نقاط ضعف أخرى في حديث الإفك
ملاحظات.. ومؤاخذات:
وبعد هذا الكم الهائل من المؤاخذات والإشكالات في حديث
الإفك، فقد بات بديهياً:
أنه حديث موضوع، ومصطنع لأسباب لا تخفى.
واللافت للنظر هنا:
أن ما ذكرناه ليس هو الحصيلة النهائية لموارد الخلل، بل هناك الكثير
مما لم نشر إليه، وربما يكون هناك كثير أيضاً مما لم نقف عليه.
وسنورد في هذا الفصل أيضاً طائفة أخرى من موارد الخلل
هذه، مع توخي الاختصار قدر الإمكان.
وإذا كان بعض ما سوف نذكره لا يرقى إلى درجة الحسم
واليقين، لكنه قادر ولا شك على المساعدة على ذلك، من حيث
إنه
يضع علامات كبيرة على طبيعة هذه الرواية وصحتها وسلامتها.
والذي سوف نشير إليه هنا يتلخص في النقاط التالية:
لقد صرح عدد من الروايات:
بأن ما جاء به الإفكون قد أوجب أذى النبي الأكرم «صلى
الله عليه وآله»، حتى قال: ما بال رجال يؤذوني في أهلي، أو قال: من
يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، أو نحو ذلك..
ومن المعلوم:
أن من يؤذي النبي «صلى الله عليه وآله» يجب قتله([1]).
ولكننا نرى النبي «صلى الله عليه وآله» يدافع عن
الإفكين فيغضب على صفوان، لضربه حسان بن ثابت، كما تزعم بعض روايات
الإفك.. وهي الأشهر.
كما يقول ابن عبد البر:
إنه لم يُجلَد أحد.. وهذا هو الأعجب والأدهى حقاً.
وإذا قيل:
لعل ذلك لأجل عدم ثبوت ذلك عليهم بالشهود،
فالجواب هو في ضمن سؤال:
كيف يطلب هو إذن من الناس أن يتدخلوا لمنعهم من أذاه
«صلى الله عليه وآله»؟ وكيف جاز له أن يعلن بالاتهام لهم؟!
يقول أسيد بن حضير، لسعد بن عبادة:
كذبت.. فأسيد في قوله هذا إما صادق في نسبة الكذب إلى
سعد، أو كاذب. فأحد الرجلين كاذب على كل حال.. فكيف يكون صحابياً
ويكذب؟! فإنه وفق أصول أنصار عائشة ومحبيها، وهم جماعة أهل السنة، مما
لا مجال لقبوله، لأن الصحابة عندهم عدول كلهم، لا يكذبون.
وكذلك الحال
في اتهام ابن عبادة لابن معاذ بأنه قد علم أنهم من الخزرج، ولا يريد
نصرة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وإنما ينطلق في موقفه هذا من
ضغائن وإحن جاهلية([2]).
ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي:
«..لو
كان هذا صحيحاً ما احتاجت عائشة إلى نزول براءتها من السماء.. بل كان
رسول الله «صلى الله عليه وآله» من أول يوم يعلم كذب أهل الإفك، لأنها
زوجته، وصحبتها له آكد من صحبة غيرها، وصفوان بن المعطل أيضاً كان من
الصحابة، فكان ينبغي ألا يضيق صدر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا
يحمل ذلك الهم والغم الشديد اللذين حملهما.
ويقول:
صفوان من
الصحابة، وعائشة من الصحابة. والمعصية عليهما ممتنعة»([3]).
هل كان مسطح بدرياً حقاً؟!
لقد ادَّعى
النيسابوري الإجماع على ذلك([4])..
ويؤيده التصريح به في كثير من المصادر.
ونقول:
إذا كان كذلك، فلماذا يحده النبي «صلى الله عليه وآله»
على الإفك؟
أليس قد رووا:
أن الله تعالى قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما
شئتم، فقد غفرت لكم؟..
فإذا كان ذنبه مغفوراً فلماذا يعاقب عليه؟!
هذا إذا فسرنا هذه الكلمة بأن الذنوب تقع منهم، لكنها
تكون مقرونة بالمغفرة.
وأما إذا
أخذنا بالاحتمال الآخر، وهو أن المراد: أن المعصية لا تقع من البدري
أصلاً([5])..
فالأمر يصير أعقد وأشكل.
وفسرها النيسابوري بأن المراد:
اعملوا من النوافل قليلاً أو كثيراً، فقد أعطيتكم الدرجات العالية في
الجنة، وقد غفرت لكم، لعلمي أنكم تموتون على التوبة([6]).
ونقول:
أولاً:
ما الدليل على أن هذا هو المراد من قوله «صلى الله عليه
وآله»: اعملوا ما شئتم؟!
ولماذا هذه التبرعات التفسيرية بلا شاهد ولا دليل؟!
ثانياً:
هل للذي يؤذي رسول الله ويتهم زوجته بهذا البهتان
العظيم توبة؟!
ثالثاً:
إن هذا ينافي قوله تعالى:
{وَلهَمْ
فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
فإنها
تدل على عدم قبول توبتهم إن لم نقل إنها تدل على عدم حصول التوبة من
الاساس. والصحيح في معنى هذه الرواية لو صحت: أن المؤمنين الذين شاركوا
في بدر ـ بشرط الإيمان ـ قد غفر الله لهم ذنوبهم السالفة، فليستأنفوا
العمل، وسوف يحاسبهم الله عليه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، لكن شرط
أن لا يكونوا من المنافقين، فإنّ المنافق كافر، فليس مشمولاً للحديث من
الأساس حتى لو شارك في بدر.
قال في حديث الإفك:
وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون الخ..
والرهط في
اللغة يطلق على العدد من الثلاثة إلى العشرة([7]).
مع أننا نجد الواقدي يقول:
إن الذين كانوا يرحلون رحلها هم اثنان فقط.
والحلبي قال:
إن الذي كان يتولى ذلك رجل واحد، هو أبو مويهبة..
فراجع ما تقدم من الكلام عن عمر عائشة..
تقول رواية علقمة عن عائشة:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» استشار بريرة. وأجابته بأنها لئن كانت
صنعت ما قال الناس ليخبرنك الله.
قالت:
فعجب الناس من
فقهها([8]).
ولكن ليت شعري..
أين كان فقه النبي «صلى الله عليه وآله» آنئذٍ؟..
ولم لم يدرك هو هذه الحقيقة قبل بريرة؟!
وهو الذي تعلّم منه الناس الفقه؟!
ولم لم يدرك أحد غير بريرة ذلك؟!
ولم لم يعجب الناس من فقه أبي بكر أيضاً؟ ففي رواية أبي
أويس، أنه قال: هو رسول الله، والوحي يأتيه..
ثم.. ألا ترى معي:
أن من غير المألوف: أن أفضل الأنبياء والمرسلين.. وأعظم وأشرف إنسان
وجد على وجه الأرض يترك زوجته في الصحراء ويذهب، ثم لا يفتقدها إلا بعد
مضي يوم كامل؟!
بل في بعض النصوص:
أنها لم يفتقدها أحد أصلاً.
ففي رواية ابن إسحاق، قالت:
«..فوالله، ما أدركنا الناس، ولا افتقدت، حتى نزلوا
واطمأنوا طلع الرجل يقودني..»([9]).
وكان نزولهم طبعاً في نحر الظهيرة، كما تقدم.
وإذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد افتقدها،
فكيف لم يرسل السرايا للبحث عنها في كل حدب وصوب، ويبذل كل ما في وسعه
من أجل الوصول إليها؟!
ثم إن الرسول الكريم لا يمكن أن يغفل عن واجباته، وهو
أشد الناس اهتماماً براحة مرافقيه، وتوفير حاجاتهم.. فهل يعقل أن لا
يفكر في أن زوجته قد تحتاج إلى الطعام والشراب طيلة ليلة ونصف يوم؟! إن
ذلك لا يصدر عن أي إنسان عادي، فكيف بالنسبة لعقل الكل، وإمام الكل،
ومدبر
الكل؟!
وإذا كان هو «صلى الله عليه وآله» قد غفل عن ذلك، فهل
غفل عنه أيضاً سائر من كانوا معها ويفترض فيهم أن يهيئوا لها حاجاتها؟!
وكيف لم يلتفتوا إليها أيضاً في أوقات الصلاة، حيث
تحتاج إلى تجديد الوضوء، وإلى المكان المستور الذي تؤدي فيه صلاتها؟!
ولو أنها قد صلت في رحلها، فكيف توضأت؟
والغريب في الأمر هنا:
أن عائشة نفسها تقول: إنها كانت تظن أنهم سوف يفتقدونها.. ولكن ظنها قد
خاب، حيث لم يفتقدها أحد حتى زوجها.
يضاف إلى ما تقدم:
أنهم يذكرون:
أنه قد كان من عادته «صلى الله عليه وآله» أن يساير هودجها، ويتحدث
معها([10]).
ولكنه في تلك الليلة بالذات.. ولأن عقدها ضاع، وضاعت
معه.. ولأنه لا بد من إحكام قضية الإفك.. غيّر النبي عادته، ولم يساير
هودجها، ولا تحدث معها!!!
ووجّه العسقلاني ذلك:
بأن عدم افتقادها يمكن أن يكون لأجل أنهم استصحبوا وجودها معهم،
أو أنهم اشتغلوا بحط رحالهم،
ولم يفتقدوها([11]).
ولكنه توجيه غير مقبول، فإنها قد صرحت بأنهم قد نزلوا
واطمأنوا.
وإن الذين مشوا ليلة ونصف يوم لا بد أن يفتقدوا زوجة
نبيهم، ولو لأجل الطعام والشراب، فضلاً عن الصلاة!!
والغريب هنا:
أننا نجدها
تقول ـ على ما في رواية الواقدي ـ : «كنت أظن: أني لو أقمت شهراً لم
يبعثوا بعيري، حتى أكون في هودجي»([12]).
وهذا يعني:
أنهم كانوا يعرفون بخروجها من هودجها،
وأنها ليست فيه.
فهل قد تعمدوا تركها في الصحراء؟!
وإذا كانوا لا يعرفون بنزولها من هودجها ـ كما تقوله
بعض الروايات الأخرى ـ فكيف إذن كانت تظن هذا الظن.. أم أنها ترى أنهم
كانوا يعلمون الغيب؟! أو ترى أن لديهم حاسة شم قوية، يدركون فيها
وجودها وعدمه؟ عجيب أمر عائشة وأي عجيب!!
وفي بعض الروايات تذكر:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» حينما سمع ببكاء آل أبي بكر، قام إلى
المسجد، فاستعذر من الإفكين، ثم عاد واستشار، وقرر عائشة.
ونقول:
أولاً:
متى كان البكاء شاهداً على البراءة؟!!
ثانياً:
لماذا استعذر رسول الله «صلى الله عليه وآله» من عبد الله بن أُبي
خاصة مع أن الذين جاؤوا بالإفك كانوا عصبة؟
فإن قيل:
إن الاستعذار منه، إنما هو لأجل أنه هو الذي تولى كبر الإفك؟
فالجواب هو:
أن في مقابل ذلك: القول بأن
الذي تولى كبر الإفك هو حسان أو حمنة.
وهناك من يقول:
إن ابن أُبي
لم يجلد الحد، وجلد غيره.
والغريب في الأمر:
أن نجد التصريح في الروايات:
بأنه «صلى الله عليه وآله» قد استعذر من ابن أُبي
استناداً إلى قول جارية!!
ثم هي جارية عائشة بالذات!! وهي جارية لم تكن مع عائشة
في تلك الرحلة.
ثم إنه «صلى الله عليه وآله» لا يجلده الحد، رغم نزول
الوحي الإلهي فيه.. فهل كان قول الجارية أقوى تأثيراً في نفس الرسول
«صلى الله عليه وآله» من الوحي الإلهي وأوثق؟!
نعوذ بالله من الزلل، في القول، وفي العمل!!
وإننا في حين نلاحظ:
أن عائشة تحاول التعظيم والتهويل في القضية، حيث ادَّعت:
أنها قد بكت حتى ليظن أبواها: أن البكاء فالق كبدها.. وأن الأمة كادت
تهلك بسببها.. وأنها حين سمعت بالأمر من أم مسطح خرت مغشياً عليها،
فبلغ ذلك أمها أم رومان فجاءتها، فحملتها إلى بيتها([13])،
وأنها همت أن
ترمي نفسها في قليب([14])
أي بئر،
إنها.. وهي تتحدث عن كل ذلك تكثر من حلف الأيمان، ولا
سيما وهي تقترب من نهايات الحديث.. حيث لا بد لها من زرع القناعة بأن
الإفك كان عليها.. ولا بد أن ينسى الناس قصة مارية، وأن لا يعيروها أي
اهتمام.
إنها ليست فقط تقسم لتأكيد ما تنقله عن نفسها، بل هي
تقسم على ما تنقله عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وعن أبيها، وعن
أمها أيضاً..
فلماذا هذه الأيمان الكثيرة المنهي عنها في الشرع
الشريف؟! ولماذا هذا التهويل والمبالغة فيه؟!
فهل كانت تشعر بضعف دعواها،
فاعتمدت طريقة التقوي بالأيمان؟!
أم أن المريب كاد أن يقول خذوني؟!
إن ذلك ليس بعيداً ـ فيما نعتقد ـ عن ذهن من نسب هذه
الروايات إليها.
أو فقل:
عن ذهن صانع الرواية، من أجل أن يُكسبها فضيلةً وشرفاً،
ما أشد شوقها إليه، وما أعظم حرصها عليه.
ويذكرني قول عائشة لأبيها:
بحمد الله لا بحمدك، ولا بحمد صاحبك الذي أرسلك([15]).
يذكرني بخالد بن الوليد:
الذي قتل مالك بن نويرة بحجة أن مالكاً عبر له عن أبي بكر بـ «صاحبك»
فقال له: كأنك لا تراه لك صاحباً، فاستحل بذلك دمه، وقتله.
فحمدت الله وشكرته على أن خالداً لم يسمع من عائشة هذه
الكلمة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
وإلا لكان ألحقها بمالك بن نويرة!.. ولأصبح أخوها محمد
شاعراً يرثي أخته الشهيدة!! كما كان متمم يرثي أخاه مالكاً الشهيد
«رحمه الله» تعالى.
ولسنا ندري ما هو ذنب النبي «صلى الله عليه وآله» تجاه
عائشة، حتى تقول له: بحمد الله لا بحمدك، أو بحمد الله وذمكما.. وما
أشبه ذلك؟
ثم قولها له: ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئاً؟!
ثم إنه «صلى الله عليه وآله» لما حاول أن يغازلها (!!)
حيث أخذ بذراعها، أمام أبويها، قد أبعدت يده عنها، حتى اضطر أبو بكر أن
يأخذ النعل ليضربها، فمنعه النبي «صلى الله عليه وآله».. كما
أنه
حاول أن يأخذ النبي «صلى الله عليه وآله» بيدها، فتنتزع يدها منه،
فنهرها أبو بكر([16]).
بل هو قد ضربها فعلاً كما في بعض الروايات([17]).
نعم، إننا:
أولاً:
لا ندري ما هو المبرر لهذا العنف مع النبي الأكرم، مع
أنه لم يصدر منه «صلى الله عليه وآله» تجاهها ما يستدعي ذلك، بل إنه قد
برأها على المنبر، وبلغ الأمر حداً كادت تقع الفتنة بين الأوس والخزرج؟
ثانياً:
ألا يعتبر ذلك سوء أدب منها مع الرسول الأكرم «صلى الله
عليه وآله»؟ وإيذاءً له!
وما حكم من يقدم على ذم رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، ومواجهته بكل تلك التعابير والتصرفات؟
وقول البعض:
إن ذلك لعتبها عليهم، لعدم تبرئتهم إياها، مع تحققهم من
حسن طريقتها،
أو أنها قالت ذلك إدلالاً منها عليه «صلى الله عليه
وآله»،
أو أنها فهمت
من قول النبي «صلى الله عليه وآله» لها: احمدي الله: إفراد الله
بالحمد، وبقية الألفاظ؛ باعثها الغضب([18])،
إن هذا القول لم نفهم له معنى. ولا سيما بملاحظة قولها:
بحمد الله وذمكما.
وأيضاً بملاحظة أنها هي نفسها تقول:
إن
النبي اعتذر من ابن أُبي
على المنبر.
وأما تحققهم من حسن طريقتها، فيكذبه قولهم:
إن أبا بكر كان يشك في أمرها.. وكذلك النبي «صلى الله عليه وآله» حسبما
تقدم.. وحتى لو غضبت، فهل إن ذلك يجوّز لها الجرأة على نبي الأمة،
ومواجهته بهذه الطريقة؟!
ومن أغرب ما يذكر هنا:
ما ذكره ابن
التين من أن ثمن عقد عائشة كان 12 درهماً([19]).
وإذا كانت هذه قيمته فقد قال
العسقلاني:
إن معنى ذلك:
أنه ليس من جزع ظفار، وإلا لكانت قيمته أكثر من ذلك([20])..
مع أنها هي نفسها تنص على أنه كان من جزع ظفار.
وبالمناسبة:
فإن العقد الذي سقط في الأبواء أيضاً كان من جزع ظفار. وكانت قيمته 12
درهماً كما سيأتي.. فتبارك الله أحسن الخالقين.
ولسنا ندري من أين عرف ابن التين قيمة ذلك العقد
المبارك!! وكيف اختص هو دون سواه بنزول الوحي عليه ببيان قيمة ذلك
العقد..
لعل بين ابن التين ومقوّم ناقة صالح، قرابة نسبة أو
حرفية!!! وحسبنا هنا أن نتذكر قول الآخر:
لـي حـيــلــة فـي مــن يـــنــمّ ولـيـس في الــكــذاب
حــيــلـة
مـن كـــان يــخــلق مـا يـقـــو ل فـحـيـلـتـي فــيــه
قــلــيـلـة
لقد قالت عائشة:
إن أسامة بن زيد قد أشار على النبي «صلى الله عليه
وآله» ببراءة أهله.
ولكننا إذا أمعنا النظر في كلام أسامة:
فإننا لا نجده زاد على القول: بأنه لا يعلم إلا خيراً.
وهذا لا يعني تبرئتها، وإنما غاية ما يدل عليه هو:
عدم اطلاعه على ما يُريب.. فهو كقول زينب بنت جحش:
أحمي
سمعي وبصري الخ..
لماذا تطلب من أبيها:
أن يجيب رسول الله، مع أن الرسول «صلى الله عليه وآله»
كان يسألها عن واقع وباطن الأمر، ولا اطلاع لأبويها على ذلك؟!
واعتذار العسقلاني:
بأنها أرادت بذلك الإشارة إلى أن باطنها لا يخالف
الظاهر الذي يعلمه أبواها.. وإنما أجابها أبو بكر بـ:
لا أدري، لأنه كثير الاتباع لرسول الله،
فأجاب بما يطابق السؤال المعنى.. ولأنه كره أن يزكي ولده([21]).
هذا الاعتذار لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً:
إن عائشة نفسها تخاطبهم جميعاً بقولها: حتى استقر في
أنفسكم.
وفي رواية هشام بن عروة:
وأشربته قلوبكم.
ثانياً:
إنها لما عاتبت أباها بقولها: ألا عذرتني؟!
قال:
أي سماء
تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت ما لا أعلم([22])؟
ثالثاً:
تقول عائشة: إنه لما أخذ رسول الله برحاء الوحي، ما فزعت لعلمها ببراءة
نفسها.. وأما أبواها فما سري عن الرسول «صلى الله عليه وآله»، حتى ظنت
لتخرجن أنفسهما، فرقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما يقول الناس([23]).
رابعاً:
إن
أبا بكر نفسه
كما يروي عنه العسقلاني وغيره قد فزع أن ينزل من السماء ما لا مرد له([24]).
وبعد كل هذا..
فلا نصغي إلى اعتذار العسقلاني هنا أيضاً: بأنهم أرادوا إقامة الحجة
على من تكلم في ذلك، ولا يكفي في ذلك النفي المجرد.
كما لا يصح قوله:
بأن مرادها
ممن صدق به، هو أصحاب الإفك، لكن ضمت إليهم من لم يكذبهم تغليباً([25]).
وتذكر الروايات:
أن حمنة طفقت تحارب لأختها، حتى هلكت فيمن هلك.. وحتى
أقيم عليها الحد، وذكرت فيمن تولى كبر الإفك..
لكن أختها نفسها عصمها الله بالورع.
ونقول:
عجيب هذا!!
أوليس يقولون:
ليست الثكلى كالمستأجرة؟!
وإذا لم تكن أختها راضية بفعلها، فأي فائدة تعود على
حمنة من موقفها هذا؟!
ولماذا اختصت زينب بهذا الأمر من بين سائر نساء النبي
الأعظم «صلى الله عليه وآله»؟!.
وهل لم يكن لسائر نساء النبي «صلى الله عليه وآله»
أخوات ولا أقارب يتولين المحاربة لهن؟!
قالوا:
إن جواب سعد
بن عبادة لابن معاذ غير مناسب، لأن ابن معاذ لم يقل إن كان من الخزرج
قتلناه([26]).
وأجاب الحلبي:
بأن ابن عبادة يريد بجوابه ذاك: أنه لو كان من الأوس لا تقدر على قتله
لأنه يظهر الإسلام.. ولا يقتل النبي «صلى الله عليه وآله» من يظهر
الإسلام.
فكأنه قال له:
لا تقل ما لا
تفعل، أو ما لا تقدر على فعله([27]).
واعتذر آخر:
بأن المقصود: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يجعل حكمه إليك([28]).
واعتذر ثالث:
بأن ابن معاذ لا يستطيع قتل الإفك؟ إذ يسبق إليه الخزرج أنفسهم([29]).
ونقول:
إن ذلك كله
غير سليم، إذ يكذب الأول: أن ابن عبادة قال: «ما قلت هذه المقالة، إلا
لأنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك من الأوس ما قلت
هذا..»([30]).
ويكذب الثاني والثالث..
رد ابن حضير على ابن عبادة:
بأنك منافق تجادل عن المنافقين.
لماذا قال النبي «صلى الله عليه
وآله» في مجلس الاستعذار:
بلغني أذاهم في أهلي، أو أبنوا أهل بيتي، فجاء بلفظ الأهل وأهل البيت،
مع أن المقصود هو عائشة فقط.
أجاب العسقلاني:
بأنه «لما كان يلزم من سبها سب أبويها، ومن هو بسبيل
منها، وكلهم كانوا بسبب عائشة معدودين في أهله.. صح الجمع..».
ثم استشهد على ذلك بما ورد في حديث الهجرة، من قول أبي
بكر: إنما هم أهلك يا رسول الله، يعني:
عائشة، وأمها، وأسماء بنت أبي بكر([31]).
ونحن لا نريد أن نناقش في صحة ما استشهد به من حديث
الهجرة، فقد تكلمنا على بعض نقاط الضعف فيه في
الجزء الثالث من هذا الكتاب،
فراجع..
وإنما نريد فقط أن نسجل هنا ما يلي:
أولاً:
إننا لا نحتاج
إلى تمحلات العسقلاني وتوجيهاته، فقد نص أهل اللغة على أن «أهل الرجل»
زوجته([32]).
بل هي ليست حتى من أهل الرجل، وإنما يقال لها ذلك مجازاً([33]).
وأما كلمة «أهل البيت»، فلا تشمل الزوجة من الأساس كما
سيتضح.
ثانياً:
لو صح كلام العسقلاني،
فكيف يصح إذن: أن يقول أسامة بن زيد، عندما استشاره
النبي «صلى الله عليه وآله» في فراق أهله: هم أهلك، وما نعلم إلا
خيراً.. فهل يستشير الرسول «صلى الله عليه وآله» في طلاق جميع آل أبي
بكر،
فيشير عليه أسامة:
بأنه لا يعلم منهم إلا خيراً؟!
ثالثاً:
إذا كان يلزم من سبها سب أبويها وغيرهم،
فلماذا يحاول النبي «صلى الله عليه وآله» تقريرها،
وانتزاع اعتراف منها؟
فهل يريد فضيحة آل أبي بكر، «أهله»!! فضيحة أبدية؟!
لا.. ولا كل ذلك..
ولكن ثمة أمر آخر يرمي إليه العسقلاني، ومن هم على شاكلته.
إنهم يريدون بهذا اللف والدوران أن
يقولوا:
إن آل أبي بكر هم آل بيت النبي الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم
تطهيراً.. وليس علي، وفاطمة، والحسنان.. أو على الأقل يريدون إضافة
هؤلاء إلى أولئك.. ولكن يأبى الحق والرسول عليهم ذلك، كما سيتضح في
الإيرادات التالية.
رابعاً:
بالنسبة لاعتبار عائشة، وآل أبي بكر هم أهل البيت نقول:
إن ذلك لا يمكن قبوله، لأسباب عديدة، هي:
ألف :
أن
الرسول «صلى الله عليه وآله» نفسه قد فسر المراد من كلمة «أهل البيت»
حيث بقي ستة أشهر، أو سبعة عشر شهراً أو إلى آخر عمره الشريف([34])،
يأتي إلى بيت فاطمة
«عليها
السلام»،
ويقول: «السلام عليكم أهل البيت، ورحمة الله وبركاته».
ب :
إنه
«صلى الله عليه وآله» قد صرح بخروج زوجته أم سلمة عن دائرة أهل بيته،
حيث قال لها: إنك من أهلي خير، وهؤلاء أهل بيتي([35]).
أو قال لها بعد أن منعها من الدخول:
إنك على خير،
فراجع حديث الكساء المشهور([36]).
ج :
قد تقدم عن أهل اللغة: أن أهل الرجل يطلق على الزوجة مجازاً..
د :
سئل أنس بن مالك: أليس نساؤه من أهل بيته؟!
فقال:
نساؤه من أهل بيته؟!
ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده:
آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس([37]).
وروي ذلك عن أحمد أيضاً([38]).
هـ :
سئل أنس بن مالك مرة أخرى: من أهل بيته؟ نساؤه؟
قال:
لا، وأيم
الله، إن المرأة لتكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها، فترجع إلى
أبيها، وقومها. أهل بيته أصله وعصبته، الذين حرموا الصدقة من بعده([39]).
و :
إن نفس آية التطهير تدل على عدم شمول عنوان «أهل البيت» للنساء، فإنه
تعالى يقول: {..إِنَّمَا
يُرِيدُ اللهُُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ..}([40]).
ولم يقل:
«يريد أن يذهب» مع أن الأوامر والزواجر في الآيات
الشريفة متوجهة للزوجات، فلو كان التطهير لهن، لوجب تعلق الإرادة
الإلهية بالمصدر المأخوذ من كلمتي أن يذهب،
ولكنه عدل عن المصدر وجاء باللام في قوله «ليذهب»
ليفيد: أن هذه الأوامر والزواجر للزوجات إنما تهدف لتطهير أناس آخرين
هم أهل البيت
«عليهم
السلام».
وإذا كان حديث الإفك قد شاع وذاع، حتى لم يبق بيت ولا
ناد إلا طار فيه على حد تعبيرهم
وكان من الواضح: أن ليس في الإفكين أوسي أصلاً، فلماذا:
أولاً:
يقول سعد بن معاذ: إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان
من الخزرج أمرتنا فيه بأمرك؟! وما معنى هذا الترديد، بعد شهرة الأمر،
وطيرانه في كل بيت وناد؟!
أم يعقل:
أن يعلم بهذا الأمر كل أحد، وسيد الأوس وحده هو الذي
يجهل به من بين الجميع؟!
وإذا كان يعلم، فما معنى قول ابن
عبادة له:
بأنه يعرف أنه من الخزرج؟!
ثانياً:
ما الذي أثار حفيظة ابن عبادة، مع أن ابن معاذ لم يجترئ
على الخزرج، بل ذكر أنه يعمل فيهم بأمر النبي «صلى الله عليه وآله»؟!
وهل يرد سعد بن عبادة أمر النبي «صلى الله عليه وآله»،
وهو صحابي، وهم يقولون: إن الصحابة عدول؟!
ولو أراد أن يفعل ذلك، فهل يجرؤ أو هل يستطيع ذلك؟!
وتوجيه العسقلاني بأنه أراد أن ابن
عبادة كان يعلم:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يأمر بقتل خزرجي، لا يصح لما يلي:
أولاً:
إذا كان الخزرجي مجرماً، مستحقاً للقتل،
فلماذا لا يأمر النبي
«صلى الله عليه وآله»
بقتله؟
ثانياً:
لو أمر النبي «صلى الله عليه وآله» بقتل خزرجي، فهل
يستطيع ابن معاذ أن لا يمتثل الأمر؟! ومتى جرت عادة النبي «صلى الله
عليه وآله» أن يأمر قبيلة الرجل بقتل الرجل؟!.
أليس عكس ذلك هو الصحيح؟!
أو على الأقل أليس عدم تقيده بذلك هو المعروف عنه؟!
وأجاب البعض:
بأن كلام ابن معاذ كان عن حنكة وسياسة، فهو يلقي الكلام بهذه الصورة،
وبنحو الترديد ليظهر نفسه على أنه بمنأى عن التعصب القبلي، والتحيز
لفئة دون فئة.
ولكن ما هذه الحنكة وما هذه السياسة المفضوحة لدى كل
أحد؟!
ونحن نربأ بابن معاذ، الرجل التقي
الورع:
أن ينطلق في مواقفه من تعصبات قبلية مقيتة،
ونربأ بعقله وحكمته ودرايته أن يتصرف تصرفاً مفضوحاً
بعيداً عن الحنكة والدراية، كهذا التصرف!!
وإذا كان ابن عبادة يغضب، عندما يبدي ابن معاذ استعداده
لتنفيذ أمر النبي «صلى الله عليه وآله» في الإفكين، كما أن الخزرج قد
وافقوا على قول ابن عبادة، حتى تلاطموا مع الأوس بالأيدي والنعال،
فلماذا سكت الخزرج، وابن عبادة معهم حينما جلد النبي
الإفكين، الذين كان فيهم خزرجيان، وليس بينهم أوسي؟!
ورضوا بالعار والشنار بذلك؟!
بل يقولون:
إن ابن عبادة نفسه هو الذي أطلق ابن المعطل، عندما أخذه الخزرج
لأجل
ضربته لحسان بن ثابت،
وأعطاه حائطاً يتحصل منه مال كبير، بما عفا عن حقه.
فكيف كانوا أتقياء حينما كسع حساناً بالسيف، حتى شارف
على الموت، ولم يفعلوا مع صفوان شيئاً، حتى استشاروا النبي «صلى الله
عليه وآله» في أمره، وكان الصلح على يديه، حسبما تقدم؟!
ولم يكونوا أتقياء ولا أبراراً، بل كانوا منافقين كسعد
بن عبادة عندما كانت القضية تمس شرف النبي «صلى الله عليه وآله»، وقدس
حضرته، وهو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الموت إلى الحياة؟!
أم أنهم بين ليلة وضحاها انقلبوا من أشقياء فجار
منافقين، إلى أتقياء أبرار؟! يدافعون عن الإفكين، ويتلاطمون مع الأوس ـ
الأتقياء الأبرار دائماً ـ بالنعال والأيدي،
ثم يتركون ابن المعطل ولا يكلمونه، مع
أنه
أوشك أن يقتل صاحبهم، حتى يستشيروا النبي «صلى الله عليه وآله» في أمره،
ويسكتون أيضاً على عار جلد أبنائهم الحد؟
إن البلاذري يروي عن مجاهد، قال:
«لما أنزل الله عذر عائشة، قام إليها أبو بكر، فقبل رأسها، فقالت: بحمد
الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك، يا أبتاه، ألا عذرتني؟!
فقال:
وكيف أعذرك
بما لا أعلم؟! أي أرض تقلني يوم أعذرك بما لا علم لي به»([41]).
وتقدم أيضاً:
أنه كان يخشى أن يأتي من الشيء، ما لا مرد له.
فلماذا لا يظن بها أبو بكر خيراً، مع أن الآيات تقول:
{لَوْلا
إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ
خَيْراً}؟!
هل هو عوف؟! أم مسطح؟!
وقد ذكرت رواية أبياتاً نسبتها إلى أبي بكر، وأنه قالها
في مسطح في رميه عائشة.
واللافت:
أنه قد سمى فيها مخاطَبُهُ بـ «عوف» في أربع أبيات من
أبياتها التي لا تزيد على سبع، ولا يذكر اسم «مسطح» أبداً.
فكيف تكون خطاباً لمسطح، ويكون الخطاب والحديث كله عن
عوف؟! وما ربط عوف بمسطح؟!
وقد تقدمت الأبيات في فصل:
النصوص والآثار، الحديث رقم 18 فراجع([42]).
والغريب في الأمر:
أننا نجد أبا بكر يتهم عائشة بما رماها به أهل الإفك،
ويحرض الرسول «صلى الله عليه وآله» على الانتقام منها،
لكن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يستجيب له، ولا
يعتبره في جملة الإفكين فلا يجلده الحد. فإنه لما بلغ رسول الله «صلى
الله عليه وآله»: أن الأمر قد بلغ عائشة، دخل وجلس عندها، وقال: «يا
عائشة إن الله قد وسع التوبة، فازددت شراً إلى ما بي، فبينا نحن كذلك
إذ جاء أبو بكر، فدخل علي، فقال: يا رسول الله، ما تنتظر بهذه التي
خانتك وفضحتني؟!
قالت:
فازددت شراً إلى شر».
فأرسل «صلى
الله عليه وآله» إلى بريرة فاستشارها([43]).
وتذكر روايات الإفك أبياتاً من الشعر تنسبها لأم سعد بن
معاذ تتهم فيها «الموالي»
بالإفك،
فهي تقول:
للـمـوالي إذا رمــوهــا بـإفــــك
أخــذتهـــم مــقامـع وجـحيم([44])
ونحن لا نجد في روايات الإفك على عائشة أحداً يمكن أن
ينسب إلى الموالي، فهم: ابن أبي، ومسطح، وحسان، وحمنة، وزادت بعض
الروايات: زيد بن رفاعة، وليس في هؤلاء أحد من الموالي.
فما معنى هذا؟!
وكيف نفسره؟!
إلا أن نفسر كلمة (الموالي) بالمحبين، أو نفسرها
بالأنصار. ولكن،
هل كان عبد الله بن أبي من محبي أبي بكر، أو من
أنصاره؟! وهل كانت حمنة أيضاً من هؤلاء؟!
ثم إن أبيات أم سعد بن معاذ تتضمن الدعاء على سعد،
فتقول:
ليــت سـعــداً ومن رمـاها
بسوءٍ في كـظـاظ حتى يتـوب الظـلوم([45])
فإن كانت تقصد ولدها سعد بن معاذ،
فإنه:
أولاً:
قد مات قبل قضية الإفك، فلماذا تدعو عليه؟!
ثانياً:
إنه قد أنكر على الإفكين ـ حسب روايات عائشة ـ وأبدى
استعداده لمعاقبتهم،
فلماذا تدعو أمه عليه؟!
وإن كانت تقصد سعد بن عبادة، فإنه هو الآخر لم يكن في
جملة الإفكين، وغاية ما صدر منه ـ بحسب دعوى رواية عائشة ـ أنه واجه
ابن معاذ منتصراً لقومه، رافضاً أن يمكّنه من تولي معاقبة أحدٍ من قومه،
أو فقل: رافضاً أن يكون له الحق في معاقبة أحد.
ألف :
ويقولون: إن الذين قالوا ـ حينما سمعوا الإفك ـ : سبحانك هذا بهتان
عظيم، هم:
1 ـ
أبو أيوب:
فإنه قال لزوجته لما أخبرته الخبر: فعائشة خير منك، وصفوان خير مني.
وقال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان
عظيم.
قالت عائشة:
فأنزل الله عز وجل:
{وَلَوْلا
إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ
بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}([46]).
وقال ذلك أيضاً:
2 ـ
أسامة بن زيد([47]).
3 ـ
أبي بن كعب في قصة شبيهة بقصة أبي أيوب([48]).
4 ـ
سعد بن معاذ([49]).
5 ـ
زيد بن حارثة([50]).
6 ـ
قتادة بن النعمان([51]).
7 ـ
عمر بن الخطاب([52]).
ب :
ومن الذين نزل القرآن بموافقتهم في آية:
{..المُحْصَنَاتِ
الْغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ..}
نذكر:
1 ـ
أم مسطح، فإنها عندما عثرت، وسبت مسطحاً، سألتها عائشة عن السبب،
فقالت: أشهد أنك من الغافلات المؤمنات([53]).
وهذا موافق لقوله تعالى:
{إِنَّ
الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ
لُعِنُوا..}.
2 ـ
بريرة التي ذكرت أن عائشة تنام عن عجين أهلها.
وفي
رواية مقسم:
أنها غفلت عن العجين، فجاءت الشاة فأكلتها. ونحن نسأل
الله أن لا تكون هذه هي نفس تلك الشاة التي أكلت قسماً من القرآن!!([54]).
3 ـ
ابن المنير، لقد قال ابن المنير: «فغفلتها عن عجينها أبعد لها من مثل
الذي رميت به، وأقرب إلى أن تكون من المحصنات الغافلات المؤمنات»([55]).
فالآية أيضاً قد نزلت بموافقة بريرة وابن المنير.
ج :
وقد نزل أيضاً قوله تعالى:
{لَوْلا
إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ
خَيْراً..}
ليوافق أبا أيوب الأنصاري. حسبما عرفناه.
نعم..
لقد نزل القرآن بموافقة كل هؤلاء باستثناء النبي «صلى
الله عليه وآله»، وعلي «عليه السلام»، فإن القرآن قد خالفهما، وأنبهما
على موقفهما من قضية الإفك.. لست أدري لماذا لم تكن النبوة من نصيب
هؤلاء الأفذاذ، الذين تجذر فيهم عنصر الوحي؟! ولماذا اختصت بذلك الرجل
الذي هو أبعد ما يكون في هذه القضية عن الموقف الإلهي الصحيح؟!
إن المُراجع للروايات يرى:
أن في رواية أبي أيوب اختلافاً، فبعضها يفيد: أن أبا أيوب كان يعلم
بالخبر قبل إخبار زوجته إياه، وبعضها يدل:
على أنه لم يكن يعلم بالأمر إلا حين أعلمته زوجته به.
كما أن ثمة رواية تقول:
إن أبا أيوب قد وافق قوله آية:
{لَوْلا
إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ
خَيْراً..}.
والأخرى تقول:
بل وافق قوله تعالى:
{مَّا يَكُونُ
لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ..}.
وإن من يراجع هذه الرواية يجد:
أن رواتها هم: رجل من بني النجار.. مجهول.. وأفلح، مولى أبي أيوب، الذي
لم يكن حين الإفك، بل هو من سبي اليمامة،
وعائشة.
إننا لم نستطع أن نفهم متى وكيف أصبح صفوان بن المعطل
خيراً من أبي أيوب وأفضل.. مع أنه لم يسلم إلا قبل قضية الإفك بقليل،
حتى ليقولون: إن أول مشاهده المريسيع التي هي غزوة الإفك.
مع أن أبا أيوب كان من كبار الصحابة وخيارهم، وهو مضيف
النبي «صلى الله عليه وآله» حين مقدمه المدينة، وشهد العقبة وبدراً،
وسائر المشاهد.
وعلى حسب مقاييسهم:
لا يقاس بالبدريين أحد،
ولكن من يدري؟!
فلعل صفوان كان يقطع ما يحتاج الناس فيه إلى سنوات
بأشهر، أو بأيام، لاستعداده النادر، ومواهبه الفذة،
التي قصَّرت به عن أن يكون له أي دور سوى دوره في حديث
الإفك،
وقصَّرت به أيضاً عن أن يكون نادرة زمانه، وفريد عصره
وأوانه!!.
نعم، له في التاريخ فضائل أخرى
نادرة:
فهو الذي كان لا يصلي الصبح، وكان يضرب زوجته، وكان
يمنعها من الصيام،
وكل ذلك كان بعد المريسيع!! ثم هو خير من
أبي
أيوب وأفضل!!
واللافت هنا:
أن الإشكالات على حديث الإفك لا تنحصر فيما قدمناه بل
هناك إشكالات أخرى ستظهر لنا من خلال البحوث الآتية: ومنها حديث:
حيث سنذكر:
أن عقد عائشة قد ضاع مرة أخرى في نفس غزوة المريسيع، أو انقطع..
وكان ذلك في وقت الرحيل أيضاً.
وهو من جزع ظفار.
وقيمته أيضاً كانت اثني عشر درهماً.
وفي مكان لا ماء فيه، فأقام الجيش كله على التماسه حتى
نزلت آية التيمم.
ولأسيد بن حضير دور رئيس أيضاً في هذه القضية، وسيأتي
تفصيل ذلك.
وسنذكر أيضاً:
أن في هذه الغزوة بالذات حصل السباق الشهير!!! بين رسول
الله «صلى الله عليه وآله»!!! وبين عائشة!!! في قلب الصحراء.. وفاز
الرسول «صلى الله عليه وآله» في هذا السباق. كما سيأتي..
فتبارك الله وما شاء الله، وحيا الله هذه الغزوة
المباركة، التي ظهرت فيها كل هذه البركات!!
([1])
إرشاد الساري ج7 ص262.
([2])
الكامل في التاريخ ج2 ص197 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص297
والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص313 والبداية والنهاية ج4 ص162
ومغازي الواقدي ج2 ص431 وفتح الباري ج8 ص361.
([3])
شرح النهج للمعتزلي ج20 ص30.
([4])
تفسير النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص68.
([5])
أشار إلى المعنيين العسقلاني في فتح الباري ج8 ص369.
([6])
النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص68.
([7])
أقرب الموارد ج1 ص439 ومن معاني العصبة: القوم والقبيلة.
وراجع: فتح الباري ج4 ص347 وفي المفردات للراغب ص204، الرهط:
العصابة دون العشرة، وقيل: يقال إلى الأربعين.
([8])
فتح الباري ج8 ص359 وجامع البيان ج18 ص76 رواية علقمة. والدر
المنثور ج5 ص32، عن الطبري، وابن مردويه، وإرشاد الساري ج7
ص261.
([9])
البداية والنهاية ج4 ص160 وسيرة ابن هشام ج3 ص311 وفتح الباري
ج8 ص352.
([10])
فتح الباري ج8 ص349.
([11])
فتح الباري ج8 ص349.
([12])
مغازي الواقدي ج2 ص428 وفتح الباري ج8 ص347.
([13])
راجع: المعجم الكبير ج23 ص117 و 118 و 123 و 124 وراجع أيضاً:
مجمع الزوائد ج9 ص230 و 237 وراجع سائر المصادر التي قدمناها
في فصل النصوص والآثار الحديث رقم3.
([14])
راجع: المعجم الكبير ج23 ص121 وفتح الباري ج8 ص355 عن الطبراني
بسند صحيح، وإرشاد الساري ج4 ص393 والدر المنثور ج5 ص32 عن
الطبراني، وابن مردويه.
([15])
راجع: الدر المنثور ج5 ص31 عن الطبراني، وابن مردويه.
([16])
راجع: الدر المنثور ج5 ص31، عن ابن مردويه، والطبراني، وإرشاد
الساري ج7 ص270 والسيرة الحلبية ج2 ص296 وفتح الباري ج8 ص366.
([17])
راجع: المعجم الكبير ج23 ص120 ومجمع الزوائد ج9 ص230.
([18])
إرشاد الساري ج7 ص270 وفتح الباري ج8 ص366 والنووي شرح صحيح
مسلم بهامش القسطلاني ج10 ص230.
([19])
فتح الباري ج8 ص347.
([20])
فتح الباري ج8 ص347 وما هو دليلك يا عسقلاني على أن قيمة
الظفاري أكثر من ذلك أو أقل؟
([21])
فتح الباري ج8 ص364.
([22])
الدر المنثور ج5 ص32 عن البزار والسيرة الحلبية ج2 ص396 وفتح
الباري ج8 ص366.
([23])
مغازي الواقدي ج2 ص33 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص315
والبداية والنهاية ج4 ص162 عنه، والكامل في التاريخ ج2 ص198
وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص268 وفتح الباري ج8 ص365 والسيرة
الحلبية ج2 ص296.
([24])
فتح الباري ج8 ص365 والمعجم الكبير ج23 ص72 و 168.
([25])
فتح الباري ج8 ص364.
([26])
السيرة الحلبية ج2 ص299.
([28])
فتح الباري ج8 ص361 عن ابن التين.
([29])
فتح الباري ج8 ص362.
([30])
السيرة النبوية لابن هشام، والسيرة الحلبية ج2 ص300 وغير ذلك.
([31])
فتح الباري ج13 ص287.
([32])
أقرب الموارد ج1 ص23 وراجع: المفردات للراغب الأصفهاني ص29.
([33])
راجع: تاج العروس ج1 ص217 ولسان العرب ج11 ص38 والمفردات
للراغب ص29.
([34])
راجع كتابنا: أهل البيت في آية التطهير (ط الثانية 1423هـ) ص40
ـ 44 عن كثير من المصادر.
([35])
راجع: المستدرك على
الصحيحين ج2 ص416 وتلخيصه، وشواهد التنزيل ج2 ص82 و 88 والخصال
ج2 ص403 والتبيان ج8 ص308 ومتشابه القرآن ومختلفه ج2 ص52
والبحار ج35 ص231 و 316 وجامع البيان ج22 ص7 وتفسير القرآن
العظيم ج3 ص483 ومشكل الآثار ج1 ص336 وتفسير فرات ص377 وغير
ذلك.
([36])
راجع مصادره الكثيرة جداً في كتابنا: أهل البيت في آية التطهير
(ط الثانية 1423هـ) ص36 و 51.
([37])
صحيح مسلم ج7 ص130 والدر المنثور ج5 ص199 وتفسير القرآن العظيم
ج3 ص486 وفتح القدير ج4 ص280 وكنز العمال (ط جديد) ج13 ص641
والمواهب اللدنية ج2 ص122 والتفسير الحديث ج8 ص261 والبرهان
(تفسير) ج3 ص324 والصواعق المحرقة ص226 وراجع ص227 و 228
والسنن الكبرى ج2 ص148 وتهذيب الأسماء واللغات ج1 ص347 وسليم
بن قيس ص104 ونور الأبصار ص110 وإسعاف الراغبين ص108 والإتحاف
بحب الأشراف ص22 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص300 والبحار ج35
ص229 وكفاية الطالب ص53 وليس فيه عبارة: (نساؤه من أهل بيته)
عن مسلم، وأبي داود، وابن ماجة. وفي هامشه عن: مسند أحمد ج4
ص366 وعن كنز العمال ج1 ص45 وعن مشكل الآثار ج4 ص368 وعن أسد
الغابة ج2 ص12 وعن مستدرك الحاكم ج3 ص109 وراجع أيضاً: منهاج
السنة لابن تيمية ج4 ص21 وتاريخ دمشق ج4 ص208.
([38])
منهاج السنة ج4 ص21.
([39])
صحيح مسلم ج7 ص123 والصراط المستقيم ج1 ص185 وتيسير الوصول ج2
ص161 والبرهان (تفسير) ج3 ص324 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص486
والطرائف ص122 والبحار ج35 ص230 وج23 ص117 والعمدة لابن بطريق
ص35 والتفسير الحديث ج8 ص261 والتاج الجامع للأصول ج308 و 309
وخلاصة عبقات الأنوار ج2 ص64 عن دراسات اللبيب في الأسوة
الحسنة بالحبيب ص227 و 231 وإحقاق الحق (الملحقات) ج9 ص323 عن
الجمع بين الصحيحين والصواعق المحرقة ص148 وعن جامع الأصول ج10
ص103.
([40])
الآية 33 من سورة الأحزاب.
([41])
أنساب الأشراف ج1 ص419.
([42])
وهي في المعجم الكبير ج23 ص111 و 117 وراجع: مجمع الزوائد ج9
ص236.
([43])
المعجم الكبير ج23 ص117 و 118 وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص230.
([44])
راجع: المعجم الكبير ج23 ص111 و 117 وراجع: مجمع الزوائد ج9
ص237.
([45])
المصدران السابقان.
([46])
راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص268 ومغازي الواقدي ج2 ص434
والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص315 وأسباب النزول للواحدي ص185
والدر المنثور ج5 ص33 و 34، عن ابن مردويه، وابن إسحاق، وابن
جرير، وابن المنـذر، وابـن أبي حـاتم، وابـن عسـاكـر،
والحـاكـم، وفتح الباري ج8 = = ص359 وج13 ص287 عن ابن إسحاق،
والحاكم، والطبراني، والآجري، وتاريخ الخميس ج1 ص477. وتفسير
النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص63 والكشاف ج3 ص218.
([47])
فتح الباري ج8 ص359 وج13 ص287، وجامع البيان.
([48])
فتح الباري ج13 ص287، عن الحاكم في الإكليل من طريق الواقدي.
([49])
الدر المنثور ج5 ص30 و 35 عن ابن أبي حاتم، والطبراني، وعن
سنيد في تفسيره، وفتح الباري ج8 ص59 وج13 ص287.
([50])
الدر المنثور ج5 ص34 عن ابن سمي في فوائده، وفتح الباري ج3
ص287.
([51])
فتح الباري ج13 ص287.
([52])
السيرة الحلبية ج2 ص298.
([53])
فتح الباري ج8 ص355.
([54])
راجع: تأويل مختلف الحديث ص310 وراجع كتابنا: حقائق هامة حول
القرآن ص235 و 236 ففيه مصادر كثيرة.
([55])
فتح الباري ج8 ص358 وإرشاد الساري ج7 ص261.
|