متفرقات في السنة الخامسة

   

صفحة :7-38   

متفرقات في السنة الخامسة 

 

النبي يعلم الغيب:

وبعد أن عالج النبي «صلى الله عليه وآله» ذيول قضية جهجاه، سار بالناس حتى نزل على ماء فويق النقيع، يقال لها: نقعاء. (وعلى حد تعبير البيهقي: لما نزل صنعاء، من طريق عمان سرح الناس أنعامهم الخ..) فهاجت ريح شديدة آذتهم، وتخوفوها. وضلت ناقة النبي «صلى الله عليه وآله» القصوى، وكان ذلك ليلاً. فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: لا تخافوا إنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفي بالمدينة.

قيل: من هو؟.

قال: رفاعة بن زيد بن التابوت.

قال أبو نعيم البيهقي: «كان موته غائظاً للمنافقين، فسكنت الريح آخر النهار، فجمع الناس ظهرهم، وفقدت راحلة رسول الله «صلى الله عليه وآله». فسعى الرجال لها يلتمسونها».

فقال رجل من المنافقين، هو زيد بن اللصيت، أحد بني قينقاع: كيف يزعم أنه يعلم الغيب، ولا يعلم مكان ناقته؟! ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي؟!

(فأراد الذين سمعوا منه ذلك أن يقتلوه، فهرب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» متعوذاً به).

فأتى النبي «صلى الله عليه وآله» جبرئيل «عليه السلام»؛ فأخبره بقول المنافق ومكان ناقته؛ وأخبر بذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله» أصحابه (وذلك الرجل يسمع)، وقال: ما أزعم أني أعلم الغيب وما أعلمه، ولكن الله أخبرني بقول المنافق، ومكان ناقتي. هي في الشعب قد تعلق زمامها بشجرة.

فخرجوا يسعون قِبَلَ الشعب، فإذا هي كما قال. فجاؤوا بها. وآمن ذلك المنافق([1]).

فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قد مات. وكان من عظماء اليهود، وكهفاً للمنافقين.

وفي المنتقى: ذكر فقدان الناقة في السنة التاسعة من الهجرة، حين توجه النبي «صلى الله عليه وآله» إلى تبوك، وهبوب الريح بتبوك([2]).

ونقول: إننا نشير هنا إلى الأمور التالية:

1 ـ إن هبوب الريح غير العادية، وإخبار النبي «صلى الله عليه وآله» لناس بأن سبب هذه الريح هو موت عظيم من عظماء الكفار في المدينة. قد جـاء بعد تسجيل نصر حاسم للمسلمين على بني المصطلق، ولعـل هذا النصر قد ترك في نفوسهم بعض الآثار التي يريد الله أن يزيلها. رحمة منه تعالى بالمؤمنين، وتثبيتاً لهم، وتزكية لنفوسهم، وتصفية لأرواحهم من أدران الغرور، حين يظنون أنهم هم الذين صنعوا هذا النصر، بما يملكون من شجاعة، وإقدام وبسالة، وبما أتقنوه من فنون حربية، وبحسن سياستهم، وسلامة تدبيرهم.

فأراد الله سبحانه أن يوجه أنظارهم نحو الغيب، لكي تخشع قلوبهم، وتخضع نفوسهم أمام عظمته سبحانه؛ ليؤكد لديهم الشعور بالرعاية الإلهية، وبالتوفيقات الربانية.

فربط الأمور بالغيب ضروري لهم، في حالات قوتهم، كضرورته لهم في حال ضعفهم، وهو لازم لهم حين يسجلون النصر الحاسم، كما هو لازم لهم حين يواجهون المشكلات الكبرى، ويمسهم القرح والأذى.

2 ـ إننا نلاحظ: أن هذا الإخبار الغيبي لهم بموت عظيم من عظماء الكفار في المدينة، إنما أطلقه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بعد أن أثار الله تعالى فيهم قدراً من الضعف، أو الخوف والاضطراب أمام أمر لا يجدون لهم حيلة فيه، أو طريقاً لتلافيه. وذلك حين هبت ريح شديدة آذتهم، وتخوفوها.. فجاء هذا الخبر ليربط على قلوبهم، وليكون أبعد أثراً في نفوسهم، ولكي يبقى محفوراً في ذاكرتهم، ماثلاً أمام أعينهم، لا يحتاجون في تذكره عند الحاجة إليه إلى بذل أي جهد أو عناء.. وهو خبر مفرح لهم من جهة، ومطمئن لهم إلى أنهم في رعاية الله تعالى، وتحت جناح رسول الله «صلى الله عليه وآله» من جهة أخرى..

كما أن ذلك من شأنه أن يؤكد على علاقتهم بالرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله»، ويزيد من ثقتهم بحسن تدبيره، وبصحة كل قراراته، لأنه متصل بالغيب، ومرعي بعين الله تبارك وتعالى.

3 ـ أما فيما يرتبط بناقته «صلى الله عليه وآله».. فإن الرواية قد صرحت: بأن الله تعالى قد تدخل لفضح نوايا زيد بن اللصيت، ومن هم على شاكلته، وأبطل كيدهم في الانتقاص من مقام النبوة الأقدس، والتشكيك بعلمه الغيب قد جاء  في هذا السياق..

ولكن الأهم من ذلك: هو ظهور حرص رسول الله «صلى الله عليه وآله» على تحصين الناس من الخلل في عقائدهم، حين صرح بما يدل على أن علمه بالغيب لم يكن من خلال ذاته، وإنما بالإستناد إلى الله تعالى، والاتصال به، فقال «صلى الله عليه وآله»: ما أزعم أني أعلم الغيب ولا أعلمه، ولكن الله أخبرني بقول المنافق الخ..

سباق الخيل:

وفي السنة الخامسة أيضاً: أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالسبق بين ما ضمِّر من الخيل، وما لم يضمَّر([3]).

(وعن ابن عمر: أجرى «صلى الله عليه وآله» ما ضمِّر من الخيل) فأرسلها من الحَفْيا ـ بفتح الحاء وسكون الفاء ـ إلى ثنية الوداع. وهو خمسة أميال، أو ستة، أو سبعة.

وأجرى ما لم يضمَّر، فأرسلها من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق، وهو ميل أو نحوه. قال ابن عمر: فوثب بي فرسي جداراً([4]).

وذكر مغلطاي: أنه «صلى الله عليه وآله» في سنة أربع سابق بين الخيل. وقيل: في سنة ست، وجعل بينها سبقاً ومحللاً([5]).

وسابق أبو سعيد الساعدي([6]) على فرس النبي «صلى الله عليه وآله» الذي يقال له: «الظرب»؛ فسبقت غيرها من الخيل. وكساه النبي «صلى الله عليه وآله» برداً يمانياً([7])، بقيت بقية عند أحفاده إلى زمان الواقدي..

وسبق أيضاً أبو أسيد الساعدي على فرس النبي «صلى الله عليه وآله»، اسمه «لزاز»، فأعطاه النبي «صلى الله عليه وآله» حلة يمانية([8]).

وسابق «صلى الله عليه وآله» بين الخيل مرة، وجلس على سلع، فسبقت له ثلاثة أفراس: «لزاز»، ثم «الظرب»، ثم «السكب»([9]).

سباق الإبل أيضاً:

وقالوا: في هذه الغزوة أيضاً: «أوقع «صلى الله عليه وآله» السباق بين الإبل، فسابق بلال (رض) على ناقته القصواء، فسبقت غيرها من الإبل»([10]).

وعن أنس: كان للنبي «صلى الله عليه وآله» ناقة تسمى العضباء، لا تسبق، أو لا تكاد تسبق، فجاء أعرابي على قعود، فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، حتى النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال: حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه([11]).

ونقول:

1 ـ إن هذا كله يدخل في نطاق التدريب العسكري، ورفع مستوى الخبرة الحربية لدى المقاتلين، لأن الإسلام لا يريد لأهله أن يكونوا ضعفاء، بل يريد أن يكونوا دائماً على أهبة الاستعداد للدفاع عن النفس، وعن الدين، وأهل الدين.

غير أن ما يثير الانتباه هنا، أمران:

أحدهما: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يستثني نفسه من هذا الإعداد والاستعداد، بل هو يشارك في إعداد وسائل الحرب، ويجري فرسه مع أفراس غيره، ويأتي فرسه في المقدمة. مما يعني: أنه «صلى الله عليه وآله» قد أعده أفضل إعداد.

الثاني: أن أعظم رجل بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» فضلاً، وعلماً، وجهاداً، هو علي سيد الوصيين، وأمير المؤمنين، هو الذي كان يتولى أمر التدريب على الرمي في المدينة.

وهذا معناه: أن القيادة المسؤولة لا تكتفي بإصدار الأوامر والنواهي للآخرين، ثم تكون في موقع المتفرج الذي يطلب من الآخرين أن يحموه وأن يضحوا بأرواحهم من أجله. بل تكون في موقع الممارسة جنباً إلى جنب مع كل العاملين والمجاهدين.

كما أن مشاركته «صلى الله عليه وآله» ليست مشاركة عادية، بل هي مشاركة قيادية، وعلى أتم وجه، وفي أفضل حالة، بل هي تصل إلى حد أن يكون القمة والقدوة والمعلم فيما يطلب من الآخرين أن يتعلموه، وأن يحسنوه، ثم يكون ما أعده هو الأمثل والأفضل، ولا يرضى بالمساواة مع ما أعده غيره.

2 ـ إن هذه المسابقات ربما تكون لإعداد آلة الحرب، وهي الخيل والإبل التي يراد رفع مستوى تحملها، ويراد اكتشاف الصالح والأصلح منها، ليمكن الاستفادة منها في المواقع المناسبة في الظروف الحساسة..

3 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» لا يكتفي بإجراء السباق بين ما ضمِّر من الخيل. بل هو يسابق أيضاً بين ما لم يضمَّر، ثم هو يجعل له ميداناً ومدى أقصر من مدى الخيل المضمَّرة، آخذاً بنظر الاعتبار أيضاً قدرات ذلك النوع من الخيل.

ولعل ذلك يعود: إلى أن الخيل غير المضمَّرة أيضاً لها دورها في تسيير الأمور في حالات الحرب، وفي تسريع التنقلات، وإمداد المقاتلين في الجبهات بما يحتاجون إليه من مؤن وعتاد، وغير ذلك..

كما أنه لا بد للقائد الحكيم والمدبر من أن يحتاط للأمر، إذ ربما يحتاج في حالات معينة إلى الاستفادة من هذه الخيل حتى في ساحات القتال..

4 ـ وهكذا يقال بالنسبة للسباق بين الإبل، فإنها كانت هي الوسيلة الأفضل للتنقل في المسافات البعيدة، وقطع البوادي الشاسعة، في بلاد تقل فيها الينابيع، ويشتد فيها الحر، وتمس الحاجة فيها إلى الإبل القادرة على قطع تلك المسافات، وعلى تحمل العطش أياماً في تلك الأجواء الحارة.

5 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد جعل للفائزين في السباق جوائز تشجعهم على تحسين الأداء في المستقبل، لتكون هذه الجوائز شارة عز على صدورهم من جهة، وحافزاً لغيرهم ليحسن الإعداد والاستعداد للمرات اللاحقة من جهة أخرى.. ولتكون بمثابة معونة للفائزين، الذين قد يكونون بحاجة إلى أمثالها، من جهة ثالثة.

6 ـ أما ما ذكرته بعض الروايات، من أن أعرابياً سبق على قعوده ناقة رسول الله «صلى الله عليه وآله» المسماة بـ «العضباء»، فشق ذلك على المسلمين وعلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فإننا لا نكاد نفقه له معنى مقبولاً، لأنه إذا كان سبب انزعاج المسلمين ورسول الله «صلى الله عليه وآله» هو كون السابق أعرابياً، فإن أعرابيته لا تلغي حقه، ولا تسقط كرامته عند الله، ولا توجب حرمانه من الامتيازات التي يستحقها.

وإن كان السبب هو انتساب العضباء إلى الرسول «صلى الله عليه وآله»، فإن ذلك يثير علامة استفهام حول صدقية سبق أفراس، وإبل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لأن الناس ما كانوا يرضون بأن تسبق، بل إنهم كانوا يعلمون: أن ذلك يزعج الرسول «صلى الله عليه وآله»، وهذا يجعلهم يترددون في التقدم على أفراسه، وإبله «صلى الله عليه وآله»..

ولا مجال لقبول الزعم: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يعتبر المسألة مسألة شخصية بالنسبة إليه، بحيث يكون سبق الأعرابي على قعوده لناقته حطاً من مقامه، وإنقاصاً من قدره.

فإن ذلك ليس فقط يعد طعناً في النبوة، بل هو طعن في توازن شخصيته، وسلامة تفكيره «صلى الله عليه وآله»..

7 ـ ويجوز لنا أن نحتمل: أنه قد كان هناك تعمد للتقليل من شأن العضباء، واعتبارها قد انحط مقامها، ووضع ما ارتفع منها. وبيان أن هذه الناقة التي كانت قوتها مصدر اعتزاز للمسلمين، ولم يكن لها منافس، قد وجد ما تفوَّق عليها من إعرابي عابر.

ونحن وإن كنا لا نملك شيئاً يفيد في تأييد هذا الاحتمال، ولكننا نتجرأ على إطلاقه في ساحات التداول لأننا نعرف أن ثمة كرهاً عميقاً لأهل البيت «عليهم السلام» وكل ما له أدنى ارتباط بهم، وأقل انتساب إليهم.

ولهذه الناقة التي يتحدثون عنها خصوصية تثير ذلك الحقد الدفين، وتدعوهم إلى الحط من قدرها، وإثارة ما يوجب الاستخفاف في أمرها.

وهذه الخصوصية هي: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال للعضباء عند وفاته: أنت لابنتي فاطمة «عليها السلام» تركبك في الدنيا والآخرة.

فلما قبض أتت إلى فاطمة «عليها السلام» ليلاً، فقالت: السلام عليك يا بنت رسول الله قد حان فراقي الدنيا الخ..»([12]).

سقوطه عن الفرس ونسخ حكم شرعي:

قالوا: وفي شهر ربيع الأول، أو في ذي الحجة من سنة خمس سقط رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن فرسه، فجحشت([13]) ساقه، أو كتفه، وجرحت فخذه اليمنى. ولما رجع إلى المدينة أقام في البيت خمساً (أياماً) يصلي قاعداً([14]).

وحسب نص آخر: جحش فخذه الأيمن.

وفي الصحيحين: جحش شقه الأيمن.

وفي غيره: انفكت قدمه([15]).

وفي رواية: أن الأصحاب كانوا يقتدون به قياماً، فأمرهم بالجلوس، وقال: إنما جعل الإمام إماماً ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا جلس فاجلسوا.

قال الدياربكري: «لكن عند أكثر العلماء هذا الحديث منسوخ؛ لأنه صح أن النبي «صلى الله عليه وآله» صلى في مرض موته جالساً، والأصحاب اقتدوا به قياماً، والنبي «صلى الله عليه وآله» قرره»([16]).

قال الأشخر اليمني: إنه «صلى الله عليه وآله» «كان يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر والناس يصلون خلفه قياماً، كما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة.

هذا هو الصواب، أنه «صلى الله عليه وآله» كان هو الإمام، كما هو صريح الحديث الذي سقته، وهو لفظ مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده عن عائشة الخ..»([17]).

ونقول:

إننا نشك في صحة هذا الحديث بلحاظ شكنا ببعض خصوصياته:

فأولاً: إننا لا نجد مبرراً لسقوطه «صلى الله عليه وآله» عن ظهر فرسه، إلا إذا فرض أنه يعاني من ضعف جسدي، نتيجة مرض مَّا، أو أن سقوطه بسبب أن الفرس جموح، وكلاهما لا شيء في الروايات يشير إليه، أو يدل عليه.

وليس لنا أن نحتمل: أن يكون «صلى الله عليه وآله» لا يحسن ركوب الفرس، ولا بالتماسك فوق ظهره، فإن ذلك من النقص الذي لا يصح نسبته إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا سيما بعد أن قضى سنوات، يمارس فيها الحروب ضد أعدائه. وكان «صلى الله عليه وآله» يركب الفرس فيها، ويكون هو الأقرب إلى العدو من كل أحد.. مع تعرض الفرس أثناء الحرب لكثير من المحفزات للحركة، وربما تنالها بعض الطعنات، ويلحق بها بعض الجراح أيضاً.

ثانياً: إن الروايات تقول: إنه قد جحشت ساقه، أو فخذه، أو شقه الأيمن، فمع الاقتصار على خصوص ما ورد في هذا النص باعتباره هو المعتمد، والأكثر شيوعاً.

ونقول:

معنى كلمة «جحشت: تقشر جلدها» ومن الواضح: أن تقشر الجلد لا يوجب العجز عن القيام في الصلاة.. فما معنى قولهم: إنه «صلى الله عليه وآله» كان يصلي قاعداً.. وهو ـ على الأقل ـ يقدر على التكبير والقراءة من قيام، ومع القدرة على ذلك، فإن الصلاة من جلوس لا تجزي.

ثالثاً: دعواهم نسخ ذلك بما جرى في آخر حياته «صلى الله عليه وآله».. حيث صلى الناس حينئذٍ قياماً، خلفه، وهو جالس، فقررهم «صلى الله عليه وآله» على ذلك.

إن هذه الدعوى: غير ظاهرة الوجه، إذ لم نجد ما يدل على أنه «صلى الله عليه وآله» قد أمرهم بالقيام، فإن كانوا قد بادروا هم إلى القيام خلفه وهو جالس، من دون أن يأمرهم بذلك، فقررهم على فعلهم.

فالسؤال هو: لماذا وقف الصحابة خلفه، مع أنه «صلى الله عليه وآله» كان قد أمرهم في حادثة وقوعه عن الفرس بأن يصلوا من جلوس، إذا كان الإمام يصلي جالساً. بل كان عليهم أن يبادروا إلى الجلوس، التزاماً بما كان قد علمهم إياه. فلماذا انعكس الأمر؟!

رابعاً: إن دعوى النسخ لا مجال لقبولها، لأنهم يقولون: إن النبي «صلى الله عليه وآله» حين أمر الناس بالجلوس في صلاتهم خلفه قد علل ذلك بقوله: «إنما جعل الإمام إماماً ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا الخ..»([18]).

فهذا التعليل يمنع من النسخ؛ إذ إن كانت العلة للجلوس هي أن الإمام قد جعل إماماً في جميع الأحوال، فمن الواضح: أنه لم يطرأ شيء يوجب زوال هذه العلة، بل هي لا تزال باقية على حالها، فلا مبرر لادِّعاء النسخ مع بقاء علة ثبوت الحكم.

خامساً: إن ظاهر الرواية التي ذكرت هذا التعليل هو: أنها تريد بيان لزوم متـابعة الإمـام في أفعـاله الصلاتية، فإذا ركع ركعوا، وإذا جلـس جلسوا. وإذا قام قاموا ـ من حيث إن هذه هي أفعال الصلاة ـ.

وليس المقصود: أنه إذا طرأ على الإمام ما يمنعه من القيام، فإن حكمهم يصير هو عدم القيام، إذ لا يصح القول: إذا صلى راكعاً صلوا معه راكعين، وإذا صلى ساجداً أو نائماً فعليهم أن يصلوا نائمين أو ساجدين، وإذا صلى بالإيماء صلوا بالإيماء!! فإنه ليس هناك صلاة على هذه الصفة ولا تلك.

وهذا يعطينا: أن عبارة: «وإذا صلى قاعداً، فصلوا قعوداً أجمعون» مقحمة في هذه الرواية، أو محرفة عن قوله: «وإذا قعد فاقعدوا».

الصحيح في قضية الصلاة:

والصحيح في هذه القضية: هو ما روي عن أبي جعفر «عليه السلام»: من أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» صلى بأصحابه جالساً، فلما فرغ قال: «لا يؤمّن أحدكم بعدي جالساً»([19]).

فيكون جواز اقتداء القائم بالجالس من خصائص رسول الله «صلى الله عليه وآله»([20]).

بركات وفوائد:

وقد كان من بركات هذه الخصوصية: أنها قد فضحت من حاول التعدي على مقام ليس له، والتصدي لما لم يؤذن له به، بهدف التوصل إلى تبرير اغتصاب أعظم مقام بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأعني به مقام الإمامة.

الصحيح في قضية السقوط عن الفرس:

أما حديث سقوطه «صلى الله عليه وآله» عن فرسه فلعل له أصلاً أيضاً، إذا كانوا قد تعمدوا التعتيم على بعض التفاصيل وتجاهلها، مثل أن يكون بعض المنافقين قد نفَّروا به فرسه، حتى وقع عن ظهره، تماماً كما حاولوا قتله بتنفير ناقته به «صلى الله عليه وآله». وذلك أشهر من أن يذكر.

ولعل حساسيتهم تجاه هذا الأمر، هي التي منعت الإمام الصادق «عليه السلام» من ذكر التفاصيل أيضاً، رغم أنه قد صرح به، فقد روي عنه «عليه السلام» قوله:

كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقع عن فرس، فسحج (أي قشر) شقه الأيمن، فصلى بهم جالساً في غرفة أم إبراهيم([21]).

الزلزال في المدينة:

وزعموا: أنه في سنة خمس من الهجرة زلزلت المدينة، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن الله عز وجل يستعتبكم فأعتبوه([22]).

ونقول:

إن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ..([23]). والناس يخافون من الزلزلة، ويرون أنها مصيبة، بل هم يرون أنها عذاب لهم.

وهم لا يشعرون بالأمن إذا كانت الزلازل تهددهم، مع أن الأحاديث الشريفة قد صرحت: بأن الأئمة «عليهم السلام» أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء([24]).

ولسوف يتعاظم شعورهم بالسكينة وبالأمن من الزلازل والصواعق، حين يكون الرسول «صلى الله عليه وآله» بين ظهرانيهم.

فحدوث الزلزال والحال هذه سوف يزعزع يقينهم هذا، وسيصيبهم بخيبة أمل، وربما بصدمة عنيفة. وسيثير في أنفسهم الريبة والشك في صحة ما يرونه ويشاهدونه، والله أكرم عليهم، وأرحم بهم، من أن يعرِّضهم لهذا الامتحان الصعب.

ولعل مما يشير إلى ما ذكرناه: ما روي عن أمير المؤمنين «عليه السلام»، قال: إن إبراهيم مرَّ ببانقيا([25])، فكان يزلزل بها، فبات بها، فأصبح القوم ولم يزلزل بهم.

فقالوا: ما هذا؟ وليس حدث!

قالوا: ههنا شيخ ومعه غلام له.

قال: فأتوه، فقالوا له: يا هذا، إنه كان يزلزل بنا كل ليلة، ولم يزلزل بنا هذه الليلة، فبت عندنا، فبات ولم يزلزل بهم..

ثم تذكر الرواية: أنه اشترى منهم منطقة النجف([26]).

فحضور إبراهيم «عليه السلام» في بلدهم قد منع الزلزال عنهم، فكيف لا يمنع حضور النبي «صلى الله عليه وآله»  الزلزال عن أهل المدينة؟!

إلا إذا فرض وجود مصلحة في إحداث هذا الزلزال، كما أشير إليه في بعض الروايات، ففي توحيد المفضل، قال: إن الزلزلة وما أشبهها، موعظة، وترهيب، يرهب بها الناس ليرعووا وينزعوا عن المعاصي([27]).

وكذا الحال لو أريد إظهار آية أو مقام للإمام «عليه السلام»([28]).

النهي عن ادِّخار لحوم الأضاحي:

وفي السنة الخامسة أيضاً: دفَّت دافَّة العرب، أي اجتمعت جموعها وقدموا المدينة، فنهى النبي «صلى الله عليه وآله» عن ادِّخار لحوم الأضاحي، فوق ثلاث، ثم رخص لهم في الادِّخار ما بدا لهم([29]).

والظاهر: أنه «صلى الله عليه وآله» أراد بهذا الإجراء توفير الطعام للعرب الذين اجتمعوا في المدينة، لأن ادِّخار لحوم الأضاحي سوف يقلل من كميات اللحوم التي تعرض في السوق، فإذا كان هناك ازدياد في عدد الناس الذين يحتاجون إلى الغذاء، وكان هناك نقص في كميات اللحوم المعروضة فإن ذلك سيوقع الناس في حرج وإرباك، أو يتسبب في غلاء بعض السلع الأخرى المتداولة. فنهى النبي «صلى الله عليه وآله» الناس عن ادِّخار اللحوم، وألزمهم بعرضها، من أجل تلبية حاجات الناس إليها.

وهذا هو أحد الموارد التي ينشئ الحاكم فيها أوامره التدبيرية، في أمور عامة، ويكون لهذه الأوامر تأثيرها على حق الناس في تصرف بعينه، فيحظر عليهم استعمال هذا الحق، رعاية لصالح المجتمع المسلم.

وبذلك يكون الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» قد وضع قانون حماية المستهلك من خلال إغراق السوق بالسلع، لكي لا تتسبب قلتها بارتفاع الأسعار والإجحاف بحقه.

فرض الحج:

قالوا: وفي السنة الخامسة نزلت فريضة الحج. لكن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أخَّره إلى السنة العاشرة، من غير مانع، فإنه خرج في ذي القعدة من السنة السابعة لقضاء العمرة ولم يحج، وفتح مكة في رمضان السنة الثامنة، ولم يحج. وبعث أبا بكر أميراً على الحاج في السنة التاسعة، وحج «صلى الله عليه وآله» في السنة العاشرة، وهي المعروفة بحجة الوداع.

وقالوا: اختلف في وقت فرض الحج، فقيل: قبل الهجرة، ووصفوا هذا القول بالغرابة، والمشهور بعدها.

وقيل: في الرابعة وقيل: سنة خمس. وكذا في المنتقى، وجزم به الرافعي في موضع، وقيل سنة ست، وصححه الرافعي أيضاً في موضع آخر، وكذا النووي، وهو قول الجمهور.

وقيل: في سبع، وقيل: في ثمان، وكذا في مناسك الكرماني أيضاً. ورجحه جماعة من العلماء.

وقيل: في تسع وصححه عياض.

وقيل: في العاشرة([30]).

واستدل القائلون: على فرض الحج في سنة ست: بأن قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ..﴾ قد نزل في سنة ست..

وقد يناقش في هذا الدليل بأن قوله: ﴿وَأَتِمُّواْ..﴾ يراد به الإكمال بعد الشروع، وليس المراد به ابتداء الفرض([31]).

وقد ذكر الحج في قصة ضـمام بن ثعلبة، وكـان قـدومـه ـ على قـول الواقدي ـ :  سنة خمس([32]).

واستدل القائلون، على فرض الحج في سنة تسع: بأن فرضه قد جاء في أوائل سورة آل عمران، وصدر هذه السورة قد نزل في سنة تسع، وفيها قدم وفد نجران، وصالحهم على الجزية، والجزية نزلت عام تبوك في سنة تسع([33]).

ونقول:

1 ـ قد ذكرنا في بحث لنا حول آيات الغدير([34]): أن الله كان ينزل سورة كاملة، أو شطراً كبيراً من السورة دفعة واحدة إذا كانت من الطوال، ثم يبدأ نزول آياتها تدريجياً، كلما حدث ما يقتضي ذلك.

فلعل سورة آل عمران قد نزلت في أول الهجرة، وإن كانت المناسبات التي اقتضت إعادة إنزال بعض آياتها قد تأخرت إلى سنة تسع..

واستدل القائلون بأن الحج قد فرض قبل الهجرة بما يلي:

1 ـ عن ابن عباس: أن النبي «صلى الله عليه وآله» حج قبل أن يهاجر ثلاث حجج([35]).

2 ـ عن ابن الأثير: أنه «صلى الله عليه وآله» كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر([36]).

3 ـ وعن الثوري: حج النبي «صلى الله عليه وآله» قبل أن يهاجر حججاً([37]).

4 ـ وقال ابن الجوزي: حج حججاً لا يعلم عددها([38]).

5 ـ وقال الحبر الطبري: حج «صلى الله عليه وآله» قبل الهجرة حجتين([39]).

6 ـ عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال: لم يحج النبي «صلى الله عليه وآله» بعد قدومه المدينة إلا واحدة، وقد حج بمكة حجات([40]).

7 ـ وعنه «عليه السلام»: حج رسول الله «صلى الله عليه وآله» عشر حجات، مستسراً في كلها([41]).

8 ـ عنه «عليه السلام»: حج رسول الله «صلى الله عليه وآله» عشرين حجة([42]).

9 ـ وعن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله «عليه السلام»: أنه «صلى الله عليه وآله» قد حج عشرين حجة غير حجة الوداع([43]).

وهناك أقوال أخرى، فلتراجع في مظانها.

ولا منافاة بين روايات العشرة والعشرين، فإن العشرة التي استسر بها هي تلك التي كانت في المدينة.

10 ـ وقد يمكن تأييد ذلك: بأن الحج قد شرع في مكة بما روي عن أبي عبد الله «عليه السلام»، قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَأَتِمُّواْ الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ..﴾ وإنما نزلت العمرة بالمدينة([44]) ونحوه غيره([45]).

ملاحظات وتوضيحات:

ونحن نسجل هنا الملاحظات والتوضيحات التالية:

ألف: إن حج النبي «صلى الله عليه وآله» بعد الهجرة سراً قد يكون بالاحتجاب عن الناس بطريقة التدخل الإلهي الإعجازي، فإن الله سبحانه قادر على كل شيء.

ب: قد يقال: إن حج النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن لأجل أن الحج كان قد فرض، فلعله كان آنئذٍ على صفة الندب، أو لعله كان واجباً على رسول الله «صلى الله عليه وآله» دون غيره ثم وجب على الناس بعد ذلك.

ولكن الرواية الأخيرة تؤكد: أن الحج والعمرة كانا واجبين على الخلق كلهم.

وعلى كل حال: فإن أحداً لا يستطيع أن ينفي فرض الحج على الناس في مكة، فلعله قد شرع وأبلغه النبي «صلى الله عليه وآله» إلى من أسلم معه، وكانوا يحجون مع الناس، دون أن يظهر منهم ما يوجب الصدام معهم، لأن المشركين أيضاً كانوا يحجون، وإن كان في حجهم مخالفات وتحريفات..

وربما يكون المسلمون قد استعملوا التقية في هذا الأمر، إما في طريقة الأداء، أو بامتناعهم عن الحج، بسبب المخاطر التي تواجههم فيه.

وأما الحج بعد الهجرة، فحتى لو أن النبي «صلى الله عليه وآله» أبلغهم بوجوبه عليهم، فإنهم لم يكونوا قادرين على القيام به، بسبب الحروب القائمة بينهم وبين أهل مكة.. وقد استمر هذا الأمر إلى ما بعد الفتح، كما هو معلوم..

النبي يحيي الموتى:

وفي السنة الخامسة، أو في غيرها كانت قصة أولاد جابر.

فقد روي: أن جابراً دعا النبي «صلى الله عليه وآله» ذات يوم إلى القِرى، فأجابه «صلى الله عليه وآله». وجاء وجلس، ففرح جابر، وذبح له حَمَلاً ليشويه.

وكان لجابر ولدان صغيران، فطلب الكبير من الصغير أن يريه كيف ذبح أبوه الحَمَل، فأضجعه، وربط يديه، ورجليه، ثم ذبحه، وحزَّ رأسه، وجاء به إلى أمه. فدهشت، وبكت، فخاف الصبي، وهرب إلى السطح، فتبعته فرمى بنفسه عنه، فمات أيضاً.

فسكتت المرأة، وأدخلت ابنيها البيت، وغطتهما بمسح في ناحية من البيت. واشتغلت بطبخ الحَمَل، وكانت تخفي الحزن، وتظهر السرور، ولم تُعلم زوجها بالأمر.

فلما تم الطبخ، وقرب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» جاءه جبرئيل، وقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تأكل مع أولاد جابر.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذلك لجابر، فطلب جابر ابنيه. فقالت امرأته: إنهما ليسا بحاضرين.

فأخبر جابر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بذلك، فقال: إن الله يأمرك بإحضارهما.

فرجع إلى امرأته فأخبرها، فبكت، وكشفت له الغطاء عنهما، فتحير جابر، وبكى، وأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» بالأمر. فنزل جبرئيل، وقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تدعو لهما، ويقول: منك الدعاء، ومنا الإجابة والإحياء.

فدعا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فحييا بإذن الله([46]).

وفي مناسبة أخرى: ذبح جابر شاة، وطبخها، وثرد في جفنة، وأتى به رسول الله «صلى الله عليه وآله». فأكل القوم. وكان «صلى الله عليه وآله» يقول لهم: كلوا ولا تكسروا عظماً. ثم إنه «صلى الله عليه وآله» جمع العظام، ووضع يديه عليها، ثم تكلم بكلمات، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها([47]).

ونقول:

إن لنا مع هذه الروايات وقفات، هي التالية:

التقليد والمحاكاة:

إن ما ذكرته الرواية عن ذبح الولد لأخيه ليس أمراً محالاً، ولا غريباً. بل له نظائر عبر التاريخ وإلى يومنا هذا؛ فإن اتجاه الأطفال نحو التقليد  والمحاكاة أمر معروف ومألوف للناس، ويرون مظاهره وشواهده في أطفالهم باستمرار.

ولكن تصرف أم الطفلين هو الذي يثير الدهشة حقاً، فكيف واجهت هذه الصدمة بمجرد البكاء، ثم لم تفقد وعيها، ولم تصرخ، ولم تولول، ليجتمع الناس إليها، ويسألوها عما جرى؟!

بل كيف أطاقت حمل طفليها إلى ناحية البيت؟!

وكيف استطاعت أن تقف على رجليها، وتصلح الطعام لرسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

ثم هي لم تخبر زوجها بما جرى؟! بل زادت على ذلك كله: أنها كانت تخفي الحزن، وتظهر السرور برسول الله «صلى الله عليه وآله».

قيمة الدعاء وآثاره:

إن اللافت هو: أن الله تعالى هو الذي أمر جبرئيل بأن يخبر الرسول «صلى الله عليه وآله» بأن عليه أن يدْعو للطفلين، وأن يطلب من الله إحياءهما، ويعده بالإجابة له..

ألا يدل ذلك على: أن الله عز وجل يريد أن يعرِّف الناس بمقام نبيه «صلى الله عليه وآله» عنده، ومحله لديه، وأن يربط على قلوبهم، ويزيد ثقتهم بالله سبحانه، وبالرسول وبالرسالة؟!

كما أنه يريد: أن يعرف الناس بضرورة أن يكون كل شيء حتى الدعاء بأذن من الله سبحانه وبرضاه.

يضاف إلى ذلك: تعريفهم بقيمة الدعاء، وبأنه داخل في سلسلة العلل للتأثير في الكائنات، حتى ما كان بمستوى إحياء الموتى، وليكن إرسال جبرئيل للنبي «صلى الله عليه وآله» ـ ليبلغه أمر الله تعالى له بالدعاء لهما ـ إعلام بهذه الحقيقة الخطيرة والهامة جداً.

التشكيك الخفي:

هذا.. وقد علق الدياربكري على حديث إحياء ولدي جابر بقوله:  «كذا في شواهد النبوة، لكنها لم تشتهر اشتهاراً»([48]).

ونقول:

إنه يقصد: أن إحياء الموتى حدث عظيم، وهائل، من المفترض أن يطير خبره في كل اتجاه.. فإذا لم يحصل ذلك، كان هناك مبرر للتشكيك في صحة النقل.

غير أننا نقول: إن الآيات والمعجزات تارة تكون في مقام التحدي، ومن أجل إثبات النبوة للجاحدين والطغاة مثلاً.. فمن المفترض أن تظهر في الملأ العام، وأن يكون ثمة اهتمام بنشر أخبارها، والتعريف بآثارها..

وتارة يكون المقصود بها: تكريم عبد صالح، وتأكيد اليقين في قلبه، وبعث السكينة في نفسه، من دون أن يكون ثمة غرض من إشاعة أخبارها، بل قد تكون المصلحة في كتمانها، إذا كان نشرها يعطي الفرصة لأصحاب الأهواء للتشكيك بها، أو التسبب ببعض أشكال الحرج لمن يراد تكريمهم وإعزازهم، والحفاظ عليهم.

وهناك أقسام أخرى أشرنا إليها في كتابنا: رد الشمس لعلي «عليه السلام»، فيمكن الرجوع إليه.

لا تكسروا عظماً:

ونحن لا نشك في: أن الله تعالى يحيي الشاة بدعاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، سواء أكسروا عظامها أم تركوها سالمة، ولكننا نحتمل أن يكون أمر النبي «صلى الله عليه وآله» للآكلين بأن لا يكسروا عظماً لسببين:

أحدهما: أن لا يغلو صغار العقول برسول الله «صلى الله عليه وآله»، بزعم أنه هو الله، استناداً إلى قوله تعالى: ﴿..قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ..﴾.

الثاني: التوطئة لإظهار هذه المعجزة، وتهيئتهم للاستفادة منها في تقوية إيمانهم إلى أقصى حد ممكن، وذلك حين يعرفون: أن القضية أكثر من مجرد كرامة أظهرها الله لنبيه «صلى الله عليه وآله»، دون أن يكون له «صلى الله عليه وآله» دور في صنعها وإظهارها.. بل هي عمل مقصود لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، سعى إليه خطوة خطوة حتى أتمه وأنجزه وفق ما خطط وأراد، الأمر الذي يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى قد أعطاه القدرة على صنع ما هو من هذا القبيل، ويبلغ هذا الحد أيضاً، فهذا من شؤونه، ومن وظائفه وصلاحياته كنبي ورسول.

إسلام خالد وعمرو بن العاص:

وزعموا: أن خالداً وعمرو بن العاص أسلما في السنة الخـامسة من الهجرة([49]).

ولكن سيأتي، إن شاء الله: أن الصحيح هو: أن إسلام خالد، كان في سنة سبع.

قال ابن حجر: ووهم من زعم أنه أسلم سنة خمس([50]).

وأسلم عمرو بن العاص سنة ثمان.

وقيل: بين الحديبية وخيبر([51]).


 ([1]) راجع: البحار ج20 ص284 وتاريخ المدينة ج1 ص353 والبداية والنهاية ج3 ص294 وعيون الأثر ج1 ص280 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص349 والمصادر الآتية في الهامش التالي.

([2]) تاريخ الخميس ج1 ص472 والسيرة الحلبية ج2 ص289 و 290 وراجع تفصيل القصة في: دلائل النبوة للبيهقي ج4 ص59 ـ 62 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص16 و 17 و 22 وراجع ج2 ص349 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص262 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص304 و 305 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص272.

([3])  تضمَّر الخيل: يظاهر عليها بالعلق مدة ثم تغشى بالجلال ولا تعلف إلا قوتاً حتى تعرق فيذهب كثرة لحمها وتصلب.

([4]) تاريخ الخميس ج1 ص502 و 503 وأنساب الأشراف ج1 ص510 والجامع الصحيح للترمذي ج3 ص120 وتحفة الأحوذي ج5 ص285 وفتح الباري ج6 ص54 والمصنف ج5 ص304.

([5]) سيرة مغلطاي ص55 ومجمع الزوائد ج5 ص263 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص393.

([6]) لعل الصحيح: أبو أسيد الساعدي، كما هو الحال في المصادر الأخرى.

([7]) سبل الهدى والرشاد ج7 ص394.

([8]) راجع: أنساب الأشراف ج1 ص510 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص394.

([9]) أنساب الأشراف ج1 ص510.

([10]) المبسوط ج6 ص290 وسنن أبي داود ج5 ص437 ومجمع الزوائد ج10 ص254.

([11]) تاريخ الخميس ج1 ص502 وأنساب الأشراف ج1 ص512 وأسد الغابة ج1 ص22 و 23 والبحار ج60 ص14 ومسند أحمد ج3 ص103 وسنن أبي داود ج2 ص437 والسنن الكبرى ج10 ص17 و 25 ومجمع الزوائد ج10 ص255 ومنتخب مسند عبد بن حميد ص398 ومسند الشهاب ج2 ص119 ورياض الصالحين ص319 وفيض القدير ج5 ص230 وكشف الخفاء ج1 ص363 وج3 ص190 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج3 ص220 ومجمع البيان ج10 ص494 والجامع لأحكام القرآن ج9 ص42 و 146 وتهذيب الكمال ج1 ص211 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص420 وأحكام القرآن ج3 ص649 وغير ذلك.

([12]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص86 والبحار ج17 ص417 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص37 وبيت الأحزان للشيخ عباس القمي ص33.

([13]) جحشت ساقه: أي تقشر جلدها.

([14]) تاريخ الخميس ج1 ص502 والبحار ج20 ص298 وراجع: وفاء الوفاء ج1 ص310 وبهجة المحافل ج1 ص296 وتحفة الأحوذي ج2 ص291 ونصب الراية ج2 ص53 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص166 وعن البخاري ج1 ص100.

([15]) راجع: شرح بهجة المحافل ج1 ص296 واختلاف الحديث للشافعي ص66 والمصنف لابن أبي شيبة ج2 ص224 وج8 ص377 وفتح الباري ج1 ص410 ومسند الحميدي ج2 ص502 وصحيح مسلم بشرح النووي ج4 ص130 و 131 والمصنف للصنعاني (ط سنة 1423هـ) ج2 ص188 و 189 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص166 وإرواء الغليل ج2 ص119 ومسند أحمد ج3 ص200.

([16]) تاريخ الخميس ج1 ص502 و 503 وبهجة المحافل ج1 ص296 وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ص296 واختلاف الحديث للشافعي ص67 وراجع: المصنف لابن أبي شيبة ج2 ص224 وج8 ص377 وعون المعبود (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص218 و 219 والموطأ ج1 ص135 وتحفة الأحوذي ج2 ص291 ـ 295 وسير أعلام النبلاء ج23 ص130.

([17]) راجع شرح بهجة المحافل ج1 ص296.

([18]) راجع هذه الفقرة في المصادر التالية: إختلاف الحديث ص66 و 67 وسنن البيهقي ج2 ص97 و 303 وج3 ص78 و 79 وحلية الأولياء ج3 ص373 = = ومصنف عبد الرزاق (ط سنة 1423 هـ) ج2 ص188 و 189 وجمع الجوامع للسيوطي ج2 ص325 والأدب المفرد ص360 وفتح الباري ج2 ص216 وسنن أبي داود كتاب الصلاة باب 69 وسنن النسائي كتاب الصلاة باب 4 والمصنف لابن أبي شيبة ج2 ص224 ـ 227 وج8 ص377 و 378 ومسند الحميدي ج2 ص502 وتحفة الأحوذي ج2 ص292 وصحيح مسلم (بشرح النووي) ج4 ص130 ـ 132 وسنن الدارمي (ط سنة 1407) ج1 ص319 وسير أعلام النبلاء ج23 ص130 وكنز العمال ج8 ص278.

([19]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص249 ووسائل الشيعة (ط سنة 1385هـ) ج5 ص415.

([20]) راجع: غوالي اللآلي ج2 ص224.

([21]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص250 ووسائل الشيعة (ط سنة 1385هـ) ج5 ص415.

([22]) تاريخ الخميس ج1 ص502 وأسد الغابة ج1 ص22، وراجع: سيرة مغلطاي ص55 والمصنف لابن أبي شبة ج2 ص357 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص63 وعيون الأثر ج2 ص356 والغدير ج8 ص84.

([23]) الآية 33 من سورة الأنفال.

([24]) راجع: البحار ج27 ص300 و 308 ـ 310 وج36 ص291 و 342 وج23 ص6 و 19 و 37 وج24 ص67 وج53 ص181 وج75 ص380 والعمدة ص161 وذخائر العقبى ص17 وعن ينابيع المودة ص20 والطرائف ص131.

([25]) بانقيا: قرية بالكوفة.

([26]) راجع: البحار ج97 ص226 وج12 ص77 عن علل الشرايع ومستدرك سفينة البحار ج1 ص429.

([27]) البحار ج57 ص130 وج3 ص121 والتوحيد ص91 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص303.

([28]) راجع: البحار ج7 ص111 و 112 وج41 ص253 و 254 و 271 و 272 وج42 ص17 وج57 ص129 وراجع ج25 ص379 وج12 ص24 وج49 ص82 وج50 ص46.

([29]) الفصول المختارة ص131 والطرائف ص193 وغوالي اللآلي ج1 ص45 وسنن ابن ماجة ج2 ص1055 والبحار ج10 ص442 وتاريخ الخميس ج1 ص503 ووفاء الوفاء ج1 ص310 والبرهان للزركشي ج2 ص42 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص233 وشرح معاني الآثار ج4 ص189 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص115 وتأويل مختلف الحديث ص184 و 187.

([30]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص503 والبحار ج20 ص298 والمواهب اللدنية ج2 ص323 ووفاء الوفاء ج1 ص316 و 317 وراجع ص315 والسيرة الحلبية ج2 ص278 وسيرة مغلطاي ص57 وبهجة المحافل ج1 ص280 و 281 وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج1 ص280 و 281 وعون المعبود ج5 ص253.

([31]) راجع: المواهب اللدنية ج2 ص323.

([32]) المواهب اللدنية ج2 ص323.

([33]) المواهب اللدنية ج2 ص323.

([34]) راجع كتابنا: مختصر مفيد ج4 ص45.

([35]) المواهب اللدنية ج2 ص324 عن ابن حبان والحاكم.

([36]) المواهب اللدنية ج2 ص324 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص444 وفتح الباري ج8 ص80.

([37]) المواهب اللدنية ج2 ص324 وفتح الباري ج8 ص80 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص444 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص55.

([38]) المواهب اللدنية ج2 ص324 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص444.

([39]) شرح بهجة المحافل ج1 ص281 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص152 والبحار ج21 ص398 وأحكام القرآن ج3 ص302.

([40]) الكافي ج4 ص244 وتهذيب الأحكام ج5 ص443 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج8 ص588 والبحار ج18 ص280 وج21 ص399.

([41]) الكافي ج4 ص244 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج8 ص88 و 89 وتهذيب الأحكام ج5 ص458.

([42]) الكافي ج4 ص245 و 252 وعلل الشرائع ج2 ص450 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص238 وتهذيب الأحكام ج5 ص443 و 459 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج10 ص16 و 37 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص152 والبحار ج20 ص398 و 399 و 407 وج96 ص39 ومستدرك الوسائل ج1 ص285.

([43]) الكافي ج4 ص251 و 244 و 245 وراجع: مسند أحمد ج3 ص134 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج8 ص94.

([44]) الكافي ج4 ص265.

([45]) مستطرفات السرائر ص575 والبحار ج15 ص361 وج21 ص399 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج8 ص94.

([46]) تاريخ الخميس ج1 ص500 عن شواهد النبوة.

([47]) تاريخ الخميس ج1 ص500 عن المواهب اللدنية عن أبي نعيم، وسبل الهدى والرشاد ج1 ص14.

([48]) تاريخ الخميس ج1 ص500.

([49]) وفاء الوفاء ج1 ص310.

([50]) الإصابة ج1 ص413.

([51]) الإصابة ج3 ص2.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان