قال الصالحي الشامي:
قال محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما: بعث رسول
الله
«صلى الله عليه وآله»
إلى قريش خراش بن أمية على جمل لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»
يقال له: الثعلب، ليبلغ عنه أشرافهم بما جاء له، فعقر عكرمة بن أبي جهل
الجمل، وأرادوا قتله، فمنعه الأحابيش، فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
ولم يكد، فأخبر رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
بما لقي([1]).
وروى البيهقي عن عروة قال:
لما نزل رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
الحديبية فزعت قريش لنزوله إليهم، فأحب أن يبعث إليهم رجلاً من أصحابه،
فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى قريش، فقال: يا رسول الله، إني أخاف
قريشاً على نفسي، وقد عرفت قريش عداوتي لها، وليس بها من بني عديّ من
يمنعني، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم.
فلم يقل له رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
شيئاً.
فقال عمر:
يا رسول الله، ولكني أدلك على رجل أعز بمكة مني، وأكثر
عشيرة وأمنع، وإنه يبلغ لك ما أردت: عثمان بن عفان!!
فدعا رسول الله «صلى الله عليه
وآله» عثمان، فقال:
«اذهب
إلى قريش وأخبرهم: أنَّا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمَّاراً، وادعهم
إلى الإسلام».
وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيدخل
عليهم، ويبشرهم بالفتح، ويخبرهم: أن الله تعالى وشيكاً أن يظهر دينه
بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان.
فانطلق عثمان إلى قريش، فمر عليهم ببلدح، فقالوا: أين
تريد؟
فقال:
بعثني رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
إليكم لأدعوكم إلى الإسلام، وإلى الله جل ثناؤه،
وتدخلون في الدين كافة، فإن الله تعالى مظهر دينه، ومعز نبيه.
وأخرى:
تكفون، ويكون الذي يلي هذا الأمر منه غيركم، فإن ظفر
برسول الله
«صلى الله عليه وآله»
فذلك ما أردتم، وإن ظفر كنتم بالخيار بين أن تدخلوا فيما دخل فيه
الناس، أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامُّون. إن الحرب قد نهكتكم وأذهبت
الأماثل منكم.
وأخرى:
أن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
يخبركم: أنه لم يأت لقتال أحد، إنما جاء معتمراً، معه الهدي، عليه
القلائد، ينحره وينصرف([2]).
فقالوا:
قد سمعنا ما تقول، ولا كان هذا أبداً، ولا دخلها علينا
عنوة، فارجع إلى صاحبك، فأخبره أنه لا يصل إلينا([3]).
ولقيه أبان بن سعيد([4])،
فرحب به أبان وأجاره، وقال: لا تقصر عن حاجتك، ثم نزل عن فرس كان عليه،
فحمل عثمان على السرج، وردف وراءه، وقال:
أقـبــل وأدبـــر لا تخــف أحــداً بـنــو سـعـيــد
أعـــزة الحــــرم
فدخل به مكة، فأتى عثمان أشراف قريش ـ رجلاً رجلاً ـ
فجعلوا يردون عليه: إن محمداً لا يدخلها علينا أبداً، ودخل على قوم
مؤمنين من رجال ونساء مستضعفين بمكة فقال: إن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
يقول: قد أظلكم حتى لا يستخفى بمكة اليوم بالإيمان، ففرحوا بذلك،
وقالوا: اقرأ على رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
السلام([5]).
ولما فرغ عثمان من رسالة رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
إلى قريش قالوا له: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف.
فقال:
ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله
«صلى الله عليه وآله».
وأقام عثمان بمكة ثلاثاً يدعو قريشاً.
وقال المسلمون ـ وهم بالحديبية، قبل أن يرجع عثمان ـ:
خلص عثمان من بيننا إلى البيت فطاف به.
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
«ما
أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون».
وقالوا:
وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص إليه؟
قال:
«ذلك
ظني به، ألَّا يطوف بالكعبة حتى نطوف».
وعند ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن سلمة بن الأكوع ـ
مرفوعاً ـ:
«لو
مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف».
فلما رجع عثمان إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
قال المسلمون له: اشتفيت من البيت يا أبا عبد الله؟!
فقال عثمان:
بئس ما ظننتم بي! فوالذي نفسي بيده لو مكثت مقيماً بها
سنة ورسول الله
«صلى الله عليه وآله»
مقيم بالحديبية ما طفت حتى يطوف رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
ولقد دعتني قريش إلى أن أطوف بالبيت فأبيت.
فقالوا:
كان رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
أعلمنا، وأحسننا ظناً([6]).
وكان رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
يأمر أصحابه بالحراسة بالليل، فكانوا ثلاثة يتناوبون الحراسة: أوس بن
خولي ـ بفتح الخاء المعجمة والواو ـ وعباد بن بشر، ومحمد بن مسلمة.
وكان محمد بن مسلمة على حرس رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
ليلة من الليالي، وعثمان بن عفان بمكة. وقد كانت قريش بعثت ليلاً خمسين
رجلاً، وقيل: أربعين، عليهم مكرز بن حفص، وأمروهم أن يطوفوا بالنبي
«صلى الله عليه وآله»
رجاء أن يصيبوا منهم أحداً، أو يصيبوا منهم غرة.
فأخذهم محمد بن مسلمة، فجاء بهم رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
وأفلت مكرز، فخبَّر أصحابه، وظهر قول النبي
«صلى الله عليه وآله»
كما تقدم: أنه رجل غادر([7]).
وكان رجال من المسلمين قد دخلوا مكة بإذن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
وهم:
كرز بن جابر الفهري، وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد
شمس، وعبد الله بن حذافة السهمي، وأبو الروم بن عمير العبدري، وعياش بن
أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس،
وعمير بن وهب الجمحي، وحاطب بن أبي بلتعة، وعبد الله بن أبي أمية. قد
دخلوا مكة في أمان عثمان([8]).
وقيل:
سراً، فعلم بهم فأخذوا.
وبلغ قريشاً حبس أصحابهم الذين مسكهم محمد بن مسلمة،
فجاء جمع من قريش إلى النبي
«صلى الله عليه وآله»
وأصحابه حتى تراموا بالنبل والحجارة، وأسر المسلمون من المشركين ـ
أيضاً ـ اثني عشر فارساً، وقتل من المسلمين ابن زنيم ـ وقد أطلع الثنية
من الحديبية ـ فرماه المشركون فقتلوه([9]).
وبعثت قريش سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، ومكرز
بن حفص، فلما جاء سهيل، ورآه النبي
«صلى الله عليه وآله»
قال لأصحابه: سهل أمركم([10]).
فقال سهيل:
يا محمد إن الذي كان من حبس أصحابك، وما كان من قتال من
قاتلك لم يكن من رأي ذوي رأينا، بل كنا له كارهين حين بلغنا، ولم نعلم
به، وكان من سفهائنا، فابعث إلينا بأصحابنا الذين أسرت أول مرة، والذين
أسرت آخر مرة.
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
«إني
غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي».
فقالوا:
أنصفتنا.
فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بالشُّيَيْم ـ بشين معجمة
مصغر ـ بن عبد مناف التيمي، فبعثوا بمن كان عندهم: وهم عثمان، والعشرة
السابق ذكرهم.
وأرسل رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
أصحابهم الذين أسرهم.
وقبل وصول عثمان ومن معه بلغ رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
أن عثمان ومن معه قد قتلوا، فكان ذلك حين دعا إلى
البيعة([11]).
ولنا مع ما تقدم وقفات، هي التالية:
1 ـ
إن أول ما نلاحظه في النص المتقدم: أن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
قد بعث خراش بن أمية رسولاً لقريش، على جمل له
«صلى الله عليه وآله»،
اسمه ثعلب.
وكأن إعطاءه خصوص هذا الجمل يهدف إلى تسهيل الأمر على
قريش بتقديم العلامة التي تجعلهم يتيقنون بكونه رسولاً من قِبَلِه
«صلى الله عليه وآله»
من دون حاجة إلى التماس القرائن والدلالات على ذلك. إذ قد تطول المدة،
وتتراكم الشائعات، وتثور الظنون حول هذا الوافد، بأن يكون عيناً، ويريد
أن يحمي نفسه بهذا الادعاء.. ويتعرض ـ من ثم ـ للمضايقة والأذى.
2 ـ
إن إرسال النبي
«صلى الله عليه وآله»
رسولاً من قبله إلى قريش، يخبرهم بما جاء له، دليل قاطع على حقيقة
نواياه، وأن مجيئه إلى مكة ليس مبادرة قتالية، لأن الهدف لو كان هو
القتال، لكان التستر على الأمر، ومفاجأة قريش، هو الأسلوب الأمثل،
والطريقة الفضلى للنجاح فيما يقصده.
3 ـ
إن ما فعله عكرمة بن أبي جهل، قد جاء على خلاف ما تفرضه
الأعراف والسنن حتى الجاهلية منها، فإن قتل الرسل عار، والعدوان عليهم
رعونة غير مقبولة..
فما معنى:
أن يعقر جمل هذا الرسول، وما هو المبرر لمحاولة قتله؟!.
ولأجل ذلك:
لم يرتض الأحابيش هذه التصرفات، بل بادروا إلى منع
القتل عن ذلك الرسول، ربما منعاً للعار، وربما حفاظاً على أنفسهم، حتى
لا يتعاطف الناس مع محمد
«صلى الله عليه وآله»..
مما لا شك فيه:
أن حقد قريش على علي أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
كان هائلاً وعظيماً. وقد أمره أبو طالب، وليس رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
بأن ينام في فراش النبي
«صلى الله عليه وآله»
على مدى ثلاث سنوات، حين حصرهم المشركون في شعب أبي طالب. من أجل أنه
إذا فكرت قريش باغتياله
«صلى الله عليه وآله»،
كان هو الفداء له، والضحية دونه.
ثم إن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
أمره: بأن ينام في فراشه ليلة الهجرة، فبادر إلى ذلك طائعاً مسروراً،
ولم يسأل عما سيصيبه من جراء ذلك، بل قال له: أوتسلم يا رسول الله؟
فقال:
نعم.
فخر ساجداً لله شكراً، حسبما تقدم بيانه في هذا الكتاب.
مع أن الرجال المتعطشين لدمه حاضرون خلف الباب، شاهرين
سيوفهم بأيديهم، وهم ينتظرون اللحظة الموعودة، لينزلوا ضربتهم به، ولا
مجال لتحاشي ذلك.
وكانت هذه هي سيرة علي
«عليه
السلام»
وطريقته طيلة حياته مع رسول الله
«صلى الله عليه وآله».
فقد كان متفانياً في الذب عنه، وفي الطاعة له. وكان السامع المطيع الذي
لا يسأل، ولا يناقش، ولا يقترح، ولا يتردد، بل يكون كالسكة المحماة
دائماً..
وليت شعري لو أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
كان قد أمر عمر بن الخطاب بالمبيت في مكانه ليلة الهجرة، فهل كان
سيمتثل أمره؟! أم كان سيعتذر عن ذلك بأن قريشاً سوف تقتله، وليس هناك
من يدفع عنه من بني عدي، أو من غيرهم؟!.
وفي الحديبية لم يطلب منه رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
ما يصل إلى حد ما طلبه من أمير المؤمنين ليلة الهجرة، من حيث درجة
الخطورة على حياته.. بل طلب منه أن يكون رسولاً، يتمتع بحصانة الرسل،
الذين يعتبر الإعتداء عليهم عاراً وعيباً عند العرب، وعند سائر الأمم.
وكان قد أرسل غيره في هذه المهمة، وعاد سالماً، ومنع
المشركون أنفسهم سفهاءهم من الاعتداء عليه، مستدلين بهذه الحجة نفسها
وهي: أن الرسل لا تقتل!!..
ولكن عمر بن الخطاب يرفض طلب رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
هذا، ولا يقدم تعليلاً يرتبط بالشأن العام، أو بالقضية التي يريد النبي
«صلى الله عليه وآله»
أن يعالجها، فهو لم يقل مثلاً: إن ذهابي قد لا يحقق المطلوب الذي ترمي
إلى تحقيقه..
بل هو قد اعتذر بأمر شخصي بحت، ليس له منشأ يقبله
العقلاء الذين يعيشون أجواء التضحية في سبيل مبادئهم، بل لا يقبله حتى
عقلاء أهل الشرك والكفر أيضاً، لأنه إنما يستند إلى شعوره بالهلع
والخوف، مع أن هذا الخوف لا يبرر ذلك، فإنه حتى لو كان له منشأ واقعي،
لم يكن ينبغي أن يدفعه إلى التمرد على إرادة رسول الله
«صلى الله عليه وآله»..
بل كان المطلوب هو:
أن يندفع لاكتساب هذا الشرف العظيم، ولينال هذا الفوز، الذي طالما حلم
به الأولياء، والأصفياء، والأتقياء..
ومع غض النظر عن ذلك كله، نقول:
إنهم يدَّعون:
أن الإسلام قد عزّ بإسلام عمر، وأنه قد كانت له بطولات
عظيمة، ومواجهات رائعة مع المشركين قبل الهجرة، انتهت بانكسار شوكتهم.
وعز الإسلام في مكة إلى حد أن مكَّن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
من أن يطوف بالبيت، ويصلي الظهر معلناً([12]).
فإذا كانت قريش قد خافت من عمر، وهو في مكة، وذلك قبل
الهجرة، فكيف لا تخاف منه، وقد أصبح خلفه جيوش جرارة، فيها رجال شداد
وسيوف حداد، جربت حظها معها، وعرفت مدى فاعليتها، وله فيها أيضاً قبيلة
وعشيرة، وعمر لم يزل هو عمر، لم يتغير ولم يتبدل، فليستعمل نفس صولاته
السابقة، حيث لم يكن له نصير يمكنه أن يفكر فيه، أو أن يحامي عنه كما
هو الحال الآن!!.
واللافت هنا:
أننا نجده يشرح الأمر لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
حتى كأنه يرى أن تلك الأمور قد غابت عن ذهنه
«صلى الله عليه وآله»،
أو أنه كان جاهلاً بها من الأساس..
والأدهى والأمر:
أنه يقول لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»:
ولكني أدلك يا رسول الله على رجل أعز بمكة مني.. فهل كان
«صلى الله عليه وآله»
جاهلاً بوجود عثمان، وبموقعه العشائري بين أهل مكة؟! فيحتاج إلى من
يدله عليه، وينبهه إلى مكانته بينهم، وموقعه فيهم؟!
وثمة دلالات أخرى في كلمات عمر بن الخطاب، التي حاول من
خلالها أن يتملص ويتخلص من المهمة التي كلفه بها النبي
«صلى الله عليه وآله»..
فلاحظ ما يلي:
تقدم أن عمر قال للنبي «صلى الله عليه وآله»:
قد عرفت قريش عداوتي لها.
ونقول:
إن عداوة قريش لعمر هي كعداوتها لأي فرد آخر من
المسلمين، بل قد تكون عداوتها له هي الأقل والأضعف، كما أظهرته لنا
وقائع في حرب أحد حيث طفت على السطح أمارات عديدة تشير إلى أن ثمة
عطفاً من مقاتلي قريش وقادتها على عمر بن الخطاب ومحبة منهم, وسعياً
منهم لحفظه..
وقد قال ضرار بن الخطاب لعمر بعد أن
ضربه بالقناة:
«والله
ما كنت لأقتلك»([13]).
وكانت هذه يداً له عند عمر, كان عمر يكافئه عليها حين
استخلف([14]).
كما أن عمر قد أخبر أبا سفيان بوجود النبي
«صلى الله عليه وآله»
بينهم حياً، رغم أنه
«صلى الله عليه وآله»
كان قد طلب منه أن لا يفعل([15]).
فظهر أنه يتعمد الدلالة عليه, في أخطر الأوقات, وأصعب الحالات..
يضاف إلى ذلك:
أن خالد بن الوليد لقي عمر بن الخطاب في أُحد، وما معه
أحد، فنكب عنه، وخشي أن يؤذيه أحد ممن كان معه، فأشار إليه بأن يتوجه
إلى الشعب لينجو منهم([16]).
وفي حرب أحد أيضاً:
هنأه أبو سفيان على ما اعتبره نصراً له في الجولة
الأولى، حيث قال له: أنعمت عيناً، بقتلى بدر([17]).
وقال أبوسفيان له:
إنها قد أنعمت يابن الخطاب.
فقال:
إنها([18]).
واعتبره أبو سفيان آنئذٍ أبر من ابن قميئة الذي كان
يقاتل المسلمين مع أبي سفيان.
ثم إنه لم يعترض يوم أحد على الخائفين المنهزمين الذين
اقترحوا توسيط عبد الله بن أُبي لدى أبي سفيان، وذلك بعد أن صعدوا على
الصخرة التي في الجبل([19]).
أما في حرب بدر, فكانت مشورة عمر مثل مشورة أبي بكر،
وهي: أن قريشاً ما آمنت منذ كفرت، وما ذلت منذ عزت، ولم يخرج النبي
«صلى الله عليه وآله»
على هيئة الحرب.. فترك الحرب هو الرأي.
فلماذا هذا التخذيل الشديد منه عن الحرب، وإظهار عزة
قريش، حتى زعما: أنها ما ذلت منذ عزت؟! ولماذا يحاولان إشاعة درجة من
الخوف لدى المسلمين؟!
وهنا يعود السؤال من جديد:
أين هي عداوة قريش لعمر بن الخطاب؟! وأين هو نضال عمر
بن الخطاب ضد قريش؟!..
وأما قول عمر:
«وليس
بها من بني عدي من يمنعني»،
فقد تضمن اعترافاً بأن قبيلته غير قادرة على منعه, إما عجزاً منها
وذلاً, وإما لأنه لم يكن لديه فيها صديق, ولا محب, ونرجح الأول, حيث
ذكرنا في حديث إسلامه: أن عوف بن عطية يقول:
وأمـا الألأمـــان بـنــــو عـــدي وتـيـم حـيــن
تـزدحـم الأمــور
فـلا تـشـهـد بـهـم فـتيـان حـرب ولـكـن أدن مـن حـلـب
وعـيــر
إذا رهـنـوا رمـاحـهـم بـــزبــــد فـإن رمـاح تـــيــم
لا تــضـير([20])
قد ذكر المؤرخون:
أنه لم يكن في بني عدي سيد أصلاً([21]).
وأن عمر قد قال لأبي عبيدة في
الشام:
«إنا
كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام»([22]).
ويقول معاوية عن قبيلتي تيم وعدي:
«ليس
في قريش حيان أذل منهما, ولا أنذل»([23]).
وقال أبو سفيان للعباس يوم فتح مكة:
«لقد
أَمِرَ أمر بني عدي بعد ـ والله ـ قلة وذلة»
([24]).
وراجع ما قاله خالد بن الوليد لعمر حول هذا الأمر([25]).
وذلك كله يؤكد لنا:
أن ما يدَّعونه من أن الإسلام قد عز بعمر، وأنه قد ناضل قريشاً حينما
أسلم, لو صح ـ وهو غير صحيح جزماً ـ فلا بد أن يكون بالاستناد إلى قوته
الشخصية وبطشه، وأنه لم يفعل ذلك بالاستناد إلى قبيلته، ولا بالاعتماد
على نفوذها وزعامتها..
غير أننا نقول:
أين كان هذا البطش عنه في أحد, والخندق, وحنين, وخيبر,
وقريظة و.. و..؟!! ولماذا فر في مختلف المشاهد الصعبة, ولم يظهر شيئاً
من هذا في أي منها؟!
ولماذا لا يعتمد على نفسه وعلى قوته الشخصية أيضاً في
حمل رسالة رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
إلى قريش؟ خصوصاً مع علمه: بأن الاعتداء على حامل الرسالة عيب عند
العرب، وهذا يوفر له درجة من الطمأنينة والأمن حسبما أوضحناه..
ثم يأتي قول عمر، في آخر كلامه:
«وإن
أحببت يا رسول الله دخلت عليهم»
ليكون بمثابة رصاصة الرحمة القاتلة لكل احتمال يمكن أن يكون في صالح
عمر بن الخطاب, لأن هذه الكلمة قد أظهرت: أنه يريد أن يجعل المسؤولية
عن أي شيء يواجهه في مسيره ذاك تقع على عاتق رسول الله
«صلى الله عليه وآله»,
فكأنه قال له: أنا أرفض طلبك طائعاً، بالاستناد إلى شواهد وأدلة، ولكني
أنفذه مرغماً.
يضاف إلى ذلك:
أن هذا يستبطن أكثر من إشارة ودلالة أخرى, ومنها: أن لا
يكون لدى هذا المرغم أي ثواب فيما يقوم به، وأنه لو تعرض لأي خطر في
مهمته تلك، فإنه يكون قد خسر نفسه في الدنيا والآخرة، حيث سيكون مجرد
قتيل, ولا يكون شهيداً، وأن على أهله وذويه أن يتوجهوا إلى من أرغمه
على هذا الفعل الذي سوف ينتهي إلى هذه النتيجة ويطالبوه بدمه, وبكل ضرر
لحق به..
والنبي
«صلى الله عليه وآله»
لا يرضى بذلك، بل يريد أن يجعل المسؤولية على عاتق عمر نفسه, وأن يفتح
أمامه باب الرحمة الإلهية والفوز العظيم، ويمكِّنه من أن يختار الدخول
من خصوص هذا الباب، فإن اختار أن يقصد التقرب إلى الله تعالى، وسعى في
نيل رضوانه، كانت له المثوبة العظيمة، سواء تعرض لعدوان أعداء الله, أم
نجا منهم..
وإن اختار أن يقوم بالعمل بهدف الحصول على الشهرة
والمقام في الدنيا، ونحو ذلك, فذلك شأنه، ويكون هو المقصر في حق نفسه.
ولأجل ذلك:
سكت رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
ولم يجب عمر على كلامه بشيء، وكان لا بد له من صرف النظر عن الموضوع،
والبحث عن غيره لهذه المهمة.
وقد طلب النبي «صلى الله عليه وآله»
من عثمان:
أن يذهب إلى مكة، ومنحه الفرصة لنيل الثواب, إن نوى
القربة إلى الله تعالى، وقصد نصر الدين, وعز الإسلام.
أما إن نوى بذهابه الحصول على السمعة والشهرة، واكتساب
المقامات الدنيوية، فسيكون جزاؤه دنيوياً, ولم يكن النبي
«صلى الله عليه وآله»
يحب لأحد من أصحابه ذلك, بل هو يريد أن يكونوا في منتهى الطهر والنزاهة
والإخلاص، والترفع عن الدنيا..
وطلب من عثمان أموراً ثلاثة هي:
أولاً:
أن يخبر قريشاً بما قصده
«صلى الله عليه وآله»
من مجيئه هذا، وأنه إنما جاء معتمراً زائراً لبيت ربه.
ثانياً:
أن يدعوهم إلى الإسلام.
ثالثاً:
أن يدخل على رجال مؤمنين ونساء مؤمنات، ويبشرهم بالفتح
القريب وبأن الله تعالى سيظهر دينه قريباً في مكة، وسيتمكن أهل الإيمان
من إظهار دينهم فيها.
وإننا نسجل هنا أمرين:
الأول:
بالرغم من أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
قد أعلم قريشاً بما جاء له بواسطة بديل بن ورقاء، وبواسطة عروة بن
مسعود، ثم من طريق الحليس، وكذلك من خلال مكرز بن حفص..
لكن ذلك كله لم يره كافياً، حتى أرسل إليهم خراش بن
أمية.
وقد تعمد أن يحمله على جمل له، يعرف أهل مكة: أنه له,
وهو يذكِّرهم بحروبهم ضده, وقد أراد
«صلى الله عليه وآله»
لهذا الجمل أن يدخل مكة.
وكان عَقْرُ عكرمة بن أبي جهل لهذا الجمل بالذات, لأنه
عرف أنه جمل النبي نفسه
«صلى الله عليه وآله»,
ومن أجل أن راكبه رسول من قبل هذا النبي
«صلى الله عليه وآله»
بالذات.. إن ذلك كله قد جعل الناس يتسامعون بهذا الأمر، وأن يفشو ويشيع
في مكة، ويتردد خبره فيها من أدناها إلى أقصاها. فيشعر الناس كلهم بأن
محمداً
«صلى الله عليه وآله»
قريب منهم، وأن رسوله بينهم، وأن جمله يعقر في بلدهم وأن هذا الجمل قد
أُخِذَ منهم!!
ولكن ذلك أيضاً لم يكن كافياً ولا مقنعاً، فقد كان
النبي
«صلى الله عليه وآله»
يريد أن تطول مدة وجود رسوله في مكة، وأن يكون معه عشرة آخرون، لا بد
أن يلتقوا أيضاً بآخرين، من أقرانهم، ومعارفهم، وأن يشعر الناس بواقع
الرحمة, وبالحنان والرفق بينهم وبين هؤلاء الوافدين، وأن يترددوا إلى
بيوت مكة، وأن يتحركوا ذهاباً وإياباً في شعابها.. فإن ذلك كله كان
مطلوباً لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
ويدخل ضمن خطته في دفع الأمور باتجاه الحسم، الذي تخشاه قريش كل
الخشية، وتأباه ـ من ثم ـ كل الإباء..
وكان ما أراده الله ورسوله.. وخاب أولئك الظالمون
الجبارون والجاحدون.
الثاني:
قد تقدم: أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
طلب من عثمان أن يدخل بيوت المؤمنين في مكة, ويبشرهم بقرب ظهور الإسلام
في هذا البلد.
والذي نلاحظه هنا هو الأمور التالية:
1 ـ
أنه طلب من عثمان: أن يدخل بيوت هؤلاء المؤمنين
والمؤمنات ليروا شخصه بعنوان: أنه مرسل من قبل نبيهم, حاضراً بينهم،
ماثلاً أمام أعينهم، يسمعون كلامه, ويسمع كلامهم, ولا يبقى الأمر في
مستوى اللمحات البعيدة، التي يتسترون على ما تحمله من حنين إلى ذلك
النبي الكريم
«صلى الله عليه وآله»..
2 ـ
إن في هذا إشارة لهم: بأن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
عالم بهم، مهتم بأمرهم، يشعر بآلامهم, ويعيش قضيتهم، وليسوا غائبين عن
فكره وعن اهتمامه..
3 ـ
إن الأمر قد صدر إلى عثمان: أن يدخل على النساء أيضاً،
وهنَّ العنصر الذي يستضعفه الناس، خصوصاً في الجاهلية، وبالأخص لدى أهل
الاستكبار والجحود والطغيان منهم..
فكان لا بد من الربط على قلوب هؤلاء النسوة، والشد من
عزائمهن، وتقوية يقينهن، وإعطائهن جرعة من الصبر، وتمكينهن من تلمس خيط
من الأمل, في ليل عذابهن الطويل..
4 ـ
إن بشارة النبي
«صلى الله عليه وآله»
لهم بالفتح، وبقرب ظهور الإسلام في مكة، من شأنه: أن يبعث في المسلمين
هناك حياة جديدة، ويدفعهم لمضاعفة جهدهم في نشر الدعوة، واجتذاب الناس
إلى هذا الدين..
5 ـ
كما أن دخول رسل النبي
«صلى الله عليه وآله»
إلى مكة، ودعوتهم الناس إلى الإسلام سوف يشجع الخائفين، لتجاوز خوفهم،
وينبه الغافلين إلى أن ثمة معادلات جديدة قد ظهرت، وأن عليهم أن لا
يصموا آذانهم عن هذا النداء، وأن لا يتجاهلوا هذه الدعوة، فقد أظهرت
الأيام: أن الأمور غير مستتبة لقريش، وأن كلمتها ليست هي الأخيرة، ليس
فقط في المحيط الذي حولها، وإنما في داخل مكة أيضاً..
وسوف تظهر نتائج ذلك كله بصورة سريعة، وتتجلى على شكل
أحداث تتلاحق وتتسارع، بحيث تفقد قريش معها كل اختيار، حتى تجد نفسها
أسيرة واقع، لم يكن يخطر في بالها، أو يمر في خيالها أن تنتهي الأمور
إليه..
والنصوص، وإن اكتفت بالقول:
إن عثمان قال لقريش: كذا وكذا..
ولكن هناك نصاً آخر يصرح:
بأن النبي
«صلى الله عليه وآله»
قد كتب لهم معه كتاباً بذلك([26]).
وقد يكون ما يذكرونه عن عثمان، من
أنه قال:
كذا وكذا، إنما أرادوا به التعبير عن مضمون هذا الكتاب.
ولعل إرسال الكتاب المدون إليهم هو الأَولى، وذلك لأن
ذلك معناه: زيادة درجة الأمان لحامله، حيث يرى الناس: أنه مجرد رسول،
وبذلك يقطع الطريق على اتهامه بأنه يتجاوز حدود ما أوكل إليه..
كما أن الكتاب يكون أوثق في إقامة الحجة عليهم، وأشد
وقعاً على نفوسهم، وهو يشكل نقطة ارتكاز تستقر عليها اللفتة الذهنية
حين تتحرك الحوافز للالتفات إلى هذا الحدث، وتَذَكُّرِه..
هذا.. وقد أظهرت الوقائع:
أن عشيرة عثمان هي التي كانت تتولى كبر المواجهة مع
رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
فلا يمكن أن تتساهل في أمره
«صلى الله عليه وآله»،
ولم يصح قول عمر فيهم، حيث لم يجد عثمان عندها عزة ولا نصراً، بل احتاج
إلى من يحميه ويجيره منها، فكان أبان بن سعيد بن العاص.. هو الذي
أجاره.
ووجدت قريش:
أن التعدي على عثمان سيعتبر تعدياً على من أجاره، ومن
شأن هذا الأمر ـ لو حصل ـ: أن يؤدي إلى الإنقسام في صفوف أهل الشرك،
وقد كانوا بأمسِّ الحاجة إلى تحاشي ذلك بكل ثمن.
وهذا الأمر يدل:
على عدم صحة ما ذكره عمر بن الخطاب للنبي
«صلى الله عليه وآله»،
حينما زعم: أن عثمان أقدر منه على تحقيق مراده
«صلى الله عليه وآله»؛
لأن له عشيرة تمنعه.
ويزيد هذا الأمر وضوحاً:
أن عشيرة الرجل هي التي كانت تتولى تعذيبه إذا أسلم؛
لأن تعذيب سائر القبائل له كان يواجه بالرفض, ويثير المشاكل فعشيرة
عثمان لا تمنعه بل ترى نفسها ملزمة بأذاه لكي لا تتهم بممالأة عناصرها,
في مقابل التشدد مع غيرهم..
والذي يراجع النصوص المختلفة يلاحظ:
أن خطاب النبي
«صلى الله عليه وآله»
لقريش، وجميع رسائله لها، وكل ما قاله لمبعوثيها، قد جاء على نسق واحد،
وله مضمون واحد، لم يتغير. وقد أشرنا إلى هذا المضمون في فصل سابق..
ونعود، فنذكّر القارئ الكريم بما يلي:
1 ـ
إنه
«صلى الله عليه وآله»
يجدد دعوته لهم إلى الإسلام، ليظهر لهم: أن ما فعلوه ـ رغم فظاعته
وبشاعته ـ لم يوجب استبعاد خيار الدعوة هذا.. وهو بذلك يفهمهم: أن
الفرصة لا تزال سانحة أمامهم، وأن بإمكانهم أن يفكروا في هذا الاتجاه
أيضاً..
2 ـ
إن الدعوة لهم إنما كانت إلى الإسلام الذي هو دين الله
تعالى، وليس في هذا أي إذلال لهم، فإنه لم يدعهم للاستسلام له وإلى
طاعته كشخص.. بل دعاهم ليكون هو وإياهم مسلمين لله تعالى, وفي طاعته
سبحانه.
3 ـ
ثم عرض عليهم
«صلى الله عليه وآله»:
أن يكفوا عنه، وأن ينتظروا نتائج ما يجري بينه وبين غيرهم، وهي دعوة
تتلاءم مع ميل نفوسهم إلى السلامة، والدعة.. مع ما في ذلك من أنهم قد
يشعرون بالحاجة إلى توفير فرصة لهم لتجميع القوى واكتساب القدرات.
فالتروي في الأمر مطلوب، حيث إن الناس إن ظفروا برسول
الله
«صلى الله عليه وآله»،
فسيحصل القرشيون على مطلوبهم، دون أن يخسروا شيئاً، وإن كانت الأخرى
فسيكونون هم في أوج قوتهم، وفي حالة جمام وراحة، وسيكون النبي
«صلى الله عليه وآله»
والمسلمون في حالة ضعف وإنهاك، وتصبح الفرصة أمامهم أكبر، واحتمالات
النجاح أوفر وأكثر..
ثم إنه
«صلى الله عليه وآله»
قدم لهم دليلاً حسياً على صوابية ما يعرضه عليهم، حين ذكر لهم: أن
الحرب قد نهكتهم، وأذهبت الأماثل منهم.
4 ـ
ثم بيَّن لهم أيضاً: أن هناك ما يوجب المزيد من ضعف
مصداقيتهم عند العرب، حيث يرى الناس: أن حربهم معه
«صلى الله عليه وآله»
في هذا الظرف, وضمن دائرة هذه العروض التي يطرحها عليهم لا مبرر لها،
بل هي حرب ظالمة، وعدوانية. والعدوان والظلم فيها يأتي من قِبَلِهم..
فإن النبي
«صلى الله عليه وآله»
لم يأت لقتال، بل هو قد جاء ليمارس حقه، الذي يقر له به القريب
والبعيد، والعدو والصديق، إذ لم يكن في نظام زيارة البيت، والحج إليه،
اشتراط: أن يكون ثمة انتقاء قرشي لزائريه، ومعظِّميه، بل كان لكل من
يرى لهذا البيت حرمة وقداسة، الحق في زيارته وتعظيمه..
5 ـ
ثم هو من جهة أخرى: يقدم الدليل الحسي، الذي يلامس
المشاعر، ويتصل بالروح، والقلب، والذي لا بد أن يصارع نوازع الهوى،
ويرفض الاستسلام لإملاءاتها، ويثير حالة صراع داخلي، ربما يكون القلب
والروح والضمير هو المنتصر فيها..
والدليل الذي نتحدث عنه هو هذا الإحرام المعقود، وهذه
البُدن التي أشعرها المحرمون، وساقوها لينحروها في المحل الذي أذن الله
تعالى بنحرها فيه..
وكان جواب قريش دائماً هو رفض جميع هذه العروض, وأنها
لا ترضى بأن يدخل رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
عليها مكة رغماً عنها. وهي بذلك تتناقض مع كل الدلائل
التي تشير إلى أنه
«صلى الله عليه وآله»
لم يأت لقتال، ولا يريد التوسل بالقوة لدخول مكة..
ولكن قريشاً تطرح الأمور بهذه الطريقة التضليلية
انسياقاً مع كبريائها، وتوسلاً لتحقيق مآربها..
وقد أوجب ذلك تصدعاً قوياً في صفوف الشرك، وظهرت
الإنقسامات، وتجلى الضعف, كما أظهرته الوقائع في الحديبية وبعدها..
وقد زعموا:
أن السبب في دعوة الناس إلى بيعة الرضوان هو الشائعة
التي سرت في الناس: من أن عثمان قد قتل في مكة..
فدعا رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
الناس إلى البيعة..
ونقول:
إن كون سبب البيعة هو هذه الشائعة موضع شك كبير، لأنهم
يقولون: إن النبي
«صلى الله عليه وآله»
قد بايع عن عثمان أيضاً.. وذلك بأن وضع ـ أو ضرب ـ إحدى يديه على
الأخرى، وقال:
«اللهم
إن هذه عن عثمان الخ..»([27]).
فإن صح هذا، فهو يدل على:
أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
والناس كانوا يعلمون بحياة عثمان، فكيف يزعم الزاعمون: أن شائعة قتله
كانت السبب في أخذ البيعة من الناس؟!
ودعوى:
جواز أن يكون النبي
«صلى الله عليه وآله»
قد عرف بحياته بعد البيعة، ليس لها شاهد يؤيدها، بل هي مجرد توهم
واقتراح لعله من المحبين لعثمان..
وإذا كان سهيل بن عمرو قد شاهد بيعة الرضوان([28]),
كما يستفاد من بعض النصوص، فلماذا لم يخبر النبي
«صلى الله عليه وآله»
أن عثمان حي يرزق, وأنه لا داعي للقلق عليه؟! ولماذا لم يسأل النبي
«صلى الله عليه وآله»
أو أحد من المسلمين عنه؟!
على أننا نقول:
لماذا لا يكون سبب بيعة الرضوان هو:
الشائعة التي سرت عن قتل العشرة الذين أرسلهم رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
إلى مكة لملاقاة أهاليهم، ودخلوا في أمان عثمان كما يزعمون.
أو أن سببها هو:
الضغط على قريش لإطلاق سراحهم، بعد أن احتجزتهم.
كما أن من أسباب البيعة:
استكبار قريش
عن قبول طلب المسلمين زيارة بيت ربهم, وقضاء نسكهم وعمرتهم،
أو غير
ذلك
من أمور
ستأتي الإشارة إليها، أوجبت إظهار القوة أمام قريش والمشركين، وأن
عليهم أن لا يتوهموا أن القضية هي مجرد هوى, أو قرار شخصي لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»
قد يعارضه فيه طائفة من أصحابه، أو على الأقل لا يوافقه عليه كثير ممن
وافقوه في مسيره ذاك.
والذي نميل إليه:
أن كل هذا الذي يقال عن شائعة قتل عثمان، وعن البيعة
عنه، وغير ذلك من أمور, هو ـ كما تؤيده الدلائل والشواهد ـ مما حاكته
يد السياسة، التي لم تستطع أن تحفظ تسلسل الأحداث، ولا تمكنت من اكتشاف
الخلل فيما يذاع ويشاع، وينشر، هنا وهناك، من قبل المحبين والمتزلفين،
وقديماً قيل: لا حافظة لكذوب.
فكيف إذا اجتمع الكذَّابون على أمر، وصار كل واحد منهم
يدبلج ما يحلو له، من دون تنسيق أو تطبيق على ما تنتجه قرائح
الآخرين؟!..
وقد زعموا أيضاً:
أنه لما بلغ المسلمين: أن عثمان قد احتبس في مكة، احتبس
المسلمون سهيل بن عمرو مبعوث قريش([29]).
ونقول:
إننا نشك في ذلك:
فإن سهيل بن عمرو إنما جاء إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
معتذراً عما فعله سفهاؤهم، وأن ما جرى لم يكن عن رأي ذوي الرأي فيهم..
والظاهر:
أن سهيلاً قد وصل إلى النبي
«صلى الله عليه وآله»
في وقت البيعة ورأى ما جرى بأم عينيه، فناسب ذلك إطلاق شائعة من هذا
القبيل.
ولا ندري مدى صحة حديث امتناع عثمان عن الطواف بالبيت،
وأن قريشاً عرضت ذلك عليه، فرفض أن يسبق رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
فيه.
وسبب شكنا في هذا الحديث يرجع إلى ما يلي:
1 ـ
إنهم يزعمون: أن عثمان لم يستطع دخول مكة إلا بجوار،
فما معنى أن تشتد عليه قريش هنا، ثم تسمح له بالطواف بالبيت بعد ذلك؟!
2 ـ
إنهم يزعمون: أن قريشاً قد حبست عثمان، رغم الجوار الذي
أعطاه إياه أبان بن سعيد بن العاص.
وهذا يتنافى مع ذلك الرفق الذي شملته به.
3 ـ
لو أغمضنا النظر عن هذا وذاك، فإننا نقول:
إنهم يذكرون:
أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
قد أخبر أصحابه: أن عثمان لم يطف بالبيت، ولا يطوف، فإن كان قد علم ذلك
بواسطة الغيب، فلماذا لم يعلم بواسطة الغيب أيضاً، بسلامة عثمان من
القتل، وبكذب الشائعة التي انطلقت حول ذلك؟! ولماذا بادر إلى عقد بيعة
الرضوان استناداً إلى شائعة كاذبة؟!
وإن كان
«صلى الله عليه وآله»
قد أخبرهم بهذا الأمر استناداً إلى معرفته بنفسية عثمان، وبطريقة
تفكيره.. فذلك يحتاج إلى إثبات وشاهد.
4 ـ
من الذي قال: إن عثمان كان يعرف كيف يؤدي مناسك العمرة
كما حددها الإسلام؟!
فإن النبي
«صلى الله عليه وآله»
قد قال للناس حينما دخل مكة:
«خذوا
عني مناسككم»
([30]).
فتعلم الناس منه كيفية الاعتمار، وكيفية الحج حينئذٍ،
ولم يكن قد حج رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
معلناً قبل هذا، ليكون عثمان قد حج معه، ولا دليل يدل على أنه قد تعلم
منه ذلك شفاهاً.
5 ـ
ومما يلقي ظلالاً من الشك على هذه الأقوال أيضاً: أن
الكلام كله يتمحور حول عثمان، مع أنهم يقولون: إن عشرة أشخاص قد دخلوا
معه في أمانه، ولم نجد أحداً قد سألهم، أو سأل عنهم: هل طافوا حول
الكعبة أم لم يطوفوا؟! أو على الأقل لم يحدثنا التاريخ بشيء من ذلك.
6 ـ
إن الظن المنسوب إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
لم يصب في هذه المرة
أيضاً، وذلك لأن ما ظنه من طاعة عثمان وتقيُّده بأوامره، قد خيَّبه
عثمان حين عصى أمره
«صلى الله عليه وآله»
الناس
وعثمان منهم أن يحلقوا رؤوسهم، فلم يُستجب له
«صلى الله عليه وآله»
وكان كما يقول السهيلي: وحده، ومعه أبو قتادة (ونظن أن
الصحيح: هو (ومعه عمر)، لأن عمر المعارض الحقيقي، بل هو رأس
المعارضة).
نعم، إن عثمان وهذا الرجل أو ذاك، وحدهما اللذان عصيا
أمر رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
وأصرا على التقصير، ووصفهما النبي
«صلى الله عليه وآله»
بأنهم قد شكُّوا (أي في دينهم)([31]).
ونرجح:
أن يكون سبب بيعة الرضوان ليس ما زعموه حول عثمان،
وإنما
هو:
إظهار مدى
تصميم رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
على حقه الذي تنكره عليه قريش.
والضغط عليها من أجل فك أسر العشرة الذين احتجزتهم.
وتكذيب ما تحاول التسويق له، من أن الذين مع النبي
«صلى الله عليه وآله»
لا ينصرونه.
ولغير ذلك من أسباب يدخل بعضها في سياق التربية لأصحابه
«صلى الله عليه وآله»،
ويفيد في إعطاء الانطباع الواضح، وإشاعة الأجواء التي يريد النبي
«صلى الله عليه وآله»
إشاعتها في محيط الشرك من خلال ذلك.
وذكرت النصوص التي قدمناها:
أن محمد بن مسلمة كان على الحرس في إحدى الليالي فأسر
حوالي خمسين رجلاً، وأفلت مكرز بن حفص.. فظهر مصداق قول رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
عن مكرز: إنه رجل غادر.
ونقول:
إنه لا مانع من أن يكون مكرز بن حفص رجلاً غادراً، ولا
نريد أن ننفي أن يكون رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
قد وصفه بذلك. فقد يكون ذلك صحيحاً في نفسه.
ولكننا نقول:
حفاظاً منا على الحق والحقيقة، وعلى مقام رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
من أن ينسب إليه ما يكون موضع شبهة:
إن ما زعموه مصداقاً لقوله
«صلى الله عليه وآله»
لا يصلح لذلك؛ لأن المفروض: أنه لم يكن بين مكرز بن حفص، وبين النبي
«صلى الله عليه وآله»
عهد وعقد يلزم مكرزاً بعدم مهاجمة المسلمين، وبعدم نصب الكمائن لهم،
وتحين الفرص للإيقاع بهم، بل هو يرى: أنه في حالة حرب معهم، فإذا جاء
في خمسين رجلاً ليصيب منهم أحداً، أو غِرَّةً، فإن فعله هذا لا يكون هو
المصداق لقول رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
عنه: إنه رجل غادر..
ومما يدلل على صحة ما قلناه:
أن الرواية نفسها تذكر: أن قريشاً بعثت مكرز بن حفص
نفسه مع سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى ليخلِّصوا أولئك النفر
الخمسين الذين أسروا، وليقولوا لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»:
إن الذين قاتلوه، والذين حبسوا أصحابه في مكة كانوا من سفهائهم. ولم
يكن ذلك بقرار من ذوي الرأي فيهم.
فإن صح أن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
قد قال ذلك،
وصح أن يكون مكرز قد جاء مع المهاجمين،
وصح أنهم قد أسروا،
وصح أن الذي أسرهم هو محمد بن مسلمة، ولم يكن المقصود
هو:
تهيئة الأجواء لمنح محمد بن مسلمة وساماً ليكافئه به محبوه على مهاجمته
بيت الزهراء «عليها السلام»، مع من هاجمها بعد وفاة الرسول «صلى الله
عليه وآله»،
نعم..
لو صح ذلك كله، فإنه لا بد من البحث عن مفردات غدر مكرز
بن حفص في غير هذه الواقعة.
وقد ذكر لنا التاريخ غدراً من مكرز، ولكن ليس
بالمسلمين، وإنما بالمشركين.. ولسنا هنا بصدد البحث عن أمر كهذا..
هذا وقد ذكرت النصوص:
أن النبي
«صلى الله عليه وآله»
أجاب مكرز بن حفص بنفس ما أجاب به عروة بن مسعود، وبديل بن ورقاء،
والحليس..
ويظهر من الروايات أيضاً:
أن مكرزاً قد جاء بعد هؤلاء..
ولكننا نقول:
قال اليعقوبي:
إن النبي
«صلى الله عليه وآله»
أبى أن يكلم مكرزاً، وقال: هذا رجل فاجر، فبعثوا إليه الحليس بن علقمة([32]).
وعدم تكليم النبي
«صلى الله عليه وآله»
لمكرز بن حفص هو الأنسب بالوصف الذي أطلقه النبي
«صلى الله عليه وآله»
على هذا الرجل، وهو: أنه فاجر.
كما أن ظاهر كلام اليعقوبي هو:
أن إرسال الحليس إنما كان بعد إرسال مكرز، وهذا هو
الأنسب أيضاً، حيث يتوقع أن يكون البديل عن الرجل الفاجر رجلاً يتأله،
ويعظم البيت، ويؤمن بالشعائر..
وقد ذكرت الروايات المتقدمة:
أسماء عشرة أشخاص دخلوا مكة بإذن رسول الله
«صلى الله عليه وآله».
وقد اختلفوا في طريقة دخولهم، هل كان سراً؟! أم دخلوا في أمان عثمان؟!
ونرجح:
أن يكون دخولهم سراً، لتصريح الرواية: بأنهم
«أخذوا»،
فإنهم لو كانوا قد دخلوا في أمان عثمان فلماذا أخذتهم قريش؟ وإذا كان
قد بدا لها أن تأخذهم، فلماذا لم يبد لها أن تأخذ عثمان معهم؟! ولم يكن
في عثمان ما يميزه عنهم عندها، بل قد يكون أخذه هو الأولى بالنسبة
إليها ولا سيما مع تكفل كل قبيلة بالتصدي لمن يسلم من أبنائها، حسبما
تقدم.
وإذا كان عثمان قد دخل في جوار أبان، فلماذا لم يطلب
منه أن يجير رفقاءه معه؟! وهل من المروءة أن يؤمن نفسه، ويترك رفقاءه؟!
وإذا كانوا قد دخلوا في أمانه وفي جواره، فكيف رضي من
أجارهم أن يؤخذوا؟!
وقد تقدم:
أنه ليس ثمة ما يدل على: أن أحداً منهم قد طاف بالبيت،
ولا ظهر في شيء من النصوص التي بين أيدينا: أن قريشاً قد سمحت لهم
بذلك، فرفضوه أو قبلوه، كما يزعمونه بالنسبة لعثمان..
ولم يظهر أيضاً من النصوص:
أنهم شاركوا عثمان في أي نشاط، فلم تشر إلى ذهابهم معه لزيارة بيوت
المؤمنين، أو دخولهم على زعماء قريش لإبلاغ رسالة رسول الله
«صلى الله عليه وآله»..
وهذا كله يقرب احتمال أن يكونوا قد دخلوا إلى أهاليهم
سراً، فكانوا عندهم، فنمي أمرهم إلى قريش، فأخذتهم.
ومن أهم ما حدث في هذه الأثناء:
أن أعداداً من الأرقاء والعبيد الذين كانوا في مكة،
وبعضاً من المستضعفين من قريش، كانوا قد لحقوا بالمسلمين قبل عقد
الصلح، فكتبت قريش إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
أن يعيدهم إليها وجاء في الكتاب:
«والله،
ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هرباً من الرق
».
فرفض النبي «صلى الله عليه وآله»
طلبهم وقال:
«هم
عتقاء الله..»
وطلب منه سهيل بن عمرو ذلك أيضاً،
وقال له:
قد خرج إليك ناس من أبنائنا وأرقائنا، وليس بهم فقه في
الدين وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا..
فقال ناس:
صدقوا يا رسول الله، ردهم إليهم.
فغضب رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
من ذلك، وقال:
«ما
أراكم تنتهون يا معشر قريش، حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على
هذا، وأبى أن يردهم.
قال:
هم عتقاء الله»([33]).
وحسب نص آخر:
قالوا:
«وفي
هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو إلى النبي
«صلى الله عليه وآله»،
فقال له: يا محمد، إن أرقاءنا لحقوا بك، فارددهم علينا.
فغضب رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
حتى تبين الغضب في وجهه، ثم قال: لتنتهن ـ يا معشر قريش ـ أو ليبعثن
الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه للإيمان، يضرب رقابكم على الدين.
فقال بعض من حضر:
يا رسول الله، أبو بكر ذلك الرجل؟!
قال:
لا.
قيل:
فعمر؟!
قال:
لا، ولكنه خاصف النعل في الحجرة.
فتبادر الناس إلى الحجرة ينظرون من الرجل!! فإذا هو
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
«عليه
السلام»..».
وروى جماعة هذا الحديث عن أمير المؤمنين
«عليه
السلام»،
وقالوا فيه: إن علياً قص هذه القصة، ثم قال: سمعت رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
يقول: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.
وكان الذي أصلحه أمير المؤمنين من نعل النبي
«صلى الله عليهما
وآلهما»
شسعها، فإنه كان انقطع، فخصف موضعه، وأصلحه»([34]).
ونلاحظ هنا ما يلي:
1 ـ
إن النبي «صلى الله عليه وآله»
قد غضب إلى هذا الحد، انتصاراً منه لأناس مستضعفين، ظلمهم أسيادهم
بحرمانهم من حق الحرية الإعتقادية والدينية.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل هو يهدد قريشاً، التي
كانت ترى نفسها سيدة المنطقة العربية بأسرها، وترى أن لها الحق ـ من
موقعها الديني، وكذلك من موقع مالكيتها لأولئك الأرقاء ـ أن يكون
القرار الأول والأخير بالنسبة لأرقائها بيدها، لا ينازعها فيه أحد..
والناس يعترفون لها بهذا وذاك، ويقرونها على ما تزعمه
لنفسها..
نعم، إن النبي
«صلى الله عليه وآله»
ليس فقط لا يعترف لها بشيء مما تزعمه لنفسها ويزعمه الناس لها في هذا
الاتجاه وذاك، وإنما هو يعطي لنفسه الحق في شن حرب كاسحة، ومدمرة، يريد
لها أن تنتهي بضرب رقاب نفس هؤلاء الأسياد المتسلطين، حتى لو كانوا من
قريش، أو كانوا سدنة البيت، لمجرد ضمان حرية الفكر والعقيدة حتى لمن هم
عبيد أرقاء لهم، وقد اشتراهم أولئك الناس بأموالهم.
2 ـ
إنه
«صلى الله عليه وآله»
يهدد قريشاً بطريقة تجد فيها الشواهد على جدية ذلك التهديد، وأنه يسير
باتجاه التنفيذ، حيث صرح لها: بأن من يتولى تنفيذ هذا القرار هو من نفذ
مهمات مشابهة بكل دقة وأمانة وحزم.. ولم تزل تشهد قريش والمنطقة بأسرها
آثار جهده وجهاده، طاعة لله ولرسوله..
3 ـ
إنه
«صلى الله عليه وآله»
يصوغ هذا التهديد بطريقة تستدعي طرح الأسئلة لمعرفة المزيد من الأوصاف،
أو تدعو للتصريح باسم هذا الذي أشار إليه..
4 ـ
ولا ندري، فلعل طرح اسمي أبي بكر، وعمر، ليجيب النبي
«صلى الله عليه وآله»
بنفي أن يكونا مرادين في كلامه، قد جاء من قبل شخص يريد أن يسمع الناس
هذا التصريح، لقطع دابر الكيد الإعلامي الذي قد يمارسه ذلك الحزب الذي
عرف بالانحراف عن علي
«عليه
السلام»
منذ بدايات الهجرة، وربما قبل ذلك أيضاً.
ولعل النبي
«صلى الله عليه وآله»
قد عرَّف بعض أهل السر عنده بما يدبره هؤلاء في الخفاء، مما له مساس
بمستقبل الدين والأمة، فكان بعض أهل السر يشعرون بأنه لا بد من إيضاح
الأمور للناس بطريقة أو بأخرى ليتحملوا مسؤولياتهم، بعد أن تكون الحجة
عليهم قد تمت..
5 ـ
ويسجل النبي
«صلى الله عليه وآله»
هذا الوسام الرائع لأمير المؤمنين
«عليه
السلام»
في إطار فريد ورائع، حين بيَّن أن هذا الذي يستطيع أن يضرب رقاب قريش
على الدين ليس ممن يرغب في شيء من حطام الدنيا، وليس هو ممن يميِّزون
أنفسهم عن الآخرين.. وهو إنسان لا يمدح بكثرة المال، ولا بشيء مما يمدح
به الآخرون، ولا يحتاج في استحضار صورته إلى أي إطار تظهر عليه
الألوان، والأشكال، والزخرفات، بل هو يظهر في صورته وهو يخصف نعلاً..
وهي صورة لا يتوقعون ظهور الحاكم والرئيس فيها في أي من الظروف
والأحوال.
واللافت:
أن هذا النعل الذي يخصفه ليس له، وإنما هو لغيره، إنه
لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»..
الأمر الذي يشير إلى طبيعة نظرته لنفسه، ويؤكد صحة ما يلهج به، حيث
يقول: أنا عبد من عبيد محمد([35]).
6 ـ
إن قوله
«صلى الله عليه وآله»:
«هم
عتقاء الله»
يستبطن أمرين:
أحدهما:
أنه ليس هو المسؤول عنهم، ولا المطالب بهم، بل هم الذين
خرجوا وفروا من سلطان قريش، وليس لقريش أن تطالبه بأن يبسط سلطتها على
أرقائها، ولا استنابته بملاحقتهم كلما هربوا منها.
وبنود صلح الحديبية لا تشمل هؤلاء؛ لأنهم قد هربوا من
قريش قبل عقده، والصلح إنما يعالج الحالات التي تحدث بعد توقيعه.
الثاني:
أن إسلامهم هو الذي أعتقهم، فإن العبد إذا أسلم في دار
الحرب قبل مولاه، فالمروي: أن ذلك من أسباب عتقه، خصوصاً إذا خرج إلى
دار الإسلام قبله([36]).
وهؤلاء قد أسلموا وخرجوا إلى دار الإسلام قبل أسيادهم،
وهذا معناه: أنه لا سلطة لقريش عليهم لأنهم خرجوا عن صفة الرق. فلا
يجوز لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»
أن يرجعهم إليه، أو أن يساعد على ذلك؛ لأن ذلك عدوان عليهم ومصادرة
لحرياتهم، بل أصبح من واجبه
«صلى الله عليه وآله»
الدفاع عنهم والمنع من ظلمهم ومن استعبادهم.
وبعد ما تقدم نقول:
إن المبرر المعقول والمقبول هو:
أن يكون السبب القريب في الدعوة إلى بيعة الرضوان:
1 ـ
أخذ قريش لعشرة من المسلمين دخلوا مكة..
2 ـ
إرسال جماعات ليلية تسعى لاختطاف أشخاص، أو القيام
باغتيالات، قد يكون بعضها بالغ الخطورة، وقد أخذ المسلمون منهم خمسين
رجلاً.
3 ـ
حصول مناوشات وصدامات بين جماعة من المشركين والمسلمين،
انتهت بأسر اثني عشر رجلاً من المشركين..
4 ـ
قتل ابن زنيم، الذي اطلع الثنية من الحديبية، فرماه
المشركون فقتلوه. ثم إصرار قريش: على أنها لن تمكِّن المسلمين من دخول
مكة..
5 ـ
إصرارها على استعادة هؤلاء الأرقاء الذين أسلموا
والتحقوا بالمسلمين، حيث أراد
«صلى الله عليه وآله»
أن يفهم قريشاً: أنه على استعداد للدخول في الحرب من أجل هؤلاء.
6 ـ
الضغط على قريش لتستجيب إما لتمكينهم من زيارة بيت
ربهم، أو ترضى بإعطاء العهد والوعد لهم بذلك في السنة القادمة.
فمن أجل كل ذلك جاءت الدعوة إلى بيعة الرضوان، التي
تعطي الانطباع لقريش عن أن المسلمين يد واحدة مع رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
وعن غير ذلك من أمور.
ولا ندري كم كان عدد النساء اللاتي حضرن في الحديبية،
غير أن مما لا شك فيه، هو: أن أخذ النبي
«صلى الله عليه وآله»
البيعة منهن له العديد من الدلالات..
وهي التالية:
1 ـ
إنه يؤكد على حقيقة: أن الحرب حين تكون مصيرية، فإن
مشاركة النساء، وحتى الأطفال تصبح أمراً لا بد منه، ولا غنى عنه.
2 ـ
إنه عدا عن أن ذلك يتضمن تكريماً لعنصر المرأة، فإنه
يعد إعلاناً بأن عليها أن تشارك في حماية المجتمع الإيماني، بما تقدر
عليه مما يتناسب مع طبيعة تكوينها وقدراتها، ولا تخرج عما قرره الشارع
لها من طريقة حياة، وما شرعه لسلوكها من أحكام..
3 ـ
إن ذلك يظهر تصميم المجتمع الإيماني على الحصول على
حقوقه، ويشير إلى قريش بحقيقة: أن الأمر ليس صراعاً على النفوذ، بهدف
الحصول على مكاسب لفريق يريد أن يجعل من نفسه حاكماً ومهيمناً..
بل القضية أكبر من ذلك، وأخطر، فإن المجتمع الإيماني
يرى: أنه إنما يطالب بحقوقه من حيث إن عناصره يحملون صفة الإنسانية،
فكل من له هذه الصفة فلا بد من أن ينال حقوقه بغض النظر عن خصوصياته
الفردية، مثل اللون، أو العرق، أو السن، أو غير ذلك.
وقد عبَّر عن ذلك عروة بن مسعود،
حين قال لقريش:
«والله
لقد رأيت معه نساء ما كنَّ ليسلمنه على حال»([37]).
وهذا يفسر لنا:
أخذه
«صلى الله عليه وآله»
البيعة منهن بالطريقة التي تناسب حالهن، وتراعي الأحكام الشرعية معهن،
فقد قال الشيخ المفيد
«رحمه
الله»:
«وكان
أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
المبايع للنساء عن النبي
«عليه
السلام».
وكانت بيعته لهن يومئذٍ: أن طرح ثوباً بينه وبينهن، ثم مسحه بيده.
فكانت مبايعتهن للنبي
«صلى الله عليه وآله»
بمسح الثوب، ورسول الله
«صلى الله عليه وآله»
يمسح ثوب علي بن أبي طالب
«عليه
السلام»
مما يليه..»
([38]).
النبي
يتفاءل بالاسم:
وقد قرأنا فيما سبق:
أنه لما جاء سهيل بن عمرو ورآه رسول الله
«صلى الله عليه وآله»..
قال لأصحابه: سهل أمركم.
وهذا يستبطن أحد أمرين، أو كليهما، وهما:
1 ـ
أن يكون
«صلى الله عليه وآله»
قد أراد مجرد التفاؤل بالاسم، من حيث إن كلمة سهيل مأخوذة من السهولة،
بغض النظر عن طبيعة سهيل بن عمرو في نفسه.
2 ـ
أن يكون سهيل بن عمرو بالذات سهلاً في تعامله مع
الآخرين..
هذا، وقد جاء في النصوص: أن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
كان يحب الفأل الحسن، ويكره الطيرة([39]).
والفأل ضد الشؤم، وهو:
أن يسمع كلاماً أو يرى أمراً فيستبشر به، ويتوقع لأجله أمراً حسناً،
كما لو سمع كلمة يا سالم، فيتوقع السلامة، أو رأى ما يسر، فيتوقع
السرور فيما يتوجه إليه، ويسعى له.
وقد روي عن علي «عليه السلام» قوله:
«تفأل
بالخير تنجح»([40]).
وعنه «عليه السلام»:
العين حق، والرقى حق، والسحر حق، والفأل حق، والطيرة
ليست بحق([41]).
وقد تفأل عبد المطلب بحليمة السعدية، بالحلم والسعد،
وقال: بخٍ بخٍ، خلتان حسنتان: حلم وسعد([42]).
وتفأل الإمام السجاد
«عليه
السلام»
بالقرآن الكريم لتعيين اسم زيد، حين اختلاف أصحابه في تعيين اسم ولده([43]).
وقد كان رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
كثير التفأل، وقد تفاءل في الحديبية بسهولة الأمر، حين جاءه سهيل بن
عمرو كما تقدم([44]).
وعن أنس:
قال رسول الله
«صلى الله عليه وآله»:
رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم، كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب
من رطب ابن طاب. فأولت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن
ديننا قد طاب([45]).
كما أنه
«صلى الله عليه وآله»
كتب إلى خسرو أبرويز، يدعوه إلى الإسلام، فمزق كتابه، وأرسل إليه قبضة
من تراب، فتفاءل
«صلى الله عليه وآله»
بتمزق ملك كسرى، وبأن المسلمين يملكون أرضهم([46]).
وفي مقابل التفأل التطير، الذي ذُكِرَ في القرآن أيضاً
في سورة الأعراف، الآية 131 وفي سورة النمل الآية 47 وفي سورة يس الآية
18: حين كانت بعض الناس في الأمم السالفة يزعمون لأنبيائهم أنهم تطيروا
بهم، من أجل إسقاط دعوتهم.
فكان جواب الأنبياء:
أن هذا التطير، لا يجعل الحق باطلاً، ولا يصلح عذراً
لعدم الإيمان، وأن أعمالهم هي التي توجب لهم الشقاء والعذاب عند الله
تعالى وتجر الشر إليهم، وليس هو ما يتطيرون به.
وقد أمرت الأخبار الكثيرة بدفع شؤم التطير بالتوكل،
وبالدعاء.
وقد روي عن الإمام الصادق «عليه
السلام» قوله:
الطيرة على ما تجعلها، إن هونتها تهونت، وإن شددتها
تشددت، وإن لم تجعلها شيئاً لم تكن شيئاً([47]).
وعنه «عليه السلام»:
كفارة الطيرة التوكل([48]).
وهناك حديث عن الإمام الكاظم
«عليه
السلام»،
عدَّ فيه موارد الطيرة للمسافر، وأنها سبعة، وقال في آخره: فمن أوجس في
نفسه منهن شيئاً، فليقل: اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي،
فاعصمني. فيعصم من ذلك([49]).
ويمكن أن يستفاد من ذلك:
أن للحالات النفسية تأثيراتها في الأمور فإن من يتفأل
بالخير، يتعامل مع الأمور بروح منشرحة، ونفس مطمئنة وواثقة، ويعيش
السكينة، والثقة بالله سبحانه بما قسمه له واعتباره خيراً، حتى وإن كان
الناس يجدون فيه مرارة وألماً، فيرضى بهذا الألم. ويتمثل له فيه الرضا
الإلهي، ويجد فيه الخير والمثوبة، ورفعة الدرجة والزيادة. فهو لا ينظر
إليه بعين المقت والرفض، والوجل والخوف..
بل يراه على أنه باب للخير والفلاح في الدنيا والآخرة.
أما المتشائم المتطير فهو يرى:
أن الأشياء من حوله ضده، ولها دور في تقويض سعادته، وهدم كيانه، فهو لا
يأنس بها، بل يعاديها، ويمقتها، ولا يرى أن الله تعالى هو المؤثِّر
والمبدِّل والمغيِّر، بل يرى أنها هي الأقوى.
وبعد..
فإن لانشراح الروح والشعور بالسكينة والبهجة والرضا
تأثيره في الأشياء التي تحيط بالإنسان، حتى في الهواء، والشجر،
والنبات، وغيرها، وكذلك الحال بالنسبة للكآبة والحزن، والتردد والخوف،
وما إلى ذلك.
وقد يمكن تأييد ذلك:
بما دلت عليه الآيات والروايات الكثيرة، من أن للمعاصي والطاعات
تأثيراتها في المحيط الذي يعيش فيه الإنسان، وفي كثير من الأشياء حوله،
ومن ذلك ما دل على ظهور الأسواء، والمفاسد، مثل قوله: ﴿ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي
النَّاسِ..﴾([50]).
وروي:
إذا كثر الزنى كثر موت الفجأة([51]).
وغير ذلك كثير.
ومن ذلك أيضاً:
ما دل على زيادة النماء والبركات، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم
بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ
فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾([52]).
وقد ادَّعى سهيل بن عمرو ـ فيما يمكن أن يعتبر اعتذاراً
لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
أو هو تنصل من المسؤولية ـ: أن قتال بعض المشركين للمسلمين، وحبس الذين
حبسوا في مكة، قد كان بغير علم زعماء قريش، ولم يكن عن رأي ذوي الرأي
فيها. بل هو قد ادَّعى أنهم كانوا كارهين لذلك كله، وأن السفهاء هم
الذين أقدموا عليه..
ثم طلب سهيل إطلاق سراح من أسرهم المسلمون أول مرة، ومن
أسروهم في المرة الثانية، ولم يشر بشيء إلى مصير المحبوسين في مكة.
فجاء الرد ليؤكد على ضرورة إطلاق سراح من حبستهم قريش
أيضاً.. وأن على قريش أن تكون هي البادئة بإطلاق سراح من احتجزتهم..
وذلك يتضمن أمرين:
أحدهما:
التعبير عن أن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
كان في موقع القوة، وهو يملي إرادته على عدوه.
الثاني:
إرغام قريش على الاعتراف ـ ولو ضمناً ـ: بأنها معتدية
وظالمة.. وأن ما كان من المسلمين إنما هو مجرد دفاع ورد اعتداء..
وكان ما أراده رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
حيث بدأت قريش بإرسال من كان عندها أولاً.. لأن سهيلاً أرسل الشييم بن
عبد مناف التيمي وحده إلى قريش، ولم يطلق سراح أحد معه، فبعثت قريش بمن
كان عندها..
وثبت بذلك ما أراده رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
وكانت كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى..
وكان سهيل بن عمرو من أشراف قريش، وقد أسر يوم بدر،
وكان أعلم الشفة العليا، أي مشقوقها، فقال عمر لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»:
يا رسول الله، انزع ثنيتيه، فلا يقوم خطيباً عليك أبداً.
فقال:
دعه يا عمر، فعسى أن يقوم مقاماً نحمده عليه([53]).
فكان ذلك المقام هو:
أنه لما توفي رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
ارتجت مكة، وأراد أهلها أن يعودوا إلى الشرك، فقام سهيل بن عمرو
خطيباً، فقال:
«يا
معشر قريش، لا تكونوا آخر من أسلم، وأول من ارتد، والله، إن هذا الدين
ليمتدن امتداد الشمس والقمر، من طلوعهما إلى غروبهما الخ..»
([54]).
فتراجع أهل مكة عما كانوا قد هموا به.
ونسجل هنا الملاحظات التالية:
1 ـ
إنه حين يعرض عمر على رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
ما عرضه إنما يُفهم الآخرين: بأن النبي
«صلى الله عليه وآله»
ـ بنظره ـ كغيره من الطغاة والجبابرة، الذين يمارسون الانتقام من
خصومهم بقسوة بالغة، وبوحشية ظاهرة.. فهو لا يرى: أنه
«صلى الله عليه وآله»
مبعوث رحمة للعالمين، وقد كانت نفسه تذهب حسرات حتى على من كانوا
يحاربونه، ويسعون في سفك دمه..
فما هذه النظرة العمرية لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»؟!
ومتى تخلص منها صاحبها؟! أم بقيت تعيش في نفسه، وتتغلغل
في أعماقه؟!
لا ندري..
ولا بد لمن يريد أن يدري أن يتتبع حياة هذا الرجل ليجد
من الشواهد والدلائل ما يفيد في استخلاص الحقيقة، ووضوح الأمر..
2 ـ
إن عمر بن الخطاب قد طالب بقلع ثنيتي سهيل، لأنه كان
أعلمَ، أي: مشقوق الشفة العليا([55]).
والأعلم إذا قلعت ثنيتاه، فإنه يصبح عاجزاً عن النطق.
3 ـ
إننا لم نفهم سر مطالبته بهذه العقوبة لسهيل، ولم يطالب
بعقوبات مماثلة أو متنوعة لغيره من أسرى بدر، فهل كانت له على سهيل
ثارات قديمة، وقد أراد أن يأخذها منه بهذه الطريقة؟ أم كان لدى سهيل
شيء من الفصاحة، فأراد أن يسلبه ذلك حسداً منه له؟!..
إن التاريخ لم يفصح عن شيء يفيد في تحديد الداعي لهذا
الطلب الغريب والعجيب.
4 ـ
إن سهيل بن عمرو لم يقم خطيباً على رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
فما معنى تعليل عمر لطلبه هذا بقوله: فلا يقوم عليك خطيباً أبداً؟!
5 ـ
لماذا يقدم عمر الاقتراحات على رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
من دون أن يطلب الرسول
«صلى الله عليه وآله»
منه ذلك، ومن دون أن يستأذنه بالكلام في محضره.. فضلاً عن أن يكون
«صلى الله عليه وآله»
قد أذن له بالاقتراح، أو طلب المشورة منه في هذا الأمر بأي شيء آخر؟!
6 ـ
إن هذا الحديث لا بد أن يعتبر من دلائل نبوة رسول الله
«صلى الله عليه وآله»،
حيث أخبر بما يكون من سهيل قبل أن يسلم سهيل، وقبل أن تظهر أية بادرة
منه تشير إلى أن لديه شيئاً من الميل إلى الإسلام، بل كان يخوض أخطر
حرب ضد هذا الدين وأهله، وكل واقعه وما هو فيه يشير إلى المزيد من
اللجاج والعناد..
يضاف إلى ذلك:
أن ما أشار إليه رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
إنما تحقق بعد وفاته
«صلى الله عليه وآله»،
فليس له صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، أية مشاركة في صنع
المناسبة، لا من قريب ولا من بعيد.. فهو إخبار غيبي بكل ما لهذه الكلمة
من معنى..
([1])
السيرة الحلبية ج3 ص16 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص46 وشرح أصول
الكافي ج12 ص452 وجامع البيان ج26 ص111 والثقات ج1 ص298
والبداية والنهاية ج4 ص891 وعن عيون الأثر ج2 ص118 والسيرة
النبوية لابن كثير ج3 ص318.
([2])
أخرجه ابن سعد ج2 ق1 ص70 والبيهقي في الدلائل ج4 ص133 وجامع
البيان ج26 ص111 وعين العبرة ص24 وتفسير القرآن العظيم لابن
كثير ج4 ص200 و 201 والثقات ج1 ص299 وتاريخ مدينة دمشق ج39 ص78
وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص278 والبداية والنهاية ج4
ص191 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص618 وعن السيرة النبوية
لابن هشام ج3 ص780 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص318 وسبل
الهدى والرشاد ج5 ص46 وتفسير الثعالبي ج5 ص254 وعن عيون الأثر
ج2 ص119 وكنز العمال ج10 ص482.
([3])
السيرة الحلبية ج3 ص16 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص46 وتاريخ مدينة
دمشق ج39 ص79 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص619 ومكاتيب الرسول
ج3 ص88.
([4])
أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي
الأموي.. قال البخاري، وأبو حاتم الرازي، وابن حبان: له صحبة
وكان أبوه من أكابر قريش وله أولاد نجباء أسلم منهم قديماً
خالد وعمرو، فقال فيهما أبان الأبيات المشهورة التي أولها:
ألا
لـيـت مـيـتـاً بالظريبـة شاهـد لمـا يفتري في الـديـن
عمرو وخالد
الإصابة 1/10.
([5])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص47 والسيرة الحلبية ج3 ص16.
([6])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص47 والسيرة الحلبية ج3 ص16 و 17 و 18
وكنز العمال ج10 ص483 وتاريخ مدينة دمشق ج39 ص78 و 80.
([7])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص48 ومسند أحمد ج4 ص324 وموسوعة
التاريخ الإسلامي ج2 ص620 وفتح الباري ج5 ص251.
([8])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص48.
([9])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص48 و 55 وجامع البيان ج26 ص122 والجامع
لأحكام القرآن ج16 ص281 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص207 والدر
المنثور ج6 ص76 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص278.
([10])
سبل الهدى والرشـاد ج5 ص48 و 52 ومنـاقب آل أبي طالب ج1 ص174 =
= والبحار ج20 ص333 وميزان الحكمة ج3 ص2245 ومسند أحمد ج4 ص330
وصحيح البخاري ج3 ص181 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص220 وفتح
الباري ج5 ص251 والمصنف للصنعاني ج5 ص337 والمصنف لابن أبي
شيبة ج8 ص510 والأدب المفرد ص196 وصحيح ابن حبان ج11 ص222 وعن
كنز العمال ج10 ص478 وإرواء الغليل ج1 ص57 ومجمع البيان ج9
ص197 وجامع البيان ج26 ص125 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص213
والدر المنثور ج6 ص77 والجرح والتعديل ج4 ص245 وتاريخ مدينة
دمشق ج57 ص228 وسير أعلام النبلاء ج1 ص194 وعن تاريخ الأمم
والملوك ج2 ص276 وعن البداية والنهاية ج4 ص199 والسيرة النبوية
لابن كثير ج3 ص333.
([11])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص46 ـ 48 وراجع: البداية والنهاية ج4
ص167 عن ابن إسحاق والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص221 وراجع:
الطبقات الكبرى ج1 ص461 وحياة الصحابة ج2 ص397 و 398 عن كنز
العمال ج1 ص84 و 56 وج5 ص288 عن ابن أبي شيبة والروياني، وابن
عساكر، وأبي يعلى، والسيرة الحلبية ج3 ص18 و 19 والسيرة
النبوية لابن هشام ج3 ص364 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص40 و 41
والكامل في التاريخ ج2 ص203 وعن عون المعبود ج7 ص289 وراجع:
تاريخ مدينة دمشق ج39 ص77 والتنبيه والإشراف ص221.
([12])
راجع ما ذكروه حول بطولات عمر في فصل: حتى الشعب، وذلك حين
الحديث عن إسلامه.
([13])
مغازي الواقدي ج1 ص282 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص274 وج15 ص20
عنه وعن البلاذري، وابن إسحاق، وطبقات الشعراء لابن سلام ص63
وراجع: البداية والنهاية ج3 ص107 عن ابن هشام، والبحار ج20
ص135 و 138 ومناقب أهل البيت ص332 وتاريخ مدينة دمشق ج24 ص393
و 397.
([14])
طبقات الشعراء لابن سلام ص63.
([15])
راجع: فصل: في موقع الحسم، من هذا الكتاب.
([16])
المغازي للواقدي ج1 ص279 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص23 ومناقب
أهل البيت ص332.
([17])
المصنف للصنعاني ج5 ص366.
([18])
الأوائل ج1 ص184 و 185 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص412.
([19])
راجع: فصل: في موقع الحسم، من هذا الكتاب.
([20])
طبقات الشعراء لابن سلام ص38.
([22])
المستدرك للحاكم ج1 ص61 وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) وصححه
على شرط الشيخين.
([23])
الخصال ج2 ص463 والبحار ج33 ص262 وكتاب سليم بن قيس ص242.
([24])
كتاب سليم بن قيس ص140 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص272 وكنز
العمال ج10 ص295 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص454.
([25])
المغازي للواقدي ج2 ص821 وعن كنز العمال ج5 ص295 عن ابن عساكر،
عن الواقدي.
([26])
السيرة الحلبية ج3 ص16.
([27])
السيرة الحلبية ج3 ص17 وكتاب الأربعين للشيرازي ص588 والإصابة
ج4 ص378 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص34 والصراط
المستقيم ج3 ص34.
([28])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص51.
([29])
السيرة الحلبية ج3 ص16 عن شرح الهمزية لابن حجر.
([30])
مختلف الشيعة للعلامة الحلي ج4 ص53 و 183 و 290 و 301 و 352
والحدائـق النـاضرة للمحقق البحراني
ج16
ص102 و 186 وج17 ص14 = = و 76 و 245 ورياض المسائل للسيد علي
الطباطبائي
(ط
جديد) ج6 ص216 و 432 و 504 و 534 و 552 و ج7
ص79 و
94 ومستند الشيعة للمحقق النراقي
ج12
ص71 و 216 و 219 و 299 وج13 ص32 وجواهر الكلام للشيخ الجواهري
ج18
ص55
وج19 ص22 و 103 و 111 و 132 و 248 و 313 و 396 و 422 وج35 ص443
والمجموع لمحيي الدين النووي
ج8
ص21 و 30 و 31 و 97 و 155 و 235 و 237 وتلخيص الحبير لابن حجر
ج7 ص292 و 293 و 303 و 370 و 388 و 405 والمبسوط للسرخسي ج4
ص51 والبحر الرائق لابن نجيم المصري ج3 ص42 و 43 والمغني
لعبدالله بن قدامة ج3
ص414
و 440 و 442 و 446 و 451 و 472 و 474 و 476 و 529 و 530 وسبل
السلام لابن حجر العسقلاني ج2 ص201 و 203 و 208 و 209 و 212
ونيل
الأوطار للشوكاني ج3 ص378 وج5 ص43 و 55 و 110 و 119 و 125 و
126 و 144 و 154 وفقه السنة للشيخ سيد سابق ج1 ص650 و 712 و
734 وشرح صحيح مسلم للنووي ج9 ص21 وج8 ص220 وفتح الباري ج1
ص193 و 419 وج3 ص388 و 397 و 398 و 431 و 456 و 461 و 464
وتحفة الأحوذي ج3 ص479 و 551 وعون المعبود ج5 ص182 و 233 و 251
و 311 ونصب الراية للزيلعي ج3
ص136
وفيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ج1
ص100
وكشف الخفاء للعجلوني ج1 ص379 وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص98 و
117 و 121 و
348 و
355 و 371 وفتح القدير للشوكاني ج1
ص161
و 204 والفصول في الأصول للجصاص ج2 ص33 وج3
ص232
والأحكام لابن حزم ج3
ص300
وأصول السرخسي لأبي بكر السرخسي ج1 ص12 و 14 وج2
ص27
وسير أعلام النبلاء للذهبي ج6 ص343 والإصابة لابن حجر ج1 ص42
والبداية والنهاية ج5
ص203
و 234 وسبل الهدى = = والرشاد ج8 ص475 وعوالي اللآلي ج1 ص215
وج4 ص34 والسنن الكبرى للبيهقي ج5 ص125 وإرواء الغليل ج4 ص316
والجامع لأحكام القرآن ج1 ص39 وج2 ص183 و 400 و 416 و 429 و
431 وج3 ص5 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص367 و 427.
([31])
السيرة الحلبية ج3 ص23.
([32])
راجع: تاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج2 ص54.
([33])
راجع: جامع الأصول ج9 ص223 والبحار ج21 ص168 وج20 ص264 و 244
عنه وعن إعلام الورى ص191، وسنن أبي داود ج1 ص612 والمستدرك
للحاكم ج2 ص125 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص229 وج10 ص308 وعون
المعبود ج7 ص263 وكنز العمال ج10 ص473 والمنتقى من السنن
المسندة ص275 والمعجم الأوسط ج4 ص316 ونصب الراية ج4 ص16 و 17
و 309.
([34])
الإرشاد للمفيد (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص122 و 123، وأشار في
هامشه إلى: كفاية الطالب ص96 ومصباح الأنوار ص121 وباختلاف
يسير في سنن = = الترمذي ج5 ص297 وإعلام الورى ص191 وفي (ط
أخرى) ص372 وتاريخ بغداد ج1 ص133 والمستدرك على الصحيحين ج4
ص298 والبحار ج20 ص360 و 364 وج32 ص301 وج36 ص33 وج38 ص247
والإفصاح ص135 والعمدة لابن البطريق ص224 وعوالي اللآلي ج4 ص88
وكتاب الأربعين للماحوزي ص241 ودرر الأخبار ص174 وخصائص الوحي
المبين لابن البطريق ص239 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص623
والمناقب للخوارزمي ص128 وكشف الغمة ج1 ص211 ونهج الإيمان ص523
وكشف اليقين ص106.
([35])
الكافي ج1 ص90 وشرح أصول الكافي ج3 ص130 و 131 والإحتجاج ج1
ص313 وعوالي اللآلي ج1 ص292 والفصول المهمة في أصول الأئمة ج1
ص168 والبحار ج3 ص283 ونور البراهين ج1 ص430 ومستدرك سفينة
البحار ج7 ص64 وميزان الحكمة ج1 ص144 وج4 ص3207 وتفسير نور
الثقلين ج5 ص233.
([36])
سنن البيهقي ج9 ص229 و 230 وراجع: تهذيب الأحكام ج6 ص152
والنهاية للطوسي ص295 والوسائل كتاب الجهاد ج11 ص89 والتنقيح
الرائع ج3 ص256 والسرائر ج2 ص10 و 11 ومسالك الأفهام ج10 ص357
و 358 وشرائع الإسلام كتاب العتق وكتاب الجهاد، وكنز العرفان
(ط مؤسسة آل البيت) ج2 ص129 وعوالي اللآلي ج3 ص187.
([37])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص45.
([38])
الإرشاد للمفيد (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص119 والبحار ج20 ص358
وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص622.
([39])
راجع: مكارم الأخلاق، الطبعة الأولى ج1 ص191 والبحار ج92 ص2 و
3 وفي ج74 ص165: إن الله تعالى يحب الفأل الحسن، وعوالي اللآلي
ج1 ص291 وميزان الحكمة ج2 ص1760 وج3 ص2348 ومسند أحمد ج2 ص332
وسنن ابن ماجة ج2 ص117 وعن فتح الباري ج10 ص181 والمصنف لابن
أبي شيبة ج6 ص225 وصحيح ابن حبان ج13 ص49 وشرح النهج للمعتزلي
ج14 ص230 وموارد الظمآن ص346 والجامع الصغير ج5 ص294 وكنز
العمال ج7 ص136 وج10 ص115 وفيض القدير ج5 ص294 وكشف الخفاء ج1
ص66 ومعجم البلدان ج5 ص102 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص117 والكنى
والألقاب ج1 ص293.
([40])
غرر الحكم رقم 4466 وعيون الحكم والمواعظ ص199 وميزان الحكمة
ج3 ص2348.
([41])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص472 ونهج البلاغة، قسم الحكم،
الحكمة رقم 400.
([42])
البحار ج15 ص388 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص104.
([43])
البحار ج46 ص191 وج88 ص243 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص171 و ج8
ص104 والسرائر ج3 ص638 ومستدرك الوسائل ج4 ص305 ومستطرفات
السرائر ص638.
([44])
راجع: البحار ج20 ص333 وصحيح ابن حبان ج11 ص222 وجامع البيان
ج26 ص125 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص277.
([45])
البحار ج18 ص122 عن إعلام الورى وج58 ص221 ومسند أحمد ج3 ص213
و 286 وصحيح مسلم ج7 ص57 وسنن أبي داود ج2 ص482 والمصنف لابن
أبي شيبة ج7 ص239 ومنتخب مسند عبد بن حميد ص391 والسنن الكبرى
للنسائي ج4 ص388 ومسند أبي يعلى ج6 ص236 وكنز العمال ج15 ص385
وتفسير القرآن العظيم ج3 ص180 وتاريخ مدينة دمشق ج40 ص527 وعن
الإصابة ج4 ص428 وعن إعلام الورى ج1 ص90.
([46])
مناقب آل أبي طالب ج1 ص55 وفي طبعة أخرى ج1 ص79.
([47])
الكافي ج8 ص197 الخبر رقم 234 والوسائل ج8 ص262 وج15 ص585
والبحار ج55 ص310 و 322 وشرح أصول الكافي ج12 ص262 والفصول
المهمة ج3 ص282 ونور البراهين ج2 ص278 ومستدرك سفينة البحار ج6
ص619 وتفسير الميزان ج11 ص78 وميزان الحكمة ج2 ص1760 وج3 ص2354
ونور الثقلين ج4 ص382.
([48])
الكافي ج8 ص198 والوسائل ج8 ص262 وج15 ص584 ونور الثقلين ج4
ص382 والميزان (تفسير) ج19 ص78 وشرح أصول الكافي ج12 ص262
والفصول المهمة ج1 ص537 ونور البراهين ج2 ص277 وميزان الحكمة
ج2 ص1760 وج3 ص2354 و 2716 والكنى والألقاب ج1 ص293.
([49])
المحاسن ج2 ص348 والكافي ج8 ص315 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص269
والوسائل ج8 ص263 ومكارم الأخلاق ص242 والبحار ج55 ص326 وج73
ص225 والجواهر ج18 ص152 والكنى والألقاب ج1 ص293 والخصال ص272
وشرح أصول الكافي ج12 ص439 ونور البراهين ج2 ص278 ومستدرك
سفينة البحار ج6 ص620 وميزان الحكمة ج3 ص2354 ونور الثقلين ج4
ص383.
([50])
الآية 41 من سورة الروم.
([51])
المحاسن ج1 ص107 والكافي ج2 ص374 وج5 ص541 وعلل الشرايع ج2
ص584 وأمالي الصدوق ص385 وثواب الأعمال ص252 وتحف العقول ص51
وروضـة الـواعظين ص420 و 463 وشـرح أصـول الكـافي ج10 = =
ص40 والوسائل ج11 ص513
وج14 ص231 ومستدرك الوسائل ج9 ص107 وعن البحار ج70 ص369 و 372
وج76 ص27 وج88 ص328 وج97 ص46 و 72 ومستدرك سفينة البحار ج8
ص130 وج9 ص208 ومكاتيب الرسول ج2 ص135 وج3 ص570 وميزان الحكمة
ج2 ص1161.
([52])
الآية 96 من سورة الأعراف.
([53])
أسد الغابة ج2 ص371 ومكاتيب الرسول ج3 ص82 وعن الإصابة ج2 ص93
والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2 ص109 و 110 وراجع: المصنف لابن
أبي شيبة ج8 ص484 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص172وراجع: كنز
العمال ج5 ص409 وكتاب المنمق ص218.
([54])
مكاتيب الرسول ج3 ص82 وأسد الغابة ج2 ص371 وشرح النهج للمعتزلي
ج14 ص172.
([55])
يقابله الأملح، وهو مشقوق الشفة السفلى.
|