صفحة : 253-256  

 الفصل الخامس:

 

إتصالات.. ومداولات..

  هدايا قبلت:

وأهدى عمرو بن سالم، وبسر بن سفيان الخزاعيان بالحديبية لرسول الله «صلى الله عليه وآله» غنماً وجزوراً، وأهدى عمرو بن سالم لسعد بن عبادة جُزُراً ـ وكان صديقاً له ـ فجاء سعد بالجزر إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأخبره أن عَمْراً أهداها له، فقال: «وعمرو قد أهدى لنا ما ترى، فبارك الله في عمرو».

ثم أمر بالجزر أن تنحر وتقسم في أصحابه، وفرق الغنم فيهم عن آخرها، وشرك فيها، فدخل على أم سلمة من لحم الجزور كنحو ما دخل على رجل من القوم.

وشرك رسول الله «صلى الله عليه وآله» في شاته، فدخل على أم سلمة بعضها، وأمر «صلى الله عليه وآله» للذي جاء بالهدية بكسوة([1]).

ونقول:

إنه لم يظهر من نصوص التاريخ إسلام عمرو بن سالم، أو بسر بن سفيان الخزاعي فإن كانا أو أحدهما ما زال على الشرك، فإن قبول هديتهما يتنافى مع ما روي عنه «صلى الله عليه وآله» من أنه لا يقبل هدية مشرك. وقد تقدم ذلك في الفصل الذي تحدثنا فيه عن إيمان أبي طالب، فراجع.

فقبوله «صلى الله عليه وآله» هديتهما يدل على تقدم إسلامهما. ويدل على ذلك أيضاً، ما صرحت به هذه الرواية، من أنه «صلى الله عليه وآله» قد دعا لعمرو بقوله: «فبارك الله في عمرو».

إتصالات ومداولات:

لما اطمأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالحديبية: جاءه بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، منهم: عمرو بن سالم، وخراش بن أمية، وخارجة بن كرز، ويزيد بن أمية. وكانوا عيبة نصح لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بتهامة، منهم المسلم، ومنهم الموادع. لا يخفون عنه بتهامة شيئاً.

فلما قدموا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» سلموا، فقال بديل بن ورقاء: جئناك من عند قومك، كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، قد نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، والنساء والصبيان، يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «إنَّا لم نأت لقتال أحد، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه، إن قريشاً قد أضرت بهم الحرب ونهكتهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة يأمنون فيها، ويخلون فيما بيننا وبين الناس ـ والناس أكثر منهم.

فإن أصابوني فذلك الذي أرادوا.

وإن ظهر أمري على الناس كانوا بين أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، أو يقاتلوا وقد جَمُّوا.

وإن هم أبوا فوالله لأجهدن على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله تعالى أمره».

فوعى بديل مقالة رسول الله، وقال: سأبلغهم ما تقول. وعاد ورَكْبُه إلى قريش، فقال ناس منهم: هذا بديل وأصحابه، وإنما يريدون أن يستخبروكم، فلا تسألوهم عن حرف واحد.

فلما رأى بديل أنهم لا يستخبرونه قال: إنَّا جئنا من عند محمد، أتحبون أن نخبركم عنه؟

فقال عكرمة بن أبي جهل، والحكم بن أبي العاص: ما لنا حاجة بأن تخبرونا عنه، ولكن أخبروه عنا: أنه لا يدخلها علينا عامه هذا أبداً، حتى لا يبقى منا رجل.

فأشار عليهم عروة بن مسعود الثقفي بأن يسمعوا كلام بديل، فإن أعجبهم قبلوه، وإلا تركوه، فقال صفوان بن أمية، والحارث بن هشام: أخبرونا بالذي رأيتم وسمعتم.

فقال بديل لهم: إنكم تعجلون على محمد «صلى الله عليه وآله»، إنه لم يأت لقتال، إنما جاء معتمراً، وأخبرهم بمقالة النبي «صلى الله عليه وآله» فقال عروة: يا معشر قريش، أتتهمونني؟

قالوا: لا.

قال: ألستم بالوالد؟!

قالوا: بلى.

قال: ألست بالولد؟

قالوا: بلى.

وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس القرشية.

قال: «ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ لنصركم، فلما تبلَّحوا علي نفرت إليكم بنفسي، وولدي، ومن أطاعني؟

قالوا: قد فعلت، ما أنت عندنا بمتهم.

قال: إني لكم ناصح، وعليكم شفيق، لا أدخر عنكم نصحاً، فإن بديلاً قد جاءكم بخطة رشد لا يردها أحد أبداً، إلا أحد شر منها. فاقبلوها منه، وابعثوني حتى آتيكم بمصداقها من عنده، وأنظر إلى من معه، وأكون لكم عيناً آتيكم بخبره.

فبعثته قريش إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فجاء رسولَ الله «صلى الله عليه وآله» فقال: يا محمد، تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي على أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، قد لبسوا جلود النمور، وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وإنما أنت ومن قاتلهم بين أحد أمرين أن تجتاح قومك، ولم يسمع برجل اجتاح قومه وأهله قبلك. أو بين أن يخذلك من ترى معك، وإني والله لا أرى معك وجوهاً، وإني لا أرى إلا أوباشاً.

وفي رواية: فإني لأرى أوشاباً([2]) من الناس، لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم، وخليقاً أن يفروا ويدعوك.

وفي رواية: وكأني بهم لو قد لقيت قريشاً أسلموك، فتؤخذ أسيراً، فأي شيء أشد عليك من هذا؟

فغضب أبو بكر ـ وكان قاعداً خلف رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال: امصص بظر اللات، أنحن نخذله، أو نفِرُّ عنه؟!

فقال عروة: من ذا؟

قالوا: أبا بكر.

فقال عروة: أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها لأجيبنك.

وكان عروة قد استعان في حمل دية، فأعانه الرجل بالفريضتين والثلاث، وأعانه أبو بكر بعشر فرائض.

فكانت هذه يد أبي بكر عند عروة.

وطفق عروة كلما كلَّم رسول الله «صلى الله عليه وآله» مس لحية النبي «صلى الله عليه وآله»، والمغيرة بن شعبة قائم على رأسه «صلى الله عليه وآله» بالسيف، على وجهه المغفر ـ لما قدم عروة لبسها ـ فطفق المغيرة كلما أهوى عروة بيده ليمس لحية النبي «صلى الله عليه وآله» يقرع يده بنعل السيف ويقول: اكفف يدك عن مس لحية رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبل ألا تصل إليك، فإنه لا ينبغي لمشرك أن يمسه.

فلما أكثر عليه غضب عروة وقال: ويحك!! ما أفظك وأغلظك!

وقال: ليت شعري!! من هذا الذي آذاني من بين أصحابك؟ والله لا أحسب فيكم ألأم منه، ولا أشر منزلة.

فتبسم رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقال: « هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة».

فقال عروة: وأنت بذلك يا غدر، والله ما غسلت عنك غدرتك بعكاظ إلا أمس، لقد أورثتنا العداوة من ثقيف إلى آخر الدهر.

وجعل عروة يرمق أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» بعينه، فوالله ما يتنخم رسول الله «صلى الله عليه وآله» نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، ولا يسقط شيء من شعره إلا أخذوه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون النظر إليه، تعظيماً له.

فلما فرغ عروة من كلام رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ورد عليه الرسول «صلى الله عليه وآله» مثل ما قال لبديل بن ورقاء، وكما عرض عليهم من المدة، أتى عروة قريشاً، فقال:

يا قوم، إني وفدت إلى الملوك: كسرى، وقيصر، والنجاشي، وإني والله ما رأيت ملكاً قط أطوع فيما بين ظهرانيه من محمد في أصحابه، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمداً، وليس بملك.

والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه أيهم يظفر منه بشيء، ولا يسقط شيء من شعره إلا أخذوه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له، ولا يتكلم رجل منهم حتى يستأذن، فإن هو أذن له تكلم، وإن لم يأذن له سكت.

وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، قد حرزت القوم.

واعلموا أنكم إن أردتم منهم السيف بذلوه لكم.

وقد رأيت قوماً لا يبالون ما يصنع بهم إذا منعتم صاحبهم، والله لقد رأيت معه نساء ما كن ليسلمنه أبداً على حال، فَرُوا رأيكم، فأتوه يا قوم، واقبلوا ما عرض عليكم، فإني لكم ناصح، مع أني أخاف أن لا تُنصروا على رجل أتى زائراً لهذا البيت، معظماً له، معه الهدي ينحره وينصرف.

فقالت قريش: لا تتكلم بهذا يا أبا يعفور، أَوَغيرك تكلم بهذا؟ ولكن نرده عامنا هذا، ويرجع إلى قابل.

فقال: ما أراكم إلا تصيبكم قارعة.

فانصرف هو ومن تبعه إلى الطائف.

فقام الحليس ـ وهو بمهملتين، مصغَّر ـ بن علقمة الكناني وكان من رؤوس الأحابيش، وفي نص آخر: كان يومئذٍ سيد الأحابيش([3]) فقال: دعوني آتيه.

فقالوا: ائته.

فلما أشرف على رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال «صلى الله عليه وآله»: «هذا فلان من قوم يعظمون البُدْن، وفي لفظ: الهدي، ويتألهون، فابعثوها له».

فبعثت له.

فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي عليها قلائدها، قد أكلت أوبارها من طول الحبس، ترجّع الحنين، واستقبله الناس يلبون قد أقاموا نصف شهر، وقد تَفِلوا وشَعِثوا، صاح وقال: سبحان الله «ما ينبغي لهؤلاء أن يُصدوا عن البيت!! أبى الله أن تحج لخم، وجذام، وكندة، وحمير، ويمنع ابن عبد المطلب، ما ينبغي لهؤلاء أن يُصدوا عن البيت، هلكت قريش وربِّ الكعبة. إن القوم إنما أتوا عُمَّاراً».

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أجل يا أخا بني كنانة».

وذكر ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: أنه لم يصل إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما رأى ذلك إعظاماً لما رأى.

فيحتمل أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» خاطبه من بعد.

فرجع إلى قريش، فقال: إني رأيت ما لا يحل منعه، رأيت الهدي في قلائده، قد أكل أوباره، معكوفاً عن محله، والرجال قد تَفِلوا، وقَمِلوا أن يطوفوا بهذا البيت.

والله ما على هذا حالفناكم، ولا عاقدناكم، على أن تصدوا عن البيت من جاءه، معظماً لحرمته، مؤدياً لحقه. وساق الهدي معكوفاً أن يبلغ محله.

والذي نفسي بيده لَتُخَلُّنَّ بينه وبين ما جاء له، أو لأنْفِرَنَّ بالأحابيش نفرة رجل واحد.

فقالوا: كف عنا يا حُليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به، وفي لفظ: اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك، كل ما رأيت من محمد مكيدة.

فقام مِكْرَز ـ بكسر الميم، وسكون الكاف، وفتح الراء ـ بن حفص. فقال: دعوني آته.

فلما طلع ورآه النبي «صلى الله عليه وآله» قال: «هذا رجل غادر» وفي لفظ: «فاجر».

فلما انتهى إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» كلَّمه بنحو ما كلم به بديلاً وعروة، فرجع إلى أصحابه، فأخبرهم بما ردَّ عليه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ([4]).

بيانات للتوضيح أو التصحيح:

وتستوقفنا في النصوص المتقدمة أمور كثيرة، لا بد من الاكتفاء بالإشارة الموجزة إلى بعضها، وفق ما يتيسر لنا، فنقول:

مفارقة لا يرضاها حليس:

لقد ذكر النص المتقدم: أن حليس بن علقمة لم يستطع أن يرضى بالمفارقة الظاهرة، والتي هي غير منطقية ولا معقولة، وهي: أن تمنع قريش ابن عبد المطلب من زيارة بيت الله، وتسمح لأشتات قبائل العرب بذلك، مثل لخم، وجذام، وحمير، وكندة!!

فعبد المطلب كان وبقي رمزاً عظيماً بالنسبة للعرب، ولم يكن يمكن لأحد أن يستهين بموقعه، أو أن يتجاهل مكانته عند الله تعالى، أو أن ينكر تقواه وقداسته، خصوصاً وأنه سيد مكة، بل سيد العرب، ولم يزل اسمه مرتبطاً بالقداسات، والكرامات، والاستقامة على خط الخير والصلاح، والسداد والفلاح..

وقد ظهر لابن عبد المطلب وهو رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالذات أكثر مما ظهر لجده من معجزات، وكرامات وقداسات. وها هو قد جاء على صفة وحالة تظهر وتجسد ما هو عليه من التقوى والارتباط بالله، وتعظيم البيت.. وذلك بصورة عملية قوية، وقادرة على أن تحضر عبد المطلب نفسه إلى الذاكرة، بل إلى المشاهدة بعين الباطن، والضمير والوجدان.

فانتفض وجدان الحليس، وانطلق ينذر بإعادة النظر في كل العقود والعهود التي كانت بين الأحابيش وبين قريش.. بل هو يتجاوز ذلك إلى أن يتهدد ويتوعد بأن ينفر مع الأحابيش كلها لنصرة محمد «صلى الله عليه وآله»..

وعلى قريش أن تأخذ هذا التهديد بعين الاعتبار، فإن عروة بن مسعود الثقفي قد سبق الحليس في اتخاذ موقف رافض لهذه السياسة الظالمة، وانسحب ومن تبعه إلى بلاده..

وهذا بالذات هو بعض ما تخشاه قريش، ويؤرقها، ويقض مضاجعها.

تحليل ابن مسعود ليس دقيقاً:

قد ظهر من النصوص المتقدمة:

أن عروة بن مسعود، وإن كان في يوم الحديبية لا يزال مشركاً، ولكنه كان يطرح الأمور مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» وفق تحليله الذي كان يراه منطقياً ومعقولاً..

فهو قد اعتبر نصرة الأوشاب ـ وهم الخليط غير المتجانس ـ لا تنتهي إلى نتيجة؛ لأنهم يندفعون إلى الأمور كأفراد استناداً إلى إحساسهم الداخلي، بما يحققه لهم هذا الاندفاع من نتائج، فإذا كان يرى نفسه فرداً منقطعاً عن عشيرته، فسوف يرى من هذه النتائج ما يتناسب مع حجمه كفرد. فإذا وازن بينها وبين الثمن الذي قد يدفعه من أجلها، ألا وهو نفسه التي هي أعز ما في الوجود عليه، فسيرى أنه مغبون في هذه الصفقة، فتدعوه نفسه للفرار.

أما إذا كانت له عشيرة تشاركه في هذه الاهتمامات، أو كان لديه رصيد معنوي يرى نفسه مطالباً بحفظه، وبالدفاع عنه، فإنه يشعر بوجود من وما تتوفر لديه حوافز الدفاع عنه وحفظه.

وسوف تختلف نظرته إلى طبيعة المنافع التي سوف يحصل عليها، حيث سيرى أنها أصبحت بحجم عشيرته كلها. فإذا كبرت في عينه النتائج، وتضاءلت احتمالات الخسارة، وأصبح هناك شعور أكبر بالأمن، فإن الاندفاع في الحرب، والإصرار على تحقيق النصر فيها سوف يكون أكبر، واحتمالات حصول هذا النصر أكثر وأوفر..

ولكن قد غاب عن ذهن عروة بن مسعود: أن الإيمان بالله سبحانه، وبالجنة والنار، وبالثواب والعقاب، وأن ترسيخ حب الله، وحب الرسول «صلى الله عليه وآله»، وحب الحق، وحب الإيمان وتنامي ذلك في القلب وفي الروح ـ إن ذلك ـ لا بد أن يضاعف من اندفاع الناس للدفاع عما يحبون، وأن يسهل عليهم ما يصيبهم في هذه الحياة الدنيا، إذا كان يوجب لهم الأمن والفوز والفلاح في الآخرة..

بل إن ذلك كله يجعل هذا الإنسان ليس فقط لا يهتم بالحفاظ على نفسه وحياته، وإنما هو يلتذ ويسعد حين يضحي بالنفس والمال، والولد، على قاعدة: «فزت ورب الكعبة»، كما أن طعم الموت لا بد أن يصبح لديه أحلى من العسل..

ثم هو لا بد أن يحزن، ويبكي، ويتحسر إذا فاته ذلك.

وبذلك يظهر: أن رابطة العشيرة، والمصلحة، وحمية الجاهلية، وما إلى ذلك سوف لا يبقى لها تأثير يذكر في الدفع، أو في الرفع..

وقد أثبتت الوقائع في بدر وسواها هذه الحقيقة بما لا مزيد عليه.

المنطق القبائلي، والمنطق الإيماني:

وقد حاول ابن مسعود أن يقدم لرسول الله «صلى الله عليه وآله» معادلة ترتكز إلى المنطق العشائري، وإلى القيم الجاهلية، في مغازيها ومراميها، وذلك حين طالبه بالنظر في خيارين كلاهما مرفوض عشائرياً وجاهلياً، وهما:

1 ـ أن يجتاح قومه بالحرب، وهذا أمر لا ترضاه العقلية العشائرية، وتعتبره من موجبات العار الذي لا يقدم عليه أحد يلتزم بهذا المنطق، قال عروة: أن تجتاح قومك، ولم يسمع برجل اجتاح قومه، وأهله قبلك.

2 ـ أن تكون نتيجة الحرب هي: أن يفر عنه أصحابه الذين هم أشواب([5]) من الناس، فيأسره قومه، وهذا أمر لا يرضاه لنفسه، فإن الأسر عار وذل أيضاً..

واللافت هنا: أن عروة قد استند في حصر الأمر بهذين الخيارين إلى أن قريشاً قد أظهروا الحقد والتصميم على حربه، ولبسوا جلود النمور، وهم يقسمون بالله أن لا يخلوا بينه وبين البيت..

ويا ليت عروة بن مسعود يتذكر:

أولاً: إن قريشاً أهل محمد «صلى الله عليه وآله» وقومه، فلماذا يلبسون لابن عشيرتهم ولمن هو في جملة أهلهم جلود النمور، ولماذا يحقدون عليه، ويصرون على حربه؟ فإن المفروض هو: أن يعالج المنطق القبلي هذه الظاهرة، وأن يقضي عليها، وأن يزول حقدهم عليه، وممانعتهم ومنعهم إياه من دخول حرم الله لنفس هذا السبب، وهو كونهم أهله، وعشيرته..

ثانياً: إن ما يريدون منعه منه وعنه ليس لهم فيه حق، فإنه بيت الله، وهم مجرد خدم وسدنة لهذا البيت، ولا يرضى حتى منطقهم الجاهلي بمنع أحد من حجه أو من عمرته، أو من زيارة بيت ربه سبحانه وتعالى..

ثالثاً: إن هؤلاء الأهل والعشيرة قد ظلموا أخاهم وسيدهم، وأقدس رجل فيهم، وأخرجوه ومن معه من بلده وأهله، وماله، من غير ذنب أتاه إليهم.. وقد آذوه وحاولوا قتله، واستئصال شأفته، وإبادة خضرائه في حروبهم ضده.. فلماذا فعلت قريش ذلك؟!..

مع أنه ـ حسب منطق ابن مسعود ـ : لم يسمع برجل اجتاح قومه وأهله قبلهم.. فلماذا جرَّت باؤهم في ذلك كله.. ولم تجر باء محمد «صلى الله عليه وآله» هذه المرة؟! ولو بمقدار أن يسمحوا له بزيارة بيت ربه، ثم يرجع عنهم من دون قتال، ولا حتى جدال..

رابعاً: لو أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ومن معه أصروا على زيارة البيت، فهل ستقاتله قريش، أم ستتركه؟!

إن كلام عروة بن مسعود نفسه صريح في أنها ستقاتله، بصورة متعدية وظالمة، فلماذا لم يوجه عروة إليها نفس هذا الكلام قبل أن يأتي رسولاً من قبلها إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ليسوِّق لاستمرار هذا الظلم، ويباركه، ويدعمه بظلم فاحش آخر؟!..

لقد كان عليها أن تخضع لهذا المنطق، الذي جاءت لتطالب الآخرين بالخضوع له، وتكف عن القتال، وتمكن زوار البيت الحرام من الزيارة والعمرة.

عنادهم وموقف رسول الله :

أما موقف رسول الله «صلى الله عليه وآله» فكان حازماً، ولكنه لم يكن عدوانياً، بل هو عين الإنصاف والعدل، وهذا بالذات هو ما كان يثير حفيظة قريش، حيث وجدت نفسها في موقع العناد واللجاج من دون أن يكون لديها أي مبرر مقبول أو معقول، حتى أمام شركائها في الرأي والموقف، وحلفائها ضد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومن هم على دينها. فإن ما كان يقوله رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو: إننا جئنا لزيارة بيت ربنا، فمن صدنا عنه قاتلناه.

فهو لم يطالب إلا بحق يقرُّ له به كل أحد، ولا مجال للمراء فيه، وهو حق عام يطالب به جميع الناس قريشاً بالذات، فمن أنكر هذا الحق على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلا بد أن ينكره على نفسه أولاً.

من هنا نجد: أن جميع من جاؤوا من قبل قريش إلى النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن لديهم حجة يعتصمون بها، فكانوا يلجأون إلى محاولة تخويفه «صلى الله عليه وآله» والمسلمين من عاقبة دفع الأمور باتجاه الحرب..

ثم كانت حصيلة مساعيهم: أنهم يرجعون إلى قومهم ليواجهوهم بنفس المنطق الذي سمعوه من رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وذلك بدءاً من بديل بن ورقاء الخزاعي الذي قال لقريش: إنكم تعجلون على محمد، إنه لم يأت لقتال، إنما جاء معتمراً، ثم أخبرهم بمقالة النبي «صلى الله عليه وآله» حسبما تقدم.

مروراً بعروة بن مسعود الذي قال لهم: قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.

وكذلك الحليس بن علقمة، الذي قال لقريش حين رجع إليها: ما على هذا حالفناكم، ولا عاقدناكم، على أن تصدوا عن البيت من جاءه معظماً لحرمته، مؤدياً لحقه الخ..

وانتهاءً بمكرز بن جابر، الذي رجع إلى قريش، ولم يجد لديه ما يحمله إليها، سوى ما قاله رسول الله «صلى الله عليه وآله» له..

تصدع صفوف المشركين:

فاتضح بذلك كله:

أن الأمر قد انتهى بتصدع صفوف أهل الشرك.. وظهور الخلاف العميق فيما بينهم. إلى حد أن زعماء أقوياء في صفوفهم هم الذين يسعون لإقناع قريش بقبول عروض النبي «صلى الله عليه وآله»، ويعلنون أن خطته خطة رشد وصلاح..

وهي نتيجة ذات أهمية فائقة، وحاسمة أيضاً.

وقد ظهر الخلاف بينهم حين قرر بديل بن ورقاء أنهم يعجلون على محمد «صلى الله عليه وآله»، وأن اتهامهم إياه بأن حركته هذه حركة عدوانية اتهام باطل، فهو لم يأت لقتال أحد.

ثم إن عروة بن مسعود أيد بديلاً فيما قاله..

ثم عرض عليهم أن يحقق لهم في صحة أقوال بديل. فلما رضوا بذلك، وذهب في مهمته تلك، عاد إليهم بما يزيد في إضعاف موقفهم، وزعزعة ثباتهم، ويزيد من خوفهم ورعبهم، خصوصاً وهو يصف لهم طاعة أصحاب محمد «صلى الله عليه وآله» له، وتعظيمهم إياه، وأن هذا التعظيم، وتلك الطاعة هي لرجل ليس ملكاً مع أنها فوق تعظيم أتباع الملوك ـ بمن فيهم كسرى وقيصر ـ لملوكهم..

بل إنه يتوقع حتى من النساء، اللواتي كنّ في ذلك الجمع دفاعاً عن محمد «صلى الله عليه وآله» ضارياً مستميتاً.. وهذا ما لا يسعد قريشاً، ولا يؤنسها، بل هو يدفع بها إلى حالة من الخوف تصل إلى حد الرعب.

ثم هو يصف لهم كيف كان أصحابه «صلى الله عليه وآله» يتبركون بشعره، أو بكل آثاره.. حتى إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وكيف يبادرون لامتثال أوامره، ويذكر لهم كيف يخفضون أصواتهم عنده، ولا يحدُّون النظر إليه، وغير ذلك.

ولا شك في أنه سيصيبهم الذهول لهذا الوصف، الذي إذا رجعوا إلى أنفسهم، فإنهم لا يجدون شيئاً منه فيما بينهم، بل هم يجدون النقيض والمباين له.. وهذا ما يجعلهم يدركون حجم الصعوبات التي سوف يواجهونها لو دخلوا معه في أي صراع، ويزيد في رعبهم من الأخطار التي تنتظرهم معه..

ثم يعلن عروة بن مسعود رأيه لهم، وهو: أن الرشد في قبول ما عرضه عليهم محمد «صلى الله عليه وآله»..

ثم كانت الحجة الأقوى التي استند إليها هي: أن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما جاء زائراً للبيت، معظماً له، ومعه الهدي.. فخافت قريش من تأثير هذا المنطق، وقالوا له: لا تتكلم بهذا يا أبا يعفور..

وكانت النتيجة هي: انفصاله هو ومن تبعه عن قريش، وانصرافه إلى الطائف.

ثم زاد هذا التصدع في صفوف أهل الشرك حين رجع الحليس ـ وهو من رؤوس الأحابيش ـ إلى قريش من عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» بموقف حازم، ليقول لها: «والله ما على هذا حالفناكم، ولا عاقدناكم على أن تصدوا عن البيت من جاءه معظماً لحرمته، مؤدياً لحقه، وساق الهدي معكوفاً أن يبلغ محله.

والذي نفسي بيده، لتخلُّن بينه وبين ما جاء له، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد».

فقالوا: كف عنا يا حليس، حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به..

تبرك الصحابة برسول الله :

وفي سياق آخر نلاحظ ما يلي:

1 ـ إن ما ذكره عروة بن مسعود عن تبرك الصحابة بوضوء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وبشعره، وحتى بنخامته([6])، ما هو إلا واحد من مئات الشواهد الدالة على مشروعية التبرك بالأنبياء والأولياء، وبآثارهم.

كما أنه يدل على: أن لنفس جسد الرسول  «صلى الله عليه وآله» قداسة وبركة، وهذا لا يختص بالأنبياء «عليهم السلام»، بل يشمل غيرهم من الأولياء والأصفياء ومن سعد بالاصطفاء والاجتباء.

ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذا الموضوع، فإن المناسبة لا تقتضي ذلك، غير أننا نشير إلى: أن جواز التبرك وعدمه إنما يؤخذ من النصوص الواردة عن المعصوم «عليه السلام»، وليس هو من الأمور التي تحكم أو تتحكم بها العقول..

وذلك: لأن التبرك معناه طلب البركة ـ التي هي النماء والزيادة ـ من مكامنها ومناشئها، سواء أكانت زيادة مادية أم معنوية، مع إحراز كونها قابلة للانتقال والاكتساب..

وهذا وذاك إنما يطلب من قبل الخالق، الذي هو الفاعل والجاعل..

فإذا أخبرنا الله ورسوله: أن البركة حاصلة في شخص رسوله، أو وليه، أو في القرآن الكريم، أو في الحجر الأسود.

وأخبرنا أيضاً: أنها قابلة للانتقال، والاكتساب، فلا بد من أخذ ذلك منه، وقبوله عنه، ولا يصح رده بالقياسات العقلية الناقصة، ولا يجوز دفعه بالحدسيات والظنون، فإن الله سبحانه يريد أن تعبده مخلوقاته حسبما يرسمه لهم، ويريده منهم.. وليس لهم في ذلك أي خيار.

2 ـ ومن جهة ثانية، فإن ما جرى في الحديبية، من تبرك الصحابة بشعر الرسول «صلى الله عليه وآله»، وبفضل وضوئه وغير ذلك قد أرعب قريشاً، واضطرها لإعادة النظر في حساباتها.

3 ـ إن ما جرى في الحديبية ليس هو الدليل الوحيد على جواز التبرك، بل هناك مئات من الشواهد، والدلائل، والنصوص التي تؤكد ذلك.. فمجموعها هو الدليل القاطع وهو من حيث الغزارة والكثرة أضعاف أضعاف ما يتحقق به التواتر.. فلو جاز التشكيك في ذلك كله، ورده، ورفضه، واعتباره شركاً، فإن الأمر يصبح دائراً بين أمرين:

أحدهما: أنه يمكن الشك في كل الثوابت، والمتواترات من الشرع الشريف، فلا مجال لإثبات شيء منها، حتى ما هو من قبيل أن صلاة الظهر أربع ركعات!!

الثاني: أن يكون تبركهم حاصلاً وثابتاً فعلاً، وكان ذلك من الشرك، فلا بد من الحكم على كل من مارس ذلك أنه قد دخل في دائرة الشرك، وارتكاب المعاصي الكبيرة.

وهل يمكن لأحد أن يدين أعاظم الصحابة، وينسبهم إلى الشرك والكفر، بل هو يدين رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه، الذي قبَّل الحجر الأسود، وتبرك بعلي «عليه السلام»، وسكت عن جميع الذين كانوا يمارسون التبرك بشعره، وبوضوئه، وبكثير من الأمور العائدة إليه([7]).. وقَبِلَ هذا الشرك منهم، وأعانهم عليه، حينما كان يوزع شعره عليهم في الحديبية ليتبركوا به؟!!

التبرك لا يختص بالأحياء:

قلنا إن التبرك معناه: طلب النماء والزيادة والخير بتقديم وسيلة يحبها الله تعالى, فيستجيب للطالب من أجلها. وأنبياء الله «عليهم السلام», يحب الله تعالى أشخاصهم, ويحب أيضاً كل ما يتعلق بهم، أو ينسب إليهم من آثار وغيرها, فإذا جعلها الطالب وسيلته إلى الله سبحانه, فإنه تعالى يتحفه بما طلب، وينعم عليه بهباته ويخصه ببركاته..

هذا.. ولا يختص الاستشفاء والتبرك بذات النبي أو الولي بصورة ما إذا كان حياً؛ لأن وفاته لا توجب انقطاع تأثيره، كما يريدون أن يدَّعوا؛ فإن حرمة النبي والولي عند الله بعد وفاته هي نفسها في حياته, ولأجل ذلك يتوسل به أهل الحاجات, ويتبرك بقبره وبآثاره طلاب الخيرات والبركات, ويستشفي بتربته وبشعره، وبعصاه وسواها, من لم يجد له من آلامه سبيل نجاة..

ومنهم من أوصى: أن يوضع من شعر النبي «صلى الله عليه وآله» وأظفاره في كفنه بعد موته([8]).

وقد رووا: أن أم سلمة كانت تحتفظ بشعرات من شعر النبي «صلى الله عليه وآله» في جلجلٍ لها (أي ما يشبه القارورة) فكان إذا أصاب أحداً من الصحابة عين أو أذى أُرسل إليها إناء فيه ماء، فجعلت الشعرات في الماء ثم أخذوا الماء، يشربونه للاستشفاء, والتبرك به([9]).

وحين كانت أم سلمة تنشف عرقه «صلى الله عليه وآله», وتعصره في قواريرها, سألها النبي «صلى الله عليه وآله» عن ذلك, فقالت: نرجو بركته لصبياننا.

قال: أصبت([10]).

المغيرة قائم بالسيف خلف رسول الله :

لقد ذكروا فيما تقدم: أن المغيرة كان قائماً على رأس رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالسيف، وأنه منع عروة بن مسعود من أن يلمس لحية النبي «صلى الله عليه وآله»..

وقد ردوا على هذه الرواية بما روي: من أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد نهى عن القيام على رأس الجالس.

ثم أجابوا: بأن الممنوع هو: ما كان منه على وجه العظمة والكبر. أما قيام المغيرة، على رأس النبي «صلى الله عليه وآله» فكان بقصد الحراسة، ونحوها من ترهيب العدو([11]).

ونقول:

إن هذا غير مقبول:

أولاً: لأن الحراسة وترهيب العدو لا يحتاجان إلى هذا القيام، لإمكان حصولهما بأساليب وطرائق أخرى غير القيام على رأس النبي «صلى الله عليه وآله».

ثانياً: إن المنهي عنه هو نفس هذا المظهر، الذي هو من مظاهر الكبر والعظمة، وإن لم يكن الجالس متكبراً ولا طالباً للعظمة.. فهو نظير التشبه بالكفار وأهل الفسوق، فإن ما يبغضه الله هو السعي لإيجاد الشبه، بالإضافة إلى ظهور نفس هذا الشبه أيضاً، فإن الله لا يرضى أن يظهر رسم الصليب على ثياب المسلمين؛ وإن كانوا لم يقصدوا ذلك، بل قصدوا مجرد لبس الثوب للتستر به. وهكذا الحال بالنسبة لمن يتمثل له الرجال «صفوفاً».

وفي نص آخر:  «قياماً»، فليتبوء مقعده من النار([12]).

وكما أرادوا أن يمنحوا المغيرة بن شعبة هذا الوسام، من أجل أن يكافئوه على خدماته لمعاوية، ومعونته لمناوئي علي «عليه السلام»، ومشاركته لهم في الهجوم على بيت فاطمة «عليها السلام»، وعلى ضربه لها حتى أدماها، وألقت ما في بطنها، إستذلالاً منه لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومخالفةً منه لأمره، وانتهاكاً لحرمته([13]).

بالإضافة إلى أفاعيل ومواقف معروفة له، ذكر العلامة التستري بعضها، فراجع([14]).

وهكذا يقال بالنسبة لما رووه، من أن الضحاك بن سفيان كان يقوم على رأس رسول الله «صلى الله عليه وآله» بسيفه([15]). فإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يرضاه من المغيرة أو الضحاك، أو من غيرهما، وسيرته «صلى الله عليه وآله» خير شاهد على هذه الحقيقة..

غير أننا لا نستبعد: أن يكون المغيرة قد حضر ذلك المجلس، على حالة معينةٍ، واختارها هو لنفسه، وأنه قد تحرش بعروة، وضايقه، حتى نفد صبره ووجَّه إليه تلك الكلمات اللاذعة..

واللافت: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يعترض على عروة في ما نسبه إلى المغيرة.. بل اكتفى بالتبسم، ثم بإخباره بقرابته له وموقعه منه.. فهل رأى ـ وهو نصير المظلومين الأول ـ أنه لا يحق له الدفاع عن المغيرة ولو بكلمة واحدة، تبين: أنه لا يحق لعروة أن يصفه بأنه ألأم وأشر رجل، وبأنه شديد الفظاظة والغلظة؟! أم أنه «صلى الله عليه وآله» قد رأى أن عروة محق في موقفه، وصادق فيما وصف به المغيرة؟!

امصص بظر اللات لغة مرفوضة:

وحين نقرأ كلمات أبي بكر التي واجه بها عروة بن مسعود، فإننا سوف نعجب كثيراً منها، حيث إنها:

1 ـ جاءت على طريقة غير مألوفة في الخطابات التي تكون بمحضر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حيث تضمنت كلمات لا يليق التفوه بها في محضره الشريف.

2 ـ إنه لم يكن هناك أي داع إلى دفع الأمور بهذا الاتجاه، حتى لو لم يكن النبي «صلى الله عليه وآله» حاضراً في ذلك المجلس.. فإن كلمة «امصص بظر اللات»([16])، أو نحوها إنما جاءت رداً على قول عروة: إن أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» لا ينصرونه في الحرب، بل يخذلونه، وهو تحليل مقبول لدى أهل الجاهلية ولا يحتاج أبو بكر في الإجابة عليه إلى استخدام هذه التعابير.

3 ـ إن مبادرة أبي بكر إلى الكلام في محضر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، من دون إذن منه، غير مقبولة، خصوصاً مع ملاحظة: أن الله سبحانه قد قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللَهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ([17]).

ولعل عدم مبادرة رسول الله «صلى الله عليه وآله» للاعتراض على أبي بكر، يعود إلى أنه لم يرد أن يكسره أمام زعيم من زعماء الشرك..

4 ـ وأما قول أبي بكر: أنحن نخذله، فإن كان يقصد به غيره من المسلمين، فهو صحيح؛ لأن هناك من لا يخذل رسول الله «صلى الله عليه وآله» من المسلمين.

وإن كان يريد أن يدخل نفسه في جملة من لا يخذل الرسول «صلى الله عليه وآله»، فإن الوقائع لا تشجع على قبول هذا منه، والكل يعلم: أنه وأكثر المسلمين باستثناء علي «عليه السلام» قد فروا عنه «صلى الله عليه وآله» يوم أحد..

وفي بدر كان الذي يصلى بنار الحرب، ويعالج الطعن والضرب، غير أبي بكر بالتأكيد، فإنه احتمى برسول الله «صلى الله عليه وآله»، لأنه كان يرى: أن المكان الأكثر أمناً هو الموضع الذي فيه النبي «صلى الله عليه وآله».. الذي كان الناس يلوذون به إذا حمي الوطيس.

وفي يوم الخندق لم يجرؤ على الإتيان بأي حركة خوفاً من عمرو بن عبد ود، مع أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: من لعمرو وأضمن له على الله الجنة، فلم يجرؤ على مبارزة عمرو أحد سوى أمير المؤمنين «عليه السلام».

وفي غزوة بني قريظة أرسل رسول الله «صلى الله عليه وآله» أبا بكر بالراية، فعاد بها مهزوماً أيضاً..

ألا يعتبر ذلك كله خذلاناً منه لرسول الله «صلى الله عليه وآله»؟! فما معنى قوله لعروة: أنحن نخذله؟!.

وأما خذلانه له بعد الحديبية، خصوصاً في خيبر ويوم حنين، فحدث عنه ولا حرج.

سخاء أبي بكر:

بقي أن نشير: إلى أننا نشك في ما ذكرته الروايات من سخاء لافت لأبي بكر، حيث ذكر عروة بن مسعود ـ فيما يزعمون ـ: أنه أعانه في دية بعشر فرائض.. وذلك لما يلي:

1 ـ إن أبا بكر قد ترك أباه وابنته حين الهجرة من دون نفقة، حتى اضطرت ابنته إلى أن تضع كيساً فيه حصى لكي يتلمسه أبو قحافة، ويظن أنه أموال تركها أبو بكر لعياله([18]).

2 ـ إننا لم نعهد عن أبي بكر: أنه كان يملك فرائض، يمكنه أن يتخلى عنها لغيره بلا مقابل، بل كل ما ذكروه عنه هو: أنه كان عنده أربعة آلاف درهم، حملها معه إلى المدينة، وذكرنا: أن ذلك لا يصح، فراجع ما ذكرناه في الجزء الرابع من هذا الكتاب.

3 ـ إن عروة بن مسعود كان من عظماء المشركين، بل قد زعموا: أنه أحد الرجلين اللذين عنتهما الآية الكريمة: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ([19]).. والرجل الآخر هو الوليد بن المغيرة([20]).

فهل كان هذا الرجل العظيم، والسيد في قومه، فقيراً إلى حدّ أنه كان لا يملك مقدار دية كان قد حملها، مع أنهم يقولون: إن الفقير لا يسود في العرب، إلا أن أبا طالب ساد فقيراً؟

4 ـ قد يقال: إن عروة وإن كان غنياً، ورئيساً، ولكن الغنى والرئاسة لا يجب أن يكونا بحيث يستطيع أن يتخلى عن مائة من الإبل في دية حملها، فيحتاج في جمع قسم منها إلى الاستعانة بغيره..

ونجيب: ليت شعري لو جاز أن يكون عظيم القريتين بهذه المثابة فلماذا لم يطلب المعونة من أقرانه، فإن المناسب لسيد قومه، وأحد عظيمي القريتين أن لا يستعين بأقل وأذل بيت في قريش، حسبما ذكرته النصوص، فراجع ما قاله أبو سفيان حينما بويع أبو بكر([21]).

وما قاله أبو بكر لأبي قحافة، حين رفع أبو بكر صوته على أبي سفيان([22]).

فإن ذلك كله، صريح في: ذل ومهانة قبيلة تيم، التي ينتسب إليها أبو بكر.

وكذلك الشعر الذي قاله عوف بن عطية في قبيلتي تيم وعدي([23]).

وما ذكره معاوية في رسالته لزياد([24]).

لقد كان من الطبيعي أن يأنف من ذلك، ويرفضه ويأباه حتى لو ألح عليه أبو بكر بقبوله، وقدم له الالتماس تلو الالتماس، والرجاء بعد الرجاء!!..

5 ـ إن هذا العطاء الجزيل من أبي بكر، وهو عشرة فرائض، مقابل الواحدة، والاثنتين، والثلاث التي كان يعطيه إياها الآخرون، يجعل أبا بكر في مصاف أجواد العرب مثل حاتم الطائي، وزيد الخيل. ولا بد أن يطير ذكره في البلاد، ويسمع به ويتداول أخبار جوده الصغير والكبير من العباد، ولكننا لم نر أي أثر لذلك فيما قرأناه من فصول التاريخ.

6 ـ ويزيد الأمر وضوحاً: أن الذي أحسن إليه أبو بكر هذا الإحسان العظيم الذي لا ينسى لا يعرف أبا بكر ولا يميزه عن غيره، بل يسأل عنه رسول الله «صلى الله عليه وآله». فكيف لا يعرف العظماء أقرانهم؟!

وكيف نسي عروة هذا المتفضل عليه بهذه السرعة؟!

ألم يكن من المفترض: أن تصبح صورته محفورة في قلبه، لا يمحوها منه مر الأيام والليالي، وكر العصور والدهور؟!.. ولا سيما إذا كان فراقه له لم يطل أكثر من ست سنوات، وذلك على كبر السن، واكتمال الملامح وثباتها.. لا في أيام الطفولة أو الشباب، ليكون التغيير في الملامح سبباً في اشتباه الأمر عليه.

ولنفرض: أن الملامح قد تغيَّرت، فهل تغيَّر عليه صوته أيضاً؟!

7 ـ لنفترض: أن أبا بكر كان يملك أموالاً، وأنه كان رئيساً، و.. و.. فإن ذلك: لا يبرر تصديقنا بحديث معونته لعروة بن مسعود بعشر فرائض.

ونحن نرى: أنه لم يجرؤ على إنفاق درهمين لينال شرف مناجاة الرسول «صلى الله عليه وآله»، حتى نزل العتاب الإلهي له، ولغيره من الصحابة؛ باستثناء علي أمير المؤمنين «عليه السلام»، الذي كان هو الوحيد الذي عمل بآية النجوى.. قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ([25]).


([1]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص42 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص611.

([2]) الأوشاب: الأوباش، والأخلاط من الناس، انظر المعجم الوسيط 2/1045.

([3]) الأحابيش هم: بنو الهون بن خزيمة، وبنو الحرث بن عبد مناف، وبنو المصطلق. سموا بذلك لأنهم تحالفوا تحت جبل بمكة اسمه حبشي.

([4]) راجع النصوص المتقدمة في: سبل الهدى والرشاد ج5 ص43 ـ 46 وراجع السيرة الحلبية ج3 ص13 ـ 16 وراجع: مجمع الزوائد ج6 ص145 و 146 والدر المنثور ج6 ص76 ـ 78 والسنن الكبرى ج9 ص220 والكافي ج8 ص323 والطبقات الكبرى ج2 ص95 والخراج لأبي يوسف ص210 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج7 ص134 ورسالات نبوية ص170 وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج2 ص39 و 40 والكامل في التاريخ ج2 ص202 و 203 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص274 وعن عيون الأثر ج2 ص116 والبداية والنهاية ج4 ص190 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص778 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص316.

([5]) أي خليط.

([6]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص19 وكنز العمال (ط الهند) ج10 ص311 ـ 315 عن مصادر كثيرة ومسند أحمد ج4 ص323 و 324 و 329 و 330 والمصنف للصنعاني ج5 ص336 والسيرة الحلبية ج3 ص13 ـ 16 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص328 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص219 والبحار ج17 ص32 و 33 وج20 ص332 و 343 والمغازي للواقدي ج2 ص598 وعن البخاري ج3 ص254 و 255، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص20 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص43 و 42 وج10 ص38 وعن الشفاء لعياض ج2 ص37 وعن شرح الشفا لملا علي القاري ج2 ص67 وعن كنز العمال ج16 ص236 والمعجم الكبير ج20 ص12 وإرواء الغليل ج1 ص56 وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج4 ص212 والدر المنثور ج6 ص77 وتاريخ مدينة دمشق ج57 ص227 والبداية والنهاية ج4 ص199 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص332.

([7]) الوسائل ج9 ص404 وتحفة الأحوذي ج3 ص507 وج5 ص373 والمعجم الأوسط ج5 ص191 ورياض الصالحين ص139 والبيان في تفسير القرآن ص469 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص464 و 488 والمحاسن ج2 ص521 وعن البحار ج63 ص230 وشرح مسلم ج13 ص224 وعن فتح الباري ج9 ص432 وعن عون المعبود ج10 ص183 وصحيح ابن حبان ج4 ص207 وسير أعلام النبلاء ج11 ص212.

([8]) الطبقات الكبرى ج5 ص406 وج7 ص25 وسير أعلام النبلاء ج5 ص143 وج11 ص337 وج16 ص487 وتهذيب التهذيب ج11 ص366.

([9]) السيرة الحلبية ج3 ص23 وتاريخ الخميس ج2 ص23 ومسند أحمد ج6 ص296 وصحيح البخاري ج7 ص57 وفتح الباري ج10 ص298 وتاريخ المدينة ج2 ص618.

([10]) راجع: صحيح مسلم ج4 ص83 وج7 ص82 ومسند أحمد ج3 ص221 و 226 وفتح الباري ج11 ص60 والبداية والنهاية ج6 ص29.

([11]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص74 والتراتيب الإدارية ج1 ص346 وفتح الباري ج5 ص249 وعون المعبود ج7 ص317 وج12 ص265.

([12]) راجع: التراتيب الإدارية ج1 ص346 وفتح القدير ج4 ص430 ورواية «قياماً» في: إعانة الطالبين للدمياطي ج3 ص305 وج4 ص219 والقواعد والفوائد للشهيد الأول ج2 ص161 و 284 والبداية والنهاية ج8 ص134 وج10 ص386 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص348 وتاريخ بغداد ج2 ص171 وج11 ص361 وتهذيب الكمال ج20 ص351 وسير أعلام النبلاء ج10 ص467 وج13 ص140 ولسان الميزان ج2 ص426 ومستدرك الوسائل ج9 ص65 والأمالي للطوسي ص538 ومكارم الأخلاق ص471 ومشكاة الأنوار ص358 والبحار ج71 ص90 وج73 ص38 والجامع الصحيح ج4 ص184 ومجمع الزوائد ج8 ص40 وفتح الباري ج11 ص41 و 42 والمعجم الأوسط ج4 ص282 والمعجم الكبير ج19 ص351 و 352 والجامع الصغير ج2 ص553 والعهود المحمدية للشعراني ص834 وفيض القدير ج6 ص41 وكشف الخفاء ج2 ص220 ونظم المتناثر في الحديث المتواتر للكتاني ص223 واللمعة البيضاء ص546 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص399 و 633 وميزان الحكمة ج3 ص2004 وتحفة الأحوذي ج8 ص25 والوسائل ج8 ص560 ومسند أحمد ج4 ص100 وسنن أبي داود ج2 ص525 وأحكام القرآن ج3 ص123 وذكر أخبار إصبهان ج1 ص219.

([13]) الإحتجاج ج1 ص414 والبحار ج43 ص197 وج44 ص83 وج31 ص645 ومرآة العقول ج5 ص321 وضياء العالمين (مخطوط) ج2 ق3 ص64 والعوالم (حياة الإمام الحسن) ص225 واللمعة البيضاء ص870 وبيت الأحزان ص116 وصحيفة الإمام الحسن للفيومي ص270 ومجمع النورين ص81.

([14]) راجع: قاموس الرجال (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج10 ص194 ـ 200

([15]) التراتيب الإدارية ج1 ص346 عن الإستيعاب ونور النبراس، والروض الأنف، والإصابة ج2 ص207 عن البغوي، وابن قانع، والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج2 ص207 وأسد الغابة ج3 ص36 ومكاتيب الرسول ج3 ص558 وعن كنز العمال ج13 ص442 وتاريخ مدينة دمشق ج36 ص416.

([16]) البحار ج20 ص331 ومسند أحمد ج4 ص324 و 329 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص219 وعن فتح الباري ج5 ص248 والمصنف للصنعاني ج5 ص335 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص514 والمعجم الكبير ج20 ص11 وتفسير مجمع البيـان ج9 ص196 وتفسير المـيـزان ج18 ص266 وج6      = = ص76 وتاريخ مدينة دمشق ج57 ص227 وج60 ص26 وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص275 والبداية والنهاية ج4 ص190 و 199 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص616 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص778 وعن عيون الأثر ج2 ص117 وج3 ص317 و 331.

([17]) الآية 1 من سورة الحجرات.

([18]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص133 وكنز العمال (ط الهند) ج22 ص209 و (ط دار الفكر) ج16 ص681 والبداية والنهاية ج3 ص179 والأذكياء لابن الجوزي ص219 ومجمع الزوائد ج6 ص59 عن أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع، وعن الطبري، وحياة الصحابة ج2 ص173 و 174 والغدير ج8 ص58 ومسند أحمد ج6 ص35 ومستدرك الحاكم ج3 ص5 والمعجم الكبير ج24 ص88 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص13 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص236 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص239.

([19]) الآية 21 من سورة الزخرف.

([20]) راجع: قاموس الرجال ج6 ص301 وتحف العقول ص465 والإحتجاج ج1 ص26 و 27 و 31 وسعد السعود ص76 وعدة الداعي ص112 والبحار ج9 ص149 و 270 و 273 وعن فتح الباري ج6 ص224 وتحفة الأحوذي ج10 ص55 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج11 ص64 وج18 ص296 والتبيان ج9 ص195 ومجمع البيان ج9 ص79 ونور الثقلـين ج4 ص597 و 598  = = و 222 وتفسير القرآن للصنعاني ج3 ص196 وجامع البـيـان ج25 ص83 و 84 و 85 ومعاني القرآن ج6 ص350 وزاد المسير ج7 ص95 والجامع لأحكام القرآن ج13 ص305 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص137 والدر المنثور ج3 ص300 وج6 ص16 ولباب النقول ص115 وفتح القدير ج4 ص553 و 555 وأسد الغابة ج3 ص406 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص603.

([21]) المصنف للصنعاني ج5 ص451 والمستدرك للحاكم ج3 ص78 والكامل لابن الأثير ج2 ص326 وتاريخ الأمم والملوك (ط ليدن) ج2 ص44 والنزاع والتخاصم ص19 وكنز العمال (ط الهند) ج5 ص383 و 385  عن ابن عساكر، وعن أبي أحمد الدهقان في حديثه. وأنساب الأشراف ج1 ص588.

([22]) النزاع والتخاصم ص19 والغدير ج3 ص253.

([23]) طبقات الشعراء لابن سلام ص38.

([24]) كتاب سليم بن قيس (ط النجف) ص140.

([25]) الآيتان 12 و 13 من سورة المجادلة. وراجع: دلائل الصدق ج2 ص120 والأوائل ج1 ص297 وتلخيص الشافي ج3 ص235 و 237 ومناقب أمير المؤمنين ج1 ص188 و 191 والمسترشد ص356 والإحتجاج ج1 ص181 والعمدة ص186 والطرائف ص40 و 41 والبحار ج67 ص29 وج29 ص15 وج35 ص379 والنص والإجتهاد ص371 وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص274 ونظم درر السمطين ص90 وكنز العمال ج2 ص521 وتفسير أبي حمزة الثمالي ص329 وتفسير القمي ج2 ص357 وتفسير فرات الكوفي ص470 وخصائص الوحي المبين ص165 ونور الثقلين ج5 ص265 وشواهد التنزيل ج2 ص312 و 325 وفتح القدير ج5 ص191 وإعلام الورى ج1 ص370. وراجع فصل هجرة النبي «صلى الله عليه وآله» حين الحديث عن ثروة أبي بكر.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان