2])، كما ورد في بعض الأخبار في الكافي، بالإضافة إلى نصوص أخرى تدل على عظمته وثبات قدمه في الدين، فراجع ما ذكر في الغدير، وغيره من الكتب المعدة للحديث عن أبي طالب >عليه السلام<.

إلا إذا وُجّهت المشاركة: بأن حرب الفجار قد وقعت في أشهر النسيء، أو في شعبان أو شوال، وكان سببها في الأشهر الحرم([3]).

ولكنه توجيه لا يعتمد على أي سند تاريخي؛ فلا مجال للتعويل عليه. بالإضافة إلى ما سيأتي..

الثاني: قال ابن واضح المعروف باليعقوبي:

>وقد روي أن أبا طالب منع أن يكون فيها (أي في حرب الفجار) أحد من بني هاشم، وقال: هذا ظلم، وعدوان، وقطيعة رحم، واستحلال للشهر الحرام، ولا أحضره، ولا أحد من أهلي؛ فأخرج الزبير بن عبد المطلب مستكرهاً، وقال عبد الله بن جدعان التيمي، وحرب بن أمية:

لا نحضر أمراً تغيب عنه بنو هاشم<([4]).

الثالث: إختلاف الروايات حول الدور الذي أداه النبي >صلى الله عليه وآله< في هذه الحرب؛ فبعضهم يروي:

أن عمله >صلى الله عليه وآله< قد اقتصر على مناولة أعمامه النبل، وردّ نبل عدوهم عليهم، وحفظ متاعهم([5]).

وآخر يروي: أنه قد رمى فيها برميات، ما يحب أنه لم يكن قد رماها([6]).

وثالث يروي: أنه طعن أبا براء ملاعب الأسنة فصرعه([7]) مع أنهم يقولون: إن عمره حينئذٍ كان أربع عشرة سنة!([8])، أو أنه كان حينئذٍ غلاماً([9]).

ولا ندري إن كانت العرب تسمح للغلام بخوض المعارك والحروب، أو لا، ولا سيما بالنسبة إلى محمد >صلى الله عليه وآله<، الولد المتميز والعزيز جداً على عمه أبي طالب.

بل نجد البعض يناقض نفسه، فيقول: إن النبي >صلى الله عليه وآله< قد ولد عام الفيل، وأنه حضر الفجار وعمره أربع عشرة سنة، ثم يقول في آخر كلامه: إن حرب الفجار كانت بعد عام الفيل بعشرين سنة([10]).

ونشير إلى تناقض آخر هنا، وهو: أن الكلام الذي نقلناه في الأمر الثاني، عن اليعقوبي ينص على أن حرب بن أمية قد تغيب عن هذه الحرب، بينما نجد الروايات الأخرى تنص على أنه كان قد حضرها، وكان هو قائد قريش وكنانة.

سر التلاعب في الروايات هنا:

وقد لفت نظرنا: هذا التناقض الأخير، إذ لو كان الاختلاف في رجل عادي من سائر أفراد الجيش.

هذا يقول: حضر، وذاك يقول: لم يحضر؛ لكان يمكن أن تُلتمس بعض المبررات لاختلاف كهذا!! وأنه ربما يقال لا تعمد في المقام!!.

ولكن إذا كان هذا يقول: كان فلان على رأس الجيش، وذاك يقول: لم يحضر أصلاً؛ فلا يمكن إلا أن يكون ثمة تعمد للكذب في قضية كهذه.

ولعل الهدف هو إبعاد حرب بني أمية عن حرب فيها ظلم، وعدوان، وقطيعة رحم، وفي الأشهر الحرم، ولو بالمخالفة لكل المؤرخين، لأن حرب بن أمية هو من تهتم الدولة برفعة شأنه، وتنزيه مقامه، ولو عن طريق الدجل والتزوير!!.

أما النبي >صلى الله عليه وآله<؛ فقد تقدم أن الخطة الملعونة كانت تهدف إلى عكس ذلك؛ ولذلك يلاحظ هنا: تعمد جعل النبي >صلى الله عليه وآله< حتى بعد نبوته يظهر على أنه منسجم مع مشاركته في حرب الفجار في الأشهر الحرم، والتي فيهـا ظلم وعدوان، وقطيعة رحم، واستحلال للشهر الحرام، حتى ليقول: إنه رمى فيها برميات، ما يحب أنه لم يكن قد رماها!!.

حلف الفضول:

وبعد منصرف قريش من حرب الفجار دعا الزبير بن عبد المطلب([11]) إلى حلف الفضول، وعقد الاجتماع في دار عبد الله بن جدعان، وغمسوا أيديهم في ماء زمزم، وتحالفوا وتعاقدوا على نصرة المظلوم، والتأسي بالمعاش، والنهي عن المنكر، وكان أشرف حلف.

والمتحالفون على ذلك هم: بنو هاشم، وبنو المطلب، وبنو أسد بن عبد العزى، وزهرة، وتيم([12]).

وأنكر البعض أن يكون بنو أسد بن عبد العزى في حلف الفضول([13])، وقالوا: إن عبد الله بن الزبير قد ادعى ذلك لهم في الإسلام([14]).

وقد حضر هذا الحلف نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله<، وأثنى عليه بعد نبوته، وأمضاه؛ فقد روي أنه >صلى الله عليه وآله< قال: ما أحبّ أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم، ولو دعيت به لأجبت([15])، أو ما هو قريب من هذا.

 

سبب هذا الحلف:

وسبب هذا الحلف: أن رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل؛ فحبس عنه حقه؛ فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف، الذين كانوا يسمون: لعقة الدم، لأنهم حين تحالفوا غمسوا أيديهم بالدم على خلاف المطيبين المشار إليهم آنفاً، الذين هم أصحاب حلف الفضول أيضاً.

والأحلاف هم: عبد الدار، ومخزوم، وجمح، وسهم، وعدي بن كعب.

فأبى الأحلاف معونة الزبيدي على العاص بن وائل، وانتهروه، وذلك لما كان يتمتع به العاص هذا من نفوذ، وسيأتي أنه قد أنقذ عمر من براثن أهل مكة.

فلما رأى الزبيدي الشر، صعد على أبي قبيس، واستغاث، فقام الزبير بن عبد المطلب، ودعا إلى الحلف المذكور؛ فعقد؛ ثم مشوا إلى العاص، وانتزعوا منه سلعة الزبيدي؛ فدفعوها إليه([16]).

بنو أمية وحلف الفضول:

وأما ما ذكره أبو هريرة من أن بني أمية قد كانوا في حلف الفضول؛ فهو ما لم يتابعه عليه أحد، وأنكره غير واحد من المؤرخين([17]).

وكذا قول البعض: إن أبا سفيان، والعباس بن عبد المطلب، هما اللذان دعيا إلى هذا الحلف([18]).

لكن رواية الأغاني ليست صريحة في العباس بن عبد المطلب، فلعل المراد: العباس بن مرداس السلمي، حيث إنه كان يتحدث عنه أولاً، ثم جاء بهذه الرواية بعده..

ولكن يرد عليه: أن العباس بن مرداس لا شأن له في هذا الأمر، وأما إرادة العباس بن عبد المطلب وأبي سفيان فلا يمكن قبولها، وذلك لأمور:

أولاً: إن هذا الحلف إنما كان ضد الأمويين، وكان سببه العاص بن وائل السهمي، حليف الأمويين، ووالد عمرو بن العاص، فكيف يشارك أبو سفيان فيه، فضلاً عن أن يكون هو الداعي له؟!.

لا سيما وأنه قد تقدم: أن الأحلاف ومنهم بنو أمية قد طردوا الزبيدي حينما استجار بهم، وتاريخ أبي سفيان وأخلاقياته لا تساعد على موقف كهذا منه.

أضف إلى ذلك: أن أبا سفيان والعباس لم يكونا مؤهلين من حيث السن والنفوذ والاعتبار للقيام بأمر كهذا، كما أشير إليه في الهامش.

ثانياً: ورد أن محمد بن جبير بن مطعم، قدم على عبد الملك، حين قتل ابن الزبير، فقال لـه عبد الملك:

يـا أبا سعيد، ألم نكن نحن وأنتم ـ يعني عبد شمس بن عبد مناف وبني نوفل بن عبد مناف ـ في حلف الفضول؟!

قال: أنت أعلم.

قال: لتخبرنّي يا أبا سعيد بالحق من ذلك.

فقال: لا والله، لقد خرجنا نحن وأنتم منه، قال: صدقت، وزاد البعض >وهو المعتزلي في جواب ابن جبير: وما كانت يدنا ويدكم إلا جميعاً في الجاهلية والإسلام<([19]).

ثالثاً: كان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول: لو أن رجلاً وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس حتى أدخل في حلف الفضول، وليس عبد شمس في حلف الفضول([20]).

ورابعاً: مجموعة قضايا تدل على أن الأمويين ما كانوا في حلف الفضول، وعلى أن الإسلام قد اعترف بهذا الحلف وأمضاه، ونذكر منها:

ألف: إنه كان بين الحسين >عليه السلام<، والوليد بن عتبة الأموي أمير المدينة من قبل عمه معاوية منازعة في مال متعلق بالحسين، فكأن الوليد تحامل على الحسين في حقه لسلطانه، فقال الحسين: أحلف بالله، لتنصفني من حقي، أو لآخذن سيفي، ثم لأقومن في مسجد رسول الله >صلى الله عليه وآله<، ثم لأدعون بحلف الفضول.

فاستجاب للحسين جماعة، منهم: عبد الله بن الزبير، وهو من أسد بن عبد العزى، والمسور بن مخرمة الزهري، و عبد الرحمن بن عثمان التيمي؛ فلما بلغ الوليد ذلك أنصف الحسين من حقه حتى رضي([21]).

ب: وحسب نص أبي هلال العسكري: >كان بين الحسين >عليه السلام< وبين معاوية كلام في أرض للحسين، فقال الحسين لابن الزبير: خيّره في ثلاثة، والرابعة الصيلم([22]): أن يجعلك أو ابن عمر بيني وبينه، أو يقر بحقي، ثـم يسألني أن أهبه له، أو يشتريه مني؛ فـإن أبى ـ فـوالـذي نفسي بيده ـ لأهتفن بحلف الفضول إلخ<([23]).

ج: وعند أبي الفرج رواية جاء في آخرها: أنه حينما أظهر معاوية انزعاجه من عدم زيارة الإمام الحسن المجتبى >عليه السلام< له، وهو في المدينة، أغراه به ابن الزبير، فلم يستجب له معاوية.

فقال له ابن الزبير: >أما والله إني وإياه ليد عليك بحلف الفضول، فقال معاوية: من أنت؟! لا أعرض لك، وحلف الفضول والله إما.. إلخ<([24]).

فهذه النصوص تدل على قبول الأئمة >عليهم السلام< بحلف الفضول وإمضائهم له، تبعاً لرسول الله في إمضائه له حسبما تقدم.

كما وتدل، ولا سيما النص الأخير منها، على أن معاوية وقومه ما كانوا في حلف الفضول، الذي يعرّض له به ابن الزبير، كما أن مناداة الحسين >عليه السلام< بهذا الحلف، واستجابة الزبيريين وغيرهم له ضد الأمويين، يشير إلى ذلك أيضاً.

وبعد كل ما تقدم: فإن ما يريد أبو هريرة، ومن هم على شاكلته، إثباته، تزلفاً، وتقرباً لأسيادهم من الحكام الظالمين، مما يكذبه كل أقوال المؤرخين، وكل الوقائع التاريخية.

ولكن حرص أبي هريرة على أن لا تفوت بني أمية فضيلة كهذه، هو الذي دفعه إلى إدخال الأمويين في أشرف حلف في العرب، والذي يوافق مبادئ الإسلام وشرائعه، وينسجم مع الفطرة السليمة والعقل القويم.

ملاحظة:

ويلاحظ أخيراً: أننا نجدهم يروون عن النبي >صلى الله عليه وآله< ما يدل على لزوم التمسك بأحلاف الجاهلية([25]).

وهي دعوة مغرضة وخبيثة، إلا إذا أريد منها خصوص حلف الفضول، الذي أمضاه الإسلام، أو أي حلف آخر تنسجم أهدافه مع الإسلام، كالحلف الذي عقده عبد المطلب مع جماعة خزاعة، فلما قتلت قريش جماعة من خزاعة، استنصروا النبي >صلى الله عليه وآله< استناداً إلى ذلك الحلف، وكان فتح مكة لذلك([26]).

ملاحظات هامة على حلف الفضول:

1 ـ إن دعوة الحسين >عليه السلام< بحلف الفضول، إنما كانت منه >عليه السلام< لأنه لم يكن لينقض الهدنة التي عقدها الإمام الحسن >عليه السلام<.. كما أنه كان يعلم من خلال دراسته للأوضاع وللنفسيات أن هذه الدعوة سوف لن تنتهي إلى حد الخطر الأقصى، وقد كان يهدف منها إلى تعريف الناس على واقع وحقيقة بني أمية، وأنهم ظالمون عتاة، لا يهمهم إلا الدنيا وحطامها وأن الهاشميين، وأهل البيت هم الذين يهتمون بالحفاظ على العهود والمواثيق التي تهدف إلى نصرة المظلوم، والدفاع عن الحق.

وقد خاف معاوية من هذا الأمر بالذات، فاستسلم للحسين >عليه السلام<، وأرجع الحق إلى أصحابه.

كما أن هذه الدعوة قد كانت في ظرف حرج، لا يمكن اللجوء فيه إلى أية وسيلة أخرى غيرها، حتى ولا وسيلة الثورة العامة ضد تلك الطغمة الفاسدة.

إذ إن إعلانه >عليه السلام< للثورة العامة حينئذٍ، وفي مناسبة كهذه، لسوف يفسر على أنه لدوافع شخصية، ولا علاقة له بالدفاع عن الدين والأمة، لا من قريب ولا من بعيد.

وعليه فلو استشهد الإمام الحسين >عليه السلام< والحالة هذه، فسوف لا يكون لقتله أية فائدة تعود على الدين والأمة، بل ربما يكون ضرر ذلك أكثر من نفعه؛ وذلك عندما يلاحق ذلك معاوية الداهية بحملة دعائية مغرضة، يقضي فيها على الأمل الوحيد للأمة، ويفصل المجتمع المسلم نفسياً وفكرياً عن أهل البيت >عليهم السلام< بشكل عام، وعن أئمتهم بصورة خاصة.

وذلك لأن الظروف التي أوصلت معاوية إلى الحكم، وإن كانت واضحة لدى كثيرين من أهل العراق والحجاز، إلا أن أهل الشام، الذين لم يعرفوا إلا الإسلام السفياني، إسلام المصالح والأهواء، الإسلام الذي يستحل كل شيء في سبيل الوصول إلى الأهداف الشخصية، واللذات الفردية.

نعم، إن أهل الشام الذين لم يتربوا تربية إسلامية صحيحة، ولا عرفوا علياً وأهل البيت على حقيقتهم، ولا عرفوا إسلام علي، ولا مبادئ علي، ولا أهداف علي >عليه السلام<، بل كان الأمويون يظهرون لهم: أنهم هم قرابة النبي >صلى الله عليه وآله< وهم أهل بيته، حتى ليدعي عشرة من أمرائهم وقوادهم: أنهم ما كانوا يعرفون للنبي >صلى الله عليه وآله< أهل بيت غير بني أمية([27]).

 

بل إن معاوية ليتجرأ ويقول لأهل الشام: إن علياً >عليه السلام< لا يصلي!!([28]).

إن أهل الشام والحالة هذه لا يمكنهم أن يدركوا واقع ما يجري وما يحدث، بل إن باستطاعة معاوية أن يموّه ويشبه الأمر على غير أهل الشام أيضاً؛ لمكره وشيطنته؛ فإنه قد تأمَّر على الشام من قبل عمر بن الخطاب، الذي أحبه العرب، وأخلصوا له، لأنه أرضى غرورهم، ورفع معنوياتهم، بتفضيلهم على غيرهم من أهل الأمم الأخرى في العطاء، وفي مختلف الشؤون، مع أنهم الذين كانوا إلى الأمس القريب لا قيمة لهم، يتيهون في صحرائهم القاحلة، يأكلون الجشب، ويشربون الكدر، إلى آخر ما تقدم في أوائل الفصل الأول؛ ثم جاء الإسلام، فساواهم بغيرهم، ورفع من شأنهم، وقرر: أن لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.

ولكن سياسة عمر بن الخطاب قد اقتضت إعطاء كل الامتيازات، وفي مختلف الشؤون لخصوص العرب، وحرمان غيرهم من كل الامتيازات، ومن كل شيء([29]).

فأحب العرب عمر بن الخطاب أعظم الحب، وقدروه أجل تقدير، وصارت أفعاله وأقواله عندهم قانوناً متبعاً، لا يمكن مخالفته، ولا الخروج عليه، ويكفي أن نذكر:

أن مجرد توليته لأحدهم قد أوجبت لذلك الرجل عظمة ومنزلة خاصة([30]).

بل إن علياً الذي لم يكن يرى لبني إسماعيل فضلاً على بني إسحاق([31]) لم يستطع أن يعزل شريحاً عن القضاء، وقد أبى ذلك عليه أهل الكوفة، وقالوا له: لا تعزله؛ لأنه منصوب من قبل عمر، وبايعناك على أن لا تغير شيئاً مما قرره أبو بكر وعمر([32]).

كما أنه لم يستطع أن يمنع جيشه من صلاة التراويح؛ لأن عمر هو الذي شرعها، وصاحوا واسنّة عمراه([33])، ولعـل أول من صـاح في هذه المناسبة ب‍ >وا عمراه< هو قاضيه شريح([34]).

بل لقد نادوا بعلي >عليه السلام< في حرب الجمل: >أعطنا سنة العمرين<([35]).

وسمع رجل النبي >صلى الله عليه وآله< يقول عن معاوية: من أدرك هذا أميراً فليبقرن خاصرته بالسيف؛ فرآه يخطب في الشام؛ فأراد تنفيذ أمر رسول الله >صلى الله عليه وآله<، فقالوا له: أتدري من استعمله؟.

قال: ومن؟

قالوا: أمير المؤمنين عمر.

قال: سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين([36]).

وقد صرح أمير المؤمنين في خطبة له بأعمال كثيرة لمن سبقوه، لم يستطع تغييرها، ولو أنه حاول ذلك لتفرق عنه جنده، حتى يبقى وحده، وقليل من شيعته، وهي أمور كثيرة فلتراجع([37])، ولتراجع أيضاً الشواهد الكثيرة التي تؤيد ذلك في مصادرها.

ثم جاءت الدولة الأموية، فاستنت بسنة عمر، وسارت بسيرته، وانتهجت نهجه.

وإذا كان معاوية قد تولى الشام من قبل عمر، وإذا كان قد موّه على الناس في قضية قتل عثمان، وألقى في الناس الشبهات الكثيرة حولها، حتى استطاع أن يقود جيشاً ليحارب في صفين أعظم رجل بعد الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<.

وإذا كان قد استغل قضية التحكيم، وأضفى على خلافته نوعاً من الشرعية المزورة، التي يمكن تضليل العوام والسذج بواستطها، ـ إذا كان كل ذلك ـ فإن من الطبيعي أن يستطيع معاوية الذي وصل إلى الحكم في مثل تلك الظروف الغامضة، أن يصوّر الحسين بن علي >عليه السلام< بعد قتله على أنه باغ وطاغ وطامع، تحركه المصالح الشخصية، بل وحتى خارج عن الإسلام، والعياذ بالله.

ولسوف يتمكن عن طريق الأخطبوط الأموي المتغلغل في مختلف البلاد، والذي استطاع أن يضع العراقيل في طريق علي >عليه السلام<، وغيره من الأئمة الطاهرين، لسوف يتمكن من استغلال تلك الظروف الخاصة، في الحجاز، والعراق، وفي الشام، أبشع استغلال، ولا سيما بالنسبة لأهل الشام، الذين ما كان يمكنهم إدراك واقع ما يجري وما يحدث إلا عن طريق الجهاز الأموي نفسه.

يضاف إلى ذلك كله:

أنه قد كان ثمة في عهد الخلفاء قبل علي >عليه السلام<، ولأهداف سياسية معينة، حصار مضروب على كبار الصحابة، فلم تتح لهم الفرصة ليتفرقوا في البلاد، وينشروا تعاليم النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< على حقيقتها، بل حصروهم في المدينة مدة طويلة، ومن استطاع منهم الإفلات منها قليل، ومن كان يصر على الجهر بالحقيقة، فإنه يتعرض لمختلف أنواع القهر والاضطهاد، كما كان الحال بالنسبة لأبي ذر >رحمه الله<([38]).

وهكذا.. فإن الصحابة لم يتمكنوا من الجهر بما تجيش، أو بكل ما تجيش به صدورهم، حتى أشرف هذا الجيل على الفناء والزوال، مما كان من شأنه أن يفسح المجال أمام الجهاز الحاكم لكل افتراء ضد أهل البيت >عليهم السلام<، وضد النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه، ثم ضد الإسلام بشكل عام.

وخلاصة الأمر: أن قتل الحسين >عليه السلام< في زمن معاوية ليس فقط لا يجدي ولا ينفع، وإنما يكون فيه قضاء تام على الأمل الوحيد للدين، والأمة، وللحق، وفي هذا خيانة حقيقية ظاهرة لكل ذلك، بمقدار ما كان استشهاد الحسين >عليه السلام< بعد ذلك وفاء للدين، وللأمة وللحق، عندما لم يعد انحراف الحكم ولا دينيته، بل وعداؤه للدين خافياً على أحد، ولم يمكن بعد للدهاء والمكر، وللسياسات المنحرفة أن تتستر عليه، ولا أن تقلل من وضوحه، وأصبح السكوت عليه في تلك الظروف هو الخيانة للدين، وللأمة، وللحق.

وإلا فإن الحسين >عليه السلام< قد عـاش في حكم معاوية بعد استشهاد أخيه الحسن >عليه السلام< عشر سنوات، ولم يقم بالثورة ضده، مع أن الحسين >عليه السلام< الذي سكت في زمن معاوية هو نفسه الحسين الذي ثار في زمان يزيد، كما أن الانحراف والظلم الذي كان في زمان هذا قد كان في زمان ذاك، وما ذكرناه هو المبرر لسكوته هناك، وثورته هنا.

هذا، وقد تمدح الإمام الحسين >عليه السلام< أخاه الإمام الحسن >عليه السلام< على صلحه مع معاوية، واعتبره إيثاراً لله عند مداحض الباطل، في مكان التقية بحسن الروية، كما قاله >عليه السلام< وهو يؤبن أخاه الإمام الحسن >عليه السلام< حينما استشهد بسم معاوية([39]).

وكتب أهل الكوفة أكثر من مرة إلى الإمام الحسين >عليه السلام< يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية، وفي كل ذلك يأبى عليهم([40])، وقد أمرهم بلزوم بيوتهم ما دام معاوية حياً([41]).

فالقول بأن سبب عدم ثورته على معاوية إنما هو عدم بيعة الناس له في زمنه، لا يصح.

كما أن الناس كانوا قد بايعوا الإمام الحسن >عليه السلام<، فلماذا سكت؟ ولماذا لم يطالبه الحسين بالقيام؟! ولماذا يمدحه على صلحه لمعاوية؟

هذا ما أردنا الإشارة إليه هنا، ولهذا البحث مجال آخر.

2 ـ ويلاحظ أيضاً: أنه حين دعا الحسين >عليه السلام< بحلف الفضول قد استجاب له حتى أعداؤه، كابن الزبير، الذي لم يكن ليخفى على أحد كيف كان موقفه من الهاشميين أيام خلافته حتى لقد كان يريد أن يحرقهم بالنار في مكة، لولا وصول النجدة لهم من العراق.

كمـا أنه قد قرت عينه ـ على حد تعبير ابن عباس ـ حين توجه الحسين >عليه السلام< إلى العراق.

أضف إلى ذلك: أنه قد قطع الصلاة على النبي >صلى الله عليه وآله< في خطبه، ولما عوتب على ذلك ادعى: أن هذا الحي من بني هاشم إذا سمعوا ذكره >صلى الله عليه وآله< اشرأبت أعناقهم، وأبغض الأشياء إليه ما يسرهم، وفي رواية: إن له أهيل سوء إلخ([42]).

نعم، لقد استجاب للإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه حتى أعداؤه حين دعاهم بحلف الفضول، ولكنهم لا يستجيبون لداعي الله والرسول الذي يأمرهم بقبول إمامة الحسنين >عليهما السلام< قاما أو قعدا ولا يدافعون عن إمامهم الذي خرج في طلب الأصلاح في أمة جده، بل وينصبون العداء له ولأهل بيته عموماً كما أشرنا إليه.

فما هو سر استجابتهم للنداء بحلف الفضول؟

ثم عدم استجابتهم للحسين، حين دعاهم للجهاد ضد أعداء الدين، فلم يخرج منهم أحد إلى كربلاء لمحاربة الظلم والطغيان، والانحراف عن الدين والحق؟!.

مع أن القضية الأولى وإن كانت تمثل مكافحة للظلم والتجبر، إلا أنها في الحقيقة تنتهي إلى مسألة خاصة، محدودة الزمان والمكان، والأشخاص، كما سوف تفسرها أبواق الدعاية الأموية المغرضة.

أما في قضية كربلاء، فقد كان واضحاً لدى كل أحد حقيقة أهداف الثورة، وقد أوضحها الإمام الحسين >عليه السلام< أكثر من مرة، ولم يُبق مجالاً للشك في أنها ذات أهداف إسلامية جامعة، بعيدة كل البعد عن المكاسب الشخصية والنفعية المحدودة.

فلماذا السكوت؟ وربما السرور من بعضهم بالمصير الذي لاقاه الإمام الحسين >عليه السلام< هنا؟

ثم هم يهبون لنصرته، والقيام دونه، أو على الأقل يظهرون استعدادهم لذلك هناك؟! مع أن الأهداف إن لم تكن في المآل واحدة؛ فإنها في قضية كربلاء أهم وأكثر مساساً بهم وبدينهم وكرامتهم.. فهل كانوا يهدفون إلى إضعاف عدوهم الأقوى أولاً؟!

أم أنهم أمنوا معاوية، وخافوا يزيد الخمور؟ ربما يكون ذلك، وربما لأن حلف الفضول كان جاهلياً، وهم إلى الجاهلية في حقها وفي باطلها أقرب منهم إلى الإسلام، حتى حينما تكون القضية مصيرية، وحتى ولو كانت مصيرية بالنسبة للأمة بأسرها، وبالنسبة للدين نفسه.

ولو أنهم التفتوا إلى أن حلف الفضول قد أمضاه الإسلام، وصار إسلامياً فلربما يكون لهم حينئذٍ موقف آخر، إن ذلك لعجيب حقاً! وأي عجيب!!.

3 ـ إن موقف الحسين هذا، وكذلك إمضاء النبي >صلى الله عليه وآله< لهذا الحلف في كلامه المتقدم، ليدل على أن الإسلام قد أمضى هذا الحلف؛ لأنه قائم على أساس الحق والعدل والخير، وهل الإسلام إلا ذلك؟ إنه يُمضيه مع أن الذين قاموا به كانوا وقتها على الشرك والكفر، ولكنه يهدم مسجد الضرار، مع أن الذين بنوه كانوا يتظاهرون بالإسلام، ويتعاملون على أساسه، بحسب الظاهر.

وهذا ما يؤكد واقعية الإسلام، وأنه إنما ينظر إلى عمل يدي الصياد لا إلى دموع عينيه، وأنه لا يغتر بالمظاهر، ولا تخدعه الشعارات مهما كانت براقة، إذا كانت تُخفي وراءها الوصولية، والخيانة والتآمر، فالحق حق، ومقبول، ولا بد من الالتزام به، والتعامل على أساسه، ولو صدر من مشرك، والباطل باطل ومرفوض، ولا يجوز الالتزام به، ولا التعامل على أساسه، مهما كانت الشعارات براقة ومغرية.

ولهذا نفسه نجد أمير المؤمنين أيضاً يرفض خدعة رفع المصاحف على الرماح في صفين ويحذر منها، ولقد كان هو المصيب في رفضه، وغيره ممن كان يتظاهر بالتقى والعبادة كان هو المخطئ.

وفقنا الله للسير على هدى أمير المؤمنين علي >عليه السلام<، وتأثر خطاه، والعمل بمنهاجه، الذي هو نهج الإيمان والإسلام، إنه ولي قدير.

4 ـ إن اهتمام النبي >صلى الله عليه وآله<، والأئمة >عليهم السلام< بحلف الفضول إنما يدل على أن الإسلام ليس منغلقاً على نفسه، وإنما هو يستجيب لكل عمل إيجابي فيه خير الإنسان، ويشارك فيه على أعلى المستويات، انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية، وانسجاماً مع أهدافه العليا، ومع المقتضيات الفطرية، وأحكام العقل السليم.

5 ـ أما استجابة الذين استجابوا للزبير بن عبد المطلب حينما دعا لعقد هذا الحلف، فلعل لهم دوافع مختلفة باختلاف الأشخاص، والبيوتات، والقبائل، ونذكر من هذه الدوافع:

ألف: الدافع الفطري الإنساني؛ لأن هذا هو ما تحكم به الفطرة، والعقل السليم، ثم هو ينسجم مع الشعور الإنساني، والأخلاقي.

ب: الدافع المصلحي، وذلك لأن عدم الأمن في مكة لسوف يقلل من رغبة التجار في الوفود عليها، والتعامل مع أهلها.

ج: وثمة دوافع أخرى ربما تكون لدى بعضهم، كالحفاظ على قدسية مكة وأهلها في نفوس العرب؛ وغير ذلك، وقد تقدم في الفصل الأول ما يفيد هنا؛ فراجع إن شئت.

تاريخ ولادة أمير المؤمنين ×:

أما عن تاريخ ولادة أمير المؤمنين >عليه السلام< ففيه اثنا عشر قولاً على وجه التقريب، تبدأ من سبع، حتى ست عشرة سنة قبل البعثة، وقال آخرون: ولد قبل البعثة بعشرين، وغيرهم بثلاث وعشرين سنة([43]).

ويمكن أن تقل الأقوال عن ذلك، إذا قلنا:

إنه لا منافاة بين القول: بأنه ولد قبل البعثة باثني عشرة سنة، وبين القول بأنه ولد قبلها بخمس عشرة سنة، إذا كان القائل بالثاني لا يسقط السنوات الثلاث الأولى من بعثته >صلى الله عليه وآله< من الحساب، لأن النبي >صلى الله عليه وآله< لم يكن يجهر فيها بالدعوة.

ولعل اختلافهم في مدة نبوته >صلى الله عليه وآله< في مكة على قولين: عشر سنوات، وثلاث عشرة سنة سببه ذلك أيضاً.

بل نجد البعض يقول: إن سرّية الدعوة قد استمرت خمس سنوات، فيمكن بملاحظة هذا وما تقدم في سائر الأقوال: أن تقل الأقوال عن ذلك كثيراً، ولكن هذا على أي حال يبقى مجرد احتمال.

وعلى كل حال، فإن القول بالاثني عشرة، وإن كان مروياً عن أهل البيت، إلا أن القول الآخر، وهو أن ولادته كانت قبل البعثة بعشر سنوات مروي أيضاً، وهو المشهور عند علمائنا، وعند غيرهم، كما يظهر من ملاحظة المصادر المتقدمة.

ولذا نقول: إن هذا القول المعتضد بالشهرة هو الأولى بالاعتماد والاعتبار، لا سيما وأنه مروي عن أهل البيت الذين هم أدرى من كل أحد بما فيه.

وأما محاولات البعض الاستفادة من ذلك، واستنتاج نتيجة معينة لتأكيد فكرة معينة، من قبيل ادعاء أن علياً هو أول من أسلم من الصبيان؛ ليكون أبو بكر أول من أسلم من الرجال، فسيأتي عند الحديث عن إسلام أمير المؤمنين >عليه السلام<: أن هذا لا يمكن أن يصح بأي وجه.

أول هاشمي ولد من هاشميين:

لقد ولد أمير المؤمنين >عليه السلام< وهو الشخصية الأولى بعد الرسول، والذي تربى في حجر الوحي، وارتضع لبان النبوة من أبوين قرشيين هاشميين، هما: أبو طالب، شيخ الأبطح، وفاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

وقال الكليني وغيره: (وهو أول هاشمي ولده هاشم مرتين) وقريب منه غيره([44]).

وعلق المجلسي: بأن أخوته طالباً، وعقيلاً، وجعفر قد ولدوا قبله من هذين الهاشميين، وقول التهذيب وغيره: (في الإسلام) لا يصحح ذلك؛ إذ لو كان مرادهم أنه ولد بعد البعثة فهو لا يصح، للاتفاق على أنه قد ولد قبلها.

ولو كان المراد: أنه الوحيد الذي ولد بعد ولادة الرسول، فهو كذلك لا يصح، لأن أكثر إخوته قد ولدوا بعد ولادة النبي >صلى الله عليه وآله<، مع أنه اصطلاح غريب غير معهود([45]).

والصحيح: أن يقال كما قال المعتزلي، والشهيد، وغيرهما: >وأمه أول هاشمية ولدت لهاشمي<([46]).

ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة:

لقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام قد ولد في جوف الكعبة أعزها الله، في يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر رجب، وأن هذه فضيلة اختصه الله بها، لم تكن لأحد قبله، ولا بعده، وقد صرح بذلك عدد كبير من العلماء، ورواة الأثر، ونظمها الشعراء والأدباء، وذلك مستفيض عند شيعة أهل البيت >عليهم السلام<، كما أنه كذلك في كتب غيرهم، حتى لقد قال الحاكم وغيره:

>تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد، ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة..<.

وصرح بأنه لم يولد فيها أحد سواه عدد من العلماء والمؤرخين([47]).

ويقول السيد الحميري، المتوفى في سنة 173 ه‍:

ولـدتـه في حــرم الإلـــه وأمنـــه               والـبـيـت حـيـث فنـاؤه والمسجد
بـيـضـاء طـاهـرة الثياب كـريمـة               طـابـت وطــاب وليـدهـا والمولد
في لـيـلـة غـابت نحوس نجومهـا               وبـدا مـع الـقـمـر المنـير الأسـعد
مـا لـف في خـرق الـقـوابل مثلــه              إلا ابــن آمـنـــة الـنـبـي محـمــد

 

ويقول عبد الباقي العمري:

أنـت الـعـلي الذى فوق العلى رفعا             بـبـطن مكة وسط البيت إذ  وضعا

ولكن نفوس شانئي علي >عليه السلام< قد نفست عليه هذه الفضيلة التي اختصه الله بها، فحاولت تجاهل كل أقوال العلماء والمؤرخين، ورواة الحديث والأثر، والضرب بها عرض الجـدار، حيث نجدهم ـ وبكل جرأة ولا مبالاة ـ يثبتون ذلك لرجل آخر غير علي >عليه السلام<، بل ويحاولون التشكيك في ما ثبت لعلي أيضاً، حتى لقد قال في كتاب النور:

>حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره، وأما ما روي من أن علياً ولد فيها فضعيف عند العلماء<([48]).

وقال المعتزلي: >كـثـير من الشيعة يـزعمون: أنـه ولد في الكعبة، والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون: أن المولود في الكعبة حكيم بن حزام<([49]).

ثم حاول الحلبي والديار بكري الجمع والصلح بين الفريقين، باحتمال ولادة كليهما فيها([50]).

ولكن كيف يصح هذا الجمع، ونحن نجد عدداً ممن قدمنا أسماءهم، وغيرهم ممن ذكرهم العلامة الأميني في كتاب الغدير، وغيره، يصرون على أنه لم يولد في جوف الكعبة سوى علي، لا قبله ولا بعده؟! وأن تلك فضيلة اختصه الله بها دون غيره من العالمين؟!

وكيف يقبل ذلك الجمع، ونحن نجد الحاكم يصرح بتواتر الأخبار في ولادة أمير المؤمنين >عليه السلام< في جوف الكعبة؟!.

فهل الحاكم بنظر المعتزلي جاهل بالحديث؟!

ومن أين لحديث ولادة حكيم بن حزام حتى خصوصية صحة سنده، فضلاً عن أن يكون متواتراً ومقطوعاً به؟!.

لماذا حكيم بن حزام؟!

وإنما أثبتت هذه الفضيلة لحكيم بن حزام؛ لأنه كان للزبيريين فيه هوى، فإنه ابن عم الزبير، وابن عم أولاده؛ فهو حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، والزبيريون ينتهون أيضاً إلى أسد بن عبد العزى.

ولم يسلم حكيم إلا عام الفتح، وهو من المؤلفة قلوبهم([51])، وكان يحتكر الطعام على عهد رسول الله >صلى الله عليه وآله<([52]).

وعن المامقاني: نقل الطبري: أنه كان عثمانياً متصلباً تلكأ عن علي([53])، ولم يشهد شيئاً من حروبه([54]).

وإذن فمن الطبيعي أن يروي الزبير بن بكار، ومصعب بن عبد الله،([55]) وهما لا شك في كونهما زبيريي الهوى:

أنه لم يولد في جوف الكعبة سواه، وذلك على خلاف جميع الأخبار المتواترة، ومخالفة لكل من نص على أنه لم يولد فيها سوى أمير المؤمنين >عليه السلام< لا قبله ولا بعده؟!.

سر ولادة علي عليه السلام في الكعبة:

إننا قبل أن ندخل في الإجابة على السؤال المذكور، نحب التذكير بأن بين النبوة والإمامة، والنبي والإمام فرقاً، فيما يرتبط بترتيب الأحكام الظاهرية على من يؤمن بذلك وينكر، ومن يتيقن ويشك، ومن يحب ويبغض..

فأما بالنسبة للنبوة والنبي >صلى الله عليه وآله<، فإن أدنى شك أو شبهة بها، وكذلك أدنى ريب في الرسول >صلى الله عليه وآله< يوجب الكفر، كما أن بغض الرسول >صلى الله عليه وآله< بأي مرتبة كان، يخرج الإنسان من الإسلام واقعاً، وتلحقه وتترتب عليه أحكام الكفر، في مرحلة الظاهر أيضاً، فيحكم عليه بالنجاسة، وبأنه لا يرث من المسلم وغير ذلك..

وأما الإمامة والإمام >عليه السلام<، فإن الحكمة والرحمة الإلهية، وحب الله تعالى للناس، ورفقه بهم، قد اقتضى:

أن لا تترتب الأحكام الظاهرية على من أنكر الإمامة، أو شك فيها، أو في الإمام >عليه السلام<، أو قصر في حبه.. ولكن بشرطين:

أحدهما: أن يكون ذلك الإنكار، أو الشك، أو التقصير ناشئاً عن شبهة، إذ مع عدم الشبهة في ثبوت النص أو في دلالته، يكون المنكر أو الشاك مكذباً لرسول الله صلى الله عليه وآله، راداً على الله سبحانه، ومن كان كذلك فهو كافر جزماً..

الثاني: أن لا يكون معلناً ببغض الإمام، ناصباً العداء له، لأن الناصب حكمه حكم الكافر أيضاً..

النبي صلى الله عليه وآله لا يقتل أحداً؛ لماذا؟

وبعدما تقدم نقول:

إذا كان قيام الإسلام وحفظه يحتاج إلى جهاد وتضحيات، ثم إذا كان في الجهاد قتل ويتم، ومصائب ومصاعب.

ولم يكن يمكن لرسول الله أن يتولى بنفسه كسر شوكة الشرك، وقتل فراعنته وصناديده.. لأن ذلك يوجب أن ينصب الحقد عليه، وأن تمتلئ نفوس ذوي القتلى ومحبيهم، ومن يرون أنفسهم في موقع المهزوم بغضاً له، وحنقاً عليه..

وهذا يؤدي إلى حرمان هؤلاء من فرصة الفوز بالتشرف بالإسلام، وسيؤثر ذلك على تمكّن بنيهم، وسائر ذويهم ومحبيهم من ذلك أيضاً.. فقضت الرحمة الإلهية أن يتولى مناجزتهم من هو كنفس الرسول >صلى الله عليه وآله<، الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ألا وهو أمير المؤمنين >عليه السلام<..

واقتضت هذه الرحمة أيضاً رفع بعض الأحكام الظاهرية ـ دون الواقعية ـ المرتبطة بحبه وبغضه، وبأمر إمامته >عليه السلام<، تسهيلاً من الله على الناس، ورفقاً بهم ـ رفعها عن مُنكِر إمامته >عليه السلام<، وعن المقصر في حبه، ولكن بالشرطين المتقدمين وهما:

وجود الشبهة وعدم النصب، لأنه مع عدم الشبهة ومع نصب العداء للإمام >عليه السلام< يكون من قبيل تعمد تكذيب الرسول >صلى الله عليه وآله<، والتمرد والرد على الله سبحانه، كما قلنا..

معالجة قضايا الروح والنفس:

وفي سياق آخر نقول أيضاً:

إن معالجة قضايا الحب والبغض، والرضا والغضب، والإنفعالات النفسية، تحتاج إلى اتصال بالروح، وبالوجدان، وإلى إيقاظ الضمير، وإثارة العاطفة، بالإضافة إلى زيادة البصيرة في الدين، وترسيخ اليقين بحقائقه..

وهذا بالذات هو ما يتراءى لنا في مفردات السياسة الإلهية، في معالجة الأحقاد التي علم الله سبحانه أنها سوف تنشأ، وقد نشأت بالفعل كنتيجة لجهاد الإمام علي >عليه السلام<، في سبيل هذا الدين..

ونحن نعتقد: أن قضية ولادة الإمام علي >عليه السلام< في جوف الكعبة، واحدة من مفردات هذه السياسة الربانية، الحكيمة، والرائعة..

ولادة علي عليه السلام في الكعبة صنع الله:

ويمكن توضيح ذلك بأن نقول:

إن ولادته >عليه السلام<، في الكعبة المشرفة، إنما هي أمر صنعه الله تعالى له، لأنه يريد أن تكون هذه الولادة رحمة للأمة، وسبباً من أسباب هدايتها.. وليست أمراً صنعه الإمام علي >عليه السلام< لنفسه، ولا هي مما سعى إليه الآخرون، ليمكن اتهامهم بأنهم يدبرون لأمر قد لا يكون لهم الحق به، أو التأييد لمفهوم اعتقادي، أو لواقع سياسي، أو الانتصار لجهة أو لفريق بعينه، في صراع ديني، أو اجتماعي، أو غيره..

ويلاحظ: أن الله تعالى قد شق جدار الكعبة لوالدته >عليه السلام< حين دخلت، وحين خرجت، بعد أن وضعته في جوف الكعبة، وقد جرى هذا الصنع الإلهي له حيث كان >عليه السلام< لا يزال في طور الخلق والنشوء في هذا العالم الجديد.. ليدل دلالة واضحة على اصطفائه له، وعلى عنايته به..

وذلك من شأنه أن يجعل أمر الاهتداء إلى نور ولايته أيسر، وليكون الإنسان في إمامته أبصر..

ويتأكد هذا الأمر بالنسبة لأولئك الذي سوف تترك لمسات ذباب سيفه >ذي الفقار< آثارها في المستكبرين والطغاة من إخوانهم، وآبائهم، وعشائرهم، أو من لهم بهم أية صلة أو رابطة..

الرصيد الوجداني آثار وسمات:

إن هذا الرصيد الوجداني الذي هيأ الله لهم أن يختزنوه في قلوبهم وعقولهم من خلال النصوص القرآنية والنبوية التي تؤكد فضله وإمامته، ثم يأتي الواقع العلمي ليعطيها المزيد من الرسوخ والتجذر في قلوبهم وعقولهم من خلال مشاهداتهم، ومعرفتهم بتلك الألطاف الإلهية به >عليه السلام<، وإحساسهم بعمق وجدانهم بأنه وليد مبارك، وبأنه من صفوة خلق الله ومن عباده المخلصين، سيجعلهم يدركون:

أنه >عليه السلام<، لا يريد بما بذله من جهد وجهاد في مسيرة الإسلام، إلا رضا الله سبحانه، وإلا حفظ مسيرة الحياة الإنسانية، على حالة السلامة، وفي خط الاعتدال.. لأنها مسيرة سيكون جميع الناس ـ بدون استثناء ـ عناصر فاعلة ومؤثرة فيها، ومتأثرة بها..

وبذلك يصبح الذين يريدون الكون في موقع المخاصم له >عليه السلام<، أو المؤلب عليه، أمام صراع مع النفس ومع الوجدان، ومع الضمير، وسيرون أنهم حين يحاربونه إنما يحاربون الله ورسوله.. ويسعون في هدم ما شيده للدين من أركان، وما أقامه من أجل سعادتهم، وسلامة حياتهم، من بنيان..

ولادة علي عليه السلام في الكعبة لطف بالأمة:

فولادة الإمام علي >عليه السلام< في الكعبة المشرفة، هي لطف بالأمة بأسرها، حتى أولئك الذين وترهم الإسلام منها، وسبيل هداية لهم ولها، وهو سبب انضباط وجداني، ومعدن خير وصلاح، ينتج الإيمان، والعمل الصالح، ويكف من يستجيب لنداء الوجدان عن الامعان في الطغيان، والعدوان، وعن الانسياق وراء الأهواء، والعواطف، من دون تأمل وتدبر..

وغني عن البيان، أن مقام الإمام علي >عليه السلام< وفضله، أعظم وأجل من أن تكون ولادته >عليه السلام< في الكعبة سبباً أو منشأ لإعطاء المقام والشرف له.. بل الكعبة هي التي تتشرف به وتعتز، وتزيد قداستها، وتتأكد حرمتها بولادته فيها صلوات الله وسلامه عليه..

وأما رسول الله >صلى الله عليه وآله<، فإن معجزته الظاهرة ـ التي تهدي الناس إلى الله تعالى، وصفاته، وإلى النبوة والنبي، وتدلهم عليه، وتؤكد صدقه، ولزوم الإيمان به، وتأخذ بيدهم إلى الإيمان باليوم الآخر ـ.

إن هذه المعجزة هي هذا القرآن العظيم، الذي يهدي إلى الرشد من أراده، والذي لا بد أن يدخل هذه الحقائق إلى القلوب والعقول أولاً، من باب الاستدلال، والانجذاب الفطري إلى الحق بما هو حق.. من دون تأثر بالعاطفة، وبعيداً عن احتمالات الإنبهار بأية مؤثرات أخرى مهما كانت..

إذ إن القضية هي قضية إيمان وكفر، وحق وباطل، لا بد لإدراكهما من الكون على حالة من الصفاء والنقاء، وتفريغ القلب من أي داع آخر، قد يكون سبباً في التساهل في رصد الحقيقة، أو في التعامل مع وسائل الحصول عليها، والوصول إليها..

فالله لا يريد أن تكون مظاهر الكرامة سبباً في إعاقة العقل عن دوره الأصيل في إدراك الحق، وفي تحديد حدوده، وتَلَمُّس دقائقه، وحقائقه والتبيُّن لها إلى حد تصير معه أوضح من الشمس، وأبين من الأمس..

ولذلك فـإن الله تعالى لم يصنع لرسوله ما يدعوهم إلى تقديسه كشخص، ولا ربط الناس به قبل بعثته بما هو فرد بعينه لا بد لهم من الخضوع والبخوع له، وتمجيد مقامه، لأن هذا قد لا يكون هو الأسلوب الأمثل، ولا الطريقة الفضلى في سياسة الهداية إلى الأمور الإعتقادية، التي هي أساس الدين، والتي تحتاج إلى تفريغ النفس وإعطاء الدور، كل الدور، للدليل وللبرهان، وللآيات والبينات، وإلى أن يكون التعاطي مع الآيات والدلائل بسلامة تامة، وبوعي كامل، وتأمل عميق، وملاحظة دقيقة..

وهذا هو ما نلاحظه في إثارات الآيات القرآنية لقضايا الإيمان الكبرى، خصوصاً تلك التي نزلت في الفترة المكية للدعوة، فإنها إثارات جاءت بالغة الدقة، رائعة في دلالاتها وبياناتها، التي تضع العقل والفطرة أمام الأمر الواقع الذي لا يمكن القفز عنه إلا بتعطيل دورهما، وإسقاط سلطانهما، لمصلحة سلطان الهوى، ونزوات الشهوات، والغرائز..

وهذا الذي قلناه لا ينسحب ولا يشمل إظهار المعجزات والآيات الدالة على الرسولية، وعلى النبوة، فإنها آيات يستطيع العقل أن يتخذ منها وسائل وأدوات ترشده إلى الحق، وتوصله إليه.. وتضع يده عليه.. وليست هي فوق العقل، ولا هي من موجبات تعطيله، أو إضعافه.

تجديد بناء الكعبة أعزها الله تعالى:

ويقولون: إن الكعبة قد جاءها سيل جارف تجاوز الردم الذي كان قد وضع ليمنع من مثل ذلك؛ فدخلها، وصدع جدرانها.

ويقال أيضاً: إنها كانت قد احترقت حينما أرادت إحدى النساء تبخيرها فطارت شرارة إلى ثياب الكعبة فاحترقت جدرانها([56])، ثم جاء السيل بعد ذلك فزاد في تصدعها حتى خاف الناس عليها.

ويرى البعض: أن هذا الحريق كان في زمان ابن الزبير.

ورفع الحلبي التنافي باحتمال حصول الحريق مرتين([57]).

ونحن نقول: إنه يبدو أن دعوى احتراقها على هذا النحو الاتفاقي، إنما صيغت للتخفيف من الامتعاض الناشئ من جرأة الأمويين على بيت الله الحرام، حيث إنها قد تصدعت حينما ضربت بالمنجنيق وبالنار من قبلهم، وتركها ابن الزبير ليراها الناس محترقة، يحرضهم على أهل الشام([58]).

ومهما يكن من أمر: فقد اتفقت قريش قبل بعثة النبي >صلى الله عليه وآله< على هدمها، وإعادة بنائها، وأن يرفع بابها، حتى لا يدخلها إلا من شاؤوا، وأعدوا لذلك نفقة طيبة، ليس فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة مما أخذوه غصباً، أو قطعوا فيه رحماً، أو انتهكوا فيه حرمة، أو ذمة([59]).

وبدأت كل قبيلة تجمع الحجارة على حدة، ويقولون: إنه >صلى الله عليه وآله< قد شارك في جمع الحجارة، وكان أول من جرأهم على هدمها هو الوليد بن المغيرة.

وتجزأت قريش الهدم والبناء، لكل قبيلة شق، وجهة معينة، وقد اختلف المؤرخون في اختصاصات هذه القبائل بتلك الجهات والأجزاء([60])، ولا مجال لتأكيد أو نفي أي من الأقوال في ذلك، ولا سيما في موارد كهذه، يجهد فيها كل فريق أن ينيل من يميل إليهم بعض الشرف، ومواقف الكرامة.

وأما عن تاريخ بناء البيت فقد اختلفت كلمات المؤرخين فيه، فهذا يقول:

إن بناءه كـان حين بلـوغه >صلى الله عليه وآلـه< الحلم، أي بعد الفيـل ب‍ 15 سنة([61]).

وآخر يقول: إنه بُني بعد الفيل بخمس وعشرين سنة([62]).

وثالث يقول: إنه كان بعد الفيل بخمس وثلاثين سنة، أي قبل البعثة بخمس سنين([63]).

ولعل هذا الأخير هو الأشهر.

وضع الحجر الأسود:

ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختصموا: كل قبيلة تريد هي أن تنال شرف رفعه إلى موضعه، وكاد أن يؤدي الأمر بهم إلى السيف، حتى جاء بنو عبد الدار، وبنو عدي بإناء فيه دم؛ فوضعوا أيديهم فيه، ومعهم بنو سهم، وبنو مخزوم([64])، وتحالفوا على الموت ـ فسُموا: >لعقة الدم<([65])، حتى أشار أبو أمية بن المغيرة ـ والد أم سلمة، أم المؤمنين، وأحد أجواد قريش، ويقول البلاذري: >أبو مهشم بن المغيرة< ـ بأن يحكموا أول داخل عليهم من باب السلام، وهو باب بني شيبة، أو من باب الصفا على الاختلاف.

فكان الرسول >صلى الله عليه وآله< أول داخل، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد.

ويقول البعض: إنهم كانوا يتحاكمون إلى النبي >صلى الله عليه وآله< في الجاهلية؛ لأنه كان لا يداري، ولا يماري([66]).

فلما أخبروه بـالأمر طـلب ثوباً، أو بسط إزاره ـ على الاخـتـلاف ـ ثم أخذ الحجر؛ فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً، ففعلوا، فلما حاذوا موضعه أخذه رسول الله >صلى الله عليه وآله< بيده الشريفة، فوضعه مكانه.

ملاحظات هامة:

1 ـ إن بني عبد الدار، ومعهم بنو سهم، ومخزوم وعدي قد جاؤوا بالدم، فوضعوا أيديهم فيه، وتحالفوا على الموت، ونجد في مقابل ذلك: أن بني عبد مناف قد جاؤوا بالغالية ـ وهي نوع من الطيب ـ فوضعوا أيديهم فيها، حينما تحالفوا زمن قصي في مقابل بني عبد الدار؛ فسموا حلف المطيبين.

ولبني عبد مناف حلف آخر هو أكرم وأشرف حلف سمع به في العرب([67])، وهو حلف الفضول الذي أمضاه الإسلام، حسبما تقدم، وكان في مقابلهم حلف الأحلاف، من قبل بني عبد الدار، وسهم، وجمح، ومخزوم، وعدي، ولا يقصد في حلفهم إلا الشرف الدنيوي، ولو أريقت الدماء، وأزهقت النفوس.

ولعل هذا يعكس بوضوح الفرق بين الاتجاهين، ونوعية التفكير، ومستوى الوعي، والنظرة للحياة لدى كل من الفريقين.

ولا نبالغ إذا قلنا: إن من الممكن أن نفهم من مراجعة كتب التاريخ والأنساب: أن بني عبد مناف، ولاسيما آل أبي طالب كانوا هم رجالات الإسلام، والهداة إلى الحق، والمجاهدين في سبيل الدين.

بينما نجد بني عبد الدار، والمتحالفين معهم أقل تحمساً للدين، وتضحية في سبيله، بل ويكثر فيهم المناوئون له، والحاقدون عليه.

2 ـ إن اشتراط قريش: أن تكون نفقة الكعبة طيبة، لا ربا فيها، ولا مظلمة لأحد إلخ.. إن دل على شيء فإنما يدل ولا شك على شعور حقيقي بقبح هذه الأمور، وعدم رضا الله والوجدان بها.

وقد يفسر ذلك أيضاً باقتضاء الفطرة لذلك، وحكم العقل بقبحه.

ونحن، وإن كنا نعترف بأن ذلك كذلك، بل إن كل أحكام الدين موافقة للفطرة، ولأحكام العقل، إلا أننا لا بد أن نضيف هنا:

أنه يدل أيضاً على بقاء شيء من تعاليم الحنيفية فيهم، خصوصاً عند قريش، وبني عبد مناف، ولذلك يلاحظ كثرة الإشارات إلى دين إبراهيم، وما يدل على إيمانهم بالله في كلمات عبد المطلب، وأبي طالب >عليهما السلام< كثير، وما الخطبة التي ألقاها أبو طالب حينما طلب يد خديجة للنبي >صلى الله عليه وآله< عنا ببعيدة.

3 ـ إن ما تقدم يدل على أن أهل مكة كانوا يتعاملون بالمنطق القبلي حتى في تعاونهم على بناء البيت، وحمل الحجارة له، وهو أقدس مقدساتهم، ورمز عزهم ومجدهم وكرامتهم، بل وعليه تقوم حياتهم، وإن تحالف لعقة الدم حين الاختصام فيمن يرفع الحجر إلى موضعه، ليعتبر الذروة في هذا الأمر، الذي يمجه الذوق، وتنبو عنه الفطرة، ويرفضه العقل السليم.

4 ـ وبعد هذا، فإن ما يلفت نظرنا: هو فرح قريش حينما رأوا النبي >صلى الله عليه وآله< أول داخل عليهم، ثم وصفهم له بأنه >الأمين<، مما يعني أنه >صلى الله عليه وآله< كان يحتل مكانة خاصة في نفوس الناس في مكة، حيث تسكن قريش سيدة القبائل العربية كلها، حتى إنهم كانوا يحكّمونه في كثير مما كان يشجر بينهم، ويضعون كل ثقتهم فيه، حتى لقبوه بـ >الأمين<.

بل إننا نجد: في كلمات أبي طالب المتقدمة، خير شاهد على مكانته >صلى الله عليه وآله<، وعلو منزلته، وشرفه، وسؤدده.

وفي موقف أمية بن خلف في غزوة بدر دلالة على ذلك أيضاً([68]) فراجع.

خرافة انحلال الإزار:

هذا، وبعد كل ما تقدم، فإننا نواجه هنا أكذوبة مفضوحة، ليس الهدف منها إلا الحط من كرامة النبي >صلى الله عليه وآله<، والإساءة لمقامه الأقدس، من أولئك الذين لمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، ولم يسلموا وإنما استسلموا، وأقسموا على العمل على دفن ذكر محمد، وطمس اسمه ودينه، ولكن الله سبحانه وتعالى يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

وتلك الأكذوبة التي هي واحدة من مئات أمثالها، مما تقشعر له الا بدان، ويشتد له غضب الرحمن، هي التالية: روى الشيخان، وغيرهما من المؤلفين في التاريخ والحديث، ممن تجمعهم معهما رابطة الدين، والسياسة، والصنعة ـ والنص للبخاري ـ: >أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< كان ينقل معهم الحجارة للكعبة، وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة؟..

قال: فحلّه، فجعله على منكبيه؛ فسقط مغشياً عليه، فما رؤي بعد ذلك عرياناً<([69]).

وفي رواية أخرى للبخاري في كتاب الحج: >فخر إلى الأرض، فطمحت عيناه، فقال: أرني إزاري، فشده عليه<.

ونحن لا نشك أن ذلك مختلق ومفتعل، ونكتفي بالإشارة هنا إلى ما يلي:

أولاً: إن ثمة تناقضاً ظاهراً بين هذه الروايات، الأمر الذي يذكرنا بالمثل المشهور: >لا حافظة لكذوب<، وكمثال على ذلك نذكر:

أن رواية تقول: إن تعريه >صلى الله عليه وآله< كان وهو صغير، حينما كان يلعب مع الصغار، وكلهم قد تعرى، وهم أيضاً ينقلون الحجارة للعب، فلكمه لاكم لا يراه، وقال: شد عليك إزارك([70]).

وفي أخرى: أن ذلك كان حينما كان عمه أبو طالب يصلح زمزم، فأُمر بالستر، من قبل متكلم لا يراه([71]).

وثالثة تذكر: أن ذلك كان حين بناء البيت، وهي المتقدمة، ومعنى ذلك أن عمره كان 35 سنة.

ونوع آخر من الاختلاف، وهو: أن النمرة([72]) قد ضاقت عليه، فذهب يضعها على عاتقه، فبدت عورته، لصغر النمرة؛ فنودي: يا محمد، خمر([73]) عورتك، فلم ير عرياناً بعد ذلك([74]).

وأخرى تقول: إن العباس طلب منه أن يضع إزاره عن عاتقه([75]).

ورواية تقول: صُرع.

وأخرى: لُكم.

وثالثة: أغمي عليه.

إلى آخر ما هنالك من وجوه الاختلاف.

طريق جمع فاشل:

وقد حاول العسقلاني والحلبي الجمع بين الروايات:

فقال العسقلاني: إن النهي السابق لم يكن يفهم منه الشمول لصورة الاضطرار العادي، وحين بناء البيت اضطر إلى ذلك، فرأى أن لا مانع من التعري حينئذٍ([76]).

وهكذا يبذل هؤلاء المحاولات لإثبات هذا الأمر الشنيع على الرسول الأكرم >صلى الله عليه وآله<، لأن ذلك قد ورد في صحيح البخاري، وهو الكتاب المقدس عندهم، بل هو أصح شيء بعد القرآن، بل إن القرآن فيه تحريف ونسخ للتلاوة وغيرها عندهم، أما البخاري فيجل عن ذلك!!

مع أنه قد فات العسقلاني هنا: أنه قد جاء في رواية أبي الطفيل: >فما رؤيت له عورة قبل ولا بعد<([77]).

هذا كله عدا عن أنه هو نفسه يذكر: أنه >صلى الله عليه وآله< كان مصوناً عما يستقبح قبل البعثة وبعدها([78])

ثم جاء الحلبي، وقال: إن من الممكن أن تكون عورته >صلى الله عليه وآله< قد انكشفت، لكن لم يرها أحد حتى العباس([79]).

ولكن ما يصنع الحلبي بعبارة البخاري وغيره، والتي تنص على أنه: ما رؤي بعد ذلك عرياناً.

وعبارة أبي الطفيل: ما رئيت له عورة قبل ولا بعد.

ثانياً: ومما يكذب ذلك:

ما ورد عنه >صلى الله عليه وآله< ـ وكأنه تنبأ عما سوف يقال زوراً وبهتاناً عنه ـ : من كرامتي على ربي: أن أحداً لم ير عورتي، أو ما هو قريب من هذا([80]).

ثالثاً: لقد قال عنه أبو طالب >عليه السلام<، قبل بناء البيت بعشر سنوات: إنه >صلى الله عليه وآله< لا يوزن برجل إلا رجح به، ولا يقاس به أحد إلا وعظم عنه إلخ، فكيف إذاً يقدم هذا الرجل العظيم على التعري أمام الناس حين حمله الحجارة للكعبة؟!. خصوصاً في ذلك المكان المقدس عند قريش والعرب.

رابعاً: إن ثمة روايات تفيد: أنه >صلى الله عليه وآله< كان مصوناً من رؤية عورته حتى بالنسبة لأزواجه؛ فعن عائشة: ما رأيت عورة رسول الله >صلى الله عليه وآله< قط، أو نحو ذلك([81]).

وإن كانت قد عادت فذكرت: أن زيد بن حارثة قرع الباب، فقام إليه رسول الله يجر ثوبه عرياناً، قالت: >والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده، فاعتنقه، وقبّله<([82]).

لكن نصاً آخر يقول: >فما رأيت جسمه قبلها<([83])، وهذا هو الأقرب إلى الصواب، بملاحظة ما قدمناه وما سيأتي.

خامساً: في حديث الغار: أن رجلاً كشف عن فرجه، وجلس يبول، فقال أبو بكر: قد رآنا يا رسول الله، قال: لو رآنا لم يكشف عن فرجه ([84]).

وهذا يدل على أن المشركين كانوا يستقبحون أمراً كهذا، ولا يقدمون عليه، فكيف فعله الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<؟!

سادساً: لقد روي أنه >صلى الله عليه وآله< كان أشد حياءً من العذراء في خدرها([85])، فهل العذراء الخجول تستسيغ لنفسها التعري أمام الناس؟

سابعاً: عن ابن عباس: كان رسول الله >صلى الله عليه وآله< يغتسل وراء الحجرات، وما رأى أحد عورته قط([86]).

ثامناً: وقد عد من خصائصه >صلى الله عليه وآله<: أنه لم ترَ عورته قط، ولو رآها أحد لطمست عيناه([87]).

فلماذا لم تطمس عينا العباس، الذي كان حاضراً وناظراً، وشد عليه إزاره، وكذا أعين سائر من رآه حين بناء البيت؟! وكذلك لماذا لم تطمس أعين رفقائه الصغار، الذين رأوا منه ذلك وهم يلعبون؟! فإن كانوا قد رأوا، فاللازم هو طمس أعينهم، وإن لم يكونوا قد رأوا، فلماذا هذا الكذب والافتراء، وسوء الأدب، والجرأة على مقام النبي الأقدس >صلى الله عليه وآله<، والتفوّه بما يتنافى مع شرفه، وعلو منزلته وكرامته، وسؤوده، وتسديد الله له؟ نعوذ بالله من الخذلان، ومن وساوس الشيطان.

تاسعاً: لقد روي عن أمير المؤمنين >عليه السلام< قوله: ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه، ويجلس بين قوم([88]).

فكيف إذن يكشف النبي الأعظم عورته أمام الناس يا ترى؟

وأخيراً، فإن ثمة نصوصاً أكثر شناعة وقباحة من ذلك، نجلّ مقام النبي >صلى الله عليه وآله< الأقدس عن ذكرها.

ثوبي حجر!!

وبالمناسبة، فإن أمثال هذه الافتراءات قد تعدت نبينا الأكرم >صلى الله عليه وآله< إلى نبي الله موسى >عليه السلام< ولكن بنحو أكثر شناعة، وأشد قباحة، حيث نسبت ذلك إلى فعل الله سبحانه به.

فلقد روى البخاري وغيره: >أن بني إسرائيل اتهموا موسى بأنه آدر (أي مصاب بانتفاخ في خصيته بسبب الفتق) فنزع ثوبه؛ ووضعه على حجر واغتسل، فلما أراد أن يأخذ ثوبه عدا الحجر بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول:

ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى، فقالوا: والله ما بموسى من بأس، وأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضرباً.

قال أبو هريرة: فوالله، إن بالحجر لندباً: ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً، فذلك قوله تعالى: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً}([89])<([90]).

ونقول: لا ندري كيف لم يلتفت موسى إلى نفسه، حتى بلغ مجالس بني إسرائيل؟! وما هو الذي أفقده صوابه حتى خرج عن حيائه وسجيته التي ذكرتها الرواية: أنه كان حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياءً منه؟!.

ولا ندري ما هي حقيقة هذا الحجر العبقري! الذي يهرب من موسى، ويتركه يعدو خلفه؟! ولا ندري كذلك كيف التفت موسى إلى عصاه قبل أن يلحق بالحجر، وما الذي خطر في باله آنئذٍ؟!.

وإذا لم يكن الحجر مأموراً، فما الذي جعله يقوم بهذه العملية، ويخرجه عن وضعه الطبيعي؟! وإذا كان ماموراً، فلماذا لم يدرك موسى ذلك بمجرد تحرك الحجر بثوبه الذي هو أمر خارق للعادة؟. هذا مع كونه يناديه ويخاطبه، حتى كأنه عاقل مدرك لما يقول!!

وأخيراً، فإنني لا أدري ما هو ذنب هذا الحجر، حتى استحق هذا الضرب الوجيع الذي أثر فيه وجعل فيه ندباً؟! ولماذا لم يعين لنا عدد تلك الندب، فذكرت على نحو الترديد: ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً؟!.

وفي بعض الروايات: ستاً، وسبعاً؟!.

وإذا كان أبو هريرة قد بلغ به النسيان هذا الحد، فكيف استطاع أن يحفظ تلك التفاصيل الدقيقة للقصة نفسها؟!.

ثم كيف استطاع أن يحفظ هذه الآلاف المؤلفة من الأحاديث عن رسول الله >صلى الله عليه وآله<؟!.

هذا، وتحسن الإشارة هنا إلى أنه لا يرد كثير مما ذكرنا على رواية القمي التي لم تذكر عصاه ومناداته، وضربه للحجر، ولعلها أقرب إلى الاعتبار من تلك الرواية البخارية.

وقد جاء أن آية إيذاء موسى قد نزلت في طعن بني إسرائيل على موسى بسبب هارون: لأنه توجه معه إلى زيارة، فمات هارون؛ فدفنه موسى؛ فاتهمه بعض بني إسرائيل بقتله، فبرأه الله تعالى بأن أخبرهم جسد هارون بأنه مات ولم يقتل([91]).

هذا.. وقد أشرنا في موضوع آخر إلى ما ورد في كتب أهل الكتاب حول تعري الأنبياء >عليهم السلام<، وأنها هي الأصل في أمثال هذه الترهات.

حياء عثمان:

هذا، ولا بأس بالمقارنة بين ما يذكر هنا عن نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله< وبين ما يذكر عن حياء عثمان، حتى إن أبا بكر وعمر ليدخلان على النبي >صلى الله عليه وآله<، وفخذه مكشوفة، فلا يسترها، حتى إذا دخل عليه عثمان جلس، وستر فخذه، وسوَّى عليه ثيابه؛ فتسأله عائشة؛ فيجيبها بأنه: ألا يستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ أو ما هو قريب من هذا([92]).

هذا، مع أن هذا النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه يأمر ويؤكد باستمرار بالحياء، ويحث عليه، فيقول: إذا لم تستح، فاصنع ما شئت.

ويقول: الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة عنه >صلى الله عليه وآله< ولا مجال لتتبعها.

كما أن أبا سعيد الخدري قد وصف النبي >صلى الله عليه وآله< بأنه: أشد حياءً من العذراء في خدرها([93]).

 

وأيضاً، فإنهم ينقلون عنه >صلى الله عليه وآله<: أنه أمر رجلاً بستر فخذه؛ فإنها من العورة([94]).

وأما ما يدل على أن ما بين السرة والركبة عورة، فكثير أيضاً([95]).

وعن حياء أبي موسى وأبي بكر، والخدري([96]) هناك نصوص لا مجال لإيرادها فعلاً.

وقد قال العلامة الأميني: >هب أن النهي عن كشف الأفخاذ تنزيهي، إلا أنه لا شك في أن سترها أدب من آداب الشريعة، ومن لوازم الوقار، ومقارنات الأبهة، ورسول الله >صلى الله عليه وآله< أولى برعاية هذا الأدب الذي صدع به هو الخ..<([97]).

أهل الكتاب، وتعري الأنبياء ^:

ولا بد أن نشير أخيراً: إلى أننا نجد لهذا الأمر أصلاً عند أهل الكتاب، فلعل الخطة الأموية الملعونة قد استفادت أصل هذا الموضوع من أهل الكتاب!!.

فقد جاء في أخريات العشرين من أشعيا: أن الله أمر نبيه أشعيا: أن يمشي عرياناً وحافياً بين الناس ثلاث سنين، ليبلغ الناس، ويقول لهم: هكذا يسوق ملك آشور سبي مصر، وجلاء كوش الفتيان والشيوخ عراة وحفاة، ومكشوفي الأستاه، خزياً لمصر.

وجاء في تاسع التكوين الفقرة (21): وشرب نوح من الخمر فسكر، وتعرى داخل جنانه.

وفي صموئيل الأولى، الإصحاح التاسع عشر، الفقرة 23/24: >فكان يذهب ويتنبأ، حتى جاء نايوت في الرامة، فخلع هو أيضاً ثيابه، وتنبأ هو أيضاً أمام صموئيل، وانطرح عرياناً ذلك النهار كله، وكل الليل، لذلك يقولون: أشاول أيضاً بين الأنبياء<.

ولادة الزهراء عليها السلام:

يذكر البعض: أن فاطمة الزهراء >عليها السلام<، بنت الرسول الأكرم >صلى الله عليه وآله<، قد ولـدت قبـل البعثة، ثم يختلفون ـ أولئك البعض ـ فيما بينهم في تحديد سنة ولادتها، فبعضهم يقول: إنها ولدت سنة بناء الكعبة، أي قبل البعثة بخمس سنين([98]).

وبعضهم يقول: إنها ولدت قبل البعثة بسبع سنين([99])؛ وقيل([100]): باثنتي عشرة سنة([101]).

والقائلون بأنها ولدت بعد البعثة اختلفوا أيضاً، بين قائل: إنها ولدت سنة البعثة([102]).

وقيل: في الثانية([103]).

 

وقيل: سنة إحدى وأربعين من عمره الشريف([104]).

القول الحق:

والقول الحق هو ما عليه شيعة أهل البيت تبعاً لأئمتهم >عليهم السلام<، وأهل البيت أدرى بما فيه، وتابعهم عليه جماعة من غيرهم، وهو أنها قد ولدت في السنة الخامسة من البعثة، وتوفيت وعمرها ثمانية عشر عاماً([105]).

ويدل على ذلك ويؤيده، ما يلي:

1 ـ قول أمير المؤمنين «عليه السلام»، وهو يتحدث عن بعثة النبي «صلى الله عليه وآله»: «ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وخديجة، وأنا ثالثهما.

أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه «صلى الله عليه وآله»، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟

فقال: هذا الشيطان أيس من عبادته. إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي. ولكنك وزير، وإنك لعلى خير»([106]).

فقد دلت هذه الفقرة على:

أولاً: أن الوحي قد نزل على النبي، وأصبح «صلى الله عليه وآله» رسولاً، وبزغ فجر الإسلام في حضور علي «عليه السلام»، وكان أول بيت تكوَّن في الإسلام يضم رسول الله «صلى الله عليه وآله» وخديجة، وعلياً «عليه السلام» فقط، فلو كانت فاطمة «عليها السلام» قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، وكذلك لو كان أحد من أولاد النبي «صلى الله عليه وآله» غيرها قد ولد آنئذٍ، لم يصح حصره «عليه السلام» أهل ذلك البيت بالنبي «صلى الله عليه وآله»، وبخديجة، بالإضافة إليه «عليه السلام».

ثانياً: إن هذا النص يدل على عدم صحة ما يدَّعونه: من أنه «صلى الله عليه وآله» كان وحده في غار حراء، وأنه قد خاف، وعاد إلى خديجة يرجف فؤاده، وأنها عرضت أمره على ورقة بن نوفل، فأخبرها أن الذي يأتيه هو الناموس الأكبر..

فإن علياً «عليه السلام» كان حاضراً، وقد سمع رنة الشيطان، وسأل النبي «صلى الله عليه وآله» عنها، فأجابه بما تقدم.

هذا.. وتقدم حين الحديث عن ولادة فاطمة «عليها السلام»: أن علياً «عليه السلام» كان حاضراً حين نزول الوحي، وأنه سمع رنة الشيطان، فسأل النبي «صلى الله عليه وآله» عنها، فأخبره بأنه يئس من أن يعبد، فراجع.

2 ـ ما تقدم في البحث عن أولاد خديجة، من أن البعض قد ذكر أنهم كلهم قد ولدوا بعد الإسلام باستثناء عبد مناف([107])، مع العلم بأن فاطمة >عليها السلام< كانت أصغر أولاده >صلى الله عليه وآله<.

ويدل على ذلك: أنه قد ذكر في الإستيعاب في ترجمة خديجة: أن الطيِّب قد ولد بعد النبوة، وولدت بعده أم كلثوم، ثم فاطمة «عليها السلام».

3 ـ ويدل على أنها قد ولدت بعد البعثة روايات كثيرة، أوردها جماعة من العلماء، على اختلاف نحلهم ومشاربهم، تدل على أن نطفتها قد انعقدت من ثمر جاء به جبرئيل «عليه السلام» إلى النبي >صلى الله عليه وآله< من الجنة، حين الإسراء والمعراج، وذلك مروي عن عدد من الصحابة، منهم: عائشة، وعمر بن الخطاب، وسعد بن مالك، وابن عباس، وغيرهم([108]).

وإذا أمكنت المناقشة في بعض تلك الروايات، فإن البعض الآخر لا مجال للنقاش فيه.

ويؤيد ذلك أيضاً: أن النسائي قد روى: أنه لما خطب أبو بكر وعمر فاطمة «عليها السلام» ردهما >صلى الله عليه وآله<، وقال لهما: إنها صغيرة([109])، فلو كان عمرها سبع عشرة سنة أو أكثر، فلا يقال: إنها صغيرة.

ويؤيده أيضاً: ما روي من أن خديجة >رحمها الله< كانت قد هجرتها نساء قريش، فلما حملت بفاطمة «عليها السلام» كانت تحدثها من بطنها، وتصبّرها([110]).

بقي أن نشير إلى: أن استبعاد حمل خديجة بفاطمة في السنة الخامسة من البعثة؛ لأن سن خديجة كان حينئذٍ عالياً ـ هذا الاستبعاد ـ في غير محله؛ لما تقدم: من أن سن خديجة حينئذٍ كان ما بين 45 حتى 50 سنة بناءً على عدد من الأقوال في مقدار عمرها، ولعل من بينها ما هو الأقوى، وإن كان المشهور خلافه.

وحتى على هذا المشهور؛ فإن عمر خديجة حينئذٍ كان لا يأبى عن الحمل، فإن القرشية يستمر حيضها إلى الستين، كما هو مقرر في الفقه، وهذا يعني: أن قابلية الحمل موجودة أيضاً، كما هو ظاهر.

ومما ذكرناه، ومن قول المصباح: >والعامة تروي: أن مولدها كان قبل المبعث بخمس سنين<([111])، نعرف: أن المسعودي قد اشتبه في نسبة القول بالتسع والعشرين إلى أكثر أهل البيت وشيعتهم([112])، ولعله سهو من قلمه، أو عمد أو سهو من النساخ، بحيث كان في الأصل تسع عشرة، فبدل إلى تسع وعشرين.

وبعد كل ما تقدم؛ فإنه إذا كانت فاطمة قد ولدت في السنة الخامسة من البعثة؛ فإنها تكون قد توفيت وعمرها ثمانية عشر عاماً فقط، كما هو ظاهر.


 

([1]) راجع: البحار: ج15 ص117، وستأتي مصادر أخرى في فصل: بحوث تسبق السيرة، حين الكلام حول إيمان آباء النبي >صلى الله عليه وآله<.

([2]) الغدير: ج7 ص394، والكافي: ج1 ص445، والدر المنثور للعاملي: ج1 ص49.

([3]) راجع السيرة الحلبية ج1 ص128، فإنه قد ذكر أن سبب الفجار قد كان في الأشهر الحرم أما نفس الحرب فكانت في شعبان، وأقول: ولكن ما معنى تسميتها حينئذٍ بحرب الفجار؟.. هذا بالإضافة إلى تصريح اليعقوبي في تاريخه بأن حرب الفجار كانت في رجب فراجع.

([4]) تاريخ اليعقوبي (ط صادر) ج2 ص15.

([5]) سيرة ابن هشام ج1 ص198، وتاريخ الخميس ج1 ص259.

([6]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص51، والسيرة الحلبية ج1 ص127.

([7]) المصدران المتقدمان.

([8]) المصادر الأربعة المتقدمة إلا أن صفحة ابن هشام هي 195.

([9]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص16 ط صادر.

([10]) تاريخ الخميس ج1 ص259، وسيرة ابن هشام ج1 ص195 و 198.

([11]) هو غير الزبير بن العوام، الذي حارب أمير المؤمنين عليه السلام في وقعه الجمل، وقتل وهو منهزم.

([12]) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص129، ونسب قريش لمصعب ص383 فإنه قد شرح كلا الحلفين: حلف الأحلاف، لعقة الدم، وحلف المطيبين، وراجع: البداية والنهاية ج2 ص293، والأغاني: ج16 ص66 و 65.

([13]) الأغاني: ج16 ص66.

([14]) الأغاني: ج16 ص70.

([15]) أعيان الشيعة ج2 ص13، وسيرة ابن هشام ج1 ص142، والبداية والنهاية ج2 ص293 و291، وتاريخ الخميس ج1 ص261، والسيرة الحلبية ج1 ص131، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص53 والأغاني: ج16 ص66 و 67.

([16]) البداية والنهاية ج2 ص291، 292 والسيرة الحلبية ج1 ص132، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص53.

([17]) البداية والنهاية ج2 ص291، والسيرة الحلبية ج1 ص131 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص53، والسنن الكبرى للبيهقي.

([18]) السيرة الحلبية ج1 ص132 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص53، وكان سن العباس حينئذٍ لا يساعد على دعوة كهذه لأن عمره حينئذٍ كان لا يزيد على ثمانية عشر عاماً، كما يفهم من تاريخ عقد حلف الفضول.

([19]) سيرة ابن هشام ج1 ص143، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص226 عن الزبير بن بكار، والأغاني: ج16 ص68 و 70، لكن في ص69: أن ذلك قد كان بين معاوية وجبير بن مطعم.

([20]) الأغاني: ج16 ص66 و 70.

([21]) سيرة ابن هشام ج1 ص142 والسيرة الحلبية ج1 ص132، والكامل لابن الأثير ط صادر ج2 ص42، والبداية والنهاية ج2 ص293 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص53 عن سيرة الحافظ الدمياطي وأنساب الأشراف ج2 ص14، والأغاني: ج16 ص68.

([22]) الصليم: السيف.

([23]) الأوائل ج1 ص73 ـ 74 والأغاني: ج16 ص68.

([24]) الأغاني ط ساسي ج8 ص108.

([25]) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج10 ص306 ـ 370 وفي هامشه عن مسلم والترمذي ج4 ص146 ط المكتبة الإسلامية وعن سعيد بن منصور وعن فتح الباري ج8 ص173 والدارمي.

([26]) سيأتي الحديث عن ذلك في فتح مكة إن شاء الله تعالى.

([27]) النزاع والتخاصم للمقريزي ص28، وشرح النهج للمعتزلي ج7 ص159، ومروج الذهب ج3 ص33، وعن دعواهم الخلافة بالقرابة من رسول الله >صلى الله عليه وآله< راجع: العقد الفريد ط دار الكتاب العربي ج2 ص120؛ والحياة السياسية للإمام الرضا >عليه السلام< للمؤلف ص54 ـ 55.

([28]) الفتوح لابن أعثم ج3 ص196 ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص354 وشرح النهج للمعتزلي ج8 ص36 والكامل لابن الأثير ج3 ص313، وتاريخ الطبري ج4 ص30، والغديرج 9 ص122 عن بعضهم.

([29]) راجع كتابنا: سلمان الفارسي في مواجهة التحدي.

([30]) الثقات: ج2 ص295.

([31]) سنن البيهقي ج6 ص349 والغدير ج8 ص240 عنه. وراجع: أنساب الأشراف، بتحقيق المحمودي: ج2 ص141، والغارات: ج1 ص74 ـ 77، وحياة الصحابة: ج2 ص112 عن البيهقي، وتاريخ اليعقوبي: ج2 ص183، والبحار ج41 ص137.

([32]) كشف القناع عن حجية الإجماع: ص64، وراجع: تنقيح المقال: ج2 ص83، وقاموس الرجال: ج5 ص67.

([33]) راجع: شرح النهج للمعتزلي: ج2 ص283 وج 1 ص269، والصراط المستقيم: ج3 ص26، والكافي ج8 ص63 وتلخيص الشافي: ج4 ص58، والبحار ط حجرية: ج8 ص284، وراجع: الجواهر: ج21 ص337، والوسائل: باب (10) من أبواب نوافل شهر رمضان، كتاب الصلاة، وكشف القناع: ص65 ـ 66 وسليم بن قيس ص126 ط مؤسسة البعثة.

([34]) راجع: قاموس الرجال: ج5 ص67.

([35]) الكامل للمبرد ج1 ص144 ط دار نهضة مصر. وراجع الكافي: ج8 ص59، وشرح النهج: ج1 ص269، والكامل في التاريخ: ج3 ص343، والأخبار الطوال: ص207، وأنساب الأشراف، بتحقيق المحمودي: ج2 ص370 ـ 371، وتنقيح المقال: ج2 ص83.

([36]) البحار ج92 ص36 عن معاني الأخبار.

([37]) الكافي ج8 ص59 ـ 63 وسليم بن قيس ص125 ـ 126.

([38]) راجع مقالنا عن أبي ذر في الجزء الأول من كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.

([39]) راجع: تهذيب تاريخ دمشق: ج4 ص230، وعيون الأخبار لابن قتيبة: ج2 ص314.

([40]) ترجمة الإمام الحسين >عليه السلام< من تاريخ دمشق (تحقيق المحمودي): ص197.

([41]) الأخبار الطوال: ص221 ـ 222.

([42]) راجع: العقد الفريد ج4 ص413 ط دار الكتاب العربي، وشرح النهج للمعتزلي ج20 ص127 وغير ذلك، وأنساب الأشراف ج4 ص28 وقاموس الرجال ج5 ص452، ومقاتل الطالبيين ص474.

([43]) راجع الأقوال المذكورة كلاً أو بعضاً في الكتب التالية: المصنف لعبد الرزاق ج5 والعقد الفريد ج4 ص311، وأنساب الأشراف، ومقاتل الطالبيين ص26، والأنس الجليل ج1 ص178، والتهذيب ج7 ص336، والأوائل، وتاريخ الخميس ج1 ص279 عن شواهد النبوة، وطبقات ابن سعد ط ليدن ج3 ص13، والمعارف لابن قتيبة ص51، وحياة الحيوان ج1 ص54، والبحار، وينابيع المودة، وتاريخ بغداد ج1 ص134، وذخائر العقبى ص58، والاستيعاب، وسنن البيهقي ج6 ص206، ونزهة المجالس، ومناقب الخوارزمي وأسد الغابة ج4 ص16 ـ 18، والبداية والنهاية، ومجمع الزوائد ج9 ص102، وفتح الباري ج7 ص57، وإحقاق الحق ج7 ص538 ـ 554، والقول بالعشر موجود في: الفصول المهمة لابن الصباغ ص12 والاستيعـاب ج3 ص30 ط صـادر، وطبقـات ابـن سعـد ط مصـر ج3 ص21، = = وسيرة ابن هشام ج1 ص262، والكافي ج1 ص376، وإرشاد المفيد ص9، وإعلام الـورى ص153، ومناقب آل أبي طـالـب ج2 ص78، وتـاريـخ الخميس ج1 ص286، ومستدرك الحاكم ج3 ص111، وتلخيصه بهامشه للذهبي، ومناقب الخوارزمي ص17، وتاريخ الخلفاء ص166 والبداية والنهاية ج3 ص26، وذخائر العقبى، وأنساب الأشراف، وملحقات إحقاق الحق ج7 عن بعض من تقدم.

وللقول بالاثني عشر راجع: البحار ج35 ص7 وإحقاق الحق ج7 ص549، عن نهاية الإرب ج8 ص181 والاستيعاب ج3 ص30.

ونُقِلَت كثير من الأقوال عن المصادر التالية: إكمال الرجال ص687 والروضة الندية ص13، وإحكام الأحكام ج1 ص190، وأنباه الرواة في أنباء النحاة ج1 ص11، ونهاية الارب ج8 ص181، والمختصر في أخبار البشر ج1 ص115، ونظم درر السمطين ص81 و82، والرياض النضرة ج2 ص156 والغرة المنيفة ص176 وشرح المواهب للزرقاني ج1 ص242، والطبقات المالكية ج2 ص71، والمصباح الكبير ج560.

([44]) الكافي ج1 ص376، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص17، والتهذيب للشيخ ج6 ص19 والبحار ج35 ص5 عنه وعن الكافي، وأسد الغابة ج4 ص16 وج 5 ص517 والفصول المهمة لابن الصباغ ص13.

([45]) راجع: البحار ج35 ص6.

([46]) البحار ج35 ص6 عن الدروس للشهيد، وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص13 وج 15 ص278 والبدء والتاريخ ج5 ص71، ونسب قريش لمصعب ص40، ونزهة المجالس ج2 ص165، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم مخطوط في مكتبة طوپ قپوسراي رقم 1 ـ 497 أ الورقة 19 وذخائر العقبى ص55 والمعارف لابن قتيبة ص88.

([47]) راجع مستدرك الحاكم ج3 ص483، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، ونور الأبصار ص76، والفصول المهمة لابن الصباغ ص12، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص406 و 407 ومناقب الإمام أمير المؤمنين لابن المغازلي ص7 وذكر ولادته فيها أيضاً: أسد الغابة ج4 ص31 والسيرة الحلبية ج1 ص139 ونزهة المجالس ج2 ص204. وتذكرة الخواص ص10 ونقله صاحب الغدير ج6 ص22 ـ 38 عن عشرات المصادر مثل: إزالة الخفاء للدهلوي، والآلوسي في شرح الخريدة الغيبية، ص15 ومروج الذهب ج2 ص2 وشرح الشفا ج1 ص151، والمناقب لمحمد صالح الترمذي، وآئينه تصوَّف ص1311 وروائح المصطفى ص10 وكتاب الحسين للسيد علي جلال الدين ج1 ص16، ونقله أيضاً عن عشرات المؤلفات للإمامية فليراجع. وحياة أمير المؤمنين لمحمد صادق الصدر ص30 عن غاية الاختصار ص97 وعن مصادر أخرى، وليراجع إحقاق الحق بتعليقات السيد النجفي ج7 ص486 ـ 490 عن أرجح المطالب ص388، ومحاضرة الأوائل ص79، والبلخي في كتابه على ما في تلخيصه ص11 طبع بمبئى، وعن مطالب السؤل لابن طلحة ص11، وفضائل أمير المؤمنين للقفال الشافعي، مخطوط، ومفتاح النجا ص20 مخطوط وإعلام الورى ص93، ونقل أيضاً عن الاستيعاب وشواهد النبوة وكنوز الحقائق، واستقصاء مصادر هذه القضية متعذر وما ذكرناه كاف لمن ألقى السمع وهو شهيد.

([48]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص139، وذكر ولادته فيها في أسد الغابة ج2 ص40 والإصابة ج1 ص349 والاستيعاب هامش الإصابة ج1 ص320.

([49]) شرح النهج ج1 ص14.

([50]) تاريخ الخميس ج1 ص279، والسيرة الحلبية ج1 ص129.

([51]) الإصابة ج1 ص349، والاستيعاب ج1 ص320 هامش الإصابة.

([52]) وسائل الشيعة كتاب التجارة ص316.

([53]) قاموس الرجال ج3 ص387 عن تنقيح المقال.

([54]) قاموس الرجال ج3 ص387.

([55]) راجع: الإصابة ج1 ص349، ومستدرك الحاكم ج3 ص483.

([56]) مصنف عبد الرزاق ج5 ص319، والبداية والنهاية ج2 ص300 كلاهما عن الزهري.

([57]) السيرة الحلبية ج1 ص141.

([58]) صحيح مسلم هامش القسطلاني ج6 ص18، والكامل لابن الأثير ج4 ص124 ط صادر وذكر في الكامل عن البخاري قولاً آخر، وهو أنها احترقت في زمن ابن الزبير، بسبب نار أوقدها أصحابه حولها، وأقول: الظاهر أن الأمويين أرادوا رد التهمة في جنايتهم على ابن الزبير وأصحابه.

([59]) سيرة ابن هشام ج1 ص206 والبداية والنهاية ج2 ص301، والسيرة الحلبية ج1 ص141.

([60]) راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص207، والبداية والنهاية ج2 ص302، والسيرة الحلبية ج1 ص144.

([61]) مصنف عبد الرزاق ج5 ص318، والبداية والنهاية ج2 ص300 عن الزهري.

([62]) البداية والنهاية ج2 ص300 عن موسى بن عقبة، عن مجاهد، وعروة ومحمد بن جبير بن مطعم، وتاريخ الخميس ج1 ص279 عن تاريخ يعقوب.

([63]) السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص204، والبداية والنهاية ج2 ص300.

([64]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص129.

([65]) السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص209، والبداية والنهاية ج2 ص303.

([66]) السيرة الحلبية ج1 ص145.

([67]) البداية والنهاية ج2 ص291.

([68]) سيأتي ذلك في أوائل غزوة بدر إن شاء الله.

([69]) البخاري، باب كراهية التعري في الصلاة ط سنة 1309هـ ج1 ص50 وص 181 وج 2 ص203، وصحيح مسلم ط سنة 1334 ه‍ ج1 ص184، ومسند أحمد ج3 ص295 و310 و333، وج5 ص454 و455، والمصنف ج5 ص103 والبداية والنهاية ج2 ص287 عن الصحيحين وعن البيهقي. وراجع: مرآة الجنان ج1 ص19 والغدير ج9 ص285 و286 عن البخاري ومسلم وعن السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص197.

([70]) السيرة الحلبية ج1 ص122 وفتح الباري ج7 ص111 عن ابن إسحاق وسيرة ابن هشام ج1 ص194 والبداية والنهاية ج2 ص287.

([71]) السيرة الحلبية ج1 ص142 و 122.

([72]) النَمِرَة: شملة (كساء) من صوف فيها خطوط بيض وسود.

([73]) خَمَرَ: ستر.

([74]) مسند أحمد ج5 ص455، ومصنف عبد الرزاق ج5 ص103.

([75]) ربما يجاب عن ذلك بأن العباس حين رأى ضيق النمرة طلب منه ذلك فأجاب، فنودي.

([76]) فتح الباري ج1 ص401.

([77]) فتح الباري ج7 ص111.

([78]) فتح الباري ج1 ص401.

([79]) السيرة الحلبية ج1 ص142.

([80]) السيرة الحلبية ج1 ص53 و 54 و 142. وكنز العمال ج12 ص83 عن الطيالسي والخطيب وابن عساكر، والطبراني وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص350 والمعجم الصغير ج2 ص59.

([81]) الشفاء لعياض ج1 ص95 وشرحه للقاري عن ابن ماجة، والترمذي في شمائله وحياة الصحابة ج2 ص611 عن الترمذي في الشمائل ص26، ولسان الميزان ج2 ص9 والسيرة الحلبية ج1 ص142، وسنن ابن ماجة ج1 ص619 وراجع: صيد الخاطر ص481 والمعجم الصغير ج1 ص53.

([82]) حياة الصحابة ج2 ص544 ـ 545 عن الترمذي ج2 ص97 وقال: حسن غريب.

([83]) صيد الخاطر ص481.

([84]) فتح الباري ج7 ص10، والسيرة الحلبية ج2 ص37، والبحار ج19 ص78 عن المناقب لابن شهر آشوب ج1 ص111.

([85]) راجع الغدير ج9 ص281، وعن البخاري ومسلم.

([86]) الغدير ج9 ص288 عن شرح المواهب للزرقاني ج4 ص284، وعن فتح الباري ج6 ص450.

([87]) الشفاء للقاضي عياض ج1 ص95 وتاريخ الخميس ج1 ص214.

([88]) البحار ج75 ص466.

([89]) الآية 69 من سورة الأحزاب.

([90]) البخاري ط سنة 1309هـ ج1 ص40 وج 2 ص158، ومسند أحمد ج2 ص315 والدر المنثور ج5 ص223 عنه وعن عبد الرزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وابن الأنباري في المصاحف، =  = والبزار، والحاكم وصححه، وابن أبي شيبة، عن أبي هريرة، وأنس، وابن عباس، وتفسير الميزان ج16 ص353، وتفسير القمي ج2 ص19 بسند حسن ولكن نسبة التفسير إلى القمي مشكوك فيها ومشكل الآثار ج1 ص11 وتفسير نور الثقلين ج4 ص309 وتفسير البرهان ج3 ص339، وكشف الأستار ج3 ص66 ومجمع الزوائد ج7 ص93.

([91]) فتح الباري ج6 ص313 عن ابن مردويه والطحاوي، وابن منيع بسند حسن، والدر المنثور ج5 ص223 عن هؤلاء وعن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن عباس، ومشكل الآثار ج1 ص12.

([92]) مجمع الزوائد ج9 ص82، والبداية والنهاية ج7 ص202 عن الطبراني في الكبير، والأوسط، ومسند أحمد، وأبي يعلى، وتاريخ جرجان ص416، والمصنف ج11 ص232 ـ 233 والمحاسن والمساوئ ج1 ص61 وحياة الصحابة ج2 ص611 و612 عن الأولين ومشكل الآثار ج2 ص283 ـ 284، ومسند أحمد ج1 ص71 وج 6 ص62 و155 و167 وصحيح مسلم ج7 ص116 ـ 177، والغدير ج9 ص274 و275 و287 وص290 عن الأخيرين وعن: مصابيح السنة ج2 ص273، والرياض النضرة ج2 ص88.

وراجع: تأويل مختلف الحديث ص323 والتراتيب الإدارية ج2 ص383 و384 وفيه أحاديث أخرى عن حياء الملائكة من عثمان وراجع أيضاً: مسند أبي يعلى ج7 ص415.

([93]) البداية والنهاية ج6 ص36، ومجمع الزوائد ج9 ص17، عن الطبراني بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح، وصحيح مسلم ج7 ص87، والغدير ج9 ص281 عن البخاري باب صفة النبي >صلى الله عليه وآله< وعن مسلم، وحياة الصحابة عن بعض من تقدم وعن الترمذي ص26.

([94]) مسند أحمد ج5 ص290 وج 1 ص275، وصحيح البخاري ج1 ص51 وسنن البيهقي ج2 ص228، والإصابة ج3 ص448، وفتح الباري ج1 ص403، ونيل الأوطار ج2 ص50، ومستدرك الحاكم ج4 ص180 ـ 181، ومجمع الزوائد ج2 ص52 عن أحمد والطبراني في الكبير والغدير ج9 ص282 فما بعدها عن من تقدم وعن إرشاد الساري، وابن حبان في صحيحه وليراجع: موطأ مالك، والترمذي، وأبو داود، ومشكل الآثار ج2 ص284 و 285 و 286 وحتى ص293، والمصنف ج11 ص27 وتأويل مختلف الحديث ص323 ـ 324.

([95]) راجع: الغدير ج9 ص285 و 284 و 288 ـ 290 و291 و292، والمعجم الصغير ج2 ص96، وحياة الصحابة ج2 ص612 ـ 613 تجد كثيراً من أقوال العلماء والنصوص حول ذلك.

([96]) راجع: طبقات ابن سعد ج4 ص113 و114 والزهد والرقائق ص107 وربيع الأبرار ج1 ص760 وحياة الصحابة ج3 ص482 عن كنز العمال ج8 ص306 وج 5 ص124 وعن حلية الأولياء ج1 ص34، والغدير ج7 ص248 وج 9 ص281.

([97]) الغدير ج9 ص285.

([98]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص277، وذخائر العقبى ص52 ومقاتل الطالبيين ص48، وسيرة مغلطاي ص17 عن ابن الجوزي. والبحار ج43 ص9.

([99]) تاريخ الخميس ج1 ص278، وذخائر العقبى ص52.

([100]) المصدران السابقان.

([101]) تاريخ الخميس ج1 ص277، وذخائر العقبى ص52، والمواهب اللدنية ج1 ص198 والاستيعاب هامش الإصابة ج4 ص374، واختاره الحاكم في المستدرك ج3 ص161.

([102]) البحار ج43 ص8 عن إقبال الأعمال، عن حدائق الرياض، للشيخ المفيد رحمه الله وتاريخ الخلفاء ص75، وهو مقتضى كلام العسقلاني في تهذيب التهذيب: ج2 ص441 حيث قال: إنها تزوجت في السنة الثانية من الهجرة وعمرها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفاً.

([103]) البحار: ج43 ص9، وفي الاستيعاب (بهامش الإصابة): ج4 ص374 أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي >صلى الله عليه وآله< ونهاية الإرب ج18 ص213.

([104]) في مستدرك الحاكم ج3 ص163 ذكر أنها ماتت وعمرها (21) سنة وولدت على رأس (41) من مولده >صلى الله عليه وآله<، وكذا في نهاية الإرب ج18 ص213 ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص71 والتبيين في أنساب القرشيين ص91 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص269 والمواهب اللدنية ج1 ص198 والاستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص374، وسيرة مغلطاي ص17، والبحار ج43 ص8، وملحقات إحقاق الحق للمرعشي ج10 ص11 عن الثغور الباسمة للسيوطي وراجع: البصائر والذخائر ج1 ص193 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص20.

([105]) ذخائر العقبى ص52 وتاريخ الخميس ج1 ص278 نقلاً عن الإمام أبي بكر أحمد بن نصر بن عبد الله الدراع في كتاب تاريخ مواليد أهل البيت ومروج الذهب: ج2 ص289، والبحار ج43 ص1 ـ 10 عن الكافي بسند صحيح، والمصباح الكبير، ودلائل الإمامة، ومصباح الكفعمي، والروضة، ومناقب ابن شهر آشوب، وفي الأخيرين: أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين، وكذا في كشف الغمة ج2 ص75، وإثبات الوصية للمسعودي، وغيره.

([106]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص157 الخطبة رقم (191)، وهي المساماة بـ «القاصعة».

([107]) راجع: البدء والتاريخ ج5 ص16، والمواهب اللدنية ج1 ص196، وتاريخ الخميس ج1 ص272.

([108]) تجد بعض هذه الروايات في كتب الشيعة، مثل: البحار ج43 ص4 و 5 و 6 عن أمالي الصدوق، وعيون أخبار الرضا، ومعـاني الأخبار، وعلـل الشرائع، وتفسير القمي، = = والإحتجاج وغير ذلك، والأنوار النعمانية ج1 ص80، وفي كتب غيرهم مثل: المستدرك على الصحيحين ج3 ص156، وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه)، ونزل الأبرار ص88، والدر المنثور ج4 ص153، وتاريخ بغداد ج5 ص87، والمناقب لابن المغازلي ص357، وتاريخ الخميس ج1 ص277، وذخائر العقبى ص36 ولسان الميزان ج1 ص134 واللآلي المصنوعة ج1 ص392 ـ 394، ونقله النجفي في ملحقات إحقاق الحق ج10 ص1 ـ 10 عن بعض من تقدم، وعن ميزان الإعتـدال والروض الفائق، ونزهة المجالس، ومجمع الزوائد، وكنز العمال، ومنتخبه، ومحاضرة الأوائل، ومقتل الحسين للخوارزمي، ومفتاح النجاة، والمناقب لعبد الله الشافعي، وإعراب ثلاثين سورة، وأخبار الدول، وستأتي بقية المصادر حين الكلام حول تاريخ الإسراء والمعراج.

([109]) راجع: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» ص114، والمناقب لابن شهرآشوب ج3 ص345، وتذكرة الخواص ص306 ـ 307.

([110]) البحار ج43 ص2.

([111]) البحار ج43 ص2 وليراجع حتى ص10.

([112]) التنبيه والأشراف ص250.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان