صورة موهومة لسرية ذات السلاسل

   

صفحة : 157-198  

صورة موهومة لسرية ذات السلاسل

غزوة ذات السلاسل:

قال ابن عقبة، وابن إسحاق، وابن سعد، ومحمد بن عمر، واللفظ له: «بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن جمعاً من قضاعة يريدون أن يدنوا الى أطراف مدينة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فدعا رسول الله «صلى الله عليه وآله» عمرو بن العاص بعد إسلامه بسنة».

وعند ابن إسحاق: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعث عمرواً يستنفر العرب إلى الشام، فعقد له لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين، (منهم: عامر بن ربيعة، وصهيب، وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص) والأنصار، (منهم: أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، وسلمة بن سلامة، وسعد بن عبادة) وأمره أن يستعين بمن مرَّ به من العرب: من بُلي، وعذرة، وبلقين.

وذلك أن عمرواً كان ذا رحم فيهم، كانت أم العاص بن وائل بلوية، فأراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يتألفهم بعمرو([1]).

وفي حديث بريدة عند إسحاق بن راهويه: أن أبا بكر قال: «إن عمرواً لم يستعمله رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلا لعلمه بالحرب». انتهى.

وكان معه ثلاثون فرساً، فكان يكمن النهار ويسير الليل، حتى إذا كان على ماء بأرض جذام، يقال له: السلاسل ـ ويقال: السلسل، وبذلك سميت الغزوة ذات السلاسل ـ (وقيل: سميت بذلك لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض، مخافة أن يفروا)([2]). بلغه أن لهم جمعاً كثيراً، فبعث عمرو رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» يخبره أن لهم جمعاً كثيراً ويستمده.

فبعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» أبا عبيدة بن الجراح، وعقد له لواء، وبعث معه سراة المهاجرين، كأبي بكر وعمر بن الخطاب، وعدة من الأنصار. وأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» أبا عبيدة أن يلحق بعمرو بن العاص، وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا.

وكان أبو عبيدة في مائتي رجل حتى لحق بعمرو. فلما قدموا أراد أبو عبيدة أن يؤم الناس، فقال عمرو: «إنما قدمت عليَّ مدداً لي، وليس لك أن تؤمني وأنا الأمير».

فقال المهاجرون: «كلا بل أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه».

فقال عمرو: «لا، أنتم مدد لنا».

فلما رأى أبو عبيدة الاختلاف، وكان رجلاً ليناً حسن الخلق سهلاً، هيناً عليه أمر الدنيا، يسعى لأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» وعهده، قال: «يا عمرو، تعلمن أن آخر شيء عهد إليَّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن قال: «إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا. وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك».

وأطاع أبو عبيدة عمرواً. فكان عمرو يصلي بالناس.

وقال عمرو: «فإني الأمير عليك وأنت مددي».

قال: «فدونك»([3]).

وعن الشعبي مرسلاً قال: «انطلق المغيرة بن شعبة إلى أبي عبيدة فقال: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد استعملك علينا، وإن ابن فلان قد اتبع أمير القوم، فليس لك معه أمر».

فقال أبو عبيدة: «إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمرنا أن نتطاوع، فأنا أطيع رسول الله «صلى الله عليه وآله» وإن عصاه عمرو».

فأطاع أبو عبيدة عمرواً، فكان عمرو يصلي بالناس، وصار معه خمسمائة.

فسار حتى نزل قريباً منهم، وهم شاتون. فجمع أصحابه الحطب يريدون أن يوقدوا ناراً ليصطلوا عليها من البرد، فمنعهم، فشق عليهم ذلك، حتى كلمه في ذلك بعض المهاجرين، فغالظه.

فقال له عمرو: «قد أمرت أن تسمع لي».

قال: نعم.

قال: فافعل([4]).

وروى ابن حبان، والطبراني برجال الصحيح، عن عمرو بن العاص: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعثه في غزوة ذات السلاسل، فسأله أصحابه: أن يوقدوا ناراً، فمنعهم. فكلموا أبا بكر، فكلمه، فقال: «لا يوقد أحد منهم ناراً إلا قذفته فيها»([5]).

وروى الحاكم([6]) عن بريدة قال: «بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» عمرو بن العاص في سرية فيهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو ألا يوقدوا ناراً، فغضب عمر بن الخطاب، وهمَّ أن يأتيه، فنهاه أبو بكر، وأخبره أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب. فهدأ عنه([7]).

وفي حديث بريدة: أن عمر أراد أن يكلم عمرواً لما منع الناس أن يوقدوا ناراً.

وفي حديث عمرو: أن أبا بكر كلم عمرواً في ذلك.

ويجمع بين الحديثين: بأن أبا بكر سلم لعمرو أمره، ومنع عمر بن الخطاب من كلامه، فلما ألح الناس على أبي بكر في سؤاله سأله حينئذ فلم يجبه. ويحتمل أن منع أبي بكر لعمر بن الخطاب كان بعد سؤال أبي بكر لعمرو([8]) .

وروى ابن حبان، والطبراني عن عمرو بن العاص: أن الجيش لما رجعوا ذكروا لرسول الله «صلى الله عليه وآله» منعي لهم من إيقاد النار، ومن اتباعهم العدو، فقلت: يا رسول الله، إني كرهت أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم، فيكون لهم مدد، فيعطفوا عليهم.

فحمد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمره([9]).

فسار عمرو الليل، وكمن النهار، حتى وطئ بلاد العدو ودوخها كلها، حتى انتهى إلى موضع بلغه أنه قد كان به جمع، فلما سمعوا به تفرقوا.

فسار حتى إذا انتهى إلى أقصى بلادهم، ولقي في آخر ذلك جمعاً ليسوا بالكثير، فاقتتلوا ساعة، وحمل المسلمون عليهم فهزموهم، وتفرقوا (ورمي يومئذٍ عامر بن ربيعة بسهم، فأصيب ذراعه).

ودوخ عمرو ما هنالك، وأقام أياماً لا يسمع لهم بجمع ولا مكان صاروا فيه [إلا قاتلهم].

وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاء والنعم، فكانوا ينحرون ويأكلون، ولم يكن أكثر من ذلك، لم يكن في ذلك غنائم تقسم. كذا قال جماعة([10]).

قال البلاذري: فلقي العدو من قضاعة، وعاملة، ولخم، وجذام ـ وكانوا مجتمعين ـ ففضهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وغنم.

وروى ابن حبان، والطبراني، عن عمرو: أنهم لقوا العدو، فأراد المسلمون أن يتبعوهم فمنعهم.

وبعث عمرو عوف بن مالك الأشجعي بشيراً إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بقفولهم وسلامتهم، وما كان في غزاتهم([11]).

ونقول:

إن لنا مع ما تقدم وقفات، نجملها في ما يلي من مطالب:

تاريخ غزوة ذات السلاسل:

قالوا: إن غزوة ذات السلاسل كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان([12]).

وقيل: كانت سنة سبع، وبه جزم ابن أبي خالد في صحيح التاريخ([13]).

ونقل ابن عساكر الاتفاق: على أنها كانت بعد غزوة مؤتة إلا أن ابن إسحاق قال قبلها([14]).

والظاهر: أن ذلك في غير رواية زياد البكائي، التي نقلها ابن هشام في تهذيبه.. أما رواية زياد فذكرت ذات السلاسل بعد غزوة مؤتة([15]).

مقصد السرية:

هل المقصود بذات السلاسل، ماء وراء ذات القرى، وذلك من المدينة على عشرة أيام؟ أو هو موضع بناحية الشام في أرض بني عذرة.

وفي سيرة ابن هشام: ماء بأرض جذام؟([16]).

سراة المهاجرين والأنصار مع عمرو:

وقد زعموا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد بعث عمرواً في سراة المهاجرين والأنصار، ثم ذكروا بعض أسماء هؤلاء. ثم لما استمد عمرو النبي «صلى الله عليه وآله» بعث أبا عبيدة مدداً له، ومعه سراة المهاجرين، وعدة من الأنصار([17]).

ونقول:

1 ـ إن ظاهر عباراتهم أن الثلاث مئة كانوا جميعاً من سراة المهاجرين والأنصار..

ولا ندري إن كان في المهاجرين والأنصار هذا المقدار من السراة؟! وإن كان ذلك فيهم، فهل كانوا جميعاً يستطيعون المشاركة في الحرب؟!

2 ـ لماذا تخيَّر النبي «صلى الله عليه وآله» خصوص السراة ليرسلهم مع عمرو ؟!..

مع أننا لم نجده قد فعل مثل ذلك مع غيره في أية غزوة أخرى، لا قبل ذلك ولا بعده.

3 ـ إن الذين عدوَّهم من السراة، والذين كانوا مع عمرو أيضاً إنما كانوا باستثناء سعد بن عبادة من الذين يدورون في فلك غاصبي الخلافة بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أو من أقرب أعوانهم على هذا الأمر، أو من مؤيديهم فيه..

أما سعد بن عبادة، فإن سعيه للاستئثار بهذا الأمر لنفسه.. يجعله في الجهة المناوئة لعلي «عليه السلام»، فهم يقدرون له موقفه هذا، وإن كانوا يكرهونه لأجل أنه لم يسلم بالخلافة لأبي بكر، بل نافسه فيها، ونابذه، ولم يبايعه حتى اغتاله خالد بن الوليد بالشام.. ثم زعموا: أن الجن قتلته([18]).

4 ـ إن اللافت: أنهم حين ذكروا الذين كانوا مع أبي عبيدة قالوا: «بعث معه سراة المهاجرين، كأبي بكر، وعمر بن الخطاب، وعدة من الأنصار» كما تقدم.. فالسراة حسب تعبيرهم هذا هم في المهاجرين فقط.. مثل أبي بكر وعمر.. أما الأنصار فلا سراة فيهم، ولذلك جاء التعبير ليقول: «وعدة من الأنصار»، فهل السبب في هذه المفارقة: أنه لم يكن في هؤلاء الأنصار من كان يظهر النصرة والتأييد والحماس لهم، ولمشروعهم الرامي إلى غصب الخلافة من صاحبها الشرعي؟!

لا ندري!! ولعل الفطن الذكي يدري!!

علم عمرو بن العاص بالحرب:

وقد ذكروا: أن أبا بكر قال: إن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يستعمل عمروا إلا لعلمه بالحرب.

ونقول:

1 ـ إننا لم نعرف عن عمرو علماً يذكر له بالحرب سوى أنه كان إذا دهمه أمر لا يقدر على دفعه، اتقاه بعورته، كما صنع في صفين، فإنه خلَّص نفسه من سيف علي «عليه السلام» بأن كشف عن عورته، فأعرض عنه علي، فنجا عمرو بنفسه([19]).

كما أنه لم يظهر منه في غزوة ذات السلاسل ما يدل على هذه المعرفة، ولا على الشجاعة التي تحتاجها الحروب، بل ظهر منه خلافها. وسنرى أنه لا صحة لما يدَّعونه له من إنجازات فيها. وليس له في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أثر آخر يستحق الذكر في حروبه في صفوف المسلمين. كما أنه لم يظهر له ما يشير إلى شيء من ذلك، حين كان يقاتل في صفوف المشركين..

3 ـ إذا كان علم عمرو بن العاص بالحرب هو السبب في تأمير النبي «صلى الله عليه وآله» له على السرية، فلماذا لم يؤمر من هم أعرف منه بأمر الحرب، وأظهر شجاعة، وأكثر مراساً؟!

ولا نريد أن نذكر: المقداد، وأبا دجانة وأمثالهما، بل نريد أن نخص بالذكر من يحبونهم.. وينسبون لهم البطولات في المواقف المختلفة، مثل الزبير، وخالد، ومحمد بن مسلمة وسواهم، ممن يزعمون: أن لهم سوابق مشهورة ومشهودة، وآثار محمودة في هذا السبيل..

4 ـ من أين علم أبو بكر: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد ولى عمرواً هذه السرية لعلمه بالحرب.. فلعله ولاه تألفاً له؟! بل لعله ولاه ليفضح أمره فيما يدَّعيه لنفسه من بطولات، أو من إخلاص يدَّعي أنه قد بلغ فيه حداً يجعله على استعداد للتضحية بكل غال ونفيس في سبيل هذا الدين؟! فجاءت هذه القضية لتفضحه، ولتكون بمثابة تحذير للناس من أن يخدعوا بكلامه، ويصدقوه فيما يحاول أن يدلسه عليهم.

ورطة تأمير عمرو على الشيخين:

قال الصالحي الشامي:

«ليس في تأمير رسول الله «صلى الله عليه وآله» عمرواً على أبي بكر وعمر تفضيله عليهما، بل السبب في ذلك معرفته بالحرب، كما ذكر ذلك أبو بكر لعمر، كما في حديث بريدة، فإن عمرواً كان أحد دهاة العرب، وكون العرب الذين أمره رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يستعين بهم أخوال أبيه، كما ذكر في القصة، فهم أقرب إجابة إليه من غيره».

وروى البيهقي، عن أبي معشر، عن بعض شيوخه: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «إني لأؤمر الرجل على القوم، وفيهم من هو خير منه؛ لأنه أيقظ عيناً، وأبصر بالحرب»([20]).

وعن أبي عثمان النهدي قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: بعثني رسول الله «صلى الله عليه وآله» على جيش ذي السلاسل، وفي القوم أبو بكر، وعمر، فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلة عنده.

قال: فأتيته حتى قعدت بين يديه، وقلت: يا رسول الله من أحب الناس؟

قال: «عائشة».

قلت: إني لست أ سألك عن أهلك.

قال: «فأبوها».

قلت: ثم من؟

قال: «عمر».

قلت: ثم من؟ حتى عد رهطاً.

قلت في نفسي: لا أعود أسأل عن هذا،

وفي رواية الشيخين: فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم([21]).

ونقول:

1 ـ قد اتضح: أن المشكلة عند هؤلاء هو أن يتأمر عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر، فلابد من إيجاد مخرج من هذه الورطة، التي ربما تلقي بظلال غير مرغوب فيها على الهالة التي ينسجونها حول الشيخين، وما لهما من مقام عند الله ورسوله، وما لهما من ميزات وفضل في أنفسهما.

2 ـ لقد أكد الحاجـة إلى هـذا المخرج مـا يعرفونه في عمرو بن العاص ـ وهو من دهاة العرب ـ من قدرة على الاستفادة من هذا الأمر في خدمة طموحاته ورغباته.. وربما يكون غضب عمر السريع، وبلا مبرر ظاهر، في قضية المنع من إيقاد النار حتى احتاج إلى تهدئة إبي بكر، ـ إن غضبه هذا ـ قد جاء قبل أن يظهر له المخرج المناسب من هذه الورطة، فلما أظهره أبو بكر له هدأ!!

ولو صحت قصة أبي عثمان النهدي (المحرفة) فإنها تكون شاهداً على هذا أيضاً.

وقد جاء هذا المخرج على لسان أبي بكر تارة، ثم جاء منسوباً إلى النبي «صلى الله عليه وآله» تارة أخرى..

وملخصه: أن الأمارة في السرايا لا تخضع لعنوان الفضل والمقام والكرامة عند الله تعالى.

بل ليس ميزانها هو الشجاعة والإقدام أيضاً، وإنما ميزانها العلم والبصر بالحرب، ويقظة العين.

ولا مانع من التنازل عن هذه الأمور، مع الاحتفاظ بعناوين الأفضلية في سائر الجهات، التي يريدون تسويقها، لكي تُرشِّح أبا بكر وعمر لمقام الخلافة بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ولذلك هدأ عمر عندما وجد لدى أبي بكر الرد الكافي، والدواء الشافي. وهو قوله: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يول عمرواً إلا لعلمه بالحرب..

ثم نسب أبو معشر إلى بعض شيوخه أنه زعم: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «إني لأؤمر الرجل على القوم، وفيهم من هو خير منه، لأنه أيقظُ عيناً، وأبصر بالحرب».

ثم سعوا إلى تضعيف مقولة علم عمرو بالحرب، بمقولة أخرى، لا تعطيه أية مزية، سوى أن له أخوالاً يحتاج الرسول «صلى الله عليه وآله» إلى الاستعانة بهم.

ولذلك زعموا: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» إنما ولى عمرواً في تلك الغزوة لأنه أراد منه وأمره أن يستعين بالعرب الذين هم أخوال أبيه، وهم بنو بُلي([22]).

ونظن: أن موضوع الاستعانة بالأخوال قد اختلق في وقت متأخر، ولعله لأجل تعمية الأمور على الأجيال الآتية.. وذلك لأن الناس الذين حضروا الواقعة لا يفيدهم هذا التوجيه؛ إذ لا أساس له من الصحة، فلا مجال للإعتذار به لهم..

وأما حديث علم عمرو بالحرب، فيمكن معالجته بادعاءات أو بأساليب أخرى، بحسب ما يناسب كل فريق.

3 ـ أما حديث أبي عثمان النهدي فهو يرويه عن ابن العاص نفسه، وقد صاغه ابن العاص وفق هواه السياسي، وقد ظهرت على هذا النص معالم التجني والافتراء.

ولكننا لا نستطيع أن نقطع: بأن عمرواً هو الذي كذب هذا الحديث، حيث إننا لا نملك الدليل القاطع على ذلك..

بل نريد أن نقول: إننا نرجح أن يكون عمرو نفسه قد اصطنع هذا الحديث، وذلك حين احتاج إلى التزلف للشيخين، من أجل أن يحصل منهما على بعض ما يطمح إليه من مناصب وولايات.. وغنائم وإقطاعات.

4 ـ إن حديث عمرو قد تضمن: أن أحب الناس إلى النبي «صلى الله عليه وآله» عائشة، فلما قال له: إني لست أسألك عن أهلك.. أخبره: أن أحب الناس إليه أبو بكر، ثم عمر.

وروي عن عائشة وابن العاص: أنهما سألا رسول الله أي الناس أحب إليك؟

فقال: أبو بكر.

قالا: ثم من؟

قال: عمر.

فقال فتى من الأنصار: يا رسول الله، فما بال علي؟

فقال له النبي «صلى الله عليه وآله»: ما ظننت أن أحداً يسأل عن نفسه([23]).

مع أن عائشة تروي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أن أحب الناس إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فاطمة «عليها السلام» من النساء، وعلي «عليه السلام» من الرجال([24]). فأيهما نصدق؟ عائشة؟ أم عمرو بن العاص؟!

وعن شريح بن هاني عن أبيه، عن عائشة قالت: ما خلق الله خلقاً كان أحب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» من علي بن أبي طالب([25]).

ونبادر إلى القول: إننا لابد أن نصدق عائشة، لأن إجابة النبي «صلى الله عليه وآله» لها قد فرضت عليها فرضاً، وجاءت على خلاف هواها، لأنها في حق أناس تبغضهم، وقد ظهر هذا البغض في حروب طاحنة أثارتها ضدهم.

أما عمرو بن العاص فقد جاء كلامه منسجماً مع أهوائه، وقد كان يرى: أن له مصلحة في تحريف الحقائق، وإنكار فضائل علي «عليه السلام»؛ وكان يهمه أيضاً منح الفضائل لأبي بكر وعمر، لأن في ذلك إيذاء لعلي وأهل بيته «عليهم السلام»، الذين شن هو ومعاوية الحروب الطاحنة عليهم، ولأن ذلك يجلب له المنافع والمناصب، وقد كان يملك مفاتيحها، أبو بكر وعمر، ومحبوهما.

النبي يتألف الناس بعمرو، ويستنفر العرب:

وذكروا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» بعث عمرو بن العاص في ثلاث مئة يستنفر العرب للشام، وأمره أن يستعين بمن مر به من العرب من بُلَيّ، وعُذره، وبَلْقَيْن. لأنه كان ذا رحم فيه لأن أم العاص كانت بلوية([26]).

ونقول:

أولاً: إننا لم نجد ما يدل على أن البلويين، وعذرة، وبلقين قد أعانوا عمرواً في مهمته تلك. ولم يزد عدد من معه في سريته سوى أولئك الذين التحقوا به ممن جاؤوا من المدينة مع أبي عبيدة.

ثانياً: إن الكثيرين بين المسلمين كانوا ذوي رحم في تلك القبائل التي كانوا يسيرون لحربها بين الفينة والأخرى، أو كانوا يمرون عليها في مسيرهم إلى حروبهم. فلماذا لم يكن يوليهم أمارة الجيوش ليستميل بهم تلك القبائل، ويستعين بها في حروبه تلك.

ثالثاً: إن هذا النص يقول: إنه «صلى الله عليه وآله» إنما بعث عمرواً ليستنفر العرب إلى الشام، ولم يبعثه ليحارب.. فهل تعدى أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» وحارب من دون أن يكون مأموراً بذلك؟!.

رابعاً: لماذا لم يستجب لعمرو أحد من العرب؟ فبقي في الثلاث مئة الذين جهزهم معه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم أضيف إليهم مئتان جهزهم النبي «صلى الله عليه وآله» إليه أيضاً، بقيادة أبي عبيدة؟!.

خامساً: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أرسل إلى مؤتة ثلاثة آلاف مقاتل، وإلى خيبر ألفاً وخمس مئة مقاتل، وكان معه في الحديبية، نحو ذلك أيضاً، ولم نسمع أنه أرسل يستنفر العرب لأي من هذه الوقائع، وليس فيما بين أيدينا ما يشير إلى أن لدى قضاعة في بلاد الشام ما يخيف إلى هذا الحد..

على أن الذين ذهبوا مع عمرو هم خمس مئة مقاتل فقط، وقد زعموا: أنه دوخ بهم البلاد، وجال في بلادهم حتى بلغ أقصاها.. ولم يحتج في سفره ذاك لأكثر من العدد الذي جهزه رسول الله «صلى الله عليه وآله».. فلماذا بعثه يستنفر العرب إلى الشام. إذا كان ذلك يكفيه، ولا يحتاج على أحد..

اللواء.. والراية:

قد ذكروا: أنه «صلى الله عليه وآله» حين أرسل عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل «عقد له لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء»([27]).

ولا ندري لماذا كان ذلك؟! أي لماذا أعطاه الإثنين معاً؟

ولماذا اختلفت ألوانهما، هذا أبيض، وتلك سوداء؟!

فإن المفروض هو: أن تكون لمثل هذه الأفعال دلالاتها المفيدة لمعنى ظاهر، إذ ليس ذلك من الأمور التعبدية.. ولا هو من الرسوم أو العادات المتبعة في الحروب..

ونحن لم نفهم لضم الراية السوداء إلى اللواء الأبيض أي معنى، لا بالنسبة للذين أرسلهم النبي «صلى الله عليه وآله».. ولا بالنسبة لقائدهم، ولا فيما يرتبط بالتأثير على العدو في ميادين الحرب، أو نحو ذلك.

غير أننا نظن أن ذلك من تفننات محبي عمرو بن العاص، بهدف الإيحاء بأن له خصوصية مّا، ولو بهذا المقدار الذي لا معنى له، ولا طائل تحته.

هذا كله.. على فرض أن يكون ثمة اختلاف بين اللواء والراية، مع أنه قد تقدم في غزوة أحد وفي غيرها: أنهما واحد، وإن حاول بعضهم أن يدَّعي خلاف ذلك..

سراة المهاجرين والأنصار:

ويلفت نظرنا قولهم: «بعثه في ثلاث مئة من سراة المهاجرين والأنصار». ثم طلب منه عمرو المدد، «فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في ماءتين من سراة المهاجرين والأنصار، وبينهم أبو بكر وعمر»([28]).

وقد راجعنا كتب الحديث والسيرة والتاريخ، فلم نجدهم ذكروا أسماء أحد من الصحابة، تستطيع أن تبرر إطلاق وصف السراة ـ خصوصاً بنظر هؤلاء ـ سوى اسم رجلين كانوا وما زالوا يهتمون بهما، ويحاولون تعظيمهما، وهما أبو بكر، وعمر، الذين كانا مع أبي عبيدة، الذي أرسله النبي «صلى الله عليه وآله» مدداً لعمرو، ولا نرى أن ذلك يبرر إطلاق هذا التعبير بهذه الطريقة التهويلية، إلا على قاعدة: «من أجل عين ألف عين تكرم». كما أن التعبير بـ «السراة» فيه تعظيم وتفخيم لعمرو وأبي عبيدة.

خصوصاً مع علمنا: بأن مجموع عدد الصحابة قليل وليس فيهم هذا العدد الضخم من السراة، فإن السرى هو العظيم في قومه.

ووجود خمس مئة سري إنما يتوقع في أمة تعد بعشرات الألوف، وقد قلنا: إن عدد المسلمين كان قليلاً وضئيلاً جداً كما هو معلوم..

الإختلاف على الصلاة؟ أم على الإمارة؟!

1 ـ إن من الواضح: أن صلاة الجماعة منوطة في مذهب أهل البيت «عليهم السلام» بثقة المأموم بعدالة الإمام، وليست منوطة بالإمارة على الجند، ولا على غيرهم، ولا بأي منصب آخر.. فمن وثق به الناس جاز لهم أن يأتموا به في الجماعة... وقد يأتمون اليوم بشخص، ثم يأتمون غداً بغيره..

كما أن أغلب أهل السنة والجماعة يجيزون إمامة الفاسق: استناداً إلى ما رووه عن النبي «صلى الله عليه وآله»: صلوا خلف كل بر وفاجر([29]).

فلا مكان للاختلاف والتنازع في هذا الأمر، فما معنى تنازع أبي عبيدة، وعمرو بن العاص فيه؟ كما لا مجال للاستدلال على الأحقية بإمامة الصلاة بأن هذا أمير، وذاك ليس بأمير، كما أن هذا لا يدخل في باب التشاح إمامة الصلاة لأجل الحصول على الثواب، لأن اختلافهم إنما هو على الأحقية بها، حيث إن كلاً منهما يدّعيها لنفسه دون الآخر، ولأجل هذا وذاك نقول:

ألا يدل ذلك على انهم إنما يتنازعون على أمر يرون فيه مكسباً دنيوياً؟!

2 ـ إننا حين نتأمل في النصوص التي نقلت لنا هذا الحدث نلاحظ: أن موضوع الإمامة في الصلاة كان هو الواجهة، وأن مصبّ الاختلاف كان أمراً آخر، سرعان ما ظهرت دلائله، ونشرت أعلامه، ألا وهو الإمارة على السرية نفسها، حيث فهم عمرو بن العاص: أن تصدي أبي عبيدة لإمامة الصلاة ينطلق من خلفية سعيه إلى إمارة السرية، وقد وجد من بين أصحابه من يؤيده في ذلك، ولا يرضى بإمارة عمرو..

3 ـ ولعل من أبرز هؤلاء المؤيدين لأبي عبيدة أبو بكر وعمر، كما يظهر من تغيظ عمر، إلى حد أنه أراد أن يبادر إلى الاعتراض على ابن العاص، لكن نصيحة أبي بكر منعته من ذلك.. ربما لأنه وجد أن حجة عمرو ستكون أقوى، وأعظم أثراً في نفوس الناس، فآثر الخروج من حلبة الصراع بخسارة واحدة، بدلاً من خسارتين.

4 ـ ثم إن أبا عبيدة حين وجد أن الغلبة ستكون لعمرو آثر أن ينسحب من هذا المأزق بلباقة، وأن يعوض عن بعض خسارته بإظهار التسامح والتواضع والانقياد لأوامر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، التي زعم أنه أصدرها له، بقوله: قدمت على صاحبك فتطاوعا.

ثم جاء محبوه ومؤيدوه، فصرحوا بما ألمح إليه، حين وصفوه بحسن الخلق، ولين العريكة، واعتبروا أن هذا هو سبب تراجعه أمام حجة عمرو بن العاص.

المغيرة داعية فتنة ومتزلف:

ولسنا بحاجة إلى تفصيل القول فيما ذكره المغيرة بن شعبة لأبي عبيدة عن أن فلاناً من الناس قد اتبع أمير القوم.. وقول أبي عبيدة: «فأنا اطيع رسول الله «صلى الله عليه وآله» وإن عصاه عمرو».

غير أننا نكتفي بالإشارة إلى ما يلي:

1 ـ إن حركة المغيرة هذه تظهر كيف أن المغيرة يغتنم الفرصة للعبث بمشاعر الناس، وإثارة غرائزهم العدوانية تجاه بعضهم البعض، حتى لو كان هؤلاء الناس ممن يلتقي معهم في كثير من التوجهات والانتماءات، فيحاول الإبقاء على حالة التنافر، والتنافس بين أبي عبيدة وعمرو بهذا التحريض الذي مارسه في موقفه هذا.

2 ـ إن المغيرة لا يتورع عن إشراك أناس آخرين في حالة الصراع، ويسعى ليوغر صدر أبي عبيدة على (ابن فلان)، لمجرد أنه قبل بمنطق عمرو في أمر تولي عمرو للصلاة.

3 ـ إن حركة المغيرة هذه يمكن وضعها في سياق تزلف المغيرة لأبي عبيدة أيضاً.. وربما يكون سببها في ذلك هو شعور المغيرة بالضعف، والحاجة إلى مساعدة أبي عبيدة في تحقيق مأرب يعجز المغيرة عن تحقيقه بنفسه..

4 ـ والملاحظة الأخيرة لنا هنا: هي أن أبا عبيدة يصرح: بأنه يعتبر عمرواً عاصياً لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم يقدم نفسه هو على أنه مطيع لرسول الله «صلى الله عليه وآله» دونه..

فهو يشير بذلك: إلى أن قضيته مع عمرو قد تجاوزت حدود الخطأ غير المقصود، أو الخطأ في الاجتهاد لتصل إلى مستوى التمرد على الآمر، والمعصية المتعمدة لرسول الله «صلى الله عليه وآله».

وبذلك يظهر: أن ثمة اختلافاً أساسياً في موضوع عدالة الصحابة بين أبي عبيدة وبين أكثر المسلمين من غير الشيعة، الذين يصرون على عدالتهم، وعلى ان ما يرتكبونه ما هو إلا خطأ في الاجتهاد، ولا يصل إلى حد المعصية لله ولرسوله.

أخلاق أبي عبيدة:

وقد وصف الراوي أبا عبيدة: بأنه «كان رجلاً ليناً، حسن الخلق، سهلاً، هيناً عليه أمر الدنيا، يسعى لأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» وعهده».

ونقول:

1 ـ ليت أبا عبيدة كان كذلك في يوم السقيفة، حين سعى في تضييع أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ونقض تدبيره.. بل هو قد سعى في تكريس مخالفة أمر الله، وساعد وشارك في نقض عهد الله تبارك وتعالى، وذلك حين نكث بيعته لعلي «عليه السلام» في يوم الغدير، وخالف أمر الله ورسوله في التسليم لإمامته «عليه السلام»، والبخوع لأمر الله تبارك وتعالى فيها.. وكان هو وعمر بن الخطاب من أقوى المساعدين على استئثار أبي بكر بهذا الأمر.

2 ـ إن إمامة الجماعة ليست من أمور الدنيا، التي تهون على أبي عبيدة، بل هي عبادة لها ثوابها، وقيمتها المعنوية، التي لا يصح التفريط أو الاستهانة بها.

أما اعتبار قيادة السرية وإمارتها أمراً دنيوياً.. فذلك أيضاً غير مقبول، لأن هذه الإمارة أيضاً أمر عبادي، من حيث أنه موقع جهادي متقدم وحساس، وليس على المؤمن لو طلبه وسعى إليه من غضاضة..

3 ـ إن هؤلاء الذين يقدسون جميع الصحابة، ويعتقدون بعدالتهم، وإن كانوا قد مدحوا أحدهم، ودافعوا ودفعوا عنه، ما ربما ينسب إليه مما لا يليق به، ولكنهم قد سقطوا في فخ الطعن في نزاهة صحابي آخر حيث نسبوا إليه حب الدنيا والسعي إليها.. ألا وهو عمرو بن العاص نفسه.

وهذا يتنافى مع نظرتهم التنزيهية للصحابة.. إلا أن يدَّعوا: أن حب الدنيا لا ينافي العدالة التي يتحدثون عنها..

غير أننا نقول: إن حب الدنيا والتنازع عليها منقصة في الإنسان، والمفروض بأهل الإيمان والمجاهدين أن ينزهوا أنفسهم عنها. ولاسيما وهم في مواقع الجهاد، وفي ساحات التضحية.

صلاة الجماعة:

1 ـ لماذا يقع النزاع بين عمرو وأبي عبيدة على إمامة الجماعة؟! ما دام أن الأمر يرجع فيها إلى المأمومين أنفسهم، فالأمر في اختيار إمام الجماعة يعود إليهم، فهم يأتمون بمن شاؤوا.. إذ لا يجب أن يكون أمير السرية هو الإمام في الصلاة.

فاختلافهم في ذلك يدل على عدم وجود نص حاسم من رسول الله «صلى الله عليه وآله» على إمامة شخص بعينه في هذه السرية على أقل تقدير.

2 ـ إن نفس أن يتصدى أبو عبيدة لإمامة الناس يدل على أن إمامة الأمير للناس في الصلاة لم تكن مستندة إلى أوامر من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وإنما هو اعتماد على مجرد تقليد متَّبع، وعادة جرت. وهذا هو ما قصد إليه عمرو في اعتراضه على أبي عبيدة..

ويؤكد هذا المعنى: أن أبا عبيدة لم يتصد لإمامة الماءتين الذين جاء بهم.. بل تصدى لإمامة جميع الحاضرين حتى الذين جاؤوا مع عمرو، وحتى عمرو نفسه. وهذا ما أثار حفيظته، ودعاه إلى الطلب من أبي عبيدة أن يتنحى، ويترك الأمر له.

3 ـ إنه لأمر مثير للعجب أن يكون الذين أجابوا عمرو بن العاص على حجته هم خصوص المهاجرين، كما صرحت به الرواية..

بل هم خصوص المهاجرين الذين جاؤوا مع أبي عبيدة.. ونتوقع أن يكون على رأسهم عمر بن الخطاب، فإنه هو الذي يشهر سيف الاعتراض كثيراً، حيث يبدو لنا: أنه هو وربما غيره من المهاجرين معه قد اعترضوا على إمامة عمرو لهم، خوفاً من أن يؤسس ذلك لتفضيله وتقديمه عليهم في أمور أخرى..

4 ـ ولعل هذا الأمر يشير إلى أنه قد كان ثمة ضعف ظاهر في الأنصار، حيث لا يظهر منهم أي تحرك اعتراضي أو حتى استعراضي، كما نشهده لدى المهاجرين.. في العديد من المناسبات، وفي هذه السرية أيضاً.

المهاجرون يعترضون مرة أخرى:

وقد ذكرت النصوص المتقدمة: موقفاً آخر للمهاجرين في هذا السياق، فحين منعهم عمرو، هم وغيرهم من إيقاد النار ليصطلوا عليها، كلمه في ذلك بعض المهاجرين فغالظه.. ثم طلبوا من أبي بكر أن يكلمه، ففعل فتوعد أن يقذف في النار من أوقدها.

وذكروا أيضاً: غضب عمر من هذ الإجراء. وأنه همَّ أن يأتيه، فنهاه أبو بكر، وأخبره: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عنه.

ونقول:

1 ـ لماذا علت أصوات المهاجرين فقط في هذه الحادثة أيضاً؟!..

فهل كان الأنصار يخافون من الاعتراض على القائد إذا كان مهاجرياً؟!

ولماذا يخافون؟!

2 ـ لماذا يصل الأمر إلى حد المغالظة والتهديد بإلقاء الناس في النار التي يوقدونها؟!

ألم يكن بالإمكان حسم الأمر بكلمة واحدة، وهي أن إيقاد النيران يدل العدو على وجودهم في المنطقة، ولهذا الأمر سلبيات كبيرة، أدناها ضياع الفرصة المتاحة، ومنح العدو فرصاً قد تكون خطيرة على هذه السرية؟!

3 ـ إن التأييد الذي روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في هذا الإجراء إنما رواه عمرو بن العاص نفسه، لتدعيم موقفه أمام منتقديه، فليلاحظ ذلك.

4 ـ ما معنى أن يعاقب عمرو من يوقد ناراً بأن يقذفه فيها؟! فهل وردت هذه العقوبة في آية أو رواية؟ أو سمعها من رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟ أو رآه فعلها؟ أو رخص أحداً فيها؟!

ولماذا لم يعترض عليه أبو بكر: بأنه ليس من حقه أن يمارس عقوبة من هذا القبيل؟!

ولا يمكن حمل كلام عمرو على المبالغة في الوعيد، إلا إذا قامت قرينة على أنه لم يكن قاصداً لظاهر كلامه.. وهي مفقودة هنا.

التناقض والإختلاف:

إننا نراهم تارة يزعمون: أن الذين سار إليهم عمرو بسريته تلك هم قضاعة، وعاملة، وجذام، ولخم.. وأنهم جمع كثير، وأنهم كانوا مجتمعين ففضهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وغنم.

وتارة يقولون: إنه «صلى الله عليه وآله» أرسله إلى جمع من قضاعة، ولم يذكر غيرهم.

ثم يقولون: إنه وطأ بلاد العدو ودوخها كلها، حتى انتهى إلى موضع بلغه أنه قد كان به جمع، فلما سمعوا به تفرقوا.. ثم سار حتى بلغ أقصى بلادهم، فلقي هناك جمعاً ليسوا بالكثير، فاقتتلوا ساعة، وحمل عليهم المسلمون فهزموهم وتفرقوا..

ثم يذكرون: أنه أقام لا يسمع لهم بجمع ولا مكان صاروا فيه إلا قاتلهم. وكان يبعث أصحاب الخيل، فيأتون بالشاء والنعم، فكانوا ينحرون ويأكلون، ولم يكن اكثر من ذلك، ولم يكن في ذلك غنائم تقسم، كذا قال جماعة.

ويقولون في مقابل ذلك: إن النبي «صلى الله عليه وآله» أخبره أن الله سوف يغنمه في مسيره ذاك..

فترى كيف أن التناقضات ظاهرة بين هذه النصوص بحيث لا مجال للملاءمة فيما بينها كما هو ظاهر.

غنائم عمرو المكذوبة:

وقد زعمت الروايات عن عمرو بن العاص نفسه: أن النبي «صلى الله عليه وآله» دعاه، وأمره أن يأخذ ثيابه وسلاحه، وقال: يا عمرو، إني أريد أن أبعثك على جيش، فيغنمك الله، ويسلمك.

فقلت: إني لم أسلم رغبة في المال.

قال: نعم المال الصالح للرجل الصالح([30]).

ونقول:

إن هذا الكلام غير صحيح، إذ لو كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال ذلك، لكان قد تحقق، ولكان عمرو قد أتى بغنائم تحقق ما وعده به النبي «صلى الله عليه وآله»، مع أنهم يقولون: إنه قد رجع خالي الوفاض من أي شيء من ذلك، رغم أنهم يزعمون: أنه سار حتى انتهى إلى أقصى بلادهم، ودوَّخ عمرو ما هنالك. وأنه أقام أياماً لا يسمع لهم بجمع ولا مكان صاروا فيه إلا قاتلهم.

«وكان يبعث أصحاب الخيل، فيأتون بالشاء والنعم، فكانوا ينحرون ويأكلون ولم يكن أكثر من ذلك. لم يكن في ذلك غنائم تقسَّم. كذا قال جماعة»([31]).

فأين كانوا يخبئون شاءهم ونعمهم يا ترى؟! أم أنهم كانوا يأخذونها معهم أينما ذهبوا، وحيثما توجهوا؟!

أليس قد وطأ عمرو بلادهم بعساكره؟ ودوَّخ تلك البلاد؟

ولماذا فشل في العثور عليها رغم إقامته أياماً لا يسمع بجمع لهم إلا قصده؟!

ولماذا يأتي ـ كما يزعمون ـ ابن أبي حدرد وفي غزوة الغابة، ورجلان معه بإبل عظيمة، وغنم كثيرة، ويأتي أبو قتادة في خمسة عشر رجلاً فقط، بألفي شاة، ومئتي بعير، حتى يحصل كل فرد بعد إخراج الخمس من تلك السرية على ثلاثة عشر بعيراً. ثم لا يصيب عمرو بن العاص في تلك البلاد كلها إلا بعض ما استفاده في طعامهم، ولم يكن أكثر من ذلك.

إن هذا الأمر عجيب جداً، وأي عجيب!!

وهل يعقل أن لا يصدق ما أخبره به رسول الله «صلى الله عليه وآله» من أن الله يغنمه ويسلمه،؟! وهو الذي صرح القرآن بأنه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}([32]).

ألا يحق لنا بعد هذا كله، أن نشك في كثير مما ينسبه ابن العاص لنفسه، أو ينسبه له الناس؟!

ولماذا لا يكون عمرو بن العاص قد أراد أن يضع لنفسه أمجاداً، مكذوبة؟ حتى لو أدى ذلك إلى التشكيك بالنبوة والعياذ بالله؟!

وإذا كان هو الذي وضع هذه الأمور لصالح نفسه، فالسؤال هو: كيف يكذب وهو صحابي؟! أليس الصحابة عدولاً كما يزعم هؤلاء؟!

لا تأمّرنّ على اثنين:

وقالوا أيضاً:

روى ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، عن رافع ما ملخصه قال: «كنت امرءاً نصرانياً وسميت سرجس، فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله» عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل».

قال: «فقلت: والله، لأختارن لنفسي صاحباً».

قال: «فصحبت أبا بكر فكنت معه في رحله، وكان ذا عباءة، فدكية، فكان إذا أنزلنا بسطها، وإذا ركبنا لبسها، ثم شكها عليه بخلال له.

وذلك الذي يقول أهل نجد، حين ارتدوا كفاراً: نحن نبايع ذا العباءة؟!

قال: «فلما دنونا من المدينة قافلين، قلت: يا أبا بكر رحمك الله، إنما صحبتك لينفعني الله تعالى بك، فانصحني وعلمني».

قال: «لو لم تسألني ذلك لفعلت. آمرك أن توحد الله تعالى، ولا تشرك به شيئاً، وأن تقيم الصلاة، وأن تؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتغتسل من الجنابة، ولا تتأمرن على رجلين من المسلمين أبداً».

إلى أن قال: ففارقته على ذلك، فلما قبض رسول الله «صلى الله عليه وآله»، واستخلف أبو بكر على الناس قدمت عليه فقلت له: يا أبا بكر، ألم تك نهيتني عن أن أتأمر على رجلين من المسلمين؟

قال: «بلى، وأنا الآن أنهاك عن ذلك».

فقلت له: «فما حملك على أن تلي أمر الناس»؟

قال: «اختلف الناس، وخشيت عليهم الهلاك».

وفي رواية: «الفرقة، ودعوا إلي، فلم أجد بداً من ذلك»([33]).

ونقول:

إن لنا مع هذه القضية وقفات، هي التالية:

نبايع ذا العباءة؟!

قد نقل ذلك الرجل عن أهل نجد أنهم حين رفضوا بيعة أبي بكر، قالوا: نبايع ذا العباءة؟!

ونقول:

إنه وإن كان يحتمل أن تكون كلمة «ذا العباءة» قد جاءت للإشارة إلى صاحبها، ولكن من المحتمل جداً أيضاً أن يكون هذا التعبير قد جاء على سبيل الاستصغار لشأن أبي بكر، وإظهار الاستنكاف عن إعطاء البيعة له..

وقد ظهر رفض البيعة لأبي بكر لدى قبائل كثيرة، ولكن أبا بكر أصرَّ على بسط نفوذه على تلك القبائل، فكان يطالبهم بدفع الزكاة له.. فمن أبى منهم اتهمه بالكفر والارتداد، وشن الحرب عليه، وقتل الرجال، وسبي النساء والأطفال، واستولى على الأموال.

ولذلك يلاحظ: أنهم يطلقون على حروبهم لمانعي الزكاة عن أبي بكر، اسم «حروب الردة»، تعمية بذلك على الناس، وسعياً في إبطال الحقائق..

مع أن الحقيقة هي: أن هؤلاء لم يرضوا بمخالفة أمر الله، ورد توجيهات رسوله في موضوع الإمامة.. خصوصاً بعد يوم الغدير وبيعة عشرات الألوف من الناس لعلي «عليه السلام».

والظاهر: أن هؤلاء الذين ذكرهم رفيق أبي بكر، كانوا من هؤلاء الذين أوقع بهم أبو بكر.. ولم يكونوا مرتدين على الحقيقة، بل هم رفضوا الاعتراف بشرعية خلافته، والرواية المتقدمة تدل على ذلك تلميحاً، فرغم نعتهم بالإرتداد إلا أنّ ما نسبه إليهم من قول لا يعدو كونه إعلاناً برفض بيعة أبي بكر، وقد امتنعوا عن إعطاء الزكاة له تعبيراً عن هذا الرفض، فجعل ذلك أبو بكر ذريعة لاتهامهم بالارتداد، وسبباً للإيقاع بهم، وقتلهم.. وقصة مالك بن نويرة معروفة ومشهورة..

أما الذين ارتدوا بالفعل، أو أعلنوا مناقضة هذا الدين.. فهم مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وطليحة بن خويلد.. وهم إنما أعلنوا ذلك، أو ارتدوا في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، كما يعلم بالمراجعة..

أبو بكر مجبر على الخلافة:

ولسنا بحاجة إلى التعليق على ما زعمه أبو بكر مبرراً لقبوله للخلافة، غير أننا نقول:

1 ـ إن الذي أوجد الخلاف بين الناس، وكان هو الركن الرئيس فيه هو أبو بكر نفسه، ومعه صاحبه عمر بن الخطاب.

وقد بادر هو إلى ابتزاز هذا الأمر من صاحبه الشرعي، حتى قبل أن يدفن رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وهو الذي وراء حادث الهجوم على بيت فاطمة الزهراء «عليها السلام»، ومحاولة إحراقه بالنار، ثم ضربها في ذلك الهجوم، وأسقاط جنينها، إلى غير ذلك مما جرى عليها يعلمه القاصي والداني..

2 ـ أما اجتماع الأنصار في السقيفة، فلم يكن يشكل أية خطورة على وحدة المسلمين، بل كان أمرهم أهون مما نتصور..

والدليل على ذلك: أن بضعة أشخاص قد لا يبلغ عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، قد سلبوا الأنصار المجتمعين في سقيفتهم، وبحضور أكثريتهم، ما كان سعد بن عبادة يطمح له، وأراد أن يسبقهم بعد أن علم بتصميمهم على سلب هذا الأمر من صاحبه الشرعي، وهو علي «عليه السلام».

والأشخاص الذين نتحدث عنهم، والذين سلبوهم هذا الأمر هم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة.. وعاونهم من الأنصار بشير بن سعد، وأسيد بن حضير..

وهؤلاء هم الفريق الذي كان الناس يعرفون أنهم مصممون على إبعاد علي «عليه السلام» عن حقه في هذا الأمر بكل ثمن..

3 ـ إن أبا بكر هو الذي بادر مع عمر وأبي عبيدة لاقتناص الخلافة من الأنصار، ولم يطلب منه أحد منهم التدخل لحسم خلافهم فيه.. بل لم يكن قد ظهر بينهم فيه خلاف.

فما معنى قوله: إنه أراد حسم الخلاف في هذا الأمر، وأنهم دعوا إليه، فلم يجد بداً من ذلك؟!

4 ـ إذا كان الاختلاف حول هذا الأمر قد بلغ حداً يخشى أبو بكر معه على الناس الهلاك، فهل يعقل أن لا يكون هناك بيان من الله ورسوله حول هذا الأمر؟!

ألم يأمرهم الله سبحانه بالرجوع في الأمور التي يختلفون فيها إلى الله ورسوله، فقال: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}([34]).

ومن الواضح: أن أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان.. كما يقوله الشهرستاني([35]).

وهل نسي الناس ما جرى في يوم الغدير، الذي حصل قبل استشهاد رسول الله «صلى الله عليه وآله» بسبعين يوماً؟! وكذلك سائر مواقف رسول الله «صلى الله عليه وآله» الكثيرة، وأقواله الغزيرة حول إمامة علي أمير المؤمنين «عليه السلام»؟!.

الأجرة على قسمة الجزور:

عن عوف بن مالك الأشجعي قال: «كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله» عمرو بن العاص، وهي غزوة ذات السلاسل، فصحبت أبا بكر وعمر، فمررت بقوم وهم على جزور قد نحروها، وهم لا يقدرون على أن يبعضوها. وكنت امرءاً [لبقاً] جازراً، فقلت لهم: أتعطوني منها عشيراً على أن أقسمها بينكم؟

قالوا: نعم.

فأخذت الشفرة، فجزأتها مكاني، وأخذت جزءاً، فحملته إلى أصحابي، فاطَّبخناه وأكلناه.

فلما فرغوا قال لي أبو بكر وعمر: أنى لك هذا اللحم يا عوف؟

فأخبرتهما.

فقالا: والله، ما أحسنت حين أطعمتنا هذا. ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما منه.

فلما قفل الناس [من ذلك السفر]. كنت أول قادم على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فجئته وهو يصلي في بيته، فقلت: السلام عليك يا رسو ل الله ورحمة الله وبركاته.

فقال: «أعوف بن مالك»؟

فقلت: نعم، بأبي أنت وأمي.

فقال: «أصاحب الجزور»؟ ولم يزدني على ذلك شيئاً([36]).

ونقول:

لا ندري ماذا نقول حول هذا التقيؤ لما أكلاه، وكأنهما يريدان إظهار الورع عن أن يرضيا بأن يستقر طعام فيه شبهة في بطونهما، مع أنه لا مجال لادعاء الشبهة في ذلك اللحم، فهو جعالة تراضى عليها الطرفان، وقد أخذ عوف حقه الذي جعل له..

ثم إننا لا ندري لماذا يسألاه عن شأن ذلك اللحم قبل طبخه، أو قبل أو حتى أثناء أكله؟!

بل أخرا السؤال إلى أن أكلا وشبعا..

ولا ندري كذلك كيف يقفان عند شبهة لا حقيقة لها هنا، ثم يقدمان على اغتصاب إرث رسول الله «صلى الله عليه وآله» من ابنته فاطمة «عليها السلام»، وعلى اغتصاب فدك منها أيضاً.

يضاف إلى ذلك: أنهما كانا يرتزقان من بيت المال، الذي كان يحوي أموال مانعي الزكاة الذين قتلوهم، وغنموا أموالهم مثل مالك بن نويرة وأضرابه؟!

ألا يرون في ذلك كله أية شبهة توجب تقيؤ ما يأكلانه من هذا وذاك؟! ولو بمقدار الشبهة في اللحم الذي كان لعوف بن مالك أجرة له على عمل قام به؟!

هذا كله، عدا عن الشبهة في اغتصاب خلافة علي، وفي ضرب الزهراء «عليهما السلام»، وفي إسقاط جنينها، وغير ذلك من أمور!

جنابة، وصلاة:

وذكروا: أن جنابة أصابت عمرواً في طريق العودة، فتيمم وصلى بأصحابه([37])، وقد حاول بعضهم أن يثير الإشكال في صحة الجماعة إذا كانت صلاة الإمام بالتيمم.

ولكن الصحيح هو: أنه يجوز للمتوضي أن يأتم بالجنب المتيمم فلا إشكال!

رواياتهم مزيفة:

قد ظهر مما تقدم: أن رواياتهم لما جرى في سرية ذات السلاسل مليئة بالأكاذيب، حافلة بالادعاءات الباطلة، التي تكذبها الوقائع، ويدحضها المنطق السليم، والاعتبار العقلائي القويم..

غير أن بعض ما ذكروه ليس مكذوباً من أساسه، بل هو صحيح في حد ذاته، ولكنه حرِّف وزيِّف بصورة كبيرة.

الصورة الأوضح والأصرح:

ولكن ما لم يكن يدور في خلدنا هو أن يُسقط هؤلاء الناس عمدة وأهم أحداث هذه السرية. وهو ذلك الجانب الذي يظهر أن ثمة أحداثاً فريدة ومتميزة من شأنها أن تسوق الفكر إلى استقدام صور لأحداث مشابهة، على سبيل تداعي المعاني، ليتكون ـ من ثم ـ انطباع في غاية السلبية عن شخصيات كان لها أثر عظيم، ولا يزال في تصورات وفي اعتقادات طائفة كبيرة من المسلمين، مع مزيد من الاحترام والتقديس منقطع النظير..

إن الصورة الحقيقية لما حدث تبين أن ما جرى في خيبر، وفي فدك، وفي قريظة، قد تكرر في سرية ذات السلاسل أيضاً، حيث أرسل النبي «صلى الله عليه وآله» جيشه إلى ذات السلاسل، وعلى رأسه قيادات لم تستطع أن تحقق نصراً، فعادت تجر أذيال الخيبة، حتى أرسل علياً «عليه السلام»، ففتح الله على يديه، وعاد بالخبر الأكيد، والنصر الفريد، والخبر السعيد.. فظهر بذلك فضله على من سواه. والله متم نوره، ولو كره المشركون، والكافرون، والحاقدون، والشانئون..

ونحن نذكر النصوص التي ذكرت ذلك، ثم نشير إلى بعض ما يرتبط بها، وذلك فيما يأتي من مطالب.


([1]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص167 والمغازي للواقدي ج2 ص770 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص190 وعن زاد المعاد ج1 ص1118 و 1139 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص167 وعن فتح الباري ج8 ص59 والطبقات الكبرى = = ج2 ص131 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص22 وتاريخ المدينة لابن أبي شبة ج1 ص301 وعن عيون الأثر ج2 ص171 وعمدة القاري ج18 ص12.

([2]) تاريخ الخميس ج2 ص75 وعن فتح الباري ج8 ص58 وتاريخ المدينة لابن أبي شبة ج1 ص302 وسبل الهدى ج6 ص172 وعمدة القاري ج18 ص12 وج16 ص70 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص198.

([3]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص167 والمغازي للواقدي ج2 ص770 و 771 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص75 والسيرة الحلبية ج3 ص190 و 191 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج2 ص22 و 25 و 26 وج25 ص449 وعن الإصابة ج3 ص477 وعن البداية والنهاية ج4 ص312 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص516 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص199.

([4]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص168 عن أحمد والمغازي للواقدي ج2 ص770 و 771 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص75 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص22.

([5]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص168 وفي هامشه: عن الهيثمي في المجمع ج5 ص323، وقال: رواه الطبراني بإسنادين، ورجال الأول رجال الصحيح. والسيرة الحلبية ج3 ص191 وصحيح ابن حبان ج10 ص404 وموارد الظمآن ص400 تاريخ اليعقوبي ج2 ص75.

([6]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص168 وفي هامشه قال: أخرجه الحاكم ج3 ص42 في كتاب المغازي وقال: هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

([7]) وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص770 و 771 والسيرة الحلبية ج3 ص191 وعن فتح الباري ج8 ص59 والنص والإجتهاد ص337 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص41 وتاريخ مدينة دمشق ج46 ص146.

([8]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص173 وعن فتح الباري ج8 ص59.

([9]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص171 والسيرة الحلبية ج3 ص191 وعن فتح الباري ج8 ص59 وصحيح ابن حبان ج10 ص404 وموارد الظمآن ص400 وكنز العمال ج12 ص501 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص27 وج46 ص144.

([10]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص168 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص23 وعن البداية والنهاية ج4 ص312 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص517 وعن عيون الأثر ج2 ص171 والطبقات الكبرى ج2 ص131.

([11]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص168 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص770 و 771 والطبقات الكبرى ج2 ص131 وعن عيون الأثر ج2 ص172.

([12]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص167 و 172 عن ابن سعد، وتاريخ الخميس ج2 ص75 والمجموع ج2 ص284 ونيل الأوطار ج1 ص324 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص576 والديباج على مسلم ج5 ص373 وتاج العروس ج7 ص380 وعون المعبود ج1 ص365 والطبقات الكبرى ج2 ص131 وعن عيون الأثر ج2 ص171 والقاموس المحيط ج3 ص397.

([13]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص172 وتاريخ الخميس ج2 ص75 والنص والإجتهاد ص336 عن السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص272 و 274 وعن الكامل لابن الأثير ج2 ص156 والسيرة الحلبية ج3 ص190 وراجع: معجم قبائل العرب ج3 ص974 وعن فتح الباري ج8 ص58.

([14]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص75 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص172 وقد نقل هذا الإتفاق عن ابن عسكر النووي في تهذيبه، وابن حجر في فتح الباري، وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج2 ص21 وشرح مسلم للنووي ج15 ص153 وعن فتح الباري ج8 ص58.

([15]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص172عن تهذيب ابن هشام.

([16]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص75 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص172 و 168 والمغازي للواقدي ج2 ص770 والمجموع ج2 ص284 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص96 وشرح مسلم للنووي ج15 ص153 وعن عون المعبود ج1 ص364 ومعجم البلدان ج3 ص233 و 236 وعن البداية والنهاية ج5 ص238 وعن عيون الأثر ج2 ص171 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص435 والنهاية في غريب الحديث ج2 ص389 وعن فتح الباري ج8 ص58 وعون المعبود ج1 ص364 ولسان العرب ج11 ص345 وتارج العروس ج7 ص380.

([17]) تقدم مصادر ذلك.

([18]) راجع: الغدير ج7 ص150 وج9 ص379 وطرائف المقال للبروجوردي ج2 ص86 عن البلاذري في تاريخه، وحياة الإمام الحسين «عليه السلام» للقرشي ج1 ص238 ومكاتيب الرسول ج3 ص321 وحاشية رد المحتار ج1 ص371 ومعجم رجال الحديث ج9 ص76 وإكمال الكمال ج3 ص141 وتاريخ مدينة= = دمشق ج20 ص243 وتهذيب التهذيب ج3 ص412 والعـبر وديوان لمبتدأ والخبر ج2 ق2 ص64 ومجمع الزوائد ج1 ص206 وبغية الباحث ص38 والمعجم الكبير ج6 ص16 وشرح النهج للمعتزلي ج10 ص111 وعن أسد الغابة ج2 ص284 والبحار ج6 ص298.

([19]) الغدير ج2 ص161 والبحار ج32 ص512 و 585 وصفين للمنقري ص407 وكتاب سليم بن قيس (بتحقيق المحمودي) ص339 وشرح النهج للمعتزلي ج8 ص60 والأخبار الطوال للدينوري ص177 والمناقب للخوارزمي ص236 وعن مناقب آل أبي طالب ج2 ص360 والصراط المستقيم ج3 ص52.

([20]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص172 وفي هامشه عن دلائل النبوة للبيهقي ج4 ص400 وراجع: كنز العمال ج6 ص78 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص24 وج46 ص146.

([21]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص171 وقال في هامشه: أخرجه البخاري ج5 ص6ومسلم، كتاب الفضائل، وأحمد في المسند ج4 ص204 والسنن الكبرى ج6 ص170 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج44 ص220 وج46 ص247 وعن فتح الباري ج7 ص19 وتحفة الأحوذي ج10 ص260 وعن البداية والنهاية ج4 ص314.

([22]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص172 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص27 وج46 ص130 وعن أسد الغابة ج4 ص116 والنزاع والتخاصم للمقريزي ص76 وعن البداية والنهاية ج5 ص328 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص435 وج3 ص516 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1040.

([23]) شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج2 ص272 عن: السيوطي في كتاب اللآلي (ط1) ج 1 ص198 بطرق ثلاثة أو أربعة وروى بعضها أيضاً تحت الرقم: (361) من باب فضائل علي «عليه السلام» من كنز العمال (ط2) ج15ص125.

([24]) راجع المصادر التالية: المسترشد للطبري ص449 و 450 وشرح الأخبار ج1 ص140 و 429 وج3 ص55 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص111 والفضائل ص169 والطرائف ص157 وذخائر العقبى ص35 ص62 والبحار ج32 ص272 وج37 ص78 وج38 ص313 وج43 ص38 و 53 ومناقب أهل = = البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص145 و 146 و 151 و 233 وخلاصة عبقات الأنوار ج2 ص302 والغدير ج10 ص86 ومكاتيب الرسول ج3 ص672 وسنن الترمذي ج5 ص362 والمستدرك للحاكم ج3 ص157 ونظم درر السمطين ص102 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص109 وتاريخ بغداد ج11 ص428 والمناقب للخوارزمي ص79 والبحار ج3 ص157 وكنز العمال ج13 ص145 وتاريخ بغداد ج11 ص428 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص261 و 263 و 264 وتهذيب الكمال ج5 ص126 وسير أعلام النبلاء ج2 ص125 و 131 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله «عليهم السلام» للبري ص17 وإعلام الورى ج1 ص295 والمناقب للخوارزمي ص79 وكشف الغمة ج1 ص94 وج2 ص90 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي «عليه السلام» ج1 ص53 وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج2 ص39 و 55 و 151 و 320 واللمعة البيضاء للتبريزي ص179 والنصائح الكافية لمحمد بن عقيل ص50.

([25]) راجع: تاريخ مدينة دمشق ج42 ص260 وعن كفاية الطالب ص184 وقال: هذا حديث حسن رواه ابن جرير في مناقبه، وأخرجه ابن عساكر في ترجمته.

([26]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص167 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص22.

([27]) السيرة الحلبية ج3 ص190 والطبقات الكبرى ج2 ص131 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص22 وعن عيون الأثر ج2 ص171 و 314 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص167.

([28]) السيرة الحلبية ج3 ص190 والطبقات الكبرى ج2 ص131 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص22 وعن عيون الأثر ج2 ص171 و 314 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص167.

([29]) راجع: سنن أبي داود كتاب الصلاة: الباب 63 وجامع الخلاف والوفاق ص84 وفتح العزيز للرافعي ج4 ص331 والمجموع للنووي ج5 ص268 ومغني المحتاج للشربيني ج3 ص75 والمبسوط السرخسي ج1 ص40 وتحفة الفقهاء للسمرقنـدي ج1 ص229 وبدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني ج1 ص156 = = والجوهر النقي للمارديني ج4 ص19 والبحر الرائق لابن نجيم المصري ج1 ص610 وتلخيص الحبير ج4 ص331 ونيل الأوطار ج1 ص429 وشرح أصول الكافي ج5 ص254 والمسترشد للطبري والإفصاح للشيخ المفيد ص202 والمسائل العكبرية للشيخ المفيد ص54 والطرائف لابن طاووس ص232 وعوالي اللآلي ج1 ص37 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص19 وعمدة القاري للعيني ج11 ص48 وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص145 وسنن الدارقطني ج2 ص44 وتنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي ج1 ص256 و 257 ونصب الراية ج2 ص33 و 34 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج1 ص168 والجامع الصغير للسيوطي ج2 ص97 وكنز العمال ج6 ص54 وكشف الخفاء للعجلوني ج2 ص29 و 32 وشرح السير الكبير للسرخسي ج1 ص156.

([30]) السيرة الحلبية ج3 ص191 والمستدرك للحاكم ج2 ص2 وعن فتح الباري ج8 ص60 والأدب المفرد للبخاري ص72 وكنز العمال ج11 ص729 وتاريخ مدينة دمشق ج46 ص143.

([31]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص168 والمغازي للواقدي ج2 ص670 و 771 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص23 وعن البداية والنهاية ج4 ص312 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص517.

([32]) الآيتان 3 و 4 من سورة النجم.

([33]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص169 و 170 والمغازي للواقدي ج2 ص772 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1041.

([34]) الآية 10 من سورة الشورى.

([35]) الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص24 وراجع: المهذب لابن البراج ج1 ص13 ودلائل الإمامة للطبري ص16 وعن المراجعات ص51.

([36]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص171 وقال في هامشه: أخرجه البيهقي في الدلائل ج4 ص402 عن طريق ابن إسحاق، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ج1 ص50. وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص773 والسيرة الحلبية ج3 ص191 وكنز العمال ج3 ص923 و 924 وعن البداية والنهاية ج4 ص313 و 314 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1042 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص520.

([37]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص773 و 774 والسيرة الحلبية ج3 ص191 وسنن الدارقطني ج1 ص178 والمستدرك للحاكم ج1 ص117 والسنن الكبرى للبيهقي ج1 ص225 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص170 وفي هامشه عن بعض من تقدم وعن مسند أحمد ج4 ص203 وعن أبي داود ج1 ص334 و 492 وتذكرة الفقهاء (ط ج) ج2 ص157 والحدائق الناضرة ج4 ص325 وعوالي اللآلي ج2 ص209 وإيضاح الفوائد ج1 ص66.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان