هـجـرة الـرســول الأعظم
المؤامرة:
واجتمع أشراف قريش في دار الندوة، ولم يتخلف منهم أحد:
من بني عبد شمس، ونوفل، وعبد الدار، وجمح، وسهم، وأسد، ومخزوم وغيرهم،
وشرطوا: أن لا يدخل معهم تهامي، لأن هواهم كان مع محمد
«صلى
الله عليه وآله»([1]).
كما أنهم قد حرصوا:
على أن لا يكون عليهم من الهاشميين، أو من يتصل بهم عين أو رقيب([2]).
وتذكر الروايات:
أن إبليس قد دخل معهم بصفة شيخ نجدي([3])،
وتشاوروا فيما بينهم ما يصنعون بمحمد؟
فذكروا الحبس في الحديد، فرأوا أن من الممكن أن يتصل بأنصاره، ويطلقوا
سراحه،
وذكروا النفي إلى بعض البلاد فرأوا أن ذلك يمكن الرسول من نشر دينه،
فاستقر رأيهم أخيراً على اقتراح أبي جهل، أو إبليس بأن يأخذوا من كل
قبيلة شاباً جلداً قوياً، حسيباً في قومه، نسيباً، وسطاً، ويعطى كل
منهم سيفاً صارماً، ويدخلوا على النبي «صلى
الله عليه وآله»
بأسيافهم؛ فيضربونه ضربة رجل واحد، فيقتلونه ويتفرق دمه في القبائل،
لأن بني عبد مناف لا يقدرون على حرب قومهم جميعاً، فيضطرون إلى القبول
بالدية، فيعطونهم إياها، وينتهي الأمر.
ومن الواضح:
أنه حين يكون القاتل واحداً ومن قبيلة بعينها، فإنه حتى لو أرادت بعض
القبائل أن تتحالف مع قبيلة القاتل ضد الهاشميين، فسوف يجد بنو هاشم
أيضاً من القبائل الأخرى من يتحالف معهم، كما كان الحال بالنسبة لحلف
المطيبين، مقابل حلف لعقة الدم.
لا سيما
أن المواصفات المتقدمة التي اعتبروها في الرجال العشرة،
إنما هي من أجل أن لا تفكر أية قبيلة في تسليم صاحبها، لأنهـا لو سلمته
فسوف يصبح الهاشميون أكثر قدرة على ضرب قريش، مهما كانت الضربة محدودة.
كما أن هذه المواصفات
التي ذكرت
للقتلة،
تجعل الذين يقدمون على اقتراف تلك الجريمة أكثر ثقة
وإقداماً على هذا الأمر الخطير، الذي لا يجوز التردد ولا الضعف والوهن
فيه.
وعلى كل حال، فقد أخبر الله تعالى نبيه بهذه المؤامرة
عن طريق الوحي، ونزل قوله تعالى:
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ
وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ﴾([4]).
والمكر الإلهي هنا:
هو التدبير السري لإفشال عمل يعزم عليه الغير.
ويقول المؤرخون:
إن أولئك
القوم الذين انتدبتهم قريش، اجتمعوا على باب النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
ـ وهو باب عبد المطلب على ما في بعض الروايات([5])
ـ يرصدونه، يريدون بياته.
وفيهم:
الحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن
الحارث، وأمية بن خلف وزمعة بن الأسود وأبو لهب وأبو جهل وأبو الغيطلة
وطعمة بن عدي، وأبي بن خلف، وخالد بن الوليد، وعتبة، وشيبة، وحكيم بن
حزام، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج([6]).
لقد اختارت قريش من قبائلها العشر، أو الخمس عشرة،
عشرة أو خمسة عشر رجلاً،
بل أكثر، على اختلاف النقل،
ليقتلوا النبي الأعظم «صلى
الله عليه وآله»
بضربة واحدة بسيوفهم،
بل قيل: إنهم كانوا مئة رجل([7]).
ونحن نستبعد هذا العدد الأخير، وذلك لمخالفته لسائر
الروايات الأخرى، مع أن ما ذكرته الرواية من
أن
عدد القبائل كان مئة قبيلة، لا نجد له ما يؤيده. واحتمال أن يكون قد
خرج من كل قبيلة أكثر من واحد ينافيه التصريح بأن الخارجين كانوا
واحداً من كل قبيلة.
ومهما يكن من أمر فإن المتآمرين تهيأوا واجتمعوا،
فأخبر الله تعالى نبيه «صلى
الله عليه وآله»
بمكرهم.
فأمر
«صلى
الله عليه وآله»
أمير المؤمنين علياً «عليه
السلام»
بالمبيت على فراشه، بعد أن أخبره بمكر قريش، فقال علي
«عليه
السلام»:
أوتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟
قال:
نعم.
فتبسم علي
«عليه
السلام»
ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لله، فنام على فراش النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
واشتمل ببرده «صلى
الله عليه وآله»
الحضرمي.
ثم خرج النبي
«صلى
الله عليه وآله»
في فحمة العشاء،
والرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون.
خرج
«صلى
الله عليه وآله»،
وهو يقرأ هذه الآية:
﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ
خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾([8]).
وكان بيده
«صلى
الله عليه وآله»
قبضة من تراب، فرمى بهـا
في رؤوسهم، ومر من بينهم، فما شعروا به، وأخذ طريقه إلى غار ثور.
ولعل هذه القبضة من تراب قد
أشغلتهم بأنفسهم، وصرفت قلوبهم عن التدقيق في رصد موضوع خروج النبي
«صلى الله عليه وآله»، لا سيما مع وجود ظلمة قوية، فإنهم
كانوا في فحمة العشاء، وتحتاج الرؤية فيها إلى المزيد من التنبُّه إلى
إحداد النظر في نقطة بعينها..
وعلى كل حال، فإن الرواة قد زعموا:
أن أبا
بكر
جاء
وأمير المؤمنين علي «عليه
السلام»
نائم، فقال: يا نبي الله، وأبو بكر يحسبه أنه نبي الله قال: فقال له
علي: إن نبي الله،
قد انطلق نحو بئر ميمونة، فأدركه، فانطلق أبو بكر، فدخل معه الغار([9]).
ولعل الصحيح هو الرواية التي تقول:
إن النبي «صلى الله عليه
وآله» قد لقي أبا بكر في الطريق، وكان أبو بكر قد خرج ليتنسم
الأخبار، وربما يكون استصحبه معه، لكي لا يسأله سائل إن كان قد رأى
رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فيقر لهم بأنه رآه، ثم
يدلهم على الطريق التي سلكها خوفاً من أن يتعرض لأذاهم، أو خطأ، أو لأي
داع آخر.
نقول هذا:
إذ لا موجب لترجيح تلك الرواية على
هذه، ولأننا لم نجد، ما يدل على علم علي «عليه السلام»
بالمكان والجهة التي توجه إليها رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
وليس ثمة ما يؤيد احتمال أن يكون «صلى الله عليه وآله»
قد أخبره بشيء من ذلك.
على أن السؤال الأهم هو:
كيف دخل أبو بكر إلى علي «عليه السلام»؟!
ومن أين؟!
وكيف لم يره خمسة عشر رجلاً يرصدون البيت وقد طافوا
بالدار؟!
وإذا كانوا يرصدون، وينظرون من خلل الباب إلى النائم،
ورأوه كيف يتضور وهم يرمونه ببعض الحصى، فكيف لم يروا أبا بكر حين دخل
إليه؟!
وإذا كانوا قد رأوه، فهل سمعوا كلامه؟!
وإذا كانوا قد سمعوه، وهم قريبون
منه إلى حد أنهم يرمونه بالحصى، فلماذا لم يلحقوا بالنبي «صلى
الله عليه وآله» كما لحق به أبو بكر؟!
وحين دخل أبو بكر هل كشف له عليّ
«عليه السلام» رأسه، أم بقي مغطى، وإذا كان قد كشفه فهل
رآه المشركون أم لا؟
ولماذا لم يروه ؟! وإذا كانوا قد رأوه، فلماذا انتظروا
إلى الصباح؟!
وإذا كانوا قد سمعوا صوت عليّ ورأوه فكيف لم يعرفوه،
ولم يميزوا بين الرجلين ولا بين الصوتين؟!
وكيف رأوا تضوره ولم يروا شخصه..
وبعد الاجتماع بين أبي بكر وعليٍّ «عليه السلام» من أين
خرج أبو بكر، وهل رأوه حين خرج أم لم يروه؟!
إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي لن تجد الجواب
المقنع والمقبول.
وعلى كل حال، فقد روى الشيخ الطوسي:
«أن النبي «صلى الله عليه وآله» أمر أبا بكر،
وهند بن أبي هالة: أن ينتظرا في طريقه إلى الغار بمكان عينه لهما»([10]).
وذكر الراوندي:
«أنه
مشى وهم لا
يرونه، فرأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسس من خبره،
وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم، فأخرجه معه إلى الغار»([11]).
وإذا صح هذا؛ فيرد سؤال:
كيف لم يخبر أبو بكر النبي بأمرهم؟! إلا أن يقال: إنه إنما جاء ليخبر
النبي «صلى
الله عليه وآله»
بذلك.
ولكن الأهم من ذلك:
كيف أطلعت قريش أبا بكر على تدبيرها مع حرصها الشديد
على التكتم فيه، عن كل من له بالنبي أدنى صلة كما تقدم تصريح
الدياربكري وغيره بذلك؟
قالوا:
وجعل المشركون يرمون علياً «عليه
السلام» بالحجارة، كما كانوا يرمون رسول الله «صلى الله
عليه وآله»، وهو يتضور (أي يتلوى ويتقلب)، وقد لف رأسه في الثوب
لا يخرجه حتى أصبح، فهجموا عليه، فلما بصر بهم عليّ «عليه
السلام» قد انتضوا السيوف، وأقبلوا عليه، يقدمهم خالد بن
الوليد، وثب له عليّ «عليه السلام»، فختله، وهمز يده،
فجعل خالد يقمص قماص البكر، ويرغو رغاء الجمل، وأخذ من يده السيف، وشد
عليهم بسيف خالد، فأجفلوا أمـامه إجفال النعم إلى خـارج الدار،
وتبصروه، فإذا علي.
قالوا:
وإنك لعلي؟
قال:
أنا علي.
قالوا:
فإنا لم نردك؛ فما فعل صاحبك؟
قال:
لا علم لي به([12]).
فكان من الطبيعي أن يتراجعوا عنه، وأن يسرعوا إلى قومهم
لإخبارهم بما جرى ليتدبروا الأمر قبل فوات الأوان.
وهكذا كان فقد هبت قريش لتدارك الموقف.
فأذكت قريش العيون، وركبوا في طلب النبي
«صلى
الله عليه وآله»
الصعب والذلول،
واقتفوا أثره، حتى وصل القائف([13])
إلى نقطة لحوق أبي بكر به، فأخبرهم أن من يطلبونه صار معه هنا رجل آخر.
واستمروا يقتفون الأثر حتى وصلوا إلى باب الغار،
الذي كان مغطى
بأغصان الشجرة..
فصرفهم الله
عنه؛ حيث كانت العنكبوت قد نسجت على باب الغار، وباضت في مدخله حمامة
وحشية، كما يذكرون، وغير ذلك فاستدلوا من ذلك على أن الغار مهجور، لم
يدخله أحد، وإلا لتخّرق
النسج، وتكسّر
البيض، ولم تستقر الحمامة الوحشية على بابه([14]).
وأمهل أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
إلى الليلة القادمة؛ فانطلق تحت جنح الظلام، هو وهند بن أبي هالة، حتى
دخلا الغار على رسول الله «صلى
الله عليه وآله»،
فأمر الرسول هنداً
أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين.
فقال أبو بكر:
قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين ترتحلهما إلى يثرب.
فقال:
إني لا آخذهما، ولا أحدهما إلا بالثمن.
قال:
فهي لك بذلك.
فأمر علياً
«عليه
السلام»
فأقبضه الثمن([15]).
ثم أوصاه بحفظ ذمته، وأداء أماناته، وكانت قريش ومن
يقدم مكة من العرب في الموسم يستودعون النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
ويستحفظونه أموالهم وأمتعتهم،
وأمره أن ينادي صارخاً بالأبطح غدوة وعشياً:
«من
كان له قبل محمد أمانة، فليأت، فلنؤد إليه أمانته».
وقال «صلى الله عليه وآله» لعلي
حينئذٍ، أي بعد أن ذهب الطلب عن النبي «صلى الله عليه وآله»:
إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه، حتى تقدم علي؛ فأد
أمانتي على أعين الناس ظاهراً، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي،
ومستخلف ربي عليكما، ومستحفظه فيكما.
فأمر
«صلى
الله عليه وآله»
علياً «عليه
السلام»
أن يبتاع رواحل له وللفواطم، ومن أزمع الهجرة معه من
بني هاشم.
قال أبو عبيدة:
فقلت
لعبيدالله (يعني ابن أبي رافع): أو كان رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
يجد ما ينفقه هكذا؟.
فقال:
إني سألت أبي عما سألتني عنه ـ وكان يحدث لي هذا الحديث ـ فقال: وأين
يذهب بك عن مال خديجة «عليها
السلام»؟.
قال:
إن رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
قال: ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة.
وكان رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
يفك من مالها الغارم والعاني، ويحمل الكل، ويعطي في النائبة، ويرفد
فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة([16]).
وبعد أن أقام رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
في الغار ثلاثاً،
إنطلق يؤم المدينة([17]).
وقال أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
يذكر مبيته على الفراش، ومقام رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»:
وقيت بنفسي خير
من وطا الحصـا ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
محمد لمـا خـاف أن يمـكــروا بـه فـوقاه ربـي ذو الـجلال
من المكـر
وبـت أراعـيـهــم متى ينشرونني وقد وطنت نفسي على
القتل والأسر
وبـات رسول الله في الـغــار آمناً هنـاك وفـي حفظ
الإلـه وفي ستـر
أقـام ثـلاثــاً، ثـم زمت قـلائص قـلائص يفرين الحصـا أيما
يفري
كل ما تقدم يذكره المؤرخون وأهل الحديث في كتبهم
ومؤلفاتهم فليراجعها من أراد.
ولسوف يأتي إن شاء الله بعض الكلام حول سفره، ووروده
قباء، وغير ذلك بعد الكلام على بعض الأمور التي ترتبط بما تقدم؛ فنحن
نسجل هنا الأمور التالية:
يقول بعضهم:
«وهنا
تبدأ قصة من أروع ما عرفه تاريخ الفداء والتضحية، فالشجعان والأبطال
يثبتون في المعارك في وجه أعدائهم، يدافعون بما لديهم من سلاح وعتاد مع
أنصارهم وأعوانهم، وقد تضطرهم المعارك إلى أن يثبتوا في مقابل العدو،
لا منفردين.
أما أن يخرج الإنسان إلى الموت طائعاً مطمئناً بدون
سلاح ولا عتاد، وكأنه يخرج ليعانق غادة حسناء، فينام على فراش تحف به
المخاطر والأهوال، أعزل من كل شيء إلا من إيمانه، وثقته بربه، وحرصه
على سلامة القائد، كما حدث لعلي
«عليه
السلام»،
حينما عرض عليه ابن عمه محمد «صلى
الله عليه وآله»
أمر المبيت على فراشه؛ ليتمكن هو من الفرار، والتخلص من مؤامرة قريش؛
فهذا ما لم يحدث في تاريخ البطولات، وما لم يعرف من أحد في تاريخ
المغامرات، في سبيل المبدأ والعقيدة».
ويقول: «ولم
يكن مبيت عليٍّ ليلة الهجرة هي المرة الأولى؛ فلقد كان أبو طالب في
أيام الحصار في الشعب يُنِيم
علياً على فراش النبي، حتى إذا حصلت حادثة اغتيال، كان في عليٍّ
دون النبي، ولم يكن ليمانع في ذلك أبداً بل كان يقدم عليه برضا نفس،
وطيبة خاطر»([18]).
ونقول: إننا لا نوافق على هذا
التعبير الجاف الذي يقول: «ليتمكن هو من الفرار..» فإنه
«صلى
الله عليه وآله»
لا يفر، ولكنه يهاجر لجمع القوى، ويعود ظافراً فاتحاً
بعد ثمان سنوات..
والغريب هنا:
أن نجد أحد من
عرف بنصبه، وبالعداء لشيعة عليٍّ
«عليه
السلام»
أو محبيه، يضطر لأن يعترف بأن قضية مبيته
«عليه
السلام»
على
فراش النبي «صلى
الله عليه وآله»
ليلة الهجرة، من الإشارات الواضحة إلى خلافته، فيقول:
«هذا
الذي كان من عليٍّ
في ليلة الهجرة، إذا نظر إليه في مجرى الأحداث التي عرضت للإمام عليٍّ
في حياته بعد تلك الليلة؛ فإنه يرفع لعيني الناظر إمارات واضحة،
وإشارات دالة على أن هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن عارضاً
بالإضافة إلى عليّ،
بل هو عن حكمة لها آثارها ومعقباتها، فلنا أن نسأل:
أكان لإلباس الرسول
«صلى
الله عليه وآله»
شخصيته لعلي تلك الليلة ما يوحي بأن هناك جامعة تجمع بين الرسول وبين
علي أكثر من جامعة القرابة القريبة التي بينهما؟.
وهل لنا أن نستشف من ذلك أنه إذا غاب شخص الرسول كان
علياً (كذا) هو الشخصية المهيأة لأن تخلف، وتمثل شخصه، وتقوم مقامه؟.
وأحسب أن أحداً قبلنا لم ينظر إلى هذا الحدث نظرتنا هذه إليه، ولم يقف
عنده وقفتنا تلك حتى شيعة علي»
([19]).
1 ـ
ونشير هنا: إلى أن الملاحظ: أن قريشاً لم تصر على أمير المؤمنين في
استنطاقها له عن مكان ابن عمه.
وما ذلك إلا لأنهم قد علموا:
أنهم إنما يحاولون عبثاً، ويطلبون مستحيلاً، فإن من كان يحمل مثل هذا
الإخلاص، ومثل هذه التضحية النادرة في التاريخ لن يفشي لهم سراً قد ضحى
بنفسه في سبيل كتمانه، لذلك نراهم قد أطلقوه وانصرفوا عنه يائسين([20]).
2 ـ
لقد كان علي في موقفه تجاه النبي «صلى
الله عليه وآله»
مثلاً أعلى للإنسانية الكاملة، فقد عرف الناس معنى
الإخلاص، وماهية التضحية، وحقيقة الإيمان.
حيث إنه يرى نفسه مقتولاً على كل حال، إما لظن المشركين
أنه رسول الله، فيخبطوه بأسيافهم ضربة رجل واحد، وإما انتقاماً منه،
حيث كان سبباً لخلاص من سفه أحلامهم، وعاب آلهتهم، وفرق جماعتهم، وهم
يعرفون أيضاً حب النبي
«صلى
الله عليه وآله»
له ومنزلته منه، فإذا قتلوه فإنما يقتلون أخاه وابن عمه، والرجل المخلص
الذي يفديه بنفسه([21]).
وأما انصرافهم عنه، بعد ظهور الأمر، فهو إما خوفاً منه،
بعد أن رأوا ما فعله بخالد، وإما من أجل توفير الفرصة للبحث عن غريمهم
الأصلي والأهم بالنسبة إليهم.
بقي هنا سؤال:
وهو أنه إذا كان علي
«عليه
السلام»
يعلم بأن حديث الدار يدل على أنه «عليه
السلام»
لن يقتل في هذه الحادثة، بل هو سوف يعيش إلى ما بعد الرسول
«صلى
الله عليه وآله»
ليكون وصيه وخليفته من بعده، فلا تبقى له فضيلة في مبيته على فراش
النبي «صلى
الله عليه وآله»
ليلة الهجرة.
والجواب:
أولاً:
إن ذلك لا يمنع من حصول البداء في هذا الأمر حسبما
أشرنا إليه في أوائل هذا الكتاب.
ثانياً:
إن ذلك لا
يمنع من تعرضه «عليه
السلام»
للجراح وقطع الأعضاء والأسر والتعذيب البالغ.
وهو أمر يتجنبه ويخشاه الناس وسيأتي بعد صفحات ما يؤيد
الجواب الأول وأنه
«عليه
السلام»
قد كان موطناً نفسه على القتل والأسر ومعنى ذلك هو أنه كان لا يقطع
بالبقاء إلى ما بعد وفاة النبي «صلى
الله عليه وآله»،
لأجل إمكانية حصول البداء في هذا الأمر لما قلنا.
ويقول البعض أيضاً:
«إن
هذا الذي كان من علي ليلة الهجرة في تحديه لقريش هذا التحدي السافر،
وفي استخفافه بها، وقيامه بينها ثلاثة أيام يغدو ويروح إن ذلك لا تنساه
قريش لعلي أبداً.
ولولا أنها وجدت في قتله يومئذ إثارة فتنة تمزق وحدتها،
وتشتت شملها، دون أن يكون في ذلك ما يبلغ بها غايتها في محمد
«صلى
الله عليه وآله»
ـ لولا ذلك ـ لقتلته، وشفت ما بصدرها منه، ولكنها تركته، وانتظرت
الأيام لتسوي حسابها معه»([22]).
ولقد كان حساباً عسيراً حقاً، ولا سيما بعد أن أضاف إلى
ذلك: أنه قتل رجالها، وجندل صناديدها، وبقي اليد الطولى لابن عمه يضرب
بها هنا وهناك كل متكبر جبار، أين وأنى شاء.
وقد بدأ هذا الحساب العسير فور
استشهاده
«صلى
الله عليه وآله»،
وحتى قبل أن يغسل ويكفن ويدفن.
قلنا:
إن مبيت أمير
المؤمنين «عليه
السلام»
هذا قد ضيع
الفرصة على قريش، وأفشل ما كانت دبرته في النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
وكان أيضاً سبباً لتمكين الدين، وإعلاء كلمة الحق.
وأما أن يقاس ذلك بقضية ذبح إسماعيل،
فلا يصح ذلك، لان إسماعيل قد استسلم لوالد شفيق رحيم، يجد في عطفه
وحنانه ما يسليه عما ينزل به، ولا يجد منه أياً من أنحاء التنكيل،
والقسوة والخشونة.
أما علي
«عليه
السلام»،
فإنما استسلم لعدوه الذي لا يرحمه،
ومن لا يشفي غليله إلا سفك دمه، وصب أقسى أنواع العذاب والتنكيل عليه،
مع شماتة قاتلة، وحقد هائل.
وقد تكلم الإسكافي في نقضه لعثمانية الجاحظ حول هذه
القضية فراجعه([23])،
ولو أردنا استقصاء الكلام حول هذه النقطة لطال بنا المقام.
لقد كان من الممكن أن ينصر الله رسوله من دون أن يضطر
إلى اللجوء إلى الغار، وإلى مبيت علي
«عليه
السلام»
على فراشه، وذلك عن طريق آيات باهرة، وعنايات ومعجزات قاهرة.
وقد ظهر أنه قادر على ذلك من خلال
ما صنعه لرسوله «صلى الله عليه وآله» من نسج العنكبوت،
ومن إنبات الشجر على باب الغار، ثم تردد الحمامة الوحشية على مكان قريب
تنفر منه بحسب العادة.
ولكن لا، فقد شاءت العناية الإلهية أن تسير الأمور على
سجيتها، وعلى وفق أسبابها الطبيعية، مع تسديدات وعنايات تشمل الأمور
الخارجة عن حدود الطاقة، وليكون ذلك مثلاً لنا جميعاً ودرساً مؤثراً في
الجد والعمل في سبيل الدين والعقيدة، فليس لنا أن ننتظر المعجزة من
السماء، فالله لم يخطط لنبيه على أساس المعجزة والكرامة وحسب، ولا تكرم
عليه بها إلا بعد أن رأى منه الاستعداد والتضحية والمبادرة إليها،
فاستحق اللطف الإلهي، وتحقق مصداق قوله تعالى:
﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن
يَنصُرُهُ﴾([24])
و﴿إِن تَنصُرُوا
اللهَ يَنصُرْكُمْ﴾([25]).
وأما السبب في أنه تعالى لم يخطط لنبيه على أساس التدخل
المباشر، والإعجاز: هو أنه حين يرتبط الأمر بحرية اختيار الناس
لأعمالهم فلا بد من الحذر من أن يفهم الأمر بطريقة خاطئة، وهو أنهم
مسلوبو الاختيار، وأن لا قدرة لهم على التصرف؛ ولأجل ذلك فإن التدخل
الإلهي يقتصر على ما يكون من خارج دائرة اختيارهم، فهم قد فعلوا كل ما
خطر في بالهم، فلم يمنع أعينهم من النظر والرؤية، ولا أصم آذانهم عن
السمع، ولا منع لسانهم من الحركة، والتفاهم، ولا شل حركة أيديهم عن حمل
السلاح، ولا أقعدهم عن المشي في أي اتجاه أحبوا.
بل تصرف خارج دائرة اختيارهم، فخلق
الشجرة التي تحتاج في الحالات الطبيعية إلى سنوات، ونسجت العنكبوت ـ
التي يستغرق نسجها إلى شهور ـ في وقت يسير.. تماماً كما تدخل في قضية
حرق النبي إبراهيم «عليه السلام» في خارج دائرة
الاختيار، فقال للنار: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً﴾
بعد أن فعل الناس كل ما راق لهم فجمعوا الحطب وجاؤوا بالمنجنيق،
وأضرموا النار و.. الخ..
والذي نلاحظه:
أن الله تعالى قد تدخل لحفظ نبيه
«صلى الله عليه وآله» بطريقة تحفظ للناس اختيارهم وإطلاق
إرادتهم، غير أن السؤال عن السبب في هذا التدخل الذي يأتي على درجة من
الندرة في حياة الأنبياء، فقد رأينا بني إسرائيل يقتلون الأنبياء، ولا
يتدخل الله لمنعهم من ذلك.
ونقول في الجواب:
إن تكرر هذا التدخل من شأنه أن يعطي الانطباع بأن لا
قيمة لجهد وجهاد أهل الإيمان لحفظ الدعوة، والدفاع عن رمزها..
وهذا ما يؤدي إلى الخمول والتخاذل وإهمال الواجب، وطمع
أهل الباطل بأهل الحق، وإعطائهم الفرصة للعبث وإثارة المتاعب أمامهم..
مع ملاحظة:
أن هذا التدخل قد انحصر في حالة
واحدة هي حين يكون الخطر يتهدد الرمز الأعظم الذي يكون إسقاطه إسقاطاً
للمشروع الإلهي كله.. مثل إبراهيم «عليه السلام» ونبينا
الأعظم محمد «صلى الله عليه وآله».. دون غيرهما من
الأنبياء «عليهم السلام».
فكان لا بد من التدخل الإلهي؛ لأن القضية لا تختص بقوم
دون قوم، بل الخسارة تكون للبشرية جمعاء..
ولا يمكن التفريط في أمر كهذا لمنافاته اللطف الإلهي
الذي يفرض إقامة الحجة على جميع البشر، والرحمة لهم، بحفظ باب الهداية
مفتوحاً أمامهم، وإقامة الحجة، وتوفير البيانات والحجج لهم.
وهذا حق محفوظ لهم، ولا يمكن حرمانهم من ذلك.
ولعلك تقول:
ألا تعد غيبة الإمام «عليه
السلام» حرماناً للبشر من حق لهم، بسبب تفريط جماعة صغيرة من
الناس حين استشهاد أبيه الإمام الحسن العسكري صلوات الله وسلامه عليه..
فالجواب:
أن غيبة الإمام وإن كانت في البداية بسبب فعل مجموعة من
الناس في وقت بعينه لكن استمرار موجبات هذه الغيبة إنما هو بفعل نفس
الناس الموجودين في كل عصر، لأن بإمكانهم إزالة هذه الموجبات، وفسح
المجال أمام إشراقة شمس ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ولقد وقع المشركون في تناقض عجيب، فهم في نفس الوقت
الذي يصرون فيه على تكذيب النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
والافتراء عليه، حتى إنهم كانوا يقولون عنه: إنه مجنون،
ساحر،
شاعر،
كاهن، الخ..
نراهم يأتمنونه على أموالهم وودائعهم إلى الحد الذي يحتاج معه إلى أن
يترك ابن عمه ينادي في الناس ثلاثة أيام؛ ليأتوا إليه ويأخذوا ودائعهم،
وهل يؤمّن
المجنون، والكذاب، والكاهن، والعدو؟!.
فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن عدم إيمان
المشركين بما يدعوهم إليه ليس إلا استكباراً وعناداً، لا عن قناعة بعدم
صحة ما جاءهم به، وقد قال تعالى:
﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ﴾([26]).
أي أنهم كانوا يجحدون بما جاءهم به، إما زعماً منهم أن
في ذلك حفاظاً على مصالحهم الشخصية ومستقبلهم، وإما تقليداً أعمى
للضالين من آبائهم وأجدادهم،
وإما حفاظاً على امتيازاتهم، أو حسداً، أو غير ذلك.
وإن إبقاء علي
«عليه
السلام»
في مكة ليؤدي للناس أماناتهم وودائعهم، في ظروف حساسة وخطيرة جداً كهذه
الظروف، لهو من أروع الأمثلة للإنسان الكامل، الذي يلتزم بمبادئه،
ويحترم قناعاته، ولا يحيد عما رسمه الله له قيد شعرة، ولا يبحث عن
المعذرات والفرص، وإنما هو يعيش من أجل مبادئه العليا، وتحقيق أهدافها،
ولا يعتبر المبدأ وسيلة لتحقيق مآربه وأهدافه.
نعم،
لقد كان «صلى
الله عليه وآله»
أميناً
عندهم، وسموه ب «الأمين».
وكان ذلك من أبرز صفاته الشخصية حتى قبل نبوته،
وها هو يؤدي إليهم أماناتهم، مع أنهم يريدون نفسه ودمه، ومحو كل آثاره
من الوجود، وتشويه كل ما يرتبط به.
ولكن ذلك لا يحول بينه وبين أن يهتم بأمانات الناس،
برهم وفاجرهم، وقد كان له كل العذر لو أنه لم يردها عليهم.
وبالمناسبة فإننا نعطي بعض المحققين الحق في أن يتعجب
أو يستغرب، كيف لا يرى أحاديث عامة أهل السنة تهتم بهذه الصفة العظيمة،
صفة الأمانة التي هي أساس إنسانية الإنسان؟
ولكن لا عجب من ذلك ولا غرابة فيه؛ فإن أحاديث
«الحكمة»
قد محيت أيضاً وذهبت منذ
استشهد
«صلى
الله عليه وآله»
بعناية وتعمد تام من قبل الخلفاء الحكام، وإلا فأين هذا الأمر الذي
يخبر الله في أكثر من سبع آيات: أنه كان من جملة مهمات ووظائف النبي
«صلى
الله عليه وآله»
في أيام رسالته:
﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾([27]).
فقد عرفنا:
أنه
«صلى
الله عليه وآله»
قد علم الناس الكتاب، وقد بقي هذا الكتاب بحفظ من الله:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾([28]).
ولكن أين هي تلك الحكمة التي علمها النبي
«صلى
الله عليه وآله»
لأمته، ونحن نرى: أنه لم يبق منها عند علماء الإسلام ومن يهتم
بالأحاديث سوى نحو من خمس مئة حديث في أصول الأحكام ومثلها في أصول
السنن([29])
وهل كان من بينها شيء في الحكمة يا ترى؟.
نعم،
نحن نجد في أحاديث الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام الكثير من
الحكمة، ومن بينها الكثير من الأحاديث في الأمانة والصدق الذي هو شعبة
منها، وقد جعلوها محوراً
للأخلاق العملية،
واهتموا بها بصورة عجيبة وظاهرة.
لقد رأينا:
أن الأرض ليست هدفاً في نظر الإسلام، وإنما الهدف هو
الإسلام نفسه، فإن المقام في الأرض والاحتفاظ بها، إذا كان معناه الذل
والقهر، والحرمان، وعدم تحقيق الأهداف الدينية السامية الكبرى، التي
تكون بها سعادة الإنسان، فيجب ترك هذه الأرض والتخلي عنها إلى غيرها،
من أجل الصلاح والإصلاح، وبناء المستقبل، والحصول على السعادة والكرامة
الحقيقية.
فالإنسان أولاً، وكل ما عداه فإنما هو من أجله، وفي
خدمته.
وبعد هذا، فإن قضية الهجرة تعطينا:
وجوب نصر المسلمين بعضهم بعضاً حيث رأينا أن المهاجرين قد استعانوا
بإخوانهم الأنصار فأعانوهم ونصروهم على أعدائهم.
كما أنها تعطينا وجوب أن يكون المسلمون يداً واحدة على
من سواهم، من دون أن يكون للروابط القبلية أي تأثير في ذلك،
ووجوب أن يكون المنطلق لهم في تعاونهم وتوادهم، وتراحمهم، والتأسي في
المعاش فيما بينهم، هو الدين والعقيدة،
لا الروابط القبلية، أو المصلحية، أو غير ذلك.
ثم هي تعطينا حسن التدبير، ودقة التخطيط الذي اتبعه
«صلى
الله عليه وآله»
في تلك الظروف الحرجة والعصيبة، فإن مبيت أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
هو الذي جعل قريشاً تطمئن إلى وجوده «صلى
الله عليه وآله»
على فراشه، حينما جاء من أخبر المحيطين بالبيت بأنه
«صلى
الله عليه وآله»
قد خرج وانطلق لحاجته([30]).
وقد جاء في بعض الروايات:
أن أبا طالب
«عليه
السلام»
قال للنبي «صلى
الله عليه وآله»
حينما ائتمروا به: هل تدري ما ائتمروا بك؟
قال:
يريدون أن يسجنوني، أو يقتلوني، أو يخرجوني.
قال:
من حدثك بهذا؟
قال:
ربي.
قال:
نعم الرب ربك
الخ..([31]).
ونقول:
إن هذه
الرواية لا يمكن أن تصح، لأن ائتمارهم به
«صلى
الله عليه وآله»
قد كان بعد بيعة العقبة الثانية، وقبل الهجرة بقليل،
أي في السنة الثالثة عشرة بعد البعثة، وأبو طالب قد توفي في السنة
العاشرة من البعثة، أي بعد خروج المسلمين من الشعب.
إلا أن يقال:
إن من الممكن
أن يكونوا قد ائتمروا أن يفعلوا به ذلك أكثر من مرة، فأخبر الله تعالى
نبيه بذلك، ثم عزموا على تنفيذ مؤامرتهم في وقت متأخر،
ولعل الرواية المذكورة آنفاً تؤيد ذلك.
قال تعالى:
﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ
أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي
الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا
فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ
تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى
وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾([32]).
ربما يقال:
إن هذه الآية تدل على فضل أبي بكر، لأمور:
منها:
أنه عبر عن
أبي بكر بأنه ثاني اثنين،بدعوى
أنه أحد اثنين في الفضل، ولا فضل أعظم من كون أبي بكر قريناً للنبي
«صلى
الله عليه وآله».
ومنها:
أنه جُعل صاحباً للنبي «صلى
الله عليه وآله»،
والصحبة في هذا المقام العظيم منزلة عظمى.
ومنها:
أن النبي «صلى
الله عليه وآله»
قال له: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾
أي أنه معهما بلحاظ نصرته ورعايته، ومن كان شريكاً للنبي
«صلى
الله عليه وآله»
في نصرة الله له، كان من أعظم الناس.
ومنها:
قوله
تعالى: ﴿فَأَنزَلَ اللهَ سَكِينَتَهُ
عَلَيْهِ﴾
فإن السكينة قد أنزلت على أبي بكر؛ لأنه هو المحتاج إليها، لما تداخله
من الحزن، دون النبي «صلى
الله عليه وآله»:
لأنه عالم بأنه محروس من الله سبحانه وتعالى([33]).
ولكن ذلك كله لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ
إن عائشة تقول: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن، غير
أن الله أنزل عذري([34])
وحتى عذرها هذا قد ثبت أنه لا يمكن أن يكون قد نزل فيها، كما أثبتناه
في كتابنا حديث الإفك.
2 ـ
أما
كونه ثاني اثنين، فليس فيه إلا الإخبار عن العدد، وهو لا يدل على
الفضل، إذ قد يكون الثاني صبياً، أو جاهلاً، أو مؤمناً، أو فاسقاً الخ..
والفضيلة في القرآن منحصرة
بالتقوى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهَ
أَتْقَاكُم﴾([35])،
لا بالثانوية.
ويزيد العلامة المظفر:
أنه لو كان المراد الإثنينية في الفضل والشرف، لكان أبو بكر أفضل لأنه
هو الأول، والنبي هو الثاني بمقتضى الآية!!([36]).
3 ـ
من
الواضح: أن الهدف في الآية هو الإشارة إلى أن النبي
«صلى
الله عليه وآله وسلم»
كان في موقف حرج، ولا من يرد عنه أو يدفع، أما رفيقه فليس فقط لا يرد
عنه، وإنما هو يمثل عبئاً ثقيلاً عليه، بحزنه وخوفه ورعبه، فبدل أن
يخفف عن النبي «صلى
الله عليه وآله»،
ويشد من أزره، يحتاج
هو
إلى أن يخفف
نفس النبي «صلى
الله عليه وآله»
عنه، ويسليه!!
أو على الأقل لم يكن له أي أثر في الدفاع عن الرسول، والتخفيف من
المشقات التي يتحملها، إلا أنه قد زاد العدد، وصار العدد بوجوده اثنين.
4 ـ
أما
جعله صاحباً للنبي «صلى
الله عليه وآله»،
فهو أيضاً لا فضيلة فيه؛ لأن الصحبة لا تدل على أكثر من المرافقة
والاجتماع في مكان واحد، وهو قد يكون بين العالم وغيره، والكبير
والصغير، وبين المؤمن وغيره، قال تعالى:
﴿وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ﴾([37])،
وقال: ﴿قَالَ لَهُ
صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ﴾([38]).
فالصحبة من حيث هي لا فضل فيها.
5 ـ
أما
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾؛
فقد جاء على سبيل
الإخبار
لأبي بكر؛
والتذكير له
بأن الله تعالى سوف يحفظهم عن أعين المشركين، وليس في ذلك فضيلة له، بل
فيه إخبار بأن الله ينجيهم من أيدي أعدائهم، ولسوف ينجي الله أبا بكر
مقدمة لنجاة نبيه،
ما دام أن هذا متوقف على ذاك.
وهذا نظير ما أشارت إليه الآية الكريمة التي تقول:
﴿وَمَا كَانَ
اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾([39])
إذن، فنجاة المشركين من العذاب لأجل النبي، أو لأجل وجود مؤمن مقيم
فيما بينهم لا يوجب فضلاً للمشركين.
6 ـ
إن هذا الحزن قد صدر منه ـ كما يقول المؤرخون ـ بعد ما رأى من الآيات
الباهرة والمعجزات الظاهرة، التي توجب اليقين بأن الله يرد عن نبيه،
ويحفظه من أعدائه.
فهو قد عرف بخروجه من بين القوم، وهم لا يرونه، ورأى
نسج العنكبوت على باب الغار، ورأى الحمامة تبيض،
وتقف
على باب الغار، وغير ذلك، كما أنه «صلى
الله عليه وآله»
كان يخبر المسلمين بأنه ستفتح على يديه كنوز كسرى وقيصر، وأن الله
سيظهر دينه، وينصر نبيه، فحزن أبي بكر في مقام كهذا
لا يمكن أن يكون على رسول الله «صلى الله
عليه وآله»، لأنه قد عرف بعد رؤيته لتلك الآيات أن الله سبحانه
حافظ لنبيه، فإن كان بعد كل هذا غير مصدق بحفظ الله لنبيه غير واثق
بنصرته له
مع رؤيته لكل هذه الآيات
فسيكون أمره
مريباً، وفي غاية الغرابة، ويكون حزنه معصية
يجب أن يردع
عنها
ويمنع منها،
والنهي عنها
مولوي، وهو يكشف عن عدم رسوخ قدم له في معرفة جلال وعظمة الله،
ولا نقول أكثر من ذلك.
وإن كان أبو بكر على يقين من نصرة
الله لنبيه، لكنه حزن على نفسه، خوفاً من أن يلحق به أذى من قبل قريش
فإنه يحتاج في هذه الحال إلى التطمين، الذي أكد له أن الله تعالى عارف
بحاله وبمطالبه الشخصية، وهو مع الرسول «صلى الله عليه وآله»
في مكان واحد، ويحتاج حفظ الرسول إلى حفظ من يكون معه، لأن التدخل
الإلهي فيما يرتبط بإبعاد المشركين عن رسول الله «صلى الله عليه
وآله» بإيجاد الشجرة، ونسج العنكبوت إنما يسير من ناحية
المشركين، وفقاً للسنن الطبيعية، ولا يمكن وفقاً لهذه السنن أن يفسح
المجال للمشركين لرؤية أبي بكر إلا إذا رأوا رسول الله «صلى
الله عليه وآله» إلى جانبه.
وفي هذا تفريط بالرسول وإفساد للخطة الإلهية، فظهر أن
حفظ الرسول يستلزم حفظ من اجتمع معه في المكان أيضاً.
لأن إفساح المجال للمشركين لرؤية
أبي بكر سوف يمكنهم من رؤية الرسول «صلى الله عليه وآله»
إلا إذا طمس على أعينهم بتدخل إلهي مباشر وفي هذا ظلم لهم لما فيه من
سلب لاختيارهم.
وأخيراً..
فإننا نذكر القارئ بالفرق بين من
يحزن خوفاً على نفسه، وبين من يضحي بنفسه من أجل نجاة رسول الله «صلى
الله عليه وآله» ولا يسأل عما سوف يصيبه إذا كتب الله لنبيه
النجاة.. حتى استحق أن يباهي الله به ملائكته وأن ينزل فيه آية قرآنية
تبين كيف باع نفسه لله، وهو قوله تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله
وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾([40]).
وقد قيل:
إن أبا بكر قال: يا رسول الله، إن
حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه، فقال له النبي «صلى
الله عليه وآله»: ﴿إِنَّ اللهَ
مَعَنَا﴾([41]).
7 ـ
أما قولهم إن النصر كان من الله لهما معاً، فهو شريك للنبي في نصرة
الله لهما، وهذا فضل عظيم.
فهو أيضاً باطل،
ويدفعه صريح الآية، فإنها قد خصت نصر الله تعالى ـ ولعله بمعنى أنه
تعالى نجى نبيه من الكفار ـ بالرسول، قال تعالى:
﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ
(الضمير يرجع
إلى النبي «صلى
الله عليه وآله»)
فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ
أَخْرَجَهُ..﴾.
فالنصر إذن ثابت لخصوص النبي «صلى
الله عليه وآله»،
وأبو بكر تابع محض، والتبعية في النصرة إنما هي لأجل اجتماعهما في مكان
واحد، وذلك لا يدل على فضل لأبي بكر([42]).
أو فقل:
إن حفظه لأبي
بكر إنما هو مقدمة لحفظ شخص النبي «صلى
الله عليه وآله»
كما قلنا.
8 ـ
وأما قضية
السكينة، فلا يصح قولهم: إنها نزلت على أبي بكر، بل هي نازلة على خصوص
النبي «صلى
الله عليه وآله»،
لأن الضمائر المتأخرة والمتقدمة في الآية كلها ترجع إليه
«صلى
الله عليه وآله»
بلا
خلاف، وذلك في
الكلمات
التالية:
تنصروه،
نصره،
يقول،
أخرجه،
لصاحبه،
أيده،
فرجوع ضمير في وسطها إلى غير النبي «صلى
الله عليه وآله»
يكون خلاف الظاهر، ويحتاج إلى قرينة قاطعة.
ويلاحظ هنا:
أن ثمة تجاهلاً ظاهراً لأبي بكر في هذه الآيات
المباركة، يوحي بما ربما لا يروق للكثيرين أن يفكروا به.
وناقش الجاحظ([43])
وغيره فقالوا:
إن
النبي «صلى
الله عليه وآله»
لم يكن بحاجة إلى السكينة لتنزل عليه،
وكأنه يريد أن يجعل من ذلك قرينة لصرف اللفظ عن ظاهره.
ولكنه كلام باطل.
أولاً:
قال تعالى في
سورة التوبة في الآية 26 عن قضية حنين:
﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى
المُؤْمِنِينَ﴾.
وقال في سورة الفتح في الآية 26:
﴿فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ﴾.
فهاتان الآيتان:
تدلان على
نزول السكينة عليه «صلى
الله عليه وآله»،
فلا يصح ما ذكره الجاحظ.
ومن جهة ثانية نرى:
أنه تعالى قد ذكر نزول السكينة على المؤمنين فقال:
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ
فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً..﴾([44]).
وقال:
﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾([45]).
وهنا قد يتساءل البعض عن سر إخراج أبي بكر من السكينة،
ولم حرم منها هنا، مع أن الله قد أنزلها على النبي
«صلى
الله عليه وآله»
هنا وعليه وعلى المؤمنين في غير هذا الموضع؟!!
وأقول:
لربما يمكن الجواب: بأن إنزالها على الرسول هنا يكفي؛
لأن في نجاته نجاة لصاحبه، وفي خلاصه خلاصه.
ولكنه جواب متهالك، لأن السكينة إنما توجب اطمينان
القلب، وذهاب القلق، وهو أمر آخر غير النجاة والخلاص.
فيبقى السؤال الآنف بانتظار الجواب.
ثانياً:
إن السكينة
هي: نعمة من الله تعالى: ولا يجب في نزول النعمة الاتصاف بما يضادها،
ولذلك تنزل الرحمة بعد الرحمة، وقد يكون نزول السكينة يهدف إلى زيادة
الإيمان قال تعالى مشيراً إلى ذلك: ﴿هُوَ
الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا
إِيمَاناً..﴾.
ثالثاً:
من أين علموا:
أن النبي «صلى
الله عليه وآله»
لم يكن بحاجة إلى السكينة مع عدم وجود ما يدل عليه في الآية، فلتكن
كآية حنين بمعنى أن هذه السكينة بمثابة الإعلام بأن مرحلة الخطر القصوى
قد انتهت؟!
ولماذا لا يظن النبي «صلى الله عليه
وآله»:
أن حزن أبي بكر، ورعبه وخوفه، وبكاءه،
قد كان لمشاكل أخرى وهو «صلى
الله عليه وآله»
وإن كان يعلم: أنه سوف ينجو منها في النهاية، إلا أنها تشكل على الأقل
عراقيل وموانع، تؤخر وصوله إلى هدفه الأقصى والبعيد.
رابعاً:
يرى العلامة
الطباطبائي: أن الآية مسوقة
لبيان نصر الله تعالى
لنبيه،
حيث لم يكن معه أحد يتمكن من نصرته، ومن هذا النصر إنزال السكينة عليه،
وتقويته بالجنود، ويدل على ذلك تكرار كلمة
«إذ»
ثلاث مرات، كل منها بيان لما قبله بوجه، فتارة لبيان وقت النصر، وأخرى
لبيان حالته «صلى
الله عليه وآله»،
وثالثة لبيان وقت هذه الحالة؛ فالتأييد بالجنود كان لمن نزلت السكينة
عليه([46]).
ويقول بعض الأعلام([47]):
«إن
أبا بكر لما لم يستجب لطلب النبي «صلى
الله عليه وآله»
في أن لا يحزن ولا يخاف، فإن السكينة نزلت على النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
وبقي أبو بكر على عدم سكينته، الأمر الذي يدل على أن أبا بكر لم يكن
مؤهلاً لهذا التفضل والتكرم من الله تعالى».
ويقول المفيد، وغيره:
إن حزن أبي بكر إن كان طاعة لله؛ فالنبي
«صلى
الله عليه وآله»
لا ينهى عن الطاعة؛ فلم يبق إلا أنه معصية([48]).
وأجاب الحلبي وغيره:
بأن الله خاطب نبيه بقوله:
﴿وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾ فنهي الله لنبيه لم يكن إلا تأنيساً
وتبشيراً له، وكذلك نهي النبي لأبي بكر([49]).
ونحن نرى أن جواب الحلبي هذا في غير
محله، وذلك:
لأن حزن أبي بكر، وشكه في نصر الله، الذي يشير إليه
قوله «صلى
الله عليه وآله»
له: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾
كان مما لا يجمل ولا يحسن؛
إذ كان عليه أن يثق بنصر الله سبحانه وتعالى لنبيه
«صلى
الله عليه وآله»،
بعد ما رأى المعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، الدالة على أن الله
تعالى سوف ينجي نبيه من كيد المشركين.
وعليه فلا يمكن أن تكون الآية واردة في مقام مدحه
وتقريظه، ولا بد من حمل النهي على ما هو ظاهر فيه، ولا يصرف عن ظاهره
إلا بقرينة،
بل ما ذكرناه يكون قرينة على تعين هذا الظاهر.
ولا يقاس حزن أبي بكر بحزن النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
والمشار إليه بقوله تعالى: ﴿وَلاَ
يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾
وغيرها، لأن النبي «صلى
الله عليه وآله»
إنما كان يحزن من أجل ما يراه من العوائق أمام دعوته، والموانع التي
تعترض طريق انتشار وانتصار دينه، لما يراه من استكبار قومه، ومقامهم
على الكفر والطغيان.
فالنهي له «صلى الله عليه
وآله» في الآية المتقدمة، ولموسى «عليه السلام»
في آية أخرى، ليس نهي تحريم، وإنما هو تأنيس وتبشير بالنصر السريع
لدينه، وللتنبيه على عدم الاعتناء بقولهم، وعدم استحقاقهم للحزن
والأسف.
فحزن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
هنا يدل على عمق إيمانه، وفنائه في ذات الله تعالى، وهو لا يقاس بحزن
من يحزن من أجل نفسه، ومن أجل نفسه فقط.
والآيات صريحة فيما نقول:
فنجد آية تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» كان يحزن
لمسـارعة قومه في الكفر:
﴿وَلاَ
يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ..﴾([50])
و﴿وَمَن
كَفَرَ فَلا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ﴾([51])
وأخرى تقول إنه يحزن لما بدا له من تكذيبهم إياه:
﴿قَدْ
نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ
يُكَذِّبُونَكَ..﴾([52]).
وثالثة تقول:
إنه كان يحزن
لاتخاذهم آلهة من دون الله
﴿فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا
يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾([53]).
وهكذا سائر الآيات، كما لا يخفى على من لاحظها.
فالآيات على حد قوله تعالى:
﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ
حَسَرَاتٍ﴾([54])
فهو حزن حسن منه «صلى
الله عليه وآله»،
وهو يدل على كمال صفاته، وسجاحة([55])
أخلاقه،
صلوات الله عليه وآله الطاهرين.
أضف إلى كل ما تقدم:
أننا لو لم نعرف واقع حزن أبي بكر، فإننا لا يمكن أن
نقيسه على حزن النبي المعصوم، بل علينا أن نأخذ بظاهر النهي، وهو
التحريم، ولا يعدل عن ظاهره إلا بدليل.
وإذا كان أبو بكر يحزن مع ما يرى من الآيات والمعجزات،
ولا يصبر لينال أجر الصابرين الموقنين، فكيف تكون حالته لو أراد أن
ينام في مكان أمير المؤمنين علي
«عليه
السلام»
في تلك الليلة المهولة؟! وهل من الممكن أن لا يضعف وينهار أمام كيد
قريش، ويستسلم لجبروتها في اللحظـات
العسيرة،
ولتنقلب من ثم مجريات الأمور رأساً على عقب؟.
هذا السؤال يطرح نفسه، وربما لا، ولن يجد الجواب الكافي
والشافي في المستقبل القريب على الأقل.
سؤال آخر:
وهو أنه هل يمكن أن نصدق بعد هذا ما يدعى من أشجعية أبي
بكر بالنسبة لسائر الصحابة؟!
وسيأتي إن شاء الله تعالى حين الكلام على غزوة بدر، بعض
ما يرتبط بهذا السؤال الثاني، فإلى هناك.
ويقولون:
إن أبا بكر
كان في الطريق إلى الغار، تارة يمشي أمام النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
وأخرى خلفه، وثالثة عن يمينه، ورابعة عن يساره؛ فسأله رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
عن ذلك، فقال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب
فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن يسارك، لا آمن عليك([56]).
وهذا كلام لا يصح.
أولاً:
لأن حزنه في
الغار، وخوفه وهو يرى الآيات والمعجزات التي يذكرها نفس هؤلاء الراوين
لهذه الرواية قد زاد في كدر النبي الأعظم
«صلى
الله عليه وآله»،
حتى لقد احتاج النبي «صلى
الله عليه وآله»
إلى أن ينزل الله سكينته عليه.
ثانياً:
عدا عن ذلك
فإنه لا معنى لتخوف الرصد، فقد كانت قريش مطمئنة إلى أنها تحاصر النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
وتحيط به،
وأنه لن تكون له نجاة من مكرها وكيدها،
ثم هل كان لديه سلاح يدفع به عن النبي «صلى
الله عليه وآله»،
أو عن نفسه؟!.
ثالثاً:
أضف إلى ذلك
كله: فراره في أحد، وحنين، وخيبر، كما سنرى إن شاء الله تعالى،
ولم يؤثر عنه فيما سوى ذلك أي موقف شجاع يذكر،
وقد يكون للقصة أصل إذا كان يفعل ذلك من جهة خوفه على نفسه، فكان يبحث
عن موقع يشعر فيه بالأمن فلا يجده!! ثم حرفت وحورت حتى صارت كما ترى،
فتبارك الله أحسن الخالقين!!
وإننا نكاد نطمئن إلى أن الهدف من هذا وسواه هو تعويض
أبي بكر عما فقده، في مقابل مبيت علي
«عليه
السلام»
على فراش النبي الأكرم «صلى
الله عليه وآله»،
حيث باهى الله به ملائكته، وهو مقام ناله علي
«عليه
السلام»
بجهاده وصبره، وإخلاصه.
قد ورد:
أن الله تعالى أوحى إلى جبرائيل وميكائيل: إني آخيت
بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟
فاختار كلاهما الحياة.
فأوحى الله إليهما:
ألا كنتما مثل
علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد «صلى
الله عليه وآله»؛
فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض، فاحفظاه
من عدوه.
فنزلا، فكان جبرائيل
عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرائيل
ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله به الملائكة؟
فأنزل الله عزوجل:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي
نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾([57]).
قال الإسكافي: «وقد
روى المفسرون كلهم: أن قوله تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله..﴾
نزلت في علي «عليه
السلام»
ليلة المبيت على الفراش»([58]).
وبما ذكرناه من المصادر لنزول آية الشراء في علي
«عليه
السلام»،
وبما ذكره الإسكافي أيضاً يظهر كذب ما ذكره فضل بن روزبهان، من أن أكثر
المفسرين يقولون: إن الآية قد نزلت في الزبير والمقداد، حيث أرسلهما
النبي «صلى
الله عليه وآله»
إلى مكة لينزلا خبيب بن عدي عن الخشبة التي صلب عليها، وكان حول خشبته
أربعون من المشركين، فخاطرا بنفسيهما حتى أنزلاه، فأنزل الله الآية([59]).
ويذكر المظفر:
أن المفسرين لم يذكروا ذلك، حتى السيوطي، والرازي، والكشاف، مع أن
الرازي قد جمع في تفسيره كل أقوالهم، والسيوطي جمع عامة رواياتهم.
وذكر في الإستيعاب في ترجمة خبيب:
أن الذي أرسله النبي «صلى
الله عليه وآله»
لإنزاله هو عمرو بن أمية الضمري([60]).
وسيأتي:
عدم صحة ذلك في الجزء السادس من هذا الكتاب.
وقد أنكر
«ابن
تيمية»
على عادته في إنكار فضائل أمير المؤمنين علي
«عليه
السلام»
وقال: «كذب
باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.
وأيضاً قد حصلت له الطمأنينة بقول
الصادق له:
لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم،
فلم يكن فيه فداء بالنفس، ولا إيثار بالحياة،
والآية المذكورة في سورة البقرة، وهي مدنية باتفاق.
وقد قيل:
إنها نزلت في
صهيب «رضي
الله عنه»
لما هاجر»([61]).
ونقول:
1 ـ
إن كانت الآية مدنية بالنسبة إلى علي «عليه
السلام»،
فهي أيضاً مدنية بالنسبة إلى صهيب، فما يقال هناك يقال هنا.
2 ـ
لقد أجاب الإسكافي المعتزلي على دعوى الجاحظ: أنه
«صلى
الله عليه وآله»
قال لعلي «عليه
السلام»:
لن يصل إليك شيء تكرهه! فقال:
«هذا
هو الكذب الصراح، والإدخال في الـروايـة ما ليس منها، والمعروف المنقول
أنه «صلى الله عليه وآله» قال له: «فاضطجع في
مضجعي، وتغش ببردي الحضرمي، فإن القوم سيفقدونني، ولا يشهدون مضجعي،
فلعلهم إذا رأوك يسكنهم ذلك، حتى يصبحوا، فإذا أصبحت فاغد في أمانتي».
ولم ينقل ما ذكره الجاحظ، وإنما ولده أبو بكر الأصم،
وأخذه الجاحظ،
ولا أصل له.
ولو كان هذا صحيحاً لم يصل إليه منهم مكروه، وقد وقع
الاتفاق على أنه ضرب، ورمي بالحجارة قبل أن يعلموا من هو، حتى تضور،
وأنهم قالوا له: رأينا تضورك الخ..»([62]).
هذا وقد تقدم في أوائل هذا الفصل:
أن النبي «صلى الله عليه
وآله» إنما قال لعلي «عليه السلام»: إنه لا يصل
إليه شيء يكرهه، بعد مبيته على الفراش، وذلك حينما التقى معه في الغار،
وأمره برد ودائعه، وأن ينادي في مكة بذلك، وطمأنه إلى أن نداءه هذا لن
يتسبب له بمتاعب وصعوبات وليس المقصود: أنه لن يناله مكروه من أي مشرك
في جميع الأحوال والأزمان.
3 ـ
ويدل على أنه كان موطناً نفسه على القتل ما يلي:
أ ـ
إنه لو صح ما ذكره ابن تيمية لم يكن معنى للافتخار بموقفه ذاك؛ فقد روي
أن عائشة فخرت بأبيها، ومكانه في الغار مع الرسول
«صلى
الله عليه وآله»،
فقال عبد الله بن شداد بن الهاد: وأين أنت من علي بن أبي طالب، حيث نام
في مكانه، وهو يرى أنه يقتل؟ فسكتت، ولم تحر جواباً([63]).
ب ـ
وعن أنس:
أنه
«عليه
السلام»
كان موطناً نفسه على القتل([64]).
ج ـ
إن علياً
«عليه
السلام»
نفسه قد أكد
على هذا، ودفع كل شبهة فيه، حينما قال شعره المتقدم:
وقيت نفسي خير من وطـأ
الثرى
.......
إلى أن قال:
وبـت أراعـيـهـم متـى
يثبتـوننـي وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
وبـات رسـول الله في الغـار آمنــاً هنـاك وفي حفظ
الإلـه وفي سـتر([65])
د ـ
وعنه
«عليه
السلام»:
«وأمرني
أن أضطجع في مضجعه، وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له، مسروراً
لنفسي بأن أقتل دونه، فمضى «صلى
الله عليه وآله»
لوجهه، واضطجعت في مضجعه، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل
النبي «صلى
الله عليه وآله»،
فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي؛ فدفعتهم عن نفسي
بما قد علمه الله والناس.
ثم أقبل على أصحابه، فقال:
أليس كذلك، قالوا: بلى يا أمير المؤمنين»([66]).
وقيل إنهم ضربوا علياً، وحبسوه ساعة، ثم تركوه([67]).
ملاحظة:
يمكن أن يفهم مما تقدم:
أن الحديث الذي يقول: إنه «عليه
السلام»
قد حاربهم بسيف خالد موضع شك وريب، لأنه إنما حاربهم بسيفه هو لا بسيف
خالد.
إلا أن يقال:
أن نسبته إليه لا تدل على ملكيته له.
وقد يكون حاربهم بسيفه أولاً، ثم سيف خالد ثانياً بعد
أن أخذه منه وإن كان هذا الاحتمال ضعيفاً.
4 ـ
وبعد، فإن قيمته «عليه السلام» إنما هي قائمة في عمق
ذاته، من حيث صفاء جوهره، وكامنة في عمق ذاته، تماماً كما هي قيمة
الذهب والجوهر، والألماس بالقياس إلى الحديد والنحاس، فإنك تستخدم
الحديد، وتستفيد منه ليل نهار، أما الجوهر والألماس، فإنه يحتفظ بقيمته
العالية رغم أنه في أعماق الخزائن، وقد يستفاد منه في شيء من الأعمال
إلا ما شذ وندر، وهو في معرض المدح والثناء، ولا يلتفت إليه.
ولأجل ذلك نقول:
إن نزول الآية لتعظيم أمير المؤمنين «عليه السلام» يكون
أمراً عادياً وصحيحاً، حتى لو لم يكن علي حاضراً في واقعة ليلة الهجرة،
لأن علياً يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله دون كل أحد سواه.
5 ـ
وأما دعوى ابن
تيمية: أن حديث حراسة جبرائيل وميكائيل له
«عليه
السلام»،
ونزول الآية فيه، كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.
فلا تصح أصلاً،
فإننا لم نجد أحداً منهم صرح بكذب هذه الرواية سواه، فهو يدعي عليهم ما
لا يعرفون، وينسب إليهم ما هم منه بريئون.
بل عرفت تصحيح الحاكم والذهبي لهذا الحديث، وتقدم أيضاً
طائفة كبيرة من الذين رووه من كبار العلماء والحفاظ، من دون غمز فيه أو
لمز.
إلا أن يكون شيطان ابن تيمية قد أوحى إليه بأن ينسب
إليهم ما هم منه براء.
6 ـ
وأجاب الحلبي عن كلام ابن تيمية بقوله: «..لكنه
في الإمتاع لم يذكر أنه «صلى
الله عليه وآله»
قال لعلي ما ذكر؛ أي لن يصل إليك شيء تكرهه وعليه فيكون فداؤه للنبي
بنفسه واضحاً.
ولا مانع من تكرار نزول الآية في حق علي، وفي حق صهيب.
وحينئذٍ يكون «شرى»
في حق علي «رضي
الله عنه»
بمعنى باع، أي باع نفسه بحياة المصطفى،
وفي حق صهيب بمعنى اشترى، أي اشترى نفسه بماله.
ونزول هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها
مدنية؛ لأن الحكم يكون للغالب»([68]).
انتهى.
ولكن بعض ما أجاب به الحلبي محل نظر؛ فإن استعمال شرى
بمعنى باع تارة وبمعنى اشترى أخرى محل نظر؛ لأنه يلزم منه استعمال
المشترك في أكثر من معنى، وقد منعه طائفة من العلماء.
وإن كنا نحن نرى:
أنه لا مانع من ذلك؛ إلا ما كان من قبيل الاستعمال في المعنى الحقيقي
والمجازي معاً،
وشاهدنا على ذلك صحة التورية وشيوعها في كلام العرب،
فإذا لم نجز استعمال المشترك في معنيين لم يصح كلام الحلبي حتى وإن
كانت الآية قد نزلت مرتين لأن محل الكلام إنما هو في قراءتنا نحن
للآية، وكيفية فهمنا لها.
هذا عدا عن أن صهيباً لا خصوصية له في بذله ماله،
فإن كثيراً من المهاجرين قد تخلوا عن أموالهم للمشركين وهاجروا فراراً
بدينهم.
لقد رووا:
أنه لما أراد رسول الله «صلى
الله عليه وآله» الخروج إلى الغار أرسل أبا بكر مرتين أو ثلاثاً
إلى صهيب فوجده يصلي، فكره أن يقطع صلاته، وبعد أن جرى ما جرى عاد صهيب
إلى بيت أبي بكر، فسأل عن أخويه: النبي «صلى الله عليه وآله»
وأبي بكر، فأخبروه بما جرى، فأراد الهجرة وحده، ولكن المشركين لم
يمكنوه من ذلك حتى بذل لهم ماله؛ فلما اجتمع مع النبي في قباء قال «صلى
الله عليه وآله»: ربح صهيب ربح صهيب، أو ربح البيع، فأنزل الله:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ
ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ..﴾([69]).
وألفاظ الرواية مختلفة كما يعلم بمراجعة الدر المنثور
للسيوطي وغيره.. ويكفي أن نذكر أن بعضها يذكر: أن الآية نزلت لما أخذ
المشركون صهيباً ليعذبوه، فقال لهم: إني شيخ كبير لا يضر،
أمنكم كنت أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتدعوني وديني؟ ففعلوا([70]).
ورواية أخرى تذكر القضية بنحو يشبه ما جرى لأمير
المؤمنين حين هجرته، وتهديده إياهم ورجوعهم عنه؛ فراجع([71]).
ولكنها قصة لا تصح:
أولاً:
لأن إرسال
النبي «صلى
الله عليه وآله»
أبا بكر إلى صهيب ثلاث مرات في ظرف كهذا غير معقول، لا سيما وهم يدَّعون:
أن قريشاً كانت تطلب أبا بكر كما تطلب النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
وجعلت مئة ناقة لمن يأتي به([72])،
وإن كنا نعتقد بعدم صحة ذلك كما سنرى، ولكن قريشاً ولا شك إنما كانت
تهتم في أن تستدل على النبي من خلال أبي بكر.
أضف إلى ما تقدم:
أن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
لم يخبر أحداً بهجرته تلك الليلة، بل يروون: أنه
«صلى
الله عليه وآله»
إنما صادف أبا بكر وهو في طريقه إلى الغار.
ثانياً:
إن كلامه معه
وهو في الصلاة، وإخباره بالأمر، لا يوجب قطع صلاة صهيب، إذ باستطاعته
أن يلقي إليه الكلام ويرجع دون أن يقطع عليه صلاته كما أنه يمكن أن
ينتظره دقيقة أو دقيقتين حتى يفرغ من صلاته، فيخبره بما يريد،
ويمكن أيضاً أن يوصي أهل بيته أن يبلغوه الرسالة التي يريد إبلاغها إلا
إذا كان لم يثق بهم.
إلا أن يدَّعى:
أن أبا بكر كان بحيث لا يدري كيف يتصرف، أو أنه كان يرى
حرمة إلقاء الكلام ليسمعه المصلي، وكلاهما غير محتمل في حقه، أو لا
يرضى محبوه بنسبته إليه على الأقل، وباقي الفروض الآنفة تبقى على
حالها. هذا بالإضافة إلى هذه الصدفة النادرة فإنه يأتيه مرتين أو
ثلاثاً، وهو لا يزال يصلي!!.
ثالثاً:
لماذا يهتم
النبي «صلى
الله عليه وآله»
بصهيب خاصة، ويترك من سواه من ضعفاء المؤمنين، الذين كانت قريش تمارس
ضدهم أقسى أنواع التعذيب والأذى؛ فلا يرسل إليهم، ولو مرة واحدة، ولا
نقول ثلاث مرات؛
وهل هذا ينسجم مع ما نعرفه من عدل النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
وعطفه الشديد على أمته؟.
إلا أن يقال:
لعل غير صهيب كان مراقباً من قبل المشركين، أو أن
صهيباً كان أشد بلاء من غيره، إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا دليل
عليها، ولا شاهد لها.
رابعاً:
إننا نجد بعض
الروايات تقول: إن أبا بكر ـ وليس النبي
«صلى
الله عليه وآله»
ـ هو الذي قال لصهيب: ربح البيع يا صهيب وذلك في قضية أخرى لا ربط لها
بحديث الغار([73])
والبعض يذكر القضية، ولكنه لا يذكر نزول الآية فيه([74]).
خامساً:
إن الآية إنما تتمدح من يبذل نفسه في مرضاة الله، لا
أنه يبذل المال في مرضاته، ورواية صهيب ناظرة إلى الثاني لا الأول.
سادساً:
قد قلنا آنفاً: إن صهيباً لم يكن الوحيد الذي بذل ماله
في سبيل دينه، فلماذا اختص هذا الوسام به دونهم؟
سابعاً:
إنهم يذكرون:
أنه لم يتخلف مع النبي «صلى
الله عليه وآله»
أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا علياً وأبا بكر([75]).
ثامناً:
إن الرواية القائلة بأن صهيباً كان شيخاً كبيراً لا يضر
المشركين، أكان معهم أم مع غيرهم لا تصح؛ لأن صهيباً قد توفي سنة ثمان
أو تسع وثلاثين وعمره سبعون سنة([76])؛
فعمره يكون حين الهجرة واحداً أو اثنين وثلاثين سنة، فهو قد كان في
عنفوان شبابه، لا كما تريد أن تدعيه هذه الرواية المفتعلة.
هذا كله، عدا عن تناقضات روايات صهيب.
وعدا عن أن عدداً منها لا يذكر نزول الآية في حقه.
كما
أنها عموماً إما مروية عن صهيب نفسه، أو عن تابعي لم يدرك عهد النبي،
كعكرمة، وابن المسيب، وابن جريج،
وليس هناك سوى رواية واحدة وردت عن ابن عباس الذي ولد قبل الهجرة بثلاث
سنين فقط.
ويجب أن يُعلم:
أن صهيباً كان
من أعوان الهيئة الحاكمة بعد النبي «صلى
الله عليه وآله»،
وممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين، وكان يعادي أهل البيت
«عليهم
السلام»([77]).
فلعل المقصود هو مكافأته على مواقفه تلك، بمنحه هذه
الفضيلة الثابتة لأمير المؤمنين
«عليه
السلام»،
فيكون هؤلاء قد أصابوا عصفورين بحجر واحد حينما يزين لهم شيطانهم أن
علياً يخسر وخصومه يربحون.
6 ـ
بقي في كلام ابن تيمية المتقدم قوله: إن سورة البقرة مدنية، ولو صح
نزولها في علي «عليه
السلام»
لكانت مكية.
وجوابه واضح:
فإن نزول الآية لو سلم أنه كان في نفس ليلة المبيت، فمن الواضح أن
النبي «صلى
الله عليه وآله»
كان حينئذٍ في الغار، وليس معه سوى أبي بكر؛ فلم يكن ثمة مجال للإعلان
بنزول الآية إلا بعد وصوله «صلى
الله عليه وآله»
إلى المدينة، واستقراره فيها، ثم إتاحة الفرصة له في
الظرف المناسب لإظهار هذه الفضيلة العظيمة لابن عمه ووصيه.
فلا بأس أن تعد بهذا الاعتبار مدنية، وتجعل في سورة
البقرة، التي كان نزولها في مطلع الهجرة، كما هو معلوم.
هذا بالإضافة إلى أن وجود آية مكية في سورة مدنية ليس
بعزيز.
وأما ما ذكره الحلبي من تكرر نزول الآية فلا دليل عليه،
بل الأدلة الآنفة تدفعه وتنافيه.
يرى البعض:
أن الله تعالى
قد سمى أبا بكر بالصديق في قضية الغار، كما في شواهد النبوة، حيث قد
روي: أنه حين أذن الله تعالى لنبيه بالهجرة، قال لجبرائيل:
من يهاجر معي؟
قال جبرائيل:
أبو بكر الصديق([78]).
ولكننا
نشك في صحة ذلك:
أولاً:
لتناقض الروايات في تسمية أبي بكر بالصديق، وسبب ذلك
وزمانه؛ فمن قائل: إن ذلك كان في قضية الغار كما هنا.
ومن قائل:
إنه كان حينما رجع النبي «صلى
الله عليه وآله»
من رحلة الإسراء، وتصديق أبي بكر له في ذلك، وحين وصف النبي
«صلى
الله عليه وآله»
لقومه بيت المقدس([79]).
وقول ثالث:
إن ذلك كان
حين بعثة النبي «صلى
الله عليه وآله»،
حيث صدقه أبو بكر، فسمي الصديق([80]).
وقول رابع:
إن ذلك كان
حين رحلة النبي «صلى
الله عليه وآله»
إلى السماء، حيث روي عنه «صلى
الله عليه وآله»
قوله: لما عرج بي إلى السماء، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها
مكتوباً محمد رسول الله أبو بكر الصديق([81])
فأي ذلك هو الصحيح؟!
ثانياً:
لدينا العديد
من الروايات الصحيحة والحسنة سنداً، والمروية في عشرات المصادر، تنص
على أن «الصديق»
هو
أمير المؤمنين «عليه
السلام»،
دون أبي بكر،
ونذكر منها:
1 ـ
عن علي
«عليه
السلام»،
بسند صحيح على شرط الشيخين، أنه قال: أنا عبد الله، وأخو رسوله، وأنا
الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتري،
لقد صليت قبل الناس بسبع سنين([82]).
وقال غير مرة:
«أنا
الصديق الأكبر، والفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام أبي بكر وصليت قبل
صلاته»([83]).
والظاهر أن المراد:
أنه «عليه
السلام»
كان يتعبد مع النبي «صلى
الله عليه وآله»
على دين الحنيفية ـ حتى قبل بعثته ـ من حين تمييزه، إلى أن علم
الدين، ونزل قوله تعالى:
﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾،
بل وقبل ذلك أيضاً. وبذلك يبطل قول ابن كثير:
«كيف
يتمكن أن يصلي قبل الناس بسبع سنين؟ هذا لا يتصور أصلاً
»([84]).
2 ـ
وأخرج القرشي
في شمس الأخبار رواية طويلة عن النبي «صلى
الله عليه وآله»
أن
الله قد سمى علياً ب «الصديق
الأكبر»
في ليلة الإسراء([85]).
3 ـ
عن ابن
عباس، عن النبي «صلى
الله عليه وآله»:
الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل ياسين،
وعلي بن أبي طالب الثالث أفضلهم.
وقريب منه ما روي عن أبي ليلى الغفاري، بسند حسن، كما
نص عليه السيوطي([86]).
وكذا عن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى([87]).
فحصر النبي
«صلى
الله عليه وآله»
للصديقين بالثـلاثة،
ينافي تسمية أبي بكر ب «الصديق»
على النحو المتقدم، وإلا كانوا أربعة، ولم يصح الحصر.
4 ـ
عن معاذة قالت: سمعت علياً، وهو يخطب على منبر البصرة،
يقول: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن
يسلم أبو بكر([88]).
وظاهره:
أنه في صدد نفي صديقية أبي بكر، التي شاعت بين الناس.
5 ـ
عن أبي
ذر، وابن عباس، قالا: سمعنا النبي «صلى
الله عليه وآله»
يقول لعلي: أنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق
والباطل([89])،
وقريب منه عن أبي ليلى الغفاري.
6 ـ
عن أبي ذر، وسلمان: إن الرسول «صلى الله عليه وآله» أخذ
بيد علي، فقال: إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم
القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق
والباطل الخ([90]).
7 ـ
وفي خطبة طويلة لأم الخير بنت الحريش، أوردتها في صفين، وصفت فيها أمير
المؤمنين «عليه
السلام»
بـ «الصديق
الأكبر»([91]).
8 ـ
وقال
محب الدين الطبري: «إن
رسول الله سماه صديقاً»([92]).
9 ـ
وقـال
الخجندي: «وكان
يلقب بيعسوب الأمـة،
وبالصديق الأكبر»([93]).
10 ـ
وجاء في رواية أخرى: «فيجيبهم
ملك من بطنان العرش: يا معشر الآدميين، ليس هذا ملكاً مقرباً، ولا
نبياً مرسلاً، ولا حامل عرش،
هذا الصديق الأكبر علي بن أبي طالب الخ..»([94]).
11 ـ
إن آية:
﴿أوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾([95])
نزلت في علي «عليه
السلام»
وكذا آية:
﴿وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾([96])،
وآية:
﴿فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ﴾([97]).
12 ـ
وفي رواية عن
أنس: «وأما
علي فهو الصديق الأكبر الخ..»([98]).
وثمة روايات أخرى؛ فلتراجع في مصادرها([99]).
وبعدما تقدم نعرف:
أن لقب «الصديق»
خاص بالإمام علي «عليه
السلام»،
ولا يمكن إثباته لغيره.
هذا وقد ذكر العلامة الأميني روايات تدل على أن الصديق
هو أبو بكر، ثم فندها بما لا يدع مجالاً للشك في كذبها وافتعالها؛ حيث
حكم كبار النقاد والحفاظ عليها بالوضع والكذب من أمثال: الذهبي،
والخطيب، وابن حبان، والسيوطي، والفيروزآبادي، والعجلوني، ومن أراد أن
يقف على ذلك، فعليه بالرجوع إلى كتاب الغدير؛ فإن فيه ما ينقع الغلة،
ويزيح الشبهة.
والظاهر أن سرقة هذا اللقب، وغيره من الألقاب، قد حصلت
في وقت متقدم، حتى اضطر الإمام أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
إلى الإعلان على منبر البصرة([100]):
أنه «عليه
السلام»
هو الصديق الأكبر، وليس أبا بكر، وأن كل من يدعي هذا اللقب لنفسه فهو
كذاب مفتر،
وقد كرر «عليه
السلام»
ذلك كثيراً.
ولكن السياسة التي حكمت الأمة، وهيمنت على فكرها
واتجاهاتها استطاعت أن تحتفظ بهذه الألقاب لمن تريد الاحتفاظ لهم بها،
ولم يكن ثمة أية قوة تستطيع أن ترد أو أن تمنع، أو حتى أن تعترض ولو
بشكل سلمي بحت، لا سيما وأن وضع مثل هذه الأمور قد تم وحصل على أيدي
علماء من وعاظ السلاطين.
ويقولون:
إنه بعد أن
بدأ المسلمون بالهجرة إلى المدينة، وأخبر النبي
«صلى
الله عليه وآله»
أبا بكر: أنه يرجو أن يؤذن له، حبس نفسه على رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»،
واشترى راحلتين بثمانمائة درهم ـ وكان أبو بكر رجلاً ذا مال ـ وعلفهما
ورق السمر، أو الخبط أربعة أشهر([101])،
أو ستة أشهر([102])،
على اختلاف النقل.
ولما أراد
«صلى
الله عليه وآله»
الهجرة عرض أبو بكر الراحلتين على الرسول
«صلى
الله عليه وآله»؛
فأبى أن يقبلهما إلا بثمن.
وإذا أغمضنا النظر عما يظهر من النص السابق من أن الهدف
هو إظهار أبي بكر على أنه متفضل على النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
فإننا نقول: إن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ
إن علفه للراحلتين أربعة أشهر أو ستة غير معقول؛ لأن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
قد أمر أصحابه بالهجرة قبل هجرته هو «صلى
الله عليه وآله»
بثلاثة أشهر فقط،
بل يقول البعض: إن ذلك كان قبل هجرته بشهرين ونصف على التحرير([103]).
بل يقول البعض: إن بيعة العقبة قد كانت قبل الهجرة
بشهرين وليال([104]).
وقد أمر
«صلى
الله عليه وآله»
أصحابه بالهجرة بعد بيعة العقبة، كما هو معلوم؛ فكيف يكون أبو بكر قد
علف
الراحلتين
أربعة، أو ستة
أشهر، بعد أمره «صلى
الله عليه وآله»
لأصحابه بالهجرة؟!.
وأما تخيل أن يكون أبو بكر قد عرف بنية النبي
«صلى
الله عليه وآله»
في هذا المجال، قبل أن يصدر منه
«صلى
الله عليه وآله»
الأمر بالهجرة فليس له ما يؤيده لا من عقل ولا من نقل، سوى هذا النص
الذي هو موضع البحث.
بالإضافة إلى أن الاذن
بالهجرة إنما كان بعد بيعة العقبة كما تقدم.
2 ـ
إن ثمة
نصاً يقول: إن أمير المؤمنين «عليه
السلام»
قد اشترى للنبي «صلى
الله عليه وآله»
ثلاثاً من الإبل، واستأجر الأريقط بن عبد الله، وأرسل الإبل معه إلى
النبي «صلى
الله عليه وآله»
ليلة الخروج من الغار([105]).
فلعله اشترى الإبل من أبي بكر، واستلمها وأرسلها إلى
النبي «صلى
الله عليه وآله»
مع الأريقط.
والحقيقة هي:
أنهم لما رأوا: أنه «صلى
الله عليه وآله»
لم يقبل الراحلتين من أبي بكر إلا بالثمن، ورأوا في ذلك تضعيفاً
للخليفة الأول، وفي مقابل ذلك هم يرون: أن علياً يبذل نفسه في سبيل
الله،
وتنزل في حقه الآيات، عوضوا أبا بكر عن ذلك بأنه قد علف الراحلتين هذه
المدة الطويلة.
وبعدما تقدم نقول:
إن شراء
الرسول للراحلتين، أو شراء أمير المؤمنين للرواحل يبين: أن أبا بكر قد
هاجر على نفقة الرسول «صلى
الله عليه وآله»،
وليس على نفقة نفسه.
ويقولون:
إن رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
قد خرج إلى الغار من خوخة لبيت أبي بكر([106]).
وعند البخاري:
أنه
«صلى
الله عليه وآله»
ذهب إلى أبي بكر ظهراً، ومن ثم ذهبا إلى الغار([107]).
ونقول:
1 ـ
لقد كذب
الحلبي ذلك، وقال: «والأصح:
إنما كان خروجه من بيت نفسه»([108]).
2 ـ
تقدم
في أوائل هذا الفصل: أن أبا بكر جاء إلى بيت النبي فوجد علياً نائماً
مكانه؛ فأخبره
علي «عليه
السلام»
بذهاب النبي «صلى
الله عليه وآله»
نحو بئر ميمون؛ فلحقه في الطريق: فكيف يكون قد خرج إلى الغار من خوخة
أبي بكر؟! وكيف يكون قد خرج إلى الغار ظهراً؟.
3 ـ
إن
سائر الروايات نص على أن المشركين قد جلسوا على باب النبي
«صلى
الله عليه وآله»
إلى الصباح،
فخرج من بينهم في فحمة العشاء،
وبقي علي «عليه
السلام»
نائماً
مكانه،
وهذا يكذب أنه قد خرج ظهراً.
4 ـ
كيف يكون قد خرج من بيت أبي بكر، مع أنهم يقولون: إن القائف كان يقص
أثر رسول الله «صلى
الله عليه وآله»،
حتى بلغ مكاناً؛ فقال: هنا صار مع محمد آخر.
بل البعض يصرح:
أنهم قد عرفوا أنها قدم ابن أبي قحافة([109]).
واستمروا على ذلك حتى بلغوا إلى فم الغار،
وبذلك كله يعلم أيضاً عدم صحة ما روي من أنه
«صلى
الله عليه وآله»
مشى ليلته على أطراف أصابعه؛ لئلا يظهر أثر رجليه حتى حفيت رجلاه، (كأن
المسافة بعيدة إلى هذا الحد!!)، فحمله أبو بكر على كاهله، حتى أتى على
فم الغار، فأنزله.
وفي رواية:
أنه ذهب إلى الغار راكباً ناقته الجدعاء ابتداء من منزل
أبي بكر([110]).
ولا ندري من الذي أرجع الناقة إلى موضعها الأول، فإن
وجودها على مدخل الغار لن يكون في صالحهم، إلا أن يكون قد خبأها في
مكان ما، ولكن أين يمكن أن تخبأ الناقة يا ترى؟!
يقولون:
إن قريشاً قد
بذلت في النبي «صلى
الله عليه وآله»
مئة بعير، وفي أبي بكر مثلها([111])
ذكر ذلك الجاحظ وغيره.
وأجاب الإسكافي المعتزلي فقال:
«..
فما بالها بذلت في أبي بكر مئة بعير أخرى؟ وقد كان رد الجوار،
وبقي بينهم فرداً لا ناصر له، ولا دافع عنده، يصنعون به ما يريدون، إما
أن يكونوا أجهل البرية كلها، أو يكون العثمانية أكذب جيل في الأرض،
وأوقحه وجهاً.
وهذا مما لم يذكر في سيرة، ولا روي في أثر، ولا سمع به
بشر، ولا سبق الجاحظ به أحد»([112]).
ونزيد نحن هنا:
إنه إذا كانت
قبيلته قد منعته أولاً كما يقولون، فلماذا تخلت عنه الآن؟ وإذا كان أبو
بكر من أذل بيت في قريش، كما سبق بيانه حين الكلام على هجرته إلى
الحبشة؛ تحت عنوان: هل كان أبو بكر رئيساً، فلماذا تبذل فيه قريش مئة
بعير، كما تبذل في النبي «صلى
الله عليه وآله»
نفسه؟.
ولماذا لم تضع عليه الأرصاد والعيون، ولم ترسل إليه
فتبيته، كما أرادت أن تبيت النبي
«صلى
الله عليه وآله»؟
ولماذا تبذل في أبي بكر هذا المقدار، مع أن الذي فوت
عليها ظفرها بالنبي
«صلى
الله عليه وآله»
ـ وهو عليٌّ
ـ آمن فيما بينهم يغدو ويروح، ولا من يعترض ولا من يتكلم؟
ولكن الحقيقة هي:
أن الهدف من ذلك هو الارتفاع بأبي بكر ليساوي الرسول
الأعظم منزلة وخطراً، فضلاً عن أن يذهب بكل آثار مبيت أمير المؤمنين
على الفراش، حتى لا يلتفت إليه ولا يهتم به أحد في قبال عظمة وخطر أبي
بكر!!.
وأما لماذا انتظر المشركون إلى الصباح في ليلة الغار؟.
فقيل:
إنهم أرادوا أن يقتحموا عليه الجدار، فصاحت امرأة من
الدار؛ فقال بعضهم لبعض: إنها لسبة في العرب: أن يتحدث عنا: أنا تسورنا
الحيطان على بنات العم([113]).
وقيل:
إن أبا لهب لم
يرض بقتله «صلى
الله عليه وآله»
ليلاً؛ لما فيه من الخطر على النساء والأطفال([114])..
ولعله للأمرين معاً،
ولعله ليشاهد الناس قتله من قبل جميع القبائل، ليكون ذلك حجة على بني
هاشم، فلا يتم لهم الطلب بثأره!([115]).
ويقولون:
إنه لما خرج أبو بكر احتمل معه ماله كله، وهو خمسة آلاف
أو ستة آلاف درهم، فدخل أبو قحافة على أهل بيت ولده، وقد ذهب بصره،
فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه.
قالت أسماء:
كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً.
فأخذتُ أحجاراً فوضعتُها في كوة في البيت، الذي كان أبي
يضع ماله فيه، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبت ضع يدك
على هذا المال.
قالت:
فوضع يده عليه.
فقال:
«لا
بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن،
وفي هذا بلاغ لكم»،
ولا والله ما ترك لنا شيئاً، ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك([116]).
ويذكرون أيضاً:
أن عامر بن
فهيرة كان يعذب في الله، فاشتراه أبو بكر فأعتقه، فكان يروح عليهما ـ
وهما في الغار ـ بمنحة غنم من غنم أبي بكر، فكان يرعاها؛ فيمر عليهما
في المساء ليحلب لهما،
وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما إذا أمست بما يصلحهما من الطعام([117]).
وعن
عائشة:
أنفق أبو بكر على النبي
«صلى
الله عليه وآله»
أربعين ألف درهم.
وفي لفظ:
دينار([118]).
ويروون أنه «صلى الله عليه وآله»
قال:
ما من أحد
أمنّ عليَّ
في صحبته، وذات يده من أبي بكر،
وما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، فبكى أبو بكر، وقال: هل أنا ومالي
إلا لك يا رسول الله؟([119]).
أو قال:
ليس أحد أمنّ
عليَّ
في أهل ومال من أبي بكر.
وفي رواية أخرى:
إن أمنّ الناس
عليَّ
في صحبته وماله أبو بكر، لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر
خليلاً، ولكن خلة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا
باب أبي بكر([120]).
وعن عائشة في حديث الغار:
فجهزناهما أحث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب
ـ
يقول الواقدي: كان في السفرة شاة مطبوخة ـ فقطعت أسماء
بنت أبي بكر نطاقها قطعتين، فشدت فم الجراب بواحدة، وفم قربة الماء في
الأخرى، فسميت: ذات النطاقين([121]).
وفي الترمذي:
عنه
«صلى
الله عليه وآله»،
أنه قال: إن أبا بكر زوجه ابنته، وحمله إلى دار الهجرة، وصحبه في الغار.
وفي رواية:
ما لأحد عندنا
يد إلا كافأناه عليها ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يداً،
الله يكافئه بها يوم القيامة([122]).
ونحن نقول:
إن كل ذلك محل شك وريب، بل هو لا يصح إطلاقاً، وذلك لما
يلي:
أما كون عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر، فقد تقدم كلام
ابن إسحاق، والواقدي، والإسكافي وغيرهم فيه، حيث قالوا: إن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
هو الذي اشتراه وأعتقه، وليس أبا بكر.
وأما رواية:
أن أسماء قد وضعت الأحجار في المكان الذي كان أبوها يضع فيه ماله،
ليتلمسها أبو قحافة الأعمى ليطمئن ويسكن فيكذبها:
أ ـ
قال الفاكهي بن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال
عبد الله: لما خرج النبي «صلى
الله عليه وآله»
إلى الغار، ذهبت أستخرج وأنظر هل أحد يخبرني عنه، فأتيت دار أبي بكر،
فوجدت أبا قحافة، فخرج عليَّ
ومعه هراوة، فلما رآني اشتد نحوي، وهو يقول: هذا من الصباة الذين
أفسدوا علي ابني([123]).
فهذه الرواية توضح أن أبا قحافة لم يكن حينئذٍ قد عمي
بعد،
وسندها معتبر عندهم.
ب:
لم نفهم لماذا لم يترك أبو بكر لأهل بيته شيئاً؟ وما هذا الجفاء منه
لهم؟!
ومن أين علم أبو قحافة الضرير بأنه قد حمل ماله معه حتى
قال لهم: إنه قد فجعهم بنفسه وماله؟!
ج:
ولماذا هذا الدور لأسماء؟
ألم تكن زوجة للزبير حينئذٍ، وألم تهاجر معه إلى
المدينة قبل ذلك، حيث لم يبق من أصحاب النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
في مكة سوى علي وأبي بكر، ومن يفتن ويعذب؟!
وأين كانت زوجات أبي بكر عن ذلك كله؟!
وأما
بالنسبة لما
زعموه من
أن أسماء كانت
إذا أمست تذهب بالطعام إليهما إلى الغار، وأنها هي التي هيأت الزاد
لهما حين سفرهما إلى المدينة،
وأنها هي التى أرسلت إليه الراحلتين،
وأن
تسميتها بذات النطاقين
قد كان
في هذه
المناسبة..
فيرد عليه:
أولاً:
إنهم يقولون في مقابل ذلك: إنه بعد غياب النبي
«صلى
الله عليه وآله»
وأبي بكر مضت ثلاث ليال ولا يدرون أين توجه الرسول
«صلى
الله عليه وآله»،
حتى علموا ذلك من هاتف الجن في أبيات أنشدها.
والقول:
إن المراد:
بعد ثلاثة أيام من خروجه من الغار،
إذ قد صرحوا بأنهم علموا بخروجه إلى المدينة في اليوم
الثاني من خروجه من الغار([124])
هكذا ذكر الحلبي الشافعي والعهدة في ذلك عليه.
ويقول مغلطاي:
«ولم
يعلم بخروجه عليه الصلاة والسلام إلا علي وأبي (كذا) بكر رضي الله عنه؛
فدخلا غاراً بثور الخ..»([125]).
ثانياً:
لقد ورد: أن
أمير المؤمنين «عليه
السلام»
هو الذي كان يأتي النبي «صلى
الله عليه وآله»
بالطعام والشراب إلى الغار([126]).
بل لقد ورد:
أن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
قد أرسل إلى علي ليرسل إليه بزاد وراحلة ففعل، وأرسل ذلك إليه.
وأرسل أبو بكر لابنته، فأرسلت إليه بزاد وراحلتين، أي
له ولعامر بن فهيرة كما في الرواية،
ولعلها هي التي اشتراها منه علي أيضاً([127]).
وقد احتج
«عليه
السلام»
بذلك يوم الشورى، فقال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول
الله الطعام وهو في الغار، ويخبره الأخبار غيري؟
قالوا:
لا([128]).
وبهذا يعلم أيضاً عدم صحة ما قيل من أن عبد الله بن أبي
بكر كان هو الذي يأتيهما بالأخبار من مكة إلى الغار([129])،
وعدم صحة ما قيل عن وجود غنم لأبي بكر، كان يأتي بها عامر بن فهيرة إلى
الغار؛ فيشرب النبي «صلى
الله عليه وآله»
وأبو بكر من لبنها.
ثالثاً:
وأما حديث النطاق والنطاقين، فبالإضافة إلى تناقض
رواياته([130])
نجد: أن المقدسي بعد أن ذكر القول الأول قال:
«ويقال:
لما نزلت آية الخمار ضربت يدها إلى نطاقها، فشقته نصفين، واختمرت بنصفه»([131]).
ويقولون أيضاً:
إنها قالت
للحجاج: «كان
لي نطاق أغطي به طعام رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
من النحل، ونطاق لا بد للنساء منه»([132]).
وأما حديث
باب وخلة أبي بكر، وهو قوله «صلى الله عليه وآله»:
لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، فلا نريد التوسع في
الكلام عليه بل نكتفي بما ذكره المعتزلي هنا، فإنه قال:
«إن
البكرية قد وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: لو كنت
متخذاً خليلاً،
فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء، ونحو سد الأبواب، فإنه لعليٍّ
«عليه
السلام»،
فقلبته البكرية إلى أبي بكر الخ..»([133]).
ومع ذلك فيعارض هذا الحديث ما رووه من أن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
قد اتخذ أبا بكر خليلاً بالفعل([134]).
فأيهما نصدق يا ترى؟!.
هذا، وسوف نتكلم عن حديث سد الأبواب في هذا الكتاب في
فصل قضايا وأحداث في المجال العام، وعن حديث الخلة حين الكلام على حديث
المؤاخاة الآتي إن شاء الله تعالى فإلى هناك.
وأما عن ثروة أبي بكر، وأنه قد أنفق أربعين ألف درهم،
أو دينار على النبي «صلى
الله عليه وآله»
وغير ذلك مما يذكرونه، فنقول:
إننا بالإضافة إلى ما قدمناه من عدم صحة ما جرى بين
أسماء وأبي قحافة حين الهجرة وغير ذلك من أمور أشرنا إليها آنفاً نسجل
هنا ما يلي:
أولاً:
إن حديث: إن
أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، وأنه لم يكافئه على اليد التي
له عليه، والله هو الذي يكافئه عليها،
لا يصح، وذلك بملاحظة ما يلي:
أ ـ
بماذا كافأ
النبي «صلى
الله عليه وآله»
أبا طالب وخديجة على تضحياتهما، ونفقاتهما، وما قدماه في سبيل الدين
والإسلام، وعلى مواساتهما بالنفس والمال والولد؟!
ألم يكن ما أنفقاه وقدماه للإسلام أعظم مما قدمه وأنفقه
أي إنسان آخر في سبيل الإسلام؟..
ثم كانت خدمات علي
«عليه
السلام»
الجلى لهذا الدين، والتي لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد معاند.
ب ـ
وحديث المنة على الرسول عجيب، فإنه لم يكن في مكة بحاجة
إلى أحد؛ إذ قد كانت عنده أموال خديجة، وحتى أموال أبي طالب([135])
وكان ينفق منها على المسلمين إلى حين الهجرة، وكان ينفق على علي
«عليه
السلام»
في بدء أمره، تخفيفاً على أبي طالب كما يدعون.
وقد عير عمر أسماء بنت عميس:
بأن له هجرة ولا هجرة لها، فقالت له: «كنتم
مع رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم»،
ثم اشتكته إلى رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
فأخبرها: «أن
للمهاجرين إلى الحبشة هجرتين ولأولئك هجرة واحدة»([136]).
ج ـ
ويكفي
أن نذكر هنا أنه «صلى
الله عليه وآله»
لم يقبل منه البعير أو البعيرين حين هجرته إلا بالثمن، الذي نقده إياه
فوراً وهو «صلى
الله عليه وآله»
في أحرج الأوقات.
وإذا صح حديث رد رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
هبة أبي بكر هذه وهو مما استفاض نقله، فإنه يأتي على كل ما يروونه في
إنفاق المال من قبل أبي بكر على النبي «صلى
الله عليه وآله».
د ـ
هذا
كله عدا عن أن النبي «صلى
الله عليه وآله»
لم يجهز في مكة جيشاً، ولا أسعر حرباً؛ ليحتاج إلى النفقة الواسعة في
تجهيز الجيوش، وإعداد الكراع([137])
والسلاح.
كما أنه لم يكن يتفكه ويتنعم بإنفاق الأموال.
وأما بعد الهجرة إلى المدينة،
فإن أبا بكر قد ضن بماله، الذي كان خمسة أو ستة آلاف درهم ـ كما يقولون
ـ عن كل أحد، حتى عن ابنته أسماء التي كانت في أقسى حالات الفقر
والجهد، حينما قدمت المدينة، حتى لقد كانت تخدم البيت، وتسوس الفرس
وتدق النوى لناضحه، وتعلفه، وتستقي الماء، وتنقل النوى على رأسها من
بعد ثلثي فرسخ، حتى أرسل إليها أبوها خادماً كفتها سياسة الفرس، كما ادَّعت([138]).
كما أن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
قد مر في سنوات ضيق شديدة وصعبة، ولا سيما قبل خيبر، حتى لقد كان ربما
يبقى اليومين أو الثلاثة بلا طعام، حتى يشد على بطنه الحجر([139])
وكان الأنصار يتعاهدونه بجفان الطعام، فأين كانت عنه أموال أبي بكر
وآلاف دراهمه، التي بقيت إلى تبوك، حيث يدَّعون:
أنه جاء بجميع ماله، وهو أربعة آلاف درهم حينئذٍ؟!([140]).
هذا كله:
لو كان مرادهم المنة على رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
بالإنفاق عليه.
ثانياً:
إن كان المراد المن على الرسول
«صلى الله عليه وآله» بالإنفاق في سبيل الله سبحانه، فهو
أيضاً لا يصح، إذ لم نجد في التاريخ ما يدل على ذلك.
بل لقد وجدنا ما يدل على خلافه، فإن أبا بكر قد ضن
بماله إلى حد أنه لم يتصدق ولو بدرهمين في قصة النجوى، ولم يفعل ذلك
سوى أمير المؤمنين
«عليه
السلام»،
حتى أنزل الله تعالى قرآناً يؤنب فيه الصحابة ويلومهم على ذلك ثم تاب
عليهم، قال تعالى: ﴿ءَأَشْفَقْتُمْ أَن
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ..﴾
الآية»([141]).
ولو أن أبا بكر تصدق بدرهمين لم يكن ممن توجه إليهم هذا
العتاب منه تعالى.
ثالثاً:
والأهم من
ذلك: أنه لا معنى لأن يكون الإنفاق لوجه الله، ثم يمن المنفق على
الرسول «صلى
الله عليه وآله»،
كما أخبر «صلى
الله عليه وآله»
عنه كما تزعم الرواية،
بل المنة لله ولرسوله عليه في ذلك.
وقد نهى الله عن المن، فقال:
﴿لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى..﴾([142])،
وقال: ﴿وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾([143]).
ولذلك فإننا لا يمكننا أن نقبل:
أن النبي «صلى
الله عليه وآله»
يمدح هذا المنَّان
عليه (أي على المن) ويقرضه لأجله ولا سيما وهو أمنّ الناس عليه في
صحبته وماله.
ولذلك فإن بالإمكان الاستنتاج من
ذلك:
أن الظاهر:
هو أن النبي «صلى
الله عليه وآله»
بعد أن لم يستطع إقناع أبي بكر بالكف عن المن عليه بأنه قد ترك أمواله
وداره في مكة، وأنه رافقه إلى الغار، وتحمل الأخطار، وحزن وجزع خوفاً
من الأعداء، بعد أن لم يستطع إقناعه بذلك اضطر
«صلى
الله عليه وآله»
إلى أن يخبر الناس بحالة أبي بكر هذه، علَّه
يكف عن بعض ما كان يفعل، وذلك كأسلوب اضطراري أخير من أساليب التربية
والتوجيه،
لا سيما وأن ما يمن به عليه لم يكن أبو بكر متفرداً به؛ فإن الكل كان
قد هاجر وترك ماله، وأرضه ووطنه، والكل قد تحمل الأخطار والمتاعب،
وكثير منهم تعرض إلى أقسى أنواع التعذيب والتنكيل.
وعن مقامه معه في الغار، فإن الخطر على أمير المؤمنين
كان أعظم من الخطر على أبي بكر؛ فلماذا إذن هذا المن منه، حتى عده
النبي «صلى
الله عليه وآله»
أمنّ الناس عليه؟!.
رابعاً:
وإذا كان أبو بكر ـ كما يقول الطوسي والمفيد ـ في أول
أمره معلماً للأولاد، ثم صار خياطاً، ولم يكن قسمه إلا كواحد من
المسلمين، ولذا احتاج إلى مواساة الأنصار له.
وكان أبوه صياداً، ثم صار ينش الذباب، وينادي على مائدة
ابن جدعان بشبع بطنه، وستر عورته([144]).
فإن من الطبيعي أن لا تكون لأبي بكر ثروة من هذا القبيل
لا خمسة آلاف، ولا ستة آلاف، فضلاً عن أربعين ألف درهم أو دينار؛ لأن
مثل هذه الثروات إنما تجتمع لدى الإنسان من التجارة، أو الزراعة، لا من
قبيل صناعات أبي بكر؛ فكيف يقولون إذاً: إنه كان سيداً من سادات قريش،
ومن ذوي المال والثروة والجاه فيها؟!
ولماذا يترك أباه عند ابن جدعان، وهو بهذه الحالة فضلاً
عن ابنته أسماء؟!.
وإذا كانت ثروة أبي بكر في تلك الفترة في أربعة آلاف بل
أكثر، كما تقدم حين الكلام حول عتق بلال؛ فإنه لا بد أن يكون أثرى رجل
في مكة في تلك الفترة، إذ قد ورد أنه بعد أن انتشر الإسلام، وفتحت
البلاد جاء أنس بن مالك بمال إلى عمر بعد موت أبي بكر، فبايع عمر، ثم
أخبره بأنه قد جاء بأربعة آلاف وأعطاه إياها، قال أنس:
«فكنت
أكثر أهل المدينة مالاً»([145]).
خامساً:
إن أمير
المؤمنين «عليه
السلام»
حينما تصدق بمال قليل جداً ـ كما في إطعامه المسكين، واليتيم، والأسير
ـ قد نزلت فيه آية قرآنية وهي قوله تعالى:
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ
مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ
الله..﴾
الآية([146]).
وحينما تصدق بخاتمه نزل فيه قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾([147]).
وحينما تصدق بدرهم سراً وآخر جهراً، وثالث ليلاً، ورابع
نهاراً، نزل فيه قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ
رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([148]).
كما أنه لم يعمل بآية النجوى سوى علي
«عليه
السلام»([149]).
وأبو بكر ينفق ماله كله، أربعين ألف درهم أو دينار
وتكون له يد عند النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
الله يكافئه عليها،
وما نفع النبي «صلى
الله عليه وآله»
مال كما نفعه مال أبي بكر،
ثم لا يذكر الله من ذلك شيئاً، ولا يحدثنا التاريخ ولا الحديث عن مورد
واحد من ذلك بالتحديد؛ بحيث يمكن إثباته؟
أم أن المحدثين والمؤرخين وهم في الأكثر شيعة لأبي بكر،
قد تجاهلوا عمداً
فضائل أبي بكر، التي تصب في هذا الاتجاه؟
ولماذا إذن لم يتجاهلوا ما لعلي
«عليه
السلام»
في ذلك أيضاً؟!.
أم أن أبا بكر قـد
ظُلِم وتجنى عليه الحكـام
والملوك، وأتباعهم، والمزيفون من العلماء، كما تجنوا على أمير المؤمنين
علي «عليه
السلام»؟!
فمنعوا الناس من ذكر فضائله وروايتها.
وغاية ما ذكروه لأبي بكر هنا عتقه الرقاب من الضعفاء
والمعذبين في مكة، ولكن قد تقدم أن إثبات ذلك غير ممكن،
وقد أنكره الإسكافي المعتزلي عليه، وقال: إن ثمنها في ذلك العصر لا
يبلغ مئة درهم، لو فرض صحة الرواية.
أم أن عدالة الله تعالى قد اقتضت ذكر نفقات أمير
المؤمنين علي «عليه
السلام»
ـ على قلتها ـ في القرآن، وعلى لسان النبي
«صلى
الله عليه وآله»،
وإهمال نفقات أبي بكر، التي تبلغ الآلاف الكثيرة؟!
وهل هذا عدل؟! تعالى الله الملك الحق العدل المبين،
الذي لا تظلم عنده نفس بمثقال ذرة فما فوقها.
أم يصح أن يقال:
إن نفقات أبي بكر لم تكن خالصة لوجه الله تعالى، وإنما
جرت على وفق سجيته وطبعه في الكرم والجود؟! وكان ذلك هو سر إهمال الله
لها؟ فلماذا لا يمدح الله هذه السجية؟
وإذا كان لا فضل فيها؛ فلماذا يقول الرسول: إن الله سوف
يكافئه عليها؟! ولماذا؟ ولماذا؟! إلى آخر ما هنالك من الأسئلة التي لن
تجد لها جواباً مقنعاً ومفيداً ومقبولاً.
وبعدما تقدم:
فإن الحديث عن ثروة أبي بكر منقول ـ كما يقول الشيخ
المفيد ـ عن خصوص ابنة أبي بكر عائشة، وفي طريقه من هم من أمثال الشعبي
المعروفين بالعصبية، والتقرب إلى بني أمية بالكذب، والتخرص، والبهتان([150]).
وبعد، فإن مما يضحك الثكلى ما ذكره البعض، من أن اللصوص
أخذوا لأبي بكر أربع مئة بعير، وأربعين عبداً، فدخل عليه النبي
«صلى
الله عليه وآله»
فرآه حزيناً،
فسأله،
فأخبره، فقال:
ظننت أنه فاتتك تكبيرة الإحرام الخ..([151]).
ولست أدري كيف استطاع اللصوص إخفاء هذه الكمية الهائلة
من العبيد والجمال؟! وأين ذهبوا بها؟ وكيف لم يهرب واحد من العبيد
ليخبر أبا بكر بالأمر.
وكيف لم يستيقظ أحد من أهل مكة والمدينة على أصوات حركة
أكبر قافلة عرفها تاريخ ذلك الزمان؟!
ولا أدري أيضاً..
من أين حصل أبو بكر على هذه الثروة الهائلة؟ وكيف لم يشتهر في جميع
الأقطار والآفاق على أنه أكبر متمول في الجزيرة العربية؟ ولا ندري
أخيراً هل استطاع أبو بكر استرداد ما سرق منه أم لا؟!.
ونعتقد:
أن ما يقال عن
ثروة لأبي بكر، أنه أنفقها على النبي «صلى
الله عليه وآله»
قد كان نتيجة ردة الفعل العنيفة من قبل أنصار الخليفة الأول، حينما
رأوا أنه «صلى
الله عليه وآله»
يأبى
أخذ الراحلة منه إلا بالثمن([152])
ويرون في مقابل ذلك الآيات النازلة في علي
«عليه
السلام»،
ونفقاته وتضحياته ليلة المبيت وغيرها.
فكان لا بد أن يتحركوا لإثبات فضائل لأبي بكر، وتضحيات
له جسام.
ثم يوجهون قضية الراحلة بأنه
«صلى
الله عليه وآله»
أراد أن تكون هجرته لله تعالى: بنفسه وماله([153]).
ولكنهم يعودون فينسون هذا التوجيه حينما يذكرون الأمور
التي تقدمت الإشارة إليها مثل جراب الزاد والشاة المطبوخة، ومنحة الغنم
حين الهجرة وغير ذلك، ويغفلون عن التناقض الظاهر بين كونه أراد الهجرة
بنفسه وماله وبين إنفاقاته الكبيرة من مال أبي بكر وزاده ومنحته و..
و.. الخ..
ولا بأس بالتناقض في أقوال النبي
«صلى
الله عليه وآله»
وأفعاله، ما دام أنه لم تنقض فضيلة لأبي بكر، ولم يحرم منها!!.
ولكن الصحيح هو:
أن ما قاله
«صلى
الله عليه وآله»
إنما كان بالنسبة لأموال خديجة: «ما
نفعني مال قط مثلما نفعني مال خديجة»
ـ كما تقدم ـ وقد حور لصالح أبي بكر، وصيغ بصيغ مختلفة.
والعبارات التي تصب في مجرى واحد،
وتشير إلى هدف فارد، وهو إثبات فضيلة لأبي بكر وأبي بكر فقط كثيرة
شأنها شأن كثير من الأحاديث التي أشار إليها المعتزلي في شرحه للنهج،
وذكر أنها من وضع البكرية في مقابل فضائل أمير المؤمنين «عليه
السلام»، وكما يظهر لكل أحد بالتتبع والمقارنة.
عن أنس:
لما خرج «صلى الله عليه
وآله» من الغار أخذ أبو بكر بغرزه([154])؛
فنظر «صلى الله عليه وآله» إلى وجهه، فقال: يا أبا بكر
ألا أبشرك؟
قال:
بلى فداك أبي وأمي.
قال:
إن الله يتجلى يوم القيامة للخلائق عامة، ويتجلى لك خاصة([155]).
ومع أننا لم ندر ما معنى هذا التجلي، إلا أن يكون على
مذهب المجسمة الضالة، فإننا نجد: أن الفيروزآبادي قد عد هذا الحديث من
أشهر الموضوعات في باب فضائل أبي بكر، ومن المفتريات المعلوم بطلانها
ببديهة العقل، وحكم الخطيب بوضعه عند ذوي المعرفة بالنقل، وحكم أيضاً
بوضعه وبطلانه كل من: الذهبي، والعجلوني، وابن عدي، والسيوطي،
والعسقلاني، والقاري وغيرهم([156]).
يقول
المدائني:
«كتب
معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي
شهادة، وكتب إليهم:
أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان، ومحبيه، وأهل
ولايته، الذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم،
وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه،
وعشيرته ففعلوا ذلك، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه
إليهم معاوية من الصلات، والكساء، والحباء، والقطائع،
ويفيضه في العرب منهم والموالي.
فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس
يجد امرؤ من الناس عاملاً
من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه، وقربه،
وشفعه، فلبثوا بذلك حيناً.
ثم كتب إلى عماله:
إن الحديث في عثمان قد جهر وفشا في كل مصر، وكل وجه
وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل
الصحابة، والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في
أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي، وأقر
لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس، ورويت أحاديث كثيرة في مناقب
الصحابة، مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا
المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر وألقي إلى معلمي الكتاب،
فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه وتعلموه كما
يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم، ونساءهم، وخدمهم، وحشمهم، فلبثوا
بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى
جميع البلدان:
انظروا من قامت عليه البينة: أنه يحب علياً، وأهل بيته، فامحوه من
الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه.
وشفع ذلك بنسخة أخرى:
من اتهمتموه
بموالاة هؤلاء القوم، فنكلوا به، واهدموا داره،
فلم يكن البلاء أشد وأكثر منه بالعراق، ولاسيما بالكوفة، حتى إن الرجل
من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته، فيلقي إليه سره، ويخاف من
خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة: ليكتمن عليه.
فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك
الفقهاء والقضاة، والولاة، وكـان
أعظم الناس في ذلك بلية القراء المـراؤون،
والمستضعفون، الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث حتى يحظوا
بذلك عند ولاتهم، ويقربوا في مجالسهم، ويكسبوا به الأموال والضياع،
والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا
يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها فرووها وهم يظنون أنها حق ولو علموا:
أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها، فلم يزل الأمر كذلك حتى مات
الحسن بن علي «عليه
السلام»،
فازداد البلاء والفتنة الخ»..([157]).
وفي رواية:
إن أبا بكر صار يسد كل حجر وجده في الغار، فأصاب يده ما
أدماها، فصار يمسح الدم عن إصبعه ويقول:
مــا
أنــت
إلا اصـــبـــع
دمـيـت
وفي سـبـيــل
الله مـــا
لـقـيـت([158])
وهذا لا يصح؛ لأن هذا البيت هو لعبد الله بن رواحة،
قاله في جملة أبيات له في غزوة مؤتة، وقد صدمت إصبعه فدميت([159]).
وفي الصحيحين:
عن جندب بن
سفيان: أن النبي «صلى
الله عليه وآله»
قد قال ذلك في بعض المشاهد، أو في الغار، حينما دميت إصبعه([160]).
وذكر آخرون:
أنه
«صلى
الله عليه وآله»
قال ذلك حينما لحقه أبو بكر، لظنه «صلى
الله عليه وآله»
أنه بعض المشركين، فأسرع؛ فأصابه حجر، ففلق إبهامه([161]).
ولعله
«صلى
الله عليه وآله»
قد قرأ «دميت
ولقيت»
بفتح ياءيهما، وسكون تاءيهما حتى لا يكون شعراً، لأنه لا يقول الشعر
ولا ينبغي له،
كما ذكرته الآية الكريمة:
﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ﴾([162]).
إلا أن يكون المراد بها:
أنه «صلى
الله عليه وآله»
ليس بشاعر، لا أنه لا يتلفظ بالشعر، ولا يتمثل به.
وفي
بعض المصادر:
أن قائله هو الوليد بن الوليد بن المغيرة، حين فر من المشركين حين
هجرته، أو حينما ذهب ليخلص هشام بن العاص وعباس بن ربيعة([163]).
وقيل:
إن أبا دجانة قال ذلك في غزوة أحد([164]).
ولعل الجميع قد قالوا هذا البيت، لكن على سبيل التمثل
به،
والتمثل بالشعر شائع عند العرب،
وهكذا يتضح أن هذا الشعر إن كان قد قيل في الغار، فإن قائله هو النبي
«صلى
الله عليه وآله»
كما في الصحيحين.
وقد نسب ذلك إلى أبي بكر تصنعاً
وتزلفاً
ليس إلا، وذلك لا يسمن ولا يغني من جوع.
ومما يلفت النظر، ويقضي بالعجب:
أن تكون صحبة
أبي بكر لرسول الله «صلى
الله عليه وآله»،
وكونه معه في الغار، وكبر سنه، هما عمدة ما استدلوا به يوم السقيفة
لأحقية أبي بكر بالخلافة دون غيره، فقد قال عمر يوم السقيفة:
«من
له مثل هذه الثلاث: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ
إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ
اللهَ مَعَنَا﴾.
وقال:
إن أولى الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين إذ هما في
الغار، وأبو بكر السباق المسن.
وقال يوم البيعة العامة:
«إن
أبا بكر رحمه الله صاحب رسول الله وثاني اثنين، أولى الناس بأموركم،
فقوموا فبايعوه»([165]).
وعن سلمان: «أصبتم
ذا السن فيكم، ولكنكم أخطاتم أهل بيت نبيكم».
وحينما طلب اليهود من أبي بكر أن يصف لهم صاحبه قال:
«معشر
اليهود، لقد كنت معه في الغار كإصبعي هاتين الخ..».
وعن عثمان: «إن
أبا بكر الصديق (يبدو أن كلمة الصديق زيادة من الرواة لما تقدم) أحق
الناس بها؛ إنه لصديق، وثاني اثنين، وصاحب رسول الله»
هكذا عن أبي عبيدة.
وعن علي، والزبير: «الغار،
وشرفه، وكبره، وصلاته بالناس»([166]).
وأخيراً:
فقد قال العسقلاني عن قضية الغار:
«هي أعظم فضائله التي استحق بها أن يكون الخليفة بعد النبي «صلى
الله عليه وآله»، ولذلك قال عمر بن الخطاب: إن أبا بكر صاحب
رسول الله، ثاني اثنين، فإنه أولى المسلمين بأموركم».
وإذا كانت أعظم فضائله التي استحق بها الخلافة، وإذا
كانوا لم يتمكنوا من ذكر فضيلة أخرى له، مع أنهم في أحرج الأوقات، وفي
أمس الحاجة إلى التشبث بكل حشيش في مقابل الأنصار؛ فماذا عساهم أن
يصنعوا في مقابل علي وفضائله العظمى التي هي كالنار على المنار وكالشمس
في رابعة النهار؟
وهل يمكنهم أن يحتجوا بشيء ذي بال في مقابله؟!.
وهل يبقى أمامهم من مخـرج
سـوى
اللجوء إلى أسالـيـب
الـعنف
والإرهاب؟! وهكذا كان!!.
وإذا أفقده البحث المنطقي والعلمي هذه الفضيلة، وبقي
صفر اليدين،
حتى لقد كان بلال يفضل عليه، حتى اضطر بلال ـ ولعله لدوافع لم يستطع
التاريخ أن يفصح عنها ـ لأن يستنكر ذلك ويقول: كيف تفضلوني عليه، وأنا
حسنة من حسناته؟([167]).
نعم،
إذا أفقده النقد الموضوعي هذه الفضيلة، كما قد رأينا ذلك فيما تقدم،
فما الذي يبقى أمام أبي بكر للحفاظ على ماء وجهه ومنصبه؟!.
إننا نترك الجواب على ذلك للقارئ الفطن والمنصف.
وأخرج ابن مندة بسند واه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت:
كنت أحمل الطعام إلى أبي، وهو مع رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
بالغار، فاستأذنه عثمان في الهجرة، فأذن له في الهجرة إلى الحبشة([168]).
ولكن من الواضح:
أن عثمان قد هاجر إلى الحبشة قبل قضية الغار بثمان
سنين؛ لأن هجرة الحبشة إنما كانت في السنة الخامسة من البعثة.
أضف إلى ذلك:
أن كون أسماء
هي التي كانت تحمل الطعام إلى الغار،
لا
يصح؛ فقد تقدم أنه «صلى
الله عليه وآله»
لم يقبل أن يأخذ الناقة من أبي بكر إلا بالثمن حتى لا يكون لأحد منة
عليه «صلى
الله عليه وآله».
هذا كله عدا عما تقدم من عدم صحة
قولهم:
إن أسماء كانت
تأتيهم بالطعام إلى الغار.. فإن علياً «عليه
السلام»
كان هو الذي يحمل الطعام إلى الغار؛ وليس أسماء بنت أبي بكر.
وكون المراد غاراً آخر، يحتاج إلى شاهد ودليل، ولم نجد
في التاريخ ما يدل على أنه
«صلى
الله عليه وآله»
قد دخل غاراً آخر، ولبث فيه مع أبي بكر مدة.
قال ابن العماد وغيره: «تمادت
الشيعة في هذه الأعصر في غيهم بعمل عاشوراء، وباللطم والعويل، وبنصب
القباب، والزينة، وشعار الأعياد يوم الغدير؛ فعمدت غالية السنة وأحدثوا
في مقابلة يوم الغدير، الغار، وجعلوه بعد ثمانية أيام من يوم الغدير،
وهو السادس والعشرون من ذي الحجة، وزعموا: أن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
وأبا بكر اختفيا حينئذٍ في الغار.
وهذا جهل وغلط؛ فإن أيام الغار إنما كانت بيقين في صفر،
وفي أول شهر ربيع الأول الخ..»([169]).
وقد كان عليه أن يقول:
«وهذا
نصب وجهل، قد أعمى أبصارهم وبصائرهم»،
وهل ليوم الغار الذي أظهر فيه أبو بكر ضعفه، وشكه،
وعرف كل أحد أنه «صلى
الله عليه وآله»
لم يأخذ منه البعير إلا بالثمن،
أن يكون كيوم الغدير، الذي جعل فيه أهل البيت أحد الثقلين اللذين لن
يضل من تمسك بهما، وجعل علي «عليه
السلام»
فيه مولى
للمؤمنين وإماماً
لهم بعد الرسول «صلى
الله عليه وآله»،
إلى غير ذلك مما نقله جهابذة العلماء، وأعاظم الحفاظ؟!.
ولا بأس بمراجعة كتابنا:
«صراع الحرية في عصر المفيد»، ففيه تفصيلات حول هذا
الموضوع.
وأخيراً فما أحرانا:
أن نتمثل هنا بقول الشاعر:
مـن كــان يـخــلـق
مــا يـقـــو ل فـحـيــلــتـي فـيـه قـلـيـلـــة
وحسبنا ما ذكرناه هنا حول الأكاذيب التي جادت بها
قرائحهم، حول قضية الغار.
وقد يلاحظ القارئ:
أننا لم نكثر المصادر للنصوص التي ذكرناها هنا، وعذرنا في ذلك هو أننا
لم نر حاجة إلى ذلك، لأننا رأينا أنها متوفرة جداً في مختلف الكتب
الحديثية والتاريخية، ولن يجد القارئ كبير عناء في البحث عنها،
واستخراجها.
ولعل القارئ يجد في هذا الذي
ذكرناه مقنعاً وكفاية، وهو يكشف له زيف الكثير مما لم نذكره لوضوح كذبه
وفساده، وقد آن الأوان للعودة إلى الحديث عن سائر أحداث السيرة العطرة
للرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله».
فإلى ما يلي من فصول..
([1])
تاريخ الخميس ج1 ص321
والسيرة الحلبية ج2 ص25، وراجع نور الأبصار ص15.
([2])
راجع المصادر السابقة.
([3])
تاريخ الأمم والملوك ج2 ص68 والبداية والنهاية ج3 ص175 وتاريخ
الخميس ج1 ص321 و 322.
([4])
الآية 30 من سورة الأنفال.
([5])
البحار ج19 ص73 عن الخرائج والجرائح.
([6])
لقد وردت أسماء هؤلاء كلاً أو بعضاً في روايات مختلفة، في
السيرة الحلبية ج2 والبحار ج19 ص72 و 31 ومجمع البيان.
([7])
السيرة الحلبية ج2 ص280 ونور الأبصار ص15.
([8])
الآية 9 من سورة يس.
([9])
راجع في الفقرات الأخيرة:
مناقب الخوارزمي الحنفي ص73 ومستدرك الحاكم ج3 ص133 وتلخيصه
للذهبي بهامشه وصححاه، ومسند أحمد ج1 ص321، وتذكرة الخواص لسبط
ابن الجوزي ص34، وشواهد التنزيل ج1 ص99 و 100 و 101، وتاريخ
الطبري ج2 ص100، وتفسير البرهان ج1 ص207، والفصول المهمة لابن
الصباغ المالكي ص30 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ط النجف ص63،
والسيرة الحلبية ج2 ص35، ومجمع الزوائد ج9 ص120 عن أحمد ورجاله
رجال الصحيح غير واحد وهو ثقة، وعن الطبراني في الكبير
والأوسط، والبحار ج19 ص78 و 93 عن الطبري وأحمد، والعياشي،
وكفاية الطالب، وفضائل الخمسة ج1 ص231، وذخائر العقبى ص87،
وكفاية الطالب ص242.
وقال: إن ابن عساكر ذكره في الأربعين الطوال، وترجمة الإمام
علي بن أبي طالب
«عليه
السلام»،
من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج1 ص186 و 190، ونقله
المحمودي في هامشه عن: الفضائل لأحمد بن حنبل، حديث291 وعن
غاية المرام ص66، عن الطبراني ج3 في الورق 168/ب وفي هامش
كفاية الطالب عن: الرياض النضرة ج2 ص203. وأما الفقرات الأخرى
فهي موجودة في مختلف كتب الحديث والتاريخ.
([10])
أمالي الشيخ الطوسي ج 2 ص 81 والبحار ج19 ص61.
([11])
راجع: البحار ج19 ص73 عن الخرائج والجرائح.
([12])
أمالي الشيخ الطوسي ج 2 ص 82 و 83.
([13])
القائف: الذي يتتبع الآثار.
([14])
تاريخ الخميس ج1 ص328 والسيرة الحلبية ج2 ص37 والبداية
والنهاية ج3 ص181 و 182.
([15])
البحار ج19 ص62 وأمالي الطوسي ج2 ص83 وعدم قبوله
«صلى
الله عليه وآله»
الراحلتين من أبي بكر إلا بالثمن لا يكاد يخلو منه كتاب يؤرخ
للسيرة النبوية الشريفة وراجع وفاء الوفاء ج1 ص237.
([16])
ولكن نفس هذا النص يرويه أصحاب الأهواء والتعصبات، ويبدلون فيه
كلمة (خديجة) بكلمة (أبي بكر) ليثبتوا له فضيلة لا تؤيدها أي
من النصوص والوقائع بل هي على خلافها أدل كما أثبتناه.
([17])
أمالي الطوسي ج2 ص81 و 82 والبحار ج19 ص61 و 62.
([18])
راجع: سيرة المصطفى ص250 و 252.
([19])
علي بن أبي طالب، لعبد الكريم الخطيب 105 و 106.
([20])
راجع حياة أمير المومنين ص105 و 106.
([21])
المصدر السابق ص107 و 108.
([22])
علي بن أبي طالب لعبد الكريم الخطيب ص106.
([23])
راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 والعثمانية للجاحظ في
أواخرها.
([24])
الآية 40 من سورة الحج.
([25])
الآية 7 من سورة محمد.
([26])
الآية 14 من سورة النمل.
([27])
الآية 164 من سورة آل عمران.
([28])
الآية 9 من سورة الحجر.
([29])
مناقب الشافعي ج1 ص419 وعن الوحي المحمدي ص243.
([30])
تاريخ الطبري ج2 ص100.
([31])
الدر المنثور ج3 ص279 عن
سنيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
([32])
الآية 40 من سورة التوبة.
([33])
راجع: دلائل الصدق ج2 ص404 و 405.
([34])
صحيح البخاري ط سنة 1309 ج3 ص121، وتفسير ابن كثير ج4 ص159،
وفتح القدير ج4 ص21، والدر المنثور ج6 ص41 وراجع الغدير ج8
ص247.
([35])
الآية 13 من سورة الحجرات.
([36])
دلائل الصدق ج2 ص404.
([37])
الآية 22 من سورة التكوير.
([38])
الآية 37 من سورة الكهف.
([39])
الآية 33 من سورة الأنفال.
([40])
الآية 207 من سورة البقرة.
([41])
راجع ما تقدم في كنز الفوائد للكراجكي ص 204 و 205.
([42])
دلائل الصدق ج 2 ص 405.
([44])
الآية 4 من سورة الفتح.
([45])
الآية 18 من سورة الفتح.
([46])
راجع: تفسير الميزان ج9 ص280 ط بيروت.
([47])
هو العلامة المحقق السيد مهدي الروحاني
«رحمه
الله».
([48])
الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين علي
«عليه
السلام»
ص119 وكنز الفوائد للكراجكي ص203.
([49])
السيرة الحلبية ج2 ص38.
([50])
الآية 176 من سورة آل عمران، والآية 41 من سورة المائدة.
([51])
الآية 23 من سورة لقمان.
([52])
الآية 33 من سورة الأنعام.
([53])
الآية 76 من سورة يس.
([54])
الآية 8 من سورة فاطر.
([55])
السجاحة: السهولة واللين والإعتدال.
([56])
تاريخ الخميس ج1 ص326، والسيرة الحلبية ج2 ص34.
([57])
الآية 207 من سورة البقرة.
والرواية في: أسد الغابة ج4 ص25، والمستجاد للتنوخي ص10،
وثمرات الأوراق ص303، وتفسير البرهان ج1 ص207، وإحياء العلوم
ج3 ص258، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص 39، وكفاية الطالب ص239، وشواهد
التنزيل ج1 ص97، ونور الأبصار ص86، والفصول المهمة لابن الصباغ
ص31، وتذكرة الخواص ص35 عن الثعلبي، وتاريخ الخميس ج1 ص325 و
326، والبحار ج19 ص39 و 64 و 80 عن الثعلبي في كنز الفوائد وعن
الفضائل لأحمد ص124 و 125، وعن الروضة ص119.
وهي
أيضاً في: المناقب للخوارزمي ص74 وينابيع المودة ص92 عن ابن
عقبة في ملحمته وقال في حبيب السير ج2 ص11: إن ذلك مذكور في
كثير من كتب السير والتاريخ.
والرواية في تاريخ الخميس ج1 ص325 و 458 والتفسير الكبير ج5
ص204 والجامع لأحكام القرآن ج3 ص21 والسيرة الحلبية ج3 ص168،
وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص159 وفرائد السمطين ج1 ص330
ومستدرك الحاكم ج3 ص4 وتلخيص المستدرك للذهبي بهامش نفس
الصفحة، ومسند أحمد ج1 ص331 وترجمة الإمام علي
«عليه
السلام»،
من تاريخ دمشق تحقيق المحمودي ج1 ص137 و 138، والمناقب
للخوارزمي ص74 ودلائل الصدق ج2 ص81 و 82 والأمالي للطوسي ج2
ص84 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص310 وراجع ص178 و 82. وراجع
الإرشاد للمفيد ص31 وروضة الواعظين ص107 وخصائص الـوحـي
المـبـين ص94 و 93 وراجع ص91 = = والعمدة لابن البطريق ص240
وراجع ص238 ورواه في: غرائب القرآن للنيسابوري بهامش جامع
البيان ج2 ص291 وراجع: المواهب اللدنية ج1 ص60 ونقله المحمودي
في هوامش شواهد التنزيل ج1 ص97 عن غاية المرام ص346 باب45 وعن
تفسير أبي الفتوح الرازي ج2 ص152 ونقله المرعشي في ملحقات
إحقاق الحق والتعليقات عليه ج3 ص24 ـ 34 وج8 ص339 وج6 ص479 و
481 وج20 ص109 ـ 114 وج14 ص116 عن عدد ممن قدمنا.
وعن
المصادر التالية: اللوامع ج2 ص376 و 375 و 377 عن المجمع
والمباني، وعن أبي نعيم والثعلبي وغيرهم وعن البحر المحيط ج2
ص118 وعن معارج النبوة ج1 ص4 وعن مدارج النبوة ص79 وعن مناقب
المرتضوي ص33، وعن روح المعاني ج2 ص73 عن الإمامية وبعض من
غيرهم وعن مرآة المؤمنين ص45 وعن تلخيص المتشابه في الرسم،
للخطيب البغدادي ج1 ص414 وعن إمتاع الأسماع ص38، وعن مقاصد
الطالب ص7 وعن وسيلة النجاة ص78 وعن المنتقى للكازروني ص79
مخطوط. وعن روض الأزهر ص371 وعن أرجح المطالب ص70 و 507 و 407
وعن إتحاف السادة المتقين ج8 ص202 وعن مفتاح النجا في مناقب آل
العبا: ص23 مخطوط وعن روض الأحباب للهروي ص185 وعن تفسير
الثعلبي وعن السيرة المحمدية للكازروني مخطوط وعن مكاشفة
القلوب ص42 وعن توضيح الدلائل ص154 مخطوط وعن الكوكب المضي ص45
مخطوط وعن غاية المرام في رجال البخاري سيد الأنام ص71 مخطوط
وعن الكشف والبيان وعن المختار في مناقب الأخيار ص4 مخطوط وعن
مناهج الفاضلين للحمويني مخطوط.
وقال
ابن شهرآشوب: إن هذا الحديث قد رواه الثعلبي، وابن عاقب في
ملحمته وأبو السعادات في فضائل العشرة، والغزالي في الإحياء،
وفي كيمياء السعادة عن عمار، وابن بابـويـه، وابن شـاذان
والكليني، والطـوسي، وابن عقدة، والبرقي، وابن = = فياض،
والعبدلي، والصفواني والثقفي بأسانيدهم عن ابن عباس، وأبي رافع
وهند بن أبي هالة. والغدير ج2 ص48 عن بعض من تقدم، وعن: نزهة
المجالس ج2 ص209 عن السلفي، ونقله المحمودي في هوامش شواهد
التنزيل عن بعض من تقدم وعن أبي الفتوح الرازي ج2 ص152 وغاية
المرام باب45 ص346. وأشار إليه مغلطاي في سيرته31، والمستطرف،
وكنوز الحقائق ص31. وراجع دلائل الصدق ج2 ص81 و 82 .
([58])
راجع: شرح النهج ج13 ص262.
([59])
سيأتي ذلك مع مصادره ومع ما فيه من وجوه ضعف في هذا الكتاب في
فصل: جثة خبيب.
([60])
راجع: دلائل الصدق ج2 ص82.
([61])
السيرة الحلبية ج2 ص27.
([62])
شرح النهج للمعتزلي ج13 ص263.
([63])
أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص62، والبحار ج19 ص56 عنه.
([64])
المصدران السابقان.
([65])
نور الأبصار ص86، وشواهد التنزيل ج1 ص102، ومستدرك الحاكم ج3
ص4 وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، وأمالي الشيخ الطوسي ج2
ص83، وتذكرة الخواص ص35، وفرائد السمطين ج1 ص330، ومناقب
الخوارزمي ص74 و 75، والفصول المهمة لابن الصباغ ص31، والبحار
ج19 ص63، وتاريخ الخميس ج1 ص325. والسيرة النبوية لدحلان
(مطبوع بهامش الحلبية) والمصادر لهذا الشعر كثيرة جداً لا مجال
لتتبعها.
([66])
البحار ج19 ص45 عن: الخصال ج2 ص14 و 15.
([67])
تاريخ الخميس ج1 ص325.
([68])
السيرة الحلبية ج2 ص27.
([69])
الآية 202 من سورة البقرة، الإصابة: ج2 في ترجمة صهيب، والسيرة
الحلبية ج2 ص23 و 24 والدر المنثور ج1 ص204 عن ابن سعد، وابن
أبي أسامة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الحلية،
وابن عساكر وابن جرير والطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل
وابن أبي خيثمة وفي النصوص اختلاف.
([70])
السيرة الحلبية ج3 ص168.
([71])
السيرة الحلبية ج3 ص168.
([72])
تاريخ الخميس ج1 ص330 والسيرة الحلبية ج2 ص39 والبداية
والنهاية ج3 ص182 وإرشاد الساري ج6 ص218.
([73])
راجع: صفين للمنقري ص325. ومجمع البيان ج6 ص361، والبحار ج19
ص35 عنه، والسيرة الحلبية ج2 ص24.
([74])
سيرة ابن هشام ج2 ص121.
([75])
سيرة ابن هشام ج2 ص123، وسيرة مغلطاي ص31.
([77])
راجع ذلك وغيره في ترجمة صهيب في قاموس الرجال ج5 ص135 ـ 137.
([78])
تاريخ الخميس ج1 ص323 عن شواهد النبوة، والسيرة الحلبية ج2
ص29.
([79])
راجع: السيرة الحلبية ج2 ص29 وج1 ص273، وغير ذلك. وقد أشرنا
إلى ذلك حين الكلام على الإسراء والمعراج، وذكرنا بعض مصادره
هناك، فراجع.
([80])
نفس المصدر السابق.
([81])
كشف الأستار ج3 ص163 ومسند أحمد ج4 ص343 ومجمع الزوائد ج9 ص41
وتهذيب التهذيب ج5 ص38 والغدير ج5 ص326 و 303 عن تاريخ الخطيب.
([82])
مستدرك الحاكم ج3 ص112 وتلخيصه للذهبي هامش نفسه الصفحة،
والأوائل ج1 ص195، وفرائد السمطين ج1 ص248، وشرح النهج
للمعتزلي ج13 ص228، وراجع ج1 ص30 والبداية والنهاية ج3 ص26،
والخصائص للنسائي ص46 بسند رجاله ثقات، وسنن ابن ماجة ج1 ص44،
بسند صحيح، وتاريخ الطبري ج2 ص56، والكامل لابن الأثير ج2 ص57،
وذخائر العقبي ص60 عن الخلفي والآحاد والمثاني (مخطوط في
كوپرلي رقم 235)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (مخطوط في مكتبة
طوپ قپوسراي رقم 497) ج1 وتذكرة الخواص ص108 عن أحمد في المسند
وفي الفضائل وفي هوامش ترجمة الإمام علي
«عليه
السلام»
من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي، ج1 ص44 و 45 عن: مصنف ابن
أبي شيبة، ج6 الورق 155/أ وكنز العمال (ط 2) ج15 ص107 عن ابن
أبي شيبة، والنسائي، وابن أبي عاصم في السنة، والعقيلي والحاكم
وأبي نعيم وعن العقيلي في ضعفـائـه ج6 الورق 139، ومعرفة
الصحـابة لأبي نعيم ج1 = = الورق 22/أ، وتهذيب الكمال للمزي
ج14 الورق 193/ب وعن تفسير الطبري، وعن أحمد في الفضائل الحديث
117 ورواه في ذيل إحقاق الحق ج4 ص369 عن ميزان الإعتدال ج1
ص417 وج2 ص11 و 212، والغدير ج2 ص314 عن كثير ممن تقدم وعن
الرياض النضرة ص155 و 158 و 127 وراجع: اللآلي المصنوعة ج1
ص321.
([83])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص22 وعن المعارف لابن قتيبة ص167
وكلام الإسكافي في العثمانية ص300.
([84])
البداية والنهاية ج3 ص26.
([85])
الغدير ج2 ص313 و 314.
([86])
الجامع الصغير ج2 ص50، عن أبي نعيم في معرفة الصحابة، وابن
النجار، وابن عساكر، والصواعق المحرقة ط المحمدية ص123، وتاريخ
بغداد ج14 ص155، وشواهد التنزيل ج2 ص224، وذخائر العقبى ص56،
وفيض القدير ج4 ص137، وتاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام علي
«عليه
السلام»)
بتحقيق المحمودي ج2 ص282 وج 1 ص80 وكفاية الطالب ص123 و 187 و
124، والدر المنثور ج5 ص262 عن تاريخ البخاري، وعن أبي داود،
وأبي نعيم والديلمي وابن عساكر، والرازي في تفسير سورة المؤمن،
ومناقب الخوارزمي ص219، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص246
و 247، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم مخطوط في مكتبة طوپ قپو سراي
رقم 497 ونقله في هامش كفاية الطالب عن كنز العمال أيضاً ج6
ص152 عن الطبراني وابن مردويه والرياض النضرة ج2 ص152 وبعض من
تقدم، ونقله المحمودي في هامش ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن
عساكر ج1 ص79 و 80 عن بعض من تقدم وعن: السيف اليماني المسلول
ص49 والفتح الكبير ص202 وغاية المرام ص417 و 647 ومناقب علي من
كتاب الفضائل لأحمد الحديث 194 و 239 والسلفي في مشيخة
البغدادية، الورق 9/ب و 10/ب، والغدير ج2 ص312، عن بعض من
تقدم، وهوامش شواهد التنزيل عن الروض النضير ج5 ص368.
([87])
مناقب الخوارزمي الحنفي ص219.
([88])
ذخائر العقبى ص56 عن ابن قتيبة، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص228،
وأنساب الأشراف، بتحقيق المحمودي ج2 ص146، والآحاد والمثاني
(مخطوط في كوپرلي رقم 235)، والبداية والنهاية ج7 ص334،
والمعارف لابن قتيبة ص73 و 74، والغدير ج2 ص314 عن بعض من تقدم
وعن ابن أيوب والعقيلي، عن كنز العمال ج6 ص405 طبعة أولى،
وليراجع الغدير ج3 ص122 عن الإستيعاب ج2 ص460 وعن مطالب السؤل
ص19 وقال: كان يقولها في كثير الأوقات والطبري ج2 ص312 وعن
الرياض النضرة ج2 ص155 و 157 وعن العقد الفريد ج2 ص275، وراجع
في حديث ابن عباس وأبي ليلى الغفاري الإصابة ج4 ص171 وهامشها
في الإستيعاب ج4 ص170 وميزان الإعتدال ج2 ص3 و 417.
([89])
شرح النهج للمعتزلي ج13 ص228، وفرائد السمطين ج1 ص140 وترجمة
الإمام علي «عليه
السلام»
من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج1 ص76 و 77 و 78 بعدة
أسانيد وفي هامشه عن الإسكافي في نقضه لعثمانية الجاحظ المطبوع
معها في مصر ص290 واللآلي المصنوعة ج1 ص324 و 325 وملحقات
إحقاق الحق ج4 ص29 ـ 31 و 34 والغدير ج2 ص313 عن الرياض النضرة
ج2 ص155 عن الحاكمي، وعن شمس الأخبار للقرشي ص30، وعن المواقف
ج3 ص276، وعن نزهة المجالس ج2 ص205 وعن الحمويني.
([90])
مجمع الزوائد ج9 ص102 عن الطبراني والبزار، والغديرج 2 ص313 وج
10 ص49 عنه وعن: كفاية الطالب ص187 من طريق ابن عساكر وشرح
النهج للمعتزلي ج13 ص228 وعن إكمال كنز العمال ج6 ص156 عن
البيهقي وابن عدي عن حذيفة، وعن أبي ذر وسلمان وعن الإستيعاب
ج2 ص657 وعن الإصابة ج4 ص171.
([91])
العقد الفريد ط دار الكتاب ج2 ص117، وبلاغات النساء ص38،
والغدير ج2 ص313 عنهما وعن صبح الأعشى ج1 ص250 ونهاية الأرب ج7
ص241.
([92])
الغدير ج2 ص312 عن الرياض النضرة ج2 ص155 وغيرها.
([93])
نفس المصدر السابق.
([94])
كنز العمال ط 2 ج15 ص134.
([95])
الآية 33 من سورة الزمر.
([96])
الآية 15 من سورة الحجرات.
([97])
الآية 69 من سورة النساء، راجع على سبيل المثال: شواهد التنزيل
ج1 ص153 و 154 و 155 وج 2 ص120 وفي هوامشه مصادر كثيرة، وترجمة
الإمام علي «عليه
السلام»
من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ج2 ص418، وهوامشه، ومناقب ابن
المغازلي ص269، وغاية المرام ص414، وكفاية الطالب ص333، ومنهاج
الكرامة للحلي، ودلائل الصدق للشيخ المظفر ج2 ص117 والدر
المنثورج 5 ص328، وعشرات المصادر الأخرى.
([98])
مناقب الخوارزمي الحنفي ص32.
([99])
راجع على سبيل المثال: اللآلي المصنوعة ج1 ص322.
([100])
راجع: الغدير ج5 ص327 و 328 و 321 و 334 و35 وج 7 ص244 و245.
([101])
راجع: وفاء الوفاء ج1 ص237، والثقات لابن حبان ج1 ص117 والمصنف
لعبد الرزاق ج5 ص387 وغير ذلك كثير، وعن كون أبي بكر رجلاً ذا
مال راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص128.
([102])
نور الأبصار ص16 عن: الجمل على الهمزية، وعن كنز العمال ج8
ص334 عن البغوي بسند حسن عن عائشة.
([103])
فتح الباري ج7 ص183 و 177 والسيرة الحلبية ج2 ص25 و 55 عنه.
([104])
سيرة مغلطاي ص32 وفتح الباري ج7 ص177 وراجع الثقات لابن حبان
ج1 ص113 وغير ذلك.
([105])
ترجمة الإمام علي «عليه
السلام»
من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج1ص138 والدر المنثور،
وتيسير المطالب ص75 لكن فيه: أنه قد استأجر الرواحل الثلاث.
([106])
تاريخ الخميس ج1 ص324 وتاربخ الأمم والملوك ج2 ص103 والسيرة
الحلبية ج2 ص34 والبداية والنهاية ج3 ص178.
([107])
راجع: تاريخ الأمم والملوك
ج2 ص153 والبداية والنهاية ج3 ص178 وتاريخ الخميس ج1 ص323
والسيرة الحلبية ج2 ص30 والبخاري كما في إرشاد الساري ج6 ص17.
([108])
السيرة الحلبية ج2 ص34 عن سبط ابن الجوزي.
([109])
البحار ج19 ص74 وعن الخرايج والجرائح وليراجع ص77 و 51 وليراجع
أيضاً إعلام الورى ص63، ومناقب آل أبي طالب ج1 ص128، وتفسير
القمي ج1 ص276.
([110])
السيرة الحلبية ج2 ص34 ـ 38 وراجع، تاريخ الخميس ج1 ص328.
والدر المنثور.
([111])
تاريخ الخميس ج1 ص330 والبداية والنهاية ج3 ص182 والسيرة
الحلبية ج2 ص39.
([112])
شرح النهج للمعتزلي ج13 ص269.
([113])
راجع: السيرة الحلبية ج2 ص28، والروض الأنف ج2 ص229 والسيرة
النبوية لابن هشام ج2 ص127، أنظر الهـامش، وتاريـخ الهجرة
النبوية للببـلاوي ص116.
([115])
السيرة الحلبية ج2 ص28 و 26.
([116])
سيرة ابن هشام ج2 ص133 وكنز العمال ج22 ص209، والبداية
والنهاية ج3 ص179، والأذكياء لابن الجوزي ص219، وحياة الصحابة
ج2 ص173 و 174، ومجمع الزوائد ج6 ص59 عن الطبري، وأحمد ورجاله
رجال الصحيح، غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع.
([117])
تاريخ الخميس ج1 ص330 والسيرة الحلبية ج2 ص32 و 40 والتراتيب
الإدارية ج2 ص87 وستأتي مصادر أخرى لذلك.
([118])
تاريخ الخميس ج1 ص326 والسيرة الحلبية ج2 ص32 و 40 والتراتيب
الإدارية ج2 ص87 وستأتي مصادر أخرى لذلك إن شاء الله.
([119])
راجع: السيرة الحلبية ج2 ص32، وراجع لسان الميزان ج2 ص23
وغيره.
([120])
راجع: صحيح البخاري كما في إرشاد الساري ج6 ص214 و 215 مع
اختلاف يسير والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص608 و 609 والمصادر
الآتية قبل الحديث عن عامر بن فهيرة.
([121])
راجع: السيرة الحلبية ج2 ص33 وتاريخ الخميس ج1 ص323 و 330
وستأتي مصادر أخرى إن شاء الله تعالى.
([122])
راجع: في كل ما تقدم من أول العنوان إلى هنا: تاريخ الخميس ج1
ص330 ـ 323، والسيرة الحلبية ج2 ص32 و 33 و 0 4 و 39 والجامع
الصحيح للترمذي ج5 ص609 والسيرة النبوية لابن هشام ج2، وصحيح
البخاري باب الهجرة، وفتح الباري ج7 وصحيح مسلم، وصحيح
الترمذي، والدر المنثور، والفصول المهمة لابن الصباغ، والسيرة
النبوية لابن كثير ولسان الميزان ج2 ص23 والبداية والنهاية ج5
ص229 ومجمع الزوائد ج9 ص42 عن الطبراني والغدير، وغير ذلك كثير
لا مجال لتتبعه.
([123])
الإصابة ج2 ص460 و 461 وهذه الرواية تدل على أن أبا قحافة يرى
أن ابنه أبا بكر قد صار من الصباة وأنه قد أسلم بعد جماعة عبد
الله منهم، وهذا ينافي ما تقدم من أنه كان أول من أسلم.
([124])
السيرة الحلبية ج2 ص51.
([126])
تاريخ دمشق، ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي ج1 ص138، وإعلام
الورى ص190، والبحار ج19 ص84 عنه وتيسير المطالب في أمالي
الإمام علي بن أبي طالب «عليه
السلام»
ص75.
([127])
إعلام الورى ص63، والبحار ج19 ص70 و 75 عنه وعن الخرائج وعن
قصص الأنبياء.
([128])
الإحتجاج للطبرسي ج1 ص204.
([129])
السيرة الحلبية ج2 ص39، وسيرة ابن هشام، وكنز العمال ج22 ص210
عن البغوي وابن كثير.
([130])
راجع لبعض موارد التناقض لا كلها: الإصابة ج4 ص230، والإستيعاب
بهامشها ج4 ص233.
([131])
البدء والتاربخ ج5 ص78.
([132])
الإصابة ج4 ص230، والإستيعاب هامش الإصابة ج4 ص233.
([133])
شرح النهج للمعتزلي ج11 ص49، وراجع الغدير ج5 ص311.
([134])
الرياض النضرة ج1 ص126،
وإرشاد الساري ج6 ص86 عن الحافظ السكري والغديرج 8 ص34 عنهما
وعن كنز العمال ج6 ص138 و 140 عن الطبراني وأبي نعيم.
([135])
قد تقدم في أول البحث: أن أبا طالب كان ينفق في الشعب على
الهاشميين من أمواله. وأما أموال خديجة، فأمرها أشهر وأعرف.
وقد تقدم كلام ابن أبي رافع حولها.
([136])
راجع: الأوائل ج1 ص314، والبداية والنهاية ج4 ص205 عن البخاري،
وصحيح البخاري ج3 ص35 ط سنة 1309 ه. وصحيح مسلم ج7 ص172، وكنز
العمال ج22 ص206، عن أبي نعيم والطيالسي، وليراجع فتح الباري
ج7 ص372، ومسند أحمد ج4 ص395 و 412. وحياة الصحابة ج1 ص361.
([137])
الكراع: اسم يطلق على الخيل والبغال والحمير.
([138])
راجع: حديث الإفك ص152 وراجع: عنوان
«لا
مال لأبي بكر لينفق على أحد»
في الجزء الثالث عشر وفي الجزء الثاني عشر الطبعة الرابعة.
([139])
وقد وصفت عائشة حالته هو وأهل بيته بما يقرح القلوب، فراجع:
طبقات ابن سعد ج 1 قسم 2 ص120 وليراجع من ص112 حتى ص120.
([140])
حياة الصحابة ج1 ص429 عن ابن عساكر ج1 ص110.
([141])
الآية 13 من سورة المجادلة، وراجع دلائل الصدق ج2 ص120،
والأوائل ج1 ص297، وهامش تلخيص الشافي ج3 ص235 و 37، عن العديد
من المصادر.
([142])
الآية 264 من سورة البقرة.
([143])
الآية 6 من سورة المدثر.
([144])
تلخيص الشافي ج3 ص238، ودلائل الصدق ج2 ص130، والإفصاح ص135
وراجع الغدير ج8 ص51. ويشك المحقق السيد مهدي الروحاني في = =
كون أبي بكر كان معلماً، على اعتبار أن جمع الأطفال في المكتب
وتعليمهم أمر مستحدث، ولم يكن معهوداً في مكة في الجاهلية
ويتساءل عن تلامذة أبي بكر من هم، ولماذا لم يوجد في مكة سوى
عدد ضئيل ممن كان يعرف القراءة والكتابة كما مر في أول الكتاب.
بل لقد ذكر جرجي زيدان في كتابه تاريخ التمدن: أنه لم يكن في
مكة حين بعث النبي «صلى
الله عليه وآله»
سوى سبعة أشخاص يعرفون الكتابة.
([145])
كنز العمال ج5 ص405 عن ابن سعد، وحياة الصحابة ج2 ص235.
([146])
الآية 8 من سورة الإنسان،
والحديث موجود في المصادر التالية: المناقب للخوارزمي ص189 ـ
195، والرياض النضرة ج3 ص208 و 209 والتفسير الكبير ج30 ص234 و
244 عن الواحدي، والزمخشري، وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع
البيان) ج29 ص112 و 113 والكشاف ج4 ص670 ونـوادر الأصول ص64 و
65 والجامع لأحكام القرآن ج19 ص131 عن النقاش، والثعلبي،
والقشيري، وغير واحد من المفسرين، واللآلي المصنوعة ج1 ص372 ـ
374 ومدارك التنزيل للنسفي (مطبوع بهامش تفسير الخازن) ج4 ص339
وكشف الغمة ج1 ص169 وتفسير نور الثقلين ج5 ص469 ـ 477 عن أمالي
الصدوق، والقمي، والطبرسي، وابن شهر آشوب وتأويل الآيات
الظاهرة ج2 ص749 ـ 752 وتفسير فرات ص521 ـ 528 وذخائر العقبى
ص89 وتفسير القمي ج2 ص398 و 399 والبرهان (تفسير) ج4 ص412
ووسائل الشيعة ج16 ص190، وفرائد السمطين ج2 ص54 ـ 56 ومجمع
البيان ج10 ص404 و 405 والمناقب لابن المغازلي ص273 والإصابة
ج4 ص378 وينابيع المودة ص93 و 94 وروضة الواعظين ص160 ـ 163
ونزهة المجالس ج1 ص213 وربيع الأبرار ج2 ص147 و 248 وشرح النهج
للمعتزلي ج1 ص21، وأسد الغابة ج5 ص530 و 531 والبحار ج35 ص237
حتى 254 وإحقاق الحق ج9 ص110 ـ 123 وج 3 ص157 ـ 170 عن مصادر
كثيرة.
([147])
الآية 55 من سورة المائدة، والحديث موجود في المصادر التالية:
الكشاف ج1 ص649 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص93 عن
الطبراني، وابن جرير، وأسباب النزول ص113 ونفسير المنار ج6
ص442، وقال: رووا من عدة = = طرق وتفسير نور الثقلين ج1
ص533 ـ 337 عن الكافي، والإحتجاج، والخصال، والقمي، وأمالي
الصدوق، وجامع البيان ج6 ص186، وغرائب القرآن (مطبوع بهامش
جامع البيان) ج6 ص167 والتفسير الكبير ج12 ص26 وتفسير القرآن
العظيم ج2 ص71 والدر المنثور ج2 ص293 و 294 عن أبي الشيخ وابن
مردويه، والطبراني، وابن أبي حاتم، وابن عساكر، وابن جرير،
وأبي نعيم، وغيرهم، وفتح القدير ج2 ص53 عن الخطيب في المتفق
والمفترق، وراجع مـا عن: عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير،
وغيرهم ممن تقدم ذكره. ولباب التأويل للخازن ج1 ص475 والجامع
لأحكام القرآن ج6 ص221 والكافي ج1 ص228 وشواهد التنزيل ج1 ص173
ـ 184 والخصال ج2 ص580 وكفاية الطالب ص229 وكنز العمال ج15
ص146 والفصول المهمة لابن الصباغ ص108 ومجمع الزوائد ج7 ص17
ومعرفة علوم الحديث ص102 وتذكرة الخواص ص15 والمناقب
للخوارزمي ص186 و187 ونظم درر السمطين ص86 و87 والرياض النضرة
ج3 ص208 وذخائر العقبى ص102 عن الواقدي، وأبي الفرج ابن
الجوزي، والبداية والنهاية ج7 ص358 ونور الأبصار ص77 وفرائد
السمطين ج1 ص188 وتأويل الآيات الظاهرة ج1 ص151 ـ 154 والبحار
ج35 ص183 ـ 203 عن مصادر كثيرة وربيع الأبرار ج2 ص148 والمناقب
لابن المغازلي ص312 و 313 وروضة الواعظين ص92 والعمدة لابن
بطريق ص119 ـ 125 وإثبات الهداة ج2 ص47 والمناقب لابن شهر آشوب
ج3 ص2 ـ 10 وكشف الغمة ج1 ص166 و 167 والأمالي للصدوق ص109 و
110، ووسائل الشيعة ج6 ص334 و 335 وسعد السعود ص96 والبرهان
(تفسير) ج1 ص480 ـ 485 ومجمع البيان ج3 ص310 ـ 312 وإحقاق الحق
ج20 ص3 ـ 22 وراجع ج3 ص502 ـ 511 وج 2 ص399 ـ 408 عن مصادر
كثيرة.
([148])
الآية 274 من سورة البقرة، والحديث موجود في المصادر التالية:
الكشاف ج1 ص319 وتفسير المنار ج3 ص92 عن عبد الرزاق، وابن
جرير، وغيرهما والتفسير الكبير ج7 ص83 والجامع لأحكام القرآن
ج3 ص347 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص326 عن ابن جرير، وابن
مردويه وابن أبي حاتم وفتح القدير ج1 ص294 عن عبد الرزاق، وعبد
بن حميد، وابن المنذر، والطبراني، وابن عساكر وغيرهم والدر
المنثور ج1 ص363 ولباب النقول ص50 ط دار إحياء العلوم، وأسباب
النزول ص50 وتفسير نور الثقلين ج1 ص341 عن العياشي والفصول
المهمة لابن الصباغ ص107 ونظم درر السمطين ص90 وذخائر العقبى
ص88 والبرهان (تفسير) ج4 ص412 والمناقب لابن المغازلي ص280
وينابيع المودة ص92، وروضة الواعظين ص383 و 105 وشرح النهج
للمعتزلي ج1 ص21.
([149])
راجع المصادر التالية: المناقب للخوارزمي ص196 والرياض النضرة
ج3 ص180 والصواعق المحرقة ص129 عن الواقدي، ونظم درر السمطين
ص90 و 91 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص327 و 326 وجامع البيان ج28
ص14 و 15 وغرائب القرآن مطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص24 و 25
وكفاية الطالب ص136 و 137 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص428
ومستدرك الحاكم ج2 ص482 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامش
المستدرك) ج2 ص482 وتفسير نور الثقلين ج5 ص264 و 265 وتأويل
الآيات الظاهرة ج2 ص673 ـ 675 ولباب التأويل ج4 ص224 ومدارك
التنزيل (مطبوع بهامش لباب التأويل) ج4 ص224 وأسباب النزول
ص235 وشواهد التنزيل ج2 ص231 ـ 240 والدر المنثور ج6 ص185 = =
عن ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه،
وابن أبي حاتم، وعبد الرزاق، والحاكم وصححه، وسعيد بن منصور،
وابن راهويه، وفتح القدير ج5 ص191 والتفسير الكبير ج29 ص271
والجامع لأحكام القرآن ج17 ص302 والكشاف ج4 ص494 وكشف الغمة ج1
ص168 وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج3 ص129 و 140 وج14 ص200 و
217 وج20 ص181 و 192 عن بعض من تقدم، وعن مصادر كثيرة أخرى،
وإعلام الورى ص188.
([150])
الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين علي
«عليه
السلام»
ص131 ـ 133.
([151])
نزهة المجالس ج1 ص116.
([152])
صحيح البخاري ط مشكول ج5 ص75 وتاريخ الطبري ج2 ص104، وسيرة ابن
هشام ج2 ص131 وطبقات ابن سعدج1 قسم1 ص153 والبداية والنهاية ج3
ص184 ـ 188، ومسند أحمد ج5 ص245، والكامل لابن الأثير، وغير
ذلك كثير، والسيرة الحلبية ج2 ص32.
([153])
فتح الباري ج7 باب الهجرة، ص183 والسيرة الحلبية ج2 ص32.
([154])
الغرز: ركاب الرحل.
([155])
الغدير ج5 ص301 و 302
والمصادر الآتية في الهامش التالي والسيرة الحلبية ج2 ص41.
([156])
راجع: تاريخ بغداد للخطيب ج2 ص288 وج12 ص19، وكشف الخفاء ج2
ص419، واللآلي المصنوعة ج1 ص148، ولسان الميزان ج2 ص64 وميزان
الإعتدال ج2 ص21 و 232 و 269 وج3 ص336 والغدير ج5 ص302 عمن
تقدم، وعن أسنى المطالب ص63.
([157])
النصائح الكافية ص72 و 73 عن المدائني، وشرح نهج البلاغة
للمعتزلي ج11 ص44.
([158])
حلية الأولياء ج1 ص22، والبداية والنهاية ج3 ص180، والسيرة
الحلبية ج2 ص35 و 36.
([159])
السيرة الحلبية ج2 ص69 و 36.
([160])
صحيح مسلم ج5 ص181 و 182، وصحيح البخاري ج2 ص89 الميمنية،
وحياة الصحابة ج1 ص518.
([161])
راجع البحار ج19 ص93 عن مسند أحمد، وعن تاريخ الطبري ج2 ص100
والسيرة الحلبية ج2 ص36 عن ابن الجوزي.
([162])
الآية 69 من سورة يس.
([163])
نسب قريش لمصعب الزبيري ص324، والمصنف لعبد الرزاق ج2 ص447،
وسيرة ابن هشام ج2 ص220.
([164])
البدء والتاريخ ج4 ص202.
([165])
راجع هذه النصوص في: مجمع الزوائد ج5 ص182 عن الطبراني ورجاله
ثقات وبعضه عن ابن ماجة، وسيرة ابن هشام ج4 ص311، والبداية
والنهاية ج5 ص248 عن البخاري، والسيرة الحلبية ج3 ص359، وشرح
النهج للمعتزلي ج6 ص8 والمصنف لعبد الرزاق ج5 ص438، والغدير ج7
ص92 عن بعض من تقدم وعن الرياض النضرة ج1 ص162 ـ 166.
([166])
راجع في ما تقدم كلا أو بعضاً: شرح النهج للمعتزلي ج6 ص8،
ومستدرك الحاكم ج3 ص66، وسنن البيهقي ج8 ص153، وذكر ذلك في
الغدير ج5 ص369 وج7 ص92 وج10 ص7 كلاً أو بعضاً عن المصادر
التالية: مسند أحمد ج1 ص35، وطبقات ابن سعد ج3 ص128، ونهاية
ابن الأثير ج3 ص247، وصفة الصفوة ج1 ص97، والسيرة الحلبية ج3
ص386، والصواعق المحرقة ص7، وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص131 وج2
ص17، والرياض النضرة ج2 ص195، وكنز العمال ج3 ص140 عن
الأطرابلسي في فضائل الصحابة ونقل أيضاً عن الكنز ج3 ص139 و
136 و 140 عن ابن أبي شيبة وابن عساكر، وابن شاهين، وابن جرير،
وابن سعد، وأحمد، ورجاله رجال الصحيح.
([167])
الغدير ج10 ص13، وتهذيب تاريخ دمشق ج3 ص317.
([168])
كنز العمال ج22 ص208 عن ابن عساكر، والإصابة ج4 ص304.
([169])
شذرات الذهب ج3 ص130، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج1 ص94
وبحوث مع أهل السنة والسلفية ص145 والمنتظم لابن الجوزي ج7
ص206 والبداية والنهاية ج11 ص325 والخطط المقريزية ج1 ص389
والكامل في التاريخ ج9 ص155 ونهاية الأرب للنويري ج1 ص185 وذيل
تجارب الأمم لأبي شجاع ج3 ص339 و 340 وتاريخ الإسلام للذهبي
(حوادث سنة 381 ـ 400) ص25.
|