فــي مــوقــــــع الـحـســــم
الرعب القاتل:
قد تقدم معنا:
أن عمر بن الخطاب قد كان وهو فار مرعوباً
من أمير المؤمنين «عليه السلام»، الذي تبع الفارين، وهو يقول لهم: شاهت
الوجوه، وقطت، ولطت، وبطت. إلى أين تفرون؟ إلى النار؟
ويقول:
بايعتم، ثم نكثتم؛ فوالله لأنتم أولى بالقتل ممن أقتل
الخ..
ولكنهم قد استمروا في هزيمتهم لا يلوون على شيء،
والرسول يدعوهم في أخراهم. حتى بلغوا الجبل، وبلغوا صخرة فيه.
وفشا في الناس:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قتل؛ فقال بعض
المسلمين، من أصحاب الصخرة في الجبل: ليت لنا رسولاً
إلى عبد الله بن أبي؛ فيأخذ لنا أماناً
من أبي سفيان قبل أن يقتلونا. وقال أناس من المنافقين: لو كان نبياً
ما قتل، ارجعوا إلى دينكم الأول.
وفي النهر:
أن فرقة قالوا: نلقي إليهم بأيدينا، فإنهم قومنا، وبنو عمنا([1]).
وهذه الكلمة تدل دلالة واضحة على أن هذه الفرقة كانت من
المهاجرين، لا من الأنصار. فجاءهم أنس بن النضر، فقال لهم: إن كان محمد
قد قتل؛ فما تصنعون بالحياة بعده؟! فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا
على ما مات عليه.
ثم قال:
اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، يعني المسلمين.
وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، يعني المنافقين. ثم قاتل حتى قتل.
وقد تقدمت بعض مصادر هذه القضية حين الكلام عن فرار
طلحة.
وقيل:
إن حمزة هو
الذي قال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء النفر، أبو سفيان
وأصحابه. وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم([2]).
وهذا يعني:
أن حمزة قد قتل بعد فرار الصحابة عن الرسول «صلى الله
عليه وآله».
وقد تقدم:
أنه قد قتل بعد أصحاب اللواء؛ فلا مانع من أن يكون
الناس قد انهزموا، فقتله وحشي وهو عائد من بعض حملاته. ثم صار علي «عليه
السلام»
يدفع كتائب المشركين عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كما تقدم.
ثم إن كعب بن مالك كان أول من عرف النبي «صلى الله عليه
وآله»، رأى عينيه تزهران من تحت المغفر، فصاح: يا معشر المسلمين،
أبشروا؛ فهذا رسول الله. فأمره النبي بالسكوت؛ لحراجة الموقف وخطورته.
ثم صار المسلمون يفيئون إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» زرافات
ووحداناً،
وجعل «صلى الله عليه وآله» يذكرهم ويحضهم على القتال؛ فقاتلوا على
قلتهم خير قتال.
ولكن الذين كانوا على الجبل فوق الصخرة لم يعودوا ـ أو
أكثرهم ـ إلى القتال، ولا تركوا مركزهم. وقبل أن نستمر في الحديث عن
المعركة الحاسمة، لا بأس بالإلماح إلى بعض المواقف البطولية التي سجلها
بعض المسلمين، مع محاولة التركيز على بعض الجوانب الإيجابية فيها، ثم
نشير إلى بعض المختلقات في هذا المجال، ولا سيما حول طلحة، وسعد بن أبي
وقاص، فنقول:
إن موقف أنس
بن النضر ليدل على فهمه العميق للإسلام، وإدراكه أن الإسلام لا يرتبط
بالشخص والفرد، حتى ولا بالنبي نفسه، الذي جاء به من عند الله من حيث
هو شخص وفرد([3]).
تماماً
على عكس الرؤية التي كانت لدى الذين فروا، حتى انتهوا إلى الصخرة.
فالحق ـ عند أنس هذا ـ لا يعرف بالرجال، وإنما تعرف الرجال بالحق.
قال أمير المؤمنين:
«إنك لم تعرف
الحق، فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل، فتعرف من أتاه»([4]).
وهذه النظرة على درجة من البعد والعمق، فإنه إذا تجسد
الدين بالشخص، فإن القضاء على ذلك الشخص يكون كافياً
في القضاء على ذلك الدين. وهذه هي إحدى السياسات التي ينتهجها أعداء
الله والإنسان في حربهم لله ورسوله، على مدى الأجيال.
هذا، ولا يقل موقف ابن السكن والرجال الخمسة الأنصاريين
عن موقف أنس؛ فإنه لما تفرق القوم عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»
وهاجمه المشركون، قال «صلى الله عليه وآله»: من رجل يشري نفسه ابتغاء
مرضاة الله؟
فقام زياد بن السكن ـ أو ولده عمارة ـ في خمسة من
الأنصار، فقاتلوا حتى قتلوا، ثم جاءت فئة؛ ففرقوا القوم عن رسول الله
«صلى الله عليه وآله».
وقد تقدم:
أن أبا دجانة كان أول عائد مع عاصم بن ثابت، وقد ترس
على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وصار يقيه بنفسه من وقع السهام،
وهو منحن عليه لا يتحرك، حتى كثر في ظهره النبل، حتى استحق أن يعطيه
رسول الله «صلى الله عليه وآله» سيفاً،
ويمنعه غيره ممن فر، إهانة لهم، وتكريماً
له.
وما ذلك إلا لأن الإسلام ونبي الإسلام، لا يضيعان عمل
عامل، أياً
كان، ومهما كان. ولا يهتم هذا الدين، وهذا النبي «صلى الله عليه وآله»
للدعاوى الفارغة التي يطلقها هذا أو ذاك، وإنما يهتمان بتقييم الإنسان
على أساس ما يقدمه على صعيد الواقع، ونفس الأمر.
وأبو دجانة قد تعرض للامتحان ونجح فيه. أما غيره؛ فقد
أثبت الامتحان عدم جدارته، أو استحقاقه لما يعد نفسه له ممن يتستر خلف
دعاوى فارغة لا أكثر ولا أقل، حتى إذا جد الجد رأيته يتعجل الهزيمة،
ويكون أبطأ من غيره في العودة، أو لا يعود أصلاً
إلا بعد حسم الموقف.
فكان لا بد من إعطاء الضابطة للمسلمين جميعاً،
وإفهامهم:
أن الإسلام واقعي بالدرجة الأولى، وأن
مصب اهتماماته هو المضمون والمحتوى.
وأنه
يقيم الإنسان على أساس أعماله، لا على أساس دعاواه وأقواله، ولا على
أسس أخرى، ربما لا يكون له خيار فيها في كثير من الأحيان. فطلحة، وسعد،
وأبو بكر، وعمر، والزبير، وعثمان الخ..
وإن كانوا من المهاجرين الذين ربما يعطون أو يعطيهم الناس امتيازاً
لذلك؛ وإن كانوا قرشيين؛ وكان لهم بالنبي «صلى الله عليه وآله» صلة من
نوع ما بسبب أو نسب. إلا أن كل ذلك إذا لم يكن معه الإخلاص، وإذا لم
يكن الله ورسوله، وجهاد في سبيله أحب إليهم من كل شيء حتى من أنفسهم،
فإنه يبقى منحصراً
في نطاقه الخاص، ولا ينبغي أن يتعداه إلى غيره، بحيث
يخولهم الحصول على امتيازات لا يستحقونها.
وأخيراً:
فقد ذكر
المؤرخون: أن سلمان الفارسي أيضاً قد كان يقوم بنفس دور أبي دجانة في
حماية الرسول «صلى الله عليه وآله»، حيث جعل نفسه وقاية لرسول الله
«صلى الله عليه وآله» من وراء ظهره، من سهام الكفار، وأذاهم، ويقول:
نفسي فداء لرسول الله «صلى الله عليه وآله»([5]).
وقاتلت أم عمارة، نسيبة بنت كعب. وكان معها سقاء فيه
ماء، فلما رأت قلة من كان مع الرسول، قامت تذب عنه مع هؤلاء القلة،
وجرحها ابن قميئة في عاتقها، حينما اعترضته مع آخرين، ممن كان يذب عن
رسول الله «صلى الله عليه وآله».
بل لقد روى غير واحد:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» نظر في أحد إلى رجل من
المهاجرين يفر، قد ألقى ترسه خلف ظهره، فناداه: «يا صاحب الترس، ألق
ترسك، وفر إلى النار»؛ فرمى بترسه.
فقال
«صلى
الله عليه وآله»:
«لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان، وفلان». وأراد ولدها
عمارة الفرار، فردته، وأخذت سيفه؛ فقتلت به رجلاً؛ فقال «صلى الله عليه
وآله»: «بارك الله عليك يا نسيبة».
وكانت تقي
النبي «صلى الله عليه وآله» بيديها، وصدرها، وثدييها([6]).
قال المعتزلي:
«ليت الراوي لم يُكنّ هذه الكناية، وكان يذكرهما
باسمهما، حتى لا تترامى الظنون إلى أمور مشتبهة. ومن أمانة المحدث أن
يذكر الحديث على وجهه، ولا يكتم منه شيئاً؛ فما باله كتم اسم هذين
الرجلين»؟!([7]).
ويرى المجلسي:
أن المراد
بهما هنا: أبو بكر وعمر، إذ لا تقية في غيرهما؛ لأن خلفاء سائر بني
أمية وغيرهم من الخلفاء، ما كانوا حاضرين في هذا المشهد؛ ليكني بذكرهم
تقية من أولادهم وأتباعهم([8]).
وهذا أيضاً هو
رأي محمد بن معد العلوي([9]).
ونزيد نحن:
أن عثمان لما كان قد فر بإجماع المؤرخين؛ فقد اضطروا
إلى التصريح باسمه، ثم حاولوا تبرير هذا الفرار بالتوبة عليه، وغفران
ذنبه.
ومع ذلك، ومع أننا نجد روايات عديدة تصرح بأن آية: ﴿إِنَّ
الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا
اسْتَزَلَّهـُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا
اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾([10])
قد نزلت في عثمان، وخارجة بن زيد، ورفاعة بن المعلى، أو في عثمان، وسعد
بن عثمان، وعقبة بن عثمان الأنصاريين([11]).
فإننا نجد رواية ذكرها ابن اسحاق تقول: ﴿إِنَّ
الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ﴾
فلان!! وسعد بن عثمان، وعقبة بن عثمان([12]).
ورواية أخرى عن عكرمة تقول:
نزلت في رافع
بن المعلى، وغيره من الأنصار، وأبي حذيفة بن عتبة، ورجل آخر([13]).
كما أن الواقدي نفسه قد كنى عن عثمان في فراره بـ
«فلان»([14]).
فترى أنهم يهتمون في التكنية حتى عن عثمان المجمع على
فراره، دون غيره ممن تذكرهم الرواية.
وبعد هذا، فكيف لا يكنون عمن هم أعظم من عثمان، وأجل
عندهم؟
ويذكر أخيراً:
أن لفلان
وفلان!! فراراً آخر في عرض الجبل، حينما جاءهم المشركون، وندب الرسول
المسلمين إلى قتالهم([15])،
وقد ردهم الله عنهم من دون حاجة إلى ذلك، كما سنرى إن شاء الله تعالى.
كما أن الظاهر:
أن ابن عباس
قد كنى عنهما، حينما ذكر: أن الناس قد تركوا ثلاث آيات محكمات، وأبوا
إلا فلان بن فلان، وفلان بن فلان([16]).
وفي إلماحة موجزة هنا نقول:
إن من المعلوم: أنه ليس في الإسلام على المرأة جهاد،
إلا حينما يكون كيان الإسلام في خطر أكيد.
ولقد أدركت أم
عمارة مدى الخطر الذي يتهدد الإسلام، من خلال الخطر الذي يتعرض له
النبي «صلى الله عليه وآله»([17]).
ولذلك فقد اندفعت للدفاع عن النبي «صلى الله عليه
وآله»، بنفسها وولدها، وكل وجودها. وليت شعري، كيف لم يدرك هذه الحقيقة
كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار؟! وكيف سمحوا للأنفسهم بالفرار في
هذا الظرف الحرج والخطر جداً على مستقبل الإسلام، الدين الحق؟!.
وقد كان المهاجرون يرون لأنفسهم، ويرى لهم الناس
امتيازاً
على غيرهم، وأنهم في موقع المعلم والمرشد. وهم الذين عاشوا مع النبي
«صلى الله عليه وآله»، واستفادوا من تعاليمه، ورأوا من معجزاته أكثر من
غيرهم. وإذا كانت هذه الأنصارية التي لا جهاد عليها، والتي لم تعاشر
النبي «صلى الله عليه وآله»، ولم تر من معجزاته وكراماته ما رآه هؤلاء،
قد وقفت هذا الموقف الرسالي الرائد دونهم، فمن الطبيعي أن يكون مقامها
أفضل من مقام فلان وفلان من كبارهم.
كما أن من الطبيعي أيضاً:
أن يفر ذلك المهاجري إلى النار، ويكون جهادها طريقها
إلى الجنة. كما أننا سوف لا نصدق بعد هذا ما يقال، من أن الفضل إنما هو
بطول الصحبة للرسول، أو بغير ذلك من عناوين، بل سوف نصر على أن الفضل ـ
كما قرره القرآن ـ إنما هو بالتقوى، والعمل الصالح، عن علم ووعي، وعن
قناعة وجدانية راسخة.
ملاحظة:
ونشير أخيراً: إلى أن خروج أم عمارة إلى أحد لعله كان
استثنائياً،
ولضرورة خاصة.
ومما يوضح لنا ذلك:
أننا نجد امرأة من عُذرة استأذنت الرسول في أن تخرج في
جيش كذا وكذا، فلم يأذن لها «صلى الله عليه وآله»؛ فقالت: يا رسول
الله، إنه ليس أريد أن أقاتل، إنما أريد أن أداوي الجرحى والمرضى، أو
أسقي المرضى.
قال:
لولا أن تكون
سنة، ويقال: فلانة خرجت، لأذنت لك، ولكن اجلسي([18]).
وقد تكلمنا
حول هذا الموضوع في غير هذا الكتاب. فليراجع([19]).
وممن شارك في
حرب أحد أيضاً أم سليط، فإنها كانت تزفر القرب، أي تحملها على ظهرها،
تسقي الناس منها([20]).
واستشهد في
أحد حنظلة بن أبي عامر الفاسق، وكان قد دخل بزوجته جميلة بنت عبد الله
بن أبي ليلة أحد، وخرج وهو جنب، حين سمع الهائعة([21])؛
فأعجله ذلك عن الغسل.
بل يقال:
إنه كان قد غسل أحد شقيه، فسمع الهائعة؛
فترك غسله، وخرج.
ويقال:
إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أخبرهم: أن صاحبهم
(حنظلة) لتغسله الملائكة.
كما ويقال:
إنه استأذن
النبي «صلى الله عليه وآله» في أن يقتل أباه أبا عامر الفاسق، فلم يأذن
له([22]).
ونقول:
1 ـ
إن النبي كما
منع حنظلة الغسيل من قتل أبيه، كذلك هو قد منع ابن عبد الله بن أبي من
قتل أبيه أيضاً([23]).
ونقول:
إنه إذا كان هدف الإسلام هو الحفاظ على إنسانية
الإنسان، وتكامله في مدارج الإنسانية، فلا بد أن تكون مواقفه ووسائله
منسجمة مع ذلك الهدف الأسمى؛ لأن الوسيلة في نظر الإسلام لا تنفصل عن
الهدف، وإنما هي جزء منه.
إذاً، فلا بد أن يتعامل مع كل أحد حتى مع أبيه، وولده،
وعشيرته، وماله، وكل ما يحيط به، تعاملاً
إنسانياً
صحيحاً،
ومنسجماً
مع أهدافه تلك. فإذا كانت علاقته بماله، أو بأبيه، أو بولده سوف تفصله
عن هدفه، أو تفرض عليه موقفاً
يتناقض معه، أو يعيق عن الوصول إليه، فلا بد من رفض تلك العلاقة
وتدميرها؛ لأن الإبقاء عليها إنما يعني تدمير الإنسانية، والخروج عنها
إلى ما هو أحط من الحيوان.
وهذا هو ما
أشار إليه تعالى في قوله عمن اتخذ إلهه هواه([24]):
﴿أَمْ
تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ
إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾([25]).
إذاً، فلا جامع ولا قدر مشترك بين الإنسان المسلم الذي
يعتبر نفسه إنساناً،
بكل ما لهذه الكلمة من معنى، ويتصرف على هذا الأساس؛ وبين غيره ممن رضي
لنفسه أن يكون أضل من الأنعام، ويتصرف على هذا الأساس، ومجرد وجود
علاقة نسبية بينهما لا يبرر تخلي هذا عن إنسانيته في سبيل إرضاء ذاك.
وأما إذا كانت مواقف ذلك الإنسان المنحرف وتصرفاته
تساهم في تدمير الإنسانية أينما كانت، وحيثما وجدت، والقضاء على
خصائصها ومنجزاتها، سواء على صعيد الفرد أو المجتمع، أو حتى الأجيال
القادمة.
فإن من الطبيعي أن نرى ذلك الولد
الإنسان:
يهتم بالقضاء على هذا الوالد، ويعمل في هذا السبيل
بصدق، وبجدية، وإلا فإنه سيتضح لنا: أن إنسانيته لم تكتمل بعد، أو على
الأقل: إن وعيه الإنساني يحتاج إلى تعميق وتركيز. كما أن العاطفة التي
تعتبر الوقود الذي يفجر طاقات الإنسان في هذا السبيل، تحتاج إلى شحن
وإثارة من جديد.
فلا عجب إذاً،
أن يستأذن بعض المسلمين في قتل آبائهم المنحرفين، الذين
يحاربون دين الله تعالى، وإنما العجب من أن لا يفعلوا ذلك؛ لأنهم
حينئذٍ يكونون قد خالفوا مقتضى فطرتهم، وما يحكم به عقلهم السليم.
هذا الحكم
الذي أيده وأكده الإسلام، دين الفطرة([26])؛
حين قال في القرآن الكريم: ﴿قُلْ
إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ
كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهَ
وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ
اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾([27]).
2 ـ
وأما سر أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يأذن لهم
بقتل آبائهم، فقد قدمنا بعض ما يفيد في ذلك حين الكلام عن وحشي، قاتل
حمزة، حيث أخبروه: أن محمداً لا يقتل أصحابه.
ونزيد هنا:
أن نفس قتل الولد لوالده ليس أمراً
طبيعياً،
ولا ينسجم مع مشاعر ونفسية الإنسان العادي، الذي لم يترب تربية إلهية،
ولم ينصهر في حب الله تعالى.
نعم،
إذا أخلص ذلك الإنسان لله، وانقطعت كل علائقه المادية الأرضية؛ فإنه
حينئذٍ يرى ذلك أمراً
ضرورياً،
وينساق إليه بعقله، وبفطرته، وبعاطفته أيضاً. وقليل ما هم.
ولربما يثور الإنسان العادي عاطفياً
إذا رأى من قريبه وحبيبه موقفاً
سيئاً
يتنافى مع الفطرة والدين والعقل، ولكن سرعان ما تشده العوامل الأرضية
إليها، ويعود ليزن الأمور بالموازين الأرضية المادية من جديد.
ولذلك رأينا:
المسلمين ينهزمون جميعاً في أحد، وفي مواطن أخرى
باستثناء أمير المؤمنين «عليه السلام»، ويتركون نبيهم، الذي هو في
الحقيقة رمز وجودهم.
وهذا يدل:
على أن الروابط الأرضية قد شدتهم إليها، ولم يتمكنوا من التخلص منها،
ولا التغلب عليها. اللهم إلا من كان في مستوى رفيع من التربية الإلهية؛
ووصل إلى حد: أن أصبح الله ورسوله، وجهاد في سبيله، أحب إليه من كل
شيء، وليس هو إلا أمير المؤمنين «عليه السلام»، كما قلنا.
ولكي لا يعرِّض النبي
«صلى الله عليه وآله» والإسلام الذي هو واقعي بالدرجة الأولى هذا
الإنسان إلى تجربة قاسية ومريرة، ربما تكون أكبر منه، وقد يخفق في
الخروج منها بسلامة ومعافاة، فقد أعفاه من هذه الأمور، لطفاً
به ورفقاً.
والله هو اللطيف الخبير.
وقد دعا عبد الله بن جحش ربه:
أن يقتل، ويجدع أنفه، وتقطع أذنه حتى إذا لقي الله،
وسأله: فيم جُدع أنفك وأذنك؟ فيقول: فيك، وفي رسولك؛ فأمّن له سعد بن
أبي وقاص. وهكذا جرى له.
ودعا سعد بن أبي وقاص ربه:
أن يقتل أحد المشركين، ويأخذ سلبه؛ فأمّن عبد الله على
دعاء سعد.
فشتان ما بين سعد وعبد الله، فإن عبد الله قد جاء يطلب
الموت، وجاء سعد يطلب ما يرى أنه يفيد في استمرار تمتعه بمباهج الحياة،
وزبارجها وبهارجها.
ونعود فنذكّر هنا بما قاله المعتزلي ـ وهو يتحدث عن علي
«عليه السلام» ـ : هذا يجاحش على السلب، ويأسف على فواته، وذاك لا
يلتفت إلى سلب عمرو بن عبد ود، وهو أنفس سلب، ويكره أن يبز السبي
ثيابه، فكأن حبيباً
ـ يعني أبا تمام ـ
عناه بقوله:
إن
الأسـود أسـود الـغـاب همتـها يوم الكرية في المسلوب لا
السلب([28])
ونزيد هنا:
أن الذي يجاحش على السلب، ويدعو الله أن يقتل مشركاً
من أجل سلبه، ويأتي إلى الحرب بهذه النفسية، لا يتورع ـ حين يفوته ذلك،
ويواجه خطر الموت ـ من أن يفر من الحرب، ويترك الرسول الأعظم «صلى الله
عليه وآله» لسيوف المشركين تنوشه من كل جانب ومكان!!
كما أن من تكون الدنيا عنده أهون من عفطة عنز، ولا
تساوي الخلافة عنده شسع نعله، ويكون من الرسول والرسول منه، ولا سيف
إلا سيفه،
كيف، ولماذا يفر يا ترى؟!
فلا عجب إذاً إذا رأينا هذا يثبت، ويتلقى السيوف بنحره
وجسده، وذاك يفر طلباً
للسلامة، ولأجل الاحتفاظ بالحياة.
ويذكرون لسعد بن أبي وقاص في حرب أحد فضائل وكرامات،
ومواقف وبطولات، نعتقد أن يد السياسة قد ساهمت في صنعها، ونذكر على
سبيل المثال:
أنهم يقولون:
إنه بعد أن
عاد المسلمون إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» دافع سعد عن رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، ورمى بين يديه بالسهام، وأن النبي «صلى
الله عليه وآله» كان يناوله النبل، ويقول([29]):
إرم فداك أبي وأمي؛ فرمى دون رسول الله حتى اندقت سية قوسه.
وفي المشكاة عن علي
«عليه
السلام»:
ما سمعت النبي «صلى الله عليه وآله» جمع أبويه لأحد إلا لسعد([30]).
بل يروي البعض:
أنه قال له
ذلك ألف مرة، لأنه رمى ألف سهم([31]).
كما أن ابن عرقة رمى بسهم، فأصاب ذيل أم أيمن، فانكشف،
فضحك،
فأمر النبي «صلى الله عليه وآله» سعداً
بأن يرمي، ودعا له بأن يسدد الله رميته، ويجيب الله دعوته؛ فرمى ابن
عرقة في ثُغرة نحره؛ فانقلب لظهره، وبدت عورته، فضحك «صلى الله عليه
وآله»([32]).
ولكننا نشك فيما ذكر آنفاً، وذلك بملاحظة النقاط
التالية:
1 ـ
يقولون: سئل سعد عن سر استجابة دعائه دون الصحابة، فقال: ما رفعت إلى
فمي لقمة إلا وأنا أعلم من أين جاءت، ومن أين خرجت([33]).
أي لأنه قد جاء في الحديث:
أن سر عدم استجابة الدعاء، هو أن من كان مأكله وملبسه حراماً
فأنى يستجاب له([34]).
فأي ذلك نصدق؟!
هل نصدق أن استجابة دعائه كانت لدعائه «صلى الله عليه
وآله» له؟!
أم نصدق أنها من أجل أنه لم يكن يأكل حراماً؟!.
وحاول الحلبي أن يجيب:
بأن دعاء النبي «صلى الله عليه وآله» يرجع: إلى أنه دعا
له أن يستجاب له بسبب عدم أكله للحرام، وتمييزه للحرام عن غيره!!([35]).
وهو تأويل بارد، كما ترى، ولا نرى حاجة للتعليق عليه.
2 ـ
لا ندري إذا كان الوقت يتسع لرمي ألف سهم، ولقول النبي
«صلى الله عليه وآله» له ذلك، وهو يناوله السهام في ذلك الوقت الحرج
جداً؟!.
ولا ندري أيضاً من أين حصل سعد على تلك السهام الألف
التي رمى بها؟!، وهل كانت تتسع كنانته، وكنانة النبي «صلى الله عليه
وآله» ـ لو كانت ـ لهذه الكمية؟!.
ولا نعرف أيضاً إن كانت تلك السهام تصيب المشركين؛
فيستجاب دعاء الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» له أم لا؟!
وإذا كانت تصيبهم، فكم قتل سعد؟ وكم جرح؟! ولماذا لم
ينهزم المشركون لهذه النكبة التي حلت بهم؟!.
3 ـ
إذا كان سعد مستجاب الدعوة، فلماذا لم يدع الله ليفرج
عن عثمان حين الحصار؟ أو ليهدي معاوية إلى الحق والتسليم لعلي «عليه
السلام»؛
ليحقن دماء عشرات الألوف من المسلمين، ويجنب الأمة تلك الكوارث العظيمة
التي تعرضت لها؟!.
وعندما عرض عليه أمير المؤمنين
«عليه
السلام»:
أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، طلب منه أن يعطيه سيفاً
يميز بين الكافر والمؤمن([36])؛
فلم لم يدع الله أن يعطيه سيفاً
كهذا؛ فيستجيب الله له، ما دام أنه كان مستجاب الدعوة؟!.
4 ـ
عن ابن الزبير: أن الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» قال للزبير ـ
يوم الخندق، حينما أتاه بخبر بني قريظة ـ: فداك أبي وأمي([37])،
فأي الروايتين نصدق؟! أم نصدقهما معاً؟!
أم ننظر إليهما معاً
بعين الشك والريب، لما نعلمه من تعمد الوضع والاختلاق لصالح هؤلاء؟!
أعتقد أن هذا الأخير هو الأمر المنطقي، والطبيعي، والمعقول.
واحتمال أنه «صلى الله عليه وآله» وإن كان قد قال ذلك
للزبير يوم الخندق، لكن علياً
«عليه السلام» لم يسمعه، فنقل ما سمعه فقط بالنسبة لسعد، أو أنه «صلى
الله عليه وآله» قد أراد تفدية خاصة لا يجدي؛ إذ قد جاء في رواية أخرى
قوله: فما جمع «صلى الله عليه وآله» أبويه لأحد إلا لسعد([38]).
وهذا يدل على أنه يخبر عن علم، وإلا
لكان عليه أن يقول:
إنه لم يسمع ذلك إلا بالنسبة لسعد، كما أنه لو كان أراد
تفدية خاصة لكان عليه البيان.
5 ـ
كيف يكون سعد قد قتل حبان بن العرقة في حرب أحد، كما
يقول الواقدي، مع أن الواقدي نفسه وغيره يقولون: إن حبان بن العرقة قد
رمى سعد بن معاذ في أكحله في غزوة الخندق، فقال «صلى الله عليه وآله»:
عرق الله وجهك في النار؟!([39])
فإن حرب الخندق كانت بعد أحد بالاتفاق.
وأما
لماذا حشد هذه الفضائل لسعد، فذلك أمر واضح، فإن سعداً
قد كان من الفئة المناوئة لأمير المؤمنين «عليه السلام»، وأهل بيته،
حتى لقد كتب «عليه السلام» لوالي المدينة: أن لا يعطي سعداً
من الفيء شيئاً([40]).
وحينما دخل عليه سعد يطالبه بعطائه رده مع صاحبيه، بعد كلام طويل، ولم
يعطه شيئاً([41]).
وحينما دعاه
عمار إلى بيعة سيد الوصيين، أظهر سعد الكلام القبيح([42]).
وأيضا فقد
صارمه عمار المعروف بجلالة مقامه وعلو شأنه([43]).
كما أنه قد أخذ من بيت المال مالاً
ولم يؤده، وعزله عمر عن العراق، وقاسمه ماله([44]).
وكان ممن قعد
عن علي «عليه السلام» وأبى أن يبايعه، فأعرض عنه «عليه السلام»، وقال([45]):
﴿وَلَوْ
عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ
لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾([46]).
وسعد هو أحد الستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم، فوهب حقه لابن عمه
عبد الرحمن بن عوف([47]).
وشكا أهل الكوفة سعداً
إلى عمر بأنه لا يحسن يصلي([48]).
إذاً، فانحراف سعد عن علي «عليه السلام»، وممالأته
لأعدائه هو الذي جعل لسعد هذه الشخصية، ورزقه هذه الفضائل والكرامات.
وهذا هو بعينه السر أيضاً بما رزقه الكرماء طلحة بن عبيد الله من
كرامات ستأتي الإشارة إليها إن شاء الله.
ولعل أبا طلحة أيضاً قد ارتزق فضائله وكراماته عن نفس
هذا الطريق، طريق العداء لعلي «عليه
السلام»،
والانحراف عنه، كما هو معلوم بالمراجعة([49]).
ويذكرون لطلحة بن عبيد الله أيضاً في أحد كرامات كثيرة،
نذكر منها:
1 ـ
أن
رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد سماه في أحد ب
(طلحة
الخير)؛ لأنه أنفق سبعمائة ألف درهم([50]).
ولا ندري كيف وعلام أنفق طلحة سبعمائة ألف درهم، التي
كانت تكفي لتجهيز جيش بكامله، يكون أضعاف أضعاف جيش المسلمين في أحد؟!
أوليس قد جهزت قريش جيشاً
مؤلفاً
من ثلاثة أو خمسة آلاف مقاتل معهم ثلاثة آلاف بعير، ومئة فرس، وسبعمائة
دارع بخمسة وعشرين ألف دينار؟!([51]).
أي بما يساوي ثلث المبلغ الذي يُدَّعى
أن طلحة قد أنفقه؟
وعلى أبعد الأقوال:
إنها أنفقت خمس مئة ألف درهم.
ومن الواضح:
أن سبعمائة ألف درهم في تلك الأيام تعدل ميزانية دولة بكاملها.
وكيف نصدق ذلك، ونحن نرى ابن سعد يروي في الطبقات عن
أنس: أن أبا بكر استعمله على الصدقة، فقدم وقد مات أبو بكر، فقال عمر
(رض): يا أنس، أجئتنا بالظهر؟
قلت:
نعم.
قال:
جئتنا بالظهر، والمال لك.
قلت:
هو أكثر من ذلك.
قال:
وإن كان هو لك. وكان المال أربعة آلاف فكنت أكثر أهل
المدينة مالاً([52]).
فإذا كان أنس أغنى أهل المدينة بالأربعة آلاف، وذلك في
زمان عمر، الذي اتسع فيه الأمر على الناس، وحصلوا على الأموال الكثيرة.
فهل يمكن أن نصدق أن مهاجرياً
قدم المدينة بلا مال، يصير من الثراء بحيث يبذل سبعمائة ألف درهم بعد
فترة وجيزة جداً من قدومه؟!. ولا سيما في وقت كان يعاني فيه المسلمون
صعوبات جمة، حتى إن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يربط الحجر على
بطنه من الجوع (راجع حديث الغار، حين البحث في ثروة أبي بكر).
ولماذا لم تنزل في طلحة آية تشيد بهذه الفضيلة له، كما
نزلت في علي «عليه
السلام»
حينما تصدق بالخاتم في الصلاة([53])
وحينما تصدق بأربعة دراهم؟!
إلى آخر ما تقدمت الإشارة إليه([54]).
وبذلك يعلم أيضاً:
مدى صحة الأرقام الخيالية التي تذكر عن تجهيز عثمان
لجيش العسرة، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه. وسنتعرض لذلك كله في مواضعه
إن شاء الله تعالى.
2 ـ
وأما روايات شلل إصبع طلحة، وما أصابه في أحد، فهي متناقضة؛ فلا ندري
هل شلت إصبعه؟ أو إصبعاه؟ أو يده؟ أو قطعت إصبعه؟! ثم هنالك الخلاف في
عدد الجراح التي أصابته.
ونحن لا ننكر أن يكون طلحة قد أصيب ببعض الجراح. لكن
ذلك لا يلزم منه عدم فراره.
بل يستظهر المظفر:
أن شلل يده قد كان حين الفرار، أو بسبب آخر.
وقد يستظهر ذلك من تعبير الشعبي بـ
(زُعِم)
في قوله: (وزُعِم: أن طلحة وقى رسول الله بيده؛ فضرب، فشلت)([55])
فيظهر أن الشعبي يشك في ما زُعم. وأما ما زعمه البعض من أنه «صلى الله
عليه وآله» قد مسح على جسد طلحة، ودعا له بالشفاء، والقوة([56])،
فلا ندري ما نقول فيه، ونحن نرى أن يده لم تشف، ولم يستجب الله ذلك
الدعاء.
ولكن الذي شفي بدعاء النبي «صلى الله عليه وآله» حقاً
هو أمير المؤمنين «عليه
السلام»
كما تقدم.
3 ـ
ويقولون: إنه «صلى الله عليه وآله» قد وقع في إحدى الحفر التي حفرها
أبو عامر الفاسق مكيدة؛ فرفعه طلحة، وأخذ بيده علي «عليه السلام».
وزاد في الاكتفاء:
فقال «صلى
الله عليه وآله»: من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر
إلى طلحة([57]).
ولا ندري لماذا اختص طلحة الفار من الزحف بهذا الوسام،
دون علي «عليه
السلام»،
الذي لم يثبت أحد سواه، مع أنهما شريكان في مساعدته «صلى الله عليه
وآله» على النهوض؟!. ثم إن كل من يعثر ويقع، فإن من معه يبادرون إلى
مساعدته، ومعاونته على النهوض؛ ولا يعتبرون ذلك عملاً
عظيماً
يستحق وساماً
كهذا.
4 ـ
ويقولون: ولما
أصاب النبي «صلى الله عليه وآله» ما أصابه، جعل طلحة يحمله، ويرجع
القهقهرى. وكلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه، حتى أسنده إلى
الشعب. أخرجه الفضائلي([58]).
ونحن لا نصدق أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد تقهقر
وفر كما تقهقر غيره، وأخلى ساحة القتال.
وقد تقدم تكذيب الإمام الصادق «عليه
السلام»
لذلك.
كما أننا لا نرى أن ما جرى للنبي «صلى الله عليه وآله»
قد أفقده القدرة على المشي؛ ولذا فنحن لا نفهم وجه الحاجة لأن يحمله
طلحة ثم يضعه ليدافع عنه.
كما أننا لا نعرف أين ذهب عنه «صلى الله عليه وآله»
أصحابه الثلاثون الذين فاؤوا إليه، ثم لحقهم من لحقهم؟!
وأين كان عنه سلمان، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، وعمار،
وأخوه ووصيه علي بن أبي طالب «عليه
السلام»؟!
ولم لا يدافعون عنه، ويحمونه من ملاحقة المشركين، حتى
يضطر طلحة لأن يرجع القهقرى، وهو حامل رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ثم يدافع عنه كلما أدركه أحد من المشركين؟!
كما أنه لم يثبت تاريخياً
عودة من كانوا في أعلى الجبل إلى ساحة الحرب ـ وطلحة منهم ـ بل الثابت
خلافه، كما سنرى إن شاء الله.
ويقولون:
«إنه لما كانت وقعة أحد اشتد الأمر على طائفة من الناس،
تخوفوا أن يدال عليهم الكفار، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فإني ذاهب إلى
ذلك اليهودي، فآوي إليه، وأتهود معه، لعله ينفعني إذا وقع أمر، أو حدث
حادث.
وقال الآخر:
أما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصراني في الشام، وأتنصر
معـه،
فأنزل الله: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ
وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء﴾([59])»
([60]).
وقد روى ابن طاووس في الطرائف، والعلامة في نهج الحق
هذه الرواية عن السدي، الذي روى عنه ابن جرير، وابن أبي حاتم وغيرهما.
وقد صرح السدي بأن الرجلين هما عثمان وطلحة. وأنهما استأذنا النبي «صلى
الله عليه وآله»، وألحا عليه في ذلك.
كما أن رواية أخرى عن عكرمة تقول:
«كان طلحة
والزبير يكاتبان النصارى وأهل الشام»([61])،
فقد صرحت الرواية باسم طلحة في تفسير نفس هذه الآية.
والرجل الآخر قد اختلف فيه،
فقال عكرمة هو الزبير، وقال السدي هو عثمان.
ثم إن لطلحة هذا هنات وهنات، ومواقف عجيبة وغريبة،
ويكفي أن نذكر: أن عمر بن الخطاب قد أخبر حين حضرته الوفاة بأن رسول
الله «صلى الله عليه وآله» مات وهو عليه ساخط، لأنه قال: «إنه سيتزوج
نساء النبي من بعده، فنزلت فيه: ﴿وَمَا
كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهَ وَلَا أَن تَنكِحُوا
أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً﴾([62])»([63]).
ومن أراد المزيد، فليراجع قاموس الرجال وغيره؛ ليقف على
بعض مواقف طلحة وأفاعيله. وحسبنا ما ذكرناه هنا، وقد يأتي المزيد مما
يتعلق بهذا الموضوع إن شاء الله.
قد ذكرنا فيما تقدم:
أنه بعد أن صار الرسول يدعو المسلمين إليه، صاروا يرجعون إليه زرافات
ووحداناً، وجاهدوا في الله حق جهاده، وحرص النبي الأعظم «صلى الله عليه
وآله» على أن يرجع بهم إلى مراكزهم الأولى؛ لأن ذلك سوف يجعل الجبل من
خلفهم؛ فيخلصون الحرب إلى جهة واحدة([64]).
تماماً
كما هي الخطة الأولى. وكانت الجراح قد أرهقت علياً ـ كما تقدم
ـ
حتى بلغت نيفاً
وستين جراحة ـ كما عن أنس بن مالك ـ بين طعنة، ورمية، وضربة.
وفي رواية:
نيفاً
وأربعين أو نيفاً
وسبعين. وفي رواية: تسعين([65]).
ويحتمل أن تكون:
كلمتا تسعين وسبعين:
إحداهما
تصحيف للأخرى لتقارب الرسم فيما بينهما، مع عدم وجود النقط للكتابة في
السابق. ويبدو أنه في هذه اللحظات الحرجة، وبعد أن رجع إلى النبي «صلى
الله عليه وآله» بعض من انهزم من أصحابه وبقاء أصحاب الصخرة في موقعهم،
خائفين أن تصل إليهم قريش.
نعم، في هذه اللحظات يبدو أن الله قد أنزل على القادمين
الراجعين إلى النبي«صلى الله عليه وآله»، التائبين، أمَنَة نعاساً،
لكي يطمئنوا إلى نصر الله ولطفه.
أما أصحاب الصخرة، أو كثير منهم، فقد أهمتهم أنفسهم،
يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية. وهؤلاء كانوا ـ في الأكثر ـ من
المنافقين.
والخلاصة:
أن النعاس
في الحرب يكون من الإيمان والاعتقاد بالله، وفي الصلاة يكون من
الشيطان.
وهكذا كان؛ فقد بلغ الرسول وتلك الثلة من المسلمين المجاهدين، سفح جبل
أحد، واستقروا فيه، ولم يجاوزوه. فأرعب ذلك المشركين، لما رأوه من عودة
المسلمين إلى مراكزهم الأولى، وتجميع صفوفهم، وارتفاع معنوياتهم من
جديد. وإن كان لا تزال ثلة منهم فوق الجبل، وهم أصحاب الصخرة، ومنهم
أبو بكر، وعمر، وطلحة، وغيرهم؛ فخاف المشركون أن يدال المسلمون منهم من
جديد، ويفعلوا بهم كما فعلوا في ابتداء الحرب، ففضلوا إنهاء الحرب،
والانسحاب بسلام، وهكذا كان. وحينئذٍ أعلن أبو سفيان انتهاء الحرب،
وأشرف على الجبل، ونادى بأعلى صوته: أُعْلُ هُبَل.
وحيث إن المسألة لم تعد مسألة شخصية، وإنما يريد أبو
سفيان أن يعتبر هذا النصر الظاهري وإن كان ينطوي على الرعب القاتل،
مؤيداً
لدينه ولإلهه
هبل، فقد أجابه النبي «صلى الله عليه وآله»([66])
ـ وقيل عمر ـ: «وقد صرحت بعض الروايات بأن النبي «صلى الله عليه وآله»
قد علّم عمر ما يقول»([67]).
وفي رواية:
أن النبي «صلى
الله عليه وآله» علّم علياً «عليه السلام»، فأجابه([68]):
الله أعلى وأجل.
فقال أبو سفيان:
أُنعِمَت فعال، إن الحرب سجال، يوم بيوم بدر.
فقال:
لا سواء قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار.
وفي نص لأبي هلال العسكري:
نادى أبو سفيان: أعل هبل.
فقال عمر:
الله أعلى وأجل.
فقال:
إنها قد أُنعِمَت يا
ابن
الخطاب فقال: إنها ([69]).
فجواب عمر هذا، وتصديقه لأبي سفيان لا ندري ما يعني به؟
وكيف نفسره؟!.
ثم سأل أبو سفيان:
إن كان النبي «صلى الله عليه وآله» حياً،
فأمرهم النبي «صلى الله عليه وآله»: أن لا يجيبوه.
ثم سأل ـ كما
قيل ـ عن أبي بكر، وعن عمر، فكذلك([70]).
فيقال:
إن أبا سفيان قال حينئذٍ: أما إن هؤلاء قد قتلوا، وقد
كفيتموهم، ولو كانوا أحياء لأجابوا. فعند ذلك ـ كما يقولون ـ لم يملك
عمر نفسه، وأخبرهم: أنهم أحياء، فطلب أبو سفيان من عمر أن يأتيه، فقال
«صلى الله عليه وآله» لعمر: إئته، فانظر ما شأنه. فجاءه، فسأله: إن كان
النبي «صلى الله عليه وآله» قد قتل.
فقال عمر:
اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن.
قال:
أنت أصدق عندي من ابن قميئة، وأبر([71]).
ثم واعدهم أبو سفيان بدراً
في العام القادم، وانصرف.
ولكن إذا كان عمر بن الخطاب قد أجاب أبا سفيان على
قوله: أعل هبل.
وكان ذلك قبل هذا الكلام، فإن
أبا سفيان الذي خاطب عمر، وسمع صوته، ورأى مكانه، لا يمكن أن يدّعي:
أن عمر قد مات بعد ذلك بدقائق، إلا إذا فرض أنه سمع صوته، ولم يعرفه
ولم يره، بسبب وجود موانع من رؤيته له.
ولكنه فرض لا يصح، لأن
أبا سفيان قد صرح في كلامه بأنه إنما يخاطب ابن الخطاب بالذات.
ومهما يكن من أمر، فقد جاء علي «عليه
السلام»
إلى النبي «صلى الله عليه وآله» بعد أن انتهت الحرب، فغسل وجهه، وضمدت
جراحه فاطمة «عليها
السلام».
ومَثَّل نساء
المشركين في قتلى المسلمين فجدعن الأنوف والآذان، إلا أنهن لم يمثلن
بحنظلة ابن أبي عامر، لأن أباه طلب منهن تركه، فتركنه له. وتشاوروا في
نهب المدينة؛ فأشار صفوان بن أمية بالعدم؛ لأنهم لا يدرون ما يغشاهم([72]).
وأرسل النبي
«صلى الله عليه وآله» علياً أمير المؤمنين «عليه السلام» في آثارهم؛
لينظر؛ فإن كانوا قد ركبوا الإبل، وجنبوا الخيل؛ فهم يريدون مكة، وإن
كان العكس، فهم يريدون المدينة، فلا بد من مناجزتهم فيها؛ فذهب «عليه
السلام»، وعاد، فأخبره بأنهم جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل([73]).
ولكن البعض يقول:
إن سعد بن أبي وقاص هو المرسل في هذه المهمة، وإنه لما
رجع رفع صوته بأنهم قد جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل .
فجعل النبي
«صلى
الله عليه وآله»
يشير إليه:
خفِّض
صوتك، فإن الحرب خدعة. فلا تُرِ الناس مثل هذا الفرح بانصرافهم؛ فإنما
ردهم الله تعالى.
ويقول الواقدي:
إنه «صلى الله عليه وآله» أوصى سعداً
بأنه إن رأى القوم يريدون المدينة فأخبرني فيما بيني وبينك، ولا تفت في
أعضاد المسلمين([74]).
ونسب مثل ذلك إلى علي «عليه
السلام»،
وأنه رفع صوته بالخبر، مع أنه «صلى الله عليه وآله» كان قد أوصاه بخلاف
ذلك([75]).
ونحن نُجِلُّ
علياً «عليه
السلام»
عن أن يكون قد ارتكب مثل هذه المخالفة، فقد تعودنا منه الوعي الكامل،
والطاعة المطلقة للرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله»، وقد تقدم: أنه
«صلى الله عليه وآله» قال لعلي «عليه
السلام»
في خيبر: إذهب ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. فمشى هنيئة ثم قام ولم
يلتفت للعزمة، ثم قال: على ما أقاتل؟!
الخ..
ولعله لأجل هذه الانضباطية المطلقة منه «عليه
السلام»
في تنفيذ أوامر الرسول نجده «صلى الله عليه وآله» ينهى ذلك الذي أرسله
في رسالة إلى علي «عليه
السلام»،
الذي سار في مهمة عسكرية ـ ينهاه ـ عن أن ينادي علياً
من خلفه([76]).
فهذه القضية بسعد أشبه منها بعلي، وإن كان يمكن أن يكون
قد أرسلهما معاً.
فمقصود المحرفين هو أن يقولوا:
إن المخالفة تصدر من علي «عليه
السلام»
كما تصدر من غيره، وأنه لا كبير فرق فيما بينهم. ولكن الله يأبى إلا أن
يظهر الحق، ويتم نوره.
ومن جهة أخرى نلاحظ:
أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
قد صرح بمعرفته بنوايا جيش الأعداء، وأعطى دلائل تشير إلى تلك النوايا
وهي دلائل دقيقة وعميقة، لا يدركها الناس العاديون، حيث جعل ركوبهم
الإبل دليلاً على أمر آخر..
وقد استعد لمواجهة كلا الاحتمالين بالقرار المناسب،
فكيف ينسبون إليه ـ والعياذ بالله ـ أنه يجهل بأمور بديهية، مثل قصة
تأبير النخل ونحوها، مما هو مختلق ومكذوب؟
ونلاحظ أيضاً:
أن تفرق جيشه من حوله حتى لم يبق معه سوى علي
«عليه
السلام»
لم يضعفه، ولم يفقده القدرة على اتخاذ القرار الصحيح في
مواضع الشدة، فيعلن لعلي بهذا القرار الذي يشير إلى أنه لم يكن في تلك
اللحظات الصعبة يفكر بنفسه، بل بما هو أهم وأولى وأكثر حساسية بالنسبة
لحفظ الكيان العام ألا وهو حفظ حرمة المدينة من أن ينتهكها الجيش
الغازي.
ومهما يكن من أمر،
فإنه
بعد انتهاء المعركة خرج علي «عليه السلام» حتى ملأ
درقته ماء من المهراس، فجاء به رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليشرب؛
فوجد له ريحاً، فعافه ولم يشرب. وغسل الدم عن وجهه.
ويقال:
إن فاطمة
«عليها السلام» كانت تغسل جراحاته وتضمدها، وهو «صلى الله عليه وآله»
يقول: إشتد غضب الله على من أدمى وجه نبيه([77]).
وبعد انتهاء
الحرب أرسل علياً «عليه السلام» إلى المدينة ليبشر أهلها: بأن النبي
«صلى الله عليه وآله» حي سالم([78]).
وهنا أمور لا بأس بالإلماح إليها للتتميم، والتوضيح،
والتصحيح، وهي:
إننا حينما نقرأ هذه الفقرات حول تضميد فاطمة «عليها
السلام» جراحات رسول الله «صلى الله عليه وآله» نتذكر أنها ـ كما رواه
الإمام الصادق «عليه
السلام»
ـ كانت تلقب: بأم أبيها([79]).
وما ذلك إلا لأنها كانت بمنزلة الأم في حنانها، وعطفها،
ورعايتها له «صلى الله عليه وآله»، وسهرها على راحته وسعادته، وكانت
تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه.
ومن الواضح:
أن الأم إنما تتحمل المتاعب، وتصبر على الصعاب في سبيل
ولدها، وهي تتمنى حياته.
(أما
الولد، فإنه إذا رعى شؤون والديه، وتحمل بعض المتاعب في سبيلهما، فإنما
يفعل ذلك وهو يتوقع، أو يتمنى وينتظر موتهما).
لقد كانت
فاطمة «عليها السلام»، بمنزلة الأم، لأنها كانت تريد
حياته «صلى الله عليه وآله»، وتريد أن تبقى معه ولا تفارقه، حتى إنها
حينما أخبرها، وهو على فراش الموت: أنها أول أهل بيته لحوقاً
به ضحكت واستبشرت، فراجع كتب الحديث والتاريخ([80]).
وقد تحدثنا عن معنى هذه الكلمة:
«أم
أبيها»
في كتابنا
«مأساة
الزهراء عليها السلام»([81])
فراجع.
ب: النبي
والمسلمون في الجبل!
ويقولون:
إنه «صلى الله
عليه وآله» لما صعد الجبل علت عالية من قريش الجبل؛ فقاتلهم عمر، ورهط
من المهاجرين، حتى أهبطوهم من الجبل، ونهض «صلى الله عليه وآله» إلى
صخرة في الجبل ليعلوها؛ فلم يستطع، فجلس تحته طلحة، ونهض به حتى استوى
عليها، وكان بطلحة عرج، فتكلف الإستقامة؛ لئلا يشق على النبي «صلى الله
عليه وآله»؛ فذهب عرجه([82]).
ونقول:
أولاً:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» ومن معه لم يبلغوا
الصخرة، ولا الغار، ولا المهراس، ولا الدرجة المبنية من الشعب، وذلك
لما يلي:
1 ـ
لقد صرح
الواقدي بأن المسلمين ـ ولا بد أن يكون المراد المقاتلين منهم ـ لم
يصعدوا الجبل. وكانوا في سفحه، لم يجاوزوه إلى غيره، وكان فيه النبي
«صلى الله عليه وآله»([83]).
2 ـ
وفي رواية
لأحمد: «وجال المسلمون جولة نحو الجبل، ولم يبلغوا حيث يقول الناس:
الغار، إنما كان تحت المهراس»([84]).
3 ـ
إن رسول الله
«صلى الله عليه وآله» لم يبلغ الدرجة المبنية من الشعب([85]).
4 ـ
قال ابن اسحاق:
«فلما انتهى النبي «صلى الله عليه وآله» إلى فم الشعب، خرج علي بن أبي
طالب (رض) حتى ملأ درقته من المهراس»([86]).
وجاء بالماء، فغسل وجهه كما سيأتي.
5 ـ
إن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يبرح ذلك اليوم شبراً
واحداً،
حتى تحاجزت الفئتان([87]).
فإن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن ليفر من وجه
عدوه، ويصعد إلى الجبل ويعتصم به، ويترك عدوه يصول ويجول كيفما
يشاء.
وقد أنزل الله في الفارين قرآناً
يتلى إلى يوم القيامة، وينعى عليهم عملهم ذاك، ويؤنبهم عليه.
كما أننا لا نصدق أن يرتكب الرسول «صلى الله عليه وآله»
هذا الأمر في الوقت الذي كان يدعو فيه الفارين في أخراهم إلى العودة
إلى مراكزهم. ولا يمكن أن تحدثه نفسه بالفرار من الزحف في أي من الظروف
والأحوال.
6 ـ
قد تقدم أن الصباح بن سيابة قد سأل الإمام الصادق «عليه
السلام»
عما يذكرونه من هذا، فهو يقول له «عليه
السلام»:
«فالغار في أحد الذي يزعمون أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» صار
إليه؟
قال:
والله ما برح مكانه»([88]).
ثانياً:
قولهم إن عمر ورهطاً
من المهاجرين قد قاتلوا المشركين حتى أهبطوهم من الجبل، لا ندري
أنصدقه؟!
أم نصدق قول الواقدي:
«وصل رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الشعب مع
أصحابه، فلم يكن هناك قتال»؟([89]).
أم نصدق قولهم:
إن سعداً
وحده قد ردهم بسهم، قُتل به أربعة منهم؟([90])
عجيب!! أربعة!!.
وثالثاً:
إنهم يقولون: إنه لما رأى أصحاب الصخرة النبي «صلى الله
عليه وآله»، وضع أحدهم سهماً
في قوسه، وأراد أن يرميه «صلى الله عليه وآله».
فقال:
أنا رسول
الله، ففرحوا، وفرح بهم؛ لأنه رأى من يمتنع به، واجتمعوا حوله([91]).
وفي رواية:
لما نادى كعب
بن مالك، يبشر الناس بحياة الرسول «صلى الله عليه وآله» نهضوا إليه (أي
أصحاب الصخرة) فيهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد،
والحارث بن الصمة([92]).
ونسجل هنا ما يلي:
1 ـ
إن ذكر علي هنا غلط عفوي أو عمدي بلا ريب؛ لأنه «عليه
السلام»
لم يفر مع هؤلاء إلى الجبل، ولا أصعد فيه حتى بلغ الصخرة؛ بل كان مع
النبي «صلى الله عليه وآله»، يدافع عنه، ويكافح وينافح. بإجماع
المؤرخين.
2 ـ
لا ندري ما معنى قولهم: إنه «صلى الله عليه وآله» فرح بهم؛ لأنه رأى من
يمتنع به؟!
فهل منعوه قبل الآن ؟! ولو كانوا قد منعوه، فما هو المبرر لكونهم على
الصخرة فوق الجبل؟!. وهل يمتنع بهم.
وبعضهم قال لهم ـ وهم على الصخرة ـ:
يا قوم، إن
محمداً قد قتل، فارجعوا إلى قومكم، قبل أن يأتوا إليكم؛ فيقتلوكم([93]).
وبعضهم قال غير ذلك حسبما تقدم!!.
3 ـ
إنه يظهر: أن طلحة لم يكن مع النبي «صلى الله عليه
وآله»، ولا عاد إليه، لا هو ولا سعد، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا
الزبير، ولا الحارث بن الصمة بعد فرارهم في الجولة الأولى. وإنما عاد
إليه أولئك الثلاثون فقط على الظاهر، أو معهم غيرهم ممن هو غير معروف
ولا مشهور.
4 ـ
إنه يظهر مما تقدم، ومن قول ذلك القائل: ارجعوا إلى
قومكم الخ..
ومن قولهم: إن عمر مع رهط من المهاجرين!! قد قاتلوا الذين علوا الجبل،
وغير ذلك ـ يظهر من ذلك ـ: أن أكثر الذين كانوا على الصخرة فوق الجبل
كانوا من المهاجرين، وفيهم بعض الأنصار، ولم يرد ذكر لأنصاري باسمه إلا
للحارث بن الصمة، كما تقدم.
5 ـ
ولا نريد أن نسمح لأنفسنا بالاسترسال في هذا المجال، حتى لا تتقاذفنا
الظنون حول صحة وسلامة نية ذلك الذي أراد أن يرمي النبي «صلى الله عليه
وآله» بسهمه، بزعم أنه لم يكن عارفاً
له.
وقد سماه الواقدي:
بـ
(أبي
بردة بن نيار). فلعله كان عن غفلة حقيقية منه. ولعله كان من المنافقين
ـ في بادئ الأمر ـ فأراد انتهاز هذه الفرصة للتخلص من النبي «صلى الله
عليه وآله»، بحجة أنه لم يعرفه؛ إذ لا ندري إن كان فيهم بعد من يملك
الجرأة على رمي سهم على رجل يحتمل أنه من المشركين بعد أن جرى ما جرى!!
وقد بذل المنافقون محاولات مشابهة، فقد نفّروا برسول
الله «صلى الله عليه وآله» ناقته ليلة العقبة؛ بهدف قتله.
ولأجل هذا فنحن لا نستطيع أن نوافق عمر بن الخطاب على
إخباره أبا سفيان والمشركين بحياة النبي، مع أنه «صلى الله عليه وآله»
قد نهاه عن ذلك، وفي موقع حساس وخطير كهذا!!.
إنهم يقولون:
إنه «صلى الله
عليه وآله» قد رمى بالنبل، حتى اندقت سية قوسه([94]).
وأنكر ذلك
البعض على اعتبار أنه «صلى الله عليه وآله» لو كان رمى لكان «صلى الله
عليه وآله» أصاب، ولنقل ذلك إلينا؛ لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله([95]).
ويقولون أيضاً:
إنه «صلى الله عليه وآله» قد قتل أبي بن خلف بحربة طعنه
بها.
ونحن نستبعد ذلك أيضاً؛ لأنه «صلى الله عليه وآله» لم
يكن يباشر القتل بيده؛ لعلمه بأن أهل بيت المقتول لا تصفو نفوسهم
للقاتل عادة، ولا يتبعونه بإخلاص.
ومع أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن يباشر ذلك، فإننا
نجد هنداً
وغيرها يذكرون: أنه قاتل الأحبة، فكيف لو كان باشر قتلهم بيده؟!
ولكن علياً «عليه السلام» قد تحمل هذه المسؤولية، لأن
عدم اتباعهم ومحبتهم له، لا يبرر خروجهم من الإسلام، فلو أرادوا أن
يحقدوا على الإسلام بسبب ما فعله علي «عليه السلام» لوجدوا أنفسهم أمام
تأنيب الضمير، ومحاسبة الوجدان، ولكن كرههم للنبي «صلى الله عليه وآله»
يوجب خروجهم عن دائرة الإسلام بالكلية، والله هو العالم بواقع الحال.
إن لنا هنا أسئلة لا بد أن نوجهها إلى عمر بن الخطاب،
ونطلب منه الإجابة عليها بصراحة،
وهي التالية:
1 ـ
لماذا أخبر أبا سفيان والمشركين بوجود النبي «صلى الله
عليه وآله» في ظرف حرج وحساس كهذا، مع أنه «صلى الله عليه وآله» قد
نهاه عن ذلك؟
2 ـ
قد جاء عن ابن واقد: أن ضرار بن الخطاب الفهري قد ضرب عمر بن الخطاب
بالقناة يوم أحد، حينما جال المسلمون تلك الجولة، وقال له: يا بن
الخطاب، إنها نعمة مشكورة، والله ما كنت لأقتلك([96]).
لماذا ما كان ليقتله؟ أليس هو الذي أذل قريشاً كما يدَّعون،
وعز به الإسلام كما يزعمون وإن كنا قد أثبتنا عدم صحة ذلك.
أوليس ضرار هذا كان يطلب الأكابر من الأوس والخزرج
ليشفي بقتلهم غليل صدره؟!([97]).
ألم يكن أكثر قتلى المشركين في بدر قد قتلوا بيد
المهاجرين؟! فلم لا يشفي غليله من أكابر المهاجرين، ولا سيما ممن هم
مثل عمر بن الخطاب؟!.
3 ـ
وخالد بن الوليد يحدث وهو بالشام فيقول: لقد رأيتني، ورأيت عمر بن
الخطاب رحمه الله حين جالوا، وانهزموا يوم أحد، وما معه أحد، وإني لفي
كتيبة خشناء؛
فما عرفه منهم أحد غيري؛ فنكبت عنه، وخشيت إن أغريت به من معي أن
يصمدوا له، فنظرت إليه موجهاً
إلى الشعب([98]).
لماذا هذه المراعاة من خالد لعمر، ومحافظته عليه، ثم هو
يوجهه إلى الشعب؟! وما هو السر الذي جعل خالداً
يهتم في أن لا يلتفت إلى عمر أحد، وهو الذي كان شديداً
على المسلمين حسبما تقدم؟!
ودعوى ابن أبي الحديد:
أن سر ذلك هو النسب الذي بينهما، يرده أن رابطة الدين
هي الأقوى، أوليس ابن أبي بكر قد برز لقتال أبيه كما يدَّعون؟
4 ـ
لماذا يهنئ أبو سفيان عمر بالنصر الذي أحرزوه على المسلمين، ويقول له:
«أنعمت عيناً،
قتلى بقتلى بدر»؟!([99]).
وما معنى قول أبي سفيان له:
إنها قد أنعمت يا
ابن
الخطاب، فأجابه عمر بقوله: إنها. فما هو الذي أيده فيه؛ ووافقه عليه يا
ترى؟
وكيف يمكن الربط بين هذه الكلمات
وبين قوله:
«قتلانا
في الجنة، وقتلاكم في النار»؟!
هل خشي عمر أن يكون قد سمعه أحد من المسلمين يهنئ أبا
سفيان فأراد التعمية عليهم بهذه الكلمات؟!
أم أنه أراد السخرية بالحقيقة القرآنية الثابتة ليزيد
من فرحة أبي سفيان؟! أم أنه قصد معنى يخالف ما قصده أبو سفيان؟!.. إن
سائر القرائن التي بأيدينا لا تؤيد هذا الاحتمال الأخير كما رأينا
وسنرى.
5 ـ
لماذا كان عمر أبرَّ
لأبي سفيان من ابن قميئة كما تقدم؟ أوليس ابن قميئة
يقاتل أعداء أبي سفيان ويفنيهم، ويقتحم الغمرات، ويواجه السيوف،
والنبال، والرماح في الدفاع عن المشركين بزعامته، ويدافع عن مصالحهم،
ويعمل من أجل قهر عدوهم؟! وعمر أليس عدواً
لأبي سفيان، ونصيراً
لعدوه؟ ومقوياً
له عليه؟!
.
وقد حاول البعض توجيه ذلك، بأن من الممكن أن يكون أبر
بلحاظ صدقه؛
وإخباره بالواقع.
ونقول:
إن هذا غير معقول، فإن عبارة أبي سفيان قد صرحت بصدق
عمر، كما صرحت ببره، فلو كان المراد بالبر الصدق لم يصح منه التصريح
بهما معاً.
أو فقل:
لم يحسن منه ذلك على الأقل.
فالمراد به:
ما يعود بالفائدة عليه، وعلى جيشه، وهو هنا: تمكنه من الظفر بالنبي
«صلى
الله عليه وآله»
وقتله، أما قول ابن قميئة فإنه يؤدي إلى نجاة الرسول
«صلى
الله عليه وآله»
وهذا ما يرى فيه أبو سفيان أعظم الضرر عليه.
6 ـ
لماذا لم يعترض هو، ولا أبو بكر، ولا طلحة، ولا غيرهم من كبار
المهاجرين، الذين فروا وكانوا على الصخرة، على من قال: إنه يريد أن
يوسط ابن أُبي
لدى أبي سفيان؛ وطلب منهم الرجوع إلى دينهم الأول؟! أو نحو ذلك من
كلام، يدل على رغبتهم في الارتداد عن الإسلام، وممالأة المشركين،
والاتفاق معهم؟.
أسئلة لا تزال ولسوف تبقى تنتظر الجواب المقنع والمفيد.
في قضية أحد رواية تفيد:
أن العبـاس
كـان
ممسكاً
بعنان فرس النبي «صلى الله عليه وآله» يقوده. ثم إن النبي «صلى الله
عليه وآله» لما صعد الجبل، أو أراد أن يصعده نزل عن الفرس، وصعد. وكان
يلتفت إلى الجوانب؛ فسألوه عن سبب ذلك؛ فأقبل على علي، فقال: هل عندك
خبر من عمك؟ فأخبره علي بما وقع، فبكى «صلى الله عليه وآله» هو
والأصحاب([100]).
ولكن هذا لا يمكن أن يصح؛ لأن العباس لم يحضر حرب أحد.
وتعلل على قريش بما جرى عليه في بدر.
فمن أين جاء وأمسك بعنان فرس النبي «صلى الله عليه
وآله»؟!
ولو كان ذلك صحيحاً،
كيف قبلت قريش منه أن يعود ليسكن مكة
عدة سنوات بعد ذلك؟!.
فنظن ـ لو كان لهذه القضية أصل ـ أن
المقصود:
هو العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري، فإنه قد استشهد يوم أحد رحمه
الله.
وبكاء الصحابة
إنما كان على حمزة عم النبي رحمه الله أو على العباس بن نضلة. ولعله هو
الذي كان جهوري الصوت؛ فنادى كما يقولون: يا أصحاب سورة البقرة أين
تفرون؟ إلى النار تهربون([101]).
ويكون الراوي قد حرَّف
في الرواية اعتماداً
على ما هو مرتكز في ذهنه، أو لحاجة في نفسه قضاها!!. هذا بالإضافة إلى
وجود الشك في وجود فرس لدى المسلمين من الأساس، حسبما تقدم.
1 ـ
لما كان يوم أحد قال مخيريق الحبر اليهودي: يا معشر
يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق.
قالوا:
إن اليوم يوم السبت.
قال:
لا سبت.
فأخذ سيفه وعدته.
وقال:
إن أصبت فمالي لمحمد، يصنع فيه ما شاء، ثم غدا إلى رسول
الله، فقاتل معه حتى قتل، فيقال: إنه «صلى الله عليه وآله» قال: مخيريق
خير يهود.
2 ـ
وأصر عمرو بن الجموح على الخروج إلى الحرب مع عرجه، ودعا الله: أن
يرزقه الشهادة، ولا يرده خائباً
إلى أهله. فاستشهد رحمه الله.
3 ـ
وأصيبت عين قتادة بن النعمان، حتى وقعت على وجنته، فردها رسول الله
«صلى الله عليه وآله» بيده، فكانت أحسن عينيه، وأحدّهما.
ويقال:
إنه هو الذي طلب ذلك من النبي «صلى الله عليه وآله»؛
لأنه رجل يحب النساء، ويخاف أن تعافه امرأته إذا رأته كذلك.
وقد افتخر بذلك ابن لقتادة، عند عمر بن عبد العزيز،
فقال عمر: بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون، ثم قال:
تـلـك المكـارم لا قعبـان مـن
لـبن شـيـبـاً بـماء، فـعـادا بـعـد أبـوالا
ويقال:
إن كلثوم بن الحصين رمي في نحره بسهم؛ فبصق عليه «صلى
الله عليه وآله» فبرئ.
وفي رواية أخرى:
إن عين أبي ذر
أصيبت يوم أحد؛ فبصق فيها النبي «صلى الله عليه وآله»؛ فكانت أصح
عينيه([102]).
4 ـ
وقتل الحارث بن سويد المجدر بن زياد غيلة في أحد؛ لثأر
جاهلي له عليه، وكلاهما كان في جيش المسلمين؛ فنزل الوحي على الرسول،
وأخبره حبيب بن يساف؛ لأنه كان قد رآه قتله، بخبره؛ فقتله «صلى الله
عليه وآله» به بعد رجوعه إلى المدينة، ولم يستمع لطلبه بالعفو، ووعده
بالتكفير والدية، كذا يقولون.
5 ـ
وقتل سعد بن الربيع. وكان آخر ما قاله في وصية مطولة
منه للمسلمين: إنه لا عذر لكم عند رسول الله: أن يخلص إلى نبيكم، وفيكم
عين تطرف، ثم مات.
ودخل عمر على أبي بكر ـ وعنده بنت لسعد هذا ـ وقد طرح
لها ثوباً
لتجلس عليه، فسأل عمر عنها.
فقال أبو بكر:
هذه ابنة من هو خير مني ومنك.
قال:
ومن هو يا خليفة رسول الله؟
قال:
رجل تبوأ مقعده من الجنة، وبقيت أنا وأنت، هذه ابنة سعد
بن الربيع الخ..([103]).
6 ـ
ويقولون أيضاً: انقطع سيف عبد الله بن جحش، فناوله «صلى الله عليه
وآله» عرجوناً
فعاد سيفاً،
ولم يزل أهله يتوارثونه، ويسمى (العرجون)، حتى بيع لبغا التركي بمائتي
دينار.
ويذكر مثل هذا لعكاشة بن محصن في واقعة بدر.
ولكن قد ذكر البعض:
أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولي تركة عبد الله
بن جحش، وأخذ منها سيفه العرجون، فاشترى لأمه مالاً
بخيبر([104]).
ولكن ثمة قصة شبيهة بقصة العرجون بين النبي «صلى الله
عليه وآله» وعلي «عليه
السلام»([105]).
فليتأمل فيما هو الحق من ذلك.
فإننا نكاد نطمئن إلى صحة هذه الأخيرة، وذلك لما
تعودناه من أعداء علي «عليه السلام»، من إغارات على فضائله وكراماته.
7 ـ
ويقولون: إن هنداً
قد اعتلت صخرة مشرفة، فصرخت:
نـحـن جـزيـنـاكـم بـيـوم بــــدر
والحرب بـعـد الحرب ذات سـعـر
مـا كـان لي عـن عـتـبـة مـن صــبر ولا أخــي، وعـــمــــه وبــكـر
شـفـيـت نفسي، وقضيت نـــذري شـفـيـت وحشيّ غليـل صــدري
فـشـكـر وحشيّ عـلى عــمــــري حـتـى تــرم أعـظـمـي في قبــري
فأجابتها هند بنت أبان بن عباد بن المطلب بن عبد مناف:
خـزيـت في بـــدر، وغــيـر بـــدر يـا بـنـت وقـاع عـظــيم
الكــفر
صـبـحـك الله غــداة الــــفــجـر بـالهـاشميين الــطـوال الــزهــر
بـكـل قـطـاع حـســـام يــفـــري حمــزة لـيـثـي، وعــلي صــقـري
إذ رام شــيــب وأبــوك غــــدري فــخـضـبـا مـنه ضــواحي النحر
ونــذرك الـــشـر فــشــر نــــذر ... الخ ...
([106]).
8 ـ
كما أن الجليس
بن زيان، سيد الأحابيش، قد مر بأبي سفيان، وهو يضرب بشدق حمزة بزج
الرمح، ويقول: ذق عقق([107]).
فقال
الجليس:
يا بني كنانة، هذا سيد قريش، يصنع بابن عمه ما ترون لحماً!!
فقال:
ويحك، أكتمها عليَّ؛
فإنها كانت زلة([108]).
9 ـ
وقد تقدم تمثيل قريش بالشهداء من المسلمين أقبح تمثيل.
10 ـ
ويقال: إن قزمان الذي كان «صلى الله عليه وآله» إذا ذكره يقول: إنه لمن
أهل النار([109])،
قد حارب في أحد، وقتل سبعة أو ثمانية من المشركين، فجرح، فبشره البعض،
فقال: بماذا أبشر؟ فوالله ما قاتلت إلا عن الأحساب.
ويقال:
إنه لما اشتدت
جراحته قتل نفسه([110])،
ويقال: لم يفعل ذلك.
ويقال:
إن النبي «صلى
الله عليه وآله» حينئذٍ قال ما معناه: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل
الفاجر([111]).
ونحن نسجل على ما تقدم باختصار شديد الإشارات التالية:
ألف :
إن أموال
مخيريق، وهي سبعة حوائط([112])،
قد أصبحت للنبي «صلى الله عليه وآله» بعد أن استشهد مخيريق، بمقتضى
وصيته نفسه. ولم يكن لليهود أن يأخذوا منها شيئاً؛ حيث إنه ليس للكافر
أن يرث المسلم. وحيث لم يكن لمخيريق وارث؛ فإن النبي «صلى الله عليه
وآله» يكون وارثه.
ولسوف يأتي بعض الكلام عن مصير أمواله «صلى الله عليه
وآله» عند الكلام عن فدك إن شاء الله تعالى.
ب :
إن موقف مخيريق هذا في أحد يذكرني بموقف الحر الرياحي
في كربلاء. فكل منهما قد اتخذ القرار الحاسم في أحرج اللحظات، وأكثرها
حساسية. فإن مخيريق قد استطاع أن يتخلى عن كل ما يحيط به من روابط تشده
إلى الأرض، وتهيمن عليه، وتمنعه من اتخاذ القرار طيلة تلك المدة
الطويلة، وكذلك فعل الحر أيضاً. وإن تحكيم العقل، والتخلي عن كل تلك
الروابط، وإبعاد سائر تلك المؤثرات، يحتاج إلى جهد نفسي كبير. وبهذا
تعرف الرجال، وما تحمله من فضائل نفسية، وملكات إنسانية. لأن حالات
كهذه تكون الأعصاب فيها عادة في أقصى حالات التوتر، والمشاعر والعواطف
في منتهى تأججها. وكل الروابط والمؤثرات الأرضية تكون واضعة كل ثقلها
في تصوراته، ونظراته المستقبلية.
ولهذا كان (مخيريق) خير يهود. ولعل الذي سهل على مخيريق
اتخاذه قراره الحاسم ذاك، هو قناعاته المترسخة في عمق وجدانه، والتي
تستمد عمقها هذا من الإخبارات الصريحة والقاطعة التي يجدها عنده في
التوراة والإنجيل، حتى إن اليهود كانوا يعرفون النبي «صلى الله عليه
وآله» كما يعرفون أبناءهم.
ج :
إن إصرار عمرو بن الجموح على الخروج إلى الحرب، وإذن
النبي «صلى الله عليه وآله» له، إنما يعني أن عدم الخروج للجهاد رخصة
للأعرج لا عزيمة. فإذا بلغ المسلم من النضج الروحي بحيث يعتبر عدم
الشهادة له خيبة، والشهادة فوزاً
ونجاحاً،
ثم هو يندفع إليها بهذا الإصرار، ويعتبرها غاية له، وتتويجاً
لحياته، فلماذا يحرم منها؟!
ويجب أن لا ننسى وصية سعد بن الربيع رضوان الله عليه
«وهو شيخ الأنصار. وقد جعل بيوته للنبي «صلى الله عليه وآله» ولزوجاته،
وقد عرس علي بفاطمة الزهراء «عليهما
السلام»
في أحد بيوته» التي تعبر عن مدى وعيه وسمو روحه، وهو لا يرى موته نهاية
له، إذا كان دين محمد «صلى الله عليه وآله» محفوظاً؛ فإنه يعتبر نفسه
قد فاز بشهادته من جهة، كما أنه يعتبر نصر محمد «صلى الله عليه وآله»،
ودين محمد بعد موته نصراً
له حتى وهو في قبره أيضاً، لأنه يرى نفسه فانياً
في هدفه، وجزءاً
منه؛ فإذا انتصر الهدف، فهو أيضاً يكون المنتصر.
د :
وإن ما فعله أبو سفيان بجثة حمزة رضوان الله عليه، ثم
طلبه من الجليس: أن يستر عليه هذه الزلة ليس بعجيب، فإن تصرفات ومواقف
أبي سفيان لم تكن
تحكمها
فضائل نفسية، ولا قناعات عقلية وجدانية، ولا
تخضع
لقوة إلهية غيبية، ولكنها كانت تخضع للمفاهيم الجاهلية
والقبلية، والمصالح الشخصية بالدرجة الأولى، ولـذلـك
هو يعتبرها زلة إذ كان الجاهليون يقبحونها ويرفضونها، ولكنه لا يرى
مانعاً
منها بحسب ما لديه من خصائص نفسية، ومصلحة شخصية.
كما أن عمل أبي سفيان هذا يكذب ما اعتذر به عن المثلة
التي لحقت شهداء المسلمين، حيث ادَّعى
أنه لم يرض، ولم يغضب، ولم يعلم بالتمثيل بالشهداء على أيدي
المشركين!!.
ويكذبه أيضاً:
أن أبا عامر الفاسق طلب أن لا يمثل بولده حنظلة، ويترك
لأجله فكان له ذلك. وهذا يدل:
على أن التمثيل بالشهداء قد كان معلوماً
لدى الملأ من قريش، وكانوا راضين به.
ولعل أبا سفيان قد كذب هذه الكذبة ليتفادى التمثيل
بأصحابه، أو أنها كذبت عن لسانه من محبيه، ومن يهمهم أمره.
ه :
هذا وثمة نقاط
أخرى فيما تقدم تحتاج إلى إلقاء الأضواء عليها، كقضية قزمان، فإننا نشك
في أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخبر قبل موته أنه من أهل
النار، ولعله ـ لو صحت الرواية ـ لما علم أنه قتل نفسه، قال: (هو من
أهل النار) كما ورد في ذيل رواية الواقدي والمعتزلي([113])
فذيل الرواية مقبول، دون صدرها. وكقضية العرجون، فإنها إن لم تكن مع
علي «عليه السلام»، فإننا نظن أنها قد جعلت في مقابل ذي الفقار لعلي
«عليه السلام».
وحسبنا ما ذكرنا هنا، فإن الكلام حول كل ما تقدم يطول.
لقد رأينا في واقعة أحد أن الله تعالى قد أنزل آيات في
سورة آل عمران ترتبط بالصبر في هذا المقام. ونحن نختار منها الآيات
التالية: قال تعالى: ﴿أَمْ
حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ
الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾([114]).
وقال:
﴿وَكَأَيِّن
مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ
لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا
اسْتَكَانُواْ وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾([115]).
ثم هناك آيات أخرى في سورة آل عمران تؤنب المؤمنين على
عدم صبرهم في أحد، وفيها إشارات لحقائق مهمة في حرب أحد لا مجال لبحثها
الآن، غير أننا نكتفي هنا بإشارة موجزة جداً للصبر في الجهاد، فنقول:
الصبر في عرف الاستعمار، وفي عرف الحكام الظالمين،
والجبابرة المتكبرين، هو تحمل الذل، والاستسلام لكل المخططات الهدامة
التي تهدم حياة الإنسان، ومستقبله، وقيمه، وأخلاقه، ودينه، تهدمها
لتبني على أشلائها عروش الظلم والخيانة، وملك الجبارين والمستكبرين.
ولقد تسرب هذا المعنى للصبر إلى عقائد بعض المسلمين، عن طريق العلماء
المزيفين، الذين جعلوا أنفسهم أداة للاستعمار ولأذنابه، وآلة في يد
أولئك الحكام الظالمين، فحوروا دين الله على وفق أهداف أسيـادهم،
وحسبـما
يخـدم
مصالحهم، ويؤيد ويسدد سلطانهم.
ولكننا إذا رجعنا ـ خلوا عن هذه السوابق الذهنية ـ إلى
المنبع الأصفى للإسلام والقرآن العظيم، وإلى مواقف وتعاليم النبي
الكريم، وأهل بيته الأطيبين الأطهرين، فإننا نجد: أن للصبر مفهوماً
يختلف تماماً
عن هذا المفهوم، بل هو يناقضه ويباينه.
إن الصبر في
مفهوم هؤلاء هو تحمل كل المشاق في سبيل الوصول إلى الأهداف النهائية
النبيلة لهذا الإنسان، وينسب لعيسى «عليه السلام»: قوله: إنكم لا
تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون([116]).
وعن علي
«عليه
السلام»:
الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد([117]).
وقد قال أمير المؤمنين
«عليه
السلام»:
لا يعدم الصبور الظفر وإن طال الزمان([118]).
ونسب إليه أيضاً قوله:
الصبر سيف لا ينبو، ومطية لا تكبو، وضياء لا يخبو([119]).
وقال
«عليه
السلام»:
لنا حق فإن أعطيناه، وإلا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال السرى([120]).
فالصبر في الإسلام هو الصبر على تحمل الأذى
في محاربة الظلم، والقضاء عليه (الذي هو أحد هذه الأهداف).
ولذلك نجدهم في مقام الثبات في الحرب المدمرة، يقولون:
﴿وَلَمَّا
بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ
عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الْكَافِرِينَ﴾([121]).
ويقولون في مواجهة فرعون: ﴿رَبَّنَا
أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾([122]).
وهذا هو الصبر الذي أراده الحسين «عليه السلام» حينما
كانت السيوف والرماح تأكل أصحابه، وأهل بيته، وهو يقول لهم: صبراً
على الموت يا بني عمومتي([123]).
نعم، إن الصبر هو تحمل الآلام والمتاعب في سبيل الوصول
إلى الهدف الأسمى كما قلنا، تماماً
كما فعل نوح وغيره من الأنبياء «عليهم
السلام»، ولا سيما نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله».
والهدف الأسمى هو العبودية المطلقة لله تعالى، ورفض كل
عبودية لسواه. وهو أمر صعب؛ لأنه لا ينسجم مع هوى النفس، التي تنفر من
العبودية، وتميل إلى التحلل من كل القيود. ولذلك كان الصبر عن المعصية،
والصبر على الطاعة، من عزم الأمور، يحتاج إلى جهد، وإلى تعب ومشقة،
وقدرة على التحمل.
بل إن كل حق لا بقاء له بدون الصبر، وقد كان صبر
الأنبياء والأوصياء من أهم أسباب بقاء الحق.
كما أن الصبر يدرب على التقوى، ويرفع من مستوى قدرته
على قيادة نفسه، لأن الصبر لا يتحقق إلا بأن يقود هو نفسه، لا أن تقوده
نفسه؛ وإذا استطاع أن يقود نفسه، وإذا كانت هي أقوى وأعتى من يواجه؛
فإن قدرته على أن يقوم بمهمة قيادة الآخرين، وهدايتهم إلى الصراط
المستقيم، وإلى هدى رب العالمين، تكون أعظم وأشد، وأكثر فعالية؛ ولذا
قال الصادق «عليه السلام»: الصبر صبران:
صبر على
البلاء حسن جميل، وأفضل منه الصبر على المحارم([124]).
وقال أمير المؤمنين
«عليه
السلام»:
من ساس نفسه بالصبر على جهل الناس صلح أن يكون سائساً([125]).
ومن الأمور الجديرة بالتسجيل بالنسبة للصبر في الحرب،
قوله تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ
وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ، وَأَطِيعُواْ
اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾([126]).
فإننا نجد أنه في حين هو يأمرهم بالثبات في الحرب،
يأمرهم بأن يذكروا الله كثيراً،
وذلك من أجل أن يبقوا محتفظين بالهدف الأسمى الذي يفترض فيهم السعي
إليه، وأن يجعلوه نصب أعينهم، ولا يصرفهم الدفاع عن نفوسهم عن ذكر الله
تعالى.
وطبيعي:
أن كثرة ذكر الله منهم سوف تذكرهم بأن الله بيده كل
شيء، وأنه هو الذي ينصرهم على عدوهم، وهو مصدر عزتهم وسعادتهم، فذكرهم
لله سوف يقويهم على الثبات، ويدعوهم إلى طاعته، وطاعة رسوله، وأن لا
يتنازعوا، وأن يصبروا؛ فذكر الله هو مفتاح النصر في جميع المجالات، ثم
الوصول إلى الهدف الأقصى، وهو إقامة دين الحق، ونصر الله: ﴿إِن
تَنصُرُوا الله يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾([127]).
([1])
راجع: السيرة الحلبية ج2 ص227، وراجع: البحار ج20 ص27، وغرائب
القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج4 ص96.
([2])
السيرة الحلبية ج2 ص246.
([3])
وإن كان الارتباط به من حيث هو رسول وقائد حرب، ومعلم، أمر
ضروري ولا بد منه.
([4])
نهج البلاغة الحكمة رقم 262.
([5])
تاريخ الخميس ج1 ص436.
([6])
قاموس الرجال ج11 ص38 عن القمي، وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج4
ص226 و 269، ومغازي الواقدي ج1 ص269 و 273، وتفسير القمي ج1
ص116، والبحار ج20 ص134 و 54.
([7])
شرح النهج للمعتزلي ج14 ص226، والبحار ج2 ص133 عنه.
([9])
راجع: شرح النهج للمعتزلي ج15 ص23 و 24.
([10])
الآية 155 من سورة آل عمران.
([11])
الدر المنثور ج2 ص88 و 89 عن مصادر كثيرة.
([12])
الدر المنثور ج2 ص89 عن ابن جرير، وابن المنذر.
([13])
الدر المنثور ج2 ص88 عن ابن جرير.
([14])
راجع: مغازي الواقدي ج1 ص277 مع هامشه.
([16])
راجع: المصنف ج1 ص379 و 380. وثمة تعبيرات أخرى عنهما بفلان
وفلان . ذكرها في البحار، وروضة الكافي، لا مجال لذكرها هنا.
([17])
إذ لم يكن كل المسلمين ولا جلّهم ـ كما أظهرته حرب أحد ـ في
مستوى وعي أمير المؤمنين «عليه السلام» وأنس بن النضر، وأبي
دجانة وأمثالهم.
([18])
حياة الصحابة ج1 ص618، ومجمع الزوائد ج5 ص323 وقال: رواه
الطبراني في الكبير والأوسط، ورجالهما رجال الصحيح (إنتهى).
وراجع: الاصابة ج4 ص487 و 505، والإستيعاب بهامشها نفس المكان،
والتراتيب الإدارية ج2 ص115.
([19])
راجع: الآداب الطبية في الإسلام فصل التمريض والمستشفى.
([20])
راجع: التراتيب الإدارية ج1 ص103.
([21])
الهائعة: الصوت المفزع.
([22])
الإصابة ج1 ص361، وتاريخ الخميس ج1 ص427 و 428، والسيرة
الحلبية ج2 ص240 و 241. وغير ذلك من المصادر الكثيرة.
([24])
راجع بحث العصمة في فصل بحوث تسبق السيرة بعد غزوة بدر.
([25])
الآية 44 من سورة الفرقان.
([26])
راجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج2 بحث: الحب
في التشريع الإسلامي.
([27])
الآية 24 من سورة التوبة.
([28])
شرح النهج للمعتزلي ج14 ص237 ملخصاً.
([29])
راجع: المغازي للواقدي ج1 ص241، والسيرة الحلبية ج2 ص229،
وتاريخ الخميس ج1 ص433.
([30])
السيرة الحلبية ج2 ص229.
([31])
مجمع الزوائد ج6 ص113،
ومغازي الواقدي ج1 ص241، وشرح النهج للمعتزلي ج14، والكامل
لابن الأثير ج2 ص160، وتاريخ الخميس ج1 ص433، والسيرة الحلبية
ج2 ص229، وغير ذلك كثير.
([32])
السيرة الحلبية ج3 ص229.
([36])
قاموس الرجال ج4 ص315 عن صفين لنصر بن مزاحم.
([37])
السيرة الحلبية ج2 ص229.
([39])
مغازي الواقدي ج2 ص269 و 525، وتاريخ الخميس ج1 ص433، والإصابة
ج2 ص37 و 38.
([40])
إختيار معرفة الرجال ص39، وقاموس الرجال ج4 ص412 و 413 عنه.
([41])
صفين ص551 و 552، وقاموس الرجال ج4 ص313 عنه.
([42])
الإمامة والسياسة ج1 ص53.
([43])
عيون الأخبار لابن قتيبة
ج3 ص111، وقاموس الرجال ج4 ص313 و 314 عنه.
([44])
راجع: قاموس الرجال ج4 ص414 عن الأغاني، وعن أنساب السمعاني.
([45])
راجع: قاموس الرجال ج4
ص315 و 316. وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج4 ص9.
([46])
الآية 23 من سورة الأنفال.
([47])
راجع على سبيل المثال: شرح النهج للمعتزلي ج1 ص188.
([48])
الاوائل ج1 ص310، والمصنف لعبد الرزاق ج2 ص360، وفي هامشه عن
البخاري عن أبي عوانة والعقد الفريد ج6 ص249، والكامل في
التاريخ ج2 ص596، والثقات ج2 ص220.
([49])
راجع: قاموس الرجال للعلامة التستري، وغيره من كتب التراجم.
([50])
تاريخ الخميس ج1 ص432، والسيرة الحلبية ج2 ص238.
([51])
تقدم ذلك في فصل: قبل نشوب الحرب، فراجع.
([52])
حياة الصحابة ج2 ص235، وكنز العمال ج5 ص405.
([53])
تقدمت المصادر لذلك في أواخر الجزء الثالث من هذا الكتاب في
فصل: هجرة الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» حين الحديث عن
ثروة أبي بكر.
([54])
تقدمت المصادر لذلك في أواخر الجزء الثالث من هذا الكتاب في
فصل: هجرة الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» حين الحديث عن
ثروة أبي بكر.
([55])
راجع: تاريخ الخميس ج1 ص431.
([56])
دلائل الصدق ج3ص 259 بتصرف.
([57])
تاريخ الخميس ج1 ص430.
([58])
تاريخ الخميس ج1 ص437.
([59])
الآية 51 من سورة المائدة.
([60])
تفسير ابن كثير ج2 ص68، وتفسير الخازن ج1 ص503، والدر المنثور
ج2 ص291 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي.
وراجع: ودلائل الصدق ج3 ص204، وطرائف ابن طاووس ص494، وقاموس
الرجال ج5 ص169 عنه.
([61])
راجع: الدر المنثور ج2 ص291 عن ابن جرير، وابن المنذر.
([62])
الآية 53 من سورة الأحزاب.
([63])
الغدير ج10 ص127، وتفسير القرطبي ج14 ص228، وعن فيض القدير ج4
ص290، وتفسير ابن كثير ج3 ص506، وتفسير البغوي ج5 ص225، وتفسير
الخازن ج5 ص225، وتفسير الآلوسي ج22 ص74، وشرح النهج للمعتزلي
ج1 ص60 وج3 ص170. وليراجع الدر المنثور ج5 ص214 عن ابن أبي
حاتم عن السدي وعن عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن
سعد.
([64])
تفسير القمي ج1 ص116، والبحار ج2 ص54.
([65])
مجمع البيان ج2 ص509، والبحار ج20 ص23 عنه وص54 و 70 و 78،
وتفسير القمي ج1 ص116، وعن الخصال ج1 ص368، وعن الخرائج.
([66])
الثقات ج1 ص231، ومجمع البيان ج2 ص509، والبحار ج20 ص23 عنه.
([67])
راجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص413 عن البخاري.
([68])
تفسير القمي ج1 ص117، والبحار ج56 عنه وص 97 عن اعلام الورى
وفيه: أن أبا سفيان سأل علياً «عليه السلام» عن حياة النبي
«صلى الله عليه وآله».
([69])
الأوائل ج1 ص184 و 185، وراجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص412.
([70])
وإن كنا نشك في ذكرهما هنا: فقد تعودنا أن نجد هذا التعاقب في
كثير من الروايات، ولعله بهدف الإيحاء بأن الزعامة بعد النبي
«صلى الله عليه وآله» كانت لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان، ولكن
عثمان لم يذكر هنا لغيابه وفراره.
([71])
تاريخ الخميس ج1 ص440، ووفاء الوفاء ج1 ص294، والسيرة الحلبية
ج1 ص244 و 245، وتاريخ الطبري ج2 ص205، والكامل ج2 ص160،
والثقات ج1 ص232، وراجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص414 و 415.
([72])
السيرة الحلبية ج2 ص245.
([73])
راجع: الثقات لابن حبان ج1 ص232، وتاريخ الطبري ج2 ص205 و 206،
والكامل لابن الاثير ج2 ص161، والسيرة الحلبية ج2 ص244 و 245،
وتاريخ الخميس ج1 ص440.
([74])
مغازي الواقدي ج1 ص298 و 299، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص32.
([75])
تاريخ الطبري ج2 ص206 و 207، والكامل لابن الاثير ج2 ص160 و
161.
([76])
البحار ج73 ص223 و 325 ط مؤسسة الوفاء عن قرب الإسناد ص76،
والمصنف لعبد الرزاق ج5 ص217.
وراجع: حياة الصحابة ج1 ص97، ومجمع الزوائد ج5 ص305، وعن كنز
العمال ج2 ص297.
([77])
راجع: تاريخ الخميس ج1 ص441 و 437 عن المواهب اللدنية، والسيرة
الحلبية ج2 ص237 و 236، والكامل لابن الأثير ج2 ص157 و 158،
وتاريخ الطبري ج2 ص200 و 201، ومغازي الواقدي ج1 ص290، وشرح
النهج للمعتزلي ج15 ص17، وفي السيرة الحلبية ج2 ص236 و 237: أن
سعداً هو الذي أتاه بالماء، فشرب منه ودعا له. ولكن الصحيح هو
أنه علي
(عليه السلام)
لتضافر الروايات عليه.
([78])
تاريخ الخميس ج1 ص440.
([79])
راجع: الإستيعاب (مطبوع بهامش الاصابة) ج4 ص380، وراجع:
المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص357، والبحار ج43 ص19، وكفاية الطالب
ص369، والبداية والنهاية ج6 ص332، وسير أعلام النبلاء ج2 ص119،
والاصابة ج4 ص377، وأسد الغابة ج5 ص520، ومقاتل الطالبيين ص46،
وتهذيب التهذيب ج12 ص440 لكنه صحف كلمة (أبيها) بـ (ابنها)
فراجع.
([80])
راجع: حلية الأولياء ج2 ص39، وصفة الصفوة ج2 ص12، وخصائص أمير
المؤمنين «عليه السلام» للنسائي ص119، وفي هامشه عن مصادر
كثيرة، وراجع: ينابيع المودة ص173، والصواعق المحرقة ص188،
وكنز العمال ج13 ص92 و 93، والاصابة ج4 ص378، وسير أعلام
النبلاء ج2 ص120 وراجع: البداية والنهاية ج6 ص332، وصحيح
البخاري ج3 ص60، وعن مسلم في فضائل الصحابة وعن أبي داود
أيضاً، ومناقب آل أبي طالب ج3 ص361 و 362، وشرح النهج للمعتزلي
ج10 ص266، وإحقاق الحق ج10 ص439 حتى ص452 عن مصادر كثيرة.
([81])
مأساة الزهراء عليها السلام ج1 ص59 ـ 60.
([82])
الكامل لابن الاثير ج2 ص158، ووفاء الوفاء ج1 ص297، والسيرة
الحلبية ج2 ص236 و 237 و 238، والترمذي وصححه، والرياض النضرة،
وأحمد، وأبو حاتم، وراجع: الثقات لابن حبان ج1 ص229.
([83])
مغازي الواقدي ج2 ص278.
([84])
وفاء الوفاء ج4 ص315 وج3 ص930.
([85])
سيرة ابن هشام ج3 ص92.
([86])
سيرة ابن هشام ج3 ص90، ووفاء الوفاء ج4 ص1243.
([87])
مغازي الواقدي ج1 ص240، وشرح النهج للمعتزلي، والبحار ج20 ص96
عن إعلام الورى.
([88])
إعلام الورى ص83، والبحار ج20 ص96.
([89])
مغازي الواقدي ج1 ص281.
([90])
السيرة الحلبية ص238.
([91])
تاريخ الطبري ج2 ص201 و 202، وتاريخ الخميس ج1 ص437.
([92])
الثقات لابن حبان ج1 ص229.
([93])
البداية والنهاية ج4 ص23، وتاريخ الطبري ج2 ص201.
([94])
الكامل لابن الأثير ج2 ص157.
([95])
راجع: السيرة الحلبية ج2 ص228.
([96])
مغازي الواقدي ج1 ص282، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص274 وج15 ص20
عن الواقدي والبلاذري وابن اسحاق، وراجع: طبقات الشعراء لابن
سلام ص63، وفيه أن هذه يد له عند عمر، كان عمر يكافئه عليها
حين استخلف. وراجع البداية والنهاية ج3 ص107 عن ابن هشام.
([97])
مغازي الواقدي ج1 ص237.
([98])
راجع: مغازي الواقدي ج1 ص297، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص23.
([99])
المصنف للحافظ عبد الرزاق ج5 ص366.
([100])
تاريخ الخميس ج1 ص436 و 437 عن الينابيع.
([102])
حياة الصحابة ج3 ص617، ومجمع الزوائد ج8 ص298 عن أبي يعلى.
([103])
السيرة الحلبية ج2 ص246، وسيرة ابن هشام ج3 ص101.
([104])
تاريخ الخميس ج1 ص424،
والمغازي ج1 ص291، وشرح المعتزلي ج15 ص18.
([106])
تاريخ الخميس ج1 ص439، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص97،
والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش السيرة الحلبية) ج2 ص50.
([107])
العقق: الولد العاق. والعُقق: البُعَداء من الأعداء أو قاطعوا
الأرحام.
([108])
الكامل في التاريخ ج2 ص160، والسيرة الحلبية ج2 ص244، وتاريخ
الخميس ج1 ص239 عن ابن إسحاق، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص196،
والبحار ج20 ص97 عن إعلام الورى.
([109])
تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج2 ص531، وتاريخ الخميس
ج1 ص438، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص93، والمغازي للواقدي
ج1 ص224 و 263، والكامل في التاريخ ج2 ص162، والسيرة الحلبية
ج2 ص239.
([110])
تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج2 ص531، وتاريخ الخميس
ج1 ص438، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص94، والمغازي للواقدي
ج1 ص224 و 264، والكامل في التاريخ ج2 ص162، والسيرة الحلبية
ج2 ص239.
([111])
المغازي للواقدي ج1 ص224، والسيرة الحلبية ج2 ص239.
([113])
راجع: المغازي ج1 ص263 و
264، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص161.
([114])
الآية 142 من سورة آل عمران.
([115])
الآية 146 من سورة آل عمران.
([116])
البحار ج79 ص137 ط بيروت.
([117])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص168.
([118])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص191.
([119])
نهج البلاغة (شرح عبده) ج3 ص155.
([120])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3.
([121])
الآية 250 من سورة البقرة.
([122])
الآية 126 من سورة الأعراف.
([123])
مقتل الحسين للمقرم ص318 و 322.
([124])
البحار (ط بيروت) ج68 ص95.
([125])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج20 ص318.
([126])
الآيتان 45 و 46 من سورة الأنفال.
([127])
الآية 7 من سورة محمد.
|