رواية القمي توضح.. بل تصرح
وقد روى القمي عن جعفر بن أحمد، عن عبيد بن موسى، عن
الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله
«عليه
السلام»
ـ ما ملخصه ـ:
إن أهل وادي يابس اجتمعوا اثني عشر ألف فارس، وتعاقدوا،
وتعاهدوا، وتواثقوا: أن لا يتخلف رجل عن رجل، ولا يغدر بصاحبه، ولا
يخذل أحد أحداً، ولا يفر عن صاحبه، حتى يموتوا كلهم، ويقتلوا محمداً
«صلى الله
عليه وآله»،
وعلي بن أبي طالب
«عليه
السلام».
فنزل جبرئيل «عليه السلام» على النبي «صلى الله عليه
وآله»، وأخبره بالأمر، وأمره أن يبعث أبا بكر في أربعة آلاف فارس، من
المهاجرين والأنصار.
فخطب
«صلى الله
عليه وآله»
الناس، وأخبرهم بما أخبره به جبرئيل
«عليه
السلام»
عن أهل وادي اليابس، وأن جبرئيل أمره بأن يسير إليهم أبو بكر بأربعة
آلاف فارس.
ثم أمرهم أن يتجهزوا للمسير مع أبي بكر يوم الإثنين،
فلما حان وقت المسير أمر
«صلى الله
عليه وآله»
أبا بكر:
«أن
إذا رآهم أن يعرض عليهم الإسلام، فإن تابعوا، وإلا واقعهم، فقتل
مقاتليهم، وسبى ذراريهم، واستباح أموالهم، وخرب ضياعهم، وديارهم».
فسار أبو بكر بهم سيراً رفيقاً، حتى نزل قريباً منهم،
فخرج إليه منهم مئتا فارس، وهم مدججون بالسلاح، فسألوهم: من أين
أقبلوا؟ وإلى أين يريدون؟ ثم طلبوا مقابلة صاحبهم.
فخرج إليهم أبو بكر، فسألوه، فأخبرهم بما جاء له.
فقالوا:
أما واللات
والعزى، لولا رحم ماسة، وقرابة قريبة لقتلناك وجميع أصحابك قتلة تكون
حديثاً لمن يكون بعدكم، فارجع أنت ومن معك، وارتجوا العافية، فإنما
نريد صاحبكم بعينه، وأخاه علي بن أبي طالب.
فقال أبو بكر لأصحابه:
يا قوم، القوم أكثر منكم أضعافاً، وأعدُّ منكم، وقد نأت داركم عن
إخوانكم من المسلمين، فارجعوا نُعلِم رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
بحال القوم.
فقالوا جميعاً:
خالفت يا أبا
بكر رسول الله، وما أمرك به، فاتق الله وواقع القوم، ولا تخالف قول
رسول الله
«صلى الله
عليه وآله».
فقال:
إني أعلم ما لا تعلمون. الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
ورجعوا إلى النبي «صلى الله عليه
وآله»، فأعلن على المنبر:
أن أبا بكر قد عصى أمره،
وأنه لما سمع كلامهم: «انتفخ صدره، ودخله الرعب منهم»
ثم قال «صلى الله عليه وآله»:
«وإن جبرئيل «عليه
السلام»
أمرني عن الله:
أن
أبعث إليهم عمر مكانه في أصحابه، في أربعة آلاف فارس، فسر يا عمر على
اسم الله، ولا تعمل كما عمل
أبو
بكر أخوك، فإنه عصى الله وعصاني».
وأمره بما أمر به أبا بكر.
فسار بهم يقتصد بهم في سيرهم،
حتى نزل قريباً من القوم، وخرج إليه مئتا رجل، وقالوا له ولأصحابه مثل
مقالتهم لأبي بكر.
فانصرف، وانصرف الناس معه، وكاد أن يطير قلبه مما رأى
من عدة القوم وجمعهم، ورجع يهرب منهم.
فنزل جبرئيل «عليه
السلام»
وأخبر محمداً بما صنع عمر..
فصعد «صلى الله عليه وآله»، وأخبرهم بما صنع عمر، وأنه
خالف أمره وعصاه..
فلما قدم عمر قال «صلى الله عليه وآله»:
«يا عمر، عصيت الله في عرشه، وعصيتني، وخالفت قولي،
وعملت برأيك، ألا قبح الله رأيك».
ثم ذكر:
أن جبرئيل «عليه
السلام»
أمره أن يرسل علياً «عليه
السلام»
مع الأربعة آلاف، وأن الله يفتح عليه وعلى أصحابه، ثم دعاه وأخبره
بذلك..
فخرج علي «عليه
السلام»
فسار بأصحابه سيراً غير
سير أبي بكر وعمر، فقد أعنف بهم في السير، حتى خافوا أن ينقطعوا
من التعب، وتحفى دوابهم، فقال لهم: لا تخافوا، فإن رسول الله «صلى الله
عليه وآله» قد
أمرني
بأمر، وأخبرني: أن الله سيفتح عليَّ، وعليكم، فأبشروا، فإنكم على خير،
وإلى خير.
فطابت نفوسهم وقلوبهم، وواصلوا سيرهم التَّعب، حتى
نزلوا بالقرب منهم..
فخرج إليه منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح، فلما رآهم علي
«عليه
السلام»
خرج إليهم في نفر من أصحابه، فقالوا لهم: من أنتم؟ ومن أين أنتم؟ ومن
أين أقبلتم؟ وأين تريدون؟
قال:
أنا علي بن
أبي طالب، ابن عم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأخوه ورسوله إليكم،
أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ولكم ما
للمسلمين، وعليكم ما عليهم من خير وشر.
فقالوا له:
إياك أردنا،
وأنت طلبتنا، قد سمعنا مقالتك، فاستعد للحرب العوان، واعلم أنَّا قاتلوك
وقاتلوا
أصحابك، والموعود فيما بيننا وبينك غداً ضحوة، وقد أعذرنا فيما بيننا
وبينك.
فقال لهم علي «عليه السلام»:
ويلكم تهددوني
بكثرتكم وجمعكم؟!
فأنا أستعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فانصرفوا إلى مراكزهم، وانصرف علي «عليه
السلام»
إلى مركزه.
فلما
جنه الليل أمر أصحابه أن يحسنوا إلى دوابهم، ويقضموا،
ويسرجوا.
فلما انشق عمود الصبح صلى بالناس بغلس، ثم غار عليهم
بأصحابه، فلم يعلموا حتى وطئتهم الخيل، فما أدرك آخر أصحابه حتى قتل
مقاتليهم، وسبى ذراريهم، واستباح أموالهم، وخرب ديارهم، وأقبل بالأسارى
والأموال معه.
ونزل جبرئيل فأخبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بما
فتح الله على علي «عليه السلام» وجماعة المسلمين، فصعد المنبر، فحمد
الله، وأثنى عليه، وأخبر الناس بما فتح الله على المسلمين، وأعلمهم أنه
لم يصب منهم إلا رجلان.
ونزل فخرج يستقبل علياً «عليه
السلام»
في جميع أهل المدينة من المسلمين حتى لقيه على أميال من المدينة.
فلما رآه علي مقبلاً
نزل عن
دابته، ونزل النبي «صلى
الله عليه وآله»
حتى التزمه، وقبل ما بين عينيه.
فنزل جماعة المسلمين إلى علي «عليه
السلام»
حيث نزل رسول الله، وأقبل بالغنيمة والأسارى، وما رزقهم الله من أهل
وادي اليابس.
ثم قال جعفر بن محمد «عليهما
السلام»:
ما غنم
المسلمون مثلها قط إلا أن تكون خيبراً،
فإنها مثل خيبر.
فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم:
{وَالْعَادِيَاتِ
ضَبْحاً..}
إلى آخر الرواية([2]).
ونقول:
إن لنا هنا وقفات نجملها على النحو التالي:
إن كانت غزوة وادي اليابس هي نفس
غزوة ذات السلاسل، كما يفهم من تطابق أحداثهما، فتكون وادي اليابس وراء
وادي القرى، التي كانت من أرض الشام، وليست من أرض المدينة، كما يظهر
من كلام السمهودي([3]).
ويظهر من كلامه أيضاً:
أن دومة
الجندل بوادي القرى، وهي تبعد عن المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة([4]).
إذا كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد جاء بما
أغاظهم، من حيث أن فيه نقضاً لما هم عليه من دين الآباء والأجداد،
فلماذا هذا الحقد على علي «عليه السلام»؟! أليس من أجل أنهم رأوا
نكايته في أعداء الله، وشدته في دين الله، ونصرته المؤثرة لرسول الله
«صلى الله عليه وآله»؟!. حتى لقد هزم الشرك في بلاد العرب، وأذل عزه،
وأبار كيده، وتبر ما علاه، وحطم وهدم ما بناه..
قد تقدم:
أنه
«صلى الله عليه وآله»
قد بعث أربعة آلاف فارس مع أبي بكر، ثم مع عمر بن الخطاب.
فقد يقال:
إن ذلك موضع ريب، لأن المسلمين كانوا من القلة بحيث لا يمكن أن يجهزوا
هذا العدد الكبير.. وإنما كانت خيبر قبل ذلك بسنة، ولم يجهز لها النبي
«صلى
الله عليه وآله»
سوى ألف وخمس مئة مقاتل..
ويجاب:
بأن المسلمين
قد كثروا بعد خيبر بصورة ظاهرة، مكنت النبي
«صلى الله
عليه وآله»
من إرسال ثلاثة آلاف مقاتل إلى مؤتة، وإنما كانت ذات السلاسل بعدها
بأكثر من سنة..
وربما يكون
«صلى الله
عليه وآله»
قد استنفر العرب لحربهم ـ كما تقدم في بعض النصوص ـ فاستجابوا له لأكثر
من سبب يقنعهم بأن من مصلحتهم مجاراة النبي
«صلى الله
عليه وآله»
في ما يريد.. خصوصاً بعد سقوط خيبر، وبعد الحديبية، وعمرة القضاء،
وغزوة مؤتة.
وقد ذكر النص المتقدم:
أنه «صلى الله عليه وآله» قد أمر أبا بكر بتخريب الضياع
والديار..
وهذا يتنافى مع سياسته
«صلى الله
عليه وآله»،
ومع وصاياه لبعوثه، وما أكثرها.. وقد تقدمت وصيته للجيش الذي أرسله إلى
مؤتة، وفيها:
«ولا
تقربن نخلاً، ولا تقطعن شجراً، ولا تهدمن بيتاً»([5]).
وقد ذكرت الرواية المتقدمة:
أن أبا بكر قد سار بأصحابه سيراً رفيقاً.
وهذا يعطيهم نفحة راحة تشعرهم بحب الدنيا، والرغبة
بتجنب ضرب السيوف، وملاقات الحتوف، وعزوف أنفسهم عن تحمل المشاق
والمتاعب.
وسيصبح من الصعب عليهم الانتقال المفاجئ من هذا النعيم
والهناء، إلى مواجهة الأخطار والبلاء، والشقاء والعناء.
وذكرت الرواية:
أن علياً
«عليه
السلام»
قد أمر أصحابه في الليلة التي شن الغارة على أعدائه في صبيحتها: أن
يحسنوا إلى دوابهم.. وذلك بإنزال أحمالها عنها، وتقديم الماء والعلف
لها. وجعلها في مكان مريح، وإبعاد جلها عنها، ونحو ذلك.
وهذا يجعلها أكثر حيوية وفاعلية في موقع النزال، فلا
ينتابها التعب بسرعة، ولا يعرضها لحمل أكثر مما تطيق..
وبعد أن أعلن الأعداء الحرب على أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
ومن معه، وقالوا: إنهم قاتلوه ومن معه.. أصبح من المحتم عليهم أن
يتوقعوا من الطرف الآخر أن يهتبل أية فرصة لإيراد ضربته القاصمة بهم.
وربما يواجههم بكثير من الأمور الخادعة، والضربات الموجعة..
ولا يلام علي
«عليه
السلام»
في الإغارة عليهم في أية ساعة غفلة يرصدها فيهم، بل ذلك هو غاية الحزم،
والتدبير الذكي، الذي يستحق عليه الثناء والتقدير، لأنه يحفظ بذلك أهل
الإيمان، ويوقع بأهل البغي والطغيان، ويبطل كيدهم، ويخلص الناس من
شرهم..
ويلاحظ هنا:
سرعة حسم علي
«عليه
السلام»
لأمر الحرب لصالح أهل الإسلام، وقد ألحق بأعدائه أفدح الخسائر، من دون
أن تلحق بأهل الإيمان خسائر تذكر، حيث لم يصب منهم إلا رجلان..
وإذا عدنا بالحديث إلى أبي بكر، فلابد أن يستوقفنا
تخويفه لأصحابه بكثرة عدد وبحسن عدة أعدائهم؟!..
ألم يكن يعلم:
أنه لم يكن لهم في كل حروبهم السابقة ـ رغم كثرتها ـ
أية فرصة للتكافؤ مع أعدائهم في العدد والعدة؟! بل كانت كلها أبعد عن
هذا الأمر، مما هي عليه في هذه السرية؟
فقد كان الجيش الذي يقوده أبو بكر أكبر جيش جهزه رسول
الله
«صلى الله
عليه وآله»
حتى ذلك الوقت، حيث بلغ أربعة آلاف مقاتل حسبما ذكرته الرواية المشار
إليها.
فلماذا يثير أمامهم حتى مجرد احتمال الحاجة إلى المدد
والعون؟!. وهل حدث في أي من الحروب الكثيرة والخطيرة السابقة، أن أمدوا
أي سرية وجيش بمال، أو رجال؟!.
والغريب في الأمر:
أن يعلن هؤلاء
الناس لأبي بكر: أنهم لا يريدون إلا شخص رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
ونفس علي
«عليه
السلام».
ثم يرضى أبو بكر بالرجوع عنهم، ولا تثور حفيظته، ولا يزيد تصميمه على
حربهم وقتالهم، بل ظنهم أن يُسَلِّم أصحاب محمد محمداً
«صلى الله
عليه وآله»
لأعدائه ليقتلوه. إن لم نقل: إنه قد صدق ظنهم فعلاً.
وبذلك يكون قد أظهر للناس:
أن المسلمين لا يدافعون عن دينهم ونبيهم، وإنما كل همهم
هو حفظ أنفسهم، حين يجدون أنهم هم المستهدفون بالحرب.. فلو حادت الأمور
عنهم، فربما لا يدخلون في الحرب بجد وحماس كهذا الذي يعاينه الناس
منهم..
بل إذا كان هذان الشخصان، وهما النبي
«صلى الله
عليه وآله»
وعلي «عليه
السلام»
يشكلان مشكلة حقيقية لأتباعهما، فقد يفكر هؤلاء الأتباع بحلول وسط،
تزيل أية مشكلة بينهم وبين الناس، وقد يفكرون بالتخلي عن محمد وعلي
صلوات الله وسلامه عليهما في يوم من الأيام.
ولا ندري إن كان أبو بكر قد فكر بالسبب الذي دعا هؤلاء
الأعداء، للحرص على قتل النبي
«صلى الله
عليه وآله»
وعلي «عليه
السلام»،
مع أنه ربما لا يكون فيما بينهما وبينهم أية مشكلة، إذ لم يكن لهم
عندهم ما يعتبره أهل الجاهلية ثارات ولا غير ذلك..
وإذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» هو صاحب الدعوة،
وكانت هي ذنبه الأكبر عند أهل الشرك. فلماذا الحقد على علي «عليه
السلام»؟! الذي هو تابع لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، كسائر
الصحابة الذين كانوا معه..
وأغرب ما سمعناه هنا:
أن يقول أبو
بكر لأصحابه:
«الشاهد
يرى ما لا يرى الغائب»،
فأي
شيء رآه أبو بكر
لم يره أصحابه الذين كانوا معه؟!..
وهل كانت هناك أمور غائبة حقاً؟! أم أن كل شيء كان
واضحاً، ومكشوفاً للناس كلهم؟!
وما الذي علمه أبو بكر، وجهله غيره، ليصح له القول:
«إني
أعلم ما لا تعلمون»؟!
وليس لنا أن نؤيد احتمال أن تكون هناك اتصالات، أو
اتفاقات سريَّة بين أبي بكر هو وبين أهل وادي اليابس.. لم يعلم ولم
يشارك بها سواه، وغاب عنها جميع من كانوا معه.
وذلك لأن النبي
«صلى الله
عليه وآله»
قد أزال هذا الاحتمال حين رجع أبو بكر، فصعد
«صلى الله
عليه وآله»
المنبر، وخطب الناس، وأخبرهم بأن سبب هزيمة أبي بكر هو الخوف والجبن،
فقد قال في خطبته:
«فلما
سمع كلامهم، وما استبقلوه به انتفخ صدره، ودخله الرعب منهم، وترك قولي،
ولم يطع أمري».
ومهما يكن من أمر، فإن إحالة أبي بكر الأمر على مجهول
دليل على أنه لم يكن قادراً على التبرير المقنع والمعقول.
والذي زاد الأمر تعقيداً:
أن أبا بكر لم يجد بين أربعة آلاف رجل حتى رجلاً واحداً
يوافقه على ما يريد..
بل أعلنوا جميعاً:
أن قراره هذا
يخالف أمر رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
وأن عليه أن يتقي الله، ولا يصر على رأيه. فإن أمر رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
كان محدداً وواضحاً.
والأهم من ذلك:
أن ما زعم أنه
يريد أن يخبر به رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
كان نفس الرسول
«صلى الله
عليه وآله»
قد أخبره به علناً، وفي خطبة عامة على المنبر في المسجد، وقد سمعها
الجميع، فذكر لهم
«صلى الله
عليه وآله»
عدد الأعداء الذين يرسلهم إليهم، وبما تعاقدوا عليه بصورة تفصيلية..
كما أنه
«صلى الله
عليه وآله»
قد أزاح احتمال أن يكون قد عرف ذلك من حملة الأخبار ومن الأرصاد، الذين
قد يهمون، ويخطئون، وقد يكذبون أيضاً ـ فأخبرهم
«صلى الله
عليه وآله»
بأن جبرئيل
«عليه
السلام»
هو الذي أخبره.
بل إنه
«صلى الله
عليه وآله»
قد أخبرهم بأن جبرئيل أيضاً هو الذي أمره بإرسال أبي بكر في أربعة
آلاف..
وذلك يعني:
أن أبا بكر قد
تمرد على الأمر الإلهي، ولذلك استحق أن يخطب النبي
«صلى الله
عليه وآله»
الناس، ويخبرهم بمخالفة أبي بكر لأمر الله تعالى.
وملاحظة أخيرة وهامة نذكرها هنا،
وهي:
أنه إذا كان جبرئيل هو الذي نقل الأمر الإلهي بإرسال
أبي بكر، فذلك يعني أن الله سبحانه هو الذي يريد أن يرى الناس هزيمة
أبي بكر، وجبنه، ومخالفته لأمر الله تعالى، وأمر رسوله.. لأن الله يعلم
بما سيكون من أبي بكر..
فهل المقصود هو تعريف الناس بأن أبا بكر ليس أهلاً، لما
يسعى للحصول عليه؟ أم أن ثمة سراً آخر؟!
وقد ورد في كلام رسول الله قوله
لعمر:
«ولا
تعمل كما عمل أبو بكر أخوك».
ولكنه وصف علياً
«عليه
السلام»
على المنبر أيضاً في الخطبة الأولى بأنه أخوه، فقال:
«حتى
يقتلوني، وأخي علي بن أبي طالب».
كما أن علياً
«عليه
السلام»
قد وصف نفسه لأهل وادي اليابس بقوله:
«ابن
عم رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
وأخوه».
وأهل الوادي أيضاً وصفوه بالأخوة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» كما
ظهر من قولهم لأبي بكر..
وقد عمل كل واحد من الأخوين ما يناسب عمل أخيه،
وأخلاقه، وحالاته..
فالرسول
«صلى الله
عليه وآله»
المطيع لله سبحانه وتعالى في كل شيء كان له أخ مثله في
ذلك..
وأبو بكر الذي عصى رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
رغم التنبيه والتحذير، له أخ مثله في ذلك أيضاً.
واللافت:
أن عمر قد سار في أصحابه سيراً رفيقاً، كما سار بهم أبو
بكر، ثم هرب من الأعداء كما هرب، وعاش الرعب والخوف كما عاش.
كما أن النبي
«صلى الله
عليه وآله»
حين حذره من أن يعمل مثل عمل أخيه، كأنه أشار إلى أن أخوته له هي التي
تثير هذا التوقع منه، وهذا يدل على أن هذه الأخوة قد جاءت على أساس
ملاحظة قواسم مشتركة بين الرجلين، ينشأ عنها توافق في السلوك وفي
المواقف..
وقد اظهرت كلمات النبي
«صلى الله
عليه وآله»
التي واجه بها عمر بن الخطاب أن الذنب الذي ارتكبه عمر كان أعظم عند
الله من ذنب أبي بكر.. وذلك للأسباب التالية:
1 ـ
إنه قد جاء بعد التنبيه والتأكيد.
2 ـ
إنه بعد ظهور كونه معصية لله سبحانه، ولرسوله.
3 ـ
وبعد التنديد العلني بهذا العمل الشنيع..
فلا مجال بعد هذا كله
لتوهم أن
شيئاً ما قد خفي على رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
وأنه يريد أن يعلمه به، ولا مجال أيضاً لاحتمال أن تكون بعض الأمور
التي أخبر عنها قد جاءت على سبيل الحدس والتخمين.. ولا مجال أخيراً
لاحتمال أن تأتي الأحكام مختلفة ومتفاوتة من واقعة لأخرى، أو من حال
إلى حال..
وقد أخبر جبرئيل:
أن الله تعالى
يفتح على علي
«عليه
السلام»
وعلى أصحابه.. مبيناً بكل هذه الأحداث المتتابعة: أن هناك سياسية إلهية
لتعريف الناس بأن الله سبحانه وتعالى يرعى مسيرة هذه الرسالة، ويواكب
تحركات من يدبرون في الخفاء للعبث بالتدبير الإلهي، وسوق الأمور باتجاه
آخر، يخدم مصالحهم، ويحقق طموحاتهم..
ولأجل ذلك اختار الله أبا بكر أولاً، ثم اختار عمر
ثانياً ليظهر للملأ أنهما ليسا في الموقع الذي يضعان نفسيهما فيه، ولم
يكونا مؤهلين لما يطمحان للاستئثار به، وسلبه من صاحبه الشرعي..
ثم اختار علياً
«عليه
السلام»
ثالثاً. مع التصريح بان الفتح سيكون على يديه، ليعلمهم: أن الله مطلع
على دخائل نفوسهم، والله قد اختاره لعلمه بأنه هو الذي يوصل السفينة
إلى شاطئ السلام.
وقد وجدنا:
أنه
«صلى الله
عليه وآله»
قد اكتفى بتبديل القائد، وأما الجيش نفسه، فأبقاه على ما هو عليه، ولم
يستبدل منه حتى رجلاً واحداً، وقد كانت الهزيمة من نصيب هذا الجيش
مرتين متواليتين، مع نفس العدو ومع تقارب الزمان وفي نفس المكان، وفي
نفس الظروف، وبنفس الأسلوب، وبعين الكلمات التي استخدمت، ونفس الخطاب
والجواب..
وكان النصر حليفاً لهذا الجيش نفسه، مع ذلك العدو
بالذات، وفي نفس الحالات، وفي الزمان والمكان عينه، رغم أن القائدين
الأولين قد سارا بهذا الجيش سيراً رفيقاً، أو مقتصداً يحببهم بقائدهم.
أما الأمير الثالث، فقد بهم في السير، حتى خافوا أن ينقطعوا من التعب،
وأن تحفى دوابهم.. ولابد أن يثقل أمر هذا القائد عليهم، وتتجافى عنه
قلوبهم، ولا يندفعون في محبته، وفي طاعته بالمقدار الذي يحظى به اللذان
سبقاه..
ولكن النتائج جاءت معاكسة تماماً، فقد تحقق النصر، وكان
الفتح والعز والكرامة نصيبهم معه، وكانت الهزيمة والمذلة، والمعصية لله
في عرشه ولرسوله مع ذينك الأولين.
وهذا مثل للبشر جميعاً، يحمل لهم العبرة، والعظة،
ويدعوهم للتأمل العميق، والفكر الدقيق، حملته لنا كلمته
«صلى الله
عليه وآله»
لعلي «عليه
السلام»
عن جبرئيل:
«فأخبرني:
أن الله يفتح عليه، وعلى أصحابه»..
فقد نسب الفتح إلى الله، الذي حبا به علياً
«عليه
السلام»
وأصحابه معاً، مع أن الإنسان العادي قد يتوقع تخصيص الفتح بعلي دون
أصحابه، الذين هزموا مع القائدين اللذين سبقاه..
ولكن الله ورسوله يريدان لنا أن ندرك حقيقة أن القيادة
الصالحة، هي التي تعطي المواقف، وتغير من أحوال الرعية، وتؤثر في
توجهاتها ومواقفها، وتعطيها صلابة في الدين، وورعاً في يقين، وتحملها
على الصراط المستقيم، ولو لم تصدر لها أمراً، أو تفرض عليها قراراً، أو
تبتز منها موقفاً.
وهي التي تثير حميتها وإباءها، وتمنحها نفحة الشجاعة
والإقدام، أو التخاذل والإحجام..
وقد ظهر ذلك في هذه الغزوة بصورة جلية وواضحة، فقد
ساقهم موقف أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى مواقع العزة والكرامة
والإباء، وأعطاهم نفحة من نفحات الشجاعة، والشعور بالكرامة. ففتح الله
عليه وعليهم، وفق ما قاله الرسول الأكرم والأعظم «صلى الله عليه وآله»
له ولهم.
وحين سار علي
«عليه
السلام»
باصحابه ذلك السير الحثيث الذي أتعبهم، فإنه يكون قد أفهمهم بذلك بأن
ثمة جدية حقيقية في إنجاز أمر رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
على أحسن وجه وأتمه.
ولعلهم أصبحوا يتخوفون من أن يكون للتعب الذي لحقهم في
مسيرهم هذا دوراً في خسارتهم الحرب التي يترقبونها.. فأراد
«عليه
السلام»
أن يطمئنهم، ولكن لا بالوعود المادية ولا بالخطب الحماسية، بل بإعطائهم
جرعة إيمانية روحية تتولى هي شحذ عزائمهم، وتقوية ضعفهم، وتعطيهم
المزيد من الرضا والسعادة والبهجة، وذلك بالاعتماد على الغيب الذي
يربطهم بالله سبحانه، وبرسوله.
فذكر لهم قول رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
بصيغة الإخبار من النبي الكريم
«صلى الله
عليه وآله»
لهم بالفتح العظيم.
والخبر من النبي «صلى الله عليه
وآله» معناه:
أن الله سبحانه هو الذي عرف رسوله به، وأطلعه على غيبه.. فليس الأمر
مجرد تفاؤل، ولا هو كلام لمجرد التشجيع، وإثارة الحماس..
ولذلك يصرح النص المتقدم:
بأن نفوسهم قد طابت وقلوبهم قد اطمأنت، وواصلوا سيرهم
الشاق، وزالت عنهم الوساوس والمخاوف..
علي
أخو النبي ورسوله إليكم:
ولم نعهد في الذين آخى النبي
«صلى الله
عليه وآله»
بينهم أن يذكروا هذه الأخوة في مواقع إبلاغ رسائل الحرب والقتال،
لاسيما وأنها أخوة أنشأها وجعلها رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
وليست أخوة نسب..
ولكن علياً «عليه السلام» قد فعل ذلك، وأبلغ هذا العدو
المحارب بهذه الحقيقة، حين قال لهم: إنه أخو النبي «صلى الله عليه
وآله»، ورسوله إليهم.
ولعله أراد أن يفهمهم أن موقفه منهم يحدده موقفهم من
رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»..
وأنه لا مجال للفصل في حسابات الربح والخسارة بين علي كشخص، وبين علي
الشريك مع رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
في الأخوة، وفي العمل على حفظ الرسالة، من خلال حفظ الرسول، فإن ذلك هو
الذي يوصل إلى حفظ هذا الدين والذود عن حياضه.
علي
لا يحتكر النصر:
ورغم أن علياً
«عليه
السلام»
قد حقق المعجزات في تاريخه الجهادي الطويل، ولاسيما حين قلع باب خيبر،
وجعله ترساً يدفع به ضرب السيوف، وطعن الرماح، ثم حمله جاعلاً منه
معبراً للجيش، بالإضافة إلى أعظم الإنجازات القتالية في بدر، وأُحد،
والأحزاب، وقريظة، والنضير، وما إلى ذلك..
ولكنه لا يتهدد الأعداء بقوته، ولا يذكر لهم مواقفه
هذه، بل هو يكتفي باستنكار تهديد الأعداء له، ثم هو يستعين بالله،
وبالملائكة، وبالمسلمين عليهم، ويخبرهم أن كل حول وقوة لديه إنما هو من
الله، وبه سبحانه وتعالى..
وهذا يعطي المسلمين نفحة روحية، ويذكرهم بنصر الله لهم
في بدر، حين أمدهم بالملائكة في سائر المواطن. ولابد أن يحدث هذا
التذكير بلبلة حقيقية في قلوب الكافرين، وطمأنينة وسكينة في قلوب
المؤمنين، لأن له سابقة أثبتت صحة هذا المنطق وقوته، وظهرت نتائجه
نصراً مؤزراً في حروب صعبة وهائلة، لابد أن تبقى الأجيال تتمثله كحدث
تاريخي فريد، وكيوم من أيام الإسلام مجيد..
ولابد أن يترك إشراك علي
«عليه
السلام»
للمسلمين في هذا العمل الجهادي أثراً طيباً في نفوسهم.. لأن الذي
يعطيهم هذا الوسام هو نفس علي الذي لا يرتاب أحد في مقامه الجهادي
والإيماني العظيم، ولا يشك أحد في صدقه، وفي تجربته، وفي خبرته بالحرب،
ولشهادته هذه قيمة كبيرة لديهم، ولابد أن يهتم كل أحد في أن يحصل على
أدنى لفتة من علي، أعظم مجاهد على وجه الأرض، فكيف بما هو أكثر من
ذلك..
يضاف إلى ذلك:
أن هذا المنطق
العلوي، الذي أوضح: أن الله وملائكته
سوف يساهمون في تسجيل
هذا
النصر، لابد
أن
يصعِّب
على المتخاذلين، وعلى غيرهم اتخاذ قرار الانسحاب من المعركة، وسيفرض
على الجميع بذل جهد، ودرجة تحملٍ وصبرٍ أعلى وأكبر مما اعتادوا عليه في
الحالات الأخرى..
وأما ما ذكرته الرواية:
من أن علياً
«عليه
السلام»
قد خرب ديار الأعداء.. فلابد من التروي في قبوله.. إذ قد يقال: إن
أوامره
«صلى
الله عليه وآله»
بعدم التعرض للديار والأشجار، حسبما تقدم في غزوة مؤتة لا يتلاءم مع
هذا الذي ورد في هذه الرواية.. إلا إذا فرضت الحرب نفسُها إجراءات تؤدي
إلى شيء من ذلك، من حيث توقف تحقيق النصر، على ذلك..
وكذا إذا احتاج حفظ أرواح المسلمين، أو احتاج المسلمون
أنفسهم إلى قطع السبيل على أعدائهم ومنعهم من تجديد القوى، ومعاودة
الفساد والإفساد، وخلق المتاعب والعبث بأمن أهل الإسلام..
وقد ذكرت الروايات المختلفة، وهذه
الرواية أيضاً:
أن سورة العاديات قد نزلت في هذه الغزوة ـ غزوة ذات السلاسل ـ أو وادي
اليابس ـ .
والذي يُلاحظ سير الأحداث فيها، ويُلاحظ أيضاً ما حكته
سورة
«والعاديات»
نفسها، سيجد: أن هذه السورة قد تضمنت أصول الحرب كلها.. وأن علياً
«عليه
السلام»
قد راعاها في هذه الغزوة بالذات..
ونحن نشير إلى ذلك باختصار فيما يلي:
1 ـ
إنه حين
يقسم الله سبحانه بأمر بعينه، فذلك يعني أن لهذا الأمر
أهمية كبيرة، وأنه محبوب ومطلوب له تعالى، لأن له موقعاً كبيراً
وأساسياً في المنظومة التي يريد الله سبحانه لها أن تؤثر في إنجاز
الأهداف الإلهية الكبرى في إيصال الإنسان، وما في هذا الكون إلى
كماله..
2 ـ
وحين أقسم
الله تبارك وتعالى بالعاديات، وبالموريات، الخ.. فإنه لم يخرج عن هذه
القاعدة؛ فالخيل التي تعدو في سبيل الله، وتسرع في هذا العدو إلى الحد
الذي تضبح معه بأنفاسها، كما قال تعالى:
﴿وَالْعَادِيَاتِ
ضَبْحاً﴾([6]).
فإنها تكون قد بلغت أقصى مدى في سرعة الحركة، التي لها دور هام وحاسم
في الحرب.
وقد فسر الضبح:
بأنه
«صوت
أنفاس الفرس، تشبيهاً بالضباح، وهو صوت الثعلب.
وقيل:
هو حفيف العدو، وقد يقال ذلك: للعدو.
وقيل:
الضبح كالضبع،
وهو مد الضبع في العدو الخ..»([7]).
أي حتى لا يجد مزيداً([8]).
والمراد بالضبع هنا:
وسط العضد بلحمه، أو العضد كله، أو الإبط([9]).
وقيل:
الضبح: صوت
أجواف الخيل إذا عدت، ليس بصهيل ولا حمحمة([10]).
3 ـ
إن عدو الخيل
هذا يشير إلى أنها دائمة الإنتقال من مكان إلى مكان، وأنه انتقال سريع،
وهذا من شأنه أن يحرم العدو من فرصة رصدها في مكان بعينه، وأن يفقده
القدرة على التخطيط لأي عمل يمثل لها خطراً، أو يلحق بها ضرراً..
4 ـ
إن شدة اندفاع الخيل في هجمتها تحتم على ذلك العدوِّ أن
يتراجع عن موقعه، وأن يتخلى عن حالة الثبات والطمأنينة، دون أن يملك
قدرة العودة إلى ذلك الموقع، وهذه حركة لا يختارها المحارب، الذي يملك
زمام المبادرة، ويكون له الإختيار.
فحالة الضعف والوهن التي ظهرت لديه هي التي فرضت عليه
هذه الحركة التخاذلية.
5 ـ
إنه إذا صاحب هذا الاندفاع القوي للخيل كيفيات وحالات
خاصة، مثل الأصوات أو الهيئات المخيفة، ومنها صوت ضبح الخيل الذي
يدعوهم لتصور حجم اندفاع عدوهم نحوهم، ثم صاحب ذلك لمعات نارية خاطفة
وكثيرة، حين تقدح الخيل الشرر بحوافرها، فسوف يتشارك لدى ذلك العدوِّ
السمع والبصر في رسم صورة الخطر الداهم، وما يحمله من عنف، يزعزع
ثباته، ويهزمه في عمق وجوده.
بل قد يوجب قدح النار تحت حوافر الخيل نشوء حالة
تضليلية، من خلال تلهي أفراد العدو بالنظر إليها، وإثارة التكهنات
حولها، فتتهيأ الفرصة لمفاجأتهم بالقتال المرير، والضاري.
هذا كله، عدا عن أن قدح النار من حوافر الخيل، من شانه
أن يبهج روح فرسانها ويقوي من اندفاعهم، ما دام أنه ناتج عن حركتهم
وفعلهم.
6 ـ
ويأتي بعد ذلك كله عنصر المفاجأة بالقتال، بشتى أنواعه،
التي يحتاج العدو في تحرزه منها إلى حركات متفاوتة في مداها وفي
اتجاهاتها، شريطة أن تكون بالغة السرعة، وقوية التأثير..
ولن يكون الإنتقال إلى هذه الحركات سهلاً وميسوراً، إلا
لأقل القليل من الناس.
فكيف إذا كان هؤلاء المقاتلين في صفوف العدو، لا يقومون
بعمل قد اختاروه لأنفسهم، بل تكون حركتهم مجرد رد فعل، يفقدون معه أي
خيار، أو اختيار لموقع القتال ولأسلوبه، فضلاً عن عجزهم عن استهداف أي
نقطة بالقتال، فضلاً عن الضعف الذي سوف يعتري طبيعة حركاتهم القتالية
نفسها..
والخلاصة:
أن هذه المفاجأة بالقتال لابد أن تربكهم، وتمنعهم من
التأمل ومن التدبر والتدبير، وتدارك خطة مدروسة لمواجهة الموقف.
7 ـ
إن للتوقيت
وتحديد ساعة الصفر أهمية بالغة في النجاح في الحرب، فإن المفاجأة إذا
كانت في وقت الصبح على قاعدة:
﴿فَالمُغِيرَاتِ
صُبْحاً﴾([11])،
فلابد أن تكون فرص النجاح أكبر وأوفر، لأن الفريق الذي لم يكلف بمهمات
قتالية، ولو بمثل الرصد والحراسة، يميل في هذه الساعة إلى أن يخلد
للراحة، ظناً منه أن غيره يشاركه في هذا الميل، فينسجم ظنه هذا مع
رغبته تلك، ويستسلم من ثم لأحلامه اللذيذة، وتأخذه سنة الكرى، وهو أكثر
طمأنينة، وأبعد عن التفكير فيما يزعج ويثير.
وأما المكلف بالرصد أو بالحراسة، فإنه إذا كان قد سهر
الليل، حتى بلغ ساعات الصباح الأولى، فلابد أن يتنفس هذا الساهر المرهق
في هذا الوقت الصعداء، ويحسب أنه قد أنهى مهمته، وأن عليه أن يستريح،
ويعوض جسده عن هذا السهر الطويل، بالنوم المستغرق والعميق..
وهذا كله يجعل المفاجأة لهؤلاء وأولئك كبيرة وخطيرة؛
حيث يكون الراصد والحارس في أقصى حالات الإرهاق، ويكون غيره من الناس
مستغرقاً في أحلامه، ولن يكون قادراً على الإنتقال من حالة الإسترخاء
الشديد بأقصى درجاته إلى حالة الإستنفار، بل إلى الدخول في أعنف حالات
الحركات القتالية، التي لا يقتصر الأمر فيها على أن يفكر في الأسلوب
وفي الطريقة القتالية التي يختارها وحسب. بل عليه أن يفكر في اكتشاف
الحركة القتالية للعدو أولاً، ثم يعود إلى نفسه ليفكر فيما يمتلكه من
وسائل دفعها، وفي كيفية استعمال تلك الوسائل بما يناسب حركة العدو
هذه..
وفي سياق آخر نقول:
إن المغير يعرف هدفه، وقد حدده ورسم خطة للتعامل معه،
وهو ينفذ ما رسم.
أما الذين يغير غيرهم عليهم، فلا يعرفون شيئاً عن مواقع
المهاجمين أو عن خطتهم، أو حالاتهم، وليس لديهم أية وسيلة لكشف ذلك
فيهم، لأن العين وهي حاسة الرؤية تكون معطلة بسبب الظلمة، والنور
الضئيل الذي ربما يكون قد بدأ ينتشر إنما هو في مستوى محدود، ولا يغير
من الواقع شيئاً..
بل إنه حتى في حالات الحرب في العصور الحديثة، فمن جهة
تكون أجهزة الرصد غير ذات أثر، فيما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وكذلك
بعد غياب الشمس إلى مضي حوالي ساعة من أول الليل، ومن جهة تكون العين
المجردة محجوبة بالظلمة، أو تكون دائرة عملها محاصرة ومحدودة بمقدار
النور الذي استطاع أن يقتحم جحافل الظلام، وأن يتسلل إلى ثنايا
تراكماته المهيمنة..
8 ـ
وهنا يأتي دور النقع والغبار، الذي يثور في ساحة
المعركة، بسبب سرعة حركة الخيل المغيرة، ليكون الساتر، والمانع من
الاستفادة من كمية النور الضئيلة، التي تسللت إلى الأفق فيما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس.
كما أن لهذا النقع دوراً في إرباك حركة العدو، وفي
التأثير على مخيلته، ويهيء الفرصة لتوهم كيفيات وصور قتالية ضخمة
ومهولة، لا وجود لها في الواقع.
ومن شأن هذا أيضاً أن يزيد ذلك العدو ضعفاً ووهناً،
ويؤكد هزيمته الروحية، وربما يكون سبباً في مبادرته إلى هدر طاقات،
وبذل جهد في غير الاتجاه الصحيح.
9 ـ
ثم يأتي دور
تلك الخيل العادية في الالتفاف على العدو، ومحاصرته بسرعة حسبما أشير
إليه في قوله تعالى:
﴿فَوَسَطْنَ
بِهِ جَمْعاً﴾([12])،
حتى إذا رأى العدو أنه يواجه القتال في كل اتجاه، فإنه لابد أن يصاب
بالإحباط، وباليأس من أن تتيح له المقاومة شيئاً ذا بال، وستتأكد لديه
القناعة بأنه لا فائدة من الاستمرار فيها، لأن حصادها لن يكون في هذه
الحال سوى أن يصبح طعمة للسيوف، وأن يلاقي الحتوف، وفي مثل هذه الحال
سيرى: أن الاستسلام هو الأرجح والأصلح.
وقد أظهرت النصوص المنقولة، وكذلك نزول هذه السورة
المباركة في هذه المناسبة: أن علياً «عليه السلام» قد طبق هذه الأمور
كلها في غزوة ذات السلاسل.
فصلوات الله وسلامه على علي، سيد الوصيين، وقائد الغر
المحجلين، إلى جنات النعيم.
عن سلمان الفارسي رحمه الله قال:
بينما أجمع ما
كنا حول النبي «صلى
الله عليه وآله»
ما خلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه
السلام»
إذ أقبل أعرابي بدوي،
فتخطى
صفوف المهاجرين والأنصار
حتى جثا بين يدي رسول الله «صلى
الله عليه وآله»،
فسأله النبي عن نفسه، وما جاء
به،
فأخبره أنه رجل من بني لجيم.
فقال النبي «صلى الله عليه وآله»:
«ما وراك بما جاء لجيم»؟
قال:
يا رسول الله
خلفت خثعم،
وقد تهيأوا وعبأوا كتائبهم، وخلفت الرايات تخفق فوق رؤسهم، يقدمهم
الحارث بن مكيدة الخثعمي في خمسمائة من رجال خثعم، يتألَّون
باللَّات
والعزى أن لا يرجعوا حتى يردوا المدينة،
فيقتلوك ومن معك يا رسول الله.
قال:
فدمعت عينا النبي «صلى الله عليه وآله» حتى أبكى جميع
أصحابه، ثم قال: «يا معشر الناس سمعتم مقالة الاعرابي»؟
قالوا:
كلّ
قد سمعنا يا رسول الله.
قال:
«فمن منكم يخرج إلى هؤلاء القوم قبل أن يطؤنا في ديارنا
وحريمنا، لعل الله يفتح على يديه، وأضمن له على الله الجنة؟
قال:
فوالله ما قال
أحد: أنا يا رسول الله.
قال:
فقام النبي «صلى
الله عليه وآله»
على قدميه وهو يقول: «معاشر أصحابي هل سمعتم مقالة الأعرابي»؟
قالوا:
كلّ
قد سمعنا يا رسول الله.
قال:
«فمن منكم
يخرج إليهم قبل أن يطؤنا في ديارنا وحريمنا، لعل الله أن يفتح على
يديه، وأضمن له على الله اثني
عشر
قصراً
في
الجنة».
قال:
فوالله ما قال
أحد: أنا يا رسول.
قال:
فبينما النبي
«صلى
الله عليه وآله»
واقف إذ أقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه
السلام»،
فلما نظر إلى النبي «صلى
الله عليه وآله»
واقفاً
ودموعه
تنحدر كأنها جمان انقطع سلكه على خديه لم يتمالك أن رمى بنفسه عن بعيره
إلى الأرض،
ثم
أقبل يسعى نحو النبي «صلى
الله عليه وآله»
يمسح بردائه الدموع عن وجه رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
وهو يقول: ما الذي أبكاك؟ لا أبكى الله، عينيك يا حبيب الله!
هل نزل
في أمتك شيء
من السماء؟
قال:
«يا علي،
ما نزل فيهم إلا خير، ولكن هذا الأعرابي
حدثني عن رجال خثعم بأنهم قد عبأوا كتائبهم.
ثم ذكر له ما جرى، فطلب منه أن يصف له القصور، فوصفها
له.
فقال:
أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب «عليه
السلام»:
فداك أمي وأبي يا رسول الله،
أنا لهم.
فقال النبي «صلى الله عليه وآله»:
«يا علي،
هذا لك
وأنت له،
أنجد
إلى القوم».
فجهزه رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
في خمسين ومائة رجل من الأنصار
والمهاجرين، فقام ابن عباس رضي الله عنه وقال: فداك أبي وأمي
يا رسول الله تجهز ابن عمي
في
خمسين ومائة رجل من العرب إلى خمسمائة رجل وفيهم الحارث بن مكيدة يعد
بخسمائة فارس؟!
فقال النبي «صلى الله عليه وآله»:
«امط عني يا ابن عباس، فوالذي بعثني بالحق لو كانوا على
عدد الثرى وعليٌّ وحده لأعطى الله عليهم النصر حتى يأتينا بسبيهم
أجمعين».
فجهزه النبي «صلى الله عليه وآله» وهو يقول:
«اذهب يا حبيبي، حفظ الله من تحتك، ومن فوقك، وعن
يمينك، وعن شمالك، الله خليفتي عليك».
فسار علي «عليه
السلام»
بمن معه حتى نزلوا بواد خلف المدينة بثلاثة أميال يقال له: وادي ذي
خشب، قال: فوردوا الوادي ليلاً،
فضلوا الطريق، قال: فرفع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه
السلام»
رأسه إلى السماء وهو يقول: يا هادي كل ضال، ويا مفرج كل مغموم، لا تقو
علينا ظالماً،
ولا تظفر بنا عدونا،
واعهدنا إلى سبيل الرشاد.
قال:
فإذا الخيل
يقدح بحوافرها من الحجارة النار،
حتى عرفوا الطريق فسلكوه، فأنزل الله على نبيه محمد:
{وَالْعَادِيَاتِ
ضَبْحاً..}
يعنى الخيل {فَالمُورِيَاتِ
قَدْحاً}
قال: قدحت الخيل بحوافرها من الحجارة النار
{فَالُمغِيرَاتِ صُبْحاً}
قال: صبحهم علي مع طلوع الفجر.
وكان لا يسبقه أحد إلى الأذان،
فلما سمع المشركون الاذان قال بعضهم لبعض: ينبغي أن يكون راعي
في رؤوس هذه الجبال يذكر الله.
فلما أن قال:
أشهد أن محمداً
رسول
الله «صلى
الله عليه وآله».
قال بعضهم لبعض:
ينبغى أن يكون الراعي من أصحاب الساحر الكذاب.
وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه
السلام»
لا يقاتل حتى تطلع الشمس، وتنزل ملائكة النهار.
قال:
فلما أن دخل
النهار،
التفت
أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
إلى صاحب راية النبي «صلى
الله عليه وآله»
فقال له: ارفعها.
فلما أن رفعها،
ورآها المشركون عرفوها، وقال بعضهم لبعض: هذا عدوكم الذي جئتم تطلبونه،
هذا محمد وأصحابه.
قال:
فخرج غلام من المشركين، من أشدهم بأساً، وأكفرهم كفراً،
فنادى أصحاب النبي: يا أصحاب الساحر الكذاب، أيكم محمد؟ فليبرز إليَّ.
فخرج إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه
السلام»
وهو يقول: ثكلتك أمك أنت الساحر الكذاب، محمد جاء بالحق من عند الحق،
قال له: من أنت؟
قال:
أنا علي بن
أبي طالب، أخو رسول الله، و ابن عمه، وزوج ابنته.
قال:
لك هذه المنزلة من محمد؟
قال له علي:
نعم.
قال:
فأنت ومحمد
شرع واحد، ما كنت أبالي لقيتك أو لقيت محمداً،
ثم شد على علي وهو يقول:
لاقـيـت يـا عــلي ضـيـغــــماً قـرماً
كـريـماً في الـوغـا مـعـلَّـــما
ليث شديد من رجـال خثعمـاً يـنـصر ديـنـاً مـعـلـماً
ومحــكــما
فأجابه علي بن أبي طالب «عليه السلام» وهو يقول:
لاقـيـت قرنـاً حدثـاً وضيغـماً([13])
ليثـاً شديـداً في الـوغـا غشمشـما
أنـــا عـــلي ســأبـير خثعــماً بـكـل خـطِّـيٍّ يـري
النقـع دمــا
وكل صارم يثبت الضرب فينعما([14])
ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه، فاختلف بينهما ضربتان،
فضربه علي «عليه
السلام»
ضربة فقتله، وعجل الله بروحه إلى النار، ثم نادى أمير المؤمنين «عليه
السلام»:
هل من مبارز؟
فبرز أخ للمقتول، وحمل كل واحد منهما على صاحبه، فضربه
أمير المؤمنين «عليه
السلام»
ضربة،
فقتله وعجل الله بروحه إلى النار، ثم نادى علي «عليه
السلام»:
هل من مبارز؟
فبرز له الحارث بن مكيدة وكان صاحب الجمع، وهو يعد
بخمسمائة فارس، وهو الذي أنزل الله فيه:
{إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}،
قال: كفور {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ
لَشَهِيدٌ}
قال: شهيد عليه بالكفر {وَإِنَّهُ
لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ}
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»: يعني باتباعه
محمداً.
فلما برز الحارث،
حمل كل
واحد منهما على صاحبه،
فضربه علي
ضربة فقتله، وعجل الله بروحه إلى النار.
ثم نادى علي «عليه السلام»:
هل من مبارز؟
فبرز إليه ابن عمه يقال له:
عمرو
بن الفتاك،
وهو يقول:
أنـا عـمـرو وأبـي الـفـتـــــاك
وبـيـدي نـصـل سـيـف هـتـــاك
أقطع به الرؤس لمن أرى كذاك
فأجابه أمير المؤمنين «عليه
السلام»
وهو يقول:
هــاكـهـــا مــترعـة دهـاقـــا
كأس دهــاق مـزجـت زعـاقـــا
إنـــي امــرؤ إذا مــا لاقــــــا أقــد الهـــام
وأجـــذ ســـاقـــا
ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه، فضربه علي «عليه
السلام» ضربة فقتله، وعجل الله بروحه إلى النار، ثم نادى علي «عليه
السلام»: هل من مبارز؟
فلم يبرز إليه أحد، فشد أمير المؤمنين «عليه
السلام»
عليهم حتى توسط جمعهم، فذلك قول الله: {فَوَسَطْنَ
بِهِ جَمْعاً}،
فقتل
علي «عليه
السلام»
مقاتليهم، وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم، وأقبل بسبيهم إلى رسول الله «صلى
الله عليه وآله».
فبلغ ذلك النبي،
فخرج
وجميع أصحابه حتى استقبل علي «عليه
السلام»
على ثلاثة أميال من المدينة.
وأقبل النبي «صلى الله عليه وآله» يمسح الغبار عن وجه
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» بردائه، ويقبل بين عينيه
ويبكي، وهو يقول:
«الحمد لله يا علي الذي شد بك أزري، وقوَّى
بك ظهري، يا علي،
إنني سألت الله فيك كما سأل أخي موسى بن عمران صلوات
الله وسلامه عليه أن يشرك هارون في أمره، وقد سألت ربي أن يشد بك أزري»
ثم التفت إلى أصحابه وهو يقول:
«معاشر أصحابي لا تلوموني في حب علي بن أبي طالب «عليه
السلام»،
فإنما حبي علياً
من
أمر
الله، والله أمرني أن أحب علياً
وأدنيه،
يا علي من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب الله أحبه
الله،
وحقيق
على الله أن يسكن محبيه الجنة، يا علي من أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني
فقد أبغض الله، ومن أبغض الله أبغضه ولعنه، وحقيق على الله أن يقفه يوم
القيامة موقف البغضاء،
ولا
يقبل منه صرفاً
ولا
عدلاً»([15]).
ونقول:
إننا بغض النظر عن ركاكة الرجز الذي ذكرته الرواية،
وعدم استقامة أوزان عدد من فقراته نشير إلى ما يلي:
قد ذكرت الرواية:
أن ابن عباس
قد قام، فقال لرسول الله
«صلى الله
عليه وآله»:
«فداك
أبي وأمي يا رسول الله، تجهز ابن عمي في خمسين ومائة رجل من العرب، إلى
خمسمائة رجل، وفيهم الحارث بن مكيدة، يعد بخمسمائة فارس»؟!
فقال «صلى الله عليه وآله»:
«أمط
عني يا بن عباس الخ..»([16]).
ونقول:
أولاً:
إن من البعيد أن يصدر ذلك عن ابن عباس، الذي ولد سنة
الهجرة، أو قبلها بثلاث سنوات، فيكون عمره في غزوة ذات السلاسل ثماني
سنوات أو أحد عشرة سنة على أبعد تقدير.. ولا يتوقع من صبي بهذه السن أن
يواجه النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» بهذا الاعتراض. وأن يجيبه
النبي «صلى الله عليه وآله» بهذا الجواب.
فإن هذا الجواب، خصوصاً قول «صلى
الله عليه وآله»:
«أمط
عني يا بن عباس»
يستبطن درجة من القسوة على طفل بهذه السن..
كما أن نفس هذا الذي اعترض به ابن عباس والمتضمن لتفصيل
واستدلال، وجرأة، إنما يتوقع من أناس نشأوا في بيئة غير صالحة، وممن لا
يلزمون أنفسهم بمقتضيات الأدب مع النبي الكريم
«صلى الله
عليه وآله»..
ثانياً:
إنهم يزعمون: أن العباس هاجر قبل الفتح بقليل وهو موضع ريب وشك، بل هو
قد أسلم يوم فتح مكة، قال في الإستيعاب:
«أظهر
إسلامه يوم فتح مكة، وشهد حنيناً والطائف وتبوك»([17]).
وقال البلاذري:
«لقي
العباس النبي
«صلى الله
عليه وآله»
بذي الحليفة، ـ قال ابن هشام: لقيه بالجحفة ـ وهو يريد مكة، وقد أظهر
إسلامه. فأمر النبي
«صلى الله
عليه وآله»
أن يمضي ثقله إلى المدينة، وقال له: هجرتك يا عم آخر هجرة، كما أن
نبوتي آخر نبوة»([18]).
ونظن أن أحفاده العباسيين هم الذين
حاولوا:
أن ينيلوه فضل الهجرة ولو بأن يلتقي بالنبي
«صلى الله
عليه وآله»
بذي الحليفة، إذ لا هجرة بعد الفتح. مع أنهم قد غفلوا عن أنه كان لا
يزال حين الفتح في مكة، وهو الذي ضغط على أبي سفيان لكي يظهر الإسلام
قبل ضرب عنقه، وذلك حين استعرض هو وإياه كتائب المسلمين الآتية لفتح
مكة فراجع([19]).
فإذا كان العباس آنئذٍ لا يزال يعيش في مكة، ولم يهاجر
إلى المدينة إلا بعد الفتح. وكانت عائلته معه، فمن أين؟ وكيف ظهر ابن
عباس في هذه الغزوة التي سبقت فتح مكة؟
ثالثاً:
أليس قد عاد الناس لِتَوِّهم من غزوة خيبر، التي كان جيش المسلمين فيها
حوالي ألف وخمس مئة مقاتل، في مقابل عشرة آلاف من اليهود فضلاً عن
غيرهم؟
وكان قد شاع وذاع أيضاً ما حاق بالمشركين على يد
المسلمين في بدر، وأُحد، والأحزاب، وفي سائر المواقف، مع قلة عدد
المسلمين في أكثر المعارك، وكثرة عدد أعدائهم، الذين كثيراً ما كانوا
يزيدونهم بأضعاف، وقد كان النصر حليفهم باستمرار..
رابعاً:
إذا كان ابن مكيدة يعد بخمس مئة فارس، فإن علياً
«عليه
السلام»
يعد بالألوف، وهو قالع باب خيبر، وفاتح حصونها بالأمس وحده، وهو قاتل
عمرو بن عبد ود، الذي كان يعدُّ يعد بألف فارس، وهو هازم جيش الشرك في
حرب أحد وحده، إلى غير ذلك مما هو ذائع وشائع.
وقالوا لقد كان العدد الذي جمعه بنو خثعم لمهاجمة
المدينة هو خمس مئة من رجل كما ورد في بعض الروايات([20]).
ونقول:
ألا يمكن أن يقال:
إن خمس مئة رجل قد لا يجرؤون على مهاجمة المدينة، بعد أن هزم الله يهود
خيبر، وهم أكثر من عشرة آلاف، بتلك الطريقة المخزية كما تقدم، وهزم
الله المشركين يوم الأحزاب، وهم ألوف، وهزمهم الله أيضاً في بدر وفي
أُحد، وفي سائر المشاهد؟!
إلا إن كان الهدف هو أخذ المسلمين على حين غرة، قد
تنتهي بقتل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وانفراط جمع المسلمين.
ولكنه احتمال بعيد، فإن الإسلام قد انتشر وشاع وذاع، وكثر له الأتباع
في جميع الأصقاع، ولا بد أن يوجب قتل رسول الله «صلى الله عليه وآله»
ثورة جميع الناس ضد بني خثعم.
إن هذا يقوي احتمال تعدد هذه الواقعة، وتعدد فرار أولئك
القوم، أعني أبا بكر، وعمر، قد جاء ليزيل به أية شبهة في عدم صحة ما
يدَّعونه لأنفسهم من فضل وكرامات، ومواقف وبطولات، فظهرت هزيمتهم في
المواقف المختلفة لكي لا يتخيل أحد: أن ما جرى لهم في بني قريظة، ثم في
خيبر، ثم في فدك، وقد كان مجرد حالة عفوية، طارئة، فرضتها معطيات
مفاجئة، لم يكونوا يظنون أنهم سوف يواجهونها..
يضاف إلى ذلك كله،
فرارهم
المتوالي في سرية وادي يابس، وسرية ذات السلاسل، وربما وادي الرمل،
وسوى ذلك مما يتأكد احتماله لدى الباحث المنصف([21]).
ثم إن الرواية المتقدمة قد ذكرت:
بكاء النبي «صلى الله عليه وآله» حتى أبكى جميع أصحابه،
وذلك حين أخبره ذلك الرجل بما عزم عليه بنو خثعم.
والسؤال هو:
لماذا هذا البكاء يا ترى؟!
إننا لا يمكن أن نحتمل:
أن يكون بكاء
الخوف، أو بكاء الضعف،
فإن هذا مما
لابد من تنزيه رسول الله عنه.. علماً أنه
«صلى الله
عليه وآله» قد واجه أضعاف هذا العدد
من الأعداء
في وقت كان المسلمون فيه في غاية القلة، والضعف من حيث العدة والعدد.
ولم ينس المسلمون بعد ما جرى في خيبر، والأحزاب، وبدر، وأُحد، وسوى
ذلك..
كما أنه «صلى الله عليه وآله» قد أضحى قادراً على حشد
اضعاف ما حشده بنو خثعم..
وحتى لو كان هذا الأمر يستوجب
البكاء، ولنفترض:
أنه بكى إشفاقاً على بعض أصحابه من أن يصيبهم سوء، أو
لغير ذلك من أسباب..
ولكن هل يصح أن يكون هذا البكاء علنياً وعلى رؤوس
الأشهاد؟!
وألا يوجب هذا البكاء والإبكاء وهناً في المسلمين،
وإطماعاً لأعدائهم بهم؟! فيكون بالتالي نقضاً للفرض، وتضييعاً بل
تفريطاً خطيراً، وغير مقبول؟!
الإحجام
غير المفهوم:
ولا ندري لماذا يحجم المسلمون عن الخروج إلى أولئك
القوم، فلا يجيبون رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»؟!
ولماذا زهدوا بالجنة التي ضمنها لهم رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
مع كثرة جموعهم، وقلة عدوهم؟!
كيف وقد جهز «صلى الله عليه وآله» إلى مؤتة بالأمس
ثلاثة آلاف مقاتل. وجهز قبلها ألفا وخمس مائة مقاتل إلى خيبر، ومثلها
إلى الحديبية قبل ذلك.. ثم لا يجرؤ أحد من أصحابه على إجابته،
والمبادرة إلى امتثال أمره؟!
وأما بالنسبة لاقتصار النبي
«صلى الله
عليه وآله»
على مائة وخمسين رجلاً في مقابل خمس مئة، ومنهم بطل يعد بخمس مئة فارس.
نلاحظ:
أن الرواية أشارت إلى أن ثمة من التفت إلى هذا الأمر، وسأل عنه، وقد
سمت الرواية ابن عباس، وقالت:
إنه سأل عن أنه
إذا كان بإمكان النبي
«صلى الله
عليه وآله»
أن يجهز الألوف إلى الحرب، فلماذا اكتفى بمائة وخمسين رجلاً؟!
فأجابه
«صلى الله
عليه وآله»
بأنه يريد أن يظهر أثر علي
«عليه السلام»، وشجاعته، ومدى استعداده للتضحية؟! وأنه
لو ارسله وحده فإن الله ينصره عليهم.
وذلك ليؤكد للناس:
أنه «عليه
السلام» محل عناية الله ورعايته، وأنه مؤيد بنصره
عز وجل..
وما ذلك إلا لشدة تفانيه في ذات الله، وحرصه على الفوز
برضاه تبارك وتعالى.
ثم إننا نستبعد:
أن يكون
علي
«عليه السلام»،
ومن معه ما لبثوا أن
ضلوا عن الطريق وهم أهل البلاد،
ويعرفون
شعابها ومسالكها..
ولو فرض:
أن بعضهم قد وقع في الشبهة، فإن من الطبيعي أن يكون بين
هذا العدد من الناس الكثيرون ممن يعرفون الطريق، ويرشدون رفقاءهم
إليها، ويدلونهم عليها..
يضاف إلى ذلك:
أن علياً
«عليه السلام» قائدهم هو الذي سلك المسالك الوعرة والغامضة في سرية
ذات
السلاسل،
حتى إن ذلك قد
حرك عمرو بن العاص،
وكذلك خالد بن الوليد لتوسيط
أبي
بكر وعمر لديه، ليرجع بهم إلى الجادة، فأجابهم
أنه يعلم ما يصنع..
فلماذا لا يرشدهم علي العارف بغوامض الطرق، والواقف على
المسالك الصعبة، إلى طريق الجادة، حتى احتاجوا إلى قدح النار من حوافر
خيولهم؟!
وحتى
لو قبلنا بأنهم قد ضلوا الطريق..
فإن
حديث معرفتهم الطريق بسبب قدح النار من حوافر الخيل،
يبقى هو الآخر
موضع
ريب، فإن قدح الشرر لا يوجب رؤية
الطريق،
وتمييز معالمها، كما أنه لا يوجب
اشتعال
النار،
إلى حد أن
تكشف ما حولها..
إلا إن كان المقصود:
أن سيره على الحجارة الذي أوجب قدح الشرر من حوافر
الخيل قد عرَّفهم بأنهم يسيرون على الطريق. مع افتراض أن يكون وجود
الحجارة دليلاً على الطريق، باعتبار أن سائر المسالك لا حجارة فيها..
ولكن هذا يبقى مجرد
احتمال،
قد يعرض له التأييد أو التفنيد،
بحسب ما يعرض له من أدلة
أو شواهد.
بل هو احتمال بعيد، وافتراض غير سديد.
وأما ما ذكرته الرواية:
من أن علياً «عليه السلام» كان لا يقاتل حتى تطلع
الشمس، وتنزل ملائكة النهار..
فلعله اشتباه من الراوي، وذلك لما يلي:
1 ـ
إن ملائكة
النهار تنزل من حين طلوع الفجر، كما روي عن الإمام الصادق «عليه
السلام» في تفسير قوله تعالى:
{إِنَّ
قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}([22])،
يعني صلاة الفجر، تشهده ملائكة الليل،
وملائكة النهار([23]).
2 ـ
قد تقدم: أن
النبي «صلى الله عليه وآله» ما بيَّت
عدواً قط ليلاً..
بل إن علياً «عليه السلام» كان لا يقاتل إلا بعد زوال
الشمس ظهراً،
وقد تقدم ذلك..
وقد شرح أمير المؤمنين «عليه السلام» نفسه أسباب عدم
قتاله إلا بعد زوال الشمس.. فركز على الأسباب التالية:
1 ـ
إن هذا الوقت
أقرب إلى الليل، فإذا ذاق المقاتلون طعم القتال، وعرفوا أنه ليس مجرد
نزهة، بل فيه آلام ومصائب،
وكوارث ونوائب،
ثم
جنهم الليل، فإنهم سوف يعيدون
النظر في
حساباتهم، وسيقيِّمون
الأمور وفق أمور عينية ملموسة، لم تعد مجرد تصورات غائمة،
تكتنفها الكثير من التخيلات التي تقلل من وضوحها،
وتهون من أمرها.
فالألم المتصور والمفترض لا يؤثر في قرار الإنسان
بمقدار ما إذا أصبح ماثلاً وحاضراً، والمصاب الذي تسمع به أو تقرأ عنه
ليس تأثير بمقدار المصاب الذي تراه وتعيشه، وتعاني منه ما تعاني..
فقد يدفعك خيال مَّا،
أو يهيجك هائج حمية أو عصبية، أو يدعوك داعي طمع، أو جشع،
أو تزين لك أحلام وردية، ترتكز إلى حسابات
خاطئة أن تقتحم أتون الحرب.. فتبادر إلى ذلك.. فإذا مسَّك
شيء من
بلاياها وزراياها،
يرجع إليك
صوابك، وتلتمس الخلاص، ولات حين مناص..
ثم
تطحنك رحى
الحرب فيما تطحن، وتحطم ما صلب منك، وتلتهم ما
رقَّ ولان.
وتجد نفسك غير قادر على استرجاع ما ذهب، ولا استدراك ما يأتي، وتفرض
عليك تلك الحرب كل تبعاتها، وتحملك ما أردته وما لم ترده من جرائمها
وموبقاتها، وتلقي عليك بكلاكلها وأثقالها،
وتبوء
بكل
مخزياتها..
2 ـ
إن هذا الوقت
القصير، الذي هو بداية القتال، يكون فيه رجال
الحرب
على درجة عالية من اليقظة، والنشاط والحذر، ويريد كل
منهم أن يختبر قدرات العدو، وأن يكتشف مكامن قوته، ومواضع ضعفه.
فالإقدام فيه محدود،
والحذر
فيه على أشده.. ولا تتوفر فيه دواع للاستقتال
وطلب الموت، إذ لم يستحر القتل فيه بالأحبة، ولا وقع الأسر بعد
على
الأبناء
والإخوة، ولا السبي أو العدوان على
رموز
الشرف، ومواضع الغيرة..
فلا موجب إذن لثورة حماس الشجعان.
ليلقوا
بأنفسهم في المهالك، طلباً للثار،
أو لأجل محو العار.
وإذا كانت الأمور لا تزال في حدودها المعقولة هذه،
فيمكن للعاقل أن يثوب إليه رشده في الليلة التي تعقب هذه البداية،
ويكون ـ في هذه الحال ـ مدركاً بعمق حقيقة ما هو فيه،
ونتائج ما يقدم عليه، فيوازن بين الحالين، ويتخذ القرار الرشيد،
والموقف السديد..
3 ـ
وإذا كان هناك من يلاحق مهزوماً فسيمنعه حلول الليل من
مواصلة سعيه.
4 ـ
ولا ضير في أن
ينجو ذلك المهزوم، فإن هزيمته النفسية، تكفيه
هو الآخر
ليعيد
حساباته،
ويستأنف حياته، بنمط جديد، وحزر شديد.
كما أن المطلوب المهم هو دفع شره، والتخلص من أذاه..
وقد حصل ذلك فعلاً.. وليس المطلوب هو قتله، أو أسره، إلا إذا كان دفع
شره يحتاج إلى ذلك.
وهذا هو ما قاله علي «عليه السلام»:
«هو أقرب إلى
الليل، وأجدر أن يقل القتل،
ويرجع الطالب،
ويفلت المنهزم »([24]).
وقد ذكرت الرواية المتقدمة أن قوله تعالى:
{إِنَّ
الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}([25])
قد نزل في الحارث بن مكيدة، إلى أن قال تعالى:
{وَإِنَّهُ
لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ}([26]).
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»:
يعني باتباعه محمداً([27]).
وقيل:
المراد عمرو
بن العاص([28]).
وقيل:
غير ذلك..
ونقول:
إن هذا الاختلاف لا ضير فيه، إذ لعل السورة قد نزلت
أكثر من مرة. ولهذا نظائر كثيرة، حسبما أشرنا إليه في موارد أخرى في
هذا الكتاب، وفي غيره.
غير أن تفسير آية:
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ
الخَيْرِ لَشَدِيدٌ}([29])
بعلي «عليه السلام». لا يلائم سياق
الآيات. حيث يظهر
من السياق أن حب ذلك الكنود للخير،
أي أن حبه
للنعم
الدنيوية، مثل المال، والجاه، والبقاء على قيد الحياة، شديد، ولذلك خاف
الذين أرسلهم النبي
«صلى
الله عليه وآله»
أولاً على أنفسهم، وحسدوا علياً
«عليه
السلام»،
وحاولوا إحباط مسعاه في تحقيق النصر..
ثم ذكرت الآيات أن هؤلاء المحبين للدنيا سيرون في يوم
القيامة كيف أن الله سيظهر ما أضمروه في صدورهم، وسيفضح ما انطوت عليه
قلوبهم. {أَفَلَا
يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ مَا فِي
الصُّدُورِ، إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ}([30]).
([1])
الآيتان 27 و 28 من سورة الفجر.
([2])
البحار ج21 ص67 ـ 73 وتفسير القمي ج2 ص434 ـ 438 وتفسير فرات
ص599 ـ 602 والبرهان (تفسير) ج4 ص495 ـ 497 ونور الثقلين ج5
ص652 ـ 655 والتفسير الصافي ج5 ص361 ـ 365 وتأويل الآيات ص844
ـ 848.
([3])
وفاء الوفاء ج4 ص1329 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص190.
([4])
راجع: تاريخ الخميس ج1 ص469 عن ابن سعد، والسيرة الحلبية ج2
ص277 وسيرة مغلطاي ص54 ونهاية الإرب ج17 ص163 والمواهب اللدنية
ج1 ص108 وزاد المعاد ج2 ص112 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص62
وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص23 والتنبيه والإشراف ص214
والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص266. ووفاء الوفاء ج4 ص1328 وعن
عيون الأثر ج2 ص32 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص94 والبدء والتاريخ
ج4 ص214.
([5])
السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص69 والبحار ج21 ص60 عن المعتزلي،
وسبل الهدى والرشاد ج6 ص146 والمغازي للواقدي ج2 ص758 وراجع:
السيرة الحلبية ج3 ص66.
([6])
الآية 1 من سورة العاديات.
([7])
المفردات للراغب ص292.
([8])
البحار ج21 ص66 عن مجمع البيان ج10 ص528 و 529 و (ط مؤسسة
الأعلمي) ص421 و 422.
([9])
راجع أقرب الموارد، مادة: ضبع وراجع: بدائع الصنائع ج1 ص210
وكتاب العين ج1 ص284 ولسان العرب ج8 ص216.
([10])
البحار ج21 ص66 عن مجمع
البيان ج10 ص528 و 529 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص421 و 422 وكتاب
العين للفراهيدي ج3 ص110 ولسان العرب ج2 ص543 والقاموس المحيط
ج1 ص226 وتاج العروس ج2 ص186.
([11])
الآية 3 من سورة العاديات.
([12])
الآية 5 من سورة العاديات.
([13])
هذا الشعر ورد كذلك، ولا يخفى عدم استقامة الوزن في هذا الشطر.
([14])
هذا الشطر غير مستقيم الوزن.
([15])
البحار ج21 ص84 و 90 عن تفسير فرات ص593 ـ 598.
([16])
البحار ج21 ص87 وتفسير فرات ص595.
([17])
الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص95 وراجع: الجوهر النقي ج9
ص106 وعن ذخائر العقبى ص191 ومغني المحتاج ج4 ص239 وسبل الهدى
والرشاد ج11 ص98.
([18])
السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص859 والسيرة النبوية لابن كثير
ج3 ص534 وأنساب الأشراف ج1 ص255 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص213
والبداية والنهاية ج4 ص328 ومواقف الشيعة ج1 ص171 عن عيون
الخبار لابن قتيبة ج1 ص5.
([19])
راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص178 والبحار ج21 ص128 و 129
ومستدرك سفينة البحار ج8 ص108 و 109 وإعلام الورى ج1 ص220 و
221 وقصص الأنبياء ص346 و 347.
([20])
البحار ج21 ص85 و 86 و 88 وتفسير فرات ص593.
([22])
الآية 78 من سورة الإسراء.
([23])
راجع: البحار ج5 ص321 وج9 ص296 وج11 ص117 و 118 وج53 ص212 وج73
ص254 و 263 وج77 ص30 و 72 و 73 و 99 و 102 ومستدرك سفينة
البحار ج6 ص329 وج8 ص132 وعن مسند أحمد ج2 ص474 وراجع: فقه
الرضا «عليه السلام» ص72 والمعتبر للمحقق الحلي ج2 ص17 ومنتهى
المطلب (ط ق) ج1 ص196 و (ط ج) ج4 ص25 و 27 وتذكرة الفقهاء (ط
ق) ج1 ص72 و (ط ج) ج2 ص273 والذكرى ص113 و 122 ومدارك الأحكام
ج3 ص24 والحبل المتين ص122 ومفتاح الفلاح ص4 والحدائق الناضرة
ج6 ص207 ومستند الشيعة ج4 ص53 وجواهر الكلام ج7 ص168 ومسند زيد
بن علي ص99 والمبسوط للسرخسي ج1 ص157 وفقه السنة ج1 ص97 و 157
والمحاسن ج2 ص323 والكافي ج3 ص283 و 487 وج8 ص341 ومن لا يحضره
الفقيه ج1 ص222 و 455 وعلل الشرايع ج2 ص324 و 336 وأمالي
الصدوق ص254 وثواب الأعمال ص136 والإستبصار ج1 ص275 وتهذيب
الأحكام ج2 ص37 وروضة الواعظين ص317 ومختصر بصائر الدرجات ص131
والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص273 و ج4 = = ص50 و 52 و 53 و
212 و 213 و (ط دار الإسلامية) ج1 ص261 وج3 ص35 و 36 و 37 و 60
و 154 و 155 ومستدرك الوسائل ج3 ص51 و 120 و 124 و 164 وج4 ص75
والإختصاص ص36 وأمالي ص695 وعوالي اللآلي ج1 ص421 وحلية
الأبرار ج1 ص160 وسنن ابن ماجة ج1 ص220 وسنن الترمذي ج4 ص364
والمستدرك للحاكم ج1 ص211 والمصنف للصنعاني ج1 ص523 وعن السنن
الكبرى للنسائي ج6 ص381 وصحيح ابن خزيمة ج2 ص365 وصحيح ابن
حبان ج5 ص409 وكتاب الدعاء للطبراني ص59 وتفسير أبو حمزة
الثمالي ص236 وتفسير القمي ج2 ص25 والتبيان ج6 ص509 ومجمع
البيان ج2 ص128 وج6 ص283 وتفسير جوامع الجامع ج2 ص382 وفقه
القرآن ج1 ص82 و114 وتفسير غريب القرآن ص197 والتفسير الصافي
ج3 ص210 والتفسير الأصفى ج1 ص692 ونور الثقلين ج3 ص201 وجامع
البيان ج15 ص173 و 174 و 175 و 176 ومعاني القرآن ج4 ص183 وزاد
المسير ج5 ص53 والجامع لأحكام القرآن ج10 ص306 وتفسير القرآن
العظيم ج1 ص13 و 53 وتفسير الجلالين ص374 وعن الدر المنثور ج4
ص396 وعن فتح القدير ج3 ص251 و 255 وعن البداية والنهاية ج1
ص56 وسبل الهدى والرشاد ج9 ص150 والنهاية في غريب الحديث ج2
ص513.
([24])
الوسائل ج11 ص46 وفي هامشه عن الكافي (الفروع) ج1 ص335 وعن
تهذيب = = الأحكام ج2 ص256 وعن علل الشرايع ج2 ص603 والبحار
ج33 ص453 وج97 ص22 والكافي للحلبي ص256 ومنتهى المطلب (ط ق) ج2
ص997 والتحفة السنية (مخطوط) ص199 ورياض المسائل (ط ق) ج1 ص489
و (ط ج) ج7 ص511 وجواهر الكلام ج21 ص81 والكافي (ط دار الكتب
الإسلامية) ج6 ص173 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص63 و (ط
دار الإسلامية) ج11 ص47 والبحار ج11 ص453 وج94 ص22.
([25])
الآية 6 من سورة العاديات.
([26])
الآية 8 من سورة العاديات.
([27])
البحار ج 21 ص 88 و 89 عن تفسير فرات ج1 ص16.
([28])
البحار ج 21 ص 77 عن الخرايج والجرايح.
([29])
الآية 8 من سورة العاديات.
([30])
الآيات 9 ـ 11 من سورة العاديات.
|