نـهــايــات ونـتـائـــــج

   

صفحة :107-156   

نـهــايــات ونـتـائـــــج
 

عدد الشهداء دليل هزيمة خالد:

قد تقدم: أن البعض قد زعم: أن قلة عدد الشهداء دليل على انتصار خالد، غير أننا نقول:

إن عكس ذلك هو الصحيح، فإن عدد الشهداء الذين سقطوا في غزوة مؤتة يدل على أن خالداً لم يحارب، بل أخذ الراية وانهزم بها..

فإن المفروض: أن القادة الثلاثة، قد سقطوا قبل أخذ خالد للراية، وهم من الفرسان المشهود لهم بالشجاعة، والفروسية، ولا شك في أن الأمر لم يقتصر عليهم، بل قتل معهم اناس آخرون.

وبعد أن أخذ الراية خالد، فإذا صح أنه قد حارب، حتى اندقت في يده تسعة أسياف، وأن عدوهم كان مئتي ألف، بل مئات الألوف، وكان المسلمون ثلاثة آلاف فقط، فلابد أن نتوقع أن يقتل من المسلمين المئات، والألوف أيضاً، فإن المشركين قَتلوا في أُحد عشرات المسلمين، واستشهد في بدر مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» عدد من المسلمين، يضاهي عدد شهداء مؤتة مع أن المشركين كانوا لا يصلون إلى ألف رجل، وكان جيش المسلمين يقارب ثلث عدد المشركين، فكيف حقق خالد ما لم يحققه أبطال الإسلام في ظل قيادة رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

وإذا كان خالد قد حقق هذا الإنجاز، فلماذا يطردهم المسلمون، ويعادونهم، ويظلمونهم هذا الظلم الفاحش العجيب؟! ثم يسكت رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن ذلك..

هذا كله، بالإضافة إلى ما قدمناه من أدلة وشواهد تؤيد هزيمة خالد، بل هي تؤيد أن الذين قتلوا من المسلمين إنما قتلوا في المبارزات التي جرت قبل استشهاد القادة.

أليس بعد كل هذا الذي ذكرناه هنا وفيما سبق يصبح قول ابن كثير في البداية والنهاية: من أن قلة عدد الشهداء تشهد لانتصار خالد بمن معه وحصول الفتح على أيديهم مما يضحك الثكلى؟!.

المبارزات قللت عدد الشهداء:

وقد جرت مبارزات بين فرسان الجيشين، كما رواه عمارة بن غزية عن أبيه..

ومبارزة الفرسان أمر يتشوق له الناس في ساحات القتال، ويعطي للحرب رونقاً، ويثير حماس الشجعان، ويدعوهم إلى إظهار فنونهم، وشدتهم، وبطولاتهم.

ولعل هذا يفسر امتداد الحرب في مؤتة إلى سبعة أيام كما ذكروه([1])، وربما يساعد هذا على تفسير قلة الشهداء في صفوف المسلمين.

فقد ذكروا: أن عددهم هو ثمانية شهداء([2]).

أو اثنا عشر شهيداً([3]).

أو خمسة عشر شهيداً([4]) على أبعد تقدير.

وهذا يدل: على أن جيش الروم كان يعاني من هزيمة حقيقية في معنوياته، وأن زمام المبادرة لم يكن في يد ذلك الجيش في ساحة المعركة طيلة عدة أيام وإلى آخر ساعاتها أي لحظة قتل القادة الثلاثة، فليس صحيحاً: أن القادة قد استشهدوا في الساعات الأولى من المعركة.

ومما يدل على أن زمام المبادرة في ساحة القتال كان بيد المسلمين.. ما روي عن ابن عمر: أنه قال أتيته (يعني جعفراً) بعرق من لحم وهو مستلق آخر النهار، فعرضت عليه فقال: إني صائم، فضعه عند رأسي، فإن عشت حتى تغرب الشمس أفطرت.

قال: فمات صائماً قبل غروب الشمس([5]).

لو كان النصر للروم؟!:

ومن الأمور الجديرة بالتأمل: أن هذا الجيش الهائل الذي جمعه الروم، لم يجرؤ على ملاحقة جيش المسلمين حتى حين انسحب من المعركة، مهزوماً بفعل خالد بن الوليد..

ولو كان ذلك الجيش الهائل يرى نفسه منتصراً لحظة استشهاد القادة، أو يحتمل أن بإمكانه أن يكسب لنفسه نصراً لم يتوان عن ملاحقتهم حتى المدينة، لكي يتخلص من هؤلاء الناس الذين تجرؤوا على غزو أمبرطوريتهم في عقر دارهم وبلادهم، وشاهدوا منهم ما أذهلهم، وطاشت له ألبابهم، طيلة أيام عديدة، وكان ما جرى للقادة الثلاثة هو التتويج لتلك البطولات، الذي وضعهم على عتبة الإنهيار والاستسلام لو لم يبادر خالد إلى الفرار، وتبعه المسلمون في ذلك.

نعم، إن الله تعالى ألبسهم لباس الذل والخزي، وملأ الرعب قلوبهم وهذا هو الذي يصنع النصر كما قال «صلى الله عليه وآله»: «نصرت بالرعب». ولم يكن أمامهم أي خيار سوى لملمة جراحهم، والإنكفاء الذليل، الذي جعلهم يعيشون الحيرة، وربما الدهشة، والرضا بالنكسة التي نالتهم.

لقد استبدل خالد النصر الذي كان في متناول أيدي المسلمين بهزيمة شنعاء، نكراء نشأت عنها متاعب جمة، وتسببت بأن يعود لكيان الأمبرطورية الرومية لاستجماع قواه، وليلحق الأذى بأهل الإسلام بعد ذلك مرة بعد أخرى.

أثر مؤتة في فتح مكة:

ولا نستطيع أن نستبعد تأثير ما جرى في مؤتة التي تمثل هزيمة حقيقية لجيش ملك يهيمن على إحدى الدولتين الأعظم في العالم.. رغم أن ذلك الملك وتلك الدولة تعيش عنفواناً قوياً بلغ أقصى مداه بانتصاره على مملكة فارس، ولابد أن تكون آثار هذا النصر بالغة العمق على الدولة الرومية وعلى ملكها، الذي نذر المشي على لزيارة بيت المقدس، وقد قطع مئات الأميال من أجل الوفاء بنذره هذا.

فما معنى أن تنتصر على هذا الملك وعلى جيشه العظيم الخارج من نصر غالٍ جداً مجموعة صغيرة من الناس كانت تعيش في جاهليتها حالة الإنكفاء، والإنطواء والإنزواء في صحراء الجزيرة العربية؟!

ولابد أن يزيد هذا من ثورة الألم لدى قيصر وجيشه، وهو يرى أن هذه المجموعة الصغيرة تجتاح البلاد التي سيطر عليها عن عمد وقصد، وتصميم، ومبادرة متعمدة، رغم قلة عددها، ثلاث آلاف لتواجه مئات الألوف.. علماً بأن مئة ألف من ذلك الجيش الهائل كان من سنخ اولئك المهاجمين، ولا يختلف عنهم كثيراً في اللغة، وفي الذهنية، وفي التركيبة الإجتماعية، وفي المفاهيم، وفي العادات، والتقاليد، وما إلى ذلك.

فماذا يمكن لمشركي مكة ان يفعلوا بعد هذا كله.. وبعد أن سحق بغي اليهود، وسقطت جيوش الشرك طعمة لسيوف أهل الإيمان في المعارك المختلفة، طيلة تلك السنوات التي خلت.

الإخلاص في العمل أشد من العمل:

وروى عبد الرزاق عن ابن المسيب مرسلاً قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «مثل جعفر، وزيد، وابن رواحة في خيمة من در، فرأيت زيداً، وابن رواحة في أعناقهما صدوداً، ورأيت جعفراً مستقيماً ليس فيه صدود، فسألت، أو قيل لي: إنهما حين غشيهما الموت اعترضا، أو كأنهما صدا بوجهيهما، وأما جعفر فإنه لم يفعل، وإن الله تعالى أبدله جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء»([6]).

وروى البخاري والنسائي، عن عامر الشعبي، قال: «كان ابن عمر إذا حيَّا عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين»([7]).

قال ابن إسحاق: «ولما أصيب القوم قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ فيما بلغني ـ: «أخذ الراية زيد بن حارثة، فقاتل بها حتى قتل شهيداً».

قال: ثم صمت رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثم قال: «ثم أخذها عبد الله بن رواحة، فقاتل بها حتى قتل شهيداً».

ثم قال: «لقد رفعوا إليَّ في الجنة فيما ير ى النائم على سرر من ذهب». فذكر مثل ما سبق([8]).

وفي نص آخر: لما أصابت الجراحة ابن رواحة نكل، فعاتب نفسه، فشجع، فاستشهد([9]).

التأكيد على عظمة جعفر:

1 ـ لقد صرحت النصوص المتقدمة بما دل على أن جعفراً كان هو الأفضل والأكمل، والأصفى، والأتم والأعظم إخلاصاً لله تبارك وتعالى.. وقد جاهد في الله حق جهاده بخصائصه هذه، التي ميزته حتى عن رفيقيه في الجهاد، وفي الاستشهاد..

2 ـ إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، والشهادة هي ما بعد ذلك الباب، ولا ينال درجتها إلا من أقدم عليها طائعاً مختاراً، قاصداً القربة إلى الله تعالى.. فمن أجبر عليها حتى قتل كارهاً لموقفه فهو قتيل، وليس شهيداً.

3 ـ إن الإنسان حين يشارك في أي حرب حقيقية، فإنه يعرض نفسه لخطر محتمل، مع تفاوت درجات قوة هذا الاحتمال لديه، كما أن احتمال السلامة في أكثر مواقف الجهاد قائم أيضاً.. ولكن احتمال الخطر حتى لو كان قوياً فهو لا يجوز التخلي عن ساحة القتال بحال من الأحوال.

وأما حين يكون القتل يقينياً، فقد يجب الإصرار على مواجهة الموت، وقد يحرم ذلك فيما لو أوجب ذلك انكسار جيش الإسلام، وظهور جيش الكفر.

وقد يجب الخروج من ساحة المعركة، إذا كان في قتل هؤلاء هدر للطاقة، وتجرئة للعدو، وإضعاف لقوة الدين وأهله.

وقد يكون التعرض للقتل راجحاً، من دون أن يصل إلى حد الإلزام، كما جرى لرسولَي النبي «صلى الله عليه وآله» إلى مسيلمة، حيث خيَّرهما مسيلمة لعنه الله بين القتل، وبين الإقرار بنبوته، فرفض أحدهما فقتل، وقال له الآخر: أنت ومحمد رسول الله، فقال «صلى الله عليه وآله»: أما أحدهما فمضى على يقينه، وأما الآخر فأخذ بالرخصة([10]).

والظاهر من موقف النبي «صلى الله عليه وآله» من الفارين في مؤتة هو وجوب التصدي حتى لو تيقن بعض المقاتلين بالشهادة، لأن هذا هو الذي كان يستحق النصر على جيش الروم، وسيكون نصراً هائلاً وعظيماً في آثاره وفي بركاته..

وربما يكون من تلك البركات هو انتشار الإسلام في جميع أنحاء الدولة الرومية، وفي مناطق نفوذها.

4 ـ إن هذه النصوص وما يجري مجراها قد بينت أن على أهل الإيمان أن يحتفظوا بصفاء إيمانهم، وأن يبلغوا في إيمانهم حداً لا يشعرون معه بأن ثمة بوناً أو فجوة فيما بين الأمر الاعتقادي، وبين ما يجري في هذه الحياة الدنيا من أحداث.. فلا يظنون أن الاستشهاد في ساحات الجهاد، معناه: أن الشهيد قد أودع حفرة، تأكله فيها هوام الأرض، وبقي غيره من بعده يتمتع بالنعم، ويحصل على الأموال والإمتيازات، ويتقلب في أحضان الملذات والشهوات.

وقد أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يبين هذه الحقيقة للناس من خلال تقديم صورة حية وواقعية لما جرى للشهداء القادة في مؤتة.. فإن تقديم المفهوم الإيماني، وغيره، متجسداً في واقع ينبض بالحياة، يجعله قادراً على اقتحام القلوب والعقول، واحتلال موقعه اللائق به فيها.

وكان المثال الأكثر تأثيراً هو ذلك الذي يأتي في اللحظة التي يعيش الناس فيها أجواء إثارة وانفعال، توهج عاطفي مرتبط بشهيد اختار طريق الشهادة بوعي، وصلابة، وباندفاع، وإخلاص، وإباء في أجواء زاخرة بالتحدي الذي يتجاوز التصورات، ليلامس الخيال المغرق في البعد، حين يواجه ذلك الشهيد مئات الألوف، ويبذل كل ما يملكه غير آسف على شيء في هذه الدنيا، ولا يجد في نفسه عن الموت صدوداً، مع أنه يراه بأم عينيه، ولا يرى عنه محيداً.

5 ـ وأظهرت الملاحظة التي بينها الرسول «صلى الله عليه وآله» حول التردد الخفي الذي راود ابن رواحة، وحتى زيداً لتؤكد للناس: أن النية جزء من العمل، وان تأثير العمل في تحقيق غايته مرهون بدرجة الخلوص والإخلاص فيه، كما هو ظاهر.

إمتياز جعفر لقرابته!!

وقد ذكرت الروايات: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: رأيت جعفراً ملكاً يطير في الجنة، تدمى قادمتاه، ورأيت زيداً دون ذلك.

فقلت: ما كنت أظن أن زيداً دون جعفر.

فأتى جبرئيل «عليه السلام» وقال: إن زيداً ليس بدون جعفر، ولكنا فضلنا جعفراً لقرابته منك([11]).

ونقول:

أولاً: إن ما حصل عليه جعفر «عليه السلام» من امتيازات لم يكن لأجل قرابته من رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ وإن كان للقرابة قيمة من بعض الجهات ولأجل بعض الآثار ـ وإنما لأنه لم يجد صدوداً، ولا إعراضاً، ولا تردداً. حين واجه الموت في سبيل الله سبحانه، كما صرحت به الروايات.

ثانياً: قد تقدم في فصول سابقة من هذا الكتاب ولاسيما في غزوة خيبر: أن لجعفر «عليه السلام» من الفضل ما لا يدانيه فيه زيد ولا ابن رواحة..

ومن ذلك قوله «صلى الله عليه وآله»: خير الناس حمزة، وجعفر وعلي([12]).

فلماذا نجعل القرابة هي السبب؟!

حرب أخرى في مؤتة:

قال ابن عائذ: «وقفل المسلمون، فمروا في طريقهم بقرية لها حصن، كان أهلها قتلوا في ذهاب المسلمين رجلاً من المسلمين، فحاصروهم حتى فتحه الله عليهم عنوة، وقتل خالد مقاتلتهم»([13]).

ونقول:

إننا نحب أن نسأل:

1 ـ هل استأذن خالد ومن معه رسول الله «صلى الله عليه وآله» في قتال هذه القرية، وحصارها؟! ثم في قتل مقاتليها؟!

2 ـ إن كان أهل تلك القرية قد اعتدوا عليهم، وقتلوا منهم رجلاً، فلماذا لم يقاتلوهم في ذلك الوقت وبمجرد اعتداءهم عليهم، وقتلهم لذلك الرجل المسلم؟! ولماذا انصرف جعفر وزيد وابن رواحة عن مطالبتهم بأسباب عدوانهم ولماذا لم يطلب منهم تسليم قاتلي ذلك الرجل؟!

أم يعقل أن تكون مهمتهم حين الذهاب كانت مستعجلة، ولا يجوز فيها التواني والتأخير، ولو للمطالبة بدم شهيد منهم؟!

3 ـ كيف تجرأ أهل تلك القرية على النيل من جيش المسلمين الذي سار ذكر انجازاته وبطولاته في الآفاق، وبعد أن فتح حصون خيبر، وبعد حرب أحد، وبدر، والخندق، وسواهما؟!

4 ـ لماذا قتل خالد مقاتلتهم ولم يبقهم أسرى، ليعرض أمرهم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليبت هو في شأنهم ؟!.

النبي يرى ما جرى في مؤتة:

وقد صرحت الروايات بأنه «صلى الله عليه وآله» قد وصف لأصحابه في المدينة ما كان يجري في مؤتة لحظة وقوعه.. ثم وصف ذلك ليعلى بن أمية، ثم لعبد الرحمن بن سمرة، حتى إنه «صلى الله عليه وآله» ما ترك من أمرهم حرفاً واحداً لم يذكره.

فقد ذكر الزهري: أنهم لما عادوا أنفذ خالد رجلاً يقال له عبد الرحمن بن سمرة إلى النبي «صلى الله عليه وآله» بالخبر، قال عبد الرحمن: فسرت إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، فلما وصلت إلى المسجد قال لي رسول الله «صلى الله عليه وآله»: على رسلك يا عبد الرحمن، ثم قال: أخذ اللواء زيد فقاتل به فقتل الخ..([14]).

وروى البيهقي عن ابن عقبة، قال: «قدم يعلى بن أمية على رسول الله «صلى الله عليه وآله» بخبر أهل مؤتة، فقال رسول الله«صلى الله عليه وآله»: إن شئت أخبرني، وإن شئت أخبرك بخبرهم.

قال: بل أخبرني يا رسول الله، فأخبره رسول الله «صلى الله عليه وآله» خبرهم كله.

فقال: والذي بعثك بالحق، ما تركت من حديثهم حرفاً واحداً لم تذكره، وإن أمرهم لكما ذكرت.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «إن الله عز وجل رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم، ورأيتهم في المنام على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً عن سريريْ صاحبيه، فقلت: عم هذا؟.

فقيل لي: مضيا، وتردد بعض التردد، ثم مضى»([15]).

ونقول:

قد يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخبر كلا الرجلين يعلى بن أمية، وعبد الرحمن بن سمرة، بما جرى في مؤتة..

2 ـ إن ما ورد في رواية الزهري من أن زيداً كان أول من أخذ اللواء لا يصح.. بل كان جعفر بن أبي طالب هو الأول كما تقدم.

3 ـ قد تضافرت الروايات: في أنه «صلى الله عليه وآله» قد نعى لأهل المدينة القادة الثلاثة ووصف لهم ما جرى قبل وصول الخبر إليهم([16])، لأن الله تعالى قد رفع له الأرض حتى رأى معتركهم كما في حديث يعلى بن أمية..

وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: بينا رسول الله «صلى الله عليه وآله» في المسجد إذ خفض له كل رفيع، ورفع له كل خفيض حتى نظر إلى جعفر «عليه السلام» وهو يقاتل الكفار، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: قتل جعفر. وأخذه المغص([17]).

والذي نريد أن نقرره هنا: هو أن رؤية النبي «صلى الله عليه وآله» لأهل مؤتة، ورفع كل خفيض، وخفض كل رفيع من الأرض له ليس بالأمر الخارج عن سياق الحركة الطبيعية بالنسبة إليه «صلى الله عليه وآله».. بل هو جارٍ وفق ما رسمه الله تعالى لنبيه «صلى الله عليه وآله» من وظائف، وقرره من مهمات، وهيأ له كافة القدرات والوسائل التي تمنحه القدره على إنجازها.. فإن مقام الشاهدية على الأمة وعلى الأنبياء السابقين «عليهم السلام» الذي نطق به القرآن وهو من شؤون النبوة الخاتمة يقضي بتحقق هذا الشهود النبوي المباشر لما جرى في مؤتة..

فأما شاهديته على هذه الأمة فقد أشير إليه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً}([18]).

وقال سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً}([19]).

وعن شاهديته «صلى الله عليه وآله» على الأنبياء «عليهم السلام» قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً}([20]).

وقال سبحانه: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء}([21]).

وهذه الشاهدية تعني رؤية «صلى الله عليه وآله» بأعمال العباد، وبكل ما يقع في دائرة مسؤولياته، على مستوى الحضور والشهود وقد يسرها الله له حين جعله يرى من خلفه، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، إذ لولا ذلك لم يتمكن من الشهادة على الناس في حال نومه، أو حين يكونون خلف ظهره.

ولابد أن يكون من وسائل ذلك أيضاً: أن يرفع له الخفيض من الأرض، ويخفض الرفيع، بمعنى أن لا تمنعه الحواجز من مشاهدة أعمالهم، وأن يتمكن من رؤية نواياهم، ويطَّلع على حالاتهم النفسية، فيرى الحب والبغض، والغبطة والحسد، والفرح والحزن، وما إلى ذلك، وأن يكون مجهزاً بما يمكنه من الإحاطة بذلك كله بالنسبة إلى الأمة بأسرها، حتى بعد استشهاده «صلى الله عليه وآله».

بل لابد أن يكون له درجة أو نوع من الحضور والشهود بالنسبة للأنبياء السابقين «عليهم السلام»، ليتمكن من أن يشهد على أعمالهم في يوم القيامة، وفق ما دلت عليه الآيات المشار إليها..

وهذا معناه: أن له حياة من نوع ما، حتى في تلك الأحقاب والأزمان، يمكن أن يصدق معها قوله «صلى الله عليه وآله»: أو «كنت نبياً (أو نبئت) وآدم بين الروح والجسد»([22]).

4 ـ وآخر ما نحب الإشارة إليه هنا: هو أن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» كان يريد أن يحفظ إيمان الناس، وأن يربط على قلوبهم، ويقوي من عزيمتهم من خلال ربطهم بالغيب، وإفهامهم أنهم في موضع رعاية الله، وفي محل عنايته.. وأن تضييع النصر الأكبر على يد خالد لا يعني أن يهيمن عليهم الشعور بالخيبة، وأن يستسلموا لمشاعر الفشل. فإن الله الذي يرفع كل وضيع، ويخفض كل رفيع من الأرض لنبيه «صلى الله عليه وآله» قادر على إسقاط جبروت الملوك، وتحطيم كبريائهم الظالم..

يا فُرَّار!!:

وعلى كل حال، فإن الهاربين بقيادة خالد حين اقتربوا من المدينة لقيهم الصبيان يشتدون، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» مقبل مع القوم على دابة، فقال: خذوا الصبيان فاحملوهم، واعطوني ابن جعفر، فإتي بعبد الله بن جعفر، فأخذه فحمله بين يديه([23]).

وروى إسحاق، عن عروة، قال: لما أقبل أصحاب مؤتة، تلقاهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» والمسلمون معه([24]).

قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب، ويقولون: يا فرار، فررتم في سبيل الله!!

قال: فيقول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «ليسوا بالفُرَّار ولكنهم الكُرَّار إن شاء الله تعالى»([25]).

وروي نحو ذلك: عن أبي سعيد الخدري([26]).

وروى أحمد، وأبو داود، وابن ماجة عن عبد الله بن عمر قال: «كنت في سرية من سرايا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فحاص الناس وكنت فيمن حاص([27]).

وفي رواية: فلما لقينا العدو في أول غادية، فأردنا أن نركب البحر، فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف؟

ثم قلنا: لو دخلنا المدينة (قُتلنا)، فقدمنا المدينة في نفر ليلاً، فاختفينا.

ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» فاعتذرنا إليه، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا.

فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال: «من القوم»؟

قلنا: نحن الفَرارون.

قال: «بل أنتم الكرارون، وأنا فئتكم..».

أو قال: «وأنا فئة كل مسلم».

قال: فقبلنا يده([28]).

حدثني داود بن سنان قال: سمعت ثعلبة بن أبي مالك يقول: انكشف خالد بن الوليد يومئذٍ، حتى عيروا بالفرار، وتشاءم الناس به([29]).

قال الواقدي أيضاً: حدثني خالد بن إلياس، عن أبي بكر بن عبد الله بن عتبة، يقول: ما لقي جيش بعثوا معنا ما لقي أصحاب مؤتة من أهل المدينة، لقيهم أهل المدينة بالشر، حتى إن الرجل لينصرف إلى بيته وأهله، فيدق عليهم الباب، فيأبون أن يفتحوا له، يقولون: ألا تقدمت مع أصحابك؟

فأما من كان كبيراً من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فجلس في بيته استحياء، حتى جعل النبي «صلى الله عليه وآله» يرسل إليهم رجلاً رجلاً، يقول: أنتم الكُرار في سبيل الله! فخرجوا([30]).

حدثني مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال:

كان في ذلك البعث سلمة بن هشام بن المغيرة، فدخلت امرأته على أم سلمة زوج النبي «صلى الله عليه وآله» فقالت أم سلمة: ما لي لا أرى سلمة بن هشام؟ أشتكى شيئاً؟

قالت امرأته: لا والله، ولكنه لا يستطيع الخروج. إذا خرج صاحوا به وبأصحابه: «يا فُرار، أفررتم في سبيل الله»؟ حتى قعد في البيت.

فذكرت ذلك أم سلمة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بل هم الكرار في سبيل الله، فليخرج! فخرج([31]).

حدثني خالد بن إلياس، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: كنا نخرج ونسمع ما نكره من الناس، لقد كان بيني وبين ابن عم لي كلام، فقال: إلا فرارك يوم مؤتة! فما دريت أي شيء أقوله له.

الرسول : رؤوف رحيم:

ونقول تعليقاً على ما تقدم:

لقد عرف الناس كلهم هذا النبي الكريم «صلى الله عليه وآله» بالرحمة والرأفة بالمؤمنين، وبمناهضة التعدي والظلم، من أي إنسان على أي كان من الناس..

وقد نوه القرآن الكريم بهذه الخصال فيه، ومدحه عليها، بل أظهر بما لا يقبل الشك أنها متجذرة في أعماق أعماقه، حتى ليكاد يظن بعض الناس من ذوي الأفهام القاصرة: أنها قد تجاوزت حدود ما هو مطلوب..

قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}([32]).

وقال سبحانه: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}([33]).

غير أننا نلاحظ: أن أهل المدينة يخرجون لاستقبال الجيش العائد، بقيادة خالد، ثم يحثون التراب في وجه العائدين، ويصيحون في وجوههم: يا فرار، فررتم في سبيل الله.. ورسول الله «صلى الله عليه وآله» حاضر وناظر، لا يلوم أحداً على فعله، ولا يظهر تغيظاً، ولا يعاقب، ولا يطالب.. مع أنه نصير كل مظلوم، وإنما يكتفي بالتفوه بكلمات يسيرة على سبيل تطييب الخاطر، والسعي لإعادة المعنويات المنهارة..

بل إن هؤلاء العائدين بالفشل لا يجرؤون على شكوى أحد من الناس الذين يواجهونهم بالتأنيب واللوم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بل يكتفون بالاختباء في بيوتهم، رغم أنهم لم يقترفوا ذنباً، ولا ارتكبوا خطيئة، لا عند الشرع، ولا بنظر العرف.

كما أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه لا يسأل عن أحد منهم، ولا يتساءل عن سبب غيبتهم عن جماعته، وعن مجلسه، وعن جميع المنتديات والمجالس.

ويتأكد مضمون هذا السؤال إذا لاحظنا أن المختبئين في البيوت هم أصحاب الشأن، والأعيان منهم، حسبما صرحت به الروايات..

هل ظلم الفارون؟!

وإنما قلنا: أنهم لم يرتكبوا ذنباً بنظر الشرع، لأن الفقهاء قد ذكروا: أنه يجوز الهرب في الجهاد في أحوال ثلاثة:

الأولى: أن يزيد عدد الكفار على ضِعْفِ عدد المسلمين، والدليل على الجواز:

1 ـ قوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}([34]).

2 ـ ما رواه العامة عن ابن عباس، قال: «من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر»([35]).

3 ـ ما روي من طريق الخاصة: عن الصادق «عليه السلام»: «من فر من رجلين في القتال من الزحف فقد فر، ومن فر من ثلاثة في القتال من الزحف فلم يفر»([36]).

الحالة الثانية: أن يترك القتال، ولكن لا بنية الهرب، بل لأجل أن ينصرف ليكمن في موضع، ثم يهجم.

الحالة الثالثة: أن يتحيز إلى فئة، وهو: أن ينصرف على قصد أن يذهب إلى طائفة ليستنجد بها في القتال([37]).

وعلى هذا فإنه إذا كان عدد الفارين ثلاثة آلاف، والجيش الذي يواجههم يعد بمئات الألوف، فلماذا يلامون على الفرار؟ ولماذا يطردون؟ ولماذا يعيرون؟! ولماذا؟! ولماذا؟!

التخفيف والتلطيف:

وأما قوله «صلى الله عليه وآله» للذين اعترفوا أمامه بالفرار من الزحف: «بل أنتم الكرارون، وأنا فئتكم، أو قال: وأنا فئة كل مسلم» فأراد «صلى الله عليه وآله» به أن يؤيد اعترافهم بالفرار، ثم يخفف من وطأة ذلك على نفوسهم حين يقرر أن فرارهم يدخل في سياق التحيز إلى فئة، وبذلك يكون قد خفف عنهم بعض الألم الذي كان يعتصر قلوبهم..

وبتعبير آخر أوضح وأصرح:

إنه «صلى الله عليه وآله» إنما قال ذلك لهم على سبيل التشبيه والتنزيل والمجاز، لا على سبيل الحقيقة، إذ ليس في ظاهر حالهم حين فرارهم ما يدل على أنهم كانوا يقصدون بهذا الفرار التحيز إلى فئة. بل كان همهم النجاة بأنفسهم وحسب.

ولكن النبي «صلى الله عليه وآله» ـ كما قلنا ـ قد أراد معالجة سلبيات الهزيمة بهذا النحو من التخفيف والتلطيف، واعتبارهم كأنهم قد تحيزوا إلى فئة، حتى قال لهم: وأنا فئتكم.

ولو كان كلامه «صلى الله عليه وآله» جار على سبيل الحقيقة، لم يحتج إلى بيان من هو الفئة لهم..

لو دخلنا المدينة قتلنا!!

والأمر الأكثر إثارة، والأشد غرابة والأوضح دلالة، أن يبلغ الخوف بالفارين من الزحف حداً يجعلهم يصرحون بأنهم لو دخلوا المدينة قتلوا..

فإن هذا الخوف لا يكون لمجرد تحيزهم إلى فئة، بل هو فرارهم من الزحف..

إن لم نقل: إن ذلك قد يثير احتمال ظهور تواطؤ أو خيانة منهم اكتشفها المسلمون، فأثارت لدى مرتكبيها احتمالات القتل..

ويتأكد هذا الذي ذكرناه مع علم الجميع: بأن الفرار من وجه جيش يزيدهم عشرات الأضعاف، لا يوجب للفارين أية مجازاة أو عقوبة. أو لوم.

الحر تكفيه الإشارة:

عن الزهري: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لما أخبر الناس بقتل القادة الثلاثة «بكى أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهم حوله، فقال لهم النبي «صلى الله عليه وآله»: «وما يبكيكم»؟

فقالوا: وما لنا لا نبكي، وقد ذهب خيارنا وأشرافنا، وأهل الفضل منا؟!

فقال لهم «صلى الله عليه وآله»: لا تبكوا، فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها، فأصلح رواكبها، وبنى مساكنها، وحلق سعفها، فأطعمت عاماً فوجاً، ثم عاماً فوجاً، ثم عاماً فوجاً.

فلعل آخرها طعماً أن يكون أجودها قنواناً، وأقومها شمراخاً!!

والذي بعثني بالحق نبياً، ليجدن عيسى بن مريم في أمتي خلفاً من حواريه»([38]).

ونقول:

إن كلام رسول الله «صلى الله عليه وآله» هنا يكاد يكون صريحاً في أنه يدين ما صدر من الفارين في مؤتة، فإنه أشار إلى أن قتل الخيار لابد أن يعقبه أن تنجب الأمة فوجاً آخر من هؤلاء الخيار.

ولعل الفوج الأخير ـ الذي هو من أنصار المهدي «عليه السلام» ـ سوف يكون خيراً من حواري عيسى «عليه السلام» نفسهم.. وسيلمس عيسى «عليه السلام» ذلك حينما يظهر مع الإمام «عليه السلام»، ليقيم الحجة على النصارى في أمر بشريته، وتابعيته لوصي محمد «صلى الله عليه آله»، حيث يصلي خلفه، ويكون من أعوانه..

فيلاحظ: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يشر بشيء إلى أي نصر أنجزه خالد ومن معه، فضلاً عن تحقيق ما يستحق أن يسمى فتحاً.. بل هو «صلى الله عليه آله» قد قبل بأن المقتولين هم خيار أصحابه، وأشرافهم، وأهل الفضل فيهم.. ولا يرى في الذين سلموا في مؤتة خلفاً من الذين قتلوا، بل لابد من انتظار ظهور فوج جديد من الأخيار، والأشراف، وأهل الفضل.

النصر الضائع:

ونستطيع بعد كل هذا الذي ذكرناه وقررناه، أن نؤكد على أن كل الدلائل تشير إلى أن الفارين كانوا عارفين بعظيم جرمهم، وقبح جنايتهم، كما أن أهل المدينة كانوا عارفين بذلك، وكذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وقد كان واضحاً للجميع: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أرسلهم لإنجاز مهمة كبرى كان يعرف حجمها، ولابد ان يكون قد رسم لهم معالم حركتهم فيها، وحدد كل تفاصيلها، ولابد أن يكون عارفاً بجموع قيصر ونواياه وخططه، وكيف لا يكون كذلك، وهو قد اثبت أن لديه قدرة فائقة على رصد حركة أعدائه في مختلف البقاع والأصقاع مهما اختلفت الفئات والأنواع.

وكانت هذه المهمة من الخطورة بحيث تستحق أن يضحي من أجلها بمثل جعفر، وزيد، وابن رواحة، ولعلها كانت ستنتهي بالانتصار على جيوش قيصر، وربما بأسره، وإسلام البلاد التي يحكمها أو كان له نفوذ فيها.. ولعل هذا النصر كان سيتحقق بعد استشهاد القادة بيسر، ولكن الفرار قلب الأمور، فوقع المحذور.

ولذلك لم يتمكن الفارون من تقديم أي عذر أو تأويل، بل ربما كانوا خائفين من وصول الأمور إلى حد اتخاذ القرار بقتلهم.

ولذلك لم يتساهل أهل المدينة معهم، بل حثوا التراب في وجوههم وطردوهم، ولم يفتحوا لهم أبواب بيوتهم، كما أن النبي الكريم، والرؤوف الرحيم بالمؤمنين لم يعترض على أحد من أهل المدينة فيما يفعل، ولم يردعهم عن شيء من تصرفاتهم التي تدخل في سياق الإهانة والتحقير لهذا الجيش..

وقد قلنا آنفاً: أن الفرار من جيش يفوق عدده عدد جيش المسلمين بعشرات الأضعاف ليس جرماً ولا حراماً..

وهذا يدلنا: على أن القضية لم تكن قضية فرار وحسب، وإنما هي أدهى وأكبر، وأعظم، وأمر وأخطر، لأنها قضية تضييع أعظم نصر عرفه تاريخ البشرية.

واقتصر الأمر على مجرد تراجع جيش الروم عن تصميمه بمهاجمة المسلمين في عمق بلادهم، وفي عقر دارهم، في المدينة نفسها..

إذ إننا نرى: أن هرقل بعد أن انتصر على كسرى، طمع بالإستيلاء على الحجاز ليؤكد شوكته، وليعزز سلطانه..

فجاء بالجيوش بحجة المشي إلى بيت المقدس وفاءً بنذره، فبادر رسول الله «صلى الله عليه وآله» لمباغتته بخطة تبطل كيده، وتمزق جنده، فضيع ذلك خالد بهزيمته النكراء تلك. وإلا فكيف نفسر وجود هذه الجيوش الهائلة التي تعد بمئات الألوف في منطقة الأردن القريبة من الحجاز، بل هي على مشارفه، وقد ظهر مصداق هذا النصر في الحرب التي لم تسفر رغم امتدادها أياماً سوى عن ثمانية، وقيل: اثني عشر قتيلاً على أبعد التقادير.

مع أن العادة تقضي بأن جيشاً، قد يصل عدده إلى نصف مليون مقاتل لا يحتاج إلى استئصال ثلاثة آلاف مقاتل إلى أكثر من نهار.

النبي .. وعائلة جعفر:

عن أسماء بنت عميس رحمها الله قالت: دخل علي رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم أصيب جعفر وأصحابه، فقال: «إيتيني ببني جعفر».

فأتيته بهم فضمهم، وشمهم، وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شئ؟

قال: «نعم أصيبوا هذا اليوم».

قالت: فقمت أصيح. واجتمع إليَّ النساء([39]).

زاد الواقدي وابن سعد: فجعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: يا أسماء، لا تقولي هجراً، ولا تضربي صدراً.

قالت: فخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى دخل على ابنته فاطمة «عليها السلام» وهي تقول: وا عماه.

فقال «صلى الله عليه وآله»: على مثل جعفر فلتبكي الباكية، ثم قال: اصنعوا لآل جعفر طعاماً، قد شغلوا عن أنفسهم اليوم([40]).

وقال الواقدي: حدثني محمد بن مسلم، عن يحيى بن أبى يعلى، قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: أنا أحفظ حين دخل رسول الله «صلى الله عليه وآله» على أمي، فنعى لها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي، وعيناه تهراقان الدموع حتى تقطر لحيته. ثم قال: اللهم إن جعفراً قد قدم إلى أحسن الثواب، فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته.

ثم قال: يا أسماء، أ لا أبشرك؟

قالت: بلى، بأبى وأمى.

قال: فإن الله عز وجل جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة.

قالت: بأبى وأمى يا رسول الله، فأعلِم الناس ذلك!

فقام رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأخذ بيدى، يمسح بيده رأسي حتى رَقِي على المنبر، وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى، والحزن، يعرف عليه، فتكلم فقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه. ألا إن جعفراً قد استشهد، وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة.

ثم نزل «صلى الله عليه وآله»، فدخل بيته، وأدخلني، وأمر بطعام فصنع لأهلي، وأرسل إلى أخى فتغدينا عنده ـ والله ـ غداء طيباً مباركاً، عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته، ثم نسفته، ثم أنضجته، وأدمته بزيت، وجعلت عليه فلفلاً. فتغديت أنا وأخي معه،

فأقمنا عنده ثلاثة أيام في بيته، ندور معه كلما صار في إحدى بيوت نسائه، ثم رجعنا إلى بيتنا، فأتى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد ذلك وأنا أساوم بشاة أخٍ لي، فقال: اللهم بارك في صفقته.

فقال عبد الله: فما بعت شيئاً ولا اشتريت إلا بورك فيه([41]).

وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: إن النبي «صلى الله عليه وآله» حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جداً، ويقول: كانا يحدثاني ويؤنساني، فذهبا جميعاً([42]).

عن خالد بن الوليد قال: لما أصيب زيد بن حارثة أتاه النبي «صلى الله عليه وآله»، فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله، فبكى «صلى الله عليه وآله» حتى انتحب (أي رفع صوته في البكاء).

فقال له سعد بن عبادة: يا رسول الله، ما هذا؟!

قال «صلى الله عليه وآله»: هذا شوق الحبيب إلى حبيبه([43]).

وعن الإمام السجاد «عليه السلام»: ما من يوم أشد على رسول الله «صلى الله عليه وآله» من يوم أحد، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب، أسد الله، وأسد رسوله.

وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب.

ثم قال «عليه السلام»: لا يوم كيوم الحسين، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل الخ..([44]).

وعن العباس بن موسى بن جعفر قال: سألت أبي «عليه السلام» عن المأتم، فقال: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب دخل على أسماء بنت عميس امرأة جعفر، فقال: أين بني؟!

فدعت بهم، وهم ثلاثة: عبد الله، وعون، ومحمد. فمسح رسول الله «صلى الله عليه وآله» رؤوسهم، فقالت: إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام!

فعجب رسول الله «صلى الله عليه وآله» من عقلها، فقال: يا أسماء، الم تعلمي أن جعفراً رضوان الله عليه استشهد؟!

فبكت، فقال لها رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لا تبكي، فإن الله أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر.

فقالت: يا رسول الله، لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر، لا ينسى فضله.

فعجب رسول الله «صلى الله عليه وآله» من عقلها.

ثم قال: ابعثوا إلى أهل جعفر طعاماً فجرت السنة([45]).

وقالوا أيضاً: لما قتل جعفر بمؤتة، أمهل النبي «صلى الله عليه وآله» آل جعفر أن يأتيهم ثلاثة أيام، فندبوا.

ثم قال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، وقال: إن له جناحين يطير بهما حيث شاء من الجنة([46]).

لا تقولي هجراً، ولا تضربي صدراً:

1 ـ إن المصائب التي تحل بالناس، ولاسيما فقد الأحبة، قد تخرجهم عن حالة التوازن، فتصدر منهم بعض التصرفات غير المقبولة ولا المعقولة.. فإذا تركوا، فقد يتفاقم الأمر، ليص إلى حد الخروج عن دائرة الشرع وأحكام الدين..

ولذلك، كان من المستحسن إذا ظهرت بوادر هذا الاختلال، المبادرة إلى وضع حد يمنع من الانسياق مع أجواء الانفعال هذه لتبقى الأمور تحت السيطرة، وفي دائرة الانضباط..

والظاهر: أن ما ظهر من أسماء بنت عميس في حضرة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حين أخبرها باستشهاد زوجها جعفر بن أبي طالب يدخل في هذا السياق، فإن صياحها بحضرة الرسول «صلى الله عليه وآله»، واجتماع النساء إليها قد أظهر أنها قد تخرج تحت تأثير الفاجعة عن حدود الاتزان المعقول والمقبول في كلامها، وفي حركتها الإنفعالية التصعيدية..

فبادر النبي «صلى الله عليه وآله» إلى وضع حدٍ لهذا التصعيد حين جعل يقول لها: لا تقولي هجراً، ولا تضربي صدراً.. مع ملاحظة: أن سياق هذا التعبير يعطي أنه «صلى الله عليه وآله» قد كرر قوله هذا لها.

2 ـ يضاف إلى ما تقدم: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يعلم: أن الناس يتعاملون مع أقواله، وأفعاله، وكل ما يفعل بحضرته مع سكوته عنه، وقدرته على القبول والرد.. على أنه مسنون ومشروع..

فإذا لطمت أسماء صدرها بحضرته، وسكت عنها رسول الله «صلى الله عليه وآله».. فسيفهم الناس أن ذلك مما يشرع أو يسنّ في الشريعة بالنسبة إلى كل بيت، وقد يدخل ذلك في صميم عادات الناس وممارستهم حين يفقدون أحداً من أعزائهم.

مع أن الشهيد الذي يحسن إظهار الجزع في مأتمه، ويكون لطم الصدور فيه راجحاً هو الإمام الحسين «عليه السلام»، لأن في ذلك قوة للدين، وترسيخاً للإيمان واليقين.. فلابد من حفظ الخصوصية له صلوات الله وسلامه عليه من أجل ذلك..

فالنهي عن لطم الصدر هنا لا يعني أنه حرام، بل هو هنا لأجل أن لا يستفاد من ذلك مطلوبية هذا الأمر، بالنسبة لكل من مات أو استشهد..

على مثل جعفر فلتبك البواكي:

1 ـ ثم إن هناك نوعاً من الناس يحمل مزايا فريدة، ويتميز بإنسانية عالية وكاملة ورائدة، وأمثولة للفضيلة حية، فإذا مات أو استشهد فلابد أن يبكيه الناس كلهم، لأن فقده يعنيهم كلهم. وخسارة لهم جميعاً..

وقد بين النبي «صلى الله عليه وآله» مواصفات هؤلاء الناس من خلال النموذج الذي قدمه لهم على أنه يحمل هذه المزايا والمواصفات، وذلك حين قال: على مثل جعفر فلتبك البواكي([47]).

فالبكاء على جعفر إنما هو لأجل ما ذكرناه، لا لأنه في نسبه قريب أو صاحب أو حبيب.

وقد أوضح نص آخر: أن هذه المزايا لا حد لها ولا حصر لها في شخصية جعفر «عليه السلام».

فقد روي أنه «صلى الله عليه وآله» قال لفاطمة «عليها السلام»، حين قتل جعفر بن أبي طالب: لا تدعي بذل، ولا ثكل، ولا حَرَبٍ. وما قلت فيه فقد صدقت([48]).

فهذه العبارة الأخيرة قد أفسحت المجال لكل قول يبين سجايا جعفر ومزاياه الفاضلة، مهما كان نوع ومستوى ما يقال من تلك السجايا والمزايا. لأن كل ما يقال فيه من فضل، فهو صدق وحق وعدل..

وهذه المزايا إذا اجتمعت وتكاملت في أيٍ كان من الناس، فإنه يصبح مثلاًَ أعلى، وأسوة وقدوة، يحس الناس كلهم بالحاجة إليه، ويكون إلحاق الأذى به بمثابة التعدي عليهم، وإلحاق الأذى بهم كلهم.

فلماذا إذن لا يبكون إذا فقد، ولا يحنون إليه إذا غاب.

2 ـ ومن جهة ثانية إن هذه الكلمة وكذا النصوص المصرحة ببكاء النبي «صلى الله عليه وآله» على جعفر «عليه السلام»، وزيد بن حارثة «رحمه الله»، قد جاءت لتؤكد على مشروعية البكاء على الميت، بل على مطلوبيته بالنسبة لبعض من يموت أو يستشهد، من الأتقياء الأبرار، والعلماء الأخيار.. فلا يصح ما يزعمونه من المنع عن ذلك، وقد أشرنا إلى هذه الحقيقة في أكثر من موضع من هذا الكتاب.

مدى حزن النبي على جعفر:

وإذا أردنا أن نتصور مدى حزن النبي «صلى الله عليه وآله» على جعفر، فعلينا أن نتذكر عودة جعفر من الحبشة، فقد كان سرور النبي «صلى الله عليه وآله» بقدومه منها يوازي سروره بفتح الله خيبراً على يد أخيه علي «عليه السلام»، أو يزيد عليه..


 

فإن ذلك يعطي انطباعاً عن مستوى، ومقدار حزنه على هذا الرجل الذي أشبه خَلْقَه وخُلُقَه «صلى الله عليه وآله»، فإن مقدار الحزن لابد أن يوازي مقدار السرور هناك..

وخصوصاً إذا كان شرار الخلق قد هتكوا حرمته، حتى قضى شهيداً، وبالأخص بعد قطع يديه، وما جرى عليه، حتى إن الطعنات التي وجدت في مقدم جسده باتت تعد بالعشرات حسبما تقدم..

النبي بدون جعفر وعلي :

قال المسعودي: «وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد أن قتل جعفر بن أبي طالب الطيار، بمؤتة من أرض الشام، لا يبعث بعلي في وجه من الوجوه، إلا ويقول: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}([49])»([50]).

ونقول:

أما بالنسبة لجعفر فقد ذكرنا في حديثنا عن غزوة خيبر شبهه برسول الله «صلى الله عليه وآله»، وما كان له من قيمة عند الله، أما علي فقد صرح القرآن الكريم: بأنه «عليه السلام» هو نفس رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حيث قال في آية المباهلة:

{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ}([51]).

وقد أكد ذلك النبي «صلى الله عليه وآله» في عشرات النصوص، في العديد من المناسبات، وذلك كله يبين: أن فقد النبي «صلى الله عليه وآله» لجعفر ولعلي «عليهما السلام» معناه: أن لا يبقى له «صلى الله عليه وآله» نظير على وجه الأرض، ولذلك، كان يظهر شعوره بقيمة علي «عليه السلام»، ويعتبر أن فقده لعلي «عليه السلام» سيجعله فرداً وحيداً في هذه الحياة، ولا يعود له وارث في الأرض..

فكان لا يبعث علياً «عليه السلام» في وجه من الوجوه إلا ويقول: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}([52]).

حديث عائشة في بكاء النساء:

وربما يقال: قد روي في هذه المناسبة ما يدل على عدم صحة البكاء على الأموات، كما ذكرته عائشة فيما رواه الواقدي عنها، فقد قالت: لما قدم نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» الحزن.

قالت: قديماً ما ضرّ الناس التكلف؛ فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، إن النساء عنَّيننا مما يبكين.

قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «ارجع إليهن فأسكتهن، فإن أبين فاحث في أفواههن التراب».

فقلت في نفسي: أبعدك الله! فوالله ما تركت نفسك، وما أنت بمطيع رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وروى الواقدي أيضاً عن عائشة: «أنا أطَّلع من صير الباب فأسمع هذا»([53]).

ونقول:

إنه يمكن قبول هذه الرواية، إذا كان ذلك الرجل يريد أن يشتكي من أن بكاء النساء قد تجاوز الحدود المعقولة وصار يوجب إلحاق العناء بالناس، كما صرحت به الرواية.

أو أنه صار كأنه يمثل نوعاً من الاعتراض على الله سبحانه..

أو أنه بلغ حداً من شأنه أن يضر بمعنويات المجتمع الإسلامي، ويوهن من عزيمته، ويحد من الإقبال على الجهاد في سبيل الله.. فلابد من التصدي لهذه المبالغات لتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي.

وهذه الاحتمالات معقولة، ومقبولة، وتنسجم مع سائر ما دل على جواز البكاء على الأموات.

غير أن في النص أمراً آخر، لابد من الوقوف عنده، وهو أن عائشة تقول: إنها كانت تسمع هذا وهي تطَّلع من صير الباب. حيث إننا لا نظن أن يرضى النبي «صلى الله عليه وآله» بهذا العمل منها.. ولو أنه رآها تفعل ذلك، أو أن أحداً ذكر له ذلك عنها لزجرها وأنبها، وأعلن عن عدم رضاه بهذه الجرأة، وبهذا التجسس عليه، الهادف إلى الإطلاع على ما يريد ستره عنها، وهو أمر قد نهى عنه القرآن، وأكدت على رفضه وأدانته كلمات رسول الله «صلى الله عليه وآله» في المناسبات المختلفة.

أسماء وتعريف الناس بفضل جعفر:

وقد صرحت الروايات المتقدمة: بأن أسماء قد طلبت من النبي «صلى الله عليه وآله»: أن يعلم الناس بما حبا الله تعالى به جعفراً «عليه السلام»، فأجاب طلبها رضوان الله تعالى عليها، وأخبر الناس من على منبره بذلك.

ونقول:

لقد أظهرت أسماء عقلاً راجحاً، واتزاناً واضحاً، حين طلبت من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يذكر للناس فضل جعفر، كما صرحت به الرواية المتقدمة عن الإمام الكاظم «عليه السلام»، لأن هدف أسماء رحمها الله تعالى لم يكن هو الفخر، والتباهي أمام الناس بهذا العطاء الإلهي لجعفر «عليه السلام»، لتكون قد استغلت دمه الشريف لأهداف دنيوية، وإثارات فارغة..

بل كان هدفها:

أولاً: أن يستفيد الناس من هذه الأمثولة الرائدة المزيد من الاندفاع للتضحية، والبذل والعطاء في سبيل الله تعالى. وأن يتضاعف حرصهم على نيل المقامات السامية، والحصول على المزيد من التطهير والتزكية لنفوسهم وقلوبهم.

ثانياً: إنها أرادت أن تبين للناس: أن ما يثيره الحاقدون من أجواء تشكيكية بفضل جعفر «عليه السلام»، وبهجرته وجهاده، ما هو إلا سموم تنضح من أنياب أفاعٍ يلذ لها أن تنهش بأجساد الأخيار والأبرار، وان ما تظهره تلك الأراقم من لين الجانب ونعومة الملمس إنما يخفي وراءه السم الناقع، والغدر الذميم والبغيض.

ولأجل ذلك استجاب لها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولم نلاحظ أن لديه أي تحفظ على ما طلبته، ولو أنه شعر بأنها تسعى لنيل شيء من حطام الدنيا، حتى لو كان ذرة من حب التفاخر والتباهي لأظهر لها ذلك، ولكان وعظها وحذَّرها، ولرفض طلبها، إذ لا يمكن أن يرضى لنفسه أن يكون له أي أثر في تمكينها من تحقيق أهداف من هذا القبيل.

ويعزز هذا الذي نقوله: أن أسماء كانت معروفة بالعقل والإتزان، وبالالتزام والتقوى. ولم يلاحظ أحد على سلوكها وتصرفاتها أنها ممن كان يسعى لاستجلاب المنافع الدنيوية لنفسها.

بل الظاهر من حالها وحياتها هو: مراعاة أحكام الشرع، والاهتمام بما يرضي الله سبحانه..

ويدل على ذلك: ما روي من شهادة النبي «صلى الله عليه وآله» لها بأنها من أهل الجنة، أو من المؤمنات([54]). وأن نجابة ولدها محمد بن أبي بكر أتت من قبلها([55]).

على أن الوقت الذي طلبت فيه أسماء رحمها الله من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يعرف الناس بفضل جعفر، كان وقت وقوع الصدمة عليها، وهو الوقت الذي تلتهب فيه المشاعر إلى أقصى مدى، فلا يبقى مجال للتفكير في أمثال هذه القضايا، أو الانسياق وراء هذه الأوهام.

إتخاذ الطعام في أيام العزاء سُنة:

قال السهيلي معلقاً على حديث الطعام لأبناء جعفر «عليه السلام»: هو أصل في طعام التعزية، ويسميه العرب «الوضيمة».

كما تسمي طعام العرس: «الوليمة».

وطعام القادم من السفر: «النقيعة».

وطعام البناء: «الوكيرة»([56]).

والدليل الصحيح والأدق في موضوع طعام التعزية هو ما روي عن الإمام جعفر الصادق «عليه السلام» قال: «لما مات جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» فاطمة «عليها السلام» أن تتخذ طعاماً لأسماء بنت عميس، وتأتيها ونساؤها ثلاثة أيام، فجرت بذلك السنة: أن يصنع لأهل الميت ثلاثة أيام طعام»([57]).

زيارة عوائل الشهداء:

وقد أظهرت النصوص المتقدمة: أن سيد الرسل وأفضل الخلق «صلى الله عليه وآله»، الذي كان لا يتعامل مع الأمور بمنطق العشائرية والقبلية، بل بروح رسالية، وتوجيه إلهي كان يزور بيوت الشهداء، ويواسي عوائلهم، ويجهش بالبكاء، ويشاركهم فيما يظهرونه من أسى وألم..

الأمر الذي يجسد رقته «صلى الله عليه وآله» وحنانه، ورأفته، كما أنه يؤكد رعايته، وأبوته لتلك العوائل بصورة عملية وواقعية.

ثم هو يدلل على درجة عالية من الإخاء والمصافاة والوفاء.. بين الناس وبين موقع القيادة، حتى على مستوى النبوة الخاتمة، حيث إن هذا النبي الكريم والعظيم يعامل من يقر بنبوته، ويتبع رسالته بهذه الروح، بعيدا عن أي حالة تشي بتمييز نفسه عنهم، أو حتى بأية خصوصية له دونهم، فهو فيهم كأحدهم، يفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، وتندمج روحه بأرواحهم حباً، ويذيبها الحنين إليهم شوقاً.

شهداء في قبر واحد، وإخفاء القبر:

قال ابن عنبة: «دفن جعفر، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة في قبر واحد، وعمي القبر»([58]).

ولم تبذل محاولة حقيقية لتحديد موضع دفنهم رضوان الله تعالى عليهم إلا في العصور المتأخرة..

وقد كان من الطبيعي: أن يُعَمَّى موضع قبور الشهداء، فإن المنطقة قد بقيت في يد الأعداء، إلى أن ظهر الإسلام فيها، ولكن لم يكن هؤلاء المسلمون ممن يهتمون بإظهار أمر آل أبي طالب، بل كان اهتمامهم منصباً على ما يناقض ذلك..

وقد أخفي قبر علي بن أبي طالب «عليه السلام» حوالي مئة سنة إلى أن أظهره الإمام الصادق «عليه السلام» في عهد المنصور العباسي.

كيف وقد نبش الحجاج ثلاثة آلاف قبر من أجل أن يعثر على جسد علي «لكي يحرقه»، ولا يبقي له أثراً، فلم يمكنه الله من ذلك([59]).

وقد أخفي قبر زيد بن علي، ثم لما عرف صلبوه سنوات، ثم أحرقوه([60]).

وعلينا أن لا ننسى قبر الزهراء «عليها السلام» الذي لا يزال مجهولاً إلى يومنا هذا.

ولعلها حين ارادت إعلان الاحتجاج على الذين آذوها وضربوها، وأسقطوا جنينها، واغتصبوا منها فدكاً وسواها..

أرادت أيضاً: أن تحفظ جثمانها الطاهر من أن يتعرض للنبش والهتك من قبل من حاول نبش قبر ولدها الإمام الحسين «عليه السلام»، وزوجها علي، ونبش قبر حفيدها زيد، كما هو ظاهر.


([1]) السيرة الحلبية ج3 ص67 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص151.

([2]) المغازي للواقدي ج2 ص769 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص154 وعن السيرة النبوية لابن هشام (ط محمد علي صبيح) ج3 ص840 البدايـة والنهايـة ج4 = = ص295 عن ابن إسحاق، وعن عيون الأثر ج2 ص169 عن ابن إسحاق، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص489.

([3]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام (ط محمد علي صبيح) ج3 ص840 والبداية والنهاية ج4 ص295 عن ابن هشام، وعن عيون الأثر ج2 ص169 عن ابن هشام أيضاً.

([4]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص155 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص36 و 37.

([5]) السيرة الحلبية ج3 ص69 و (ط دار المعرفة) ج2 ص768.

([6]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص153 والسيرة الحلبية ج3 ص68 و 69 ورسائل المرتضى ج1 ص406 والمصنف للصنعاني ج5 ص266 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص73.

([7]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص154 عن البخاري ج7 ص94 وذخائر العقبى ص216 وفضائل الصحابة ص18 وعن صحيح البخارى (ط دار الفكر) ج4 ص209 وج5 ص87 والمستدرك للحاكم ج3 ص41 وتحفة الأحوذي ج10 ص183 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص48 والمعجم الكبير ج2 ص109 وج12 ص204 وكنز العمال ج13 ص448 وتاريخ مدينة دمشق ج27 ص262 وأسد الغابة ج1 ص289 وتهذيب الكمال ج5 ص55 وسير أعلام النبلاء ج1 ص212 و 215 وج3 ص459 وتهذيب التهذيب ج2 ص84 والإصابة ج1 ص594 وعن البداية والنهاية ج4 ص280 و 292.

([8]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص154 عن ابن إسحاق، وتاريخ الخميس ج2 ص73 وراجع: البحار ج21 ص53 و 54 ومجمع الزوائد ج6 ص160 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص69 وكنز العمال ج10 ص386 وعن أسد الغابة ج1 ص288 وتاريخ مدينة دمشق ج28 ص120 وعن البداية والنهاية ج4 ص280 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص834 وعن عيون الأثر ج2 ص167 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص463.

([9]) المغازي للواقدي ج2 ص762 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص68 والدرجات الرفيعة ص76 والطبقات الكبرى ج3 ص530 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص14 وج19 ص369 وج28 ص127 والبداية والنهاية ج4 ص282 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص467 الدرجات الرفيعة ص76 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص530 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص14 وج19 ص369 وج28 ص127.

([10]) راجع: البحار ج29 ص405 والتبيان ج2 ص453 ومجمع البيان ج2 ص274 والنصائح الكافية لابن عقيل ص226 وتفسير القرآن للصنعاني ج2 ص362 و 363 والنصائح الكافية ص226.

([11]) المغازي للواقدي ج2 ص762 وكنز العمال ج11 ص665 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص38 وتاريخ مدينة دمشق ج19 ص369.

([12]) قاموس الرجال ج2 ص602 عن مقاتل الطالبيين ص3 ـ 10 والبحار ج21 ص60 وشجرة طوبى ج2 ص297 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص72 والدرجات الرفيعة ص7 وشرح إحقاق الحق ج15 ص261.

([13]) سبل الهدى والرشاد ج 6 ص 155 وعن فتح الباري ج7 ص395 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج2 ص16.

([14]) البحار ج 21 ص50 و 51 عن أمالي الطوسي ص 87 و 88 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج 6 ص54 عن الحكيم الترمذي في الثالث والعشرين بعد المئة من فوائده، ومقاتل الطالبيين ص7 والأمالي للطوسي ص141 وكنز العمال ج10 ص387 وعن الدر المنثور ج2 ص245 وبشارة المصطفى ص432 .

([15]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص153 والبداية والنهاية ج4 ص247 و (ط دار إحياء التراث العربي) ص280 ومجمع الزوائد ج6 ص160 والسيرة الحلبية ج3 ص68 و 69 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص73 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص69 وتاريخ مدينة دمشق ج28 ص121 وأسد الغابة ج3 ص159 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص834 وعن عيون الأثر ج2 ص168 والسيرة النبوية ج3 ص463.

([16]) إعلام الورى ص111 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص213 عن صحيح البخاري، والبحار ج21 ص56 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص70 وج8 ص154 وعن مناقب آل أبي طالب ج1 ص177 وعن ذخائر العقبى ص218 وعن صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص184 والسنن الكبرى للنسائي ج1 ص616 وج4 ص26 والمعجم الكبير ج2 ص205 ودلائل النبوة للأصبهاني ص90 وراجع: شرح الأخبار ج3 ص206 والغدير ج6 ص162 ومسند أبي يعلى ج7 ص205 وكنز العمال ج10 ص562 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص39 والكامل لابن عدي ج2 ص276 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص18 وج16 ص237 وج28 ص127 وتهذيب الكمال ج14 ص508 وعن البداية والنهاية (وط دار إحياء التراث) ج4 ص281 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص463 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص153.

([17]) الكافي ج 8 ص 308 الحديث رقم 565 و (ط دار الكتب الإسلامية) ص376 والبحار ج 21 ص 58 وشرح أصول الكافي ج12 ص538 والأنوار العلوية ص19.

([18]) الآية 45 و 46 من سورة الأحزاب.

([19]) الآية 8 من سورة الفتح.

([20]) الآية 41 من سورة النساء.

([21]) الآية 89 من سورة النحل.

([22]) الإحتجاج ج2 ص248 والفضائل لابن شاذان ص34 والبحار ج15 ص353 وج50 ص82 والغدير ج7 ص38 وج9 ص287 ومسند أحمد ج4 ص66 وج5 ص59 و 379 وسنن الترمذي ج5 ص245 ومستدرك الحاكم ج2 ص609 ومجمع الزوائد ج8 ص223 وتحفة الأحوذي ج7 ص111 وج10 ص56 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص438 والآحاد والمثاني ج5 ص347 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص179 والمعجم الأوسط ج4 ص272 والمعجم الكبـير ج12 ص73 وج20 ص353 والجـامع الصغير ج2 ص296 وكـنز = = العمال ج11 ص409 و 450 وتذكرة الموضوعات للفتني ص86 وكشف الخفاء ج2 ص129 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص264 عن ابن سعد، ومستدرك سفينة البحار ج2 ص392 و 522 عن كتاب النكاح، وعن فيض القدير ج5 ص69 وعن الدر المنثور ج5 ص184 وفتح القدير ج4 ص267 والطبقات الكبرى ج1 ص148 وج7 ص59 والتاريخ الكبير للبخاري ج7 ص274 وضعفاء العقيلي ج4 ص300 والكامل لابن عدي ج4 ص169 وج7 ص37 وعن أسد الغابة ج3 ص132 وج4 ص426 وج5 ص377 وتهذيب الكمال ج14 ص360 وسير أعلام النبلاء ج7 ص384 وج11 ص110 وج13 ص451 ومن له رواية في مسند أحمد ص428 وتهذيب التهذيب ج5 ص148 وعن الإصابة ج6 ص181 والمنتخب من ذيل المذيل ص66 وتاريخ جرجان ص392 وذكر أخبار إصبهان ج2 ص226 وعن البداية والنهاية ج2 ص275 و 276 و 392 وعن الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج1 ص166 وعن عيون الأثر ج1 ص110 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص288 و 289 و 317 و 318 ودفع الشبه عن الرسول ص120 وسبل الهدى والرشاد ج1 ص79 و 81 و 83 وج2 ص239 وعن ينابيع المودة ج1 ص45 وج2 ص99 و 261.

([23]) السيرة الحلبية ج 3 ص69 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص323 وعن البداية والنهاية ج4 ص283 و 289 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص836 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص469 و 479.

([24]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص155 و 156 والسيرة الحلبية ج 3 ص 69 وتاريخ الخميس ج2 ص72 والبحار ج21 ص54 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص323 وعن البداية والنهاية ج4 ص283 و 289 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص469 و 478 وإعلام الورى ص111 و 112 و (ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث) ج1 ص215 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص836.

([25]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص155 و 156 والطبقات لابن سعد ج2 ق1 ص93 والسيرة الحلبية ج3 ص69 وتاريخ الخميس ج2 ص72 والبحار ج21 ص57 عن إعلام الورى ص111 و 112 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص215 والمغازي للواقدي ج2 ص764 و 765 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص323 وعن البداية والنهاية ج4 ص283 و 289 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص469 و 479 وعن مناقب آل أبي طالب ج1 ص177 والبحار ج21 ص57 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص836.

([26]) المغازي للواقدي ج2 ص764 و 765.

([27]) كتاب الأم للشافعي ج4 ص180 والمجموع للنووي ج19 ص291 ونيل الأوطار ج8 ص79 والمسند للشافعي ص207 وعن مسند احمد ج2 ص70 وسنن أبي داود ج1 ص596 وسنن الترمذي ج3 ص130 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص76 وتحفة الأحوذي ج5 ص309 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص733 والأدب المفرد ص209 ومسند أبي يعلى ج10 ص128 والمنتقى من السنن المسندة ص263 وتفسير الميزان ج9 ص58 وعن تفسير القرآن العظيم ج2 ص306 وعن الدر المنثور ج3 ص174 وفتح القدير ج2 ص295 وتاريخ مدينة دمشق ج51 ص266 وعن البداية والنهاية ج4 ص283 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص470 وسبل الهدى والرشاد ج1 ص496 وج6 ص156 وج7 ص151.

([28]) سبل الهدى والرشاد ج7 ص151 وج6 ص 156 وقال في هامشه: أخرجه أبو داود ج2 ص52 ح2647 والترمذي ج4 ص186 ح1716 وأحمد في المسند ج2 ص111 والبيهقي في السنن ج9 ص78 وأبو نعيم في الحلية ج9 ص57 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص69 وراجع: الأحكام ليحيى بن الحسين ج2 ص502 والمجموع للنووي ج19 ص291 ونيل الأوطار ج8 ص79 و 80 وفقه السنة ج2 ص653 وعن مسند أحمد ج2 ص70 و 111 وسنن أبي داود ج1 ص596 وسنن الترمذي ج3 ص130 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص76 و 77 وتفة الأحوذي ج7 ص437 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص733 والأدب المفرد للبخاري ص209 وتفسير مجمع البيان ج9 ص58 والجامع لأحكام القرآن ج7 ص383 وعن تفسير القرآن العظيم ج2 ص306 وعن الدر المنثور ج3 ص174 وفتح القدير ج2 ص296 وتاريخ مدينة مشق ج51 ص266 وعن البداية والنهاية ج4 ص284 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص470.

([29]) المغازي للواقدي ج2 ص764 والبحار ج21 ص62 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص70.

([30]) المغازي للواقدي ج2 ص764 و765 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص323 والبحار ج21 ص59 وشرح النهج ج15 ص70.

([31]) عن السيرة النبوية ج4 ص30 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص323 والمغازي للواقدي ج2 ص764 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص156 وتاريخ الخميس ج2 ص72 وعن أسد الغابة ج5 ص625 وعن الإصابة ج3 ص131 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص323 وعن البداية والنهاية ج4 ص284 وعن السيرة النبوية لابن هشام ص836 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص471.

([32]) الآية 59 من سورة آل عمران.

([33]) الآية 128 من سورة التوبة.

([34]) الآية 66 من سورة الأنفال.

([35]) سنن البيهقي ج9 ص76 والحاوي الكبير ج14 ص182 والمغني ج10 ص543 والعزيز شرح الوجيز ج11 ص405 ومنهى المطلب (ط ق) ج2 ص907 وتذكرة الفقهاء (ط ق) ج2 ص411 و (ط ج) ج9 ص58 والمجموع للنووي ج19 ص291 والمغني لابن قدامة ج10 ص551 والشرح الكبير ج10 ص386 وكشف القناع ج3 ص50 ونيل الأوطار ج8 ص80 والمعجم الكبير ج11 ص77 وكنز العمال ج4 ص433 وعن أحكام القرآن للجصاص ج2 ص612 وعن الدر المنثور ج3 ص174.

([36]) الكافي ج5 ص34 ح1 والتهذيب ج6 ص174 ومنتهى المطلب (ط ق) ج2 ص907 وتذكرة الفقهاء (ط ق) ج1 ص411 و (ط ج) ج9 ص58 ودعائم = = الإسلام ج1 ص370 ومستدرك الوسائل ج11 ص69 ومختلف الشيعة ج4 ص389 وإيضاح الفوائد ج1 ص356 ومسالك الأفهام ج3 ص25 وجواهر الكلام ج21 ص58 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص84 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص63 والبحار ج94 ص34 وتفسير العياشي ج2 ص313 والتفسير الأصفى ج1 ص447 ونور الثقلين ج2 ص139 و 166.

([37]) راجع ما تقدم في تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي (ط ق) ج1 ص411 و (ط ج) ج9 ص61 وجواهر الكلام ج21 ص58 والمهذب لابن البراج ج1 ص304 وجامع المقاصد ج3 ص382 والتحفة السنية (مخطوط) للجزائري ص199.

([38]) البحار ج21 ص51 والأمالي للطوسي ص88 ومقاتل الطالبيين ص7 و 8 وبشارة المصطفى ص432 وكنز العمال ج12 ص181.

([39]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص153 والبحار ج79 ص92 وتهذيب الكمال ج5 ص60 و 61 وعن البداية والنهاية ج4 ص286 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص474 ومسند ابن راهويه ج5 ص41 والمعجم الكبير ج24 ص44 وعن أسد الغابة ج1 ص289 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص835.

([40]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص153 وعن أحمد، وابن ماجة، والمغازي للواقدي ج2 ص766 والسيرة الحلبية ج3 ص68 والبحار ج21 ص63 عن المعتزلي والطبقات الكبرى ج8 ص282 وشرح أصول الكافي ج7 ص190 والإحتجاج ج1 ص173 وعن ذخائر العقبى ص218 والنص والإجتهاد ص296 والمصنف للصنعاني ج3 ص550 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص71 والدرجات الرفيعة ص76 وعن أسد الغابة ج1 ص289 وتهذيب الكمال ج5 ص61 وج35 ص374 وسير أعلام النبلاء ج1 ص211 وأنساب الاشراف ص43.

([41]) المغازي للواقدي ج2 ص766 و 767 والسيرة الحلبية ج3 ص68 والبحار ج79 ص92 وج21 ص56 و 57 عن إعلام الورى ص111 و 112 ومسكِّن الفؤاد ص69 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص71 والدرجات الرفيعة ص76 وتاريخ مدينة دمشق ج27 ص257 وكنز العمال ج13 ص477 وشجرة طوبى ج2 ص300.

([42]) البحار ج21 ص55 وج79 ص104 عن من لا يحضره الفقيه ج1 ص127 ومنهى المطلب (ط ق) ج1 ص466 وتذكرة الفقهاء (ط ج) ص2 ص118 = = و (ط ق) ج1 ص56 والحدائق الناضرة ج4 ص163 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص280 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص922 ومسكن الفؤاد للشهيد الثاني ص69 ونهاية الأحكام ج2 ص289 والذكرى للشهيد الأول ص70.

([43]) تاريخ الخميس ج2 ص74 مستدرك الوسائل ج2 ص465 ومكارم الأخلاق ص22 ومسكن الفؤاد للشهبد الثاني ص96 والبحار ج16 ص235 و 236 والإخوان لابن أبي الدنيا ص152 وفيض القدير ج3 ص695 والدرجات الرفيعة ص439 والطبقات الكبرى ج3 ص47 وتاريخ مدينة دمشق ج19 ص371 وسير أعلام النبلاء ج1 ص230.

([44]) أمـالي الصدوق ص374 المجلـس السبعـون و(ط مؤسـسـة البعثة) ص547= = والبحار ج22 ص274 و ج44 ص298 والعوالم (الإمام الحسين «عليه السلام») للبحراني ص348 و 349 ومقتل الحسين «عليه السلام» لأبي مخنف ص176 والأنوار العلوية للنقدي ص442.

([45]) البحار ج21 ص55 وج76 ص83 والمحاسن للبرقي ج2 ص420 الحديث رقم 194 وراجع: مستدرك الوسائل ج2 ص473.

([46]) تاريخ الخميس ج2 ص75 والمجموع للنووي ج1 ص296 والشرح الكبير لابن قدامة ج1 ص106 ونيل الأوطار ج1 ص155 وذخائر العقبى ص219 وعن مسند أحمد ج1 ص204 وسنن أبي داود ج2 ص288 وسنن النسائي ج8 ص182 ومجمع الزوائد ج6 ص157 وعن فتح الباري ج7 ص394 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص180 و 407 ورياض الصالحين للنووي ص645 والطبقات الكبرى ج4 ص37 وتاريخ مدينة دمشق ج27 ص255 وعن البداية والنهاية ج4 ص288 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص476.

([47]) قاموس الرجال ج2 ص603 وشرح أصول الكافي للمازندراني ج7 ص190 وعن ذخائر العقبى ص218 والبحار ج22 ص276 وج23 ص556 والنص والإجتهاد ص296 وعن أسد الغابة ج1 ص289 وأنساب الأشراف ص43 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص65 و 66 والمصنف للصنعاني ج3 ص550 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص71 والجامع الصغير ج2 ص159 وكنز العمال ج11 ص660 وعن فيض القدير ج4 ص427 والطبقات الكبرى ج8 ص282 وتهذيب الكمال ج5 ص61 وينابيع المودة ج2 ص96.

([48]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص126 الحديث رقم 521 والبحار ج21 ص 57 عن إعلام الورى ص111 و 112 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص176 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص272 و (ط الإسلامية) ج2 ص915 ومجمع = = البحرين ج1 ص317 ومنتهى المطلب (ط ق) ج1 ص467 وتذكرة الفقهاء (ط ق) ج1 ص55 و (ط ج) ج2 ص117.

([49]) الآية 89 من سورة الأنبياء.

([50]) مروج الذهب للمسعودي ج2 ص434.

([51]) الآية 61 من سورة آل عمران.

([52]) الآية 78 من سورة الأنبياء.

([53]) المغازي للواقدي ج2 ص767 و 768 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص68 والبداية والنهاية لابن كثير ج4 ص287 ومسند ابن راهويه ج2 ص413 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص835 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص475.

([54]) تنقيح المقال ج3 ص69 والخصال ص363 وشرح الأخبار للقاضي النعمان ص57 والبحار ج22 ص195 و 291 وفضائل الصحابة ص86 والسنن الكبرى ج5 ص103 والمعجم الكبير ج11 ص328 وج24 ص132 ومجمع الزوائد ج9 ص260 والمستدرك للحاكم ج4 ص32 والآحاد والمثاني ج5 ص456 والجـامع لأحكام القرآن ج5 ص346 وكنز العمال ج12 ص138 = = وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص234 وأنساب الأشراف ص44 وعن الإصابة ج8 ص450 والطرائف ص249 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص74 وج5 ص177 ومعجم رجال الحديث ج24 ص195 واللمعة البيضاء للأنصاري ص839 ومواقف الشيعة ج2 ص406 وتهذيب الكمال ج35 ص298 وتهذيب التهذيب ج12 ص399 والجامع لأحكام القرآن ج5 ص346 وجامع الأحاديث والمراسيل ج3 ص443 والفتح الكبير ج1 ص505 وعن الإستيعاب ج4 ص201.

([55]) تنقيح المقال ج3 ص69 والإختصاص (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص70 وإختيار معرفة الرجال (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص281 والبحار ج33 ص584 و 585 ومجمع البحرين ج1 ص571 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج20 ص209 والإختصاص ص70 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص177 ومعجم رجال الحديث ج15 ص242.

([56]) السيرة الحلبية ج3 ص68.

([57]) البحار ج21 ص54 و 55 وج76 ص72 و 82 و 83 عن أمالي الطوسي ص57 و 58 وعن المحاسن ص419 وعن الكافي (الفروع) ج1 ص59 والحدائق ج4 ص158 و 160 وغنائم الأيام ج3 ص560 عن: (الكافي ج3 ص217 ح21 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص116 ح549 والمحاسن ص419 ح191 والوسائل ج2 ص888 أبواب الدفن ب67).

وراجع: تذكرة الفقهاء (ط ق) ج1 ص57 ونهاية الحكام ج2 ص212 والذكرى ص70 والحبل المتين ص74 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص112 و 182 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص236 وج24 ص364 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص888 وج16 ص412 وأمالي الطوسي (ط دار الثقافة ـ قم) ص659 وشجرة طوبى ج2 ص300 وسنن النبي «صلى الله عليه وآله» للطباطبائي ص254 ومنتهى الجمان ج1 ص304.

([58]) عمدة الطالب ص36.

([59]) روضات الجنات ج2 ص54 وراجع: تفسير القرآن الكريم (تفسير أبي حمزة الثمالي) ص75.

([60]) شجرة طوبى ج1 ص143 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج3 ص100 والإيضاح لابن شاذان هامش ص399 وعن الكامل لابن الأثير ج5 ص90 والكافي ج8 ص251.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان